الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
"
غزوة بني قريظة
" ولما دخل صلى الله تعالى عليه وسلم المدينة يوم الأربعاء الذي انصرف فيه من الخندق لسبع بقين من ذي القعدة كما لابن سعد وهو وأصحابه ووضعوا السلاح، جاء جبريل عليه السلام وقت الظهر معتجرا بعمامة من استبرق على بغلة بيضاء عليها رحالة عليها قطيفة ديباج والاعتجار أن يلفها على رأسه يرد طرفها على وجهه ولا يعمل منها شيئا تحت ذقنه كما في النهاية وتبعه الشامي ونحوه في القاموس والاستبرق ضرب من الديباج غليظ، قال ابن سعد وكانت سوداء وأرخى منها بين كتفيه، والرحالة بكسر الراء وخفة الحاء المهملتين سرج من جلود لا خشب فيه يتخذ للركض الشديد والجمع رحائل والقطيفة كساء له خمل والديباج بكسر الدال وقد تفتح وفي رواية للبخاري لما رجع ووضع السلاح واغتسل أي للتنظيف من أثار السفر أتاه جبريل فقال قد وضعت السلاح بحذف الاستفهام، والله ما وضعناه أخرج إليهم وأشار إلى بني قريظة بضم القاف وفتح الراء وسكون التحتية وبالظاء المعجمة فتاء تأنيث، قال السمعاني اسم رجل نزل أولاده قلعة حصينة قرب المدينة فنسيت إليهم وقريظة والنضير أخوان من أولاد هارون ولابن إسحاق أن الله يأمرك يا محمد بالسير إلى بني قريظة فإني عامد إليهم فمزلزل بهم أي مزلزل حصونهم فالمفعول محذوف. ولابن سعد فأدبر جبريل ومن معه من الملائكة حتى سطح أي ارتفع الغبار في زقاق كغراب أي سكة بني غنم بفتح الغين المعجمة وسكون النون بطن من الخزرج. وفي البخاري عن أنس لكأني أنظر إلى الغبار في زقاق بني غنم موكب جبريل حين سار إلى بني قريظة، روي بنصب موكب بتقدير انظر وبالجر بدل من الغبار والرفع خبر مبتدإ محذوف أي هذا وهو نوع من السير أو جماعة الفرسان أو جماعة يسيرون برفق، فأمر رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم مناديا ينادي، قال البرهان لا أعرفه، وقال الشامي هو بلال فأذن في الناس من كان سامعا مطيعا فلا يصلين العصر إلا في بني قريظة وعند
ابن عائذ أن جبريل عليه السلام قال لمحمد صلى الله تعالى عليه وسلم قم فشد عليك سلاحك فو الله لأذقنهم دق البيض على الصفا فبعث صلى الله تعالى عليه وسلم مناديا ينادي يا خيل الله اركبي وعند ابن سعد ثم سار إليهم في المسلمين وهم ثلاثة آلاف معهم ستة وثلاثون فرسا واستعمل ابن أم مكتوم على المدينة ولبس صلى الله تعالى عليه وسلم الدرع والمغفر والبيضة وأخذ قتادة بيده وتقلد القوس وركب فرسه اللحيف بفتح اللام وضمها وحاء مهملة كأمير وزبير ويروى بالجيم وبالخاء المعجمة والمعروف بالحاء المهملة قاله ابن الأثير. وللطبراني أنه صلى الله تعالى عليه وسلم لما أتى بني قريظة ركب على حمار له يقال له يعفور، فإن صحا فيمكن أنه ركب الفرس بعض الطريق والحمار بعضها وقدم عليا برايته فسار حتى لقيه فقال لا عليك أن لا تدنو من هؤلاء الأخابيث، قال لم؟ أظنك سمعت منهم لي أذى؟ ! قال نعم. قال لو رأوني لم يقولوا شيئا. فلما دنا من حصونهم قال يا إخوان القردة هل أخزاكم الله وأنزل بكم نقمته؟ قالوا يا أبا القاسم ما كنت جهولا. ومر بنا دحية بن خليفة على بغلة بيضاء. فقال ذلك جبريل بعث إلى بني قريظة يزلزل بهم حصونهم ويقذف الرعب في قلوبهم. ونزل عليه السلام بئرا من أبارهم يقال لها بئر أنا في الشامية بالضم وتخفيف النون وقيل بالفتح والتشديد، وقيل بموحدة بدل النون وقيل غير ذلك، قاله الزرقاني. وفي القاموس في مادة أنى الشيء ما نصه وأنا كهنا او كحتى أو بكسر النون المشددة بئر بالمدينة لبنى قريظة انتهى. فالإضافة بيانية والله أعلم.
