المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

(يا خير من حملت على أوصالها … عيرانة سرح اليدين - نزهة الأفكار في شرح قرة الأبصار - جـ ١

[عبد القادر المجلسي]

فهرس الكتاب

- ‌الكلام على البسملة

- ‌«ما ولدني من سفاح الجاهلية شيء

- ‌ ولنذكر حين تم شرح هذه الأبيات

- ‌ من يعقوب إسرائيل الله

- ‌(وحملت آمنة الزهرية)

- ‌ أصغر كوكب في السماء أكبر من الأرض بمائة وعشرين مرة

- ‌ وسأله أن يبعث له فيله "محمود

- ‌(فغاضت المياه) هذا من عجائب

- ‌(عفا جانب البطحاء من ال هاشم

- ‌ أول داخل رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌(بيان مبعث النبي الهادي

- ‌(فقام يدعو الإنس والجن إلى

- ‌ فكان أول دم أريق فى سبيل الله

- ‌(وكان قادرا على التدمير…لو شاء

- ‌ الجن على ثلاثة أصناف:

- ‌ وفى الجن ملل

- ‌ أول من خط بالقلم

- ‌(بيان هجرة النبى المختار

- ‌ واهتز لموته عرش الرحمن

- ‌ ما أكل منها جائع إلا شبع

- ‌(يا دار خير المرسلين

- ‌(أولها) غزوة ودان

- ‌ هذا كتاب من محمد رسول الله

- ‌أما غزوة بدر فهي أعظم

- ‌ لها سبعة أولاد شهدوا بدرا

- ‌(هنيئا زادك الرحمن فضلا

- ‌ وبعدها "غزوة أحد

- ‌ أنسيتم ما قال لكم رسول الله

- ‌(أنا ابن الذي سالت على الخد عينه

- ‌ غزوة حمراء الأسد

- ‌ غزوة دومة الجندل

- ‌ غزوة الخندق

- ‌ فلم يقم لقريش حرب بعدها

- ‌ اللهم منزل الكتاب

- ‌غزوة بني قريظة

- ‌ غزوة بني لحيان

- ‌ غزوة ذي قرد

- ‌ لئن رجعنا إلي المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل

- ‌ قال أهل الإفك في الصديقية الطاهرة

- ‌ غزوة الحديبية

- ‌ وإذا توضأ كادوا يقتتلون علي وضوئه

- ‌ فلما حصل الصلح اختلطوا بالمسلمين

- ‌ ثم خرج في بقية المحرم إلى خيبر

- ‌ثم يلي خيبر فتح واد القرى

- ‌ غزوة القضاء

- ‌غزوة مؤتة

- ‌ثم بعد مؤتة غزوة فتح مكة

- ‌غزوة حنين

- ‌ولما أسلمت ثقيف تكلمت أشرافهم

- ‌ اللهم لا تنسها لأبي سفيان

- ‌غزوة بني سليم

- ‌غزوة بني قينقاع

- ‌ثم غزوة السويق

- ‌غزوة غطفان

- ‌غزوة بحران

- ‌غزوة تبوك

- ‌(طلع البدر علينا

- ‌ولنذكر كلاما مختصراً في البعوث

- ‌ ثم بعد ذلك سرية محمد بن مسلمة

- ‌ثم سرية زيد بن حارثة إلى القردة

- ‌ فأتتهم فقتلت منهم سبعمائة رجل

- ‌ويليه بعث أبي عبيدة بن الجراح

- ‌ أيها الناس إني قد أجرت أبا العاصي

- ‌ثم سرية زيد سادسة إلى واد القرى

الفصل: (يا خير من حملت على أوصالها … عيرانة سرح اليدين

(يا خير من حملت على أوصالها

عيرانة سرح اليدين غشوم)

(إني لمعتذر إليك من الذي

أسديت إذ أنا في الضلال أهيم)

(أيام تأمرني بأغوى خطة

سهم وتأمرني بها مخزوم)

(وأمد أساب الردى ويقودني

أمر الغوات وأمرها مشؤوم)

(فاليوم امن بالنبي محمد

قلبي ومخطء هذه محروم)

(مضت العداوة وانقضت أسبابها

ودعت أواصر بيننا وحلوم)

(فاغفر فدى لك والدي كلاهما

زللي فإنك راحم مرحوم)

(وعليك من علم المليك علامة

نور أغر وخاتم مختوم)

(الله يعلم أن أحمد مرسل

مستقبل في الصالحين كريم)

(قرم علا بنيانه من هاشم

فرع تمكن في الذرى وأروم)

البلابل: الأحزان وكذا الهموم، والرواق ككتاب وغراب قال في القاموس هو من الليل مقدمه وجانبه انتهى.

ومعناه والله تعالى أعلم مكتنزة الظلمة والبهيم الأسود والخطة بالضم شبه القصة والامر والأواصر الأرحام والقرابات والأروم ويضم الأصل ثم بعد الفتح "‌

‌غزوة حنين

" بالتصغير كما في التنزيل وهو واد قرب ذي المجاز وهو سوق للعرب على فرسخ من عرفة بناحية كبكب كجعفر جبل وراء الخطيب إذا وقف وقيل ماء بينه وبين مكة ثلاث ليال قرب الطائف سمي باسم حنين بن قاين بن مهاليك وتسمى غزوة هوازن قبيلة كبيرة فيها عدة بطون ينسبون إلى هوازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة بمعجمة فمهملة مفتوحتين بن قيس عيلان، وسببها أنه عليه السلام لما فرغ من الفتح تمالأت هوازن وثقيف على حرب المسلمين وأشفقوا أن يغزوهم النبي صلى الله تعالى عليه وسلم وقالوا إن محمداً لاقى قوماً لا يحسنون القتال فسيروا إليه قبل أن يسير إليكم وروى الرواقدي أن هوازن أقامت سنة تجمع الجموع وتسير رؤساؤهم في العرب فأجمعت هوازن أمرها وكان رئيسهم مالك بن عوف وهو يومئذ ابن ثلاثين سنة وأسلم بعد غزوة الطائف وصحب فخرج إليهم رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم في اثني عشر ألفاً من المسلمين عشرة آلاف خرج بهم من المدينة وألفين ممن أسلم من أهل مكة قاله في المواهب والآلاف العشرة أربعة آلاف من الأنصار وألف من جهينة وألف من

ص: 363

مزينة إلى آخرها رواه أبو الشيخ قاله الزرقاني، قال الشامي وعلى قول عروة والزهري وابن عقبة يكون جميع من سار بهم أربعة عشر ألفاً لأنهم قالوا أنه قدم مكة باثني عشر ألفاً وأضيف غليهم ألفان من الطلقاء قال شيخنا ولا يتعين بل يجوز أن الألفين الذين لحقوا به بعد خروجه من المدينة رجعوا بعد الفتح وبقي من خرج معه من المدينة وانضم إليهم ألفان من الطلقاء قاله الزرقاني.

