المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ثم سرية زيد بن حارثة إلى القردة - نزهة الأفكار في شرح قرة الأبصار - جـ ١

[عبد القادر المجلسي]

فهرس الكتاب

- ‌الكلام على البسملة

- ‌«ما ولدني من سفاح الجاهلية شيء

- ‌ ولنذكر حين تم شرح هذه الأبيات

- ‌ من يعقوب إسرائيل الله

- ‌(وحملت آمنة الزهرية)

- ‌ أصغر كوكب في السماء أكبر من الأرض بمائة وعشرين مرة

- ‌ وسأله أن يبعث له فيله "محمود

- ‌(فغاضت المياه) هذا من عجائب

- ‌(عفا جانب البطحاء من ال هاشم

- ‌ أول داخل رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌(بيان مبعث النبي الهادي

- ‌(فقام يدعو الإنس والجن إلى

- ‌ فكان أول دم أريق فى سبيل الله

- ‌(وكان قادرا على التدمير…لو شاء

- ‌ الجن على ثلاثة أصناف:

- ‌ وفى الجن ملل

- ‌ أول من خط بالقلم

- ‌(بيان هجرة النبى المختار

- ‌ واهتز لموته عرش الرحمن

- ‌ ما أكل منها جائع إلا شبع

- ‌(يا دار خير المرسلين

- ‌(أولها) غزوة ودان

- ‌ هذا كتاب من محمد رسول الله

- ‌أما غزوة بدر فهي أعظم

- ‌ لها سبعة أولاد شهدوا بدرا

- ‌(هنيئا زادك الرحمن فضلا

- ‌ وبعدها "غزوة أحد

- ‌ أنسيتم ما قال لكم رسول الله

- ‌(أنا ابن الذي سالت على الخد عينه

- ‌ غزوة حمراء الأسد

- ‌ غزوة دومة الجندل

- ‌ غزوة الخندق

- ‌ فلم يقم لقريش حرب بعدها

- ‌ اللهم منزل الكتاب

- ‌غزوة بني قريظة

- ‌ غزوة بني لحيان

- ‌ غزوة ذي قرد

- ‌ لئن رجعنا إلي المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل

- ‌ قال أهل الإفك في الصديقية الطاهرة

- ‌ غزوة الحديبية

- ‌ وإذا توضأ كادوا يقتتلون علي وضوئه

- ‌ فلما حصل الصلح اختلطوا بالمسلمين

- ‌ ثم خرج في بقية المحرم إلى خيبر

- ‌ثم يلي خيبر فتح واد القرى

- ‌ غزوة القضاء

- ‌غزوة مؤتة

- ‌ثم بعد مؤتة غزوة فتح مكة

- ‌غزوة حنين

- ‌ولما أسلمت ثقيف تكلمت أشرافهم

- ‌ اللهم لا تنسها لأبي سفيان

- ‌غزوة بني سليم

- ‌غزوة بني قينقاع

- ‌ثم غزوة السويق

- ‌غزوة غطفان

- ‌غزوة بحران

- ‌غزوة تبوك

- ‌(طلع البدر علينا

- ‌ولنذكر كلاما مختصراً في البعوث

- ‌ ثم بعد ذلك سرية محمد بن مسلمة

- ‌ثم سرية زيد بن حارثة إلى القردة

- ‌ فأتتهم فقتلت منهم سبعمائة رجل

- ‌ويليه بعث أبي عبيدة بن الجراح

- ‌ أيها الناس إني قد أجرت أبا العاصي

- ‌ثم سرية زيد سادسة إلى واد القرى

الفصل: ‌ثم سرية زيد بن حارثة إلى القردة

قوله فقطره بالقاف أي صرعه صرعة شديدة، ولما انتهوا إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وأخبروه بقتله قال لهم أفلحت الوجوه. فقالوا وجهك يا رسول الله. وروي ووجهك بواوين وحذفها أمس بالأدب، لأنها تثبت فلاح وجهه مع وجوههم. ورموا برأسه بين يديه فحمد الله تعالى على قتله، فأصبحت اليهود مذعورين ولم ينطقوا وخافوا أن يبيتوا.

