المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فهرس الكتاب

- ‌الباب الثالث عشرفقه الطاعات والمعاصي

- ‌1 - مشاهد الخلق في الطاعات والمعاصي

- ‌2 - فقه الطاعات والمعاصي

- ‌3 - فقه آثار الطاعات والمعاصي

- ‌4 - فقه النعيم والعذاب

- ‌5 - فقه الصبر عن المعاصي

- ‌6 - فقه الثواب والعقاب

- ‌7 - فقه الجزاء من جنس العمل

- ‌8 - فقه التخلص من المعاصي

- ‌9 - فقه التوبة من المعاصي

- ‌الباب الرابع عشرفقه أعداء الإنسان

- ‌1 - العدو الأول: النفس

- ‌1 - فقه النفوس

- ‌2 - آفات النفوس

- ‌1 - آفة الغفلة

- ‌2 - آفة الهوى

- ‌3 - آفة الكبر

- ‌4 - آفة العُجْب

- ‌5 - آفة الغرور

- ‌6 - آفة الكذب

- ‌7 - آفة اللسان

- ‌8 - آفة الرياء

- ‌9 - آفة الحسد

- ‌10 - آفة الغضب

- ‌2 - العدو الثاني: الشيطان

- ‌1 - فقه عداوة الشيطان

- ‌2 - فقه تسليط الشيطان على الإنسان

- ‌3 - فقه خطوات الشيطان

- ‌4 - فقه كيد الشيطان للإنسان

- ‌5 - ما يعتصم به العبد من الشيطان

- ‌3 - العدو الثالث: الدنيا

- ‌1 - فقه حقيقة الدنيا

- ‌2 - فقه الفتن

- ‌3 - فتنة الأموال والشهوات

- ‌4 - فتنة الأهل والأولاد

- ‌4 - العدو الرابع: المنافقون

- ‌1 - علامات المنافقين

- ‌2 - فقه عداوة المنافقين

- ‌5 - العدو الخامس: الكفار والمشركون

- ‌فقه عداوة الكفار والمشركين

- ‌6 - العدو السادس: أهل الكتاب

- ‌فقه عداوة أهل الكتاب

- ‌ فقه جهاد الأعداء

- ‌الباب الخامس عشرفقه الدنيا والآخرة

- ‌1 - فقه الدنيا والآخرة

- ‌2 - قيمة الدنيا والآخرة

- ‌3 - فقه حب الدنيا

- ‌4 - فقه الحياة العالية

- ‌5 - أحوال الخلق في الدنيا

- ‌1 - حال الأشقياء

- ‌2 - حال الظالم لنفسه

- ‌3 - حال المقتصد

- ‌4 - حال السابق بالخيرات

- ‌6 - فقه الغربة

- ‌7 - فقه الموت

- ‌8 - فقه البعث والحشر

- ‌9 - فقه الحساب

- ‌10 - فقه درجات الآخرة

- ‌11 - طبقات الخلق في الآخرة

- ‌الطبقة الأولى: طبقة أولي العزم من الرسل

- ‌الطبقة الثانية: طبقة من عداهم من الرسل على مراتبهم ودرجاتهم عند ربهم

- ‌الطبقة الثالثة: طبقة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام

- ‌الطبقة الرابعة: طبقة ورثة الرسل

- ‌الطبقة الخامسة: أئمة العدل وولاته

- ‌الطبقة السادسة: المجاهدون في سبيل الله

- ‌الطبقة السابعة: أهل الإيثار والصدقة والإحسان

- ‌الطبقة الثامنة: من فتح الله له باباً من أبواب الخير القاصر على نفسه

- ‌الطبقة التاسعة: طبقة أهل النجاة

- ‌الطبقة العاشرة: طبقة من أسرف على نفسه ثم تاب

- ‌الطبقة الحادية عشرة: طبقة أقوام خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً

- ‌الطبقة الثانية عشرة: قوم تساوت حسناتهم وسيئاتهم

- ‌الطبقة الثالثة عشرة: طبقة أهل المحنة والبلية

- ‌الطبقة الرابعة عشرة: قوم لا طاعة لهم ولا معصية

- ‌الطبقة الخامسة عشرة: طبقة أهل النفاق

- ‌الطبقة السادسة عشرة: طبقة رؤساء الكفر ودعاته

- ‌الطبقة السابعة عشرة: طبقة المقلدين وجهال الكفرة

- ‌الطبقة الثامنة عشرة: طبقة الجن

- ‌12 - دار القرار

- ‌1 - صفة الجنة

- ‌2 - صفة النار

- ‌13 - طريق الفوز والنجاة

الفصل: ‌13 - طريق الفوز والنجاة

‌13 - طريق الفوز والنجاة

قال الله تعالى: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (71)}

[الأحزاب: 71].

وقال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (30) نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ (31) نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ (32)} [فصلت: 30 - 32].

لا يمكن للإنسان أن يسعد في الدنيا والآخرة إلا بأصول يسير عليها، وسنن يهتدي بها، وقدوة صالحة يقتدي بها.

وهذا الإنسان خلقه ربه، وأنزله إلى الأرض، وأكرمه بإنزال كتبه عليه، وإرسال رسله إليه، ليعرف ربه ومولاه، ويعيش في الحياة وفق أمر من خلقه واجتباه، فيسعد في الدنيا والآخرة، ويفوز بالجنة، وينجو من النار.

لهذا لا بدَّ لهذا الإنسان ليصل إلى الكمال من تربية تغذي جسمه .. وتنمي عقله .. وتهذب أخلاقه .. وتزكي روحه.

وتربية الشيء هي القيام بتربيته وإنمائه وإصلاحه حتى يبلغ كماله، سواء كان من الكائنات الحية كالإنسان والحيوان، أو كان من المخلوقات النامية كالشجر والنبات.

فميادين التربية أربعة:

الإنسان .. والحيوان .. والأشجار .. والنبات.

وتربية الحيوانات والأشجار والنباتات تختلف باختلاف أنواعها، ولكل نوع منها طرق في تربيته خاصة به، ومربون مختصون.

وتربية الإنسان بشكل عام، والمسلم بشكل خاص، لها جوانب متعددة، وطرق مختلفة، وكلها متلقاة من مشكاة النبوة، يجمعها الإيمان بالله رباً .. وبالإسلام ديناً .. وبمحمد رسولاً.

ص: 3623

وسعادة الإنسان وكماله متوقفان على حسن تربيته، وتربية الكمال البشري في الإنسان تتناول أربعة جوانب هي:

جسمه .. وعقله .. وخُلُقه .. وروحه.

فتربية الجسم ليبلغ الكمال في نمائه وصحته وبقائه تعتمد على إصلاح غذائه من طعام وشراب، وعلى نقاء الهواء الذي يتنفس به، والعناية بلباسه ومسكنه، ورياضة بدنه، واجتناب كل خبيث وفاسد من المأكولات والمشروبات كما قال سبحانه:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (172)} [البقرة: 172].

وقال سبحانه في شأن آدم (: {إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى (118) وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى (119)} [طه: 118، 119].

وتربية العقل ليصبح الإنسان ذا قدرة كافية على الفهم والتذكر، وإصدار الأحكام الصحيحة على ما يعقله ويراه من المعقولات والمحسوسات، تكون بالتعلم والدراسة والتجربة، والنظر في الكونيات والتأمل فيها، والنظر في الآيات القرآنية والتفكر فيها.

