المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فهرس الكتاب

- ‌الكلام على البسملة

- ‌«ما ولدني من سفاح الجاهلية شيء

- ‌ ولنذكر حين تم شرح هذه الأبيات

- ‌ من يعقوب إسرائيل الله

- ‌(وحملت آمنة الزهرية)

- ‌ أصغر كوكب في السماء أكبر من الأرض بمائة وعشرين مرة

- ‌ وسأله أن يبعث له فيله "محمود

- ‌(فغاضت المياه) هذا من عجائب

- ‌(عفا جانب البطحاء من ال هاشم

- ‌ أول داخل رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌(بيان مبعث النبي الهادي

- ‌(فقام يدعو الإنس والجن إلى

- ‌ فكان أول دم أريق فى سبيل الله

- ‌(وكان قادرا على التدمير…لو شاء

- ‌ الجن على ثلاثة أصناف:

- ‌ وفى الجن ملل

- ‌ أول من خط بالقلم

- ‌(بيان هجرة النبى المختار

- ‌ واهتز لموته عرش الرحمن

- ‌ ما أكل منها جائع إلا شبع

- ‌(يا دار خير المرسلين

- ‌(أولها) غزوة ودان

- ‌ هذا كتاب من محمد رسول الله

- ‌أما غزوة بدر فهي أعظم

- ‌ لها سبعة أولاد شهدوا بدرا

- ‌(هنيئا زادك الرحمن فضلا

- ‌ وبعدها "غزوة أحد

- ‌ أنسيتم ما قال لكم رسول الله

- ‌(أنا ابن الذي سالت على الخد عينه

- ‌ غزوة حمراء الأسد

- ‌ غزوة دومة الجندل

- ‌ غزوة الخندق

- ‌ فلم يقم لقريش حرب بعدها

- ‌ اللهم منزل الكتاب

- ‌غزوة بني قريظة

- ‌ غزوة بني لحيان

- ‌ غزوة ذي قرد

- ‌ لئن رجعنا إلي المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل

- ‌ قال أهل الإفك في الصديقية الطاهرة

- ‌ غزوة الحديبية

- ‌ وإذا توضأ كادوا يقتتلون علي وضوئه

- ‌ فلما حصل الصلح اختلطوا بالمسلمين

- ‌ ثم خرج في بقية المحرم إلى خيبر

- ‌ثم يلي خيبر فتح واد القرى

- ‌ غزوة القضاء

- ‌غزوة مؤتة

- ‌ثم بعد مؤتة غزوة فتح مكة

- ‌غزوة حنين

- ‌ولما أسلمت ثقيف تكلمت أشرافهم

- ‌ اللهم لا تنسها لأبي سفيان

- ‌غزوة بني سليم

- ‌غزوة بني قينقاع

- ‌ثم غزوة السويق

- ‌غزوة غطفان

- ‌غزوة بحران

- ‌غزوة تبوك

- ‌(طلع البدر علينا

- ‌ولنذكر كلاما مختصراً في البعوث

- ‌ ثم بعد ذلك سرية محمد بن مسلمة

- ‌ثم سرية زيد بن حارثة إلى القردة

- ‌ فأتتهم فقتلت منهم سبعمائة رجل

- ‌ويليه بعث أبي عبيدة بن الجراح

- ‌ أيها الناس إني قد أجرت أبا العاصي

- ‌ثم سرية زيد سادسة إلى واد القرى

الفصل: ‌ غزوة الخندق

فخرج العذري طليعة وحده ووجد آثار النعم والشاء فرجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره، فلما دنا منهم لم يجد إلا النعم والشاء، فهجم على ماشيتهم ورعاتهم فأصاب من أصاب وهرب من هرب في كل وجه، وجاء الخبر أهل دومة فتفرقوا فرقا للرعب منه (صلى الله تعالى عليه وسلم) ونزل عليه السلام بساحتهم فأقام بها وبث السرايا وفرقها ولم يصيب منهم أحدا ودخل المدينة في العشرين من ربيع الآخر فتكون غيبته عن المدينة خمسا وعشرين ليلة ولعله جد في السير لما مر أن بعد دومة من المدينة خمسة عشر انتهى من المواهب وشرحها. وفي الاكتفاء بعد أبيات حسان ما نصه: ثم انصرف رسول الله (صلى الله تعالى عليه وسلم) إلى المدينة فأقام بها حتى مضى ذو الحجة وهي سنة أربع من مقدمة المدينة ثم غزا دومة الجندل ثم رجع قبل أن يصلها ولم يلق كيدا (صلى الله تعالى عليه وسلم) انتهى بحروفه.

