الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والمهد ما يمهد للصبي ليربى عليه من مهدت له المكان أي وطأته له ولينته قاله الزرقاني. وقال في المواهب قيل توفي عنه وهو ابن شهرين وقيل ابن سبعة اشهر وقيل ابن ثمانية وعشرين شهرا والراجح المشهور الأول اهـ. يعنى أن كون عبد الله مات وهو حمل رجحه الواقدي وابن كثير والبلاذري وابن سعد والذهبي والحجة لهم ما في المستدرك عن قس بن مخرمة، قال توفي أبو النبي صلى الله عليه وسلم وأمه حبلى به قال الحاكم صحيح على شرط مسلم، قاله محمد بن عبد الباقي وكان عبد الله قد خرج تاجرا مع قريش فرجع من غزة ضعيفا فمروا بالمدينة فتخلف مريضا عند أخواله أي أخوال أبيه بنى عدي بن النجار فأقام عندهم مريضا شهرا فلما قدم أصحابه مكة سألهم عبد المطلب عنه فقالوا خلفناه مريضا فبعث إليه أخاه الحارث وقال ابن الأثير الزبير فوجده قد توفي بالمدينة ودفن بها في دار التابعة بفوقية فموحدة فعين مهملة كما في الزهر الباسم وهو رجل من بنى عدي بن النجار وقيل دفن بالابواء وقالت آمنة زوجته ترثيه:
(عفا جانب البطحاء من ال هاشم
…
وجاور لحدا خارجا في الغماغم)
(دعته المنايا دعوة فأجابها
…
وما تركت في الناس مثل ابن هاشم)
(عشية راحوا يحملون سريره
…
تعاوره أصحابه في التزاحم)
(فإن تلك غالته المنون وريبها
…
فقد كان معطاء كثير التراحم)
جعلت خلوها منه خلوا من ال هاشم مبالغة لعدم قيام غيره منهم مقامه فقولها وجاور لحدا إلخ .. الغماغم بغينين معجمتين وميمين أي الأغطية والمراد بها الأكفان التى لف فيها والمجرور حال وقولها خارجا صفة للحد فكأنها قالت وجاور حال كونه مدرجا في أكفانه لحدا بعيدا عن أماكن أهله ومعنى تعاوره إلخ .. أي تداوله أصحابه مع التزاحم عليه ففي بمعنى مع وريب المنون أسبابها المؤدية لها وعبر بأن التى هي للشك لاستبعاد وقوع الموت به استعظاما له وجواب الشرط محذوف أي أسف الناس عليه لأنه كان معطاء الخ .. فالفاء للتعليل انظر الزرقاني وروي أنه لما توفي عبد الله قالت الملائكة يا إلهنا وسيدنا بقي نبيك
يتيما فقال الله تعالى أنا له حافظ ونصير وقيل لجعفر الصادق لقب بذلك لأنه ما كذب قط لم يتم النبي صلى الله عليه وسلم قال لئلا يكون عليه حق لمخلوق ويتم بكسر التاء كما اقتصر عليه الجوهري وزاد المجد فتحها والمصباح ضمها قاله الزرقاني (وكم حوت من شرف هذيل) فاعل حوت يقال حواه واحتوى عليه جمعه وأحرزه وكم تكثيرية مفعول حوت والشرف العلو (لما غدت) أي صارت (بنتهم السعدية) نسبة إلى جدها وخبر عدت قوله (من أمهات) جمع أم وأمهة والأكثر في جمع العاقل أمهات ويقال أمهات (أشرف البرية) أي أفضل الخلق كلهم صلى الله عليه وسلم. وقول الناظم رحمه الله: وكم حوت من شرف هذيل إلخ .. سبق لسان بلا شك لأن هذيلا بن مدركة كما هو معلوم وكون مرضعته صلى الله عليه وسلم حليمة من بنى سعد بن بكر بن هوازن أظهر من أن يستدل عليه وهوازن أخو منصور والد سليم وهما ابنا عكرمة بن خصفة بن قيس بن عيلان بن مضر وكأنه غره أن في هذيل قبيلة يقال لها بنو سعد منهم عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وهي مماثلة في الاسم لبنى سعد بن بكر ولما سبى رسول الله صلى الله عليه وسلم هوازن قالوا له يا رسول الله إنما في الحظائر عماتك وخالاتك كن يكفلنك ولو أنا أرضعنا الحارث بن أبي شمر أو النعمان بن المنذر ثم أنزل بنا مثل ما أنزلت بنا رجونا عطفه وأنت خير المكفولين، فخيرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بين سباياهم وأموالهم فاختاروا السبي فرده عليهم وهي حليمة بنت أبي ذؤيب مصغرا واسمه عبد الله بن الحارث بن شجنة بكسر الشين المعجمة فجيم ساكنة فنون فهاء تأنيث هكذا في النور وفي الشامية بشين مهملة ابن جابر بن رزام بكسر الراء ثم زاي فألف فميم ابن ناصر بن سعد بن بكر بن هوازن هكذا في الاستيعاب وقيل غير ذلك قاله في شرح المواهب وفي الحلة السيرا أما بنو سعد بن بكر بن هوازن فهم أظاره صلى الله عليه وسلم منهم حليمة بنت أبي ذؤيب واسمه الحارث بن عبد الله بن شحته بن قاصرة بن فصية بالفاء تصغير فصاة وهي النواة أو حب الزبيب ويروى قصية
بالقاف بن نصر بن سعد بن بكر والصحيح أنها أسلمت وأسلم زوجها أيضا وأسلمت بنتها الشيماء أو الشماء اهـ. المراد منه.
وفي الزرقاني في موضع آخر قيل بنت عبد الله بن الحارث وقيل بنت الحارث بن عبد الله إلخ .. وقال في الشفا لما جيء بأخته ومن الرضاعة الشيماء أو الشماء في سبايا هوازن بسط لها رداءه اهـ. وهي بفتح الشين المعجمة وسكون التحتية أو بلا ياء وهي ممدوده، قال الحجازي أسلم أبوها الحارث بمكة وأسلمت هي واسمها جدامة بجيم مضمومة فمهملة فألف فميم وقيل خذافة بمعجمة مكسورة وذال معجمة وبفاء وقيل بميم وقال الحلبي الشيماء فيها قولان هل هي بنت حليمة أو اختها اهـ. قيل انها فازت هي وأبواها يعنى أباها وأمها حليمة وقال الحافظ الدمياطي لا يعرف لحليمة صحبة ولا إسلام والمرأة التى بسط لها رسول الله صلى الله عليه وسلم أختها الشيماء وروى ابن عبد البر أن حليمة جاءت النبي صلى الله عليه وسلم يوم حنين فقام لها وبسط لها رداءه وفي سيرة مغلطاي وصحيح ابن حبان وغيره ما يدل على إسلامها اهـ. من شرح ابن سلطان.
وفي الزرقاني ان ابن أبي خثيمة وابن عبد البر وابن الجوزي وابن المنذر والحافظ وابن حجر وغيرهم قد ذكروا حليمة في الصحابة قال وحسبك بهذا حجة قال وقول ابن كثير لم تدرك البعثة رده الحافظ بأن عبد الله بن جعفر حدث عنها عند أبي يعلى والطبراني وابن حبان وهو إنما ولد بعد البعثة وزعم أبي حيان النحوي أنها لم تسلم مردود فقد ألف مغلطاي فيها جزءا سماه التحفة الجسيمة في إثبات اسلام حليمة وارتضاه علماء عصره.
فأما أبو حيان فليس من فرسان هذا الميدان يذهب إلى زيده وعمره اهـ. كلامه.
وقد ذكروا انه لما ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم قيل من يكفل هذه الدرة اليتيمة التى لا يوجد لمثلها قيمة قال الطيور نحن نكلفه
ونغتنم خدمته العظيمة وقالت حيوانات البر نحن أولى بذلك منكم، ننال شرفه وتعظيمه، فنادى لسان القدرة أن يا جميع المخلوقات ان الله كتب في سابق حكمته القديمة أن نبيه الكريم يكون رضيعا لحليمة الحليمة وذكر العزفي أن عبد المطلب وقت دخول حليمة سمع هاتفا يقول:
إن ابن آمنة الأمين محمدا
…
خير الأنام وخيرة الأخيار
ما إن له غير الحليمة مرضع
…
نعم الأمينه هي على الأبرار
مأمونة من كل عيب فاحش
…
ونقية الأثواب والأزرار
لا تسلمنه إلى سواها إنه
…
أمر وحكم جا من الجبار
وذكر ابن الطراح ومغلطاي والحافظ وأبو المظفر ان حليمة كانت ترقص النبي صلى الله عليه وسلم وهي تقول:
يارب إذا أعطيته فأبقه
…
وأعله إلى العلا ورقه
(وفي رواية وأرقه) وادحض أباطيل العدى بحقه (
…
)
وقوله وادحض بكسر الحاء حذفت همزته للضرورة أي أذل، وذكر ان الشيماء أخته من الرضاعة كانت تحضنه وتقول:
(هذا أخ لم تلده أمي
…
وليس من نسل أبي وعمي)
(فديته من مخول معمي
…
فأنمه اللهم فيما تنمي)
رجل مخول معم أي كريم الأخوال والأعمام بكسر الواو والعين وفتحها ومنع الأصمعي الكسر وقال كلام العرب الفتح وقولها فأنمه اللهم من إطلاق السبب وإرادة المسبب، فالكثرة يلزمها القوة فكأنها قالت قوه فيمن قويت وزد رفعته أو بحذف مضاف أي اتم أتباعه. وقالت الشيماء أيضا:
ياربنا أبق أخي محمدا
…
حتى أراه يافعا وأمردا
ثم أراه سيدا مسودا
…
واكبت أعاديه معا والحسدا
وأعطه عزا يدوم أبدا
قال الأزدي ما أحسن ما أجاب الله دعاءها يعنى لرؤيتها إياه بجميع
ما طلبت اهـ من الزرقاني.
وقولها واكبت يقال كبت العدو كضرب رده بغيظه وأذله كما في القاموس، (وكم رأت) أي عاينت وأبصرت (له) أي النبي صلى الله عليه وسلم (من الآيات) أي العلامات الدالة على رسالته ومكانته صلى الله عليه وسلم عند الله تعالى (حليمة) ولما كان ما رأت له عليه السلام له يكاد ينحصر أشار لبعضه بمن التبعيضية فقال (منها) أي الآيات المذكورة (درور الشاة) أي كثرة لبنها، وفي المصباح در اللبن وغيره درا من باب قتل وضرب كثر وشاة دار بغير هاء ودرور اهـ، وأراد بالشاة الجنس يعنى غنمها كلها كمل يأتي في قولها فكانت غنمي تروح حين قدمنا بهش باعا لبنا بضم اللام وكسرها لغتان حكاهما الجوهري وشد الموحدة أي كثيرة اللبن جمع لبون واعلم أن عادة نساء قبائل العرب التى حول مكة ونواحي الحرم أنهن ياتينها في كل عام مرتين ربيعا وخريفا للرضعاء يذهبن بهم حتى تتم الرضاعة لأن نساء قريش يرين ارضاع أولادهن عارا عليهن كما قاله العزفي وقال عيره لينشأ الولد غريبا فيكون أنجب له ولسانه أفصح لخبر أنا أعربكم أنا من قريش واسترضعت في بنى سعد وكانت مشهورة في العرب بالكمال وتمام الشرف وقيل لتفرغ النساء للأزواج فلما كان عام ولادته صلى الله عليه وسلم خرجت حليمة كما رواه ابن اسحاق وابن راهويه والبيهقي وأبو نعيم أنها قالت قدمت بمكة في نسوة من بنى سعد بن بكر نلتمس الرضعاء في سنة شهباء على أتان لى ومعي صبي لنا وشارف لنا والله ما تبض بقطرة وما ننام ليلنا أجمع مع صبينا ذلك لا يجد في ثديي ما يغذيه ولا في شارفنا ما يغذيه فقدمنا مكة فو الله ما علمت منا امرأة إلا وقد عرض عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فتأباه إذا قيل انه يتيم فو الله ما بقي من صواحبي امرأة إلا أخذت رضيعا غيري فلم أعط لما أنا عليه من الضيق فلما لم أجد غيره قلت لزوجي والله إني لأكره أن أرجع من بين صواحبي ليس معي رضيع لأنطلقن إلى ذلك اليتيم فلنا خذنه، فذهبت إليه فإذا به مدرج في ثوب صوف أبيض من اللبن يفوح منه
المسك وتحته حرير أخضر راقد عليه يغط فأشفقت أن أوقظه لحسنه وجماله فدنوت منه فتبسم وفتح عينيه فخرج من عينيه نور حتى دخل خلال السماء وأنا أنظر فقبلته بين عينيه وأعطيته ثديي الأيمن فأقبل عليه بما شاء من لبن فحولته إلى الأيسر فأبى وكانت تلك حالته بعد، ثم أخذته بما هو فيه إلى أن جئت به إلى رحلي فأقبل عليه ثدياي بما شاء من لبن فشرب حتى روي وشرب أخوه حتى روي فقام صاحبي تعني زوجها إلى شارفنا تلك فإذا أنها لحافل فحلب لنا ما شرب وشربت حتى روينا وبتنا بخير ليلة وقال صاحبي يا حليمة والله إني لأراك قد أخذت نسمة مباركة فلم يزل الله يزيدنا خيرا. وفي النطق المفهوم فودعت النساء بعضهن وودعت أنأ أم النبي صلى الله عليه وسلم ثم ركبت أتاني وأخذت محمدا صلى الله عليه وسلم بين يدي فنظرت إلى الأتان وقد سجدت نحو الكعبة ثلاث سجدات ورفعت رأسها إلى السماء الهمها الله ذلك شكرا له أن خصها بكونه صلى الله عليه وسلم على ظهرها ثم مشت حتى سبقت دواب الناس والناس معي يتعجبون ويقلن النساء لى وهن ورائي يا بنت أبي ذؤيب أهذه أتانك التى كنت عليها فأقول تالله انها لهي فيعجبن ويقلن إن لها لشأنا عظيما قالت فكنت أسمع أتاني تقول والله ان لى لشأنا عظيما بعثني الله بعد موتي ورد لى سمني بعد هزالي ويحكي: يا نساء بنى سعد انكن لفي غفلة وهل تدرين من على ظهري، على ظهري خير النبيئين وسيد المرسلين وخير الأولين والآخرين وحبيب رب العالمين قالت ثم قدمنا منازل بنى سعد ولا أعلم أرضا من أرض الله أجدب منها فكانت غنمي تروح علي شباعا لبنا فنحلب ونشرب وما يحلب إنسان غيرنا قطرة لبن حتى كان الحاضر من قومنا يقولون لرعيانهم اسرحوا حيث تسرح غنم بنت أبي ذؤيب فتروح أغنامهم جياعا ما تبض بقطرة لبن وتروح أغنامي شباعا لبنا اهـ.
