الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
4 - العدو الرابع: المنافقون
1 - علامات المنافقين
قال الله تعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا (142)} [النساء: 142].
وقال الله تعالى: {وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ (101)} [التوبة: 101].
النفاق: هو إظهار الخير وإبطان الشر.
والنفاق قسمان:
الأول: النفاق الأكبر: وهو النفاق الاعتقادي، بأن يظهر صاحبه الإسلام .. ويبطن الكفر .. وجميع ما ذكر في القرآن فالمقصود به النفاق الأكبر، وصاحبه في الدرك الأسفل من النار كما قال سبحانه:{إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا (145)} [النساء: 145].
الثاني: النفاق الأصغر: وهو النفاق في الأعمال ونحوها، وصاحبه لا يخرج من ملة الإسلام لكنه عاص، وله علامات.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: «أرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا، وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنَ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا: إذَا اؤْتُمِنَ خَانَ، وَإذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإذَا عَاهَدَ غَدَرَ، وَإذَا خَاصَمَ فَجَرَ» متفق عليه (1).
والنفاق لم يكن موجوداً قبل هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة وبعد أن هاجر، فلما كانت غزوة بدر، ونصر الله المؤمنين على الكفار، وأظهرهم
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (34) واللفظ له، ومسلم برقم (58).
وأعزهم، ذل من في المدينة ممن لم يسلم، فأظهر بعضهم الإسلام خوفاً ومخادعة، ولتحقن دماؤهم، وتسلم أموالهم، وتحفظ مكانتهم، وليسهل عليهم كيد المسلمين، وتمزيق وحدتهم، والمكر بهم وخداعهم.
فكانوا بين أظهر المسلمين، في الظاهر أنهم منهم، وفي الحقيقة أنهم ليسوا منهم، فنال المسلمين منهم شر عظيم وبلاء مستطير.
ومن لطف الله تعالى بالمؤمنين أن كشف أحوالهم، وجلا صفاتهم، لئلا يغتر بهم المؤمنون، ولينقمعوا عن كثير من فجورهم.
ومن أعظم صفات المنافقين:
الأولى: الكذب أنهم يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم كما قال الله عنهم: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ (8)} [البقرة: 8].
الثانية: الخداع: فهم يظهرون الإسلام ويبطنون الكفر مخادعة لله ولعباده المؤمنين، ولكنهم في الحقيقة لا يخدعون إلا أنفسهم، فما يعملون من المكر والكيد لإهلاك أنفسهم؛ لأن الله لا يتضرر بخداعهم، وعباده المؤمنون لا يضرهم كيدهم شيئاً:{يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (9)} [البقرة: 9].
فسلمت أموالهم، وحقنت دماؤهم، وصار كيدهم في نحورهم، وحصل لهم بذلك الخزي والفضيحة في الدنيا، والحزن المستمر حين يرون ما يحصل للمسلمين من القوة والنصرة، ثم في الآخرة لهم العذاب الأليم الموجع.
الثالثة: الشك والتردد، ففي قلوبهم مرض الشك والشبهات والنفاق كما قال سبحانه:{فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (10)}
…
[البقرة: 10].
الرابعة: الإفساد في الأرض: فلا أعظم فساداً ممن كفر بآيات الله، وصد عن سبيل الله، وخادع الله وأولياءه، ووالى المحاربين لله ورسوله، وعمل بالكفر والمعاصي، وزعم مع ذلك أن هذا إصلاح، وأي فساد فوق هذا الفساد؟،
وأعظم منه شدة إنكارهم على من نهاهم عنه؟.
…
[البقرة: 11 - 12].
فجمعوا بين فعل الباطل واعتقاده حقاً، وهذا أعظم جناية ممن عمل بالمعصية مع اعتقاد أنها معصية، فهذا أقرب إلى السلامة، وأرجى لرجوعه.
وصلاح الأرض أن تعمر بالإيمان بالله وعبادته، وطاعة الله ورسوله.
ولهذا خلق الله الخلق وأسكنهم في الأرض، وأدر لهم الأرزاق ليستعينوا بها على طاعة الله وعبادته، فإذا عمل الناس فيها بضده، كان سعياً بالفساد فيها، وإخراباً لها عما خلقت من أجله.