تنبيه:

ذكر الكلاعي‌

‌ غزوة الخندق

عقب غزوة دومة والذي في المواهب ذكر غزوة المريسيع قبل الخندق تبعا لابن سعد وقال أنها كانت لليلتين خلتا من شعبان سنة خمس. قال الزرقاني ورواه البيهقي عن قتادة وعروة وغيرهما ولذا ذكرها أبو معشر قبل الخندق ورجحه الحاكم وهو الذي في مغازي موسى بن عقبة من عدة طرق ورجحه، وقال أي ابن حجر بعد كلام، فظهر أن المريسيع كانت سنة خمس في شعبان قبل الخندق لأنها كانت في شوال سنة خمس أيضا انتهى المراد من كلام الزرقاني. وسأتكلم عليها إن شاء الله عند قول الناظم الآتي بني المصطلق لأنها هي المريسيع غزوة الخندق وتسمى الأحزاب. أما تسميتها بالخندق فلأجل الخندق أي الحفر الذي حفر حول المدينة في شاميها من طرق الحرة الشرقية إلى طرق الحرة الغربية وأما تسميتها بالأحزاب فلاجتماع طوائف من الكفار عليها وهم قريش وغطفان وسليم واليهود

ص: 245

حتى بلغوا عشرة آلاف وانزل الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسلْنَا عَلَيهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيِرْ

إلى قوله: قَوِيًّا عَزِيزًا} وكان من سببها أنه (صلى الله تعالى عليه وسلم) لما أجلى بني النضير خرج نفر من اليهود منهم سلام بالتشديد عند ابن الصلاح وغيره ورجح الحافظ التخفيف مستندا لوقوعه في أشعار العرب، كقول أبي سفيان:

(سقاني فرواني كميتا مدامة

على ظمئ مني سلام ابن مشكم)

ابن مشكم بكسر الميم وسكون الشين المعجمة وفتح الكاف وسلام بن أبي الحقيق بحاء مضمومة فقاف مفتوحة فتحتية ساكنة ثم قاف أخرى وحيي بضم الحاء مصغرا بن أخطب بفتح الهمزة وسكون الخاء المعجمة وفتح الطاء المهملة كما في الزرقاني وكنانة بن الربيع النضيريون وهوذة بفتح الهاء وسكون الواو فذال معجمة فهاء تأنيث ابن قيس وأبو عمار الوائليان فقدموا على قريش ودعوهم إلى حربه عليه السلام، وقالوا إنا سنكون معكم عليه حتى نستأصله فقالت لهم قريش إنكم أهل الكتاب الأول والعلم فما أصبحنا نختلف فيه نحن ومحمد، أديننا خير أم دينه؟ قالوا بل دينكم خير من دينه. وأنتم أولى بالحق منه، فهم الذين أنزل الله تعالى فيهم: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ

إلى قوله تعالى: وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا} فلما قالوا ذلك لقريش سرهم ونشطوا لما دعوهم إليه وتواعدوا على وقت يخرجون فيه ثم خرج أولئك اليهود حتى جاؤا غطفان من قيس عيلان ودعوهم إلى حربه عليه السلام وأخبروهم أنهم سيكونون معهم وأن قريشا قد تابعوهم على ذلك وجعل اليهود لغطفان نصف تمر خيبر كل عام تحريضا لهم على الخروج، فخرجت قريش في أربعة آلاف وحملوا اللواء على عثمان بن أبي طلحة وقائدهم أبو سفيان، وخرجت غطفان وقائدها عيينة بن حصن بن بدر الفزاري في فزارة كسحابة قبيلة وكانوا ألفا وكتبوا إلى حلفائهم من أسد فخرج طليحة الأسدي فيمن تبعه من أسد والحارث المري بضم الميم وشد الراء في قومه وكانوا أربعمائة وهو أحد الفرسان المشهورين وأسلم بعد تبوك في وفد قومه وخرجت أشجع