ولما خرج استعمل عتاب بفتح المهملة والفوقية المشددة وبالموحدة ابن أسيد بفتح الهمزة وكسر السين المهملة وسكون التحتية ابن أبي العيص بكسر المهملة ابن أمية الأموي بن عبد شمس. وخرج معه ثمانون من المشركين منهم صفوان بن أمية وكان عليه السلام استعار منه مائة درع واستعار من نوفل بن الحارث بن عبد المطلب ثلاثة آلاف رمح ولما أرسل إلى صفوان يستعيره قال أغصباً يا محمد فقال بل عارية مضمونة حتى نردها إليك واختلفوا في قوله عارية مضمونة هل هو صفة موضحة أو مقيدة فمن قال بالأول قال تضمن إذا تلفت ومن قال مقيدة قال لا إلا بالشرط نقله الزرقاني. وروى الترمذي وغيره عن الحارث بن مالك خرجنا مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم إلى حنين ونحن حديثوا عهد بجاهلية وكانت لكفاء قريش من سواهم شجرة عظيمة يقال لها ذات أنواط يأتونها كل سنة فيعلقون أسلحتهم عليها ويذبحون عندها فرأينا ونحن نسير سدرة خضراء عظيمة فتنادينا من جنبات الطريق يا رسول الله اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط فقال صلى الله تعالى عليه وسلم الله أكبر ثلاثاً، قلتم والذي نفسي بيده كما قال قوم موسى لموسى اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة، قال إنكم قوم تجهلون، لتركبن سنن من كان قبلكم، قال في المواهب فوصل صلى الله تعالى عليه وسلم حنيناً ليلة الثلاثاء لعشر ليال خلون من شوال فبعث مالك بن عوف ثلاثة نفر يأتونه بخبر رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وأمرهم أن يتفرقوا في العسكر فرجعوا إليهم وقد تفرقت أوصالهم أي مفاصلهم من الرعب، قال الزرقاني فقال ويلكم ما شانكم؟ قالوا رأينا رجالاً بيضاً على خيل بلق فوالله ما تماسكنا أن أصابنا ما ترى والله ما نقاتل أهل الأرض أن نقاتل إلا أهل السماء، فإن

ص: 364

أطتنا رجعت بقومك. فقال أف لكم بل أنتم أجبن أهل العسكر فحسبهم عنده وقال دلوني على رجل شجاع فأجمعوا له على رجل فخرج ثم رجع إليه قد أصابه كنحو ما اصاب من قبله قال ما رأيت؟ قال رأيت رجالاً بيضاً على خيل بلق ما يطاق النظر إليهم فوالله ما تماسكت أن أصابني ما ترى فلم يثن ذلك مالكاً عن وجهه، وروى ابن إسحاق أن هوازن سألت دريد بن الصمة الرياسة عليها فقال وما ذاك وقد عمى بصري وما استمسك على ظهر الرس ولكن أحضر معكم لأشير عليكم بشرط أن لا أخالف فقالوا لا نخالفك فجاء مالك بن عوف وكان جماع أمرهم إليه فقال لا نخالفك فقال ردريد إنك تقاتل رجلاً كريماً قد أوطأ العرب وخافته العجم وأجلى يهود ويومك هذا الذي تلقى فيه محمداً ما بعده يوم قال مالك إني لأطمع أن ترى ما يسرك فخرج مالك بالظن والأموال وأقبل دريد فقال لمالك مالي أسمع بكاء الصغير ونهاق الحمير وخوار البقر قال أردت أن أجعل خلف كل إنسان أهله ونماله يقاتل عنهم فقال دريد راعي ضأن والله ما له وللحرب؟ وقال وهل يرد المهزم شيء إنها إن كانت لم ينفعك إلا رجل بسيفه ورمحه وإن كانت عليك فضحت في أهلك ومالك فارفع الأموال والنساء والذراري إلى ممتنع بلادهم ثم ألق اقوم على متون الخيل فإن كانت لك لحق بك من ورائك وإن كانت عليك أحرزت أهلك ومالك، فقال مالك واله لا أفعل إنك قد كبرت وكبر عقلك، فغضب دريد وقال يا معشر هوازن ما هذا برأيي إن هذا فاضحكم وممكن منكم عدوكم ولاحق بحصن ثقيف وتارككم فانصرفوا وارتكوه. فسل مالك سيفه وقال إن لم تطيعوني فأقتلن نفسي، وكره أن يكون لدريد فيها ذكر فقال بعضهم لبعض لئن عصيناه ليقتلن نفسه وهو شارب ونبقي مع دريد وهو شيخ كبير لا قتال معه فاجمعوا رأيكم مع مالك فلما رأى دريد أنهم خالفوه قال:

(يا ليتني فيها جذع

أخب فيها وأضع)

(أقود وطفاء الزمع

كأنها شاة صدع)

وفطاء بفتح الواو وسكون المهملة وبالفاء والمد والزمع بفتح الزاي والميم صفة محمودة في الخيل انتهى كلام الزرقاني.

ولاصدع محركة من الأوعال والظباء الفتى الشاب القوي قاله في

ص: 365

القاموس ومعنى ليتني فيها جذع أي شاب وأضع أسرع كأوضع ثم إنه عليه السلام وجه عبد الله بن أبي حدرد بمهملات كجعفر الصحابي ابن الصحابي الأسلمي إلى هوازن فأقام فيهم يوماً أو يومين وللواقدي أنه أي ابن حدرة سمع مالكاً يقول لأصحابه أن محمداً لم يقاتل قوماً قبل هذه المرة وإنما كان يلقى قوماً لا علم لهم بالحرب فإذا كان السحر فصفوا مواشيكم ونساءكم وأبنائكم من ورائكم ثم صفوا واكسروا جفون سيوفكم فتلقونه بعشرين ألف سيف واحملوا حملة رجل واحد واعلموا أن الغلبة لمن حمل أولاً. قال محمد بن عدب الباقي قوله بعشرين ألف سيف صواب ويأتي تحقيقه اهـ.