وللعراقي:

(فمبعثه محمد بن مسلمه

في فرقة لقتل كعب الملامه)

(جاءوا برأسه فأذرموه

قال لهم أفلحت الوجوه)

‌ثم سرية زيد بن حارثة إلى القردة

بالقاف المفتوحة وسكون الراء وقيل بالفاء أي المفتوحة وكسر الراء اسم ماء من مياه نجد قاله في المواهب، وسببها أن قريشاً لما كان من وقعة بدر ما كان خافوا طريقهم التي كانوا يسلكون إلى الشام فسلكوا طريق العراق فخرج منهم تجار بكسر التاء وتخفيف الجيم وبضم الفوقية وشد الجيم، فيهم أبو سفيان واستأجروا فرات بضم الفاء بن حيان بفتح المهملة وشد التحتية الرفعي البكري حليف بني سهم دليلاً لهم، ومعهم فضة كثيرة قال ابن إ سحاق هي عظم تجارتهم قال الزرقاني بضم فسكون أي أكثر فبعث إليهم عليه الصلاة والسلام زيداً في مائة راكب فلقيهم بالقردة فأصاب العير فأتى بها وأعجزه الرجال فخمسها رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فبلغت قيمة الخمس عشرين ألف درهم. وعند مغلطاي خمسة وعشرين ألف درهم وقدموا بالدليل فرات بن حيان أسيراً فأسلم وأرسله عليه السلام بعد ذلك إلى ثمامة بن أثال في شأن مسيلمة ومر عليه السلام به وهو مع أبي هريرة والرحال بن عفوة فقال ضرس أحدكم في النار مثل أحد فما زال فرات وأبو هريرة خائفين حتى بلغهما ردة رحال وإيمانه بمسيلمة فخرا ساجدين، وهذه السرية، قال ابن سعد هي أول سرية خرج فيها زيد أميراً، قال وكان بعثه لهلال جمادى الآخرة على رأس

ص: 422

ثمانية وعشرين شهراً من الهجرة يعترض عيراً لقريش فيها صفوان بن أمية الجمحي وحويطب بن عبد العزى القرشي العامري وعبد الله بن أبي ربيعة انتهى. وأسلموا بعد كلهم.

وفي المناوي ومعهم مال كثير منه فضة نحو ثلاثين ألف درهم وثلاثمائة مثقال ذهباً، وذكر ابن إ سحاق هذه السرية قبل قتل ابن الأشرف وكان قتله بأربع عشرة ليلة خلت من ربيع الأول على رأس خمسة وعشرين شهراً من الهجرة. وللعراقي بعدما تقدم:

(فبعثه زيداً إلى القردة

ماء بنجد بقريب غمزة)

(فصلوا مائة ألف مغنماً

واسروا فرات ثم أسلما)

قال المناوي في شرحه بعد قوله القردة بفتح الراء والقاف على الأشهر وضبطه الدمياطي بفاء مفتوحة وراء ساكنة وغمزة قال بفتح الغين المعجمة وميم ساكنة موضع بين نجد وتهامة من طريق الكوفة. وقال حسان بن ثابت في غزوة بدر الأخيرة يؤنب قريشاً في أخذهم تلك الطريق:

(دعوا فلجأت الشام قد حال دونها

جلاد فأفواه المخاض الأوارك)

(بأيدي رجال هاجروا نحو ربهم

وأنصاره حقاً وأيدي الملائك)

(إذا سلكت للغر من بطن عالج

فقولا لها ليس الطريق هنالك)

(أقمن على الرس النزون ثمانيا

بأرعن جرار عظيم المبارك)

(بكل كميت جوزه نصف خلقه

وقب طوال مشرفات الحوارك)

(ترى العرفج العامي تذرى أصوله

مناسم أخفاف المطي الرواتك)

(فإن تلف في تطوافنا والتماسنا

فرات بن حيان يكن رهن هالك)

(وإن تلف قيس بن امرئ القيس بعده

نزد في سواد لونه لون حالك)

ومنها كمنا فتح الورود:

(وأبلغ أبا سفيان عني رسالة

فإنك من غر الرجال الصعالك)

الفلجات بالجيم جمع فلج وهو الماء يجري ورواه أبو حنيفة بالحاء وقال الفلجة المزرعة والمخاض واحدتها خلفة من غير لفظها وقد قيل في

ص: 423

الواحد ماخض وعندي أن المخاض في الحقيقة ليس بجمع وإنما هو مصدر ولذلك وصف به الجمع، وفي التنزيل فأجاءها المخاض كذا رأيته معزواً للسهيلي. والأوارك الأكلة للأراك فتفتح أفواهها لذلك والرس البئر المطوية بالحجارة والنزوع كصبور القريبة القعر وجيش أرعن عظيم له فضول والكميت الأحمر، والقب الضوامر والحارك أعلى الكاهل، والعامي الذي مر عليه عام، والرواتك المسرعات، والرتك سير النعام، وفرات مر قريباً ضبطه ونسبه.