وابن راهويه هو اسحاق اجتمع له الحديث والفقه والصدق والورع براء فألف فهاء مضمومة فتحتية مفتوحة عند المحدثين لأنهم لا يحبون
ويه وبفتح الهاء والواو وسكون التحتية قال الكرماني وهو المشهور وقولها ومعي صبي لنا هو عبد الله بن الحارث قال النووي لا أعلم له إسلاما ولا ترجمة وهو تقصير ففي الإصابة سماه بعضهم عبد الله وذكره في الصحابة والشارف الناقة المسنة وتبض بفتح الفوقية وكسر الموحدة وشد الضاد المعجمة تدر وزوجها هو الحارث بن عبد العزى بن رفاعة السعدي أدرك الإسلام وأسلم ويغط بكسر المعجمة يردد نفسه صاعدا إلى حلقه حتى يسمعه من حوله كما في المصباح والحافل ممتلئة الضرع والئسمة محركة الذات ولبنا بضم اللام وكسرها لغتان حكاهما الجوهري وشد الموحدة كثيرة اللبن جمع لبون ونحلب بضم اللام وكسرها والحاضر القوم المجتمعون على ماء يجتمعون به ولا يرحلون عنه ويقال للمناهل المحاضر للاجتماع والحضور اهـ من الزرقاني. ولله در القائل:
لقد بلغت بالهاشمي حليمة
…
مقاما علا في ذروة العز والمجد
وزادت مواشيها وأخصب ربعها
…
وقد عم هذا السعد كل بنى سعد
قالت حليمة لما دخلت به منزلي لم يبق منزل من منازل بنى سعد إلا شممنا منه ريح المسك وألقيت محبته في قلوب الناس حتى أن أحدهم كان إذا نزل بجسده إذى يأخذ كفه صلى الله عليه وسلم فيضعه على موضع الأذى فيبرأ سريعا وةكذا إذا اعتل لهم بعير أو شاة. وعن العباس رضي الله عنه قال قلت: يا رسول الله دعاني إلى الدخول في دينك أمارة لنبوتك رأيتك في المهد تناغي القمر وتشير إليه بأصبعك فحيث أشرت إليه مال فقال إني كنت أحدثه ويحدثني يلهيني عن البكاء والمناغاة: المحادثة، وقد ناغت الأم صبيها أي لا طفته وشاغلته بالملاعبة والمحادثة. وعن ابن عائذ أول ما تكلم به صلى الله عليه وسلم حين خرج من بطن أمه: الله أكبر كبيرا والحمد لله كثيرا وسبحان الله بكرة وأصيلا. وفي شواهد النبوءة أنه صلى الله عليه وسلم لما وقع على الأرض رفع رأسه بلسان فصيح لا إله إلا الله وإني رسول الله ونظم السيوطي جملة من تكلم في المهد فقال:
تكلم في المهد النبي محمد
…
ويحيى وعيسى والخليل ومريم
ومبري جريح ثم شاهد يوسف
…
وطفل لدى الأخدود يرويه مسلم
وطفل عليه مر بالأمة التي
…
يقال لها تزني ولا تتكلم
وما شطة في عهد فرعون طفلها
…
وفي زمن الهادي المبارك يختم
ذكر هذه الأبيات بهذا اللفظ الزرقاني في شرح المواهب في ولادته صلى الله عليه وسلم وقوله لدى الأخدود هو ان امرأة جيء بها لتلقى في النار لتكفر ومعها صبي فتقاعست فقال لها يا أماه اصبري إنك على الحق. والمبارك يعنى به مبارك اليمامة وكانت قصته في حجة الوداع أوتي بصبي فقال له من أنا فقال له أنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له النبي صلى الله عليه وسلم صدقت يا صبي، بارك الله فيك، ثم ان الغلام لم يتكلم بعدها حتى شب فكان يسمى مبارك اليمامة ويعرف حديثه بحديث شاهونة. انظر الشفا. وروى ان حليمة رأت غمامة تظله عليه السلام عندها نقله في الشفا (وشق صدر أكرم الأنام) الأنام كسحاب وساباط وأمير الخلق (وهو ابن عامين وسدس عام) أي شهرين أشار بهذا إلى ما رواه ابن سعد وأبو نعيم وابن عساكر عن ابن عباس قال كانت حليمة لا تترك النبي صلى الله عليه وسلم يذهب مكانا بعيدا فغفلت عنه فخرج مع أخته الشيماء في الظهيرة الى البهم فخرجت حليمة تطلبه حتى تجده قالت في هذا الحر قالت أخته يا أمه ما وجد أخي حرا ورأيت غمامة تظلل عليه إذا وقف وقفت وإذا سار سارت حتي انتهى إلى هذا الموضع.
وكان صلى الله عليه وسلم يشب شبابا لا يشبه الغلمان قالت حليمة فلما فصلته تعني بعد مضي عامين قدمنا به على أمه ونحن أحرص شيء على مكثه فينا لما نرى من بركته فكلمنا أمه وقلنا نود لو تركتيه عندنا حتى يغلظ فإنا نخشى عليه وباء مكة ولم تزل بها حتي ردته معنا فرجعنا به فو الله إنه لبعد مقدمنا بشهرين أو ثلاثة مع أخيه لفي بهم لنا خلف بيوتنا جاء أخوه يشتد فقال ذلك أخي القرشي قد جاءه رجلان
عليهما ثياب بيض فأضجعاه وشقا بطنه فخرجت أنا وأبوه نشتد نحوه فنجده قائما منتقعا لونه فاعتنقه أبوه وقال أي بنى ما شأنك قال أتاني رجلان عليهما ثياب بيض فأضجعاني وشفا بطني ثم استخرجا منه شيئا ثم رداه كما كان فرجعناه معنا فقال أبوه يا حليمة لقد خشيت أن يكون ابني قد أصيب فانطلقي بنا نرده إلى أهله فاحتملناه حتى قدمنا به مكة على أمه فقالت ما دركما فقد كنتما حريصين عليه قلنا نخشى عليه فقالت ما ذاك فأصدقاني شأنكما فلم تتركنا حتى أخبرناها خبره، قالت أخشيتما عليه الشياطين كلا والله ما للشياطين عليه سبيل وإنه لكائن لا بني هذا شأن عظيم فدعاه عنكما اهـ. واسم أخيه عبد الله وفي رواية البيهقي ان اسمه ضمرة والبهم بفتح الموحدة ولد الضأن كذا في النهاية. وقولها قالت في هذا الحر بحذف الهمز أي أفيه تخرجين به. ويشب بكسر الشين. روي أنه صلى الله تعالى عليه وسلم لما صار ابن شهرين كان يتزحلق مع الصبيان إلى كل جانب وفي ثلاثة أشهر كان يقوم على قدميه في أربعة كان يمشي ولما مضى له ثمانية أشهر شرع يتكلم بكلام فصيح وفي عشرة أشهر كان يرمي بالسهام وقولها أو ثلاثة شكت ويشتد يسرع ومنتقعا لونه بنون ففوقية فقاف مفتوحه أي متغيرا وقوله رجلان أي ملكان في صورة رجلين وهما جبريل وميكائيل وقوله شيئا هو مضغة سوداء وقوله أصيب أي من الجن وقولها فقدمناه به على أمه أي بعدما ضل منا في باب مكة حين نزلت لأقضي حاجتي فأعلمت بذلك عبد المطلب فطاف بالبيت أسبوعا ودعى الله يرده فسمع مناديا ينادي معاشر الناس لا تضجوا فإن لمحمد ربا لا يضيعه ولا يخذله. قال عبد المطلب يا أيها الهاتف من لنا به وأين هو قال بوادي تهامة فأقبل عبد المطلب راكبا متسلحا فلما صار في بعض الطريق لقي ورقة بن نوفل فسارا جميعا فوجداه صلى الله عليه وسلم تحت شجرة وعن ابن عباس لما رد الله محمدا صلى الله عليه وسلم على عبد المطلب تصدق بألف ناقة كوماء وخمسين رطلا من ذهب وجهز حليمة أفضل الجهاز قاله الزرقاني، قال وظاهر هذا السياق
بل صريحه أن شق الصدر ورجوعه إلى أمه كانا في السنة الثالثة لقوله بشهرين أو ثلاثة وقال ابن عباس رجع إلى أمه وهو ابن خمس سنين وقال غيره ابن أربع حكاها الواقدي وقال ابن عبد البر ردته بعد خمس سنين ويومين وقال الأموي ابن ست سنين والراجح أنه صلى الله عليه وسلم رجع إلى أمه وهو ابن اربع سنين وان شق الصدر إنما وقع في الرابعة كما جزم به الحافظ العراقي وتلميذه الحافظ بن حجر في سيرته وذكر انه التزم فيها الاقتصار على الأصح مما اختلف فيه نقله الزرقاني وعلى هذا فقوله وهو ابن عامين إلخ، خلاف الراجح. والراجح انه وقع وهو ابن أربع سنين والله تعالى أعلم. وفي الكلاعي قال ابن عباس يقال رجع إلى أمه وهو ابن خمس سنين وكان غيره يقول رد إليها وهو ابن أربع سنين اهـ. وعند أبي يعلي وابن عساكر وأبي نعيم أنه صلى الله عليه وسلم قال كنت مسترضعا في بنى سعد بن بكر فبينما انا ذات يوم في بطن واد مع أتراب لى من الصبيان إذا أنا برهط ثلاثة معهم طست من ذهب ممتلأ ثلجا فأخذوني من بين أصحابي فانطلق الصبيان هرابا مسرعين إلى الحي فعمد أحدهم فأضجعني على الأرض اضجاعا لطيفا ثم شق ما بين مفرق صدري إلى منتهى عانتي وانا انظر إليه لم أجد لذلك مسا ثم أخرج أحشاء بطني ثم غسلها بذلك الثلج فأنعم غسلها ثم أعادها مكانها ثم قام الثاني فقال لصاحبه تنح ثم أدخل يده في جوفي وأخرج قلبي وأنا انظر إليه وصدعه ثم أخرج منه مضغة سوداء فرمى بها ثم مال بيده يمنة ويسرة كأنه يتناول شيئا فإذا بخاتم في يده من نور يحار فيه الناظر دونه فختم به قلبي وامتلأ نورا وذلك نور النبوءة والحكمة ثم أعاده مكانه فوجدت برد ذلك الخاتم في قلبي دهرا ثم قال الثالث لصاحبه تنح فأمر يده بين مفرق صدري إلى منتهى عانتي فالتأم ذلك الشق بإذن الله تعالى ثم أخذ بيدي فأنهضني من مكاني ثم قال الأول للثالث زنه بعشرة من أمته فوزنني فرجحتهم ثم قال زنه بمائة من أمته فرجحتهم ثم قال زنه بألف فرجحتهم ثم قال دعوه فلو وزنتموه بأمته كلها لرجحهم ثم ضموني إلى صدرهم وقبلوا
رأسي وما بين عيني ثم قالوا يا حبيب لم ترع إنك لو تدري ما يراد بك من الخير لقرت عيناك:
(وشق للبعث وللإسراء
…
أيضاً كما قد جاء في الأنباء)
يعني أنه صلى الله عليه وسلم شق صدره الشريف وأخرج قلبه عند مجيء جبريل بالوحي في غار حراء وكذا وقع له الشق ليلة الإسراء فذكر الناظم رحمه الله تعالى أنه وقع له ثلاث مرات الأولى عند حليمة وهو صبي والثانية عند نزول اقرأ باسم ربك والثالثة في قصة الإسراء كما جاء في الأنباء جمع نبأ وهو الخبر يعني الأحاديث الواردة بذلك أما الأولى فقد مر الكلام عليها وأما الثانية فرواها أبو داوود الطياليسي والحارث البغدادي في مسنديهما والبيهقي وأبو نعيم في دلائلهما كلهم عن عائشة أنه صلى الله عليه وسلم نذر أن يعتكف شهراً هو وخديجة فوافق ذلك شهر رمضان فخرج ذات ليلة فقال السلام عليك قال فظننت أنها فجأة الجن فجئت مسرعا حتى دخلت على خديجة فقالت ما شأنك فأخبرتها فقالت أبشر فإن السلام خير ثم خرجت أخرى فإذا أنا بجبريل على الشمس جناح له بالمشرق وجناح له بالمغرب فملت عنه فجئت مسرعا فإذا هو بيني وبين الباب فكلمني حتى أنست منه ثم واعدني موعدا فجئت له فأبطأ علي فأردت أن أرجع فغذا أنا به وبميكائيل قد سدا الأفق فهبط جبريل وبقي ميكائيل بين السماء والأرض فأخذني جبريل فألقاني لحلاوة القفى ثم شق عن قلبي فاستخرجه ثم استخرج منه ما شاء الله أن يستخرج ثم غسله في طست من ماء زمزم ثم أعاده مكانه ثم لأمه ثم كفاني كما يكفؤ الإناء ثم ختم في ظهري حتى وجدت مس الخاتم في قلبي اهـ. من نسخة مطبوعة من محمد بن عبدالباقي ولعله سقط منه قبل قوله فقال السلام فجاءه جبريل والله أعلم وقوله لحلاوة القفى لم يتعرض لشرحه وفي القاموس حلاوة القفى ويضم وحلاءته وحلواؤه وحلواوه وحلاواه بالضم وسطه جمع حلاوى اهـ والحكمة في هذا الشق ليتلقى النبي صلى الله عليه وسلم ما يوحى إليه بقلب قوي
في أكمل الأحوال من التطهير. وأما الثالثة وهي شقه عند الإسراء فرواها الشيخان وأحمد من حديث قتادة وأنس عن مالك بن صعصعة أن النبي صلى الله عليه وسلم حدثهم فذكره الشيخان والترمذي والنسائي من طريق الزهري عن أنس عن أبي ذر مرفوعا ورواه البخاري من طريق شريك عن أنس رفعه ومسلم والبرقاني وغيرهما من طريق ثابت عن أنس رفعه بلا واسطة فلا عبرة بمن نفاه لأن رواته ثقاة مشاهير قال الحافظ والحكمة فيه الزيادة في إكرامه ليتأهب للمناجاة اهـ من الزرقاني.