ص: 246

يقودهم مسعود بن رخيلة بضم الراء وفتح الخاء المعجمة في أرعمائة وأسلم مسعود بعد، وكانت عشرة آلاف وكان عناج الأمر إلى أبي سفيان، انتهى من المواهب وشرحها. وعناج الأمر ككتاب ملاكه وكان المسلمون ثلاثة آلاف وهذا هو الصحيح المشهور وقيل في عدد الجميع غير ذلك. قال الزرقاني كان لقريش ألفا بعير وخمسمائة بعير ويقودون ثلاثمائة فرس ولاقتهم بنو سليم بمر الظهران يقودهم سفيان بن عبد شمس في سبعمائة وكان حليفا لحرب بن أمية وخرج غير وذكر ابن سعد أن المسلمين كان معهم ستة وثلاثون فرسا وأن قريشا لما تهيأت للخروج أتى ركب خزاعة النبي صلى الله عليه وسلم في أربع ليال حتى أخبروه فندب الناس وأخبرهم خبر عدوهم، وشاورهم أيبرز من المدينة أم يكون فيها ويحاربهم عليها؟ فأشار سلمان بالخندق فأعجبهم ولم يكن الخندق من شأن العرب ولكن من مكائد الفرس أي حيلهم التي يتوصلون بها إلى مرادهم ولذا أشار به سلمان، فقال رسول الله إنا كنا بفارس إذا حوصرنا خندقنا علينا، فأمر رسول الله (صلى الله تعالى عليه وسلم) وضرب الخندق على المسلمين أي جعل على كل عشرة وأربعين ذراعا، روى الطبراني أنه (صلى الله تعالى عليه وسلم) خط الخندق من أحمر الشيخين تثنية شيخ ضد شارب وهما أطمان تثنية أطم بضمتين طرق بني حارثة حتى بلغ المواحج فقطع لكل عشرة أربعين ذراعا، قال شيخنا لعلها حاصلة من ضرب قدر من الطول في العرض والحاصل من ذلك في العمق وليس المراد أن لكل عشرة وأربعين طولا لزيادة ذلك على مسافة عرض المدينة بكثير لكثرة الصحابة الحافرين. قلت وفي رواية خط (صلى الله تعالى عليه وسلم) الخندق لكل عشرة أناس عشرة أذرع انتهى. وعمل عليه السلام فيه بنفسه وعمل فيه المسلمون فدأب ودأبوا أي جدوا وتعبوا حتى كان سلمان يعمل عمل عشرة رجال حتى عانه قيس بن صعصعة أي أصابه بالعين فلبط بضم اللام وكسر الموحدة وبطاء مهملة أي صرع فجأة فقال (صلى الله تعالى عليه وسلم) مروه فليتوضأ

ص: 247

وليغتسل به سلمان وليكفي الإناء خلفه ففعل فكأنما حل من عقال وتنافس المهاجرون والأنصار في سلمان وكان رجلا قويا فقال المهاجرون سلمان منا وقال الأنصار سلمان منا. فقال (صلى الله تعالى عليه وسلم) سلمان منا أهل البيت. وفي البخاري عن أنس خرج رسول الله (صلى الله تعالى عليه وسلم) إلى الخندق فإذا المهاجرون والأنصار يحفرون بكسر الفاء في غداة باردة، فلما رأى ما بهم من النصب والجوع قال اللهم إن العيش عيش الآخرة فاغفر للأنصار والمهاجره بكسر الجيم وسكون الهاء، فقالوا أي الطائفتان مجيبين له:

(نحن الذين بايعوا محمدا

على الجهاد ما بقينا أبدا)

وقوله اللهم الخ

هو من قول ابن رواحة فتمثل به عليه السلام، فقال الداوودي إنما قال ابن رواحة لاهم بلا ألف ولا لام فأورده بعض الرواة على المعنى، قال الحافظ وحمله على ذلك ظنه أنه يصير غير موزون وليس كذلك بل يكون دخله الخزم وقوله فاغفر الخ

غير موزون ولعله عليه السلام تعمد ذلك ولعل أصله فاغفر للأنصار وللمهاجرة باللام في المهاجرة، وعن طاووس زيادة في آخر هذا الرجز، والعن عضلا والقارة هم كلفونا ننقل الحجارة، قال الحافظ وأوله غير موزون أيضا ولعله والعن إلهي عضلا والغارة انتهى. وعضلا بالتحريك ابن الهون بن خزيمة كما في القاموس، وفي البخاري عن البراء بن عازب قال لما كان يوم الأحزاب وخندق (صلى الله تعالى عليه وسلم) رأيته ينقل من تراب الخندق حتى وارى عني الغبار جلدة بطنه فسمعته يرتجز بكلمات ابن رواحة وهو ينقل التراب ويقول:

