الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وخرجت فلما طلعت على العسكر فرآني الناس قال صلى الله تعالى عليه وسلم كن أبا خيثمة، فجئت فدعى لي:
وقوله كن أبا خيثمة وكن أبا ذر معناه الدعاء، كما تقول أسلم، أي سلمك الله، أي اللهم اجعله أبا ذر، وقيل معناه أنت أبو ذر، أنت أبو خيثمة انظر الزرقاني. قال في المواهب لما دنى صلى الله تعالى عليه وسلم من المدينة خرج الناس لتلقيه فخرج النساء والصبيان والولائد يقلن:
(طلع البدر علينا
…
من ثنيات الوداع)
(وجب الشكر علينا
…
ما داعا لله داع)
قال الزرقاني وبعدهما:
(أيها المبعوث فينا
…
جئت بالأمر المطاع)
وقال القسطلاني وقد وهم بعض الرواة وقال: إنما كان هذا الشعر عند مقدمه المدينة وهو وهم ظاهر لأن ثنيات الوداع إنما هي من ناحية الشام لا يراها القادم منمكة إلى المدينة، ولا يراها إلا إذا توجه إلى الشام كما قدمت ذلك انتهى.
وقوله بعض الرواة هو عبد الله بن محمد المعروف بابن عائشة، وقوله كما قدمت ذلك أي في الهجرة قاله الزرقاني، وفي البخاري لما رجع رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم من غزوة تبوك فدنى من المدينة قال إن بالمدينة أقواماً ما سرتم مسيراً ولا يطعتم وادياً إلا كانوا معكم حبسهم العذر وهذا يؤيد معنى ما روي: نية المؤمن خير من عمله، فإن نية نؤلاء خير من أعمالهم، فإنها بلغت بهم مبلغ أولئك العاملين بأبدانهم وهم على فرشهم في بيوتهم، والمسابقة إلى الدرجات العلا بالنيات والهمم لا بمجرد الأعمال، قاله في المواهب وقوله وادياً قال البيضاوي هو كل منفرج ينفرج فيه السيل اسم فاعل من ودى إذا سال وشاع بمعنى الأرض، وقوله معكم أي بالنيات، ولأحمد وابي داود لقد تركتم بالمدينة أقواماً ما سرتم من سير ولا أنفقتم من نفقة ولا قطعتم من واد إلا وهم معكم فيه، ولابن حبان وأبي عوانة إلا أشركوكم في الأجر
والمراد بالعذر ما هو أعم من المرض، قال المهلب يشهد لهذا الحديث قوله تعالى:{لا يستوي القاعدون} (الآية) فإنه فاضل بين المجاهدين والقاعدين ثم استثنى أولى الضرر من القاعدين فكأنه أحلقهم بالفاضلين وقوله نية المؤمن الخ .. رواه الطبراني والديلمي مرفوعاً بهذا اللفظ ورواه البيهقي وغيره بلفظ أبلغ وكلها ضعيفة لكن بمجموعها يتقوى كما أفاده السخاوي. وقوله فإن نية هؤلاء خير الخ. أي فشاركوهم في الثواب، وزادوا راحة الأبدان، وقصد المصنف بهذا ما عساه يقال غاية ما أفاده الحديث المشاركة أما الزيادة المستفادة من أفعل التفضيل فلا ثم لضعفه جعله مؤيداً بحديث الصحيح انتهى.
ومن الزرقاني ولما رجع عليه السلام من تبوك نزل بذي أوان بفتح الهمزة وكسرها لغة بلفظ الأوان أي الحين، بلد بينها وبين المدينة ساعة من نهار فجاءه خبر مسجد الضرار من السماء فدعا مالك ابن الدخشم بضم الدال المهملة والشين والمعجمة بينهما خاء معجمة ساكنة ويقال الدخيشم بالتصغير ويقال بنون بدل الميم مكبراً ومصغراً الأوسي البدري، ومعن ابن عدي العجلاني البلوي حليف الأنصار شهد أحداً، فقال عليه الصلاة والسلام انطلقا إلى هذا المسجد الظالم أهله فاهدماه وحرقاه، فانطلقا يشتدان حتى دخلاه وفيه أهله فحرقاه وهدماه وذلك بعدما أنزل فيه:{الذين اتخذوا مسجداً ضراراً وكفراً} (الآية).