ولما سار الناس وحانت العصر وهم في الطريق قال بعضهم لا نصلي إلا في بني قريظة، ولم يأتوا إلا بعد صلاة العشاء ولم يبالوا بخروج الوقت حملا للنهي على حقيقته. وقال بعضهم لم يرد منا إلا الإسراع إلى قريظة
وصلوا فذكر ذلك له صلى الله تعالى عليه وسلم فلم يعنف أي لم يلم واحدا منهم لا التاركين ولا الفاعلين. قال ابن إسحاق وحاصرهم عليه الصلاة والسلام خمسا وعشرين ليلة حتى أجهدهم الحصار أي بلغ بهم غاية المشقة وأجهدهم بالألف وبلاه بمعنى ورويا هنا ولابن مسعود حاصرهم خمس عشرة ليلة وألقى الله في قلوبهم الرعب، فقال لهم رئيسهم كعب بن أسد، يا معشر يهود قد نزل بكم ما ترون وإني أعرض عليكم خلالا ثلاثا أي خصالا بكسر الخاء المعجمة جمع خلة بفتح المعجمة وشد اللام، قاله الشامي، قالوا وما هي؟ قال نتابع هذا الرجل ونصدقه فو الله لقد تبين لكم أنه نبي مرسل وأنه الذي تجدونه في كتابكم فتأمنون على دمائكم وأموالكم وأبنائكم ونسائكم، فأبوا. فقال فإذا أبيتم هذه فهلم فنقتل أبناءنا ونساءنا ثم نخرج إلى محمد صلى الله تعالى عليه وسلم وأصحابه رجالا مصلتين بكسر اللام أي مجردين من السيوف من أغمادها لم نترك وراءنا ثقلا بفتحتين ونقاتل حتى يحكم الله بيننا وبين محمد فإن نهلك فلن نترك وراءنا ما نخشى عليه فقالوا أي عيش لنا بعد أبنائنا ونسائنا؟ فقال فإن أبيتم على هذه فإن الليلة ليلة السبت وعسى أن يكون محمدا وأصحابه قد أمنوا فيها فأنزلوا لعلنا نصيب من محمد وأصحابه غرة بكسر المعجمة وشد الراء أي غفلة. قالوا نفسد سبتنا ونحدث فيه ما لم يحدث فيه من كان قبلنا إلا من قد علمت فأصابه ما لم يخف عليك من المسخ قردة وخنازير.
قال ما بات رجل منكم منذ ولدته أمه في ليلة حازما وأرسلوا إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم أن ابعث إلينا أبا لبابة أحد النقباء واسمه رفاعة، وقيل مبشر بن عبد المنذر أخا بني عمرو بن عوف وكانوا حلفاء الأوس نستشيره في أمرنا فأرسله إليهم، فلما رأوه قام إليه الرجال وجهش بفتح الجيم والهاء وكسرهما فشين معجمة أي فزع وأسرع إليه النساء والصبيان يبكون في وجهه، فرق لهم وقالوا يا أبا لبابة أترى أن ننزل على حكم محمد وذلك أنهم لما أيقنوا بالهلكة
أنزلوا شمأس بن قيس فكلمه صلى الله تعالى عليه وسلم أن ينزلوا على ما نزل بنو النضير من ترك الأموال والحلقة والخروج بالنساء والذرارى وما حملت الإبل إلا الحلقة فأبى صلى الله تعالى عليه وسلم، فقال تحقن دماءنا وتسلم لنا النساء والذرية ولا حاجة لنا فيما حملت الإبل فأبى صلى الله تعالى عليه وسلم أن ينزلوا إلا حكمه وعاد إليهم شماس بذلك، فقال أبو لبابة نعم، واشار بيده إلى حلقة أنه الذبح، قال أبو لبابة فو الله ما زالت قدماي من مكانهما حتى عرفت أني قد خنت الله ورسوله، فندمت واسترجعت فنزلت وأن لحيتي لمبتلة من الدموع والناس ينظرون رجوعي إليهم، ثم انطلق أبو لبابة فلم يأت رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم حتى الاتبط في المسجد وقال في رواية وكان ارتباطي إلى الاسطوانة المخلقة أي التي طليت بالخلوق بوزن رسول وهو ما يخلق به من الطيب، وقال لا أبرح من مكاني هذا حتى أموت أو يتوب الله علي. وعاهدت الله أن لا أطأ بني قريظة ولا أرى في بلدة خنت الله ورسوله فيها.