(اللهم لولا أنت ما اهتدينا

ولا تصدقنا ولا صلينا)

(فأنزلن سكينة علينا

وثبت الأقدام إن لاقينا)

(إن الأولى قد رغبوا علينا

إذا أرادوا فتنة أبينا)

ويمد بها صوته أي بقوله أبينا. وقوله قد رغبوا أي رغبوا العدو على قتالنا، وفي رواية بالعين المهملة أي رعبوا المسلمين بتحزبهم علينا،

ص: 248

وقوله أبينا أي أبينا الفرار فهو بالموحدة كما رجحه عياض وبالفوقية أي أتينا وأقدمنا على العدو، وروى البيهقي عن سلمان أنه (صلى الله تعالى عليه وسلم) حين ضرب في الخندق قال باسم الإله وبه بدينا ولو عبدنا غيره شقينا فحبذا ربا وحب دينا. قال في النهاية يقال بديت بالشيء بكسر الدال أي بدأت به، ووقع في الخندق أمور من أعلام نبوءته (صلى الله تعالى عليه وسلم) منها ما في الصحاح عن جابر قال إنا يوم الخندق نحفر فعرضت كدية شديدة فجاؤا النبي (صلى الله تعالى عليه وسلم) فقالوا هذه كدية عرضت في الخندق فقام وبطنه معصوب بحجر من الجوع ولبثنا ثلاثة أيام لا نذوق ذواقا بفتح الذال المعجمة أي شيئا فأخذ النبي (صلى الله تعالى عليه وسلم) المعول بكسر الميم وسكون العين وفتح الواو أي المسحاة فضرب فعاد كثيبا أهيل أو أهيم في الشك من الراوي والمعنى أنه صار رملا يسيل ولا يتماسك وأهيم بمعنى أهيل وعند أحمد والنسائي عن البراء بن عازب لما كان حين أمرنا رسول الله (صلى الله تعالى عليه وسلم) بحفر الخندق عرضت لنا في بعض الخندق صخرة لا تأخذ فيها المعاول جمع معول وهو الفأس العظيمة التي ينقر بها قوى الصخر كما في الجوهري فاشتكينا ذلك للنبي (صلى الله تعالى عليه وسلم) فجاء وأخذ المعول من يد سلمان فقال بسم الله ثم ضرب ضربة فنشر ثلثها بشين معجمة أي قطع فخرج نور أضاء ما بين لابتي المدينة وقال الله أكبر أعطيت مفاتيح الشام والله إني لأبصر قصورها الحمر من مكاني، ثم ضرب الثانية فقطع ثلثا آخر فبرقت برقة من جهة فارس أضاء ما بين لابتيها فقال الله أكبر أعطيت مفاتيج فارس، والله إني لأبصر قصر المدائن الأبيض الآن، وفي رواية والله إني لأبصر قصور الحيرة ومدائن كسرى كأنها أنياب الكلاب من مكاني هذا، وأخبرني جبريل أن أمتي ظاهرة عليها فابشروا بالنصر فسر المسلمون ثم ضرب الثالثة وقال بسم الله فقطع بقية الحجر فخرج نور من قبل اليمن فأضاء ما بين لابتي المدينة حتى كان مصباحا في جوف ليل مظلم، فقال الله أكبر أعطيت مفاتيح اليمن والله إني لأبصر

