المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فهرس الكتاب

- ‌الباب الثالث عشرفقه الطاعات والمعاصي

- ‌1 - مشاهد الخلق في الطاعات والمعاصي

- ‌2 - فقه الطاعات والمعاصي

- ‌3 - فقه آثار الطاعات والمعاصي

- ‌4 - فقه النعيم والعذاب

- ‌5 - فقه الصبر عن المعاصي

- ‌6 - فقه الثواب والعقاب

- ‌7 - فقه الجزاء من جنس العمل

- ‌8 - فقه التخلص من المعاصي

- ‌9 - فقه التوبة من المعاصي

- ‌الباب الرابع عشرفقه أعداء الإنسان

- ‌1 - العدو الأول: النفس

- ‌1 - فقه النفوس

- ‌2 - آفات النفوس

- ‌1 - آفة الغفلة

- ‌2 - آفة الهوى

- ‌3 - آفة الكبر

- ‌4 - آفة العُجْب

- ‌5 - آفة الغرور

- ‌6 - آفة الكذب

- ‌7 - آفة اللسان

- ‌8 - آفة الرياء

- ‌9 - آفة الحسد

- ‌10 - آفة الغضب

- ‌2 - العدو الثاني: الشيطان

- ‌1 - فقه عداوة الشيطان

- ‌2 - فقه تسليط الشيطان على الإنسان

- ‌3 - فقه خطوات الشيطان

- ‌4 - فقه كيد الشيطان للإنسان

- ‌5 - ما يعتصم به العبد من الشيطان

- ‌3 - العدو الثالث: الدنيا

- ‌1 - فقه حقيقة الدنيا

- ‌2 - فقه الفتن

- ‌3 - فتنة الأموال والشهوات

- ‌4 - فتنة الأهل والأولاد

- ‌4 - العدو الرابع: المنافقون

- ‌1 - علامات المنافقين

- ‌2 - فقه عداوة المنافقين

- ‌5 - العدو الخامس: الكفار والمشركون

- ‌فقه عداوة الكفار والمشركين

- ‌6 - العدو السادس: أهل الكتاب

- ‌فقه عداوة أهل الكتاب

- ‌ فقه جهاد الأعداء

- ‌الباب الخامس عشرفقه الدنيا والآخرة

- ‌1 - فقه الدنيا والآخرة

- ‌2 - قيمة الدنيا والآخرة

- ‌3 - فقه حب الدنيا

- ‌4 - فقه الحياة العالية

- ‌5 - أحوال الخلق في الدنيا

- ‌1 - حال الأشقياء

- ‌2 - حال الظالم لنفسه

- ‌3 - حال المقتصد

- ‌4 - حال السابق بالخيرات

- ‌6 - فقه الغربة

- ‌7 - فقه الموت

- ‌8 - فقه البعث والحشر

- ‌9 - فقه الحساب

- ‌10 - فقه درجات الآخرة

- ‌11 - طبقات الخلق في الآخرة

- ‌الطبقة الأولى: طبقة أولي العزم من الرسل

- ‌الطبقة الثانية: طبقة من عداهم من الرسل على مراتبهم ودرجاتهم عند ربهم

- ‌الطبقة الثالثة: طبقة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام

- ‌الطبقة الرابعة: طبقة ورثة الرسل

- ‌الطبقة الخامسة: أئمة العدل وولاته

- ‌الطبقة السادسة: المجاهدون في سبيل الله

- ‌الطبقة السابعة: أهل الإيثار والصدقة والإحسان

- ‌الطبقة الثامنة: من فتح الله له باباً من أبواب الخير القاصر على نفسه

- ‌الطبقة التاسعة: طبقة أهل النجاة

- ‌الطبقة العاشرة: طبقة من أسرف على نفسه ثم تاب

- ‌الطبقة الحادية عشرة: طبقة أقوام خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً

- ‌الطبقة الثانية عشرة: قوم تساوت حسناتهم وسيئاتهم

- ‌الطبقة الثالثة عشرة: طبقة أهل المحنة والبلية

- ‌الطبقة الرابعة عشرة: قوم لا طاعة لهم ولا معصية

- ‌الطبقة الخامسة عشرة: طبقة أهل النفاق

- ‌الطبقة السادسة عشرة: طبقة رؤساء الكفر ودعاته

- ‌الطبقة السابعة عشرة: طبقة المقلدين وجهال الكفرة

- ‌الطبقة الثامنة عشرة: طبقة الجن

- ‌12 - دار القرار

- ‌1 - صفة الجنة

- ‌2 - صفة النار

- ‌13 - طريق الفوز والنجاة

الفصل: ‌4 - فتنة الأهل والأولاد

‌4 - فتنة الأهل والأولاد

قال الله تعالى: {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (15)} [التغابن: 15].

