الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
4 - فتنة الأهل والأولاد
قال الله تعالى: {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (15)} [التغابن: 15].
وقال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (9)} [المنافقون: 9].
النفس مجبولة على محبة الأزواج والأولاد، وقد نصح الله عباده أن توجب لهم هذه المحبة الانقياد لمطالب الأزواج والأولاد التي فيها محذور شرعي، ورغبهم في امتثال أوامره، وتقديم مرضاته؛ لما عنده من الأجر العظيم، والمحاب الغالية، وأن يؤثروا الآخرة الباقية على الدنيا الفانية.
ورغبهم في العفو والصفح والمغفرة، وتجنب الغلظة والقسوة في معاملتهم، ففي ذلك من المصالح ما لا يمكن حصره، فمن عفا عفا الله عنه، ومن صفح صفح الله عنه، ومن غفر غفر الله له.
وإن من الأزواج والأولاد ما يكون صديقاً معيناً على الطاعة، ومنهم من يكون عدواً معيناً على المعصية.
فالأزواج والأولاد قد يكونون مشغلة وملهاة عن ذكر الله، كما أنهم قد يكونون دافعاً للتقصير في تبعات الإيمان، اتقاء للمتاعب التي تحيط بهم.
فلو قام المؤمن بواجبه فلقي ما يلقاه المجاهد في سبيل الله، والمجاهد في سبيل الله يتعرض لآلام كثيرة، كما يتعرض هو وأهله للعنت، وقد يحتمل العنت في نفسه، ولا يحتمله في زوجته وأولاده، فيبخل ويجبن ليوفر لهم الأمن والقرار، والمتاع والمال، فيكونون عدواً له؛ لأنهم صدّوه عن الخير، وعوقوه عن تحقيق غاية وجوده الإنساني العليا، كما أنهم قد يقفون له في الطريق ليمنعوه من النهوض بواجبه، اتقاء لما يصيبهم من جرائه، أو لأنهم يكونون في طريق غير طريقه، ويعجز هو عن المفاصلة بينه وبينهم والتجرد لله فيفتنوه، ونحو ذلك من
صور العداوة المتفاوتة.
فالله يريد من عبده أن يكون له، والأزواج والأولاد يريدونه لهم، فالله عز وجل يوقظ قلوب المؤمنين، ويحذرهم من تسلسل هذه المشاعر، وضغط هذه المؤثرات.
فالأموال والأولاد فتنة كما قال سبحانه: {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (15)} [التغابن: 15].
والفتنة هنا لها معنيان:
الأول: أن الله يفتنكم بالأموال والأولاد ويختبركم كما يفتن الصائغ الذهب بالنار ليخلصه من الشوائب.
الثاني: أن هذه الأموال والأولاد فتنة لكم توقعكم بفتنتها في المخالفة والمعصية، فاحذروا هذه الفتنة لا تجرفكم وتبعدكم عن الله.
ثم يبشر الله عباده المؤمنين بعد التحذير من فتنة الأموال والأولاد بالأجر العظيم، ويهتف للذين آمنوا بتقوى الله في حدود الطاقة والاستطاعة، وبالسمع والطاعة بقوله سبحانه:{فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا خَيْرًا لِأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (16)} [التغابن: 16].
فالطاعة في الأمر ليس لها حدود، ومن ثم يقبل الله فيها ما يُستطاع، أما النهي فلا تجزئة فيه، فيُّحذر منه، ويُترك جملة.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ذَرُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ، فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِكَثْرَةِ سُؤَالِهِمْ وَاخْتِلافِهِمْ عَلَى أنْبِيَائِهِمْ، فَإِذَا أمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ، وَإِذَا نَهَيْتُكُمْ، عَنْ شَيْءٍ فَدَعُوهُ» أخرجه مسلم (1).
إن الأموال والأولاد قد تكون نعمة يسبغها الله على عبد من عباده، حين يوفقه إلى الشكر على النعمة والإصلاح بها في الأرض، وبذلها في سبيل الله
(1) أخرجه مسلم برقم (1337).
ومرضاته والإحسان بها إلى خلقه، فكلما أنفق احتسب وشعر أنه قدم لنفسه ذخراً .. وكلما أصيب في ماله أو بنيه احتسب .. فإذا السكينة تغمره .. والأمل في الله يُسرِّي عنه:{الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (274)} [البقرة: 274].
وقد تكون الأموال والأولاد نقمة يصيب الله بها عبداً من عباده؛ لأنه يعلم من أمره الفساد والدخل، فإذا القلق على الأموال والأولاد يحول حياته جحيماً، وإذا الحرص عليها يؤرقه ويتلف أعصابه.
فإذا هو ينفق المال حين ينفقه فيما يتلفه ويعود عليه بالأذى والشر، وإذا هو يشقى كذلك بأبنائه إذا مرضوا، ويشقى بهم إذا صحُّوا، وكم من الناس يعذبون بأولادهم لسبب من الأسباب:{فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ (55)} [التوبة: 55].
فعلى المسلمين أن لا يقيموا وزناً لأموال وأولاد المنافقين؛ لأن الإعجاب بها نوع من التكريم الشعوري لهم، وهم لا يستحقونه لا في الظاهر ولا في الشعور، إنما هو الاحتقار لهم ولما يملكون.
وكثرة الأموال والأولاد لا تقرب من الله زلفى، ولا تدني إليه، وإنما الذي يقرب منه زلفى الإيمان بما جاءت به الرسل، والعمل الصالح الذي هو من لوازم الإيمان كما قال سبحانه:{وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ (37)} [سبأ: 37].
والكفار يستحقون النار بكفرهم، ولا تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من عذاب الله شيئاً كما قال سبحانه:{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَأُولَئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ (10)} [آل عمران: 10].
وقد ابتلى الله عز وجل بني آدم بالشهوات، وزين لهم حب الشهوات الدنيوية، فتعلقت بها نفوسهم، ومالت إليها قلوبهم، وانقسموا إلى قسمين:
قسم جعلوها مقصد الحياة، فصارت أفكارهم وأعمالهم لها، فشغلتهم عما
خلقوا لأجله، وصحبوها صحبة البهائم السائمة، يتمتعون بلذاتها، ويتمرغون بشهواتها، ولا يبالون بأي وجه حصولها، ولا فيما أنفقوها، فهؤلاء كانت لهم زاداً إلى دار الشقاء والعناء والعذاب.
قال الله تعالى: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ (14)} [آل عمران: 14].
والقسم الثاني: عرفوا المقصود منها، وأن الله جعلها ابتلاء وامتحاناً لعباده، ليعلم من يقدم طاعته ومرضاته على لذاته وشهواته، فجعلوها وسيلة إلى الدار الآخرة، يستعينون بها على مرضاة الله وطاعته، قد صحبوها بأبدانهم، وفارقوها بقلوبهم، وعلموا أنها متاع.
فهؤلاء صارت لهم زاداً إلى ربهم، ووسيلة إلى رضوانه والفوز بجنته:{قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (15)} [آل عمران: 15].
والإنسان إذا تبع هواه، وارتكب المعاصي دخل قلبه بكل معصية يتعاطاها ظلمة، وإذا كان كذلك افتتن وزال عنه نور الإسلام، والقلب كالكوز، فإذا انكب انصب ما فيه ولم يدخله شيء بعد ذلك.
(1) أخرجه مسلم برقم (144).
اللهم إنا نسألك فعل الخيرات .. وترك المنكرات .. وحب المساكين .. وإذا أردت بعبادك فتنة فاقبضنا إليك غير مفتونين.
اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر .. وأعوذ بك من عذاب جهنم .. وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال .. وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات.