الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهنتهم، وأمر صلى الله تعالى عليه وسلم مائتين من أصحابه حين طافوا وسعوا أن يذهبوا إلي أصحابه ببطن يأجج فيقيمون على السلاح ويأتي الآخرون يقضوا نسكهم، ففعلوا وأقام صلى الله تعالى عليه وسلم بمكة ثلاثا كما اشترطه مع قريش في الهدنة وتزوج عليه السلام في سفره هذا ميمونة بنت الحارث زوجها له العباس وأصدقها عنه العباس أربعمائة درهم، وكانت جعلت أمرها إلي العباس. وكانت أختها أم الفضل تحته، قال ابن عباس تزوجها وهو محرم، قال في المواهب وقد استدرك ذلك على ابن عباس وعد من وهمه، قال سعيد بن المسيب وهل ابن عباس وإن كانت خالته ما تزوجها إلا بعد ما حل ووهل بكسر الهاء أي غلط لمخالفته للمروي عنها نفسها وعن أبي رافع وكان الرسول بينهما وعن سليمان بن يسار وكان مولاها فقد اتفقوا كلهم على أنه كان حلالا وقال يزيد بن الأصم عن خالته ميمونة تزوجني رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ونحن حلالان بسرف ورواه مسلم وهو بفتح السين وكسر الراء وبالفاء ما بين التنعيم وبطن مرو وهو إلي التنعيم أقرب وتوفيت بعد ذلك به. ويزيد هذا يقال أن له رؤية ولم تثبت وهو ابن أخت ميمونة.
غزوة مؤتة
كذا ترجمها البخاري وابن إسحاق في طائفة. وفي بعض الروايات تسميتها غزوة جيش الأمراء ووجه تسميتها غزوة كثرة جيش المسلمين فيها وشدة ما لاقوا فيها من الحرب مع الكفار وسماها القسطلاني وابن أبي جمرة وغيرهما سرية لأنها طائفة من جيشه صلى الله تعالى عليه وسلم بعثها ولم يخرج معها أنظر الزرقاني وفي المواهب وهي بضم الميم وسكون الواو وبغير همز لأكثر الرواة، وبه جزم المبرد وجزم ثعلب والجوهري وابن فارس بالهمز، وحكى غيرهم الوجهين وهي من عمل البلقاء بالشام دون دمشق وكانت في جماد الأولى سنة ثمان انتهى.
وفي الروض مؤتة مهموزة الواو قرية من أرض البلقاء بالشام وأما
الموتة بلا همز فضرب من الجنون. وفي الحديث أنه صلى الله تعالى عليه وسلم كان يقول في صلاته أعوذ بالله من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه، وفسره الراوي فقال نفثه الشعر ونفخه الكبر وهمزه الموتة انتهى، انتهى من الزرقاني.
وسببها أنه صلى الله تعالى عليه وسلم أرسل الحارث بن عمير الأزدي ثم اللهبي بكسر اللام وسكون الهاء بكتاب إلي أمير بصرى من جهة هرقل وهو الحارث بن أبي شمر الغساني فمنعه شرحبيل بضم الشين وفتح الراء وسكون الحاء بن عمرو الغساني كافة معروف من أمراء قيصر وأوثقه فضرب عنقه قال في المواهب ولم يقتل لرسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم رسول غيره. فبعث رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ثلاثة آلاف وأمر عليهم زيد بن حارثة وقال إن قتل فجعفر بن أبي طالب أميرهم، فإن قتل فعبد الله بن رواحة، فإن قتل فليرتضى المسلمون لرجل من بينهم يجعلونه عليهم، وروى أنه كان ثم يهودي فقال يا أبا القاسم إن كنت نبيا فسميت من سميت قليلا أو كثيرا أصيبوا جميعا لأن أنبياء بني إسرائيل كانوا إذا استعملوا الرجل على القوم ثم قالوا إن أصيب فلان فلو سمى مائة أصيبوا جميعا ثم جعل يقول لزيد أعهد فإنك لا ترجع إلي محمد إن كان نبيا، قال زيد فأشهد أنه رسول صادق بار، قالوا وعقد لهم عليه السلام لواء أبيض ودفعه إلي زيد وأوصاهم أن يأتوا مقتل الحارث بن عمير وأن يدعوا من هناك إلي الإسلام فإن أجابوا وإلا فأقول لكم استعينوا بالله وقاتلوهم.