وقال العراقي قد انكر وقوع الشق ليلة الإرساء ابن حزم وعياض وادعيا انه تخليط من شريك وليس كذلك فقد ثبت من غير طريق شريك في الصحيحن وقال الغرطبي لا يلتفت إلى إنكاره لأن رواته ثقاة مشاهير وقال العسقلاني استنكر بعضهم وقوع الشق ليلة الإرساء وقال إنما وقع وهو صغير في بني سعد ولا إنكار في ذلك فقد تواترت به الروايات وثبت شق الصدر أيضاً عند البعثة ولكل حكمة فالأول وقع في زمن الطفولية فنشأ على أكمل الأحوال من العصمة من الشيطان اهـ المراد من ابن سلطان.
فائدة:
الراجح أن الشق وغسل القلب الشريف في طست ليس خاصا به صلى الله عليه وسلم بل شاركته فيه الأنبياء كما قاله الشامي وابن كثير والطبري وأخرج هو وسعد بن منصور بإسناد صحيح عن السدي الكبير في قوله تعالى: {فيه سكينة من ربكم} قال طست من ذهب الجنة كان يغسل فيه قلوب الأنبياء، قال الشامي وما صححه الشيخ يعني السيوطي من عدم المشاركة لم أر ما يعضده بعض الفحص الشديد اهـ أنظر الزرقاني. ولمؤلفه عفا الله تعالى عنه بمنه في هذه المسألة ونظائر لها أبيات على طريق السؤال وهي:
(أجبني عن الاسرا إلى حضرة الحق
…
أكان لغير الهاشمي من الخلق)
(وهل هو مخصوص بغسل لقلبه
…
أم الرسل قد ساوته في الغسل والشق)
(وهل كان نسج العنكبوت لغيره
…
أم النسج خصيص الذي جاء بالصدق)
(وبدأ من الأنصار عد مهاجرا
…
فحاز بذاك الوصف سبقا على سبق)
جواب ما ذكر أن الإسراء بالروح والجسد يقظة من خصائصه على فقد نسجت على داوود مرتين حين كان طالوت يطلبه ونسجت على الغار الذي دخله عبد الله بن أنيس لما بعثه صلى الله عليه وسلم لقتل خالد بن نبيح الهذلي وعلى عورة زيد بن علي بن زين العابدين لما صلب عريانا وأما الأنصاري المهاجري فهو ذكوان بن عبد القيس الزرقي كذا في المواهب وكذا العباس بن عبادة كما في الزرقاني عليها وشق الصدر عند البعثة هو الثالث وقبله شق ثان في قصة له مع عبد المطلب رواها عبد الله بن الإمام أحمد بسند رجاله ثقاة وابن حبان والحاكم وابن عساكر والضياء أن أبا هريرة قال يا رسول الله ما أول ما ابتدئت به من أمر النبوءة قال إني لفي صحراء ابن عشر حجج إذا أنا برجلين فوق رأسي يقول أحدهما لصاحبه أهو هو؟ فقال نعم، فأخذاني فاستقبلاني بوجوه لم أرها لخلق قط وأرواح لم أجدها من خلق قط وثياب لم أرها على أحد قط فأقبلا إلى يمشيان حتى أخذ كل منهما بعضدي لا أجد لأخذهما مسا فقال أحدهما لصاحبه أضجعه فأضجعاني وفي لفظ فقال أحدهما لصاحبه أفلق صدره فقلقاه فيما أرى بلا دم ولا وجع فكان أحدهما يختلف بالماء في طست من ذهب والآخر يغسل جوفي ثم قال شق قلبه فشق قلبي فأخرج الغل والحسد منه فأخرج شبه العلقة فنبذه، قال الشامي هل كان في هذه المرة بختم لم أقف عليه في شيء وأما الثلاث المرات ففي كل منهما يختم. انتهي من الزرقاني.
وروي شق صدره مرة خامسة وهو ابن عشرين ولا يثبت وخلقت هذه العلقة فيه تكملة للخلق الإنساني لأنها من جملة الأجزاء الإنسانية ونزعت منه كرامة ربانية فإخراجها بعد خلقها أدل على مزيد الرفعة وعظيم الاعتناء من خلقه بدونها قاله السبكي اهـ من الزرقاني.
(وكم حوت) أي جمعت وأحرزت، (ثويبة) بضم المثلثة وفتح الواو وسكون التحتية فياء موحدة فهاء تأنيث عتيقة أبي لهب اعتقها لما بشرته بولادة النبي صلى الله عليه وسلم (من بركه) من الخير الكثير (لما غدت) أي حين صارت (ظئرا) بكسر الظاء (له) أي النبي صلى الله عليه وسلم فإنها أرضعته أياما قلائل قبل مقدم حليمة وتوفيت بمكة سنة سبع من الهجرة قال ابن منده اختلف في إسلامها وقال أبو نعيم لم أر أحدا ذكره إلا ابن منده، وقال ابن الجوزي لا نعلم أنها أسلمت والبرهان لم يذكرها أبو عمر في الصحابة وقال الذهبي يقال انها أسلمت فإذن الراجح عنده انها لم تسلم وقال الحافظ في طبقات ابن سعد ما يدل على أنها لم تسلم لكن لا يدفع به نقل ابن منده قال ولم أقف في شيء من الطرق على إسلامها مع ابنها مسروح اهـ.
وذكر ابن العربي أنه لم ترضعه مرضعة إلا أسلمت نقله السيوطي. ومسروح بفتح الميم وسكون السين المهملة فراء مضمومة فحاء مهملتين قال البرهان لا أعلم أحدا ذكره بإسلام قاله الزرقاني وقد ريء أبو لهب بعد موته أي رآه أخوه العباس فقال له ما لك؟ قال في النار. إلا أنه خفف عني كل ليلة اثنين وأمص من بين أصبعي هاتين ماء وأشار برأس أصبعه وإن ذلك باعتاقي ثويبة حين بشرتني بولادة النبي صلى الله عليه وسلم وبإرضاعها له أي بأمره. قوله اصبعي هاتين الظاهر انهما السبابة والإبهام، وقوله أمص بفتح الميم أفصح من ضمها من باب تعب وقتل، وقوله خفف عني أي بسبب ما أسقاه من الماء وحملناه على أن التخفيف بسبب الماء ليلتئم مع رواه البخاري وعبد الرزاق والإسماعيلي أن ثويبة مولاة أبي لهب كان ابو لهب اعتقها فأرضعت النبي صلى الله عليه وسلم فلما مات أبو لهب أوريه بعض أهله بشر خيبة فقال ماذا لقيت؟ قال لم ألق بعدكم، زاد عبد الرزاق رحمة، والإسماعيلي رخاء، وقال ابن بطال سقط المفعول من جميع رواة البخاري ولا يستقيم إلا به غير أني سقيت في هذه، زاد عبد الرزاق وأشار إلى النقرة التي تحت إبهامه، بعتاقتي ثويبة حبيبة بحاء مهملة
مكسورة وتحتية ساكنة وموحدة أي سوء حال وأصلها حوبة وهي المسكنة والحاجة وذكر البغوي أنها بفتح الحاء وللمستملي بخاء معجمة مفتوحة، قال ابن الجوزي وهو تصحيف وروي بالجيم، قال السيوطي هو تصحيف باتفاق. قوله وأشار برأس أصبعه أي أشار إلى تقليل ما يسقاه، قال ابن بطال يعنى أن الله سقاه ماء في مقدار نقرة إبهامه لأجل عتقها وقال غيره أراد بالنقرة التي بين ابهامه وسبابته إذا مد إبهامه فصار بينهما نقرة يسقى من الماء بقدر ما تسعه تلك النقرة وبهذا علم أن النقرة التي أشار إليها على صورته في الدنيا لا على صورة الكفار في جهنم والمراد أنه وصل إلى جوفه بسبب ما يمصه من أصابعه لأنه يؤتى له به من خارج جمعا بين الروايتين. وقد تعسف من قال ما يسقاه ليس من الجنة؛ لأن الله حرمها على الكافرين فإنه لا يتوهم أحد أنه من الجنة سواء قلنا انه مما يمصه أو يؤتى له به من خارج، قاله الزرقانى وهذا لا ينافى ما ورد من إحباط عمل الكافر لأن هذه خصوصية له كما خفف عن أبي طالب حتى كان هو أهون أهل النار عذابا إكراما للنبي صلى الله عليه وسلم انظر إزالة اللبس وفي التوشيح قيل هذا خاص به إكراما للنبي صلى الله عليه وسلم كما خفف عن أبي طالب بسببه، نقله الزرقاني. ولله در حافظ الشام محمد بن ناصر في قوله:
(إذا كان هذا كافرا جاء ذمه
…
وتبت يداه في الجحيم مخلدا)
(أتى أنه في يوم الاثنين دائما
…
يخفف عنه بالسرور بأحمدا)
(فما الظن بالعبد الذي كان عمـ
…
ـره بأحمد مسرورا ومات موحدا)
(وبركه * إذ حضنته) قوله وبركة عطف على ثوبية أي وكم جمعت وأحرزت من الخير الكثير بركة إذ حضنته صلى الله عليه وسلم وكنيتها أم أيمن بفتح الهمزة وسكون التحتية، وفتح الميم وبالنون بن عبيد الخزرجي المستشهد يوم حنين وهي حبشية وهي بنت ثعلبة بن حصن اعتقها أبو المصطفى وقيل بل هو صلى الله عليه وسلم وقيل كانت لأمه أسلمت قديما وهاجرت الهجرتين. وفي صحيح مسلم عن الزهري أنها
ماتت بعده صلى الله عليه وسلم بخمسة أشهر وقيل بستة أشهر وكان صلى الله عليه وسلم يقول لها: «أتت أمي بعد أمي» ، أي كأمي في رعايتك لي، وتعظيمي والشفقة علي أو في رعايتي لك واحترامي لك وكانت تدل عليه صلى الله عليه وسلم وكان العمران يزورانها بعده. ومن مناقبها ما رواه ابن سعد أنها لما هاجرت أمست بالمنصرف دون الروحاء فعطشت فدلى عليها دلو من السماء برشاء أبيض فأخذته فشربت حتى رويت فكانت تقول ما أصابني بعد تلك الشربة عطش ولقد تعرضت للصوم في الهواجر فما عطشت بعد تلك الشربة، قاله الزرقاني مفرقا، وقوله حضنته في القاموس حضن الصبي حضنا وحضانة بالكسر جعله في حضنه أو رباه اهـ.