وقال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (9)} [المنافقون: 9].

النفس مجبولة على محبة الأزواج والأولاد، وقد نصح الله عباده أن توجب لهم هذه المحبة الانقياد لمطالب الأزواج والأولاد التي فيها محذور شرعي، ورغبهم في امتثال أوامره، وتقديم مرضاته؛ لما عنده من الأجر العظيم، والمحاب الغالية، وأن يؤثروا الآخرة الباقية على الدنيا الفانية.

ورغبهم في العفو والصفح والمغفرة، وتجنب الغلظة والقسوة في معاملتهم، ففي ذلك من المصالح ما لا يمكن حصره، فمن عفا عفا الله عنه، ومن صفح صفح الله عنه، ومن غفر غفر الله له.

وإن من الأزواج والأولاد ما يكون صديقاً معيناً على الطاعة، ومنهم من يكون عدواً معيناً على المعصية.

فالأزواج والأولاد قد يكونون مشغلة وملهاة عن ذكر الله، كما أنهم قد يكونون دافعاً للتقصير في تبعات الإيمان، اتقاء للمتاعب التي تحيط بهم.

فلو قام المؤمن بواجبه فلقي ما يلقاه المجاهد في سبيل الله، والمجاهد في سبيل الله يتعرض لآلام كثيرة، كما يتعرض هو وأهله للعنت، وقد يحتمل العنت في نفسه، ولا يحتمله في زوجته وأولاده، فيبخل ويجبن ليوفر لهم الأمن والقرار، والمتاع والمال، فيكونون عدواً له؛ لأنهم صدّوه عن الخير، وعوقوه عن تحقيق غاية وجوده الإنساني العليا، كما أنهم قد يقفون له في الطريق ليمنعوه من النهوض بواجبه، اتقاء لما يصيبهم من جرائه، أو لأنهم يكونون في طريق غير طريقه، ويعجز هو عن المفاصلة بينه وبينهم والتجرد لله فيفتنوه، ونحو ذلك من

ص: 3285

صور العداوة المتفاوتة.

فالله يريد من عبده أن يكون له، والأزواج والأولاد يريدونه لهم، فالله عز وجل يوقظ قلوب المؤمنين، ويحذرهم من تسلسل هذه المشاعر، وضغط هذه المؤثرات.

فالأموال والأولاد فتنة كما قال سبحانه: {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (15)} [التغابن: 15].

والفتنة هنا لها معنيان:

الأول: أن الله يفتنكم بالأموال والأولاد ويختبركم كما يفتن الصائغ الذهب بالنار ليخلصه من الشوائب.

الثاني: أن هذه الأموال والأولاد فتنة لكم توقعكم بفتنتها في المخالفة والمعصية، فاحذروا هذه الفتنة لا تجرفكم وتبعدكم عن الله.

ثم يبشر الله عباده المؤمنين بعد التحذير من فتنة الأموال والأولاد بالأجر العظيم، ويهتف للذين آمنوا بتقوى الله في حدود الطاقة والاستطاعة، وبالسمع والطاعة بقوله سبحانه:{فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا خَيْرًا لِأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (16)} [التغابن: 16].

فالطاعة في الأمر ليس لها حدود، ومن ثم يقبل الله فيها ما يُستطاع، أما النهي فلا تجزئة فيه، فيُّحذر منه، ويُترك جملة.

قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ذَرُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ، فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِكَثْرَةِ سُؤَالِهِمْ وَاخْتِلافِهِمْ عَلَى أنْبِيَائِهِمْ، فَإِذَا أمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ، وَإِذَا نَهَيْتُكُمْ، عَنْ شَيْءٍ فَدَعُوهُ» أخرجه مسلم (1).

إن الأموال والأولاد قد تكون نعمة يسبغها الله على عبد من عباده، حين يوفقه إلى الشكر على النعمة والإصلاح بها في الأرض، وبذلها في سبيل الله

(1) أخرجه مسلم برقم (1337).

ص: 3286

ومرضاته والإحسان بها إلى خلقه، فكلما أنفق احتسب وشعر أنه قدم لنفسه ذخراً .. وكلما أصيب في ماله أو بنيه احتسب .. فإذا السكينة تغمره .. والأمل في الله يُسرِّي عنه:{الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (274)} [البقرة: 274].