وأكثر ما ينفع العقل في هذه التربية العلوم النافعة المتلقاة عن الله ورسوله، وأكبر ما يضر بها المعقولات الباطلة، والخرافات الضالة.

والجسم والعقل بينهما ارتباط وثيق، فالعقل لا يكمل بدون كمال الجسم، ولا ينمو إلا بنمائه، فكلما تقدمت سن الطفل تقدم نماء العقل.

وإذا عاد الجسم بسبب الكبر إلى الضعف، عاد العقل كذلك إلى الضعف، فنماء العقل تابع لنماء الجسم، وكل عناية بالجسم هي عناية بالعقل، وتربية أحدهما تربية للآخر.

ومن هنا نجد أن الإسلام كما حرم كل ما يضر بالجسم من السموم والخبائث وغيرها، حرم كذلك كل ما يضر بالعقل كالخمر والمخدرات والحشيش وغيرها من الشرك والسحر، وكل ما يفسد العقل أو يضله، وما ذاك إلا للعناية

ص: 3624

بتربية العقل والمحافظة عليه.

أما تربية الخُلق، فالخُلق عَرَض من أعراض الروح البشرية، فإذا كان الروح سليماً كان الخلق سليماً، وإذا كان الروح مريضاً كانت الأخلاق مريضة رديئة.

فالخُلق مرآة تنعكس عليها صورة الروح البشري.

وقد اعتنى الإسلام بتربية الخلق الحسن في آيات وأحاديث كثيرة، ودعا الناس إلى التخلق بكل خلق جميل.

قال الله تعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4)} [القلم: 4].

وقال الله تعالى: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ (199)} [الأعراف: 199].

وقال الله تعالى: {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34) وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (35)} [فصلت: 34، 35].

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إِنَّمَا بُعِثْتُ لأُِتَمِّمَ صَالِحَ الأَخْلَاقِ» أخرجه أحمد والبخاري في الأدب المفرد (1).

وبين الروح والخلق ارتباط وثيق، ومن هنا فالعناية بتربية الخلق هي نفسها العناية بتربية الروح.

وتربية الروح من أشد أنواع التربية صعوبة، وأكثرها تعقيداً، لخفاء الروح، وعدم ظهورها، فهي تحتاج إلى معلمين ربانيين مختصين.

فكما أن الجسم يطرأ عليه المرض بسبب المؤثرات الخارجية فيعتل ويداوى بالأدوية فيشفى بإذن الله، فكذلك الروح يطرأ عليه المرض بسبب المؤثرات الخارجية، فيداوى بالمناسب من الأدوية الروحية التي هي العبادات الشرعية، فيشفى بإذن الله عز وجل.

وكما أن الجسم إذا مرض تظهر عليه أعراض المرض من صفرة الوجه

(1) حسن: أخرجه أحمد برقم (8952).

وأخرجه البخاري في الأدب المفرد برقم (276)، انظر السلسلة الصحيحة رقم (45).

ص: 3625

وشحوبته، وضعف الجسم وهزاله، فيعجز عن القول والعمل، والتفكير والحركة.

فكذلك الروح إذا مرض تظهر عليه أعراض مرضه كالسرقة والخيانة والكذب والنفاق، وشرب الخمر، وارتكاب كبائر الإثم والفواحش.

وكما أن الجسم يتلوث بالأوساخ والأدران فيُغسل بالماء والصابون فينظف، فكذلك الروح يتلوث بالذنوب والمعاصي فيتطهر بالاستغفار والتوبة والندم، وفعل الأعمال الصالحة، فيعود إليه صفاؤه وطهره.

وكما أن بين الجسم والعقل ارتباط وثيق، فكذلك بين الروح والخلق ارتباط وثيق، ولا يكمل أحدهما بدون الآخر.

قال الله تعالى: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (2)}

[الجمعة: 2].

فالتزكية هي التربية الروحية والأخلاقية، فالروح يزكو بالعبادات وبمكارم الأخلاق، وتعليم الكتاب والحكمة هي التربية العقلية.

وسعادة الإنسان وكماله متوقفان على تربية جسمه وعقله، وأخلاقه وروحه.

وكما اهتم الإسلام بتربية البشر، فقد اعتنى أيضاً برجال التربية، وحث على احترامهم وتقديرهم، وفرض محبتهم، وأوجب طاعتهم فأعظم المربين، وسيد الأنبياء والمرسلين محمد صلى الله عليه وسلم قد أوجب الله محبته .. وطاعته .. وحذر من معصيته.

قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يُؤْمِنُ أحَدُكُمْ حَتَّى أكُونَ أحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَلَدِهِ وَوَالِدِهِ وَالنَّاسِ أجْمَعِين» متفق عليه (1).

وأوجب الله طاعته بقوله: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (132)} [آل عمران: 132].

(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (15)، ومسلم برقم (44) واللفظ له.

ص: 3626

وحذر من معصيته بقوله: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ (14)} [النساء: 14].

والحلقة المفقودة في حياة المسلمين اليوم هي انعدام المربين القادرين أو قلتهم، مع أن وجودهم ضروري لكمال الأمة وسعادتها.

ومما يزيد في المحنة ويضاعف الألم أن الأمة الإسلامية لطول ما فقدت التربية الصحيحة قد فقدت الاستعداد النفسي لقبول التربية، ومن هنا فلا فائدة من وجود الدواء والأطباء إذا كان المريض يرفض التداوي به ويأباه، ومن هنا كان الخطر جسيماً، وزوال المرض عسيراً.

ولعل خير من يقوم بتهيئة الأمة لقبول التربية هم المربون الصالحون الصادقون، بما يوجهون به الأمة للاقتداء بخير القرون في العبادة .. والدعوة .. والتعليم .. وحسن الخلق .. وحسن المعاملات .. حسب ما ورد في كتاب ربهم .. وسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم .. وذلك بطريقتين: جماعية وفردية.

فالجماعية: هي أن يتعاون المسلمون فيما بينهم، ويعيدون للمسجد دوره، ويجتمعون فيه كل يوم، ويتشاورون في أعمال الدين، وكيف يؤدونها، وكيف يكونون سبباً لنشرها في العالم، وكيف يفرغون الأوقات ويجاهدون بأموالهم وأنفسهم ليكون الدين كله لله، ويتحقق مراد الله من عباده، وبذلك يزيد إيمانهم، وتصلح أعمالهم، وتحسن أخلاقهم، ويكونون أمة يقتدى بهم.

ويختارون عالماً بالكتاب والسنة مقتدياً بسلف الأمة، ويسندون له أمر تعليمهم، وتربية عقولهم وأرواحهم وأخلاقهم، ويعاهدونه على السمع والطاعة، فيعلمهم الكتاب والسنة، ويزكيهم بالأخلاق والآداب الإسلامية.

وهذه الطريقة هي التي سلكها النبي صلى الله عليه وسلم بأصحابه مدة حياته، فقد اتخذ دار الأرقم بن أبي الأرقم في مكة مجلساً له ولأصحابه يعلمهم ما يوحى إليه، ويربيهم بأوامر ربهم، ويعرفهم بعظمة ربهم ليكبروه، وبنعمه ليشكروه، وباليوم الآخر وما فيه ليتقوه.

ص: 3627

ولما انتقل إلى المدينة صلى الله عليه وسلم، كان أول عمل قام به هو بناء مسجد قباء، حيث بناه وجمع المؤمنين من ذلك الحي فيه، وأخذ يعلمهم ويربيهم بما يزكي قلوبهم، ويصلح نفوسهم.

