الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المحاجن ثم بعد بروك الفيل أرسل الله عليهم طيرا أبابيل أي جماعات قال الشافعي أمام كل جماعة طائر يقودها أحمر المنقار أسود الرأس طويل العنق مع كل طائر ثلاثة أحجار حجر في منقره وحجران في رجليه وعلى كل حجر اسم من يقع عليه واسم أبيه لا تصيب أحدا منهم إلا أهلكته وكان الحجر يقع على رأس رجل فيخرج من دبره فإن كان راكبا خرج من مركبه فخرجوا هاربين يتساقطون بكل طريق ويسألون عن نفيل ليدلهم على الطريق إلى اليمن فقال نفيل:
(أين المفر والإله الطالب
…
والأشرم المغلوب ليس الغالب)
وأصيب ابرهة بالجدري وما مات حتى تساقطت أنامله أنملة أنملة وسال منه الصديد والقيح والدم وما مات حتى انصدع قلبه. وحكمة إظهار شناعة امر أبي رغال حتى صار يرجم دون نفيل مع أنه كان دليلا لهم ايضا أنه إنما جعل نفسه دليلا وقاية له من القتل فكان كالمكره على ذلك بخلاف أبي رغال فإن قومه تلقوا ابرهة بالسلم واختاروه دليلا له وهو بكسر الراء وخفة المعجمة واللام. اهـ.
من الزرقاني
(فغاضت المياه) هذا من عجائب
ولادته صلى الله عليه وسلم يعنى فلما ولد صلى الله عليه وسلم غاضت المياه أي نقصت تلك الليلة حتى لم يبق منها شيء ويعنى بالمياه بحيرة ساوة بسين مهملة بعدها ألف بعدها واو مفتوحة فهاء تأنيث تصغير بحرة وهي بحيرة عظيمة بين همذان وقم وكانت أكثر من ستة فراسخ في الطول والعرض وكانت تركب فيها السفن ويسافر إلى ما حولها من البلاد فنشف ماؤها في تلك الليلة بالكلية وأصبحت يابسة كأن لم يكن بها شيء من ماء حتى بنيت موضعها مدينة ساوة الموجودة إلى اليوم وفي المواهب أن بحيرة طبرية غاضت تلك الليلة قال في ترتيب المطالع وهي بالشام لزمتها التاء وهي تصغير بحرة وهي بحيرة عظيمة يخرج منها نهر، بينها وبين الصخرة ثمانية عشر ميلا، قال البكري طولها عشرة أميال وعرضها ستة أميال اهـ. لكن المعروف بالغيض إنما هو بحيرة ساوة من قرى بلاد فارس كانت بحيرة كبيرة إلى آخر ما قدمت من وصفها وقال
فأما بحيرة طبرية فباقية إلى اليوم وأجيب بأن غيض كليهما ثابت في الأحاديث فمن أثبت غيض بحيرة طبرية أراد أنها نقصت نقصا لا ينقص مثله في زمان طويل وأن ماءها غار ثم عاد لما فيها من العيون النابعة التى تمدها الأمطار اهـ من الزرقاني.
وذكر في الشفا أن بحيرة طبرية غاضت. قال شارحه ابن سلطان وطبرية بفتحتين مدينة معروفة بناحية الأردن ذات حصن بينها وبين بيت المقدس نحو مرحلتين والبحيرة مصغرة مع أنها عظيمة وغيضها نقصها، هذا والمعروف ان الغائضة هي بحيرة ساوة من قرى بلاد فارس اهـ.