وفي عبد الباقي وغيره زيادة الفتح (ثم بعد الأم * غدى كفيل الجد) غدى بمعنى صار واسمها مستتر يعود على النبي صلى الله عليه وسلم وخبرها كفيل يعني أنه صلى الله عليه وسلم كفله جده عبد المطلب بعد موت أمه آمنة أي ضمه إليه ورق له رقة لم يرقها على ولده وكان يقربه ويدخل عليه إذا خلا وإذا نام ويجلس على فراشه وأولاده لا يجلسون عليه وذكر ابن اسحاق أنه كان يوضع لعبد المطلب فراش في ظل الكعبة وكان لا يجلس عليه من بنيه أحد إجلالا له وكان صلى الله عليه وسلم يأتي حتى يجلس عليه فتذهب أعمامه يوخرونه فيقول عبد المطلب دعوا ابني ويمسح على ظهره بيده ويقول ان لابني هذا لشأنا (ثم العم) أي ثم بعد موت جده عبد المطلب وله مائة وعشرون سنة وقيل عشر ومائة وقيل أربعون ومائة كفله عمه أبو طالب واسمه عبد مناف وكان عبد المطلب أوصاه بذلك لكونه شقيق عبد الله دون الحارث وقيل أن عبد المطلب أقرع بينه وبين الزبير وهو شقيق عبد الله أيضا وخرجت القرعية لأبي طالب، وكان عيال ابي طالب إذا أكلوا جميعا أو فرادى لم يشبعوا وإذا أكل المصطفى معهم شبعوا فكان أبو طالب إذا أراد أن يغذيهم أو يعشيهم يقول كما أنتم حتى يأتي ابني فيأتي فيأكل معهم فيفضل من طعامهم، وإذا كان لبنا شرب أو لهم ثم يشربون فيروون كلهم
من قعب واحد، وإن كان أحدهم يشرب قعبا وحده فيقول أبو طالب إنه لمبارك. وروى أبو نعيم عن ابن عباس قال كان بنو أبي طالب يصبحون عمشا ر مصا ويصبح محمد صلى الله عليه وسلم صغيلا دهينا كحيلا وكان أبو طالب يحبه حبا شديدا لا يحب أولاده كذلك ولذا لا ينام إلا إلى جنبه ويخرج به متى خرج ووذكر ابن قتيبة انه كان يوضع له الطعام ولصبية أبي طالب فيتطاولون إليه ويتقاصر هو تكرما منه ونزاهة نفس وأخرج ابن عساكر عن جلهمة بضم الجيم وتفتح ابن عرفطة بضم العين والفاء قال قدمت مكة وقريش في قحط فقائل منهم يقول اعمدوا اللاة والعزى وقائل منهم اعمدوا مناة فقال شيخ وسيم حسن الوجه جيد الرأي أنى تؤفكون وفيكم بقية إبراهيم وسلالة إسماعيل؟ قالوا كأنك عنيت أبا طالب! قال إيها! فقاموا جميعهم فقمت فدققنا عليه الباب فخرج إلينا فثاروا إليه فقالوا يا أبا طالب اقحط الوادي وأجدب العيال فهلم فاستسق، فخرج أبو طالب معه غلام يعنى النبي صلى الله عليه وسلم كأنه شمس دجن تجلت عنه سحابة قتماء وحوله أغيلمة فأخذه أبو طالب فألصق ظهره بالكعبة ولاذ الغلام بأصبعه أي أشار به إلى السماء كالمتضرع المتلجئ وما في السماء قزعة فأقبل السحاب من ههنا وههنا وأغدق واغدودق وانفجر له الوادي وأخصب النادي والبادي، وفي هذا يقول أبو طالب يذكر قريشا حين تمالؤوا عليه صلى الله عليه وسلم يده وبركته عليهم من صغره:
(وأبيض يستسقى الغمام بوجهه
…
ثمال اليتامى عاصمة للأرامل)
(يلوذ به الهلاك من آل هاشم
…
فهم عنده في نعمة وفواضل)
في قصيدته الآتية إن شاء الله تعالى في ذكر الحصار.
قوله أقحط الوادي بالبناء للفاعل والمفعول والقتماء التي يعلوها سواد غير شديد أي كأنه شمس يوم الغيم حين ينجلي سحابها، الرقيق فانها حينئذ تكون مشرقة مقبولة للناس ليست محرقة والقزعة:
القطعة من السحاب. وقوله من ههنا إلخ .. أي من جميع الجهات، وأغدق السحاب كثر ماؤه واغدودق مرادف له والنادي أراد به أهل الحضر، والبادي أهل البادية والثمال الملجأ والغياث وقيل المطعم في الشدة والفواضل الأيادي الجسيمة، عطف خاص على عام وأبيض مجرور برب مقدرة على ما صدر به الحافظ كالكرماني والسيوطي وجزم به في المغني وهو منصوب. قال الحافظ بإضمار أعني أو أخص، قال والراجح أنه بالنصب عطف على سيدا في البيت قبله وهو:
(وما ترك قومي لا أبا لك سيدا
…
يحوط الذمار عند ذرب مواكلي)
انتهى.
وبه قطع الدماميني في مصابيحه ورد على ابن هشام واستظهره في شرح المغني. ومرفوع خبر مبتدء محذوف قاله الكرماني وأفاده القسطلاني عن ضبط الشرف في نسخته من البخاري والذمار بالسكر ما يحق على الإنسان حمايته والذرب بذال معجمة بوزن كتف وسكنت راؤه تخفيفا الحاد والمواكل المتكل على غيره والأرامل المساكين من رجال ونساء انظر المواهب وشرحها، ولما اختلف في سنه عليه الصلاة والسلام حين وفاة أمه وحين وفاة جده عبد المطلب، فقيل ماتت أمه وله أربع سنين وقيل خمس وقيل ست وقيل سبع وقيل ثمان وقيل تسع وقيل هو ابن اثنتي عشرة سنة وشهر وعشرة أيام وقيل مات جده وله ثمان سنين وقيل وشهر وعشرة أيام وقيل تسع وقيل ست وقيل ثلاث وفيه نظر بين الراجح من ذلك فقال:
(وخلفته أمه ابن أربع
…
سنين والجد ابن ضعفها فعي)
قوله خلفته أي تركته خلفها أي ماتت عنه وابن في الموضعين منصوب على الحال والجد بالرفع عطف على أمه يعني أنه صلى الله عليه وسلم ماتت عنه أمه الشريفة وهو ابن أربع سنين وكفله بعدها جده أربع سنين ومات عنه وهو ابن ثمان سنين، أما موت أمه وهو ابن أربع فصدر به مغلطاي وتبعه في المواهب وحكاه العراقي والقول بأنه ابن ست قطع به ابن إسحاق وصدر به العراقي وزاد عليها مائة يوم
واقتصر الحافظ على أنه ابن ست سنين وثلاثة أشهر وأما كون جده مات وهو ابن ثمان سنين فجزم به ابن إسحاق وتبعه العراقي وتلميذه الحافظ هذا كله من المواهب وشرحها وموت أمه الكريمة كان بالأبواء بفتح الهمزة واد بين مكة والمدينة وقيل بشعب أبي ذؤيب رجل من سراة بنى عمرو بالحجون بفتح المهملة وضم الجيم جبل بمعلاة مكة الشعب بكسر المعجمة منفرج بين جبلين أو الطريق في الجبل وفي القاموس ودار رائعة أي براء بعدها ألف فتحتية بمكة فيه مدفن آمنة أم النبي صلى الله عليه وسلم قال ابن عباس لما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم ست سنين خرجت به أمه إلى أخواله أي أخوال جده عبد المطلب بنى عدي بين النجار بالمدينة تزورهم ومعها أم أيمن فنزلت به دار التابعة رجل من بنى عدي وهذه الدار دفن فيها عبد الله بن عبد المطلب كما مر فأقامت به عندهم شهرا فكان صلى الله عليه وسلم يذكر أمورا كانت في مقامه كذلك ونظر صلى الله عليه وسلم إلى الدار وهو في المدينة فقال ها هنا نزلت بي أمي، وأحسنت العوم في بئر بني عدي بن النجار وكان قوم من اليهود يختلفون ينظرون إلى قالت أم أيمن فسمعت أحدهم يقول هو نبي هذه الأمة، وهذه الدار دار هجرته يعنى المدينة، فوعيت ذلك كله من كلامهم ثم رجعت به أمه قاصدة إلى مكة سريعا خوفا عليه، عليه السلام من اليهود، فلما كانت بالأبواء توفيت. وعن أسماء بنت رهم بضم الراء المهملة عن أمها قالت شاهدت آمنة أم النبي صلى الله عليه وسلم في علتها التي ماتت بهاو محمد عليه الصلاة والسلام غلام يفع بفتح الفاء أي مرتفع له خمس سنين عند رأسها فنظرت أمه إلى وجهه وقالت:
(بارك فيك الله من غلام
…
يا ابن الذي من حومة الحمام)
نجى بعون الملك المنعام
…
فدي غداة الضرب بالسهام))
بمائة من إبل سوام
…
ان صح ما أبصرت في المنام))
(فأنت مبعوث إلى الأنام
…
تبعث في الحل وفي الحرام)
تبعث بالتحقيق والإسلام
…
دين أبيك البر إبرهام))
(فالله أنهاك عن الاصنام
…
أن لا تواليها مع الأقوام)
ثم قالت: كل حي ميت، وكل جيد بال، وكل كبير يفنى، وأنا ميتة، ثم ماتت رضي الله عنها كما قاله الزرقاني.
فكنا نسمع نوح الجن عليها أسفا فحفظنا من ذلك أبياتا هي:
(تبكي الفتاة البرة الأمينة
…
ذات الجمال العفة الرزينه)
(زوجة عبد الله والقرينه
…
أم نبي الله ذي السكينه)
(صارت إلى حفرتها رهينه
…
لو فديت لفديت ثمينه)
(وللمنايا شفرة سنينة
…
لا تبقى ظعانا ولا ظعينه)
إلا أتت وقطعت وتينة، اهـ
والتابعة بمثناة فوقية فموحدة فمهملة كما مر وموتها بالأبواء هو المشهور وهو قول ابن إسحاق وجزم به العراقي والحافظ ويعارضه ما في الأحاديث أنها بالحجون وجمع بينهما بأنها دفنت أولا بالأبواء ثم نبشت ونقلت إلى مكة والحمام ككتاب الموت وحومة القتال معظمه والمعنى هنا يا ابن الذي نجى من سبب الموت وفدي بلا واو أو به أي أعطى فداءه والمراد بضرب السهام ضرب عبد المطلب القداح على عبد الله وإخوته والسوامي جمع سامية أي مرتفعة القيمة بدون ياء في أكثر النسخ وفي بعضها بياء وهو القياس لأن الياء أصلية، وقوله أخواله لأن أم عبد المطلب سلمى بنت عمرو بن زيد لبيد بن حداش بن عامر بن عدي بن النجار وقولها تبعث في الحل وفي الحرام أي في بيان الحلال والرحام أو في أرض الحل البلد الحرام، أي تبعث في جميع الأرض وقوله تبعث في التحقيق أي لبيان الحق من الباطل، وقال السيوطي وعندي أنه تصحيف وإنما هو بالتخفيف وإبرهام لغة في إبراهيم قرأ بها ابن عامر في مواضع والله منصوب على التوسع أي أنها مقسمة عليك بالله والبرة المطيعة والعفة بفتح العين وشد الفاء والرزينة ذات الوقار انظر الرزقاني.
فائدة حسنة:
وباتباع من قال بها قمنة، اعلم ان بعض العلماء جزم بأن أبويه صلى
الله عليه وسلم في الجنة تمسكا بحديث إحيائهما له وأنهما آمنا به، قال السيوطي مالت طائفة من الأئمة وحفاظ الحديث إلى أن الله أحياهما حتى آمنا به واستندوا في ذلك إلى حديث ضعيف لا موضوع كما قاله ابن الجوزي فقد خالفه في حديثنا هذا كثير من الحفاظ ووذكروا آنه ضعيف تجوز روايته في الفضائل والمناقب كالخطيب وابن عساكر وابن شاهين والسهيلي والمحب الطبري والعلامة ناصر الدين بن المنير وابن سيد الناس ونقله عن بعض أهل العلم ومشى عليه الصلاح الصفدي والحافظ بن ناصر قال وأخبرني بعض الفضلاء أنه وقف على فتيا بخط شيخ الإسلام ابن حجر أجاب فيها بهذا اهـ وقال العلامة المحقق السنوسي والتلمساني محشي الشفاء لم يتقدم لوالديه صلى الله عليه وسلم شرك وكانا مسلمين لأنه صلى الله عليه وسلم انتقل من الأصلاب الكريمة إلى الأرحام الطاهرة ولا يكون ذلك إلا مع الإيمان بالله تعالى وما نقله المؤرخون قلة حياء وأدب اهـ.
قال الزرقاني وهذا لازم في جميع الآباء وإن قصراه على الأبوين وإلا لزم المحذور اهـ.