وعند ابن أبي داود عن سهل بن الحنظلية الأنصاري الأوسي ممن بايع تحت الشجرة أنهم ساروا مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يوم حنين فأطنبوا السير أي بالغوا فيه حتى كان عشيته فجاء رجل فارس قال الحافظ هو ابن أبي حدرد فقال إني انطلقت من بين أيديكم حتى بلغت جبل كذا وكذا وإذا أنا بهوازن على بكرة أبيهم بظعنهم ونعمهم وشائهم اجتمعوا إلى حنين فتبسم رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وقال تلك غنيمة المسلمين غداً إن شاء الله، قوله عن بكرة أبيهم بفتح الموحدة وسكون الكاف قاله ابن الأثير وغيره فهو الرواية هنا وفتح الكاف لغة وهي كلمة يراد بها الكثرة وتوفر العدد وليس هناك بكرة حقيقة وهي التي يستقى عليها فاستعيرت هنا وكان المراد اجتماع بني أب على بكرة أبيهم التي يستقي عليها وظعنهم بضمتين أي نساءهم وأصل الظعينة الراحلة يظعن عليها أي يسار وسميت المرأة بذلك لأنها تظعن من زوجها حيث ما ظعن ولأنها تحمل على الراحلة فهي من تسمية المحمول باسم الحامل وقيل الظعينة المرأة التي في الهودج ثم قيل للمرأة بلا هودج وللهودج بلا امرأة ظعينة قاله القسطلاني والزرقاني وروى الحاكم وصححه عن أنس لما اجتمع الناس يوم حنين أعجبتهم كثرتهم فقال القوم اليوم والله نقاتل حين اجتمعنا فكره رسوق الله صلى الله تعالى عليه وسلم ما قالوا وروي عن ابن إسحاق قال قال رجل حنين لن نغلب اليوم من قلة فشق ذلك على النبي

ص: 366

صلى الله تعالى عليه وسلم لأن ظاهره الافتخار وعند ابن إسحاق أيضاً أنه عليه السلام قال لن نغلب اليوم من قلة قال الشامي والصحيح أن قائل ذلك غيره صلى الله تعالى عليه وسلم ثم ركب صلى الله تعالى عليه وسلم بغلته البيضاء وعند ابن سعد وغيره أنها دلدل وفيه نظر لأن دلدل أهداها له المقوقس وفي مسلم أنه صلى الله تعالى عليه وسلم كان على بغلة له بيضاء أهداها له فروة بن نفاثة بضم النون وخفة الفاء ومثلثة الجذامي ولبس درعين والمغفر واستقبل الصفوف وبشرهم بالفتح إن صبروا ولما كان ثلث الليل الأخير عبأ مالك بن عوف أصحابه في واد حنين وهو واد أجوف ذو شعاب ومضايق وفرق الناس فيها وأمرهم أن يحملوا على المسلمين حملة واحدة وعبأ صلى الله تعالى عليه وسلم أصحابه ووضع الألوية والرايات في أهلها فاستقبلهم من هوازن ما لم يروا مثله قط من الكثرة لأنهم أكثر من عشرين ألفاً وذلك في غبش الصبح بالتحريك أي بقية ظلمته ولابن إسحاق في عماية الصبح بفتح المهملة وخفة الميم أي بقية ظلمته ولا ينافي هذا ما عند أبي داود عن أبي عبد الرحمن بن يزيد أنه عليه السلام أتاه حين زالت الشمس قال ثم سرنا يومنا فقلينا العدو لأنه يجمع بينهما بأنهم ساروا بقية اليوم ونزلوا حنيناً ليلاً والتقوا بغبش الصبح وخرجت الكتائب من مضيق الوادي وكانوا كامنين فيه فحملوا حملة واحدة فانكشفت خيل بني سليم مولية وتبعهم أهل مكة لحدوث عهدهم بالإسلام فقالوا أخذلوه وانزهم الناس قال الحافظ والعذر لمن انهزم من غير المولفة أن العدو أكثر من ضعفهم انتهى.

بل في النور أنهم كانوا أضعاف المسلمين وما في البيضاوي والبغوي من أن ثقيفاً وهوازن كانوا أربعة آلاف لا ينافيه بأنهم انضم إليهم من العرب ما بلغوا به ذلك. قاله الزرقاني. واقتصر الثعالبي في تفسيره على أن جموع العدو بلغت ثلاثين ألفاً نقله الوالد حفظه الله في الريان ولما رأى من معه من المؤلفة ما وقع تكلم رجال بما في قلوبهم فقال أبو سفيان بن حرب وكان إسلامه مدخولاً لا ينتهي هزيمتهم دون البحر وصرخ جبلة بن الحنبل وقيل كلدة بن الحنبل وأسلم بعد ألا بطل السحر

ص: 367

اليوم. فقال له أخوه لأمه صفوان بن أمية وهو حينئذ مشرك أسكت فض الله فاك لئن يربني رجل من قريش أحب إلى من أن يربني رجل من هوازن وقال شيبة ابن عثمان بن أبي طلحة لما رأيت النبي صلى الله تعالى عليه وسلم يوم حنين ذكرت أبي وعمي قتلهما حمزة أي بأحد فقلت اليوم أدرك ثأري في محمد فجئته عن يمينه فإذا أنا بالعباس قائماً عليه درع بيضاء قلت عمه لن يخذله فجئته عن يساره فإذا أنا بأبي سفيان بن الحارث قلت ابن عمه لن يخذله فجئته من خلفه فدنوت منه فرفع إلى شواظ من نار فنكصت على عقبي فالتفت رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فقال يا شيبة ادنه، ف 6 دنوت فوضع يده في صدري فاستخرج الله الشيطان من قلبي فرفعت إليه بصري فلهو أحب إلي من سمعي وبصري فقال لي يا شيبة قاتل الكفار، فقاتلت معه صلى الله تعالى عليه وسلم ولما انهزم المسلمون ثبت رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وطفق يركض بغلته قبل العدو وثبت معه عمه العباس وابنه الفضل وعلي بن أبي طالب وابنا عمه أبو سفيان بن الحارث وأخوه ربيعة وابن أبي سفيان واسمه جعفر وأبو بكر وعمر وأسامة بن زيد وأيمن بن أيمن وقتل يومئذ وابوه عبيد بن زيد بن عمرو بن بلال الخزرجي كذا نسبه سعد وابن منده وذلك أن أم أيمن بركة الحبشية تزوجت في الجاهلية عبيداً بمكة ثم نقلها إلى المدينة وولدت له أيمن ثم مات عنها فرجعت إلى مكة فتزوجها زيد بن حارثة قاله البلاذري وغيره، ونقله الزرقاني وصرح البخاري في ذكر أسامة بن زيد بن حارثة أن أيمن هذا رجل من الأنصار قال في الفتح وأبوه هو عبيد بن عمرو بن بلال من بني الحبلى من الخزرج ويقال أنه كان حبشياً من موالي الخزرج تزوج أم أيمن قبل زيد بن حارثة فولدت له أيمن واستشهد يوم حنين أيمن مع النبي صلى الله تعالى عليه وسلم نسب إلى أمه لشرفها على أبيه، وشهرتها عند أهل البيت النبوي وتزوج زيد ابن حارثة أم أيمن فولدت له أسامة انتهى منه بلفظه.