(والنيران* قد خمدت) كنصر وسمع يعنى أنه من عجائب ولادته صلى الله عليه وسلم خمود نار فارس التى كانوا يعبدونها فإنها خمدت أي انطفأت تلك الليلة وكان لها ألف عام لم تخمد فكأنها طفئت بماء بحيرة ساوة قاله ابن سلطان وقال البوصيري:
(وعيون للفرس غارت فهل
…
كان لنيرانهم بهاء إطفاء)
وروى الببهقي وأبو نعيم والخرائطي وابن عساكر وابن جرير كلهم من حديث مخزوم بن هانئ عن أبيه وأتت عليه مائة وخمسون سنة قال لما كانت الليلة التى ولد فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ارتجس إيوان كسرى وسقطت منه أربع عشرة شرفة وخمدت نار فارس ولم تخمد قبل ذلك بألف عام وغاضت بحيرة ساوة ورأي المويذان فذكر الحديث بطوله قاله الزرقاني ورؤيا الموبذان التى أشار إليها تأتي قريبا إن شاء الله (وانصدع الإيوان) أي انشق وسقطت شرفاته والإيوان بالكسر وأصله بواوين فاعل كديوان ويقال بوزن كتاب وهو الصفة العظيمة يعنى إيوان كسرى بكسر أوله ويفتح لقب ملوك الفرس كقيصر لملوك الروم وتبع لملوك اليمن والنجاشي لملوك الحبشة قاله ابن سلطان وفي القاموس الإيوان بالكسر الصفة العظيمة كالأزج كالإوان ككتاب اهـ. يعنى انه من عجائب ولادته صلى الله عليه وسلم ارتجاس إيوان كسرى وسقوط شرفاته ليلة ولادته والارتجاس الصوت الشديد
من الرعد ومن هدير البعير كما ضبطه البرهان وفي نسخ ارتجاج بجيمين أي تحركه واهتزازه فكأنه لما صوت تحرك وهو بناء أزج بفتحتين أي بنى طولا فإنه ارتج حتى سمع صوته وانشق لا لخلل في بنائه وقد كان بناؤه بالمدائر محكما مبنيا بالآجر الكبار والجص، سمكه مائة ذراع في طول مثلها وقد أراد الخليفة الرشيد هدمه لما بلغه أن تحته ما لا عظيما فعجز عن هدمه وإنما أراد الله أن يكون آية باقية لنبيه صلى الله عليه وسلم قاله الزرقاني.
(وخرس الملوك) يقال خرس كفرح، انعقد لسانه عن الكلام ومراده والله أعلم انهم لما رأوا منا ما حدث تلك الليلة من الحوادث الخارقة العادة علموا أنه حدث عظيم وخطب جسيم فارتج عليهم في الكلام لما رأوا من الحوادث العظام حتى صاروا يبعثون إلى من يظن به علم بهذا الشأن من علماء أهل الكتاب والكهان فهذا هو مراده بخرسهم والله أعلم. ألا ترى ما روي أن كسرى لما سقطت شرفات إيوانه لم يدر ما سبب ذلك ولم يتكلم فيه، فبعث عبد المسيح الغساني إلى سطيح يسأله هل له علم بذلك. روي أنه لما ولد صلى الله عليه وسلم ارتعد إيوان كسرى وسقطت منه أربع عشرة شرفة وكتب إليه صاحب اليمن بأن بحيرة ساوة غاضت تلك الليلة وكتب إليه صاحب فارس بأن النيران التى كانوا يعبدونها خمدت تلك الليلة ولم تكن خمدت قبل ذلك بألف عام وكتب إليه صاحب الشام بأن وادي السماوة انقطع جريه تلك الليلة ثم أخبره المويذان ومعناه القاضي والمفتي بلغتهم أنه رأى إبلا صعابا تقود خيلا عرابا فانتشرت في بلادهم، فأرسل عبد المسيح الغساني إلى سطيح الكاهن يستخبره علم ذلك وكان سطيح جسدا ملقى لا جوارح له ووجهه في صدره ولم يكن له رأس ولا عنق لا يقدر على الجلوس إلا إذا غضب انتفخ وقد قيل له أني لك هذا العلم فقال لى صاحب من الجن استمع أخبار السماء من طور سيناء حين كلم الله موسى عليه السلام فهو يؤدي إليه من ذلك ما يؤدي فلما تقدم عبد المسيح عليه وجده قد أشفى على الموت فسلم عليه فلم يرد عليه جوابا فأنشأ عبد المسيح يقول:
(أصم أم يسمع غطريف اليمن
…
أم باد فازلم به شأو العنن)
(يا فاضل الخطبة أعيت من ومن
…
اتاك شيخ الحي من آل سنن)
(وأمه آمن من آل ديب بن حجن
…
أبيض فضفاض الرداء والبدن)
(رسول قيل العرب يسري في الوسن
…
لا يرهب الرعد ولا ريب الزمن)
(يجوب بالأرض علنداة شزن
…
ترفعني وجن وتهوي بي وجن)