ثم سرية أبي سلمة بن عبد الله بن عبد الأسد بن هلال بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم هلال المحرم على رأس خمسة وثلاثين شهراً من الهجرة إلى قطن بفتح القاف والطاء المهملة والبنون جبل بناحية فيذ بفتح الفاء وسكون التحتية وبالدال المهملة ماء لبني أسد بن خزيمة ومعه مائة وخمسون من المهاجرين والأنصار وسببها أن الوليد بن زبير الطائي أخبره صلى الله تعالى عليه وسلم أنه مرّ بطليحة وسلمة ابني خويلد الأسدي وهما يدعوان قومهما ومن أطاعهما لحربه عليه السلام فنهاهم قيس بن الحارث فلم ينتهوا، فبعث إليهم أبا سلمة وعقد له لواء وقال سر حتى تنزل بأرض بني أسد، فأغر عليهم. فأسرع أبو سلمة السير حتى انتهى إلى أدنا قطن فأغار على سرح لهم مع رعاء لهم مماليك ثلاثة وأفلت سائرهم فجاؤهم وأخبروهم الخبر فتفرقوا في كل وجه وهرب طليحة وأخوه ولم يدركهما أبو سلمة فرجع ولم يلق حرباً، وللعراقي رحمه الله تعالى:

(فبعده بعث ابن عبد الأسد

بقطن لولدي خويلد)

(طليحة مع أخيه سلمه

فد جمعها حرب نبي المرحمة)

(فلم يصل حتى تفرق الملا

وغنموا شاء لهم وإبلا)

وطليحة أسلم بعد ذلك وارتد بعد النبي صلى الله تعالى عليه وسلم وادعى النبوءة ثم أسلم إسلاماً صحيحاً ولم يغمض عليه في إسلامه بعد ذلك. وجزم الشامي بأن أخاه سلمة لم يسلم، وقال ابن عبد البر أن

ص: 424

مسعود بن عروة قتل في هذه السرية. وقوله حرب منصوب بنزع الخافض أي جمع الناس إلى حرب، وقوله إبلا أي كثيرة كما في المناوي. ومدة غيبة تلك السرية عشرة أيام والله تعالى أعلم قاله الزرقاني.

ثم يلي ما مر بعث عبد الله بن أنيس بضم أوله وفتح النون وسكون التحتية ابن أسعد الجهني الأنصاري، قاله الزرقاني. بعثه وحده يوم الاثنين لخمس خلون من المنحرم على رأس خمسة وثلاثين شهراً من الهجرة إلى قتل سفيان بن خالد بن نبيح بضم النون وفتح الموحدة وسكون التحتية وحاء مهملة الهذلي ثم اللحياني قاله ابن سعد وتبعه اليعمري والعراقي وقال ابن إسحاق خالد بن سفيان بن نبيح لأنه بلغه عليه السلام أنه يجمع الجموع لحربه فقال لعبد الله ائته فاقتله، فقال صفه لي حتى أعرفه، قال إذا رأيته هبته وفرقت ووجد قشعريرة وذكرت الشيطان قال عبد الله وكنت لا أهاب الرجال، فقلت يا رسول الله ما فرقت من شيء قط قال آية ما بينك وبينه ذلك، واستأذنته أن أقول، فقال قل ما بدا لك فقال انتسب لخزاعة قال فأخذت سيفي ولم أزده عليه وخرجت اعتزى إلى خزاعة فلما وصل إليه بعرنه بضم العين المهملة وفتح الراء والنون فتاء تأنيث موضع بقرب عرفة موقف الحاج لقيه يمشي وراءه الأحابيش قال فهبته وعرفته بنعته صلى الله تعالى عليه وسلم وقد دخل وقت العصر فصليت وأنا أمشي أومئ برأسي إيماء فلما دنوت منه، قال فمن الرجل؟ قلت من بني خزاعة سمعت بجمعك لمحمد وجئت لأن أكون معك، قال أجل إني لفي الجمع فمشيت معه وحدثته فاستحلى حديثي وقلت عجباً لما أحدث محمد من هذا الدين، فأرق الآباء وسفه أحلامهم، قال إنه لم يلقي أحداً يشبهني وهو يتوكأ على عصى تهد الأرض حتى انتهى إلى خبائه وتفرق عنه أصحابه إلى منازل قريبة منه وهم يطيفونه به، فقال هلم يا أخذا خزاعة، فجلست معه حتى إذا نام الناس اغتررته واحتز عبد الله رأسه ثم دخل غاراً في الجبل وضرب العنكبوت عليه، فجاء الطلب فلم يجدوا شيئاً فخرج

ص: 425

يسير الليل ويكمن النهار حتى أتى المدينة فرمى برأسه بين يدي المصطفى صلى الله تعالى عليه وسلم، فقال أفلح الوجه، أي فاز، فقال أفلح وجهك يا رسول الله. فدفع إليه عصى، فقال تحضر بها في الجنة، فإن المتحضرين في الجنة قليل فكانت عنده فلما حضرته الوفاة وصى بأن تدرج في كفنه فجعلواها بين جلده وكفنه وكانت غيبته ثمان عشرة ليلة.