وعلى أنه خزرجي اختصر القسطلاني في شرح البخاري ولفظه ونسب إلى أمه لأنها كانت أشهر من أبيه عبيد بضم العين ابن عمرو بفتحها ابن هلال الخزرجي الأنصاري ولشرفها بحضانته صلى الله تعالى عليه

ص: 368

وسلم انتهى.

وقوله لابن حجر ويقال أنه حبشي هو قول ابن عبد البر والصواب الأول كما في الإصابة نقله الزرقاني. ففي اقتصار اليدالي على أنه حبشي مخالفة لمن رأيت وهو تابع للقسطلاني في المواهب والله تعالى أعلم.

وروى مسلم عن العباس شهدت يوم حنين فلزمته صلى الله تعالى عليه وسلم أنا وأبو سفيان بن الحارث وأنا آخذ بلجام بلغته أكفها مخالفة أن تصل إلى العدو وأبو سفيان آخذ بركابه وفي البخاري عن البراء بن عازب وسأله رجل أفررتم عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يوم حنين فقال لا لكن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم لم يفر كانت هوازن رماة وإنا لما حملنا عليهم انكشفوا فأكببنا على الغنائم فاستقبلونا بالسهام ولقد رأيت رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم على بغلته البيضاء وإن أبا سفيان بن الحارث آخذ بزمامها وهو يقول:

(أنا النبي لا كذر

أنا ابن عبد المطلب)

وللبخراي في الجهاد فنزل أي عن البغلة فاستنصر وفي مسلم فقال الله أنزل نصرك وجمع بينهما هنا وبين ما مر عن مسلم أن أبا سفيان كان آخذاً بزمامها أولاً فلما ركضها عليه السلام في نحر العدو خشري العباس فأخذ بلجامها يكفها وأخذ أبو سفيان بالركاب وترك اللجام للعباس إجلالاً له لأنه عمه وفي مسلم عن البراء كنا والله إذا احمر البأس نتقي به وإن الشجاع منا الذي يحاذيه يعني النبي صلى الله تعالى عليه وسلم قال في المواهب قوله لا كذب فيه إشارة إلى أن صفة النبوءة يستحيل معها الكذب وكأنه قال ولست بكاذب فيما أقول حتى انهزم بل أنا متقين أن ما وعدني به الله تعالى من النصر حق لا يجوز علي الفرار وفي ركوبه عليه السلام للبغلة في موطن الحرب والطعن والضرب مع أنها لا تصلح للكر ولا للفر وإنما هي من مراكب الطمأنينة دلالة على نهايته في الشجاعة وثبات القلب والتوكل على الله تعالى

ص: 369

وأن الحرب عنده كالسلم وقوله أنا ابن عبد المطلب إنما انتسب لجده لأن شهرته بجده كانت أكثر من شهرته لأبيه، لأن أباه توفي شاباً في حياة عبد المطلب وشهرة جده ظاهرة شائعة وكان سيد قريش وليس هذا بشعر وإن كان متزناً إذ لم يقصد عليه السلام وزنه، وعند ابن ابي شيبة لم يبق معه عليه السلام إلا أربعة نفر ثلاثة من بني هاشم ورجل من غيرهم علي والعباس بين يديه وأبو سفيان بن الحارث آخذ بالعنان وابن مسعود من الجانب الأيسر وليس يقبل نحوه أحد إلا قتل أي بقتل الملائكة على المتبادر.

وفي الترمذي عن ابن عمر لقد رأيتنا يوم حنين وإن الناس لمولون وما مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم مائة رجل وقال الحافظ هذا أكثر ما وقفت عليه في عدد من ثبت. وروى أحمد والحاكم أنه ثبت معه ثمانون رجلاً من المهاجرين والأنصار وللنووي أنه ثبت مه اثني عشر وممن ذكر الزبير بن بكار أنه ثبت معه عبد الله بن الزبير بن عبد المطلب ونوفر بن الحارث بن عبد المطلب وعقيل بن أبي طالب وعتبة ومعتب ابنا أبي لهب وشيبة بن عثمان الحجبي وعند الواقدي وغيره أبا دجانة وأبا طلحة وحارثة بن النعمان وسعد بن عبادة وأسيد بن حضير وأبا بشر المازني وأم سليم وغير ذلك.

قال في المواهب وقع في شعر عباس بن عبد المطلب أن الذين ثبتوا كانوا عشرة فقط لقوله:

(نصرنا رسول الله في الحرب تسعة

وقد فر من قدر فر عنه فأقشعوا)

(وعاشرنا لاقى الحمام بنفسه

لما مسه في الله لا يتوجع)

وأقشعوا أي انكشفوان مطاوع قشع متعدياً، وعشارنا أيمن بن عبدي كما في الاستيعاب قالأه الزرقاني، وحصل فيمن ثبت خمسة أقوال أربعة الحافظ أنه قال لعل هذا يعني العشرة التي ذكر العباس هو المثبت ومن زاد على ذلك يكون عجل الرجوع فعد فيمن لم ينهزم، انتهى.