الخامسة: تسفيه الناس، فهم يزعمون أن الصحابة والمؤمنين سفهاء، وأن سفههم أوجب لهم الإيمان، وترك الأوطان، ومعاداة الكفار، والتعرض للقتل والفقر، والحرمان من الشهوات:{وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُونَ (13)}
…
[البقرة: 13].
فنسبوا المؤمنين إلى السفه، وفي ضمنه أنهم هم العقلاء أرباب الحجج والنهي، وفي الحقيقة أنهم هم السفهاء؛ لأن السفه جهل الإنسان بمصالح نفسه، وسعيه فيما يضرها، وهذه الصفة صادقة عليهم، فكم ينالهم بسبب نفاقهم من الخزي في الدنيا، والعذاب في الآخرة.
السادسة: الاستهزاء بالمؤمنين: فهم إذا اجتمعوا بالمؤمنين أظهروا أنهم معهم، وإذا خلوا إلى شياطينهم وكبرائهم قالوا: إنا معكم في الحقيقة، وإنما نحن مستهزئون بالمؤمنين، فهذه حالهم:{وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ (14) اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (15)} [البقرة: 14 - 15].
فهذه أهم صفاتهم القبيحة، وعلاماتهم المميزة لهم، فلله ما أخسرهم، وما أعظم ضلالهم: {أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا
مُهْتَدِينَ (16)} [البقرة: 16].
فالمنافقون رغبوا في الضلالة رغبة المشتري بالسلعة التي من رغبته فيها يبذل فيها الأثمان النفيسة، فالهدى غاية الصلاح، والضلالة غاية الشر، وهؤلاء المنافقون بذلوا الهدى رغبة عنه بالضلالة، فهذه تجارتهم، فبئس التجارة، وبئس الصفقة صفقتهم.
فما أسفه وما أضل من بذل الهدى في مقابلة الضلالة .. واختار الشقاء على السعادة .. ورغب في سافل الأمور عن أعاليها.
فهل مثل هذا رابح في تجارته؟.
كلا .. بل هو خاسر فيها أعظم خسارة، حيث لا أمل في الربح هناك:{قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ (15)} [الزمر: 15].
فهؤلاء المنافقون عاشوا بين المؤمنين وهم غير مؤمنين، لكنهم انتفعوا بنور الإيمان، وحقنت بذلك دماؤهم، وسلمت أموالهم، وحصل لهم نوع من الأمن في الدنيا، فبينما هم على ذلك إذ هجم عليهم الموت، فسلبهم الانتفاع بذلك النور، وحصل لهم كل هم وغم وعذاب.
وحصل لهم ظلمة القبر .. وظلمة الكفر .. وظلمة النفاق .. وظُلَم المعاصي على اختلاف أنواعها .. وبعد ذلك ظلمة النار.
فهم صم عن سماع الحق والخير .. وبكم عن النطق به .. وعمي عن رؤية الحق .. فهم لا يرجعون؛ لأنهم تركوا الحق بعد أن عرفوه.
والمنافقون إذا سمعوا القرآن، وأوامره ونواهيه، ووعده ووعيده، جعلوا أصابعهم في آذانهم، وأعرضوا عن أمره ونهيه، ووعده ووعيده، فيروِّعهم وعيده، وتزعجهم وعوده، فهم يعرضون عنها غاية ما يمكنهم، ويكرهونها
كراهة صاحب الصَّيِّب الذي يسمع الرعد، فيجعل أصابعه في أذنيه خشية الموت كما قال سبحانه:{أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ (19)} [البقرة: 19].
هكذا حال المنافقين إذا سمعوا القرآن، وأوامره ونواهيه.
ومن صفات المنافقين أنهم يحبون أن يتحاكموا إلى الطاغوت، وهو كل من حكم بغير شرع الله، ولا يرغبون في الانقياد لشرع الله وتحكيمه في أي أمر من الأمور:{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا (60)} [النساء: 60].