وللحافظ العراقي:

(يليه بعث ابن أنيس العامد

لقتل سفيان هو ابن خالد)

(ابن نبيح كان صوب عرنه

يجمع للنبي فلما أمكنه)

أي فلما هدأ الناس وناموا قاله المناوي.

(احتز رأسه فلما احضره

دعا له وخصه بمحضره)

وهي بكسر الميم وسكون الخاء المعجمة فصاد مهملة ما يمسكه الإنسان من نحو عصى قاله المناوي وفي الزرقاي التحضر الاتكاء على قضيب ونحوه وقال عبد الله في ذلك:

(تركت ابن ثور كالحوار وحوله

نوائح تفرى كل جيب مقدد)

(تناولته والظعن خلفي وخلفه

بأبيض من ماء الحديد مهند)

(عجوم أمام الدارعين كأنه

شهاب غضى من ملهب متوقد)

(أقول له والسيف يعجم رأسه

أنا ابن أنيس فارساً غير قعدد)

(فقلت له خذها بضربة ماجد

حنيف على دين النبي محمد)

(وكنت إذا هم النبي بكافر

سبقت إليه باللسان وباليد)

والظعن جمع ظعينة وقد مر أنها تقال للمرأة وإن لم تكن راكبة وهذا التفسير هو الذي يلائم ما مر عن الزرقاني، والمناوي وفي الكلاعي أنه وجده في ظعن يرتاد لهن منزلاً وأنه قال وتركت ظعائنه منكبات وتفرى تشق والمقدد المقطع والقعدد الجبان وعجمه كنصره: عضه، أولاكه وحنيف مسلم.

ثم بعد بعث عبد الله بن أنيس على ما للقسطلاني في المواهب بعث الرجيح بفتح الراء وكسر الجيم وهو اسم ماء لهذيل بين مكة وعسفان

ص: 426

كانت الوقعة قريباً منه فسميت به وهو سرية عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح بالقاف واللام، قيس بن عصمة بن النعمان الأوسي من السابقين، روى الحسن بن سفيان أنه لما كانت ليلة العقبة أو ليلة بدر قال صلى الله تعالى عليه وسلم لمن معه كيف تقاتلون؟ فقام عاصم بن ثابت وقال إذا كان القوم قريباً من مائتي ذراع كان الرمي وإذا دنوا حتى تنالهم الرماح كانت المداعبة حتى تقصف فإذا انقصفت وضعناها وأخذنا السيوف وكانت المجالدة، فقال صلى الله تعالى عليه وسلم هكذا أنزلت الحرب من قاتل فليقاتل كما يقاتل عاصم، وشهد عاصم العقبة وبدراً وأحداً واستشهد بعد أحد في هذه السرية كما يأتي وكانت في صفر على رأس ستة وثلاثين شهراً من الهجرة، فهي في السنة الرابعة كما قاله ابن سعد، ولابن إسحاق أنها في أواخر سنة ثلاث انظر الزرقاني، والمداعبة هنا المدافعة بالرماح وتقصف تكسر وسماها بعضهم سرية مرثد بن أبي مرثد الغنوي وبه صدر الحافظ العراقي وفي هذه الرية وقعت قصة عضل والقارة وعضل بفتح العين المهملة وفتح الضاد المعجمة بعدها لام هو ابن الديش بفتح الدال المهملة وكسرها ثم تحتية ساكنة ثم شين معجمة كما قاله البرهان وشيخه المجد في القاموس وفي السبل بسين مهملة ابن محكم بطن من بني الهوى بضم الهاء وسكون الواو ابن خزيمة بن مدركة القارة بفتح القاف وتخفيف الراء فتاء تأنيث بطن من الهون أيضاً ينسبون إلى الديش المذكور، والقارة أكمة سوداء فيها حجارة كانوا نزلوها فسموا بها ويضرب بهم المثل في إصابة الرمي قال الشاعر:

قد انصف القارة من رماها، انظر المواهب وشرحها.