وقال القاضي عياض بكاؤه صلى الله عليه وسلم عند قبر أمه ليس لتعذيبها إنما هو على ما فاتها من إدراك أيامه والايمان به وقد رحم الله تعالي بكاءه فأحياها له حتي آمنت به اهـ.
وقال الإمام السيوطي بعد ذكر الحجج على نجاتهما ثم إني لم لم أدع أن المسألة اجماعية غير أنى اخترت أقوال القائلين بالنجاة لأنه الأنسب بهذا المقام وقال في المواهب بعد الإطناب في هذه المسألة ولقد أحسن ابن ناصر الدمشقي حيث قال:
(حبى الله النبي مزيد فضل
…
علي فضل وكان به رؤوفا)
(فأحيا أمه وكذا أباه
…
لإيمان به فضلا لطيفا)
(فسلم فالقديم بذا قدير
…
وإن كان الحديث به ضعيفا)
ثم قال القسطلاني والحذر الحذر من ذكرهما بما فيه نقص فإن ذلك قد يؤذي النبي صلى الله عليه وسلم لأن العرف جار بأنه إذ ذكر أبو
الشخص بما ينقصه أو وصف بوصف به فيه نقص آذى ولده ولا ريب أن أذاه عليه السلام كفر اهـ.
وقال الشيخ محمد بن عبد الباقي بعد كثير من الكلام ما نصه وقد بينا لك أيها المالكي حكم الأبوين فإذا سئلت عنهما فقل هما ناجيان في الجنة إما لأنهما أحييا له حتى آمنا به كما جزم به الحافظ السهيلي والقرطبي وناصر الدين بن المنير وإن كان الحديث ضعيفا كما جزم به أولهم ووافقته جماعة من الحفاظ لأنه في منقبة وهي يعمل فيها بالحديث الضعيف وإما لأنهما ماتا في الفترة قبل البعثة ولا تعذيب قبلها كما جزم به الأبي وإما لأنهما كانا على الحنفية والتوحيد ولم يتقدم لهما شرك كما قطع به الإمام السنوسي والتلمساني المتأخر محشي الشفا فهذا ما وقفنا عليه من نصوص علمائنا ولم نر لغيرهم ما يخالفه إلا ما يشم من نفس ابن دحية وقد تكفل برده القرطبي اهـ. بحروفه. وقال السخاوي الذى أراه الكف عن ذلك اثباتا أو نفيا اهـ.
وقال السيوطي ومن لم تقو عنده هذه المسالك ولم يجب عما في مسلم بنسخ ولا غيره فمع ذلك قالوا لا يجوز أن يذكر ذلك، وسئل أبو بكر بن العربي عن رجل قال ان أبا النبي صلى الله عليه وسلم في النار فقال أنه ملعون لقوله تعالى:{إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله} الآية ولا أذى أعظم من أن يقال أبوه في النار، وأخرج بن سعد عن ابن عباس قال ما بين آدم إلى نوح من الآباء كانوا على الإسلام وسام بن نوح مؤمن بنص القرآن والإجماع بل ورد في أثر أنه نبي ويدل على أن آباءه صلى الله عليه وسلم ما كانوا مشركين قوله عليه السلام:«لم أزل أنتقل من أصلاب الطاهرين إلى أرحام الطاهرات» وقال تعالى: {إنما المشركون نجس) فوجب أن لا يكون أحد من أجداده مشركا، قال الهيثمي أجمع أهل الكتابيين والتاريخ أن آزر لم يكن أبا إبراهيم حقيقة وإنما كان عمله والعرب تسمى العم أبا كما جزم به الفخر بل في القرآن ذلك قال تعالى: {وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل) مع أنه عم يعقوب وقال في الدرج المنيفة الأرجح أن آزر عم إبراهيم لا أبوه انتهى من الزرقاني في
(ثم إلى الشام مع العم ارتحل
…
والعمر في ثالثة العشر دخل)
المجرور الأول متعلق بارتحل والعم هو أبو طالب وفاعل ارتحل ضمير يعود على النبي صلى الله عليه وسلم والعمر مدة الحياة وهو مبتدء وخبره دخل والجملة حالية أي ثم سافر النبي صلى الله عليه وسلم إلى الشام مع عمه أبى طالب والحال أن عمره دخل في السنة الثالثة عشر، قال ابن الجوزي قال أهل السير والتواريخ وذلك لما أتت عليه صلى الله عليه وسلم اثنتي عشرة سنة وشهران وعشرة أيام وفى سيرة مغلطاي اثنتي عشرة سنة وشهر، والذي اقتصر عليهـ في المواهب انه ابن اثنتي عشرة سنة قال الزرقاني: قاله الأكثر وقيل تسع سنين قاله الطبري وغيره وقيل ثلاثة عشر حكاه أبو عمر، قال الزرقاني بعد نقله لكلام ابن الجوزي ومغلطاي ويمكن حمل القول الأول يعني ما للمواهب عليه بأن المراد اثنتا عشرة سنة وما قاربها.
(فرده خاوفا من اليهود
…
عليه أهل المكر والجحود)
فاعل رد عائد على العم والمنصوب للنبي صلى الله عليه وسلم كالمجرور بعلى وخوفا مفعول لأجله وأهل نعت لليهود والمكر الخديعة والجحود الإنكار للشيء مع علم حقيقته ولا شك أن اليهود جحدوا المصطفى صلى الله عليه وسلم، مع أنهم يعرفونه كما يعرفون أبناءهم أي فرد أبو طالب النبي صلى الله عليه وسلم إلى مكة أي رجع به إليها لأجل خوفه عليه من اليهود أهل الخديعة وجحدوا النبي صلى الله عليه وسلم وأشار بهذا إلى ما روي أن أبا طالب أراد الخروج في ركب من قريش تاجرا إلى الشام فلما تهيأ للخروج صب به رسول الله صلى الله عليه وسلم فرق له أبو طالب، وقال والله لأخرجن به معي ولا يفارقني ولا أفارقه أبدا، فخرج به حتى بالغ بُصري بضم الواحدة فرأى بحيرا الراهب وكان إليه علم النصرانية فخرج إليهم وكانوا قبل يمرون به فلا يخرج إليهم ولا يلتفت قال فنزل وهم يحلون رحالهم فجعل يتخللهم فأخذ بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال هذا سيد المرسلين هذا سيد العالمين هذا يبعثه الله رحمة للعالمين، فقال له أشياخ قريش وما
علمك بذلك؟ قال إنكم حين أشرفتم من العقبة لم يبق حجر ولا شجر إلا خر ساجدا ولا يسجدان إلا لنبي وصبّ بصاد مهملة فموحدة مشددة اشتاق، قال السهيلي الصبابة رقة الشوق يقال صببت بكسر الباء أصب، وقراء {أصب إليهن} ، وروي أنهم لما نزلوا قريبا من صومعته صنع لهم طعاما كثيرا ووذلك أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الركب حين أقبلوا وغمامة تظله من بين القوم ثم أقبلوا ونزلوا ظل شجرة قريبا منه فنظر إلى الغمامة وأظلت الشجرة وتهصرت أغصان الشجرة على رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى استظل تحتها، فلما رأي ذلك بحيرا نزل عن صومعته وقد أمر بذلك الطعام فصنع ثم أرسل إليهم إني قد صنعت لكم طعاما يا معشر قريش وأنا أحب أن تحضروه كلكم صغيركم وكبيركم أحراركم ووعبيدكم، فقال رجل منهم والله يا بحيرا إن لك اليوم لشأنا ما كنت تصنع هذا بنا، وقد كنا نمر بك كثيرا فما شأنك اليوم؟ فقال له بحيرا صدقت ولكنكم ضيف وقد أحببت إكرامكم. فاجتمعوا إليه وتخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم لحداثة سنه في رحال القوم فلما نظر بحيرا في القوم لم ير الصفة التي يعرف ويجد عنده فقال يا معشر قريش لا يتخلفن أحد منكم عن طعامي! قالوا والله ما تخلف إلا غلام هو أحدث القوم سنا، قال لا تفعلوا ادعوه فليحضر! فقال رجل من قريش ان كان للؤما بنا أن يتخلف ابن عبد الله بن عبد المطلب عن طعام من بيننا فقام إليه الحارث بن عبد المطلب فاحتضنه وأجلسه مع القوم فلما رآه بحيرا جعل يلحظه لحظا شديدا وينظر إلى أشياء من جسده قد كان يجدها عنده من صفته حتى إذا فرغ القوم من طعامهم وتفرقوا قام إليه بحيرا فقال له يا غلام أسألك بحق اللات والعزى إلا ما أخبرتني عما أسألك عنه. وإنما قال له ذلك لأنه سمع قومه يحلفون بهما فقال له رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، لا تسألني باللات والعزى فو الله ما أبغضت شيئا قط بغضهما، فقال له بحيرا بالله إلا ما أخبرتني عما أسألك عنه، فقال له سلني عما بدا لك، فجعل يسأله عن أشياء من حاله، من نومه ويقظته وهيأته
وأموره ويخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم فيوافق ذلك ما عند بحيرا من صفته ثم نظر إلى ظهره فرأى خاتم النبوءة فلما فرغ أقبل على أبى طالب فقال ما هذا الغلام منك؟ فقال ابني، فقال ما هو بابنك وما ينبغي لهذا الغلام ان يكون أبوه حيا، قال انه ابن أخي، قال ما فعل أبوه؟ قال مات وأمه حبلى به. قال صدقت! فارجع بابن أخيك إلى بلده واحذر عليه يهود، فو الله لإن رأوه وعرفوا منه ما عرفت ليبغتنه شرا فإنه كائن لابن أخيك هذا شأن عظيم فاسرع به إلى بلده. فخرج به أبو طالب سريعا حتى أقدم به مكة حين فرغ من تجارته بالشام.
قوله تهصرت بالصاد المهملة المشددة أي مالت وتدلت، وروى أنه وجدهم سبقوه لفيئها فجلس فمال إليه في الشجرة، وروي أنه في هذه السفارة أقبل سبعة من الروم يقصدون قتله عليه السلام فاستقبلهم بحيرا فقال ما جاء بكم؟ قالوا هذا النبي خارج في هذا الشهر فلم يبق طريق إلا بعث إليها بأناس، فقال أفرأيتم أمرا أراد الله أن يقضيه هل يستطيع أحد من الناس رده؟ قالوا لا، فبايعوه وأقاموا معه ورده أبو طالب. وفي الترمذي أن بحيرا قال أنشدكم بالله أيكم وليه؟ قالوا أبو طالب، فلم يزل يناشده حتى رده أبو طالب وبعث معه أبو بكر بلالا قال البيهقي هذه القصة مشهورة عند أهل المغازي وضعفه الذهبي بأن أبا بكر لم يبلغ إذ ذاك عشر سنين وبأن بلالا لم يكن خلق، قال اليعمري ولم يملكه أبو بكر إلا بعد ذلك بأزيد من ثلاثين عاما وقال ابن حجر رواته ثقات وهذه اللفظة يحتمل أنها مدرجة مقتطعة من حديث آخر وهما أي غلطا من أحد رواته فلا يحكم على جميع الحديث بالضعف اهـ.