وقبل البيتين المتقدمين:

ص: 370

(ألا هل أتى عرسي مكري ومقدمي

بواد حنين والأسنة تشرع)

ولما انكشف المسلمون أمر عليه الصلاة والسلام العباس وكان صيتا قيل كان يسمع قوته من ثمانية أميال فقال يا عباس نادي يا معشر الأنصار يا أصحاب السمرة يعني الشجرة التي بايعوه تحتها بيعة الرضوان يا أصحاب سورة البقرة وخصت بالذكر حين الفرار لتضمنها كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة أو لتضمنها أوفوا بعهدي أوفي بعدكم، أو ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله، قاله الزرقاني. فلما سمع المسلمون نداء العباس أقبلوا كأنهم الإبل إذا حنت على أولادها حتى نزل صلى الله تعالى عليه وسلم كأنه في حرجة بفتح المهملة والراء وبالجيم شجر ملتف. قال العباس فلرماح الأنصار كانت أخوف عندي على رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم من رماح الكفار أخرجه البيهقي أي خاف أن يصيبه منها شيء بغير قصد لشدة عطفهم عليه. وفي رواية فأج ابوا لبيك لبيك، فيذهب الرجل ليثني بعيره فلا يقدر على ذلك، فيأخذ درعه فيقذفها في عنقه ويأخذ سيفه وترسه ويقتحم عن بعيره يخلي سبيله ويؤم الصوت حتى ينتهي إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فأمرهم عليه السلام أن يصدقوا الحملة فاقتتلوا مع الكفار وعند ابن إسحاق حتى إذا اجتمع عليه مائة منهم استقبلوا الناس فاقتتلوا فكانت الدعوى للأنصار ثم خلصت أخيراً للخزرج وكانوا صبراً عند الحرب فأشرف رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فنظر إلى قتالهم فقال الآن حمي الوطيس، والوطيس التنور يخبز فيه يضرب مثلاً بعد نطقه به عليه السلام إذ هو أول من نطق به كما صرح به غير واحد من شدة الحرب التي يشبه حرها حره وتناول عليه السلام حصيات من الأرض ثم قال شاهت الوجوه أي قبحت خبر بمعنى الدعاء ورمى بها في وجوه المشركين، زاد مسلم ثم قال انهزموا ورب محمد. فما خلق اللهم منهم إنساناً إلا ملأ عينيه من تلك القبضة بضم القاف الشيء المقبوض وهو المناسب هنا. قال البرهان ويجوز فتحها فما رجع الناس إلا والأسرى عنده صلى الله تعالى عليه وسلم مكتفون وروى البيهقي والطبري وغيرهما عن رجل كان في المشركين يوم حنين قال لما التقينا نحن وأصحاب رسول الله صلى الله

ص: 371

تعالى عليه وسلم لم يقوموا لنا حلب شاة فلما لقينا جعلنا نسوقهم في آثارهم حتى انتهينا إلى صاحب البغلة البيضاء فإذا هو رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وتلقانا عنده رجال بيض الوجوه حسان، فقالوا لنا شاهت الوجوه ارجعوا فانهزمنا وركبوا أكتافنا. وفي رواية وكانت إياها أي الهزيمة، وفي سيرة الدمياطي كان سيمى الملائكة يوم حنين عمائم حمر أرخوها بين أكتافهم وفي رواية عمائم خضر فيحتمل أن بعضها حمر وبعضها خضر، وعن جبير بن مطعم رأيت قبل هزيمة القوم أي المشركين والناس يقتتلون مثل البجاد الأسود أقبل من السماء حتى سقط بين القوم، فنظرت فإذا نمل أسود مبثوث قد ملأ الوادي لم أشك انها الملائكة ولم يكن إلا هزيمة القوم والبجاد بكسر الموحدة والجيم الخفيفة آخره دال مهملة الكساء، وجمعه بجد أراد أن الملائكة لكثرتهم واختلاط بعضهم ببعض صاروا كالبجاد المتصل أجزاؤه بنسجه. وعن شيوخ من الأنصار رأينا يومئذ كالبجد السود هوت من السماء ركاماً فإذا نمل مبثوث فإن كنا ننفضه عن ثيابنا فكان نصر الله أيدنا به، ولعل نزولهم في صورة النمل ليظهروا للمسلمين فسألوا عنهم ويتوصلوا بذلك للعلم لأن ذلك من معجزاته عليه السلام، نقله الزرقاني. وروى أحمد والحاكم والبيهقي برجال ثقاة عن ابن مسعود قال كنت مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يوم حنين فولى الناس وبقيت معه في ثمانين رجلاً من المهاجرين والأنصار فقمنا على أقدامنا ولم نولهم الدبر وهم الذين أنزل الله تعالى عليهم السكينة ورسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم على بغلته لم يمض قدماً فجادت به صلى الله تعالى عليه وسلم بغلته فمال السرج، فقلت ارتفع رفعك الله، فقال ناولني كفاً من تراب فضرب وجوههم وامتلأت أعينهم تراباً وجاء المهاجرون والأنصار سيوفهم بأيمانهم كأنها الشهب فولى المشركون الأدبار والسكينة الطمأنينة وجاد بغلته لعل معناه خرجت عن الاستقامة قال الزرقاني.

وروى البخاري في التاريخ عن عمرو بن سفيان قال قبص صلى الله تعالى عليه وسلم يوم حنين قبضة من الحصي فرمى بها وجوهنا فما

ص: 372

خيل لنا إلا أن كل حجر وشجر فارس يطلبنا انتهى.

ولما ثبت معه صلى الله تعالى عليه وسلم من ثبت، كان رجل من هوازن على جمل أحمر بيده راية سوداء في رأس رمح أمام هوازن إذا أدرك طعن برمحه وإذا فاته الناس رفع رمحه لمن وراءه فاتبعوه، فبينما هو كذلك إذ أهوى إليه علي بن أبي طالب ورجل من الأنصار فأتى علي من خلفه وضرب عرقوبي الجمل فوقع على عجزه وضرب الأنصاري الرجل ضربة أطنت قدمه بنصر ساقه، وحدث أنس أن أبا طلحة يوم حنين استلب عشرين رجلاً ولما انهزمت هوازن استحر القتل في ثقيف في بني مالك فقتل منهم سبعون رجلاً تحت رايتهم فيهم ذو الخمار ولما قتل أخذها عثمان بن عبد الله بن ربيعة فقاتل بها حتى قتل فقال عليه السلام أبعده اللن فإنه كان يبغض قريشاً وكانت راية الأحلاف مع قارب ابن الأسود، فلما انهزم الناس هرب هو وقومه من الأحلاف فلم يقتل غير رجلين يقال لأحدهما وهب، وللآخر الجلاح، فلما قتل الجلاح قال عليه السلام قتل اليوم سيد شباب ثقيف، إلا ما كان من أمر هنيدة يعني الحارث بن أوس، ولما انهزم المشركون أتوا الطائف ومعهم مالك بن عوف، وعسكر بعضهم بأوطاس وتوجه بعضهم نحو نخلة وتبعت خيله صلى الله تعالى عليه وسلم من سلك في نخلة فأدرك ربيعة بن رفيع بالفاء مصغرا دريد بن الصمت فأخذ بخطام جمله وهو يظن أنه امرأة، فإذا هو دريد ولا يعرفه الغلام فقال له دريج ما تريد؟ قال أقتلك. قال ومن أنت؟ قال أنا ربيعة بن رفيع السلمي، ثم ضربه بسيفه فلم يغن شيئاً فقال بئس ما سلحتك أمك. خذ سيفي من مؤخر الرجل ثم أضرب به وارفع عن العظام واخفض عن الدحماغ فإني كذلك كنت أضرب ثم إذا أتيت أمك فأخبرها أنك قتلت دريد بن الصمت، فرب والله يوم قد منعت فيه نساءك، ولما ضربه تكشف فإذا بطون فخذيه مثل القرطاس من ركوب الخيل أعراء فلما رجع ربيعة إلى أمه أخبرها، فقالت أما والله لقد أعتق أمهات لك ثلاثاً، وقالت عمرة بنت دريد ترثي أباها:

(قالوا قتلنا دريداً، قلت قد صدقوا

فظل دمعي على السربال ينحدر)

(لولا الذي قهر الأقوام كلهم

رأت سليم وكعب كيف يأتمروا)

اهـ من الاكتفاء. وفي الزرقاني أن ربيعة أدرك دريداً في ست مائة

ص: 373

نفس فقتله فيما جزم به ابن إسحاق. قال وروى البزار بإسناد حسن عن أنس لما انهزم المشركون انحاز دريد في ستمائة نفس على أكمة فرأوا كتيبة فقال حلوهم لي أي صفوهم، فحلوهم، فقال هذه قضاعة ولا بأس عليكم منها.

ثم رأوا كتيبة مثل ذلك، فقال هذه سليم، ثم رأوا فارساً وحده فقال حلوه لي، فقالوا معتجر بعمامة سوداء، فقال هذا الزبير بن العوام وهو قاتلكم ومخرجكم عن مكانكم، فالتفت الزبير فرآهم فمضى إليهم وتبعه جماعة فقتلوا ثلاثمائة وحز رأس دريد بن الصمت فجفلوا بين يديه فيحتمل أن ربيعة كان في جماعة الزبير، فباشر قتله فنسب إلى الزبير مجازاً نقله الزرقاني عن الحافظ، قال في المواهب: واستشهد من المسلمين أربعة منهم أيمن ابن أم أيمن وقتل من المشركين أكثر من سبعين، قال الزرقاني أي وقت الحرب فلا ينافي حديث البزار السابق، انتهى.

وبقيتهم يزيد بن زمعة بن الأسود بن مطلب بن أسد، جمح به فرسه، الجناح بلفظ جناح الطائر فقتل وسراقة بن الحارث الأنصاري وأبو عامر الأشعري كما عند ابن إسحاق وعند ابن سعد بدل يزيد بن زمعة، رقيم بضم الراء وفتح القاف ابن ثعلبة بن زيد بن لوذان بضم اللام وسكون الواو وذال معجمة لكن ابن إسحاق ذكره فيمن استشهد بالطائف، انتهى.

وذكر ابن إسحاق أن مالك بن عوف النصري بالصاد المهملة نسبة إلى نصر بن معاوية بن بكر بن هوازن وهو رئيسهم لما وصل إلى ثقيف منزهماً وجاءه عليه السلام وفد هوازن فسألهم عنه، فقالوا هو مع ثقيف فقال أخبروه أنه إن أتاني مسلماً رددت إليه أهله وماله وأعطيته مائة من الإبل، فأوتي مالك بذلك فركب مستخفياً فأتاه فرد عليه أهله وماله وأعطاه المائة وأسلم وحسن إسلامه، وقال:

(ما إن رأيت ولا سمعت بمثله

في الناس كلهم بمثل محمد)

(أوفى وأعطى للجزيل إذا اجتدى

ومتى تشأ يخبرك عما في غد)

(وإذا الكتيبة عودت أنيابها

بالسمهري وضرب كل مهند)

ص: 374

(فكأنه ليث على أشباله

وسط الهباءة خادر في مرصد)

فاستعمله عليه السلام على من أسلم من قومه وتلك القبائل فكان يقاتل بهم ثقيفاً لا يخرج لهم سرح إلا أغار عليه. انتهى المراد من كلامه.

وبعث عليه السلام عبيد بن سليم بالصتغير فيهما ابن حضار بفتح المهملة وشد المعجمة فألف فراء أبا عامر الأشعري وهو عم أبي موسى عبد الله بن قيس حين فرغ من حنين، في طلب من فر من هوازن إلى أوطاس بفتح الهمزة وسكون الواو وطاء وسين مهملتين وهو واد في ديار هوازن وهناك عسكروا هو وثقيف ثم التقوا بحنين، قال الحافظ والراجح أن وادي أوطاس غير واد حنين ويوضحه أن ابن إسحاق ذكر أن هوازن لما انهزموا صارت فرقة إلى الطائف وطائفة إلى نخلة وطائفة إلى أوطاس، وكان مع أبي عامر سلمة بن الأكوع الفارس المشهور، فانتهى إليهم أبو عامر فإذا هم مجتمعون، فقاتلوه فقتل منهم أبو عامر نفسه تسعة أخوة مبارزة، بعد أن يدعوا كل واحد منهم إلى الإسلام، ويقول اللهم اشهد عليه، ثم برز له العاشر معلماً بعمامة صفراء فدعاه إلى الإسلام وقال اللهم اشهد عليه، فقال اللهم لا تشهد علي. فكف عنه أبو عامر فأفلت ثم أسلم وحسن إسلامه.

وكان عليه السلام إذا رآه يقول هذا شريد أبي عامر بالراء، كذا ذكر ابن هشام عن من يثق به وجزم الواقدي بأن العاشر لم يسلم، وأنه الذي قتل أبا عامر وعلى الأول فاختلف فيمن قتل أبا عامر رضي الله عنه.