ولما دخل صلى الله عليه وسلم المدينة كان أول عمل قام به هو بناء المسجد النبوي، وجمع فيه المهاجرين والأنصار يصلي بهم، ويعلمهم الكتاب والحكمة، ويزكيهم، ويتشاور معهم في إقامة الدين، وبعث المعلمين والدعاة والمجاهدين إلى أقطار الأرض.

ويستقبل فيه الوفود، والراغبين في الإسلام، ويعلمهم ويكرمهم.

وما هي إلا أيام وشهور وإذا رجال ونساء يتخرجون من هذا المسجد، هم خير رجال ونساء في العالم، إيماناً وتقوى، وعلماً وحكمة، وإحساناً ورحمة.

وعنه عليه الصلاة والسلام أخذ هذه الطريقة التربوية أصحابه، فكانوا نماذج في كمال التربية الإسلامية، ربوا الأمم والشعوب التي فتحوا بلادها على الطهر والصفاء، والعزة والكرامة، والصدق والمحبة.

ولما مات أولئك المربون الصادقون أقفرت الدنيا، وأصابها الظلام، وحل بها الخراب والدمار إلا ما شاء ربك.

أولئك أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أبر هذه الأمة قلوباً .. وأعمقها علماً .. وأقلها تكلفاً .. وأحسنها أخلاقاً .. وأصدقها حديثاً .. رضي الله عنهم ورضوا عنه: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (100)}

[التوبة: 100].

هذه هي الطريقة التربوية الجماعية النافعة، فإن تعذرت يصار في إصلاح النفس إلى الطريقة التربوية الفردية.

فمن أراد تزكية نفسه وتكميلها، فإن عليه أن يخطو في تربية نفسه خطوتين:

الأولى: أن يُلزم نفسه وإن كانت كارهة بالقيام بالفرائض الدينية والواجبات

ص: 3628

الشرعية، ويلزمها فوراً بترك كل ما نهى الله ورسوله عنه ويأخذها في الفعل والترك بالقوة والحزم.

ثم يأخذ في رياضتها على فعل نوافل العبادات المختلفة من صلاة وصيام وصدقة وغيرها، وعلى التحلي بمكارم الأخلاق، وجميل الآداب.

والخطوة الثانية: أن يبحث عن عبد صالح عالم بالكتاب والسنة، وسيرة سلف الأمة، بصير بعيوب النفس، خبير بأحوالها، ويطلب منه التعاون معه على البر والتقوى، وبذل النصيحة، وإعانته على تربية نفسه، وحملها على طاعة الله.

ويتعهد له بالطاعة الكاملة فيما يأمره وينهاه مما ورد في شرع الله ويصبر على ذلك، كما فعل موسى صلى الله عليه وسلم مع الخضر حين قال له:{هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا (66)}

[الكهف: 66].

فقال الخضر لموسى: {إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (67) وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا (68)} [الكهف: 67، 68].

فقال موسى صلى الله عليه وسلم: {سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا (69)} [الكهف: 69].

إن الطريق إلى الله سُكَّته الإيمان والأعمال الصالحة، والطريق إلى غير الله سُكَّته الأموال والأشياء.

والعاقل يضحي بالغالي لما هو أغلى منه، وهو الإيمان والأعمال الصالحة، وعمارة الدار الآخرة.

والإيمان الحقيقي هو الذي يدفع المسلم لتقديم أوامر الله على كل شيء.

وكل ما نراه في العالم من انتشار الشرك والقتل والزنا، والظلم والجهل، وفشو المنكرات والفواحش، ومحاربة الإسلام وأهله، فتلك وأمثالها أعراض لا أمراض، فإن ضعف الجسم نتيجة وليس سبباً.

والعلاج الصحيح أن نعالج المرض الأصلي، الذي أدى إلى ظهور هذه الأعراض في المسلمين وغيرهم، ومن ثم تزول تلك الأعراض من نفسها، ويتم بناء الإنسان وفق مراد الله منه بالعلم والإيمان والتوحيد، وأحسن الأخلاق.

ص: 3629

ويتحقق ذلك بثلاثة أمور:

الأول: إصلاح جهاز الإرسال، وذلك باختيار أهل الإيمان والتقوى من العلماء والدعاة والخطباء والوعاظ، ليتم تعليم وتوجيه الأمة وتربيتها بواسطتهم كما قال سبحانه:{وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (104)} [آل عمران: 104].

الثاني: اختيار المادة المرسلة، وذلك بأن يتم توجيه وتعليم وتربية الأمة من مصدرين كاملين لا ثالث لهما، وهما كتاب الله وسنة رسوله، ويطرح ما سواهما من كتب البدع والأباطيل، لتنشأ الأمة على معرفة الحق والعمل به وترك ما سواه كما قال سبحانه:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة: 3].

الثالث: تصفية جهاز الاستقبال، وذلك بتنقيته مما يمنع وصول الصوت وقبوله من الهوى والشبهات والشهوات، فإذا صُفَّي ونُظِّف من ذلك سهل على الإنسان معرفة ربه ومعبوده وخالقه ورازقه، ثم استقبل الأحكام والأوامر الشرعية عن حب ومعرفة وإيمان، وتلذذ بأدائها، وسُرَّ بفعلها:{الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (28)} [الرعد: 28].

وسفينة الدين يجب المحافظة عليها؛ لئلا تغرق في بحار الجاهلية، والدين مسئولية الأمة جميعاً.

ترك الصلاة خرق في السفينة .. وترك الزكاة خرق في السفينة .. وترك الدعوة إلى الله خرق في السفينة .. وترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر خرق في السفنية .. وترك النصيحة خرق في السفينة .. ومخالفة أوامر الله ورسوله خرق في السفينة.

فاحذر أن تخرق السفينة، أو تسكت عمن يخرق السفينة، فإن لمن فعل ذلك خزي في الدنيا، وعذاب شديد في الآخرة كما قال سبحانه: {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ

ص: 3630

الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (85)} [البقرة: 85].

والمؤمنون هم لب العالم، وصفوة بني آدم، وقد وصفهم الله بصفات كريمة، إذا اتصف المسلم بها نال السعادة في الدنيا، والثواب العظيم في الآخرة وهم:{الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ (20) وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ (21) وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ (22) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ (23) سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ (24)} [الرعد: 20 - 24].

والفوز والفلاح في الدنيا والآخرة بيد الله وحده لا شريك له، والله عنده خزائن كل شيء، ويفعل ما يشاء بقدرته، ولا يحتاج إلى أحد، وهو سبحانه الذي جعل الفوز والفلاح لكل إنسان بامتثال أوامرالله على طريقة النبي صلى الله عليه وسلم.

فالأنبياء والمرسلون كإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد صلوات الله وسلامه عليهم أفلحوا هم وأتباعهم في الدنيا والآخرة مع قلة الأسباب، ونمرود وقارون وفرعون وأمثالهم خسروا في الدنيا والآخرة مع وجود أعظم الأسباب.

ومن يطع الله ورسوله في التوحيد والإيمان، ثم في الأوامر على اختلاف درجاتها ويجتنب ما نهى الله ورسوله عنه من الشرك ثم المعاصي والمحرمات على اختلاف درجاتها، واستقام على ذلك حتى يلقى ربه.

فهذا قد فاز بالجنة ونجا من النار كما قال سبحانه: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (13)} [النساء: 13].

ومن كفر بالله وعصى الله ورسوله أدخله الله النار كما قال سبحانه: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ (14)} [النساء: 14].