وخرج مشيعا لهم حتى بلغ ثنية الوداع فودعهم ولما ودع ابن رواحة بكى فقالوا ما يبكيك؟ فقال أما والله ما بي حب الدنيا ولا صبابة بكم، ولكني سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يقرأ آية {وإن منكم إلا واردها} فلست أدرى كيف لي بالصدور بعد الورود. فلما ساروا نادى المسلمون دفع الله عنكم وردكم صالحين غانمين، فقال ابن رواحة.
(لكنني أسأل الرحمن مغفرة
…
وضربة ذات فرغ تقذف الزبدا)
(وطعنة بيدي حران مجهزة
…
بحربة تنفذ الأحشاء والكبدا)
(حتى يقولوا إذا مروا على جدث
…
أرشده الله من غاز وقد رشدا)
وذات فرع بكسر الفاء وسكون الراء وغين معجمة أي واسعة يسيل دمعها، والزبد محركة رغوة الدم، قاله الزرقاني. وقوله تنفذ الأحشاء يقال نفذه كنصره خرقه كأنفذه ورشد كفرح ونصر. ولما ودع رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم عبد الله بن رواحة قال:
(أنت الرسول فمن يحرم نوافله
…
والوجه منه فقد أرزي به القدر)
(فثبت الله ما أتاك من حسن
…
في المرسلين ونصرا كالذي نصروا)
(إني تفرست فيك الخير نافلة
…
فراسة خالفت فيك الذي نظروا)
وقوله نظروا يعنى المشركين، قاله الكلاعي، وفي الزرقاني أنه حين اهـ إلي قوله فثبت الله قال له صلى الله تعالى عليه وسلم وأنت فثبتك الله يا بن رواحة. وحدث زيد بن أرقم قال: كنت يتيما لعبد الله بن رواحة فخرج بي في سفره ذلك مردفي على حقيبة رحله فوالله إنه ليسير ليلة إذ سمعته ينشد أبياته هذه:
(إذ أديتني وحملت رحلي
…
مسيرة أربع بعد الحساء)
(فشأنك فانعمي فخلاك ذم
…
ولا أرجع إلي أهلي وراء)
(وجاء المسلمون وغادرونى
…
لأرض الشام مشتهى الثواء)
(هنالك لا أبالى طلع بعل
…
ولا نخل أسافلها رواء)
قوله خلاك ذم أي فارقك الذم، فلست بأهل له ومشتهى الثواء أي الإقامة، أي لا أريد رجوعا والبعل الذي يشرب بعروقه من رطوبة الأرض؛ قال فلما سمعتهن بكيت فخفقني بالدرة وقال ما عليك يا لكع أن يرزقني الله الشهادة وترجع بين شعبتي الرحل، قوله فخفقني أي ضربني، والدرة بالكسر التي يضرب بها، ثم مضى القوم حتى نزلوا معان بضم الميم على ما صوبه الوقشي وغيره. ونقل مغلطاي فتحها عن البكري ونقل عنه الروض ضمها بعين مهملة فألف فنون وهو جبل بالشام، وبلغ المسلمين أن هرقل نزل مئاب بفتح الميم من أرض البلقاء
في مائة ألف من الروم وانضم إليهم من لخم وجذام وبهراء وبلي مائة ألف منهم عليهم رجل من بلى يقال له مالك بن رافلة فأقام المسلمون ليلتين على معان لينظروا في أمرهم وقالوا نكتب إلي رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ونخبره الخبر فإما أن يمدنا بالرجال وإما أن يأمرنا بأمر فنمضي له، فشجعهم عبد الله بن رواحة وقال يا قوم والله إن التي تكرهون لا التي خرجتم إياها تطلبون الشهادة وما نقاتل الناس بعدد ولا قوة ولا كثرة وما نقالتهم إلا بهذا الدين الذي أكرمنا الله تعالى به فانطلقوا فإنما هي إحدى الحسنين إما ظهور وإما شهادة، فقال الناس قد والله صدق ابن رواحة. وقال ابن رواحة في محبسهم ذلك:
(جلبنا الخيل من أجا وفرع
…
تغر من الحشيش لها العكوم)
(حذوناها من الصوان سبتا
…
أزل كأن صفحتها أديم)
(فقامت ليلتين على معان
…
فأعقب بعد فترتها جموم)
(فرحنا والجياد مسومات
…
تنفس في مناخرها السموم)
(فلا وأبي مئاب لنأتينها
…
وإن كانت بها عرب وروم)
(فعبأنا أعنتها فجاءت
…
عوابس والغبار لها بريم)
(بذي لجب كأن البيض فيه
…
إذا برزت قوانسها النجوم)
(فراضية المعيشة طلقتها
…
أسنتها فتنكح أو تئيم)
وفرع بالضم موضع من أضخم أعراض المدينة، وقوله تغر السهيلي تغر بالراء أي يجمع بعضها إلي بعض والصوان فعال من الصون لأنه يصون حوافرها أي اتخذنا لها نعالا من حديد وجعلها سبتا لها مجازا وأظهر من هذا أن يكون أراد بالصوان يبيس الأرض أي لا سبت لها إلا ذلك ووزنه فعلان من قولهم نخلة صاوية أي بابسة والجموح الراحة والبريم خيط تحتزم به المرأة وقوله فراضية المعيشة أي المعيشة المرضية لأن أهلها راضون كذا رأيته معزوا للسهيلي، وقوله مسومات أي مضمرات حسان أو معلمة في وجوهها شية من السمت وهي العلامة وعليه فقيل العلامة هي الغرة والتحجيل وقيل الكي والله أعلم.
وفسرت في الآية بهذين وغيرهما كما في الريان للوالد رضى الله تعالى عنه والقوانس جمع قونس وهو أعلى بيضة الحديد وعبأنا هيأنا والسموم الريح الحارة واللجب الصوت والسبت بالكسر جلود البقر أو كل جلد مدبوغ أو بالقرظ انتهى من القاموس.
ثم مضى المسلمون إلى مؤتة فجاءهم من جموع العرب والروم ما لا طاقة لهم به من العدد الزائد على مائتي ألف والعدد بضم العين من السلاح والكراع بضم الكاف وهو جماعة الخيل خاصة والحرير والذهب إظهارا للشدة والقوة، بكثرة الأموال وآلات الحرب وفي هذا فرط شجاعة الصحابة وعدم مبالاتهم بأنفسهم لأنهم باعواها لله إذ أقدام ثلاثة آلاف على أكثر من مائتي ألف أصحاب حروب إنما هو لما وقر في قلوبهم:{إنا لننصر رسلنا} (الآية){وإن جندنا لهم الغالبون} ، فتعبأ المسلمون فجعلوا على ميمنتهم قطبة بن قتادة العذري وعلى الميسرة عناية بن مالك الأنصاري قال في المواهب فقاتل الأمراء الثلاثة يومئذ على أرجلهم، قال الزرقاني قد يشعر تخصيصهم أن من عداهم قاتلوا على حالهم التي كانوا عليها من مشي أو ركوب فحمل اللواء زيد بن حارثة فقاتل وقاتل المسلمون معه حتى قتل طعنا بالرماح، ثم أخذ اللواء جعفر بن أبي طالب فقاتل على فرسه حتى ألحمه القتال، فنزل عن فرس له شقراء فقاتل حتى قتل وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة كما لابن هشام قال اليعمري أو أربع وثلاثين ولابن عبد البر أن سنه إحدى وأربعون ضربه رجل من الروم ضربة فقطه نصفين. وفي رواية للبخاري أيضا عن ابن عمر ووجدنا في جسده بضعا وتسعين من طعنة ورمية.
وللبخاري أيضا عن ابن عمر فعددت به خمسين بين ضربة بالسيف وطعنة برمح ليس منها شيء في دبره يعني ظهره وجمع بينهما بأن الزيادة باعتبار ما فيه من رمي السهام فإن ذلك لم يذكر في رواية أخرى.