وبحيرا بفتح الموحدة وكسر المهملة وسكون المثناة التحتية آخره راء مقصورة قاله في المواهب، وإلى هذه القصة أشار أبو طالب بأبيات من قوله:
(فلما هبطنا أرض بصرى تشوفوا
…
لنا فوق دور ينظرون جسام)
(فجاء بحيرا عند ذلك حاشدا
…
لنا بشراب عنده وطعام)
(فقال اجمعوا أصحابكم لطعامنا
…
فقمنا جميع القوم غير غلام)
(يتيم فقال ادعوه إن طعامنا
…
كثير عليه اليوم غير حرام)
(فلما رآه مقبلا فوق رأسه
…
ويوقيه حر الشمس ظل غمام)
(حنى ظهره شبه السجون وضمه
…
إلى نحره والصدر أي ضمام)
(فلذلك من أعلامه وبيانه وليس
…
نهار واضح كظلام)
(وعاد) هو أي النبي صلى الله عليه وسلم أي رجع (مع مسيرة) غلام خديجة. قال في النور ولا ذكر له في الصحابة فيما أعلمه والظاهر انه مات قبل البعثة ولو أدركها لأسلم (للشام) في تجارة لخديجة رضي الله عنها وكانت ذات شرف ومال كثير وتجارة تبعث بها إلى الشام فتكون عيرها كعامة عير قومها ووكانت تستأجر الرجال وكانت قريش قوما تجارا ومن لم يكن تاجرا منهم فليس بشيء عندهم فخرج صلى الله عليه وسلم في تجارتها وله عليه السلام خمس وعشرون سنة فيما رواه الواقدي وابن السكن وصدر به ابن عيد البر وقطع به عبد الغني قال في الغرر وهو الصحيح الذي عليه الجمهور وقيل سنه إحدى وعشرون قاله الزهري. وقال البرقي تسع وعشرون وقيل ثلاثون، حكاه ابن عبد البر. وقال ابن جريج سبع وثلاثون انظر المواهب وشرحها واقتصر الكلاعي على الأول (وهو) بسكون الهاء أي النبي صلى الله عليه وسلم مبتدء (من الرحمن) متعلق بخبر المبتدء وهو قوله (في إكرام) أي تعظيم لا تعظيم يدانيه، وإحسان لا إحسان يوازيه فالتنكير للتعظيم وبين بعض إكرامه المتعلق بالظاهر بقوله (تظله) أي النبي صلى الله عليه وسلم (الأملاك) جمع ملك يأتي أن ميسرة كان يرى عليه ملكين يظلانه في الهاجرة (في المسير) أي مسيره هذا (حين اشتداد الحر) الظرف متعلق بتظله (في الهجير) أي القائلة. وسبب هذه القصة أن أبا طالب قال للنبي صلى الله عليه وسلم يا ابن أخي أنا رجل لا مال لي. وقد اشتد الزمان علينا وألحت علينا سنون منكرة وليست لنا مادة ولا تجارة وهذه عير قومك قد حضر خروجها إلى الشام وخديجة تبعث رجالا من قومك يتجرون في مالها ويصيبون منافع فلو جئتها لفضلتك على غيرك لما يبلغها من طهارتك وإن كنت أكره أن تأتي الشام وأخاف
عليك من يهود ولكن لا نجد من ذلك بداً فقال صلى الله عليه وسلم لعلها ترسل إلى في ذلك. فقال أبو طالب إني أخاف آن تؤتى غيرك، فبلغ خديجة ما كان من محاورة عمه له وقبل ذلك صدق حديثه وعظم أمانته وكرم أخلاقه وقالت ما علمت انه يريد هذا وأرسلت إليه وقالت دعاني إلى البعثة إليك ما بلغني من صدق حديثك وعظم أمانتك وكرم أخلاقك وأنا أعطيك ضعف ما أعطى رجلا من قومك فذكر ذلك لعمه فقال إن هذا لرزق ساقه الله إليك وخرج رسول صلى الله عليه وسلم ومعه ميسرة في تجارة لخديجة حتى بلغ سوق بصرى لأربع عشرة ليلة بقيت من ذي الحجة فنزل تحت ظل شجرة قريبا من صومعة نسطورا الراهب فاطلع إلى ميسرة وكان يعرفه فقال يا ميسرة من هذا الذي تحت هذه الشجرة فقال رجل من قريش من أهل الحرم، فقال له الراهب ما نزل تحت هذه الشجرة إلا نبي، وروي أن الراهب دنى إليه صلى الله عليه وسلم وقبل رأسه وقدميه، فقال آمنت بك وأشهد أنك الذي ذكر الله في التوراة، فلما رأى الخاتم قبله وقال أشهد أنك رسول الله النبي الأمي الذي بشر بك عيسى فإنه قال لا ينزل بعدي تحت هذه الشجرة إلا النبي الأمي الهاشمي العربي المكي صاحب الحوض والشفاعة ولواء الحمد ثم قال الراهب لميسرة في عينيه حمرة قال ميسرة لا تفارقه أبدا، قال الراهب هو هو، وهو آخر الأنبياء ويا ليت أني أدركه حين يؤمر بالخروج، فوعى ذلك ميسرة ثم حضر رسول الله صلى الله عليه وسلم سوق بصرى فباع وأشترى وكان بينه وبين رجل اختلاف فى سلعة فقال الرجل أحلف باللات والعزى فقال ما حلفت بهما قط، فقال الرجل القول قولك ثم قال لميسرة وخلا به هذا نبي والذى نفسي بيده إنه لهو الذي تجد أحبارنا منعوتا فى كتبهم فوعى ذلك ميسرة ثم انصرف أهل العير جميعا وكان ميسرة يرى في الهاجرة ملكين يظلانه في الشمس ولما رجعا إلى مكة فى ساعة الظهيرة وخديجة فى علية بكسر العين والضم لغة أي غرفة لها رأت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على بعير وملكان يظلان عليه فأرته نساء ها فعجبن بذلك ودخل عليها رسول الله صلى الله عليه
وسلم فأخبرها بما ربح فسرت به.
وروي أن تجارتها ربحت ضعف ما كانت تربح وأضعفت له خديجة ما كانت سمته له، فلما دخل عليها ميسرة أخبرته بما رأت قال قد رأيت هذا منذ خرجنا من الشام وأخبرها بقول نسطورا وبقول الآخر الذي خالفه فى البيع اهـ ونسطورا بفتح النون وسكون السين وضم الطاء المهملتين وألفه مقصورة وقوله ما نزل تحت هذه الشجرة إلا نبى قال السهيلي يريد ما نزل تحتها هذه الساعة ولم يرد ما نزل تحتها قط إلا نبي لبعد العهد بالأنبياء وإن كان لفظ قط فى رواية فقد تكلم بها على جهة التوكيد بالنفى ويبعد في العادة أن تخلو شجرة من نزول أحد تحتها حتى يجيء نبى إلا أن تصبح رواية من قال فى هذا الحديث أحد بعد عيسى. وقوله وكان ميسرة يرى إلخ .. فيه جواز رؤية الملائكة، اهـ. ملخصا من الكلاعي والمواهب وشرحها.
(وإذ إلى مكة عاد) إذ ظرف زمان مضاف للجملة بعده والعامل فيه نكاح الآتي أي وونكح خديجة حين عاد أي رجع من سفره مع ميسرة إلى مكة (و) الحال أنه صلى الله عليه وسلم حين نكاحه إياها قد (افتتح) أي ابتدأ (ستا وعشرين) سنة (من العمر) قال فى القاموس العمر بالفتح وبضمتين الحياة وتزوجه بها عقب قدومه من الشام بشهرين وخمسة وعشرين يوما وذلك عقب صفر سنة ست وعشرين قاله ابن عبد البر نقله الزرقاني (نكح) أي تزوج (خديجة) بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي وكانت في الجاهلية تدعى بالطاهرة لشدة صيانتها وعفافها وكانت تسمى سيدة نساء قريش وأم خديجة فاطمة بنت زائدة ابن الأصم العامرية وللبدوي:
(وأمها فاطمة بنت الخضم
…
زائدة القرم الهمام ابن الأضم)
خديجة (من بعد أربعيناه * مضت لها من عمرها سنينا) بدل من أربعين رواه ابن سعد واقتصر عليه اليعمري وقدمه مغلطاي والبرهان قال فى الغرار وهو الصحيح وقيل عمرها إذ ذاك خمس وأربعون وقيل ثلاثون سنة وقيل ثمانية وعشرون وقول المواهب أربعون سنة وبعض
أخرى قال فيه الزرقاني فلينظر ما قدر البعض اهـ.
ثم ان خديجة رضي الله عنها عرضت نفسها عليه صلى الله عليه وسلم بلا واسطة كما عند ابن إسحاق، قالت ياابن عمي إني قد رغبت فيك لقرابتك ووساطتك فى قومك وأمانتك وحسن خلقك وصدق حديثك أو بواسطة كما رواه ابن سعد عن نفيسة بنت منية قالت كانت خديجة امرأة حازمة جلدة شريفة مع ما أراد الله بها من الكرامة والخير وهي يومئذ أوسط قريش نسبا وأعظمهم شرفا وأكثرهم مالا وكل قومها كان حريصا على نكاحها لو قدر قد طلبوها وبذلوا لها الأموال فأرسلتني دسيسا إلي محمد صلى الله عليه وسلم بعد أن رجع فى عيرها من الشام فقلت يا محمد ما يمنعك أن تتزوج فقال ما بيدي ما أتزوج به، قلت فإن كفيت ذلك ودعيت إلى المال والجمال والشرف والكفاءة ألا تجيب؟ قال فمن هى؟ قلت خديجة! قال وكيف لي بذلك فذهبت فأخبرتها فأرسلت إليه أن أتي الساعة كذا قال الزرقاني والجمع بينهما ممكن بأنها بعثت نفيسة أولا لتعلم هل يرضى فلما علمت ذلك كلمسته بنفسها وسبب عرضها ما أخبرها به غلامها ميسرة مع ما رأته من الآيات وما ذكره ابن إسحاق قال كان لنساء قريش عيد يجتمعن فيه فاجتمعن يوما فيه فجاع هن يهودي فقال يامعشر نساء قريش إنه يوشك أن يبعث فيكن نبى فأيتكن استطاعت أن تكون فراشا له فلتفعل، فحصبته وأغلظن له وأغضت خديجة ووقر ذلك فى نفسها. فلما أخبرها ميسرة بما رأى وما رأته هى قالت إن كان ما قال اليهودي حقا ما ذاك إلا هذا اهـ. وحصبنه: رمينه بالحصباء، وأغضت بغين وضاد معجمتين سكتت قاله الزرقانى، ثم لما أرسلت إليه خديجة ذكر ذلك لأعمامه فخرج معه منهم حمزة كما عند ابن إسحاق وخطبها من أبيها له صلى الله عليه وسلم فتزوجها عليه السلام وقال المبرد ان أبا طالب هو الذي نهض معه وهو الذي خطب خطبة النكاح، قال في النور فلعلهما خرجا جميعا والذى خطب أبوطالب لأنه أسن من حمزة اهـ
ولابن إسحاق من طريق آخر: وحضر أبو طالب ورؤساء مضر فخطب
أبو طالب فقال الحمد لله الذي جعلنا من ذرية إبراهيم وزرع إسماعيل وضئضئ معد وعنصر مضر وجعلنا حضنة بيته وسواس حرمه وجعل لنا بيتا محجوجا وحرما آمنا وجعلنا الحكام على الناس ثم إن ابن أخي هذا محمد بن عبد الله لا يوزن برجل إلا رجح به فإن كان في المال قل المال ظل زائل وأمر حائل ومحمد ممن عرفتم قرابته وقد خطب خديجة بنت خويلد وبذل لها ما عاجله وآجله من مالي كذا وهو والله بعد هذا له نبأ عظيم وخطر جليل جسيم. وفي المنتقى فلما أتم أبو طالب الخطبة نبأ عظيم وخطر جليل جسيم. وفي المنتقى فلما أتم أبو طالب الخطبة قال ورقة بن نوفل الحمد لله الذي جعلنا كما ذكرت وفضلنا على ما عددت فنحن سادة العرب وقادتها وأنتم أهل ذلك كله لا تنكر العشيرة فضلكم ولا يرد أحد من الناس فخركم وشرفكم، وقد رغبنا في الاتصال بحبلكم وشرفكم فاشهدوا على معاشر قريش بأني قد زوجت خديجة بنت خويلد من محمد بن عبد الله على أربع مائة دينار ثم سكت فقال أبو طالب قد أحببت أن يشركك عمها فقال عمها أشهدوا على يا معشر قريش أني قد أنكحت محمد بن عبد الله خديجة بنت خويلد وشهد على ذلك صناديد قريش وأصدقها رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرين بكرة من ماله زيادة على ما دفعه أبو طالب وهو على ما ذكره الدولابي أربعون أوقية ذهبا ونشا، والنش بفتح النون وبالشين المعجمة نصف أوقية وتقدم عن المنتقى أنه أصدقها أربعمائة دينار اهـ.
وما مر من أنه خطبها إلى أبيها وأنه هو الذي زوجها هو ما جزم به ابن إسحاق أولا وقيل ان الذي زوجها عمرو بن أسد عمها ورجحه الواقدي وغلط من قال بخلافه لأن أباها مات قبل ذلك قال السهيلي وهو الأصح وقيل زوجها أخوها عمرو بن خويلد وكونه صلى الله عليه وسلم أصدقها عشرين بكرة قاله في المواهب. قال الزرقاني عقبه كما قاله المحب الطبري قائلا ولا تخالف بينه وبين ما يقال أن أبا طالب أصدقها عنه لجواز أنه صلى الله عليه وسلم زاد في صداقهما فكان الكل صداقا اهـ وقولي فيما مر زيادة على ما دفعه أبو طالب قاله الزرقاني أيضاً في موضع آخر. وقوله وزرع إسماعيل أي مزروعه والمراد ذريته غاير
بينه وبين ما قبله تفننا وكراهة لتوارد الألفاظ. ووالضئضئ بكسر الضادين المعجمتين ووبهمزتين الأولى ساكنة ويقال ضئضيئ بوزن قنديل وضؤضوء بوزن سرسور ويقال أيضا بضادين وسينين مهملتين وهو فى الجميع الأصل. والعنصر بضم العين المهملة وسكون النون وضم الصاد المهملة وقد تفتح الأصل والإضافة فيهما بيانية أي أصل هو معد ومضر وسواس حرمه أي مدبروه والقائمون بأمره وقوله الحكام على الناس أي حكم طوع ووانقياد لمكارم أخلاقهم وحسن معاملاتهم لا حكم ملك وقهر ولا ينافى قول صخر لقيصر ليس فى آبائه من ملك. والقّل بالضم مشترك بين ضد الكثرة والشيء القليل. وقوله حائل أي لا بقاء له لتحوله من شخص لآخر ومن صفة إلى أخرى. وقوله عرفتم قرابته أي لهاشم وعبد المطلب الآباء الكرام، فالحسب أعظم من كثرة المال. وقوله ما آجله إلخ .. فى رواية ان أبا طالب قال: وقد بذل لها من الصداق ما حكم عاجله وآجله اثنتى عشرة أوقية ذهبا ونشا، قالوا وكل أوقية أربعون درهما وجملة الصداق خمسمائة درهم شرعي والصداق ذهب ولا ينافيه التعبير بالدرهم لأنه بيان للوزن فلا يستلزم كون الصداق فضة قاله الزرقاني.