وسبب قصة أصحاب الرجيع أنه لما قتل ابن نبيح الهذلي ثم اللحياني مشت بنو لحيان من هذيل إلى عضل والقارة فجعلوا لهم إبلاً على أن يكلموا رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم أن يخرج إليهم نفراً من أصحابه فقدم سبعة نفر منهم مقرين بالإسلام فقالوا يا رسول الله إن

ص: 427

فينا إسلاماً فابعث معنا نفراً من أصحابك يفقهوننا، فبعث معهم ستة من أصحابه وهم مرثد بن أبي مرثد وأمره عليهم، وخالد بن البكري وعاصم بن ثابت وخبيب بضم الخاء المعجمة بن عدي وزيد بن الدثنة بفتح الدال المهملة والمثلثة وشد النون فتاء تأنيث الأنصاري البياضي وعبد الله بن طارق البلوي وكلهم بدريون وكون الأمير عليهم مرثداً قاله ابن إسحاق وفي الصحيح وأمر عليهم عاصم وهو الصحيح كما قاله السهيلي وغيره فخرجوا معهم حتى أتوا الرجيع غدروا بهم فاستغاثوا عليهم هذيلاً فلم يرعهم وهم في رحالهم إلا الرجال بأيديهم السيوف فأخذوا أسيافهم ليقاتلوهم فقالوا لهم إنا والله لا نريد قتلكم ولكنا نريد أن نصيب معكم من أهل مكة ولكم عهد الله وميثاقه أن لا نقتلكم. فأما مرثد الغنوي حليف حمزة وخالد بن البكير بضم الموحدة وفتح الكاف البلوي حليف بني عدي وعاصم بن ثابت الأوسي فقالوا والله لا نقبل من مشرك عهداً وقاتلوا حتى قتلوا رضي الله عنهم.

وقال عاصم قبل قتله:

(ما علتي وأنا جلد بازل

والقوس فيها وتر عنابل)

(نزل عن صفحتها المعابل

الموت حق والحياة باطل)

(وكل ما حم الإله نازل

بالمرء والمرء إليه ءائل)

(إن لم أقاتلكم فإني جاهل)

العنابل كعلابط الغليظ والمعابر بالموحدة بعد الألف جمع معبلة كمكنسة انتهى وهي نصب نصل السهم العريض الطويل وحم قدر، وأما زيد وخبيب الأوسي وعبد الله بن طارق فلانوا ورقوا فلما استمكنوا منهم أطلقوا أوتار قسيهم فربطوهم بها فقال عبد الله بن طارق هذا أول الغدر والله لا أصحبكم إني لي بهؤلاء أسوة يريد القتلى فقتلوه وانطلقوا بخبيب وزيد حتى باعوهما بمكة فابتاع خبيباً الأوسي وعبد الله بن طارق فلانوا ورقوا فلما استمكنوا منهم أطلقوا أوتار قسيهم فربطوهم بها فقال عبد الله بن طارق هذا أول الغدر والله لا أصحبكم أن لي بهؤلاء أسوة يريد القتلى فقتلوه وانطلقوا بخبيب وزيد حتى باعوهما بمكة فابتاع خبيباً بنو الحارث بن عامر بن نوفل بن عبد مناف وهم عقبة وأبو سروعة وأخوهما لأمهما حجير بضم الحاء المهملة وفتح الجيم وسكون التحتية فراء مهملة ابن أهاب ككتاب

ص: 428

التميمي حليف بني نوفل وقد أسلم الثلاثة بعد وصحبوا ولله الحمد، وفي البخاري أن خبيباً هو الذي قتل الحارث أباهم يوم بدر فلبث خبيب عندهم أسيراً حتى عزموا على قتله فاستعار من بعض بنات الحارث موسى ليستنجد بها فغفلت عن ابن لها صغير فأقبل إليه الصبي فأجلسه عنده فخشيت المرأة أن يقتله ففزعت فزعة عرفها خبيب فقال ما كنت لأغدر، قالت والله ما رأيت أسيراً خيراً من خبيب كان يتهجد بالقرآن فإذا سمعه النساء بكين والله لقد وجدته يأكل قطفاً بكسر القاف أي عنقوداً من عنب مثل رأس الرجل وإنه لموثق بالحديد وما بمكة من ثمرة وما كان ذلك إلا رزقاً رزقه الله تعالى خبيباً.

فلما خرجوا به من الحرم ليقتلوه في الحل قال اتركوني أصلي ركعتين فتركوه فركع ركعتين وقال اللهم أحصهم عدداً بقطع الهمزة أي استأصلهم بحيث لا يبقى من عددهم أحد ولا تبق منهم أحداً واقتلهم بدداً بفتح الموحدة والدال المهملة مصدر بمعنى التبدد يعني متفرقين، ومن رواه بكسر الموحدة فهو جمع بدة وهي القطعة من الشيء، فلم يحل الحول ومنهم أحد حي كما في مرسل بريدة، قال السهيلي أصابت دعوته من سبق في علم الله أن يموت كافراً ومن أسلم منهم، فلم يعنه خبيبب وحاشاه أن يكره إيمانهم ومن قتل منهم بعد الدعوة فإنما قتلوا بها بدداً غير مجتمعين كاجتماعهم في أحد فنفذت الدعوة على صورتها فيمن أراد خبيباً انتهى.