فلما بلغ رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم خبره وكان قد استبطأه، قال أما لو جاءني لاستغفرت له، وأما إذا فعل ما فعل فما أنا بالذي أطلقه من مكانه حتى يتوب الله عليه. قال فكنت في أمر عظيم في حر شديد عدة ليال لا أكل فيهن شيئا ولا أشرب. قال هشام أقام مرتبطا ست ليال تأتيه امرأته فتحله في وقت كل صلاة فتربطه. ولابن عبد البر أنه ارتبط بسلسلة ربوض بفتح الراء المهملة وضم الموحدة فواو فضاد معجمة أي عظيمة غليظة بضع عشرة ليلة حتى ذهب سمعه وكاد يذهب بصره فكانت ابنته تحله إذا حضرت الصلاة أو اراد أن يذهب لحاجة فإذا فرغ أعادته. والظاهر أن امرأته تقيدت به ست وبنته في باقي البضع فلا تنافي بين الروايتين كما في الزرقاني، ونزلت توبته عليه صلى الله تعالى وسلم وهو في بيت أم سلمة استأذنته عليه السلام أن تبشره فأذن لها فبشرته وذلك ضرب الحجاب، فثار إليه
الناس ليطلقوه فقال لا والله حتى يكون رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم هو الذي يطلقني بيده، فلما مرّ عليه خارجا إلى صلاة الصبح أطلقه كذا في المواهب وغيرها. والآية التي نزلت في توبته:{وآخرون اعترفوا بذنوبهم} إلى {رحيم} ، قال كاتبه سمح الله له وقد مرّ في الكلام على التفصيل بين فاطمة وأمها رضي الله عنهما أن فاطمة هي التي حلته وأنه لما أرادت أنتحله امتنع من أجل يمينه، فقال صلى الله تعالى عليه وسلم، فاطمة بضعة مني، فحلته، فإن صح هذا فيكون معنى قوله أطلقه أي أمرها هي بإطلاقه والله تعالى أعلم.
ثم نزل ثعلبة بن السعية وأسيد بن السعية وأسد بن عبيد وهم ليسوا من بني قريظة ولا النضير نسبهم فوق ذلك هم بنو عم القوم، أسلموا الليلة التي نزلت فيها قريظة على حكمه صلى الله تعالى عليه وسلم فأحرزوا دماءهم وأموالهم وخرج في تلك الليلة عمرو بن سعد القرظي القروي فمر بحرس رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وعليه محمد بن مسلمة فلما رآه قال من هذا؟ قال أنا عمرو بن سعد، وكان أبي أن يدخل بني قريظة في غدر رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فقال محمد بن مسلمة حين عرفه اللهم لا تحرمنا عثرات الكرام، فخلى سبيله فخرج حتى بات في مسجده صلى الله تعالى عليه وسلم بالمدينة ثم ذهب فلم يدر أين توجه، فذكر شأنه لرسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، فقال ذلك رجل نجاه الله بوفائه انتهى من الاكتفاء.
ولما اشتد الحصار ببني قريظة أذعنوا أن ينزلوا على حكمه صلى الله عليه تعالى وسلم فقالت الأوس، قد فعلت في موالي الخزرج أي بني قينقاع ما علمت، أي حين سأله إياهم ابن أبي ووهبهم له، فقال ألا ترضون أن يحكم فيهم رجل منكم؟ قالوا بلى. قال فذلك إلى سعد بن معاذ، ابن هشام وحدثني من أثق به أن عليا صاح وهم محاصرون: يا كتيبة الإيمان. وتقدم هو والزبير وقال والله لأذوقن ما ذاق حمزة أو لأفتحن حصنهم، فقالوا ننزل على حكم سعد وكان عليه السلام قد جعله
في خيمة امرأة من اسلم في المسجد النبوي يقال لها رفيدة بضم الراء وفتح الفاء وسكون التحتية فدال مهملة فهاء تأنيث وكانت تداوي الجرحى وتحتسب بنفسها على من به ضيعة من المسلمين. وعن الواقدي أن اسمها كعيبة بالكاف أوله وبالتصغير وهما امرأتان اختلف فيمن تنسب الخيمة إليه منهما وليس أحدهما أسما والآخر لقبا قاله الزرقاني.
