الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الله عليه وسلم، وانتشر عنها من دين الله ما انتشر، إلى أن قال تعظم عرصاتها وتتنسم نفحاتها، وتقبل ربوعها، وجدرانها، وللمؤلف يعني نفسه:
(يا دار خير المرسلين
ومن به
…
هدي الأنام وخص بالآيات)
(عندي لأجلك لوعة وصبابة
…
وتشوق متوقد الجمرات)
(وعلي عهد إن ملأت محاجري
…
من تلكم الجدرات والعرصات)
(لأعفرن مصون شيبي بينها
…
من كثرة التقبيل والرشفات)
(لولا العوادي والأعادي زرتها
…
أبدًا ولو سحبا على الوجنات)
(لكن سأهدي من حفيل تحيتي
…
لقطين تلك الدار والحجرات)
(أزكى من المسك المفتق نفحة
…
تغشاه بالآصال والبكرات)
(وتخصه بزواكي الصلوات مع
…
ونوامي التسليم والبركات)
قوله درة بكسر الدال وتشديد الراء آلة التعزيز، وقوله قدرًا أي جاها وعظمة، وقوله منشد الإنشاد قراءة شعر نفسه، أو غيره، والبيتان لأبي الطيب المتنبي، والرسم أثر الدار والفؤاد القلب، واللب العقل، والأكور جمع كور بالضم رحل الناقة بإكافه كالسرج بآلته للفرس، وقوله بان أي ظهر رسمه، والإلمام: النزول وكرامة نصب على العلة، وركبا حال أي كرامة، أن ننزل به راكبين كذا في ابن سلطان وغيره، قال مؤلفه سمح الله له، ولم يتعرض لقوله عنه وعلى تفسير بان بظهر فعنه يبدل منه قوله أن نلم بدل اشتمال أي لأجل إكرامنا له عن أن نلم به راكبين، ويحتمل عندي معنى أظهر من هذا، وهو أن يكون بان بمعنى بعد، وضميره للنبي صلى الله عليه وسلم، ويعني ببينه عن الرسم انتقاله أي بالوفاة إلى دار كرامته صلى الله عليه وسلم، أي نزلنا عن الرحال إكرامًا لمن ارتحل عن تلك الدار أن ننزل به راكبين هذا ما ظهر لي، والله أعلم بالصواب.
وقوله لاح أي لمع وتقطع بصيغة المضارع مجهولاً أو بحذف إحدى
التاءين أو بصيغة الماضي معلومًا، أي تضمحل لديه الأفهام بسطوع نوره، والرحال بالمهملة جمع رحل البعير، وفي نسخة بالجيم، وذمام بكسر أوله، أي عهد وأمان، والأبيات لأبي نواس يمدح بها الأمين كذا بخط السخاوي، وجدير أي حقيق ولائق، وعمرت بصيغة المجهول مخففًا ومشددًا، والروح أي أرواح الأنبياء المرسلين، والروح الأمين وضجت صوتت والمعنى ارتفعت الأصوات في عرصاتها جمع عرصة، وهي كل بقعة بين الديار واسعة وليس بها بناء، وأن تعظم بفتح الهمزة مبتدأ خبره جدير بالمقدم، وتتنسم أي تستنشق، وفي نسخة تشم بشد الميم، وفي أخرى تشم نفحاتها أي روائحها الطيبة ولوعة أي شدة محبة والصبابة بالفتح رقة الشوق، وعن النخعي كان يعجبهم أن يكون للغلام صبوة؛ لأنه إذا تاب فربما كان ارعواؤه باعثًا له عند شدة اجتهاده وكثرة نومه على ما فرط من عمله، وأبعد له عن أن يعجب بحاله؛ ولأن المجاز قنطرة الحقيقة، والرياء قنطرة الإخلاص، والعوادي جمع عادية، وهي العوائق التي تصرف عن الشيء والأعادي جمع عدو، والوجنة أعلى الخد، وهي بفتح الواو، وتكسر وتضم، وسحبًا من قولهم سحبته أي جررته، وأهدى بضم الهمزة، وحفيل تحيتي أي تحيتي الحافلة أي الكثيرة الكاملة، والمفتق بفتح التاء المشددة، أي المشقق، ويقال فتق المسك إذا خلط به ما يزكي رائحته، قال ابن سلطان في شرح الشفاء، وللشيخ الصالح أبي عمران:
(دار الحبيب أحق أن تهواها
…
وتحن من طرب إلى لقياها)
(وعلى الجفون متى هممت بزورة
…
يابن الكرام عليك أن تغشاها)
(فلأنت أنت إذا حللت بطيبة
…
وظللت ترتع في ظلال رباها)
(مغنى الجمال مني الخواطر والتي
…
سلبت عقول العاشقين حلاها)
(لا تحسب المسك الذكي كتربها
…
هيهات أين المسلك من رياها)
(طابت فإن تبغي التطيب يا فتى
…
فأدم على الساعات لثم ثراها)
(وأبشر ففي الخبر الصحيح مقرر
…
إن الإله بطيبة سماها)
(واختصها بالطيبين لطيبها
…
واختارها ودعى إلى سكناها)
(لا كالمدينة منزل وكفى بها
…
شرفًا حلول محمد بفناها)
(خلصت بهجرة خير من وطئ الثرى
…
وأجلهم قدرًا فكيف تراها)
(كل البلاد إذا ذكرن كأجرف
…
في اسم المدينة لاحظت معناها)
(حاشى مسمى القدس فهي قريبة
…
منها ومكة إنها إياها)
(لا فرق إلا أن ثم لطيبة
…
مهما بدت يجلو الظلام سناها)
(جزم الجميع بأن خير الأرض ما
…
قد حاط ذات المصطفى وحواها)
(ونعم لقد صدقوا بساكنها علت
…
كالنفس حين زكت زكى مأواها)
(فلهذه ظهرت مزية طيبة
…
وغدت وكل الفضل في مغناها)
قال أبو العباس القلشاني ولقد أحسن فيها كل إحسان لاسيما قوله في آخرها:
(كيف السبيل إلى تقضى مدح من
…
قال الإله له وحسبك جاها)
(إن الذين يبايعونك إنما
…
فيما يقول يبايعون الله)
انتهى ما ذكر القلشاني منها.