وعن معاوية بن أبي سفيان قال كنت مع أبي فجعل يلقيني إلى الأرض خوفاً من دعوة خبيب وكانوا يقولون أن الرجل إذا ادعى عليه واضطجع زلت عنه الدعوة، وروي أن خبيباً قال اللهم إني لا أجد من يبلغ رسولك مني السلام فبلغه، فجاء جبريل فأخبره الخبر فزعموا أنه صلى الله تعالى عليه وسلم قال وعليك السلام.

وفي الصحيح أن الذي قتل خبيباً أبو سروعة عقبة بن الحارث وهو بكسر السين وفتحها والراء ساكنة وقال جماعة من أهل السير والنسب

ص: 429

أبو سروعة أخو عقبة وهو الذي تقدم، وقال العسكري من زعم أنهما واحد فقد وهم وفي الإصابة أبو سروعة هو عقبة عند الأكثر وقيل أخوه وأسلم يوم الفتح ولابن إسحاق بإسناد صحيح عن عقبة بن الحارث ما أنا قتلت خبيباً أنا كنت أصغر من ذلك ولكن أبا ميسرة العبدري أخذ الحربة فجعلها في يدي ثم أخذ بيدي وبالحربة ثم طعنه بها حتى قتله، ولما أرادوا قتله أنشأ يقول:

(لقد جمع الأحزاب حولي وألبوا

قبائلهم واستجمعوا كل مجمع)

(وكلهم مبدى العداوة جاهد

علي لأني في وثاق مضيع)

(وقد جمعوا أبناءهم ونساءهم

وقربت من جذع طويل ممنوع)

(إلى الله أشكو غربتي ثم كربتي

وما أرصد الأحزاب لي عند مصرعي)

(فذا العرش صبرني على ما يراد بي

فقد بضعوا لحمي وقد يأس مطمع)

(ولست أبالي حين أقتل مسلماً

على أي جنب كان في الله مضجع)

(وذلك في ذات الإله وإن يشأ

يبارك على أوصال شلو ممزع)

(فقد خيروني الكفر والموت دونه

وقد هملت عيناي من غير مجزع)

(وما بي حذار الموت إني لميت

ولكن حذاري حجم نار ملفع)

(فلست بمبد للعدو تخشعاً

ولا جزعاً إني إلى الله مرجعي)

وألبوا بشد اللام حضروا ولا يفسر بجمعوا كما في النور ليغاير ما قبله وما بعده، والمصرع المطرح على الأرض، وذات الإله وجه الله وابتغاء رضاه وثوابه والأوصال الأعضاء جمع وصل، والشلو بكسر الشين المعجمة وسكون اللام الجسد والممزع المقطع المفرق والحجم بفتح الجيم الاضطرام والتلفع التلهب وروي أنهم لما وضعوا فيه السلاح وهو مصلوب ناشدوه أتحب أن محمداً مكانك؟ قال لا والله ما أحب أن يفديني بشوكة في قدمه.

وأما زيد بن الدثنة فاتبعه صفوان بن أمية فبعث به مولى له اسمه نسطاس بكسر النون إلى التنعيم ليقتله فقتله وروى ابن إسحاق أن أبا سفيان بن حرب قال لزيد لما قدم ليتقل أنشدك بفتح الهمزة وضم الشين أي أسألك بالله أتحب أن محمداً الآن عندنا مكانك نضرب عنقه

ص: 430

وأنك في أهلك فقال والله ما أحب أن محمداً الآن في مكانه الذي هو فيه تصيبه شوكة تؤذيه وإني جالس في أهلي.

فقال أبو سفيان ما رأيت من الناس أحداً يحب أحداً كحب أصحاب محمد محمداً. وأسلم نسطاس بعد وحسن إسلامه. وقال حسان يبكي خبيباً:

(يا عين جودي بدمع منك منسكب

وابكي خبيباً مع الفتيان لم يؤب)

(صقراً توسط في الأنصار منصبه

سمح السجية محضاً غير مؤتشب)

(قد هاج عيني على علاة عبرتها

إذ قيل نص على جذع من الخشب)

(يا أيها الراكب الغادي لطيته

أبلغ إليك وعيداً ليس بالكذب)

(بني جهينة أن الحرب قد لقحت

محلوبها الصاب إذ يهدي لمحتلب)

(فيها أسود بني النجار تقدمهم

شهب الأسنة في معصوصب لجب)

ونص بالبناء للفعول رفع والطية كالنية زنة ومعنى والصاب شجر مر، والمعصوصب المجتمع الشديد وجيش لجب بكسر الجيم له لجبة وصياح ومؤتشب بالفتح غير صريح في نسبه، انظر القاموس.