فائدة:
تزوج خديجة قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو هالة التميمي بميمين نسبة إلى تميم وكان حليفا لبني عبد الدار كما في الفتح، فولدت له هند الصحابي راوى حديث وصف النبي صلى الله عليه وسلم وكان فصيحا بليغا وصافا وكان يقول أنا أكرم الناس أبا وأما وأخا وأختا أبي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخي القاسم وأختي فاطمة وأمي خديجة، وولدت له أيضا هالة وهو من زعم أن هالة أنثى واسم أبي هالة قيل زرارة وقيل مالك، وقيل هند وقيل النباش بفتح النون وشد الموحدة ومات فى الجاهلية وبعد موته تزوجها عتيق بن عابد بالموحدة والدال المهملة بن عبد الله
بن عمرو بن مخزوم كذا ضبطه فى الإكمال، وتبعه التبصير وقال اليعمرى انه الصواب، ولاين الأثير أنه بتحتية وذال معجمة وهو مردود وقد صرح العلامة النساب الزبير بن بكار بأن من كان من ولد عمرو فهو بالموحدة والمهملة كان من ولد أخيه عمران فهو عائذ بتحتية ومعجمة وولدت لعتيق أنثى اسمها هند أسلمت وصحبت وقيل ان عتيقا هو الذي تزوجها أولا وهي بكر واقتصر عليهـ في العيون والفتح ثم هلك عنها، وتزوجها بعده أبو هالة انظر المواهب وشرحها.
(خير نساء الناس أجمعينا) قوله خير منصوب نعت لخديجة ويصح رفعه خبر مبتدأ محذوف على أنه مقطوع عن التبعية ومراده أن خديجة رضي الله عنها هي أفضل النساء جميعا وظاهره تفضيلها حتى على فاطمة ومريم، وقد قال في فتح الباري فى فضل عائشة، قال السبكي الكبير الذى ندين الله به أن فاطمة أفضل ثم خديجة ثم عائشة والخلاف شهير ولكن الحق أحق أن يتبع، ثم قال ابن حجر وقيل انعقد الإجماع على تفضيل فاطمة، وبقى الخلاف بين عائشة وخديجة اهـ
– المراد منه هنا.
وقال فى مناقب فاطمة وأقوى ما استدل به على تقديم فاطمة على غيرها من نساء عصرها قوله صلى الله عليه وسلم انها سيدة نساء العالمين إلا مريم، وقال صلى الله عليه وسلم فاطمة سيدة نساء أهل الجنة، وفى بعض طرقه ذكر مريم عليها السلام وغيرها مشاركا لها اهـ.
وقال ابن حجر أيضا فى شرج حديث البخاري خير نسائها مريم وخير نسائها خديجة، عن الطيبي أنه قال: والذى يظهر لى أن قوله خير نسائها خبر مقدم والضفير لمريم فكأنه قال مريم خير نسائها، أي نساء زمانها، وكذا في خديجة وقد جزم كثير من الشراح أن المراد نساء زمانها، تم قال جاء ما يفسر المراد صريحا فروى البزار والطبراني من حديث عمار رفعه لقد فضلت خديجة على نساء العالمين، وهو حديث حسن وأخرج النسائي بسند صحيح عن ابن عباس مرفوعا: «أفضل نساء أهل الجنة خديجة وفاطمة ومريم
وآسية» وقد أورد ابن عبد البر من وجه آخر عن ابن عباس رفعه: «سيدة نساء العالمين مريم ثم فاطمة ثم خديجة ثم آسية» قال وهذا حديث حسن يدفع الإشكال اهـ.
وقال ابن جزي في قوله تعالى: {واصطفاك على نساء العالمين) يحتمل أن يكون الإصطفاء مخصوصا بأن وهب لها عيسى من غير أب فيكون على نساء العالمين عاما وأن يكون الاصطفاء عاما ويخصص من نساء العالمين خديجة وفاطمة ويكون على نساء عالم زمانها وقد قيل بتفضيلها على الإطلاق وقال الثعالبي: والعالمين يحتمل زمانها وقد قيل بتفضيلها على الإطلاق وقال الثعالبي واليعمري والعالمين يحتمل عالم زمانها وقال ابن عطية وسائغ أن يتأول عموم الاصطفاء على العالمين وقد قال بعض الناس أن مريم نبيئة وجمهور الناس على انها لم تتنبأ امرأة وقال السيوطي على نساء العالمين أهل زمانك اهـ.
وقال الشيخ مساحي الدين النووي ويظهر أن معناه يعنى حديث البخاري المتقدم، أن كل واحدة منهما خير نساء الأرض فى عصرها، فأما التفضيل بينهما فمسكوت عنه، روي البخاري عن ابي موسي رفعه، كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلا مريم بنت عمران وآسية امرأة فرعون وفضل عائشة على النساء كفضل الثريد علي سائر الطعام، انتهي من الريان.
وقال في المواهب ممزوجا ببعض كلام شرحها وكانت خديجة أول من آمن من الناس على الإطلاق، كما حكى عليهـ الثعالبي وابن عبد البر وابن الأثير الاتفاق وفى الصحيحين ان جبريل قال للنبي صلى الله عليه وسلم يا محمد هذه خديجة أتتك أي توجهت إليك بإناء فيه طعام أو إدام أو شراب، بالشك من الراوى، فإذا هي أتتك فاقرأ بهمزة وصل وفتح الراء، عليها السلام من ربها ومنى، وهذه خاصة لم تكن لسواها، وبشرها ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه بفتح المهملة والمعجمة بعدها موحدة، الصياح والمنازعة برفع الصوت، ولا نصب بفتح النون والمهملة فموحدة التعب، والقصب اللؤلؤ المجوف، وروى الطبراني عن
فاطمة قلت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أين أمى خديجة؟ قال فى بيت من قصب! قلت: أمن هذا القصب؟ قال لا من القصب المنظوم - .. بالدر واللؤلؤ والياقوت اهـ.
وفى لفظ القصب مناسبة لكونها أحرزت قصب السبق لمبادرتها إلى الإيمان وكذا فى لفظ البيت لأنها كانت ربة بيت فى الإسلام منفردة به، فلم يكن على وجه الأرض فى أول يوم بعث فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت إسلام إلا بيتها، وجزاء الفعل يذكر غالبا بلفظه، فلذا عبر ببيت دون قصر، وفيه مناسبة أخرى لأن مرجع آل بيته صلى الله عليه وسلم إليها، وكذا فى نفي الصخب والنصب مناسبة لفعلها، فلم تحوج النبي صلى الله عليه وسلم لما دعى إلى الإيمان إلى رفع صوت ولا تعب، قال الإسكاف والبيت زائدا على ما أعد لها من ثواب عملها، ولذا الإمام أحمد والنسائي وأبو داوود والحاكم وصححاه أنه صلى الله عليه وسلم قال:«أفضل نساء أهل الجنة خديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد ومريم بنت عمران وآسية امرأة فرعون» ، وهما من زوجاته صلى الله عليه وسلم في الجنة كما عند ابن عساكر بسند ضعيف، قال الشيخ العراقي خديجة أفضل أمهات المؤمنين على الصحيح المختار عند العلماء بدليل هذا الحديث والذى قابله من اقراء السلام عليها من الله تعالى ولقوله صلى الله عليه وسلم خير نسائها مريم وخير نسائها خديجة أي مريم خير نساء الأمة الماضية وخديجة خير نساء هذه الأمة كما قال الحافظ جاء ما يفسر المراد صريحا يعني ما قدمت عنه في حديث البزار والطبراني وقال في الإصابة يفسره ما أخرجه ابن عبد البر أنه صلى الله عليه وسلم قال لفاطمة ألا ترضين أنك سيدة نساء العالمين؟ قالت يا .. أبت فأين مريم؟ قال تلك، سيدة نساء عالمها اهـ.
ولأنه صلى الله عليه وسلم أثنى على خديجة ما لم يثن على غيرها، قالت عائشة كان صلى الله عليه وسلم لا يخرج من البيت حتى يذكر خديجة فيحسن الثناء عليها وللطبراني وكان إذا ذكر خديجة لم يسأم
من ثناء عليها واستغفار لها، وقيل عائشة أفضل وضعف بحيث بالغ ابن العربى فقال لا خلاف أن خديجة أفضل من عائشة قال فى الفتح ورد بأن الخلاف ثابت وإن كان الراجح أفضلية خديجة. وقال شيخ الإسلام زكرياء الأنصاري عند ذكر أزواجه صلى الله عليه وسلم وأفضلهن خديجة وعائشة، وفي أفضليتهما خلاف وصحح ابن العماد والسبكي وغيرهما تفضيل خديجة لما ثبت أنه صلى الله عليه وسلم قال لعائشة رضى الله عنها لما حملتها الغيرة من كثرة ثنائه على خديجة على أن قالت قد رزقك الله خيرا منها، قالت فغضب حتى قلت والذى بعثك بالحق لا أذكرها بعد هذا إلا بخير. فقال والله ما رزقنى الله خيرا منها. آمنت بي حين كفر بي الناس، وصدقت بي حين كذبني الناس، وأعطتني مالها حين حرمني الناس، وآوتني إذ رفضني الناس، ورزقت منى الولد إذ حرمتموه. وسئل الإمام أبو بكر بن الامام المجتهد دواوود الظاهري أبيهما أفضل؟ فقال: عائشة أقرأها النبي صلى الله عليه وسلم السلام من جبريل من قبل نفسه وخديجة أقرأها جبريل السلام من ربه على لسان محمد، فهي أي خديجة أفضل، قيل له فمن الأفضل خديجة أم فاطمة؟ قال ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فاطمة بضعة منى بفتح الموحدة كما هو فى الرواية وحكي ضمها وكسرها أي فاطمة لحم منى فلا أعدل ببضعة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدا. قال السهيلى وهذا استقراء حسن، ويشهد له أن أبا لبابة لما ربط نفسه وحلف أن لا يحله إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءت فاطمة لتحله فأبى لقسمه فقال صلى الله عليه وسلم فاطمة بضعة مني، فحلته ويشهد له أيضا قوله صلى الله عليه وسلم لفاطمة أما ترضين أن تكونى سيدة نساء أهل الجنة إلا مريم فهذا دليل على فضلها على أمها، وبهذا استدل السبكي قال فى الفتح والذى يظهر أن الجمع بين الحديثين أولى
وقال فى الإصابة وقد ذكر حديث خير نسائها خديجة وقوله لفاطمة أما ترضين بأنك سيدة نساء العالمين يحتمل على التفرقة بين السيادة
والخيرية أو على أن ذلك بالنسبة لما وجد من النساء حين قاله لفاطمة، اهـ
وفيه نظر فإن المراد بالسيادة الخيرية وهى الفضل كما صرح به فى رواية أحمد وحمله على الموجودات ياباه قوله نساء العالمين وهو فى الصحيحين لأنه تخصيص للعام بلا مخصص فقد ساوت أمها وزادت عليها لكونها بضعة المختار فهي أفضل منها وقد صرح هو فى الفتح فى المناقب بما لفظه قيل انعقد الإجماع على أفضلية فاطمة. وبقي الخلاف بين عائشة وخديجة اهـ .. بل توسع بعض المتأخرين فقال فاطمة وأخوها إبراهيم أفضل من سائر الصحابة حتى من الخلفاء الأربعة فإن أراد من حيث البضعة فمحتمل وإن كان الخلفاء أفضل من حيث العلوم الجمة وكثرة المعارف ونصر الدين والأمة قاله الشيخ محمد بن عبد الباقي وقال في المواهب عن السبكي الكبير والذي نختاره وندين الله به أن فاطمة أفضل ثم أمها خديجة ثم عائشة. قال فى المواهب واختار السبكي أن مريم أفضل من خديجة قال الزرقاني ولم يتعرض للتفضيل بين مريم وفاطمة واختار السيوطي تفضيل فاطمة على مريم وسبقه إلى اختيار ذلك الزركشي والخيضري والمقريزي لكن يرد عليهم قوله لفاطمة أما ترضين أن تكونى سيدة نساء أهل الجنة إلا مريم نعم يعارضه حديث أما ترضين أنك سيدة نساء العالمين؟ قالت يا أبت فسي أين مريم؟ قال تلك سيدة نساء عالمها. ولم ينقدح لى وجه الجمع اهـ كلام الزرقاني، قال مؤلفه سمح الله له وتحصل مما مر أن الراجح المشهور تفضيل خديجة على عائشة رضى الله عنهما وأن الراجح تفضيل فاطمة على أمها كما جزم به السبكي والإمام أبو بكر بن داوود واستحسنه السهيلي وجزم به الزرقاني وتعقب ما فى الفتح من أنه لا يفضل بينهما بما مر قريبا ومنه أنه فى الفتح نقل الاجماع على أفضلية فاطمة في كتاب المناقب ويعني به ترجمة فضل عائشة فقد ذكر ذلك فيها، وأما التفضيل بين مريم وفاطمة فاختار الزركشي والسيوطي والخيضري والمقريزي أن فاطمة أفضل وأما ما بين خديجة ومريم فقال فيه النووي أن التفضيل
بينهما مسكوت عنه يعني على أنها ليست نبية كما هو مذهب الجمهور. وقد مرّ عن المفسرين أنه قيل بتفضيلها على نساء العالمين على الإطلاق والله تعالى أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب. وحينئذ فقول الناظم خير نساء الناس أجمعينا يعني الموجودات في زمانها وتستثنى من ذلك فاطمة بضعة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله أعلم. (قد) للتحقيق (أقامت معه عشرينا) سنة (وأربعا) من السنين ومراده أن خديجة رضى الله عنها مدة حياتها بعد تزويج رسول الله صلى الله عليه وسلم إياهاً أربع وعشرون سنة وقال الحافظ في الفتح وأقامت معه صلى الله عليه وسلم خمسا وعشرين سنة على الصحيح وقال ابن عبد البر أربعا وعشرين سنة وأربعة أشهر وسيأتى من حديث عائشة ما يؤيد الصحيح فى أن موتها قبل الهجرة بثلاث سنين وذلك بعد المبعث على الصواب بعشر سنين وتقدم تصديقها للنبي صلى الله عليه وسلم فى أول وهلة اهـ.