والخمسون ليس منها شيء في دبره أي ظهره والباقي قد يكون في بقية جسده، ولا يستلزم ذلك أنه ولاهم دبره وإنما هو محمول على أن الرمي جاء من جهة قفاه أو جانبه.
وفي رواية لأبي داوود وغيره أن جعفرا عقر فرسه وعقر بفتح العين
المهملة والقاف وبالراء أي ضرب قوائمها وهي قائمة بالسيف وفي رواية فعرقبها، قال ابن إسحاق فكان جعفر أول مسلم عقر في الإسلام قال في الروض ولم يعب ذلك عليه أحد فدل على جوازه إذا خيف أن يأخذها العدو فيقاتل عليها المسلمين فلم يدخل هذا في النهي عن تعذيب البهائم وقتلها عبثا وهذا حديث حسن وفي بقيته أنه قتل وهو يقول:
(يا حبذا الجنة واقترابها
…
طيبة وباردا شرابها)
(والروم روم قد دنى عذابها
…
كافرة بعيدة أنسابها)
على إذ لاقيتها ضرابها)
وقطعت يده في تلك الوقعة وذلك أنه أخذ اللواء بيمينه فقطعت فأخذه بشماله فقطعت فاحتضنه بعضديه ثم قتل فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم أن الله تعالى أبدله بيديه جناحين يطير بهما في الجنة حيث شاء أخرجه ابن عبد البر.
قال محمد بن عبد الباقي والمقصود أن الله أكرمه بذلك في مقابلة قطعهما فلا يستلزم عدم رد يديه بل بعد ردهما أعطاه الجناحين وأخرج الطبراني عن عبد الله بن جعفر الشبيه خلقا وخلقا كأبيه قال قال لي رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم هنيئا لك أبوك يطير مع الملائكة في السماء وروى عنه صلى الله تعالى عليه وسلم أنه قال مر بي جعفر الليلة في ملإ من الملائكة وهو مخضب الجناحين بالدم واختلف في أن الجناحين حقيقيان وهو المختار وروى عن البخاري أنه قال يقال لكل ذي ناحيتين جناحان، قال الحافظ لعله أراد بهذا حمل الجناح على المعنوي دون الحسي وجرى عليه السهيلي فقال ليسا كما يسبق إلي الوهم كجناحي الطائر وريشه لأن الصورة الآدمية أشرف الصور وأكملها فالمراد بالجناحين صفة ملكية وقوة روحانية أعطيها جعفر، وقد عبر القرآن عن العضض بالجناح توسعا في قوله:{واضمم يدك إلي جناحك} وقد قال العلماء في أجنحة الملائكة أنها صفات ملكية لا تفهم إلا بالمعاينة. فقد ثبت أن لجبريل عليه السلام ست مائة جناح ولا يعهد للطير ثلاثة أجنحة فضلا عن أكثر من ذلك. قال فدل على أنها صفات لا تنضبط كيفيتها ولا ورد ببيانها خبر فنؤمن بها من غير بحث عن
حقيقتها انتهى.
قال الحافظ في الفتح ولا مانع من الحمل على الظاهر، وكون الصورة البشرية أشرف من الصور لا يمنع من حمل الخبر على ظاهره لأن الصورة باقية كما هي وإعطاء الجناحين مضموما إلي عود يديه يصيره في المنظر أتم من حال بقية نوع الإنسان فالأجنحة له كالزينة والحلي لمن تحلي وتزين وروى البيهقي مرسلا أن جناحي جعفر من ياقوت فهو صريح في ثبوتهما له حقيقة وأنه ليس من جنس أجنحة الطير التي هي من ريش فهذا يرد قوله أنها صفة ملكية وجاء في جناحي جبريل أنهما من لؤلؤ أخرجه ابن مندة بفتح الميم وقد قال بعض العلماء أن هذا التأويل لا يليق مثله بالإمام السهيلي بل هو أشبه بكلام الحشوية ولا ينكر الحقيقة إلا من ينكر وجود الملائكة وقال تعالى {أولى أجنحة مثنى وثلاث ورباع} انتهى من الزرقاني.