وبعثت قريش عاصم بن ثابت من يأتيهم بشيء منه لأنه كان قتل عقبة بن معيط بعد انصرافهم من بدر بمحل يقال له عرق الظبية قتله صبراً بأمر من رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وروى ابن إسحاق أنه لما قتل أرادت هذيل أخذ رأسه ليبيعوه من سلافة بضم السين وخفة اللام وبالفاء وصحفها ابن الأثير فأبدلها ميماً بنت سعد بن شهيد بضم المعجمة وفتح الهاء الأنصارية الأوسية أسلمت في الفتح وهي أم مسافع بضم الميم وكسر الفاء وجلاس بضم الجيم وخفة اللام وسين مهملة ابنا طلحة العبدري وكان عاصم قتلهما يوم أحد وكانت قد نذرت حين قتل عاصم ابنها يوم أحد لأن قدرت على رأس عاصم لتشربن الخمر في قحفة وهو بكسر القاف وسكون الحاء المهملة وبالفاء ما انفلق من الجمجمة وجعلت لمن جاء برأسه مائة ناقة فمنعه منهم الدبر وهو بفتح الدال وتكسر وسكون الباء جماعة النحل. وللبخاري فبعث الله عليهم مثل

ص: 431

الظلة من الدبر فحمته من رسلهم فلم يقدروا منه على شيء. ولابن إسحاق وكان قد أعطى الله عهداً أن لا يمس مشركاً ولا يمسه مشرك أي بمصافحة ونحوها مما يشعر بالميل إليهم فلا ينافي أنه يقتلهم بسيف أو رمح.

ثم بعد بعث الرجيع على ما في المواهب والاكتفاء سرية المنذر بن عمرو بفتح العين حبيش بن حارثة بن لوذان الخزرجي العقبي البدري إلى بئر معونة بفتح الميم وضم المهملة وسكون الواو وهي بين أرض بني عامر وحرة بني سليم كلا البلدين منها قريب وهي إلى حرة بني سليم أقرب كما في الكلاعي وكانت في صفر على رأس ستة وثلاثين شهراً من الهجرة على رأس أربعة أشهر من أحد وقدمها الحافظ العراقي على بعث الرجيع وسببها أنه قدم أبو براء بفتح الموحدة وبالراء والمد، ملاعب الأسنة واسمه عامر بن مالك بن جعفر العامري الكلابي على رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فعرض عليه الإسلام فلم يسلم ولم يبعد، بل قال يا محمد أنا أرى أمرك هذا حسناً شريفاً وقومي خلفي فلو بعثت رجالاً من أصحابك إلى أهل نجد لرجوت أن يستجيبوا لك فقال عليه الصلاة والسلام إني أخشى أهل نجد عليهم، قال أنا جار لهم فابعثهم. فبعث عليه الصلاة والسلام المنذر بن عمرو وبعث معه القراء وهم سبعون كما في البخاري ومسلم من طرق واقتصر عليه العراقي وقال السهيلي هو الصحيح وقيل أربعون ويمكن الجمع بأن الأربعين كانوا رؤساء والثلاثون تبع وكانوا يجمعون الحطب بالنهار ويصلون بالليل ويشترون بالحطب الطعام لأهل الصفة وكانوا من الأنصار وفي رواية أنه أي أبا براء أهدى لرسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فرسين وراحلتين فقال عليه الصلاة والسلام لا أقبل هدية مشرك، وفي رواية إني نهيت عن زبد المشركين بفتح الزاي المعجمة وسكون الموحدة وبالدال المهملة الرفد والعطاء قال السهيلي ولم يقل عن هديتهم لأنه إنما كره ملاينتهم أو مداهنتهم إذا كانوا حرباً له لأن الزبد مشتق من الزبد

ص: 432

كما أن المداهنة مشتقة من الدهن، فعاد المعنى إلى معنى اللين، نقله العلامة الزرقاني.

ولما وصل المنذر ومن معه من معونة بعثوا حرام بن ملحان بكسر الميم أشهر من فتحها أخو أم سليم بكتابه صلى الله تعالى عليه وسلم إلى عدو الله عامر بن الطفيل بن مالك بن جعفر الكلابي وهو ابن أخر براء ومات كافراً بإجماع أهل النقل.