ص: 3631

ويدخل في اسم المعصية الكفر وما دونه من المعاصي.

فالله سبحانه رتب دخول الجنة على طاعته وطاعة رسوله، ورتب دخول النار على معصيته ومعصية رسوله، فمن أطاعه طاعة تامة دخل الجنة بلا عذاب.

ومن عصى الله ورسوله معصية تامة فيها الشرك وما دونه دخل النار وخُلِّد فيها.

ومن اجتمع فيه طاعة ومعصية كان فيه من موجب الثواب والعقاب بحسب ما فيه من الطاعة والمعصية، فالموحدون الذين لهم معاصي يعذبون في النار بقدر ذنوبهم، ثم يخرجهم الله إلى الجنة؛ لأن ما معهم من التوحيد مانع لهم من الخلود في النار.

وأنفع شيء للعبد في معاشه ومعاده تدبر القرآن، وجمع الفكر على معانيه وأحكامه وآدابه وعلومه.

فآيات الله القرآنية تُطْلِع العبد على معالم الخير والشر بحذافيرهما وتبين له طرقهما وثمراتهما ومآل أهلهما .. وتضع في يده مفاتيح كنوز السعادة في الدنيا والآخرة .. وتزكي عقله بالعلوم النافعة .. وتثبت قواعد الإيمان في قلبه .. وتريه صورة الدنيا الفانية والآخرة الباقية .. وتريه صورة الجنة والنار .. وتحضره بين الأمم وتريه أيام الله فيهم .. وتعرفه بذات الله وأسمائه وصفاته وأفعاله وعدله وإحسانه .. وتبين له ما يحبه الله ويرضاه .. وما يكرهه ويسخطه من الأقوال والأعمال.

وتُعرِّف العبد بالطريق الموصل إلى ربه .. وما له بعد القدوم عليه من الكرامة.

وتعرفه كذلك بالشيطان وما يدعو إليه .. والطريق الموصلة إليه .. وما لمن أطاعه من الإهانة والعذاب يوم القيامة.

فهذه الأمور الستة ضرورية للعبد معرفتها ومشاهدتها، فبها يتميز له الحق من الباطل في كل ما اختلف فيه العالم، فتريه الحق حقاً والباطل باطلاً، ويكون له بمعرفتها فرقان ونور يفرق به بين الهدى والضلال، والغي والرشاد، وتعطيه قوة في قلبه وانشراحاً في صدره.

ص: 3632

فما أحسن تدبر القرآن، والاتعاظ بمواعظه، والتأدب بآدابه، والعمل بسننه وأحكامه، والتفكر في معاني آياته:{كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ (29)} [ص: 29].

والدواء كله يدور على أصلين:

حمية من الضار .. وحفظ الصحة بتناول الطيبات.

فإذا وقع التخليط احتاج الإنسان إلى الاستفراغ الموافق، فمدار الطب على هذه القواعد الثلاث.

والحمية حميتان:

حمية عما يجلب المرض، وهذه حمية الأصحاء.

وحمية عما يزيد المرض، وهي حمية المرضى، فالمريض إذا احتمى وقف مرضه.

وكذلك الاستقامة تقوم على أصلين:

فعل الأوامر .. واجتناب النواهي.

فإذا قصر العبد في فعل الأوامر، وارتكب المناهي، احتاج مع هذا التخليط إلى الاستفراغ بالتوبة النصوح لتزول عنه ذنوبه، ويعود إلى حاله.

والله عز وجل أكرم هذه الأمة بهذا الدين، وجهد سيد المرسلين، فهي خير الأمم على الإطلاق، وخير الناس للناس.

فدينها أحسن الأديان كما قال سبحانه: {وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا (125)}

[النساء: 125].

وكتابها أحسن الكتب كما قال سبحانه: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (23)} [الزمر: 23].

ورسولها سيد الخلق كما قال صلى الله عليه وسلم: «أنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَأوَّلُ مَنْ يَنْشَقُّ

ص: 3633

عَنْهُ الْقَبْرُ، وَأوَّلُ شَافِعٍ وَأوَّلُ مُشَفَّعٍ» أخرجه مسلم (1).

والدعوة إلى الله أحسن أعمالها كما قال سبحانه: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33)} [فصلت: 33].

وهم أحسن الأمم على الإطلاق كما قال سبحانه: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ (110)} [آل عمران: 110].

فلله الحمد والشكر حيث أكرم هذه الأمة بأحسن الأديان .. وأحسن الأقوال .. وأحسن الأعمال .. وأحسن الأخلاق .. وشرف هذه الأمة بأحسن الوظائف وأشرفها وهي الدعوة إلى الله كما قال سبحانه: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (104)} [آل عمران: 104].

والله تبارك وتعالى أعطانا أعظم شيء في خزائنه وهو الإيمان والتوحيد، وطلب منا القيام بالأعمال الصالحة التي تصلح بها حياتنا في الدنيا والآخرة.

لكن العمل بلا يقين كالجسد بلا روح لا فائدة فيه، واليقين أن تعتقد أن جميع الفوز والفلاح في الدنيا والآخرة بيد الله وحده لا شريك له.

والتائه الضال إذا طلعت الشمس عرف الطريق وميز الحجر من الذهب، والحية من الحبل، وكذا إذا جاء نور الإيمان ميز الإنسان الحق من الباطل، بين الدنيا والآخرة، وآثر ما يبقى على ما يفنى، ورأى كل شيء على حقيقته، وقدم ما يحبه الرب على ما تحبه النفس.

والقلب إذا زاد فيه نور الإيمان أناب إلى الله، وأحب الطاعات وكره المعاصي.

والإيمان يزيد بالطاعات، والدعوة إلى الله، وبالدعوة تنزل الهداية على الخلق،

(1) أخرجه مسلم برقم (2278).

ص: 3634

لكن الباطل لا ينكسر إلا بالتضحية بكل شيء من أجل إعلاء كلمة الله.

والإيمان والتوحيد والعبادة حق الله على العباد .. فينبغي تذكيرهم دائماً بهذا الحق جميعاً .. ليؤدوا هذه الأعمال والوظائف لله رب العالمين كما تؤديها جميع الكائنات والمخلوقات لله وحده لا شريك له كما قال سبحانه: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ (18)}

[الحج: 18].

وحقيقة الدين اليقين على ذات الله وأسمائه وصفاته وأفعاله .. وعلى دينه وشرعه .. وعلى وعده ووعيده.

وإذا جاء هذا اليقين تغيرت العواطف كلها من المخلوق إلى الخالق، ومن الدنيا إلى الآخرة، ومن العادات إلى السنن.

وجميع المخلوقات في قبضة الله .. فلا يكون شيء إلا بإذنه وعلمه .. ولا يتحرك شيء إلا بأمره .. ولا يسكن إلا بأمره .. فله سبحانه الخلق كله .. وله الأمر كله كما قال سبحانه: {أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (54)} [الأعراف: 54].

وكما أن أعضاء الإنسان كلها لا تتحرك إلا بوجود روحه، فكذلك هذا العالم وما فيه كالخردلة بيد الله لا يبقى ولا يتحرك ولا يسكن إلا بأمره سبحانه.

والقلوب محل نظر الرب سبحانه، وليس لقلوب العباد سرور ولا لذة تامة إلا بمعرفة الله ومحبته والتقرب إليه بما يحب، ولا تكون محبته خالصة إلا بالإعراض عن كل محبوب سواه.

والإنسان عند طلب العلم الشرعي لا بدَّ أن يرى الله ويعلم أنه طالب راغب فيما عند الله، ثم الله ينفعه بما علم.