(حتى أتى عاري الجاجي والقطن
…
تلفه في الرحل بوغاء الدمن)
الغطريف: السيد وباد: يبود بالباء المروسة هلك وازلم: قبض أو ولى وشأو العنن: الموت والفضفاض: الواسع والقيل: الملك، وأصله التشديد، وهو ذو القيل النافذ، والعلنداة: الناقة الشديدة، الشزن: الغليظ، والوجن: جمع وجن، سكنت جيمه تخفيفا وهو متن الأرض ذو الحجارة الصغار، والجاجئ: جمع جؤجؤ وهو الصدر وجعل كل شيء منه جؤجؤا فلهذا جمعه والبوغاء: التراب الهاب، والدمن: جمع دمنة وهي ما قرب من الدار تبول فيه المواشي وتبعر. فلما سمع سطيح شعره رفع رأسه وقال عبد المسيح على جمل مشيح، أي مسرع جاء إلى سطيح وقد أشفى على الضريح، بعثك ملك بنى ساسان لارتجاس الإيوان وخمود النيران ورؤيا المويذان، رأي إبلا صعابا تقود خيلا عرابا قد قطعت دجلة وانتشرت في بلادها، عبد المسيح إذا كثرت التلاوة وظهر صاحب الهراوة يعنى السيف وخمدت نار فارس وغاضت بحيرة ساوة وغاض وادي السماوة فليس الشام لسطيح شاما يملك منهم مليك وملكات على عدد الشرفات وكل ما هو آت. ثم مات سطيح مكانه. قالوا وكان أقصى ملكهم عشرة رجال وامرأتين فنقص عن عدد الشرفات ولعله أخطأ في النقل وقد فتحت بلادهم على يد عمر رضي الله عنه وذلك بدعائه صلى الله عليه وسلم أن يمزقوا كل ممزق فلم يكن ملك للفرس بعد هذا كله، ذكره الإمام السنوسي في شرح وسطاه وسطيح بفتح فكسر كاهن بنى ذؤيب من غسان بفتح معجمة وتشديد مهملة لم يكن في بدنه عظم سوى رأسه وزعم الكلبي أنه عاش ثلاث مائة سنة وأنه خرج مع الأزد أيام سيل العرم قاله ابن سلطان. وفي الحلة السيرا أن اسمه ربيع بن
ربيعة بن عدي بن مازن بن ذؤيب وأنه له رأس وكفان ويطوى طي الثوب من ترقوته إلى رجله. اهـ.
وقوله والقطن في القاموس، القطن محركة ما بين الوركين والسماوة بفتح السين المهملة وتخفيف الميم مفازة بين الشام والكوفة.
تنبيه:
لم يذكر القسطلاني ولا الزرقاني أن ملوك الفرس نقصوا عن اربعة عشر عدد الشرفات كما قال السنوسي بل ظاهره هما خلافه ونص المواهب وقد ملك منهم عشرة أربع سنين وملك الباقون إلى خلافة عثمان اهـ. وآخر ملكهم يزدجرد قتل في أول خلافة عثمان قاله السهيلي انظر الزرقاني، (والأصنام* تنكست) أي سقطت على وجوهها ليلة ولادته صلى الله عليه وسلم (فما لها قيام) أي انتصاب والأصنام جمع صنم بالتحريك، قال في القاموس الصنم محركة الوثن يعبد، وقال الوثن محركة الصنم، اهـ، وقال اليوسي في حاشية الكبرى الصنم والوثن شيء واحد هكذا في الصحاح والقاموس وفرق ابن التلمساني بينهما بأن الصنم ما له صورة جعلت تمثالا والوثن ما لا صورة له وقال السهيلي في الروض يقال لكم صنم من حجر أو غيره صنم ولا يقال وثن إلا لما كان من غير صخرة كالنحاس ونحوه اهـ، فيكون الصنم أعم على هذا والله تعالى أعلم. اهـ. كلامه.
وللإمام الشقراطي:
(ضاءت لمولده الآفاق واتصلت
…
بشرى الهواتف في الإشراق والطفل)
(وصرح كسرى تداعى من قواعده
…
وانقض منكسر الرجان ذا ميل)
(ونار فارس لم توقد وما خمدت
…
مذ ألف عام ونهر القوم لم يسل)
(خرت لمبعثه الأوثان وانبعثت
…
ثواقب الشهب ترمي الجن بالشعل)
قوله وانقض بمهملة سقط من اصله وبمعجمة أسرع سقوطه، ونار فارس أي التى كانوا يبعدونها وكان لبيوتها سدنة ينتابون إيقادها فلم يخمد لها لهب في ليل ولا نهار إلى ليلة مولده عليه السلام. وقوله لم
توقد أي كأنها لم توقد تلك الليلة مع تعاطيهم إيقادها بل خمدت، قاله الشيخ محمد بن عبد الباقي ومن عجائب ولادته أيضا انه صلى الله عليه وسلم لما ولد قال في أذنه رضوان خازن الجنان أبشر يا محمد فما بقي لنبي علم إلا وقد أعطيته، فأنت أكثرهم علما وأشجعهم، اهـ من المواهب.