وأما قول المستغفري أنه صحابي فغلط كما قاله البرهان، وقال الحافظ هو خطأ صريح وليس هو عامر بن الطفيل الأسلمي الصحابي.

فلما أوتى عدو الله بكتاب المصطفى صلى الله تعالي عليه وسلم لم ينظر في كتابه وعدا على حرام فقتله وفي الصحيح فجعل يحدثهم فأومؤا إلى رجل فأتاه من خلفه فطعنه بالرمح قال الله أكبر فزت ورب الكعبة ثم استصرخ عليهم بني عامر قومه فلم يجيبوه وقالوا لن نخفر بضم أوله أبا براء وقد عقد لهم عقداً وجوار فاستصرخ عليهم قبائل بني سليم عصبة بضم العين المهملة وفتح الصاد المهملة وشد التحتية وتاء تأنيث ورعلا بكسر فسكون ابن عوف بالفاء بن مالك بن امرئ القيس بن نهية بن سليم وذكوان، وهذه الثلاثة بدل من قوله قبائل وذكوان بفتح المعجمة وسكون الكاف بطن ينسبون لذكوان بن ثعلبة بن سليم فأجابوه إلى ذلك فخرجوا حتى غشوا القوم فأحاطوا بهم في رحالهم فلما رأوهم أخذوا سيوفهم وقاتلوهم حتى قتلوا من عند آخرهم رضي الله تعالى عنهم.

الأكعب بن زيد الأنصاري البخاري البدري فإنهم تركوه وبه رمق لظنهم موته فارتث من بين القتلا فعاش حتى استشهد في الخندق قتله ضرار بن الخطاب أو قتله سهم غرب لا يدرى راميه وعمرو بن أمية الضمري بفتح فسكون كان في سرح القوم هو ورجل من الأنصار قيل اسمه المنذر بن محمد بن عقبة فلم ينبئهما بمصاب أصحابهما إلا الطير تحوم على العسكر فقالا والله إن لهذا الطير لشأنا، فأقبلا لينظرا فإذا القوم

ص: 433

في دمائهم والخيل التي أصابتهم واقفة فقال الأنصاري لعمرو ما ترى؟ قال نرى أن نلحق برسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ونخبره الخبر، قال الأنصاري لكني ما كنت لأرغب بنفسي عن موطن قتل فيه المنذر بن عمرو وما كنت لتخبرني عنه الرجال ثم قاتل القوم حتى قتل وأسروا عمرو بن أمية فلما أخبرهم أنه من مضر أطلقه عامر بن الطفيل وجز ناصيته وأعتقه عن رقبة زعم أنها كانت على أمه، فلما بلغ النبي صلى الله تعالى عليه وسلم خبرهم قال هذا عمل أبي براء قد كنت لهذا كارها متخوفاً فبلغ ذلك أبا براء فمات عقب ذلك أسفا على ما صنع ابن أخيه عامر بن الطفيل، قال الزرقاني اختلف في إسلام أبي براء وذكره جماعة من الصحابة في الصحيح وقال الذهبي الصحيح أنه لم يسلم، وقال في الإصابة ليس في شيء من الأخبار ما يدل على إسلامه ولقب ملاعب الأسنة جمع سنان وهو نصل الرمح يوم سوبان وهو يوم كان بين قيس وتميم وجبلة اسم لهضبة عالية لأن أخاه طفيلاً الذي يقال له فارس قرزل اسلمه ذلك اليوم وفر، فقال الشاعر:

(فررت وأسلمت ابن أمك عامراً

يلاعب أطراف الوشيج المزعزع)

فسمي ملاعب الرماح وملاعب الأسنة وهو عم لبيد بن ربيعة بن مالك انتهى من السهيلي انظر الزرقاني.

قوله ارتث أي حمل من المعركة رثيثاً أي جريحاً وبه رمق، قاله في القاموس، وقتل يومئذ عامر بن فهيرة فلم يوجد جسده رضي الله عنه ودفنته الملائكة قاله في المواهب. قال الزرقاني عقبه كما رواه ابن المبارك عن عروة وفي الصحيح عنه لما أسر عمر وقال له عامر بن الطفيل من هذا؟ فقال هذا عامر بن فهيرة، فقال لقد رأيته بعدما قتل رفع إلى السماء حتى أني لأنظر إلى السماء بينه وبين الأرض ثم وضع، قال البيهقي يحتمل أنه رفع ثم وضع ثم فقد بعد ذلك. وفي رواية ابن المبارك وكان الذي قتله رجل من بني كلاب جبار بن سلمان ذكر أنه لما طعنه قال فزت والله فقلت في نفسي ما قوله فزت. فأتيت الضحاك بن

ص: 434