وقال القسطلاني فى المواهب وكانت مدة مقامها مع النبي صلى الله عليه وسلم خمسا وعشرين سنة اهـ، قال في الشرح على الصحيح كما في الفتح وهو المطابق للصحيح وهو قول الأكثر أنه تزوجها وهو ابن خمس وعشرين سنة وقال فى المواهب وشرحها وقيل أربعا وعشرين سنة وأربعة أشهر قاله ابن عبد البر وهو مطابق له أيضا بإلغاء الكسر فى عامي الزواج والوفاة، اهسـ .. وقد علم أن الناظم مشى على الصحيح من أنه تزوجها وهو ابن خمس وعشرين ودخل فى السادسة وقوله هنا أربعا وعشرين أي وأربعة أشهر فيصبح كلامه بإلغاء الكسر فى عام التزويج وعام الوفاة، كما أول به الزرقاني عبارة المواهب المحكية بقوله وهي موافقة لعبارة الناظم والله أعلم. أما على أن سنه إحدى وعشرون أو ثلاثون فلا يتأتى أن قالا ان موتها سنة عشر من البعثة، قاله الزرقاني وغيره (ورزق البنينا منها سوى أحدهم يقينا) نائب رزق ضمير عائد على النبي صلى الله عليه وسلم والبنين مفعوله الثاني والضمير المجرور لأمنا خديجة رضي الله عنها ويقينا مصدر مؤكد
لمضمون الجملة قبله وعامله محذوف أي أتيقن هذا أو نحوه يعنى أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاه الله تعالى من الذرية الكرام ما أعطاه من البنين والبنات سوى إبراهيم من خديجة الطاهرة سيدة نساء قريش وهي من أعظم مزاياها التي اختصت بها عن غيرها ليمنها وسعادتها وإبراهيم هو المراد بقوله سوى أحدهم وسياتى للناظم التعرض لأولاده صلى الله عليه وسلم ويأتي الكلام عليهم ان شاء الله تعالى عناد ذكر الناظم لهم.
وتوفيت خديجة رضى الله عنها بمكة قبل الهجرة بثلاث سنين وذلك بعد المبعث بعشر سنين على الصحيح كما فى الفتح والإصابة وزاد عن الواقدي لعشر خلون من رمضان وقيل قبل الهجرة بأربع سنين وقيل خمس حكاهما في الاصابة ووقيل ست حكاه في الفتح ودفنت بالحجون ونزل صلى الله عليه وسلم فى حفرتها وهي بنت خمس وستين سنة كما فى رواية الواقدي، وفي السمط الثمين أربع وستون وستة أشهر ولم يكن يومئذ يصلى على الجنائز وروى ابن عساكر بسند ضعيف أنه صلى الله عليه وسلم دخل على خديجة وهي فى الموت فقال يا خديجة إذا لقيت ضرائرك فاقرئيهن مني السلام، فقالت يارسول الله وهل تزوجت قبلي؟ قال لا. ولكن الله زوجني مريم بنت عمران وآسية امرأة فرعون وكلثم أخت موسى ورواه الزبير بن بكار بلفظ أنه دخل علي خديجة وهي في الموت فقال تكرهين ما ارى منك يا خديجة وقد يجعل الله في الكره خيرا، أشعرت أن الله أعلمنى أنه سيزوجنى معك فى الجنة مريم وآسية وكلثم؟ فقالت الله أعلمك بهذا؟ قال نعم. وماتت هي وأبو طالب في عام واحد، قيل فسماه عام الحزن صلى الله عليه وسلم، انظر الزرقاني.
(ثم ابن خامس وثلاثين حضر
…
بناء بيت الله
…
)
قوله ابن بالنصب حال من فاعل ضمير وهو ضمير النبي صلى الله عليه وسلم وبيت الله الكعبة زادها الله تعالى تعظيما يعني أنه صلى الله عليه وسلم حضر بناء قريش للكعبة وهو عليه السلام إذ ذاك ابن
خمس وثلاثين سنة من مولده عليه الصلاة والسلام.
(إذ) أي حين (بنى) أي وضع صلى الله عليه وسلم (الحجر) الأسود موضعه إذ تولى هو صلى الله عليه وسلم وضعه في محله (بيده) متعلق ببني (الكريمة) أي الثابت لها ولصاحبها صلى الله عليه وسلم أعلى ما توصف به الحوادث من الكمالات (الزكية) أي المباركة الكثيرة الخير (صلى عليه بارئ البرية) أي خالق المخلوقات كلها وهو الله تعالى. وكونه صلى الله عليه وسلم حين بناء قريش للكعبة ابن خمس وثلاثين هو الذى جزم به ابن إسحاق وغير واحد من العلماء وهو الأشهر كما قال الحافظ وقيل ابن خمس وعشرين وجزم به موسى بن عقبة وروي عن مجاهد ومحمد بن جبير وسبب بناء قريش للكعبة أن قريشا خافت أن تنهدم الكعبة من السيول وذلك أن السيل أتى من فوق الردم الذى بأعلى مكة فخربه فخافوا أن يدخلها الماء، وقيل سببه احتراقها، فروي أن امرأة أجمرت الكعبة فطارت شرارة فى ثيابها فأحرقتها، وقيل أن نفرا سرقوا حلي الكعبة وغزالين من ذهب وقيل غزالا واحدا مرصعا بجوهر وكان فى بئر فى جوف الكعبة فأرادوا أن يرفعوا بنيانها حتى لا يدخلها الا من شاؤوا، وقيل ان السيل دخلها وصدع جدرانها بعد توهينها وجمع كما فى الزرقاني بأنه لا مانع أن سبب بنائهم ذلك كله ويجوز أن خشية هدم السيل حصل من الحريق حتى أوهن بناءها ووجدت السرقة بعد ذلك، وأعدوا لذلك نفقة وعمالا ثم عمدوا إليها ليهدموها على إشفاق وحذر منهم أن يمنعهم الله ما أرادوا فأمروا باقوم القبطي مولى أسيد بن العاصي بن أمية وصانع المنبر النبوي المدني أن يبنيها لهم وباقوم بموحدة فألف فقاف مضمومة فواو ساكنة ويقال بلام بدل الميم صحابي كما في الاصابة، وروي ابن عيينة عن عبيد بن عمير قال اسم الرجل الذي بني الكعبة لقريش باقوم الرومي وكان في سفينة حبسها الريح وخرجت إليها قريش فأخذوا خشبها وقالوا له ابنها على بناء الكنائس فيحتمل أنهما اشتركا فى بنائها أو أحدهما بنى والآخر سقف وأنهما واحد رومي فى الأصل ونسب إلى القبط حلفا وهذا هو الظاهر من كلام
الإصابة اهـ.
وروي ان السفينة ألقاها الريح بجدة فتحطمت فخرج إليها الوليد بن المغيرة في نفر من قريش فابتاعوا خشبها وكلموا باقوم في بنائها فقدم معهم. وقال ابن اسحاق كان بمكة رجل قبطي نجار فتهيأ لهم في أنفسهم بعض ما يصلحها قال فهاب الناس هدمها فقال الوليد بن المغيرة أنا أبدأكم في هدمها فأخذ المعول وهو يقول اللهم لم ترع بفوقية مضمومة فراء مفتوحة أي لم تفزع الكعبة وهذا أولى من إعادة السهيلي الضمير لله تعالى، وفي رواية لم نزغ بفتح النون وكسر الزاء وغين معجمة أي لم نمل عن دينك اللهم لا نريد إلا الخير، ثم هدم من ناحية الركنين الأسود واليماني وتربص الناس الناس تلك الليلة وقالوا ننتظر فإن أصيب لم نهدم منها شيئاً ورددناها كما كانت وإن لم يصبه شيء هدمنا فقد رضي الله ما صنعنا. فاصبح الوليد عائدا إلى عمله فهدم وهدم معه الناس، حتى إذا انتهى الهدم بهم إلى أساس إبراهيم أفضووا إلى حجارة خضر كالأسنمة جمع سنام وهو أعلى الظهر للبعير ومن رواه كالأسنة جمع سنام شبهها بها في الخضرة، أخذ بعضها ببعض فأدخل رجل ممن كان يهدم عتلة بين حجرين ليقلع بها بعضها فلما تحرك الحجر تنغضت مكة بأسرها وأبصر القوم برقة خرجت من تحت الحجر كادت تخطف بصر الرجل فانتهوا عن ذلك الأساس وبنوا عليه اهـ.
وقوله عتلة في القاموس العتلة محركة حديدة كأنها رأس فأس أو العصى الضخمة من حديد لها رأس مفلطح يهدم بها الحائط وفي القاموس تنغض أي بالغين والضاد المعجمتين تحرك اهـ.
وفي رواية أنهم لما شرعوا في نفض البناء خرجت لهم الحية التي كانت في بطنها تحرسها سوداء البطن فمنعتهم من ذلك فاعتزلوا عند مقام إبراهيم فتشاوروا فقال لهم الوليد ألست تريدون الإصلاح؟ قالوا بلى! قال فإن الله لا يهلك المصلحين ولكن لا تدخلوا في بيت ربكم إلا طيب أموالكم فإن الله لا يقبل إلا طيبا وعند موسى بن عقبة أنه قال لا تجعلوا فيها مالا أخذ غصبا ولا قطعت فيه رحم ولا انتهكت فيه حرمة
وعند ابن اسحاق أن الذي أشار بذلك أبو وهب بن عمر بن عامر بن عمران بن مخزوم ففعلوا وقالوا اللهم إن كان لك فى هدمها رضى فأتمه واشغل عنا هذا الثعبان فأقبل طائر من جو السماء كهيأة العقاب ظهره أسود وبطنه أبيض ورجلاه صفراوان والحية على جدار البيت فأخذها ثم طار بها فقالت قريش إنا لنرجو أن الله قبل عملكم ونفقتكم ثم إن قبائل قريش جمعت الحجارة لبنائها فكل قبيلة تنقل الحجارة على حدة وحضر رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان ينقل معهم الحجارة من أجياد وكانوا يضعون أزرهم رهام علي عواتقهم ويحملون الحجارة فقال له العباس اجعل إزارك على رقبتك يقيك من الحجارة ففعل، فلبط به بالموحدة كعني أي سقط من قيامه فهو من الأفعال التى جاءت بصيغة المبني للمفعول وهي بمعنى المبني للفاعل ونودي يا محمد غط عورتك فشد عليه إزاره فلما ريئ بعد ذلك عريانا، وفى رواية كانوا كلما أرادوا القرب منه أي البيت لهدمه بدت لهم حية فاتحة فاها فبعث الله طيرا أعظم من النسر فغرز مخالبه فيها فألغاها نحو أجياد فهدمت قريش الكعبة وبنوها بحجارة الوادي فرفعوها في السماء عشرين ذراعا فبينما النبي صلى الله عليه وسلم يحمل الحجارة من أجياد وعليه نمرة فضاقت عليه النمرة فذهب يضعها على عاتقه فبدت عورته فنودي يا عريانا بعد، قال الزرقاني ليس المراد العورة المغلظة اهـ.
وفى المواهب فى هذه القصة وكان ذلك أول ما نودي اهـ. ثم إن قريشا بنوها فلما أرادوا أن يضعوا الحجر الأسود اختصموا فيه فكل قبيلة تريد أن ترفعه إلى موضعه دون الأخرى حتى تحازبوا وتحالفوا ،اعدوا للقتال فقربت بنو عبد الدار جفنة مملوءة دما ثم تعاقدوا هم وبنو عدي على الموت وأدخلوا أيديهم في ذلك الدم فسموا لعقة الدم فمكث قريش على ذلك أريع ليال أو خمسا ثم انهم اجتمعوا فى المجسد فتشاوروا وتناصفوا فزعم بعض أهل الرواية أن أبا أمية بن المغيرة وكان عامئذ أسن قريش كلها قال يا معشر قريش اجعلوا بينكم فيما