والأنبياء والصحابة عندهم فقه الدين، وأكثر الناس عندهم فقه الدنيا والشهوات، ولذلك صارت عندهم الغيرة على الدين أن ينقص؛ لأنهم اجتهدوا عليه، وضحوا بكل شيء من أجله.

ص: 3635

ونحن عندنا الغيرة على الدنيا والشهوات أن تنقص؛ لأننا اجتهدنا على ذلك، وكل قلب اشتغل بشيء جاءت عنده العواطف لتحصيله وتكميله.

وإذا ضعف الإيمان سعى الناس لجمع الأموال وتكميل الشهوات، وانصرفوا عن تقوية الإيمان، وتكميل الأعمال الصالحة كما قال سبحانه:{فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا (59)} [مريم: 59].

والله عز وجل خلقنا لعبادته، وتكميل الإيمان والأعمال الصالحة، والأخلاق والسنن والواجبات، لا لتكميل الأموال والشهوات والأشياء كما قال سبحانه:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ (57) إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ (58)} [الذاريات: 56 - 58].

فكل من أكمل محبوبات الله في الدنيا من الإيمان والتقوى، والعدل والإحسان، والصبر والتوبة، وغير ذلك من الأعمال الصالحة، فالله يكمل محبوباته في الدنيا بالحياة الطيبة وفي الآخرة بالثواب الجزيل في الجنة كما قال سبحانه:{مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (97)} [النحل: 97].

وقيمة الإنسان بصفاته لا بذاته، ففي المخلوقات من هو أكبر منه وأقوى منه، ولا قيمة لأحد عند الله إلا بالإيمان والأعمال الصالحة فقط، فمن جاء بذلك أكرمه الله بالجنة يوم القيامة كما قال سبحانه:{يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)} [الحجرات: 13].

وقال سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا (107) خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا (108)} [الكهف: 107، 108].

وكما يحتاج الإنسان كل يوم إلى الطعام والشراب لصلاح بدنه، كذلك يحتاج إلى الإيمان والأعمال الصالحة لصلاح قلبه.

ص: 3636

ولا بدَّ لكل مسلم من أمرين:

العلم .. والذكر.

فالعلم لتحسين صورة العمل .. والذكر لترغيب النفس في العمل، والإكثار منه بذكر فضائله وحسن ثوابه.

وقد أمرنا الله عز وجل بتعلم أحكام الدين ليكون العمل موافقاً لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم كما قال سبحانه: {وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ (79)} [آل عمران: 79].

وأمرنا سبحانه بتذكير الخلق بربهم وخالقهم ورازقهم .. تذكيرهم بعظمة الله ليعظموه .. وتذكيرهم بنعمه وإحسانه ليشكروه .. وتذكيرهم بدينه وشرعه .. وأمره ونهيه ليعبدوه ويطيعوه .. وتذكيرهم بما أعد لهم من الثواب والعقاب ليقبلوا على طاعته، ويحذروا من معصيته كما قال سبحانه:{وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ (55)} [الذاريات: 55].

وقد أمر الله نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم أن يُذكِّر بالله وآياته وشرعه كما قال سبحانه: {فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى (9) سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى (10) وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى (11) الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى (12) ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى (13) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى (14) وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى (15) بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (16) وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى (17) إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى (18) صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى (19)} [الأعلى: 9 - 19].

فعلى كل مسلم أن يُذكِّر بهذه الأوامر الحسنة، والأخبار الصادقة، فهذه أوامر في كل شريعة، وهي هامة لكونها عائدة إلى مصالح الدارين، وهي مصالح في كل زمان ومكان.

وبالإيمان والتوحيد والتذكير تطمئن القلوب بذكر الله .. وتنشط الجوارح لطاعة الله .. وتتحرك الألسنة بذكره وحمده وشكره.

والإيمان درجات، وهو يزيد بالطاعات وينقص بالمعاصي.

وإذا ضعف الإيمان ضعفت الأعمال وقلَّت، فيمكن أن تؤدى به العبادات

ص: 3637

كالصلاة والصيام، والذكر وتلاوة القرآن ونحوها.

أما حسن الأخلاق مع البشر، وحسن المعاملات، وحسن المعاشرات، فلا تكمل إلا بالإيمان الكامل، والإيمان الكامل لا يأتي إلا بالمجاهدة والدعوة إلى الله، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والجهاد في سبيل الله، وبعد بذل الجهد لإعلاء كلمة الله تأتي الهداية كما قال سبحانه:{وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ (69)} [العنكبوت: 69].

فعلينا أن نؤدي الأمانة .. ونستقيم على أوامر الله .. ونقوم بالدعوة إلى الله بالأسباب إن وجدت، وبدون الأسباب إن لم توجد، والله يفتح لنا البركات، ويعطينا من خزائنه لنصرة دينه كما أمد المسلمين في غزوة بدر بالملائكة، وأنزل عليهم النصر مع قلة عددهم وعدتهم كما قال سبحانه:{وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (123)} [آل عمران: 123].

وللاستفادة من قدرة الله ومن خزائن الله طريق واحد فقط هو الإيمان والتقوى بامتثال أوامر الله على طريقة رسول الله صلى الله عليه وسلم كما قال سبحانه: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (96)} [الأعراف: 96].

وشريعة الله للبشر منذ عهد آدم إلى بعثة النبي محمد صلى الله عليه وسلم إنما هي جزء من تشريعه للكون، فالمخلوقات كلها تسير وفق أوامرالله الكونية، وأوامرالله الشرعية خاصة بالمكلفين من الإنس والجن، فمن شاء آمن، ومن شاء كفر، ومدار الثواب والعقاب على ما اختار العبد لنفسه.

فالأوامر الكونية والشرعية كلها من الله وحده، وطاعة الأوامر الشرعية سبب للفوز والفلاح، ومخالفة الأوامر الشرعية سبب للخسارة والهلاك كما قال سبحانه: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (13) وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ

ص: 3638

مُهِينٌ (14)} [النساء: 13، 14].

والدين خطوتان:

خطوة للعبادة .. وخطوة للدعوة .. وحياة النبي شيء .. وجهد النبي شيء آخر ..

فحياة النبي صلى الله عليه وسلم هي العبودية لله في جميع الأوقات والأحوال كما قال سبحانه: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (163)} [الأنعام: 162، 163].

تارة بين المخلوق والخالق بالعبادة كما قال سبحانه: {يَاأَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (2) نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا (3) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا (4)} [المزمل: 1 - 4].

وتارة بين المخلوق والمخلوق بالدعوة إلى الله كما قال سبحانه: {يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنْذِرْ (2) وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (3) وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (4) وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ (5)} [المدثر: 1 - 5].

وأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ورثوا عنه حياته وجهده، وقاموا مع رسول الله بذلك حتى انتشر الإسلام ودخل الناس في دين الله أفواجاً، ورضي الله عنهم ورضوا عنه كما قال سبحانه:{وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (100)}

[التوبة: 100].

وكثير من الناس يحب حياة النبي (، ويترك جهد النبي (في الدعوة والنصح للأمة، ولا فلاح ولا نجاة إلا بهذا وهذا كما قال سبحانه: {وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)} [العصر: 1 - 3].

والكفار من شياطين الإنس والجن يكرهون حياة النبي (، وجهد النبي (، ويحاربون بكل وسيلة من يقتدي بالنبي، ويقوم بجهد النبي، فهؤلاء لهم الشقاء في الدنيا والعذاب الشديد يوم القيامة كما قال سبحانه: {الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يُفْسِدُونَ (88)} [النحل: 88].