قال عامة أهل التفسير الذين اتخذوه كانوا اثني عشر منهم خذام بخاء مكسورة وذال معجمتين بن خالد وثعلبة بن حاطب ومعتب ابن قشير وعباد بن حنيف وبحزج بموحدة مفتوحة فمهملة ساكنة فزاي مفتوحة فجيم، بنوه يضارون به بني عمرو بن عوف أهل مسجد قباء الذي أسسه النبي صلى الله تعالى عليه وسلم لما قدم المدينة وصلى فيه ورأى ذلك ناس من بني غنم بفتح المعجمة وسكون النون ابن عوف فقالوا في طائفة من المنافقين نبني نحن أيضاً مسجداً كما بنوا فنقيل فيه فلا نحضر خلف محمد، فقال لهم أبو عامر الفاسق قبل خروجه إلى الشام
ابنوا مسجدكم واستمدوا فيه بما استطعتم من سلاح وقوة فإني ذاهب إلى قيصر فآتي بجند من الروم فأخرج محمداً وأصحابه، فكانوا يرصدون قدومه وقد خرج محارباً لله ورسوله ولما بنوه لأغراضهم الفاسدة المضارة والكفر والإرصاد أرادوا أن يصلي فيه النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ليروج لهم ما أرادوه من الفساد والكفر أتاه جماعة منهم وهو يتجهز إلى تبوك فقالوا يا رسول الله بنينا مسجداً لذي العلة للمرضى والحاجة والليلة الممطرة، ونحن نحب أن تصلي فيه وتدعو لنا بالبركة كما قال تعالى:{وليحلفن إن أردنا إلى الحسنى} أي هذه الأمور التي أظهروها والله يشهد أنهم لكاذبون.
وروي أنه عليه السلام قال لبحزج ويلك ما أردت فقال والله ما أردت إلا الحسنى فنزلت الآية، ولما أتوه وهو يتجهز فقالوا له ذلك، قال عليه السلام إني على جناح سفر وإذا قدمنا إن شاء الله تعالى صلينا فيه فنزلت هذه الآية. وفي حديث عند البيهقي فأنزل الله تعالى:{لا تقم فيه أبدا} إلى قوله: {والله لا يهدي القوم الظالمين} . وقد قدمنا في الهجرة الخلاف في المراد بالمسجد الذي أسس على التقوى وأن الصحيح أنه مسجد قباء وفي صحيح مسلم أنه المسجد النبوي ولا منافاة فكل منهما أسس على التقوى (انظر المواهب وشرحها). ولما أشرف صلى الله تعالى عليه وسلم على المدينة قال هذه طابة، فلما رأى أحداً قال هذا جبل يحبنا ونحبه.
فائدة:
قال في النشر: قرأ نافع وأبو جعفر وأبو عامر: الذين اتخذوا بغير واو قبل الذين، وقرأ الباقون بالواو انتهى.
وقال الثعالبي على أن قوله وآخرون مرجون لأمر الله في المنافقين يكون الذين اتخذوا بإسقاط واو العطف بدلاً من آخرون أو خبر مبتدأ محذوف تقديره هم الذين اهـ.
وقال ابن جزي قرأ الذين بغير واو صفة لقوله وآخرون، أو على تقديرهم الذين، وهذه القراءة جارية على قول من قال في المرجين هم أهل مسجد الضرار، وقرئ بالواو عطفاً على آخرون وهذه القراءة جارية على قول من قال في المرجين أنهم الثلاثة الذين خلفوا نقله الشيخ الوالد حفظه الله تعالى في الريان وقال الزرقاني ومعتب بن قشير بقاف ومعجمة مصغر ترجم له في القسم الأول من الإصابة، ثم قال وقيل كان منافقاً وقيل أنه تاب وذكره ابن إسحاق فيمن شهد بدراً انتهى.
وفي الزرقاني قبل هذا أنه عليه السلام لما قدم المدينة وهدم مسجد الضرار عرضه على عاصم بن عدي ليتخذه داراً، فقال ما كنت أتخذه وقد أنزل الله فيه ما أنزل، ولكن اعطه ثابت بن أقرن، فإنه لا منزل له فأعطاه، فلم يولد في ذلك البيت مولود قط ولا حمام ولا دجاج، وروى ابن المنذر عن ابن جبير وابن جريج وقتادة قالوا ذكر لنا أنه حفر في موضعه بقعة فأبصروا الدخان يخرج منها اهـ.