ولما قتل جعفر أخذ اللواء عبد الله بن رواحة ثم تقدم وهو على فرسه فجعل يستنزل نفسه ويتردد بعض التردد ثم قال:
(أقسمت يا نفس لتنزلنه
…
لتنزلن أو لتكرهنه)
(أن أجلب الناس وشدوا الرنه
…
ما لي أراك تكرهين الجنة)
(قد طالما قد كنت مطمئنة
…
هل أنت إلا نطفة في شنه)
وقال أيضا:
(يا نفس إلا تقتلي تموتي
…
هذا حمام الموت قد صليت)
(وما تمنيت فقد أعطيت
…
إن تفعلي فعلهما هديت)
وإن تأخرت فقد شقيت)
يعنى صاحبيه زيدا وجعفرا.
ثم نزل فأتاه ابن عم له يعرف بعرق من لحم فقال شد بهذا صلبك فإنك قد لقيت أيامك هذه ما لقيت فانتهش منه نهشة ثم سمع الحطمة في ناحية الناس فقال وأنت في الدنيا ثم ألقاه من يده فأخذ سيفه فقاتل حتى قتل.
وذكر ابن أبي جمرة أنه قال أي نفس إلي أي شيء تتوقين إلي فلانة فهي طالق وفلان وفلان غلمان له فهم أحرار وإلي معجب حائط له فهو لله ورسوله ثم قاتل حتى قتل رضى الله عنهم أجمعين انتهى.
قال سعيد بن أبي هلال بلغني أنهم دفنوا زيدا وجعفرا وابن رواحة في حفرة واحدة وفي الصحيح وما يسرهم أنهم عندنا أي لما رأووا من فضل الشهادة ثم أخذ الراية ثابت بن أقرم بفتح الهمزة وسكون القاف وبالراء والميم البلوي البدري حليف بني العجلان بطن من الأنصار فقال يا معشر المسلمين أصطلحوا على رجل منكم قالوا أنت لها، قال ما أنا بفاعل، فاصطلح الناس على خالد بن الوليد، فلما أخذ الراية دافع القوم ثم انحاز وانحيز عنه حتى انصرف بالناس. وفي الصحيح أخذ الراية سيف من سيوف الله تعالى حتى فتح الله على يديه، وفي رواية ثم أخذ اللواء خالد بن الوليد ولم يكن من الأمراء وهو أمير نفسه ثم قال صلى الله تعالى عليه وسلم اللهم أنه سيف من سيوفك فأنت تنصره، فمن يومئذ يسمى سيف الله.
وفي المواهب وشرحها وانكشف الناس فكانت الهزيمة فتبعهم المشركون فقتل من قتل من المسلمين وعدد من قتل منهم اثنا عشر رجلا الأمراء الثلاثة ومسعود بن الأسود وهو من بنى عدي بن كعب ووهب بن سعد بن أبي سرح وهو من بنى مالك بن حسل وعباد بن قيس الخزرجي والحارث بن النعمان وسراقة بن عمرو النجاريان وأبو كليب وجابر ابنا عمرو بن زيد بن عوف وعمرو وعامر ابنا سعد بن الحارث وزاد ابن الكلبي والبلاذري هويجه الضبي وهو بفتح الهاء وسكون الواو وفتح الموحدة فجيم فهاء تأنيث وروى أنه لما قتل فقد جسده وفي هذا من مزيد عناية الله تعالى بالمسلمين ما لا يخفى إذ عدتهم ثلاثة آلاف وقاتلوا أكثر من مائتي ألف سبعة أيام، ولم يقتل منهم إلا ثلاثة عشر كذا ذكر ابن سعد وغيره أن الهزيمة كانت على المسلمين وقال الحاكم قاتلهم خالد بن الوليد فقتل منهم مقتلة عظيمة وأصاب غنيمة وكانت الهزيمة على المشركين وهذا ظاهر حديث الصحيح كما مر قريبا، وفيه أيضا عن خالد لقد انقطعت في يدي يوم مؤتة تسعة أسياف فما بقى في يدي إلا صفحة يمانية بتخفيف الياء وحكى شدها. وقال ابن إسحاق انحازت كل طائفة عن الأخرى من غير هزيمة، قال اليعمري وهو المختار لكن قال الشامي وافق ابن إسحاق شر ذمة لكنه خلاف ظاهر قوله صلى الله تعالى عليه وسلم ففتح على يديه والأكثرون على أن خالد والمسلمين
قاتلوا المشركين حتى هزموهم، وفي حديث أبي عامر أن خالداً لما حمل اللواء حمل على القوم فهزمهم أسوأ هزيمة حتى وضع المسلمون أسيافهم حيث شاءوا ونحوه عن الزهري وابن عقبة وابن عائد وعروة وغيرهم، وقال في الفتح اختلف أهل النقل في المراد بقوله صلى الله تعالى عليه وسلم حتى فتح الله عليهم هل كان هناك هزيمة للمشركين أو المراد بالفتح انحياز المسلمين حتى رجعوا سالمين انتهى المراد منهما. وقال الإمام ابن أبي جمرة اختلف العلماء في عسكر المسلمين هل كانت الهزيمة عليهم أو على المشركين فحكى ابن سعد أنها كانت على المسلمين إلى أن قال وذهب جماعة أن الهزيمة كانت على المشركين وهو الأقرب ورجحه البيهقي.