ومن سمع الحق وعارضه وقاومه ولاه الله في الدنيا ما يتجهز به لنار جهنم كما

ص: 3639

قال سبحانه: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (115)} [النساء: 115].

إن الواجب على كل مسلم ومسلمة أن يتعلموا حياة النبي (بكافة جوانبها في جميع الأحوال، ويتعلموا جهد النبي صلى الله عليه وسلم في الدعوة إلى الله، ويستعملوا جميع الصلاحيات والطاقات لنشر الهداية والدعوة إلى الله: {فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (15)} [الشورى: 15].

وبذلك يرضى الله عنا .. وتنزل الهداية .. والرحمة .. والنصر .. ويستجاب الدعاء .. وتحصل العزة.

وبسبب دعوة النبي صلى الله عليه وسلم في مكة دخل الناس في دين الله أفراداً .. وبعد كمال التضحية دخل الناس في دين الله أفواجاً.

وبسبب ضعف الإيمان وترك الدعوة بدأ الناس يخرجون من الدين أفراداً ثم أفواجاً، وصارت الأمة تخاف من المخلوق ولا تخاف من الخالق، وتخاف من بطش الرؤساء والأمراء، ولا تخاف من بطش العزيز الجبار الذي له ملك السموات والأرض وهو على كل شيء قدير.

وحين كانت الأمة قائمة بالدعوة إلى الله كانت كل يوم تنزل الهداية، ويزيد الإيمان، ويظهر الحق ويزهق الباطل وينزل النصر، وتحصل البركات، وتنتشر الهداية.

فالعابد ميدانه نفسه .. والداعي ميدانه نفسه وكل الناس .. وكلاهما مطلوب لكن البحر لا يقارن بالقطرة.

والداعي يدعو الناس إلى عبادة الله وحده لا شريك له، والعالم يعلم الناس كيف يعبدون الله، والعابد هو الذي سَلَّم قلبه وجوارحه لربه.

فطوبى لمن رزقه الله ذلك كله، والله يختص برحمته من يشاء والله ذو الفضل

ص: 3640

العظيم: {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (4)} [الجمعة: 4].

والدنيا لها جهد .. والدين له جهد، ولا بد من القيام بهما معاً لتصلح أحوالنا في الدنيا والآخرة، فللدنيا أسباب وللآخرة أسباب، لكن ينبغي العمل لكل واحدة بقدر بقائنا فيها، والدنيا بالنسبة للآخرة لا تساوي شيئاً.

والصحابة رضي الله عنهم لما عرفوا ذلك قدموا جهد الدين على جهد الدنيا فنزلت الهدايات، وجاءت المنافع والبركات والفتوحات.

والأمة الآن لما قدمت جهد الدنيا على جهد الدين أغلقت أبواب الهداية، وأصابتها الذلة، وحلت بها المصائب، وانتشرت فيها المعاصي، وتسلط عليها الأعداء.

إنه من العجيب حقاً، بل من المؤسف حقاً، أن تقف الأمة ضد مرتكب الجريمة في شأن المخلوق كالقاتل والسارق ولا تقف ضد مرتكب الجريمة في شأن أحكم الحاكمين بالكفر والشرك والبدع والمعاصي.

فلا تهتز قلوبها لرحمته .. ولا تنطق ألسنتها بدعوته .. ولا تتحرك جوارحها لهدايته وإرشاده إلى الصراط المستقيم.

والله تبارك وتعالى خلق الجن والإنس لعبادته وحده لا شريك له كما قال سبحانه: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ (57) إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ (58)} [الذاريات: 56 - 58].

والله عز وجل له مراد من عبده كما أن للعبد مراد من ربه .. ومراد الرب من عبده لمصلحة العبد .. فالله غني عن العالمين كما قال سبحانه: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (15)} [فاطر: 15].

كما أن مراد العبد من ربه لمصلحته هو كذلك كما قال سبحانه: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ (69)}

[العنكبوت: 69].

فأما مراد الله من الخلق فسبعة أمور هي:

الأول: الإيمان والتوحيد كما قال سبحانه: {فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنَا

ص: 3641

وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (8)} [التغابن: 8].

الثاني: العبادة كما قال سبحانه: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (77)} [الحج: 77].

الثالث: تعلم العلم الإلهي وتعليمه كما قال سبحانه: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ (19)} [محمد: 19].

وقال سبحانه: {وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ (79)} [آل عمران: 79].

الرابع: طاعة الله ورسوله في كل أمر كما قال سبحانه: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (132)} [آل عمران: 132].

الخامس: الدعوة إلى الله، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر كما قال سبحانه:{وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (104)} [آل عمران: 104].

السادس: الجهاد في سبيل الله لإعلاء كلمة الله كما قال سبحانه: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ (193)}

[البقرة: 193].

السابع: الاستغفار والتوبة من الخطأ والتقصير كما قال سبحانه: {وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ (90)} [هود: 90].

هذا أعظم ما يريده الله من عباده، فإذا حقق العباد مراد الله منهم بالإيمان والتوحيد .. وعبادة الله وحده لا شريك له .. وتعلم دينه وشرعه وتعليمه .. وطاعة الله ورسوله في كل أمر .. والدعوة إلى الله .. والأمر بالمعروف .. والنهي عن المنكر .. والجهاد في سبيل الله .. وكثرة الاستغفار والتوبة من الخطأ والتقصير.

إذا حقق العباد ذلك أكرمهم الله تعالى بسبع كرامات هي أعظم مراد الخلق من ربهم وهي:

ص: 3642

الأول: الهداية إلى الصراط المستقيم كما قال سبحانه: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ (69)}

[العنكبوت: 69].

الثانية: الحياة الطيبة في الدنيا كما قال سبحانه: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (97)} [النحل: 97].

الثالثة: رضا الله عنهم كما قال سبحانه: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (100)} [التوبة: 100].

الرابعة: دخولهم الجنة كما قال سبحانه: {وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (72)} [التوبة: 72].

الخامسة: رؤية الرب عز وجل في الجنة كما قال سبحانه: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (23)} [القيامة: 22، 23].

السادسة: القرب من الرب في الجنة كما قال سبحانه: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ (54) فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ (55)}

[القمر: 54، 55].

السابعة: سماع كلام الرب وسلامه في الجنة كما قال سبحانه: {إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ (55) هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلَالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ (56) لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ (57) سَلَامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ (58)} [يس: 55 - 58].

ألا ما أعظم هذه الكرامات .. وما أعلى هذه الدرجات .. وما أحسن هذه التشريفات .. وما أكمل هذه المقامات.

فمن أراد هذا كله كاملاً موفراً فليحقق مراد الله منه، ليهنأ بما يريده من ربه ويتمناه لنفسه، ويسعد به إلى الأبد بالهداية إلى الصراط المستقيم .. والحصول على رضوان ربه .. والفوز بالجنة .. والنجاة من النار .. ورؤية ربه في الجنة .. والقرب منه .. وسماع كلامه .. والخلود الدائم في هذا النعيم المقيم كما قال

ص: 3643

سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ (7) جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ (8)}

[البينة: 7، 8].

يا حسرة على البشرية كم ضلت وأضلت وشقيت باتباع غير منهج الله؟.

يا حسرة على الإنسانية حين قادها العُمْي والشياطين وأضلوها عن سواء السبيل، وساقوها صراط الجحيم.