وقد تكون الأموال والأولاد نقمة يصيب الله بها عبداً من عباده؛ لأنه يعلم من أمره الفساد والدخل، فإذا القلق على الأموال والأولاد يحول حياته جحيماً، وإذا الحرص عليها يؤرقه ويتلف أعصابه.

فإذا هو ينفق المال حين ينفقه فيما يتلفه ويعود عليه بالأذى والشر، وإذا هو يشقى كذلك بأبنائه إذا مرضوا، ويشقى بهم إذا صحُّوا، وكم من الناس يعذبون بأولادهم لسبب من الأسباب:{فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ (55)} [التوبة: 55].

فعلى المسلمين أن لا يقيموا وزناً لأموال وأولاد المنافقين؛ لأن الإعجاب بها نوع من التكريم الشعوري لهم، وهم لا يستحقونه لا في الظاهر ولا في الشعور، إنما هو الاحتقار لهم ولما يملكون.

وكثرة الأموال والأولاد لا تقرب من الله زلفى، ولا تدني إليه، وإنما الذي يقرب منه زلفى الإيمان بما جاءت به الرسل، والعمل الصالح الذي هو من لوازم الإيمان كما قال سبحانه:{وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ (37)} [سبأ: 37].

والكفار يستحقون النار بكفرهم، ولا تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من عذاب الله شيئاً كما قال سبحانه:{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَأُولَئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ (10)} [آل عمران: 10].

وقد ابتلى الله عز وجل بني آدم بالشهوات، وزين لهم حب الشهوات الدنيوية، فتعلقت بها نفوسهم، ومالت إليها قلوبهم، وانقسموا إلى قسمين:

قسم جعلوها مقصد الحياة، فصارت أفكارهم وأعمالهم لها، فشغلتهم عما

ص: 3287

خلقوا لأجله، وصحبوها صحبة البهائم السائمة، يتمتعون بلذاتها، ويتمرغون بشهواتها، ولا يبالون بأي وجه حصولها، ولا فيما أنفقوها، فهؤلاء كانت لهم زاداً إلى دار الشقاء والعناء والعذاب.

قال الله تعالى: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ (14)} [آل عمران: 14].

والقسم الثاني: عرفوا المقصود منها، وأن الله جعلها ابتلاء وامتحاناً لعباده، ليعلم من يقدم طاعته ومرضاته على لذاته وشهواته، فجعلوها وسيلة إلى الدار الآخرة، يستعينون بها على مرضاة الله وطاعته، قد صحبوها بأبدانهم، وفارقوها بقلوبهم، وعلموا أنها متاع.

فهؤلاء صارت لهم زاداً إلى ربهم، ووسيلة إلى رضوانه والفوز بجنته:{قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (15)} [آل عمران: 15].

والإنسان إذا تبع هواه، وارتكب المعاصي دخل قلبه بكل معصية يتعاطاها ظلمة، وإذا كان كذلك افتتن وزال عنه نور الإسلام، والقلب كالكوز، فإذا انكب انصب ما فيه ولم يدخله شيء بعد ذلك.

قال النبي صلى الله عليه وسلم: «تعْرَضُ الْفِتَنُ عَلَى الْقُلُوبِ كَالْحَصِيرِ عُودًا عُودًا، فَأيُّ قَلْبٍ أُشْرِبَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ، وَأيُّ قَلْبٍ أنْكَرَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ بَيْضَاءُ، حَتَّى تَصِيرَ عَلَى قَلْبَيْنِ، عَلَى أبْيَضَ مِثْلِ الصَّفَا، فَلا تَضُرُّهُ فِتْنَةٌ مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ، وَالآخَرُ أسْوَدُ مُرْبَادّاً، كَالْكُوزِ مُجَخِّيًا لا يَعْرِفُ مَعْرُوفًا وَلا يُنْكِرُ مُنْكَرًا، إِلا مَا أشْرِبَ مِنْ هَوَاهُ» أخرجه مسلم (1).

(1) أخرجه مسلم برقم (144).

ص: 3288

اللهم إنا نسألك فعل الخيرات .. وترك المنكرات .. وحب المساكين .. وإذا أردت بعبادك فتنة فاقبضنا إليك غير مفتونين.

اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر .. وأعوذ بك من عذاب جهنم .. وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال .. وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات.

ص: 3289