وعن العطاف بن خالد لما قتل ابن رواحة مساء بات خالد فلما أصبح جعل مقدمته ساقته وساقته مقدمته وميمنته ميسرته وميسرته ميمنته فأنكروا ما كانوا يعرفون من راياتهم وهيأتهم وقال قد جاءهم مدد فرعبوا وانكشفوا منهزمين فقتل منهم مقتلة لم يقتلها قوم، وكذا ذكر موسى بن عقبة. وذكر ابن إسحاق أن قطبة بن قتادة العذري وكذا ذكر موسى بن عقبة. وذكر ابن إسحاق أن قطبة بن قتادة العذري وكان رأس ميمنة المسلمين قتل مالك بن رافلة ويقال رافلة البلوي وهو أمير عرب النصارى فقال يفتخر:
(طعنت ابن رافلة ابن الأرش
…
برمج مضي فيه ثم انحطم)
ثم قال:
(وسقنا نساء بني عمه
…
غداة رقوقين سوق الغنم)
وفيه التصريح بأنهم سبوا نساءهم وبعد البيت الأول:
(ضربت على صيره جيده
…
فما مال كما مال غصن السلم)
والصير جانب الشيء وطرفه وضميره للجيد والله أعلم. أي ضربت جيده على جانبه. ولما أصيب القوم قال صلى الله تعالى عليه وسلم أخذ الراية زيد بن حارثة فقاتل بها حتى قتل شهيداً ثم أخذها جعفر فقاتل بها حتى قتل شهيداً ثم صمت رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم حتى تغيرت وجوه الأنصار وظنوا أنه قد كان في عبد الله بن رواحة ما يكرهون ثم قال صلى الله تعالى عليه وسلم، ثم أخذها عبد الله بن
رواحة فقاتل بها حتى قتل شهيداً ثم قال لقد رفعوا لي في الجنة فيما يرى النائم على سرر من ذهب فرأيت في سرير عبد الله بن رواح ازوراراً عن سريري صاحبيه فقلت عم هذا؟ فقيل لي مضيا وتردد عبد الله بعض التردد ثم مضى وذكر ابن عقبة أن يعلى بن أمية الحنظلي حليف قريش وأمه منية بضم الميم وسكون النون وفتح التحتية الخفيفة وبها اشتهر وبأبيه معاً وقيل هي أم أبيه وهي أم العوام والد الزبير قاله الزرقاني وهو الذي قدم بخبر أهل مؤتة فقال له رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم إن شئت فأخبرني وإن شئت أخبرتك. قال أخبرني فأخبره خبرهم كله فقال والذي بعثك بالحق ما تركت من حديثهم حرفاً فلم تذكره. فقال صلى الله تعالى عليه وسلم أن الله رفع لي الأرض حتى رأيت معركتهم.