فهي كافرة بربها .. راكعة لهواها وشهواتها .. عاصية لخالقها .. مطيعة لعدوها .. تطيع الشيطان .. وتكفر بالرحمن: {فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ (46)} [الحج: 46].

فواعجباً للبصير الذي نَوَّر الله قلبه بالإيمان كيف يهتدي ويقتدي بالعمي الذين لا يبصرون، وأهل الجهل الذين لا يعلمون:{أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ (19)} [الرعد: 19].

فليس الفلاح والنجاة إلا بالحق، واتباع أهل الحق من الرسل والأنبياء وأتباعهم.

والذين لا يستجيبون لهذا الحق هم بشهادة الله سبحانه عمي لا يتفكرون ولا يعقلون، والذين يستجيبون له هم أولو الألباب، وهؤلاء هم الذين تطمئن قلوبهم بذكر الله، وتستجيب لطاعته، وتستلذ بمحبته وعبادته وامتثال أوامره، وتسكن لذلك وتستريح.

وإن الإنسان ليجد مصداق قول الله هذا في كل من يلقاه من الناس معرضاً عن ربه وعن هذا الحق الذي جاء به في صورته الكاملة محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فإن هي إلا جبلات مطموسة .. وقلوب منكوسة .. وكائنات معطلة لا تشعر بعبودية المخلوقات لربها، وتسبيحها بحمده .. ولا تحس بطاعة الوجود كله لربه، وهو يسبح بحمده، وينطق بوحدانيته ويخضع لقدرته وتدبيره وتقديره كما قال سبحانه: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ

ص: 3644

صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ (41)} [النور: 41].

وإذا تقرر أن الذين لا يؤمنون بهذا الحق عمي بشهادة الله عز وجل فإنه لا ينبغي لمسلم يؤمن بالله ورسوله، ويؤمن بأن هذا القرآن وحي من عند الله، أن يتلقى في أي شأن من شئون الحياة عن أعمى.

سواء في عباداته أو معاملاته أو معاشراته، أو أخلاقه أو نظام حياته.

فلا يليق بمسلم قط يعرف هدى الله، ويعرف هذا الحق الذي جاء به رسول الله أن يقعد مقعد التلميذ الذي يتلقى من أي إنسان لم يستجب لهذا الهدى، ولم يعلم أنه الحق، فهو أعمى بشهادة الله .. ولن يرد شهادة الله مسلم .. ثم يزعم بعد ذلك أنه مسلم:{أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (50)}

[المائدة: 50].

فكل نتاج فكري غير إسلامي ينظم حياة الناس ما عدا العلوم المادية البحتة كل ذلك من الجاهلية، واقتداء بالعمي، ورد لشهادة الله، وهو كفر بواح لمن اهتدى به.

ومن العجيب أن من الناس من يزعم أنه مسلم، ثم يأخذ في منهج الحياة البشرية عن الشرق أو الغرب، من الذين يقول الله عنهم أنهم عمي، ثم يظل يزعم أنه مسلم.

إن هذا الدين حق لا باطل فيه .. جد لا هزل فيه .. كامل لا نقص فيه .. وحق في كل آية فيه .. وكل نص فيه .. وكل كلمة فيه.

فمن لم يجد في نفسه هذا اليقين، وهذا الجد، وهذه الثقة، فما أغنى هذا الدين عنه، وما أجدره بالعقوبة كما قال سبحانه:{أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (85)} [البقرة: 85].

فلا يجوز للمسلم أن يزهد بدينه، ولا ببعض أحكام دينه، ولا أن يثقل الواقع الجاهلي على حس المسلم حتى يتلقى من الجاهلية في منهج حياته، وهو يعلم

ص: 3645

أن ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم هو الحق، وأن الذي لا يعلم أن هذا هو الحق أعمى، ثم يتبع هذا الأعمى ويتلقى عنه، بعد شهادة الله تبارك وتعالى.

إن هناك علاقة وثيقة بين الصلاح الذي يعم حياة البشر في هذه الأرض، وبين أولي الألباب الذين يؤمنون بالحق ويعملون به ويدعون إليه:{الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ (20) وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ (21) وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ (22) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ (23) سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ (24)} [الرعد: 20 - 24].

كما أن هناك علاقة متينة بين الفساد الذي يصيب حياة البشر في هذه الأرض، وبين أولئك العمي عن الحق الذي جاء من عند الله لهداية البشر إلى الحق والخير والصلاح كما قال سبحانه:{وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ (25)} [الرعد: 25].

فالذين يعلمون أن الإسلام هو الحق ويستجيبون له هم الذين يُصلحون في الأرض، وتزكو بهم الحياة.

كما أن الذين لا يستجيبون لعهد الله على الفطرة، ولا يستجيبون للحق الذي جاء من عند الله، ويعلمون أنه وحده الحق، هم الذين يفسدون في الأرض.

إن الفوز والنجاة، والسعادة والفلاح، لا يمكن أن تحصل للبشرية إلا بالإسلام الذي ارتضاه للبشرية ديناً إلى يوم القيامة.

وحياة الناس لا تصلح قطعاً إلا بأن يتولى قيادتها المبصرون أولو الألباب الذين يعلمون أن ما أنزل إلى محمد صلى الله عليه وسلم هو الحق.

ومن ثم يوفون بعهد الله على الفطرة .. وبعهد الله على آدم وذريته أن يعبدوا الله وحده .. فيدينوا له وحده ولا يتلقوا عن غيره .. ويطيعون ربهم ولا يتبعوا إلا أمره

ص: 3646

ونهيه .. ومن ثم يَصِلون ما أمر الله به أن يوصل .. ويخشون ربهم فيخافون أن يقع منهم ما نهى عنه وما يغضبه .. ويخافون سوء الحساب فيجعلون الآخرة في حسابهم في كل خالجة وكل حركة .. ويصبرون على الاستقامة على عهد الله ودينه بكل تكاليف الاستقامة .. ويتصلون بربهم بإقامة الصلاة على الدوام لربهم تعظيماً له وتكبيراً وحمداً وشكراً وسؤالاً واستغفاراً .. وينفقون مما رزقهم الله في سبل مرضاته سراً وعلانية .. ويدفعون السوء والفساد في الأرض بالصلاح والإحسان.

فما أعظم هذه الأصول .. وما أحسن هذه الصفات .. وما أصلح أهلها .. وما أجل ما يقدمونه لربهم من تعظيم وحمد وطاعة .. وما أعظم ما يحسنون به إلى أنفسهم وللبشرية من منافع وخير وصلاح: {الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ (18)} [الزمر: 18].

إن حياة الناس في الأرض لا تصلح قطعاً إلا بمثل هذه القيادة المبصرة التي تسير على هدى الله وحده، والتي تصوغ الحياة كلها وفق منهجه وهديه، وتستن بجميع ما جاء به رسوله صلى الله عليه وسلم.

وتنشأ عن هذه القيادة المبصرة الاستقامة والعزة، والهداية والأمن، والسعادة في الدنيا والآخرة كما قال سبحانه:{إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (30) نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ (31) نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ (32)} [فصلت: 30 - 32].

إن الأمم لا تصلح أبداً بالقيادات الضالة العمياء التي لا تعلم أن ما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم هو الحق وحده، والتي تتبع مناهج أخرى غير منهج الله الذي ارتضاه لعباده الصالحين.

إنها لا تصلح بمناهج الشرق أو الغرب، ولا تصلح بأي منهج قومي أو قبلي أو

ص: 3647

عالمي من نتاج البشر.