ولما حكم رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم سعدا أتاه قومه فحملوه على حمار لأعرابي عليه قطيعة وقد وطئوا له بوسادة من أدم وهم يقولون يا أبا عمرو أحسن في مواليك فإن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم إنما ولاك لتحسن فيهم.
فلما أكثروا عليه قال لقد ءان لسعد أن لا تأخذه في الله لومة لائم. فلما انتهى سعد إلى رسول الله صلى الله عليه تعالى وسلم والمسلمين قال عليه الصلاة والسلام قوموا إلى سيدكم فانزلوه، قال رجل من بني عبد الأشهل قمنا له على أرجلنا صفين يحييه كل رجل منا حتى انتهى إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فأما المهاجرون من قريش فيقولون إنما أراد الأنصار وأما الأنصار فيقولون عم بها رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم المسلمين، فقاموا إليه فقالوا إن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم قد ولاك أمر مواليك لتحكم فيهم فاحسن فيهم واذكر بلاءهم عندك أي مناصرتهم ومعاونتهم لك قبل اليوم فجلس إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فقال إن هؤلاء قد نزلوا على حكمك؛ فقال سعد فإني أحكم فيهم بأن تقتل الرجال وتقسم الأموال وتسبى الذراري والنساء؛ فقال عليه الصلاة والسلام لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبعة أرقعة بالقاف جمع رقيع بتذكير العدد علامعنى السقف إذا السماء مؤنثة وقياسه سبع، وأراد أن الحكم ينزل من فوق، ومثله قول زينب زوجني الله من نبيه من فوق سبع سماوات أي نزل تزويجها من فوق. قال في المواهب والرقيع السماء سميت بذلك
لأنها رقعت بالنجوم قال الزرقاني وظاهره أن كل سماء مرقوعة بالنجوم وهو أحد قولين والآخران الكواكب في السماء الدنيا حكاهما ابن كثير. وفي رواية للبخاري عن أبي سعيد لقد حكمت فيهم بحكم الله وربما قال بحكم الملك أي بكسر الام كما رجحه الحافظ وهما بمعنى. وعند اكرماني بفتح اللام أي جبريل لأنه ينزل بالأحكام، وعند ابن عائذ من حديث جابر فقال أحكم فيهم يا سعد فقال الله ورسوله أحق بالحكم، قال قد أمرك الله أن تحكم فيهم وأمر عليه السلام ببني قريظة بعد نزولهم من الحصن فكتفوا وجعلوا ناحية والنساء والذرية ناحية أدخلوا المدينة وحبسوا في دار رملة بنت الحارث بن ثعلبة النجارية والواقدي يقول رملة بنت الحدث بفتح الدال المهملة بغير ألف قبلها قال السهيلي والصحيح الأول، وعن عروة أنهم حبسوا في دار أسامة بن زيد قال في الفتح ويجمع بانهم جعلوا في بيتين كما صرح به في حديث جابر عند ابن عائذ انتهى.
وفي السبل سيق الرجال إلى دار أسامة والنساء والذرية إلى دار رملة فأمر لهم رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم بأحمال تمر فنشرت لهم فباتوا يأكلون منها وحفر لهم أخدودا بضم الهمزة أي شق مستطيل في السوق وأخرجوا إليه أرسالا فضربت أعناقهم أي ضربها علي والزبير وأسلم الأنصاري كما في الطبراني وكانوا ستمائة أو سبعمائة، قال السهيلي والمكثر يقول ما بين الثمانمائة إلى تسعمائة وبقى عليه السلام عند الأخدود حتى فرغوا منهم عند الغروب فرد عليهم التراب واصطفى صلى الله تعالى عليه وسلم لنفسه الكريمة، ريحانة بنت شمعون بن زيد إحدى بني عمرو بن قريظة عند الأكثر وقيل كانت من بني النضير متزوجة في قريظة رجل أسمه الحكم، وتزوجها عليه السلام بعد أن أسلمت وحاضت حيضه وكانت جميلة وسيمة وأصدقها أثنتي عشرة أوقية ونشا أي نصف أوقية، وأعرس بها في المحرم سنة ست في بيت سلمى بنت قيس النجارية وضرب عليها الحجاب وغارت عليه غيرة
شديدة وطلقها تطليقة فشق عليها فأكثرت البكاء فراجعها ولم تزل عنده حتى ماتت راجعة من حجة الوداع سنة عشر، ودفنت بالبقيع، ذكره الواقدي وابن سعد وغيرهما، وقيل كان يطؤها بملك اليمين والأول أثبت عند أهل العلم، كما قاله الواقدي، واقتصر عليه ابن الأثير انتهى من المواهب وشرحها.