فقيل رماه ابنا جشم بن معاوية وهما العلاء بفتح المهملة وأوفى فأصاب أحدهما قبله والآخر ركبته فقتلاه فقتلهما أبو موسى الأشعري، وقيل أن أبا عامر قتله سلمة بن دريد بن الصمت فقتله أبو موسى وخلف أبا عامر أبو موسى في استخلافه، فقاتلهم حتى فتح الله عليه وظفر المسلمون بالسبايا والغنائم وكان في السبي الشيماء بفتح المعجمة وسكون التحتية ويقال فيها الشماء بلا ياء بنت الحارس بن عبد العزى واسمه جدامة بضم الجيم ودال مهملة وميم أو خذافة بضم الحاء المهملة وذال معجمة فألف ففاء أو خذافة بمعجمة مكسورة وذال معجمة أخته عليه السلام من الرضاعة، وكان صلى الله تعالى عليه وسلم قال إن

ص: 375

قدرتم على بجاد رجل من بني سعد فلا يفلتنكم، وكان أتاه مسلم فقتله وقطعه عضواً عضواً، ثم أحرقه بالنار فظفروا به فساقوه وأهله وساقوا معه الشيماء وأتعبوها بالسير، فقالت تعلمون والله إني أخت صاحبكم فلم يصدقوها فلما انتهوا إلى إليه صلى الله تعالى عليه وسلم قالت يا رسول الله إني أختك، قال وما علامة ذلك؟ قالت عضة عضضتنيها وأنا متوركتك، فعرف العلامة فبسط لها رداءه، فأجلسها عليه ورحب بها ودمعت عيناه، وقال لها إن أحببت فعندي محببة مكرمة وإن أحببت أن أمتعك وترجعي إلى قومك فعلت، فقالت بل تمتعني وتردني إلى قومي فأسلمت ومتعها عليه السلام وردها إلى قومها وأنزل الله تعالى {لقد نصركم الله في مواطن كثيرة ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم} إلى قوله {وذلك جزاء الكافرين} ، ثم جمعت له صلى الله تعالى عليه وسلم سبابا أهل حنين وأموالهم فأمر بها إلى الجعرانة فحبست بها حتى أدركها منصرفة من الطائف ويأتي ذكرها إن شاء الله، وقال العباس بن مرداس السلمي في يوم حنين:

(عفى مجدل من أهله فمتالع

فمطلى أريك قد خلى فالمصانع)

(ديار لنا يا جمل إذ جل عيشنا

رخي وصرف الدهر للحي جامع)

(حبيبية ألوت بها غربة النوى

لبين فهل ماض من العيش راجع)

(فإن تتبعي الكفار غير ملومة

فإني وزير للنبي وتابع)

(دعانا إليهم خير وفد علمتهم

خزيمة والمراد منهم وواسع)

(فجئنا بألف من سليم عليهم

لبوس لهم من نسج داوود رائع)

(يبايعه بالأخشبين وإنما

يد الله بين الأخشبين نبايع)

(فجسنا مع المهدي مكة عنوة

بأسيافنا والنقع كابن وساطع)

(علانية والخيل يغشى متونها

حميم وآن من دم الجوف ناقع)

(ويوم حنين حين سارت هوازن

حميم وآن من دم الجوف ناقع)

(صبرنا مع الضحاك لأي يستفزنا

قراع الأعادي منهم والوقائع)

(أمام رسول الله يخفق فوقنا

لواء مخذروف السحابة لامع)

(عشية ضحاك بن سفيان معتص

بسيف رسول الله والموت كانع)

(نذود أخانا عن أخينا ولو نرى

مصالا لكنا الأقربين نتابع)

ص: 376

(ولكن دين الله دين محمد

رضينا به فيه الهدى والشرائع)

(أقام به بعد الضلالة أمرنا

وليس لأمر حمه الله دافع)

مجدل كمنبر موضع ومتالع بالضم جبل والمطلى بكسر الميم ويمد المسيل الضيق أو الأرض السهلة وأريك كأمير واد، وغربة بفت المعجمة وسكون الراء فموحدة فتاء تأنيث البعد، قاله البناني. وجسنا ترددنا خلال دورها، وخذروف السحاب كعصفور البرق اللامع؛ واعتص بالسيف ضرب به ضرب العصى؛ وقوله نذود أخانا الخ .. يريد أن سليم من قيس كما أن هوازن من قيس أي نقاتل أخواننا من هوازن عن إخواننا من سليم ولو نرى في الدين مصالاً مفعلاً من الصولة لكنا مع الأقربين يعني هوازن.

وفي البخاري عن أبي موسى الأشعري بعثني يعني رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم مع أبي عامر فرمى أبو عامر في ركبته رماه جشمي بسهم فأثبته في ركبته قال أبو موسى فقلت له يا عم من رماك فأشار إلى فقال ذلك قاتلي الذي رماني.

فلحقته فلما رآني ولى فاتبعته وجعلت أقول له ألا تستحي، ألا تثبت، فكف فاختلفنا ضربتين بالسيف فقتلته فقلت لأبي عامر قتل الله قاتلك، قال فأنزع السهم مني فنزعته منه فنزى منه الماء قال يابن أخي أقرئ النبي صلى الله تعالى عليه وسلم مني السلام وقل له يستغفر لي ثم مات فرجعت فأخبرته بخبرنا وخبر أبي عامر ودعى بماء فتوضأ ثم رفع يديه وقال اللهم اغفر لعبيد أبي عامر، ورأيت بياض أبطيه ثم قال اللهم اجعله يوم القيامة في الجنة فوق كثير من خلقك. فقلت ولي فاستغفر، قال اللهم اغفر لعبد الله بن قيس ذنبه وأدخله يوم القيامة مدخلاً كريماً.

ص: 377

ثم بع حنين "غزوة الطائف" وقدمها الناظم في البيت السابق لأنه لم يقصد ترتيب الغزوات وهو بلد كبير على ثلاث مراحل أو اثنتين من مكة من جهة المشرق، كثير الأعناب والفواكه، قاله في المواهب.

قال الزرقاني ولك الجمع بأن الثلاث من عمران مكة والاثنتين من آخر ما ينتهي إليها من توابعها المنسوبة إليها انتهى.

سمي بذلك لأنه طاف على الماء في الطوفان ولأن جبريل طاف بها على البيت، أو لأنها كانت بالشام فنقلها الله إلى الحجاز بدعوة إبراهيم، أو لأن رجلاً من الصدف أصاب دماً بحضرموت ففر إلى وج وحالف مسعود بن معتب وكان له مال عظيم فقال هل لك أن نبني طوفاً عليكم يكون لكم ردء من العرب؟ فقالوا نعم. فبناه وهو الحائط المطيف به، قاله في القاموس.