وللطبراني عن أبي اليسر بفتح التحتية والمهملة كعب بن عمر السلمي بفتحتين البدري أن أبا عامر الأشعري هو الذي أخبر النبي صلى الله تعلى عليه وسلم بمصابهم. وقال حسان يبكيهم:
(تأوبني ليل بيثرب أعسر
…
وهم إذا ما نوم الناس مسهر)
(لذكرى حبيب هجيت لي لوعة
…
سفوحاً وأسباب البكاء التذكر)
(بلى إن فقدان الحبيب بلية
…
وكم من كريم يبتلى ثم يصبر)
(رأيت خيار المسلمين تواردوا
…
شعوب وخلفا بعدهم يتأخر)
(فلا يبعدن الله قتلى تتابعوا
…
بمؤتة منهم ذو الجناحين جعفر)
(وزيد وعبد الله حين تتابعوا
…
جميعاً وأسباب المنية تخطر)
(غداة مضوا بالمومنين يقودهم
…
إلى الموت ميمون النقيبة ازهر)
(أغر كضوء البدر من آل هاشم
…
أبي إذا سيم الظلامة مجسر)
(فطاعن حتى مال غير موسد
…
بمعترك فيه قنى متكسر)
(فصار مع المستشهدين ثوابه
…
جنانه وملتف الحدائق أخضر)
(وكنا نرى في جعفر من محمد وفاء وأمراً حازماً حين يأمر)
(وما زال في الإسلام من آل هشام
…
دعائم عز لا يزلن ومفخر)
(بهاليل منهم جعفر وابن أمه
…
علي ومنهم أحمد المتخير)
(وحمزة والعباس منهم ومنهم
…
عقير وماء العود من حيث يعصر)
(بهم تفرج اللواء في كل مأزق
…
عماس إذا ما ضاق بالناس مصدر)
(هم أولياء الله أنزل حكمه
…
عليهم وفيهم ذو الكتاب المطهر)
وشعوب بفتح المعجمة المنية، والمظلمة بكسر اللام وكثمامة تظلمه الرجل قاله في القاموس، والبهاليل جمع بهلول بالضم وهو الوضيء الوجه مع طول، والمأزق المضيق من مضايق الحرب والعماس كسحاب المظلم.
وقال كعب بن مالك:
(نام العيون ودمع عينيك يهمل
…
سحا كما وكف الطباب المخضل)
(في ليلة وردت علي همومها
…
طوراً أحن وتارة أتململ)
(واعتادني حزن فبت كأنني
…
ببنات نعش والسماك موكل)
(وكأن ما بين الجوانح والحشا
…
مما تأوبني شهاب مدخل)
(وجداً على النفر الذين تتابعوا
…
يوماً بمؤتة أسندوا لم ينقلوا)
(صلى الإله عليهم من فتية
…
وسقى عظامهم الغمام المسبل)
(صبروا بمؤتة للإله نفوسهم
…
حذر الردى ومخافة أن ينكل)
(فمضوا أمام المسلمين كأنهم
…
فنق عليهن الحديد المرفل)
(إذا يهتدون بجعفر ولوائه
…
قدام أولهم فنعم الأول)
(حتى تفرجت الصفوف وجعفر
…
حيث التقى وعث الصفوف المجدل)
(فتغير القمر المنير لفقده
…
والشمس قد كسفت وكادت تأفل)
(قرم علا بنانه من هاشم
…
فرعاً أشم وسؤدد ما ينقل)
(قوم بهم عصم الإله عباده
…
وعليهم نزل الكتاب المنزل)
إلى أن قال:
(بيض الوجوه ترى بطون أكفهم
…
تندى إذا اعتذر الزمان الممحل)
(وبهديهم رضي الإله الخلقة
…
وبجدهم نصر النبي المرسل)
وهمل دمعه كضرب، ونصر فاض، والطباب بكسر الطاء المهملة جمع طبابة وهي سير بين خرزتين في المزادة فإذا كان غير محكم وكف منه الماء والخنين بالمعجمة حني ببكاء فإذا كان بالمهملة فليس معه بكاء (انظر الروض) وأسندوا بالنون وروي بهمزة بعد السين من الإسناد وهو الإسراع في السير وصبروا حبسوا والفنق جمع فنيق وهو الفحل والمرفل السابغ الضافي وقوله فتغير القمر قال السهيلي قوله حق لأنه إن كان عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فجعله قمراً فقد