ولما كان بعد قدومه صلى الله عليه وسلم بخمسة أشهر كما في المواهب تبعًا لابن عبد البر، وقيل بثمانية وقيل بتسعة آخى بين المهاجرين والأنصار على الحق والمواساة والتوارث، واستمر ذلك إلى أن نزل بعد وقعة بدر حين أعز الله الإسلام، وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض، فانقطعت المؤاخاة في الميراث، وبقيت في التوادد والمناصرة كما قال تعالى:{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات: 10]، قال العز بن عبد السلام هو خبر بمعنى الأمر، أي لينصر بعضهم بعضًا، وقوله صلى الله عليه وسلم:"المؤمن أخو المؤمن" خبر أيضًا بمعنى الأمر.
تتمة:
قال الشيخ محمد بن عبد الباقي في شرح المواهب: روى أبو داوود عن جبير بن مطعم مرفوعًا لا حلف في الإسلام، وأي حلف كان في الجاهلية لم يزده الإسلام إلا شدة، وروى أحمد والترمذي وحسنه عن عبد الله بن عمرو بن العاص رفعه أوفو بحلف الجاهلية، فإن الإسلام لم يزده إلا شدة ولا تحدثوا حلفًا في الإسلام، قال في النهاية أصل الحلف المعاقدة
والمعاهدة على التعاضد والتساعد والإنفاق، فما كان منه في الجاهلية على القتال والغارات فذلك الذي نهى عنه بقوله لا حلف في الإسلام، وما كان منه على نصر المظلوم وصلة الأرحام فذلك الذي قال فيه، وأي حلف في الجاهلية الخ
…
يريد من المعاقدة على الخير ونصرة الحق انتهى.
(ومدة اللبث بها في العدة
…
عشر سنين يا لها من مدة)
قوله ومدة مبتدأ خبره قوله عشر، والليث بفتح اللام، ويضم ويحرك المكث لبث كسمع، قاله في القاموس، وقوله يا لها تعجب، أي يا قوم أعجبوا تلك المدة من مدة، يعني أن المدة التي أقام صلى الله عليه وسلم بها، أي المدينة المشرفة، عشر سنين، وهذا عليه اتفاق العلماء، وفي الشمائل عن ابن عباس رضي الله عنهما قال مكث النبي صلى الله عليه وسلم بمكة ثلاث عشرة سنة يوحى إليه، وبالمدينة عشرًا، وتوفي وهو ابن ثلاث وستين، قال البيجوري في شرحه قوله مكث بفتح الكاف وضمها أي لبث بعد البعثة، وقوله ثلاث عشرة سنة يوحى إليه أي باعتبار مجموعها؛ لأن مدة فترة الوحي ثلاث سنين من جملتها وهذا هو الأصح الموافق لما رواه أكثر الرواة، وروي عشر سنين، وهو محمول على ما عدى مدة فترة الوحي، وروي أيضًا خمس عشرة سنة في سبعة منها، يرى نورًا ويسمع صوتًا ولم ير ملكًا، وفي ثمانية منها يوحى إليه، وهذه الرواية مخالفة للأولى من وجهين الأول في مدة الإقامة بمكة بعد البعثة، ويمكن الجمع بحمل هذه الرواية على حساب سنة البعثة، وسنة الهجرة، والثاني في زمن الوحي، ويمكن الجمع بأن المراد بالوحي إليه في ثلاث عشرة أعم من كون الملك مرئيًا أو لا، وفي الثمانية خصوص الوحي مع رؤيته فلا تدافع، وقوله بالمدينة عشرًا، أي عشر سنين باتفاق، فإنهم اتفقوا على أنه صلى الله عليه وسلم أقام بالمدينة بعد الهجرة عشر سنين، كما اتفقوا على أنه صلى الله عليه وسلم أقام بمكة قبل البعثة أربعين، وإنما اختلفوا في قدر إقامته بمكة بعد البعثة، والصحيح أنه ثلاث عشرة سنة، فيكون عمره الشريف ثلاثًا وستين انتهى.
وفي الشمائل أيضًا عن معاوية رضي الله عنه قال: مات رسول الله