ص: 249

أبواب صنعاء من مكاني الساعة. قال ابن إسحاق وحدثني من لا أتهم عن أبي هريرة أنه كان يقول حين فتحت هذه الأمصار افتحوا ما بدى لكم، والذي نفس أبي هريرة بيده ما افتتحتم من مدينة ولا تفتحونها إلى يوم القيامة إلا وقد أعطى الله محمدا (صلى الله تعالى عليه وسلم) مفاتيحها قبل ذلك. ومن أعلام نبوءته (صلى الله تعالى عليه وسلم) ما في الصحيح من تكثير الطعام القليل فيه وهو صاع من شعير وعنز صغير فدعي بالقوم وهم ألف فبصق في العجين والبرمة قال جابر أقسم بالله لقد أكلوا حتى تركوه وإن برمتنا كما هي وإن عجيننا ليخبز كما هو ومنها حفنة التمر التي جاءت بها ابنة بشير بن سعد أخت النعمان بن بشير لأبيها وخالها ابن رواحة ليتغذيا به، فقال (صلى الله تعالى عليه وسلم) هاتيه فصبته في كفيه فما ملأهما ثم أمر بثوب فبسط له ثم قال لإنسان أصرخ في أهل الخندق أن هلم إلى الغذاء فاجتمعوا عليه فجعلوا يأكلون وجعل يزيد حتى صدروا عنه وإنه ليسقط من أطراف الثوب وقوله هم ألف قال الشامي أراد به الآكلين فقط لا عدة من حضر الخندق كما في الزرقاني قال في المواهب وقد وقع عند ابن عقبة أنهم أقاموا في عمل الخندق أي مدة حفره قريبا من عشرين ليلة وعند الواقدي أربعا وعشرين وعند ابن سعد ستة أيام، قال السمهودي وما لابن سعد هو المعروف، قال والذي لابن عقبة والروضة والنووي إنما هو في مدة الحصار لا في عمل الخندق وفي الروضة للنووي خمسة عشر يوما ولما فرغ (صلى الله تعالى عليه وسلم) من الخندق أقبلت قريش حتى نزلت بمجتمع السيول من رومة بين الجرف وزغابة، قال السهيلي بزاء مفتوحة وغين منقوطة وقيل بضم الراء وعين مهملة اسم موضع في عشرة آلاف منهم من أحابيشهم أي حلفائهم من التحبيش وهو التجميع لتجمعهم على أنهم يد واحدة أو لتحالفهم بذنبة حبشي جبل بأسفل مكة ونزلت غطفان ومن تبعهم بذنبة نقمي إلى جانب أحد وهو بفتح النون والقاف وفتح الميم مقصور، قال الصاغاني موضع من أعراض المدينة انتهى.

ص: 250

فائدة:

قال في القاموس وزغابة بالضم موضع قرب المدينة لكن في هامش المطبوع أنه فيه نظر انتهى.

فالصحيح ما للسهيلي وحبشي بالضم كما في القاموس، قال ومنهم أحابيش قريش لأنهم تحالفوا إلخ .. وخرج رسول الله تعالى عليه وسلم والمسلمون حتى جعلوا ظهورهم إلى سلع بفتح السين المهملة وسكون اللام وبالعين المهملة جبل بالمدينة وكانوا ثلاثة آلاف فضرب عسكره والخندق بينه وبين القوم وكان يبعث الحرس إلى المدينة، قال ابن سعد فكان يبعث سلمة بن أسلم في مائتي رجل وزيد بن حارثة في ثلاثمائة يحرسون المدينة خوفا على الذراري من بني قريظة، وخرج عدو الله حيي بن أخطب حتى أتى كعب بن أسد القرظي صاحب عهد بني قريظة وكان صالح رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم على قومه فأغلق كعب بابه دون حيي وأبى أن يفتح له وقال ويحك يا حيي إنك امرؤ مشئوم إني قد عاهدت محمدا فلست بناقص ما بيني وبينه فإني لم أر منه إلا وفاء وصدقا، فقال ويحك افتح لي أكلمك، فقال ما أنا بفاعل، فقال والله إن أغلقت دوني إلا تخوفا على جشيشتك أن أكل معك منها، ففتح له فقال ويلك يا كعب جئتك بعز الدهر، جئتك بقريش حتى أنزلتهم بمجتمع الأسيال ومن دونه غطفان وقد عاهدوني على أن لا يبرحوا حتى نستأصل محمدا ومن معه، فقال له كعب جئتني والله بذل الدهر وبجهام قد هراق ماءه يرعد ويبرق وليس فيه شيء ولم يزل يفتله في الذروة والغارب حتى نقض عهده وبرئ مما كان بينة وبين رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وهذا مثل أصله البعير يستصعب عليك فتأخذ القراد من ذروته وغاربه فيجد لذة فيأنس عند ذلك فضرب مثلا في المراوضة والمخاتلة، قال الحطيئة:

(لعمرك ما قراد بني بغيض

إذا نزع القراد بمستطاع)

ص: 251

قوله جشيشتك: قال في القاموس جشه كسره، ثم قال والجشيشة ما جش من بر ونحوه والمجشة الرحى والجشيشة حنطة تطحن جليلا فتجعل في قدر ويقلى فيه لحم أو تمر فيطبخ اهـ.