وقال الناظم:
(وضعفها البعوث دون مين)
يعني أن البعوث التي أرسلها عليه الصلاة والسلام إلى جهاد الكفار ولم يخرج فيها بنفسه الشريفة ضعف الغزوات التي خرج فيها عليه السلام أي قدرها مرتين فهي خمسون لأن الغزوات قد مر له أنها خمس وعشرون، وقوله ضعفها بكسر الضاد المعجمة والضمير المضاف إليه للغزوات، والمين: الكذب، والبعوث: جمع بعث، وهو في الاصطلاح من أرسله صلى الله تعالى عليه وسلم لقتال العدو ولم يحضر معه بنفسه ويسمى أيضاً عندهم سرية كما في المواهب وشرحها وسيرة العراقي وشرحها والغزوات جمع غزوة والمغازي جمع مغزى وأصل الغزو القصد، ومغزى الكلام مقصده، والغالب إطلاق الغزوة على كل عسكر حضره صلى الله تعالى عليه وسلم بنفسه الكريمة وقد تطلق علي على هو أعم من ذلك، فقد تطلق على ما وقع من قصده عليه السلام للكفار بنفسه أو
بجيش يرسله إليهم فيشمل البعوث ولذا ترجم كثير منهم بكتاب المغازي ثم يذكر مع الغزوات البعوث انظر الزرقاني وغيره.
وحكمة قعوده صلى الله تعالى عليه وسلم عن بعوثه الرفق بالمسلمين كما أفاد ذلك في قوله عليه الصلاة والسلام والذي نفسي بيده لولا أن أشق على المسلمين ما قعدت خلاف سرية تغزو في سبيل الله أبداً ولكن لا أجد سعة فأحملهم ولا يجدون سعة فيتبعوني ويشق أن يقعدوا بعدي. والذي نفسي بيده لوددت أن أغزو في سبيل الله فأقتل، ثم أحيى ثم أقتل، ثم أحيى ثم أقتل، ثم أحيى ثم أقتل، رواه مالك والشيخان عن أحمد عن أبي هريرة بتكرير ثم ست مرات. والسرية بوزن عطية والسارية أيضاً، سموا بذلك لأنهم يكونوا خلاصة العسكر وخيارهم كما في النهاية. قال في الفتح وهي قطعة من الجيش تخرج منه وتعود إليه وهي من مائة إلى خمس مائة فإن زاد فمنسر بالنون فمهملة، فإن زاد على ثمانمائة سمي جيشاً فإن زاد على أربعة آلاف سمي جحفلاً، انتهى.
وظاهره أن ما دون المائة لا يسمى سرية وهو مخالف لقوله نفسه في المقدمة، قال ابن السكيت السرية ما بين الخمسة إلى الثلاث مائة وقوله منسر بوزن مجلس ومنبر قاله الزرقاني، وفي المواهب أن سراياه سبع وأربعون، قال الزرقاني كما رواه ابن سعد وبه جزم أول الاستيعاب فيما قاله الشامي، والذي في النور عن ابن عبد البر أنها خمس وثلاثون وقال ابن إسحاق في رواية البكائي أنها ثمان وثلاثون وفي الفتح عن ابن إسحاق ست وثلاثون والواقدي ثمان وأربعون وابن الجوزي ست وخمسون، انتهى المراد منه.
وقال المناوي في شرحه للعراقي البعوث جمع بعث، وهو كما في المصباح وغيره الجيش تسمية بالمصدر والسرية بفتح المهملة وكسر الراء وشد التحتية القطعة من الجيش، سموا به لأنهم خلاصة العسكر؛ والسري الشيء النفيس. وفي فتح الباري السرية التي تخرج في الليل والسارية بالنهار، سميت سرية لأنها تخفي ذهابها وهي قطعة من
الجيش تخرج منه وتعود إليه اهـ المراد منه.