وفي المواهب وشرحها وفي الكلاعي أنهم قالوا لكعب بن أسد سيدهم وهو يذهب بهم إرسالا إلى رسول الله صلى تعالى الله عليه يا كعب ما تراه يصنع بنا؟ قال أفي كل موطن لا تعقلون؟ ألا ترون أن الداعي لا ينزع؟ وأن من ذهب منكم لا يرجع؟ هو والله القتل. وأوتي بعدو الله حيي بن أخطب وعليه جلة فقاحية قد شقها من كل ناحية قدر أنملة ليلا يسلبها مجموعة يداه إلى عنقه بحبل فلما نظر إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم أما والله ما لمت نفسي في عداوتك ولكن من يخذل الله يخذل ثم قال أيها الناس لا بأس بأمر الله كتاب وملحمة كتبت على بني إسرائيل ثم جلس فضربت عنقه وقتل من نسائهم امرأة واحدة لم يقتل من نسائهم غيرها.
قالت عائشة رضي الله عنها والله إنها لعندي تحدث تضحك ظهرا وبطنا ورسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يقتل رجالها إذا هتف هاتف باسمها أين فلانة قالت أنا قلت لها ويلك ما لك؟ قالت أقتل. قلت ولم؟ قالت لحدث أحدثته. فانطلق بها فضربت عنقها فكانت عائشة تعجب من طيب نفسها وكثرة ضحكها مع علمها أنها تقتل. قال ابن هشام هي التي طرحت الرحا على خلاد بن سويد فقتلته، وقوله فقاحية نسبة إلى الفقاح كرمان وهي الزهور إذا انفتحت أكمامه وعلى فلان حلة فقاحية وهي على لون الورد حين هم ان ينفتح وكان الزبير كاميرا بن باطيا القرظي قد من على ثابت بن قيس بن شماس يوم بعاث أخذه وخلى سبيله فجاءه ثابت يوم قتل قريظة وهو أي الزبير شيخ كبير فقال إني أردت أن أجزيك بيدك عندي فاستوهبت رسول الله صلى اله تعالى عليه وسلم
عليه وسلم دمه فقال له عليه السلام هو لك فأتاه فأخبره فقال له الزبير شيخ كبير لا أهل له ولا مال فما يصنع بالحياة فا ستوهب ثابت رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم امرأته وولده فقال هم لك، فأخبره فقال أهل بيت بالحجاز لا مال لهم فما بقاؤهم على ذلك فسأل ثابت رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ماله فقال هو لك، فأتاه فأخبره، فقال يا ثابت ما فعل الذي كأن وجهه مرأة صينية تترأى فيه عذارى الحي كعب بن أسد قال قتل قال فما فعل سيد الحاضر والبادي حيي بن أخطب؟ قال قتل قال فما فعل مقدمتنا إذا شددنا وحاميتنا إذا فررنا عزال بن سموال؟ قال قتل. قال فما فعل المجلسان يعني بني كعب ابن قريظة وبني عمرو بن قريظة؟ قال قتلوا. قال فإني أسألك يا ثابت بيدي عندك إلا الحقتني بالقوم فو الله ما في العيش بعد هؤلاء خير. وقدمه ثابت فضرب عنقه انتهى وبعضه باختصار.