وقال في المواهب وقيل إن أصلها أي سبب تسميتها بذلك أن جبريل عليه السلام اقتلع جنة أصحاب الصريم فسار بها إلى مكة فطاف بها حول البيت ثم أنزلها حيث الطائف، وكانت أولاً بنوا حي صنعاء، قال الزرقاني وكانت قصة أصحاب الجنة بعد عيسى بزمن يسير ذكر هذا النقاش وغيره. وفي الروض قيل وج هو الطائف، وقيل اسم واد بها ويشهد له قول الشاعر:

(أتهدي لي الوعيد ببطن وج

كأني لا أراك ولا تراني)

ويقال بتخفيف الجيم والصواب تشديدها، ويقال وج وأج بالهمز بدل الواد، قاله يعقوب. انتهى.

وعلى التشديد اقتصر القسطلاني وواوه مفتوحة سميت برجل من العمالقة وهو أول من نزلها، قاله في الفتح، قال الكلاعي ولما قدم فلُّ ثقيف الطائف أغلقوا عليهم أبواب مدينتهم وصنعوا الصانع للقتال، ولم يشهد حنيناً ولا الطائف عروة بن مسعود ولا غيلان بن مسلمة، كانا بجرش يتعلمان صنعة الدبابات والمجانيق؛ ثم سار صلى الله تعالى عليه وسلم إلى الطائف حين فرغ من حنين اهـ المراد منه.

ص: 378

والدبابة مشددة آلة للحرب، يدخل فيها الرجال فيدبون فيها إلى الحصون فينقبونها. وسار عليه السلام إليها في شوال سنة ثمان، وقدم خالد بن الوليد على مقدمته في ألف من أصحابه، قال في المواهب وكانت ثقيف لما انهزموا من أوطاس دخلوا حصنهم بالطائف، ورموه بالتشديد أي أصلحوه، وأغلقوه عليهم بعد أن أدخلوا فيه ما يصلحهم من القوت لسنة وتهيؤوا للقتال؛ انتهى.

فدنى خالد من الحصن فدار به ثم نادى بأعلى صوته ينزل إلى أحدكم أكلمه وهو آمن، أو اجعلوا لي مثل ذلك وأدخل عليكم، فقالوا لا ينزل غليك رجل منا ولا تصل إلينا، إن صاحبكم لم يلق قوماً يحسنون قتاله غيرنا.

قال خالد فاسمعوا من قولي، نزل صلى الله تعالى عليه وسلم بأهل الحصون يثرب وخيبر وأنا أحركم مثل يوم قريظة حصرهم أياماً ثم نزلوا على حكمه، فقتل مقاتلهم في صعيد واحد وسبى الذرية ثم فتح مكة وأوطأ هوازن في جموعها. قالوا لا نفارق ديننا. وكانت ثقيف أدخلت معها عقيلاً وغيرهم من العرب، قال في المواهب ومرّ صلى الله تعالى عليه وسلم في طريقه بقبر أبي رغلان وهو أبو ثقيف فاستخرج منه غصناً من ذهب اهـ وكان يتوكأ عليه كما في الزرقاني.

وروى ابن إسحاق والبيهقي عن ابن عمر أنه عليه السلام قال هذا قبر أبي رغال، وهو أبو ثقيف وكان من ثمود بهذا الحرم يدفع عنه، فلما خرج أصابته النقمة التي أصابت قومه بهذا المكان فدفن فيه اهـ وليس أبو رغال هذا هو دليل أبرهة لما مرّ بالطائف فإن بين مولده عليه السلام وهلاك ثمود ألوفاً، وسار عليه السلام حتى نزل قريباً من حصنهم ولا مثل له في حصون العرب، فرمت ثقيف المسلمين بالنبل رمياً شديداً كأنه رجل جراد بكسر الراء وسكون الجيم وهو الجماعة الكثيرة، فأصيبت قوم من المسلمين بجراحة، واستشهد منهم اثني عشر رجلاً، منهم عبد الله بن أبي امية أخو أم سلمة لأبيها، وسعيد بن سعيد

ص: 379

بن العاصي الأموي، وعرفطة بضم المهملة وسكون الراء وضم الفاء وطاء مهملة بن حباب بضم المهملة وخفة الموحدة عند ابن عقبة وابن هشام. ولابن إسحاق أنه ابن جناب بجيم ونون الأزدي ومنهم عبد الله بن عامر بن ربيعة حليف بني مخزوم والسائب وعبد الله ابنا الحارث بن قيس السهمي، وجليحة بضم الجيم وفتح اللام وسكون التحتية وحاء مهملة بن عبد الله ومن الأنصار ثابت بن الجزع بفتح الجيم والمعجمة ومهملة السلمي والحارث بن سهل والمنذر بن عبد الله ورقيم بن ثابت ذكره هنا ابن إسحاق وذكره ابن سعد في شهداء حنين ويزيد بن زمعة بن الأسود الأسدي ذكره ابن سعد هنا، وأما ابن إسحاق فعده في شهداء حنين وهو الذي تقدم. ورمى عبد الله بن أبي بكر الصديق يومئذ بسهم فاندمل جرحه ثم نقض بعد ذلك فمات في خلافة أبيه رضي الله عنهم أجمعين، وعده ابن إسحاق وأتباعه في الاثني عشر وأسقط منهم يزيد بن زمعة، كما مر، لكن عبد الله ليس بشهيد لبقائه بعد الحرب مدة طويلة كما قاله المالكية، والشافعية، وارتفع عليه السلام بعد قتل هؤلاء إلى موضع مسجد الطائف اليوم الذي بناه عمرو بن أمية بن وهب بن معتب لما أسلمت ثقيف، وكانت فيه سارية فيما يزعمون لا تطلع عليها الشمس يوماً من الدهر إلا سمع لها نقيض أكثر من عشر مرات بنون وقاف وتحتية ومعجمة أي صوت، وكان معه من نسائه أم سلمة وزينب وضرب لهما قبتين وكان يصلي بين القبتين في مدة حصارهم كلها، وهي ثمانية عشر أو خمسة عشر يوماً؛ ولوي بضعاً وعشرين. وروى مسلم عن أنس أنهم حاصروهم أربعين ليلة اهـ.

ونصب عليهم المنجنيق بفتح الميم وتكسر وميمه أصلية والنون زائدة ولذا حذفت في الجمع وهو معرب وهو أول منجنيق رمي به في الإسلام، وكان قدم قبل الطفيل الدوسي لما رجع من سرية ذي الكفين. وذكر ابن إسحاق أن المسلمين دخلوا في دبابة وهي من جلود البقر يوم الشدخة فيما شدخ فيه من الناس ثم زحفوا بها إلى جدار الحصن ليحفروه،

ص: 380