قال العراقي:
(عدتها من بعث أو سرية
…
ستون فالأول بعث حمزة)
(لنحو سيف البحر من ناحية
…
العيص لم يقتتلوا بالجملة)
يعني أن أول بعوثه صلى الله تعالى عليه وسلم بعث حمزة بن عبد المطلب إلى سيف البحر بكسر المهملة أي ساحله من ناحية العيص بكسر العين المهملةوسكون التحتية وصاد مهملة موضع ببلاد بني سليم وقيل بأرض جهينة والتقوا واصطفوا للقتال فحجز بينهم مجدي بن عمرو الجهني وكان مسالماً للفريقين فانصرفوا ولم يقتتلوا بعثه في ثلاثثين من المهارين يتعرض عيراً لقريش وعقد له لواء أبيض وحمله أبو مرثد فكان أول من غزى في سبيل الله وأول من عقدت له راية في الإسلام وذلك في رمضان على رأس سبعة أشهر وقيل في ربيع الأول وقيل في جمادى ولم يعرف لمجدي إسلام قاله المناوي. وقوله فحجز بفتح الحاء والجيم وبالزاي أي فصل، ومجدي بفتح الميم وسكون الجيم وكسر الدال آخره ياء مشددة واسم أبي مرثد كناز بفتح الكاف وشد النون فألف فزاي ابن الحصين بمهملتين مصغراً الغنوي بفتح المعجمة والنون نسبة إلى غني ابن يعصر حليف حمزة واللواء هو العلم الذي يحمل في الحرب يعرف به موضع أمير الجيش وفي الفتح اللواء الراية وكان الأصل أن يمسكلها رئيس الجيش ثم صارت تحمل على رأسه وقال ابن العربي اللواء غير الراية، فاللواء ما يعقد في طرف الرمح ويلوى عليه والراية ما يقعد فيه ويترك حتى تصفقه الرياح، وقيل اللواء علامة لمحل الأمير والراية يتولاها صاحب الحرب، والعير المذكورة ثلاثمائة راكب فيها أبو جهل اللعين، وقوله على رأس سبعة أشهر أي تقريباً فلا ينافي أن قدومه عليه السلام لا تنثني عشرة ليلة خلت من
ربيع وقوله وقيل في ربيع أي سنة اثنتين انظر الزرقاني. ثم بعد بعث حمزة سرية عبيدة المطلبي ورصدر في الاكتفاء بأنها قبل سرية حمزة ثم سرية سعد بن أبي وقاص ثم سرية عبد الله بن جحش ثم بعث عمير الخطمي لقتل عصماء بنت مروان ثم بعث سالم بن عمير الأنصاري إلى قتل أبي عفك اليهودي، ثم بعث محمد بن مسلمة لقتل كعب بن الأشرف، ثم بعث زيد بن حارثة إلى القردة، ثم بعث أبي سلمة بن عبد الأسد لطلب طليحة بن خويلد وأخيه الأسديين، وأسلم طليحة بعد ثم بعث عبد الله بن أنيس الجهني الأنصاري لقتل سفيان بن خالد الهذلي، ثم بعث عاصم بن ثابت إلى الرجيع، ثم بعث المنذر بن عمرو ومعه القراء إلى بئر معونة، وقدمه عبد الرحيم العراقي على بعث الرجيع ثم بعث محمد بن مسلمة للقرطاء ثم بعث عكاشة إلى غمر مرزوق ماء لبني أسد، ثم بعث محمد بن مسلمة إلى ذي القصة موضع يريد بني ثعلبة، فبعث أبي عبيدة بن الجراح إليهم، فبعث زيد بن حارثة إلى الجموم، ثم بعث زيد أيضاً إلى العيص ثم بعثه رابعة إلى الطرق، فبعثه خامسة إلى حسمى، فبعثة سادسة إلى واد القرى ثم بعث عبد الرحمن بن عوف إلى دومة الجندل ثم بعث علي بن أبي طالب إلى فدك يريد بني سعد بن بكر، ثم سرية زيد بن حارثة إلى أم قرفة، ثم سرية عبد الله بن عتيك إلى أبي رافع سلام بن أبي الحقيق ثم سرية عبد الله بن رواحة إلى أسير بن رزام، ثم بعث كرز بن جابر إلى العرينين، ثم بعث عمرو بن أمية إلى قتل أبي سفيان بن حرب، ثم بعث ابان بن سعيد الأموي إلى نجد على ما ذكر العراقي، وقال أنه بعد فتح خيبر، لكن قال المناوي في شرحه قال الحافظ بن حجر ولا أعرف هذه السرية انتهى ولما يذكره في المواهب.
ثم سرية عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه إلى تربة، ثم سرية أبي بكر رضي الله تعالى عنه إلى بني كلاب، فبعث بشير بن سعد الأنصاري لفدك، فبعث غالب بن عبد الله الليثي إلى الميفعة فبعث