وإذا دعوا إلى حكم الله ورسوله صدوا وأعرضوا: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا (61)} [النساء: 61].
ومن صفاتهم محبتهم لكفر المؤمنين وحسدهم لهم: {وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً فَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ حَتَّى يُهَاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (89)} [النساء: 89].
ومن صفاتهم اتخاذ الكافرين أولياء من دون المؤمنين كما قال سبحانه: {بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (138) الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا (139)} [النساء: 138 - 139].
ومن صفاتهم المخادعة لله وأوليائه، والمراءاة في الأعمال كما قال سبحانه:{إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا (142)}
…
[النساء: 142].
ومن صفاتهم عدم الرغبة في الخروج للجهاد في سبيل الله طما قال سبحانه: {وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ (46)}
…
[التوبة: 46].
ومن صفاتهم الكيد للإسلام وأهله، وإعمال الحيل في إبطال الدعوة إلى الله،
وخذلان المؤمنين وفتنتهم عن دينهم كما قال سبحانه: {لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ حَتَّى جَاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَارِهُونَ (48)} [التوبة: 48].
ومن صفاتهم أنهم مبغضون للدين وأهله، إن أصاب المسلمين حسنة وخير ساءهم ذلك، وإن أصاب المسلمين بلاء ومصيبة كنصر عدو عليهم فرحوا قبحهم الله كما قال سبحانه:{إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِنْ قَبْلُ وَيَتَوَلَّوْا وَهُمْ فَرِحُونَ (50)}
…
[التوبة: 50].
ومن صفاتهم كراهيتهم للإنفاق في سبيل الله، وإذا أنفقوا أنفقوا من غير انشراح صدر؛ لعدم إيمانهم، فهم ينفقونها حسرة، ولا يرجون عليها ثواباً فلذلك يكرهون الإنفاق كما قال سبحانه:{وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى وَلَا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ (54)} [التوبة: 54].
ومن صفاتهم الجبن والخوف من الدوائر ومن المسلمين، فيخافون إن أظهروا حالهم من المؤمنين، ويخافون أن يتبرأ المؤمنون منهم، فيتخطفهم الأعداء من كل جانب، ولذلك يقسمون للمؤمنين كما قال سبحانه:{وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَمَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ (56) لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغَارَاتٍ أَوْ مُدَّخَلًا لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ (57)} [التوبة: 56 - 57].
ومن صفاتهم عيب المسلمين وانتقادهم حسب مصلحتهم منهم كما قال سبحانه: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ (58)}
…
[التوبة: 58].
ومن صفاتهم كثرة الحلف والاعتذار للمؤمنين ليرضوا عنهم كما قال سبحانه: {يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ (62)} [التوبة: 62].
ومن صفاتهم عدم الرغبة في القرآن وحلق العلم؛ لأن ذلك يكشف ما في قلوبهم كما قال سبحانه: {يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ (64)} [التوبة: 64].
وقد فضح الله في القرآن مخازي المنافقين، وهتك أستارهم؛ لينكشف أمرهم، ويحتاط المسلمون لكيدهم ومكرهم، إلا أن الله لم يعين أشخاصهم لفائدتين:
إحداهما: أن الله ستِّير يحب الستر على عباده.
الثانية: أن الذم على من اتصف بذلك الوصف من المنافقين في ذلك الوقت إلى يوم القيامة، فكان ذكر الوصف أعم وأنسب وأخوف، فلكل منافق في أي مكان وفي أي زمان الخوف والخزي والخذلان واللعن في الدنيا كما قال سبحانه:{لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا (60) مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا (61)} [الأحزاب: 60 - 61].
ولهم أشد العذاب يوم القيامة كما قال سبحانه: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا (145)} [النساء: 145].
ومن صفات المنافقين تولي بعضهم بعضاً؛ لأنهم اشتركوا في النفاق فاشتركوا في تولي بعضهم بعضاً.
وقد وصفهم الله بوصف عام، لا يخرج منه صغير منهم ولا كبير فقال سبحانه:{الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (67)} [التوبة: 67].