وعن عبد الله بن الزبير رضي الله تعالى عنهما قال كنت يوم الأحزاب أنا وعمر بضم العين ابن أبي سلمة مع النساء في أطم حسان وهو بضمتين حصن مبنى بحجارة فنظرت فإذا الزبير على فرسه يختلف إلى بني قريظة مرتين أو ثلاثا، فلما رجعت إلى منزلنا قلت يا أبت رأيتك تختلف إلى بني قريظة قال أرأيتني يا بني؟ قلت نعم. قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من يأت بني قريظة فيأتني بخيرهم؟ فانطلقت فلما رجعت جمع لي صلى الله تعالى عليه وسلم بين أبويه في الفداء فقال فداك أبي وأمي أخرجه الشيخان. وعند أصحاب المغازي فلما انتهى الخبر أي خبر نقض قريظة للعهد إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم بعث سعد بن معاذ وسعد بن عبادة ومعهما ابن رواحة وخوات بفتح الخاء المعجمة وشد الواو ففوقية ابن جبير الأوسي البدري، زاد الواقدي وأسيد بن حضير، فقال انطلقوا لتنظروا أحق ما بلغنا عن هؤلاء القوم فإن كان حقا فلحنوا إلى لحنا أعرفه ولا تفتوا في أعضاد الناس وإن كانوا على الوفاء فيما بيننا فاجهروا به للناس، فوجدوهم على أخبث ما بلغه عنهم، قالوا من رسول الله فتكلموا فيه بما لا يليق وتبرؤا من عهده فشاتمهم سعد بن معاذ فنهاه سعد بن عبادة وقال ما بيننا أربي من المشاتمة ثم أقبل السعدان ومن معهما فلحنوا له كما أمرهم، فقالوا عضل والقادرة، قال السهيلي اللحن العدول بالكلام عن الوجه المعروف عند الناس إلى وجه لا يعرفه إلا صاحبه كما أن اللحن الذي هو الخطأ عدول عن الصواب المعروف، وتفتوا بضم الفاء وشد الفوقية أي لا تكسروا من قوتهم وتوهنوهم وضرب العضد مثلا لأنه كناية عن الرعب الداخل في القلب ولم يرد كسرا حقيقيا ولا العضد الذي هو العضو وإنما هو عبارة عما يدخل من

ص: 252

الوهن في القلب وهو من أفصح الكلام، وقوله عضل والقارة أي غدروك كغدر عضل والقارة بأصحاب الرجيع، خبيب وأصحابه، فقال صلى الله تعالى عليه وسلم الله أكبر أبشروا يا معشر المسلمين وعظم عند ذلك البلاء واشتد الخوف وأتاهم عدوهم من فوقهم من أعلى الوادي من قبل المشرق غطفان ومن أسفل منهم من أسفل الوادي من قبل المغرب قريش حتى ظن المؤمنون كل ظن، ونجم بالنون والجيم أي ظهر النفاق من بعض المنافقين فأراد صلى الله عليه وسلم أن يعطي عيينة بن حصن ومن معه ثلث ثمار المدينة على أن يرجعوا، فقال السعدان يا رسول الله أمرا تحبه فنصنعه أم شيئا أمرك الله به لا بد لنا من العمل به؟ أم شيئا تصنعه لنا؟ قال بل شيء نصنعه لكم. والله ما أصنع ذلك إلا أني رأيت العرب قد رمتكم عن قوس واحدة. فأردت أن أكسر عنكم من شوكتهم. فقال له سعد بن معاذ يا رسول الله قد كنا نجن وهؤلاء القوم على الشرك بالله وعبادة الأوثان وهم لا يطمعون أن يأكلوا منها تمرة إلا قرى أو بيعا فحين أكرمنا الله بالإسلام وأعزنا بك وبه نعطيهم أموالنا؟ والله ما لنا بهذا من حاجة. والله ما نعطيهم إلا السيف حتى يحكم الله بيننا وبينهم.

قال صلى الله عليه وسلم فأنت وذاك.

قال ابن عائذ وأقبل نوفل بن عبد الله بن المغيرة يريد قتل النبي صلى الله عليه وسلم كما عند أبي نعيم على فرس له ليوثبه الخندق فوقع في الخندق فاندقت عنقه، فكبر ذلك على المشركين، فأرسلوا إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم إنا نعطيكم الدية على أن تدفعوه إلينا فندفنه، وعن الزهري أنهم أعطوهم في ذلك عشرة ألاف درهم، فرد إليهم النبي صلى الله عليه وسلم إنه خبيث خبيث الدية، فلعنه الله ولعن ديته ولا نمنعكم أن تدفنوه ولا أرب لنا في ديته.