وأمر رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم بالغنائم فجمعت؛ قال الزرقاني وهي ألف وخمسمائة سيف وثلاث مائة درع وألفا رمح وخمسمائة ترس وحجفة وخمر وجرار سكر بفتحتين أي نبيذ تمر فاهرق ذلك كله ولم يخمس وجمال نواضح وماشية كثيرة قاله ابن سعد وحجفة بحاء مهملة فجيم ترس صغير وأخرج الخمس من المتاع والسبي وصار الخمس إلى محمية بفتح الميم وسكون الحاء المهملة وكسر الميم الثانية فتحتية مخففة مفتوحة بن جزء بفتح الجيم وسكون الزاي فهمزة الزبيدي بضم الزاي وفتح الموحدة حليف بني سهم كان قديم الإسلام وهاجر إلى الحبشة وكان عامل رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم على الأخماس وذكر الكلبي أنه شهد بدرا، ولما انقضى أمر بني قريظة انفجر جرح بضم الجيم سعد بن معاذ الذي أصابه في الخندق بعد أن أشرف على البرء فمات شهيدا، قال الزرقاني لعل مراده شهيد الآخرة، فقد ثبت أنه صلى الله تعالى عليه وسلم غسله وصلى عليه ولو كان شهيد المعترك لم يفعل به ذلك، وفي البخاري أنه دعى زاد مسلم
وتحجر جرحه للبرء أي تيبس أي دعي بذلك لما كاد جرحه يبرأ، فقال كما في البخاري اللهم إنك تعلم أنه ليس أحد في قوم أحب إلي أن أجاهدهم فيك من قوم كذبوا رسولك وأخرجوه، اللهم إني أظن أنك قد وضعت الحرب بيننا وبينهم فإن كان بقي من حرب قريش شيء فا بقني له حتى أجاهدهم فيك، وإن كنت قد وضعتها فافجر ها بضم الجيم أي الجراحة واجعل موتي فيها. قال الحافظ فيه جواز تمنى الشهادة وهو مخصوص من عموم النهي عن تمنى الموت وفيه صبر سعد فانفجرت من لبته بفتح اللام والموحدة المشددة موضع القلادة من صدره، هذه رواية مسلم. وقال ابن خزيمة فإذا لبته قد انفجرت من كلمه وكان الجرح ورم حتى وصل إلى صدره فأنفجر من ثم. قال الحافظ فلم يرعهم بفتح أوله وضم ثانيه وسكون العين المهماة، أي لم يفزع أهل المسجد، وفي المسجد خيمة لرجل من بني غفار بكسر المعجمة الفاء إلا الدم يسيل إليهم وذكر ابن إسحاق ان الخيمة لرفيدة الأسلمية قال الحافظ فيحتمل أن يكون لها زوج من بني غفار بكسر المعجمة وخفة الفاء إلا الدم يسيل إليهم وذكر ابن اسحاق ان الخيمة لرفيدة الأسلمية قال الحافظ فيحتمل أن يكون لها زوج من بني غفار فقالوا يا أهل الخيمة ما هذا الدم الذي يأتينا من قبلكم أي من جهتكم؟ فإذا سعد يغذوا بغين فذال معجمتين أي يسيل جرحه دما فمات منها.
ولأحمد عن عائشة فانفجر كلمه وقد كان برئ إلا مثل الخرص بضم المعجمة وسكون الراء ثم مهملة من حلي الأذن انتهى.
وسبب انفجار جرحه أنه مرت به عنز وهو مضجع فأصاب ظلفها موضع النحر فانفجر الدم حتي مات، وحضر جنازته رضي الله عنه سبعون ألف ملك، واهتز لموته عرش الرحمن، رواه الشيخان من حديث جابر، وثبت عن عشرة من الصحابة أو أكثر قال ابن عبد البر هو ثابت اللفظ من طرق متواترة وقال البراء اهتز سريره لم يلتفت إليه العلماء انتهى.