ففسق المنافقين أعظم فسق، ولذلك صار عذابهم أشد عذاب، وقد جمع الله الكفار والمنافقين والمنافقات في النار، وألحق بهم اللعنة وأوجب لهم الخلود في النار؛ لأجتماعهم في الدنيا على الكفر، والمعاداة لله ورسوله وعباده المؤمنين، والكفر بآيات الله، وصدهم عن سبيله كما قال سبحانه: {وَعَدَ اللَّهُ
الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ (68)} [التوبة: 68].
ويجب على المسلمين جهاد الكفار والمنافقين بالسيف والسنان، واللسان والبيان كما قال سبحانه:{يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (73)} [التوبة: 73].
فمن بارز منهم بالمحاربة فيجاهد باليد واللسان والسيف والبيان.
ومن كان مذعناً للإسلام بذمة، أو عهد فإنه يجاهد بالحجة والبرهان، ويبين له محاسن الإسلام، ومساوئ الشرك والكفر.
ومن صفاتهم إخلاف الوعد، فمن المنافقين من يعطي الله عهده وميثاقه لئن أعطاه من فضله، وبسط له الرزق في الدنيا ليصَّدَّقن، ويعمل الأعمال الصالحة كما قال سبحانه:{وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ (75)} [التوبة: 75].
فلما أعطاهم الله بخلوا، وتولوا عن الطاعة والانقياد، وأعرضوا عن الله كما قال سبحانه:{فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (76)} [التوبة: 76].
فلما لم يَفُوا بما عاهدوا الله عليه عاقبهم الله بالنفاق إلى يوم يلقونه كما قال سبحانه: {فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (77)} [التوبة: 77].
فليحذر العبد من هذا الوصف الشنيع أن يعاهد ربه على عمل صالح ثم لا يفي بذلك، فإنه ربما عاقبه الله بالنفاق كما عاقب هؤلاء.
فهذا المنافق الذي عاهد الله لئن أعطاه الله من فضله ليصدقن وليكونن من الصالحين عاهد فغدر، ووعد فأخلف، وحدث فكذب، وتلك علامات المنافق.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: «آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلاثٌ: إذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإذَا وَعَدَ أخْلَفَ، وَإذَا
اؤْتُمِنَ خَانَ» متفق عليه (1).
وقد توعد الله من صدر منهم هذا الصنيع بقوله سبحانه: {أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ اللَّهَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (78)} [التوبة: 78].
ومن صفات المنافقين ومخازيهم السخرية بالمؤمنين ولمزهم كما قال سبحانه: {الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (79)} [التوبة: 79].
فهل يطمع المنافقون برحمة الله ومغفرته بعد كفرهم بالله ورسوله؟.
هيهات .. فالكافر لا ينفعه الاستغفار ولا العمل ما دام مات كافراً:
ومن صفاتهم تبجحهم بتخلفهم عن الجهاد، وعدم مبالاتهم بذلك، وفرحهم بذلك التخلف الدال على عدم الإيمان، واختيار الكفر على الإيمان كما قال سبحانه:{فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ (81) فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (82)} [التوبة: 81 - 82].
فليتمتع المنافقون في هذه الدار الفانية، ويفرحوا بلذاتها، ويلهوا بلعبها، فسيبكون كثيراً في نار جهنم، جزاء كفرهم ونفاقهم، وعدم الانقياد لأوامر ربهم:{فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (82)} [التوبة: 82].
وليتقلب الكفار في البلاد بأنواع التجارات والمكاسب واللذات، وأنواع العز والغلبة، في بعض الأوقات، فذلك كله متاع قليل ليس له ثبوت ولا بقاء، بل يتمتعون به قليلاً، ويعذبون عليه طويلاً: {لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (33)، ومسلم برقم (590).
فِي الْبِلَادِ (196) مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (197)} [آل عمران: 196 - 197].
وإذا كان الكفار والمنافقون يسخرون من المؤمنين، ويستهزئون بهم، ويضحكون منهم، ويحتقرونهم ويزدرونهم فيوم القيامة:{الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ (34) عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ (35) هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (36)} [المطففين: 34 - 36].