تنبيه:
إنما فسرت قوله وخرس الملوك بما مر لأني لم أر ممن تعرض لعجائب ولادته عليه الصلاة والسلام من ذكر ذلك وإنما رأيته في الحمل به. ففي المواهب عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال كان من دلالة حمل آمنة برسول الله صلى الله عليه وسلم ان كل دابة لقريش نطقت تلك الليلة وقالت حمل برسول الله صلى الله عليه وسلم ورب الكعبة وهو إمام الدنيا وسراج أهلها ولم يبق سرير لملك من ملوك الدنيا إلا أصبح منكوسا. قال الزرقاني بأن صار أعلاه أسفله، قال الزرقاني وفي الخميس وكلت الملوك حتى لم يقدروا في ذلك اليوم على التكلم وفرت وحوش المشرق إلى وحوش المغرب وكذلك أهل البحار يبشر بعضهم بعضا أن ابشروا فقد آن أن يظهر أبو القاسم صلى الله عليه وسلم اهـ. وقد مر بعضه ويحتمل أن هذا هو الذى أشار له الناظم لقرب زمن الولادة من زمن الحمل ويصح ان ذلك وقع لهم أيضا عند الولادة والله تعالى أعلم. (بيان) خبر مبتدء محذوف وكذا كل ما فيه من لفظ بيان أي هذا بيان (موت والد المختار) صلى الله عليه وسلم (و) بيان (كم له كان من الأظار) أي يذكر في هذه الأبيات موت أعز فتى في قريش وأفضله وأجمله وهو عبد الله الشريف ابن شيخ البطحاء عبد المطلب وهو والد المختار المفضل على جميع الأولين والاخرين عليه أفضل صلاة المصلين وأزكى سلام المسلمين ويذكر فيها أيضا عدد ما كان له صلى الله عليه وسلم من الأظار جمع ظئر بالكسر وهي العاطفة على ولد غيرها المرضعة له، فقوله وكم عطف على موت كما قررت فهو مجرور بإضافة
كم إليه ولا يعمل في كم متقدم عليها إلا مضاف أو حرف جر وقد ذكر العلماء أن مرضعاته صلى الله عليه وسلم عشر: أمه آمنة أرضعته تسعة أيام وقيل ثلاثة أيام وقيل سبعة أيام وما وقع لبعضهم من سبعة أشهر وهم وهي أول من أرضعه وما رواه ابن سعد من أن اول من أرضعته ثوبية فالأولية نسبية ثم بعد أمه الكريمة ثوبية أرضعته أياما قلائل قبل قدوم حليمة وأرضعت قبله حمزة وبعده أبا سلمة المخزومي وحليمة السعدية التى فازت بجناية سعدها منه قاله ابن الجوزي وابن المنذري وعياض وغيرهم وخولة بنت المنذر بن زيد أم بردة الأنصارية وامرأة من بنى سعد غير حليمة أرضعته عند حليمة وأم أيمن ذكرها القرطبي والمشهور أنها من الحواضن لا من المراضع وأم فروة ذكرها المستغفري وثلاث نسوة من سليم، قال في الاستيعاب مر به صلى الله عليه وسلم على نسوة أبكار من سليم فأخرجن ثديهن فوضعنها في فيه فدرت قال بعضهم ولذا قال:«أنا ابن العواتك من سليم» اهـ. لكن قال السهيلي عاتكة بنت هلال أم عبد مناف عمة عاتكة بنت مرة أم هاشم وعاتكة بنت الأوقص أم وهب جده صلى الله عليه وسلم لأمه ثلاث عواتك ولدنه صلى الله عليه وسلم ولذا قال أنا ابن العواتك من سليم وقيل في تأويل هذا الحديث أن ثلاث نسوة من بنى سليم أرضعنه كل تسمى عاتكة والأول أصح نقله الزرقاني. (ومات عبد الله) بن عبد المطلب، والده عليه السلام، (وهو حمل) جملة حالية والحال ان المصطفى صلى الله عليه وسلم حمل في بطن أمه الكريمة وقد مضى لها شهران من حملها على ما صدر به في المواهب وقيل قبل ولادته بشهرين وكونه توفي عنها وهي حامل قول ابن اسحاق وخالفه كثير من الفقهاء فقالوا إن النبي صلى الله عليه وسلم كان في المهد حين توفي أبوه قيل ابن شهرين وقيل أكثر من ذلك قاله الكلاعي والقول بأنه كان في المهد قال السهيلي هو قول أكثر العلماء واحتج له بقول عبد المطلب لأبي طالب:
أوصيك يا عبد مناف بعدي
…
بمئتم بعد أبيه فرد فارقه وهو ضجيع المهد. اهـ.