وفي العتبية أن مالكا سئل عنه فقال أنهاك أن تقوله، وما يدري المرء أن يتكلم بهذا. قال ابن رشد إنما نهى مالك لئلا يسبق إلى وهم الجاهل
أن العرش إذا تحرك يتحرك الله لتحركه كالجالس منا على كرسيه، وليس العرش موضع استقرار الله تعالى، وتنزه عن مشابهة خلقه، انتهى. واختلف في تأويله فقالت طائفة على ظاهره واهتزازه تحركه فرحا بقدوم روح سعد، لأن العرش جسم مخلوق، قابل للحركة والسكون، وجعل الله تعالى فيه تمييزا حصل به هذا التحرك، ولا مانع منه، كما قال تعالى:{وإن منها لما يهبط من خشية الله} أي ينزل من علو إلى سفل، وهذا القول هو المختار عند القسطلاني ورجحه السهيلي وقال آخرون المراد باهتزازه استبشاره وقبوله بأن أودع فيه إدراكا علم بموته ففرح به وبهذا صدر الفتح ومنه قول العرب فلان يهتز للمكارم لا يريدون حركة جسمه، بل أنه يرتاح إليها، وقال الحربي هو عبارة عن تعظيم شأن وفاته والعرب تنسب الشيء المعظم إلى أعظم الأشياء فيقول أظلمت الأرض لموت فلان، ولم تظلم، وقامت له القيامة ولم تقم، وقال جماعة المراد اهتزاز سرير الجنازة، قال في المواهب وهو باطل ويرده صريح الروايات اهتز لموته عرش الرحمن فإن إضافته إليه تأبى السرير ومن قال هذا لم تبلغه هذه الروايات، وقيل المراد اهتزاز حملة العرش فرحا بقدومه. وروى الترمذي وصححه أن جنازته لما حملت قال المنافقون ما أخف جنازته. وقال صلى الله تعالى عليه وسلم أن الملائكة كانت تحمله وكأن المنافقين قالوا ذلك بزعمهم الفاسد أن خفته لخفة ميزانه، فرد عليهم عليه السلام، وكان سعد رجلا بادنا ولما حمل بكت أمه وقالت ويل أم سعد، سعدا، صرامة وحدا، وسؤددا ومجدا وفارسا معدا سد به مسدا. فقال صلى الله تعالى عليه وسلم كل نائحة سعد بن معاذ. وقال لها ليرقأ دمعك ويذهب حزنك فإن ابنك يضحك الله عز وجل له واسم أمة كبشة بنت رافع بن عبيد الأنصارية الصحابية ثم الخزرجية ذكر ابن سعد أنها اول من بايع من النساء وأهديت له علية السلام حلة حرير فجعل أصحابه يعجبون من لينها، فقال صلى الله تعالى عليه وسلم والذي نفس محمد بيده لمناديل سعد بن معاذ في الجنة
خير منها وألين. والمناديل جمع منديل بكسر الميم وفتحها وهو أدنى الثياب لأنه معد للوسخ والامتهان وتمسح به الأيدي وينفض به الغبار ويلف فيه الثياب وفي هذا إشارة إلى عظم منزلة سعد في الجنة، إذ كان أدنى ثيابه أفضل من حلة الملوك فما ظنك بأعلاها.
وروى أن إنسانا قبض من تراب قبره قبضة، ثم نظر إليها فإذا هي مسك، وعن أبي سعيد الخدري سعد بن مالك الصحابي بن الصحابي قال: كنت ممن حفر لسعد قبره فكان يفوح علينا المسك كلما حفرنا.
وفي الحديث لو كان أحد ناجيا من ضمة القبر لنجي منها سعد، ضم ضمة ثم فرج الله عنه، وقوله لو كان أحد، أي من أمم إلا الأنبياء لأنهم أي الأنبياء لا يضغطون ولا ترد فاطمة بنت أسد بأن نجاتها بسبب اضجاعه عليه السلام في قبرها، ولا قارئ الإخلاص في مرض موته لأن نجاته بسبب هذه القراءة، والمنفي نجاة أحد منها بلا سبب، وروى ابن الأعرابي والبيهقي وابن مندة أنه عليه السلام قال أن ضغطة القبر على المؤمن كضم الأم الشفيقة يديها على رأس ابنه يشكو إليها الصداع فتغمز رأسه غمزا رفيقا، انتهى من المواهب وشرحها.
تتمة:
أسهم صلى الله تعالى عليه وسلم يوم قريظة جماعة أسهم للفارس سهم له وسهمان لفرسه وأخرج الخمس من الغنيمة ومضت تلك السنة في المغازي وقال مغلطاي في هذه السنة وهي سنة خمس فرض الحج وقيل سنة ست هي التي فرض فيها وصححه غير واحد وقيل سنة سبع وقيل سنة ثمان ورجحه ثلاثة من العلماء وقال حسان يذكر بني قريظة:
(تفاقد معشرا نصروا قريشا
…
وليس لهم ببلدتهم نصير)
(هم أوتوا الكتاب فضيعوه
…
وهم عمي عن التوراة بور)
(كفرتم بالقرآن أو تيتم
…
بتصديق الذي قال النذير)