إن هذا كله من مناهج العمي الذين لا يعلمون أن ما أنزل على محمد هو الحق وحده، الذي لا يجوز العدول عنه ولا التعديل فيه.

إنها لا تصلح بالقسوة والبطش والظلم .. ولا تصلح بالحرية والتميُّع .. وإطلاق الشهوات كالبهائم والأنعام.

فكل هذه المناهج سواء في كونها من مناهج العمي الذين يقيمون من أنفسهم أرباباً من دون الله، ويفعلون ما يشاؤون.

فيضعون مناهج الحكم ومناهج الحياة حسب أهوائهم .. ويُشرِّعون للناس ما لم يأذن به الله .. ويلزمون الناس بتنفيذه والعمل به .. ولو لم يأذن به الله .. ولو كان يُغضب الله .. ولو كان يشقى به الناس في الدنيا والآخرة، فما أشد جرم من صرف الناس عن هدى الله وأضلهم عنه بغير علم:{فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (50)}

[القصص: 50].

وآية هذا .. وبسبب قيادة العمي .. وطاعة العمي .. وتشريع العمي .. ودعوة العمي .. حل بالبشرية هذا البلاء العظيم .. وانفجر فيها هذا الفساد الطامي الذي يعم وجه الأرض .. وهذه الشقوة النكدة التي تعانيها البشرية في مشارق الأرض ومغاربها .. وتلك سنة الله التي لا تتبدل كما قال الله سبحانه: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا (125) قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى (126)} [طه: 124 - 126].

إن المؤمن حقاً يرفض بحكم إيمانه بالله وعلمه بأن ما أُنزل على محمد هو الحق كل دين غير دين الله .. وكل منهج للحياة غير منهج الله .. وكل شرع ومذهب ومنهج غير المنهج الوحيد .. والمذهب الوحيد .. والشرع الوحيد الذي سنه الله وارتضاه للصالحين من عباده.

ص: 3648

ومجرد الاعتراف بشرعية منهج أو وضع أو حكم من غير الله هو بذاته خروج من دائرة الإسلام لله: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (85)} [آل عمران: 85].

وهذا الاعتراف فوق أنه يناقض مفهوم الإسلام، هو في الوقت ذاته يسلم الخلافة في هذه الأرض للعمي الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه، ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل، ويفسدون في الأرض كما قال سبحانه:{وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ (25)} [الرعد: 25].

فهذا الفساد العظيم الذي حصل للبشرية في أنحاء الأرض مرتبط كل الارتباط بقيادة العمي: {وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا (27)} [النساء: 27].

ولقد شقيت البشرية في تاريخها كله، وما زالت تتخبط بين شتى الشرائع وشتى المناهج وشتى الأوضاع التي جَرَّت البشرية إلى كل بلاء وفتنة وشر، بقيادة أولئك العمي الذين يخدعون الناس بلباس أردية الفكر والعلم والحرية والوعود الكاذبة على مدار القرون.

ولا سعادة للبشرية في الدنيا والآخرة إلا أن تفيء إلى أمر الله .. إلى المنهج الرباني .. إلى الإيمان بالله ورسوله .. إلى طاعة الله ورسوله: {وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا (66) وَإِذًا لَآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا (67) وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا (68) وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا (69) ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا (70)}

[النساء: 66 - 70].

إن مسئولية كل مسلم ومسلمة أربعة أعمال، وهذه الأعمال هي مجموع وظائف الدين وهي:

تعلم الدين .. والعمل بالدين .. وتعليم الدين .. والدعوة إلى الدين.

ص: 3649

{ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (4)} [الجمعة: 4].

فيا سعادة من هو عابد لربه: {قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ (9)} [الزمر: 9].

ويا سعادة من هو داع إلى الله وإلى دين الله وشرعه في مشارق الأرض ومغاربها، حتى يُعبد الله وحده لا شريك له.

وما أعلى درجات من هو معلِّم لدين الله في جميع أوساط المسلمين، ليعبد الناس ربهم على بصيرة.

وما أعظم حسنات من أنفق ماله في سبيل الله ابتغاء مرضاة الله.

ويا بشرى لكل من جاهد في سبيل الله لإعلاء كلمة الله حتى لا تكون فتنة، ويكون الدين كله لله.

ويا بشرى لكل من بادر للقيام بالأعمال الصالحة ابتغاء وجه ربه الأعلى: {وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (25)}

[البقرة: 25].

هذا ما ندعو إليه .. وهذا ما نحبه لأنفسنا .. وهذا ما نحبه لكل إنسان إلى يوم القيامة: {هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ (52)} [إبراهيم: 52].

وكل ما نحبه ونرجوه أن يصلح الله أحوال الأمة في الدنيا .. وأن يسكنهم الجنة في الآخرة .. وأن يهديهم إلى الصراط المستقيم في الدنيا والآخرة: {إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (88)} [هود: 88].

اللهم: {رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (8)} [آل عمران: 8].

{رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (23)} [الأعراف: 23].

ص: 3650

{رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ (53)} [آل عمران: 53].

{رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا (74)} [الفرقان: 74].

{رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (147)} [آل عمران: 147].

{رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ (19)} [النمل: 19].

{رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا (28)} [نوح: 28].

{رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (201)} [البقرة: 201].

{رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (286)} [البقرة: 286].

{لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87)} [الأنبياء: 87].

«اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ، أنْتَ قَيِّمُ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ، وَلَكَ الْحَمْدُ، أنْتَ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، وَلَكَ الْحَمْدُ، أنْتَ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، أنْتَ الْحَقُّ، وَقَوْلُكَ الْحَقُّ، وَوَعْدُكَ الْحَقُّ، وَلِقَاؤُكَ الْحَقُّ، وَالْجَنَّةُ حَقٌّ، وَالنَّارُ حَقٌّ، وَالسَّاعَةُ حَقٌّ، اللَّهُمَّ لَكَ أسْلَمْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ، وَإِلَيْكَ خَاصَمْتُ، وَبِكَ حَاكَمْتُ، فَاغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أخَّرْتُ، وَأسْرَرْتُ وَأعْلَنْتُ، وَمَا أنْتَ أعْلَمُ بِهِ مِنِّي، لا إِلَهَ إِلا أنْتَ» متفق عليه (1).

«اللَّهُمَّ! إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَبِيرًا وَلا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلا أنْتَ، فَاغْفِرْ لِي

(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (7442) واللفظ له ومسلم برقم (769).

ص: 3651

مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ وَارْحَمْنِي، إِنَّكَ أنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ» متفق عليه (1).

«سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَاّ أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ» أخرجه أحمد والترمذي (2).

«أشْهَدُ أنْ لا إِلَهَ إِلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، رَضِيتُ بِاللهِ رَبّاً وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولا وَبِالإِسْلامِ دِينًا» أخرجه مسلم (3).

سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم.

{سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ (180) وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ (181) وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (182)} [الصافات: 180 - 182].

تم الفراغ منه بفضل الله وعونه وتوفيقه يوم الإثنين السادس عشر من شهر رجب من عام 1427هـ.

(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (834)، ومسلم برقم (2704) واللفظ له.

(2)

صحيح: أخرجه أحمد برقم (10420).

وأخرجه الترمذي برقم (3433)، وهذا لفظه، صحيح سنن الترمذي رقم (2730).

(3)

أخرجه مسلم برقم (386).

ص: 3652