وقال ابن إسحاق وأقام عليه الصلاة والسلام وعدوهم يحاصرهم ولم يكن بينهم قتال إلا مراماة بالنبل لكن كان عمرو بن عبد ودّ العامري

ص: 253

اقتحم هو ونفر معه خيولهم من ناحية ضيقة من الخندق حتى كانوا بالسبخة فبارزه علي فقتله، وبارز نوفل بن عبد الله بن المغيرة فقتله الزبير وقيل قتله علي، ورجعت بقية الخيول منهزمة انتهى من المواهب.

قال الزرقاني عن ابن سعد وعمرو بن عبد ودّ له يومئذ تسعون سنة والنفر الذين معه هم عكرمة بن أبى جهل وهبيرة بن أبي وهب المخزوميان وضرار بن الخطاب كما في ابن إسحاق وقوله خيولهم بالرفع بدل من الفاعل وقوله قتله الزبير: ضربة بالسيف حتى شقه اثنتين وقطع سرجه حتى خلص إلى كاهل الفرس فقيل ما رأينا مثل سيفك، فقال ما هو السيف ولكنها الساعد. وما ذكره عزاه في الفتح لابن إسحاق فتبعه المصنف ولم يذكر ذلك ابن هشام في روايته عن ألبكائي عنه فلعله في رواية غيره ثم هو معارض لما قدمه عن ابن عائذ وهو الذي ذكره ابن هشام عن زياد عن ابن إسحاق ومثله في رواية أبي نعيم وعليه اقتصر اليعمري، وذكر ابن جرير أن نوفلا لما تورط في الخندق رماه الناس بالحجارة فجعل يقول قتلة أحسن من هذه يا معشر العرب، فنزل إليه علي فقتله انتهى كلامه.

وفي الاكتفاء أن الفوارس المذكورين خرج إليهم علي بن أبي طالب في نفر من المسلمين حتى أخذوا عليهم الثغرة التي أقحموا منها خيلهم وأقبلت الفرسان تعنق نحوهم وكان عمرو بن عبد ودّ قد قاتل يوم بدر حتى أثخنته الجراح فلم يشهد أحدا، فلما كان يوم الخندق خرج معلما ليرى مكانه فلما وقف هو وخيله قال من يبارز؟ فبارز علي بن أبي طالب، فقال يا عمرو إنك كنت عاهدت الله لا يدعوك رجل من قريش إلى إحدى خلتين إلا أخذتها منه، فقال له علي فإني أدعوك إلى الله ورسوله وإلى الإسلام، قال لا حاجة لي بذلك، قال فإني أدعوك إلى النزال، قال له ولم يا بن أخي فو الله ما أحب أن أقتلك. قال علي لكني والله أحب أن أقتلك، فحمي عمرو عند ذلك فاقتحم عن فرسه فعقره وضرب وجهه ثم أقبل على علي فتنازلا وتجاولا فقتله علي

ص: 254

إسحاق في غير رواية البكائي أن عمرو لما نادى من يبارز؟ قام علي وهو مقنع في الحديد، فقال أنا له يا نبي الله. فقال له أجلس إنه عمرو. النداء وجعل يؤنبهم ويقول أين جنتكم التي تزعمون أنه من قتل منكم دخلها؟ أفلا تبرزون لي رجلا؟ فقام علي فقال أنا يا رسول الله، قال اجلس إنه عمرو ثم نادى الثالثة فقال:

(ولقد لححت من النداء

لجمعكم هل من مبارز)

(ووقفت إذ جبن المشجع

وقفة الرجل المناجز)

(وكذاك إني لم أزل

تسرعا قبل الهزاهز)

(إن الشجاعة في الفتى

والجود من خير الغرائز)

فقام علي رضي الله فقال أنا له رسول الله، فقال إنه عمرو فقال وإن كان عمرو؟ فأذن له رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، فمشى إليه علي وهو يقول:

(لا تعجلن فقد أتاك

مجيب صوتك غير عاجز)

(ذو نية وبصيرة

والصدق منجى كل فائز)

(إني لأرجو أن أقيم

عليك نائحة الجنائز)

(من ضربة نجلاء

يبقى ذكرها عند العجائز)

فقال له عمرو من أنت؟ قال علي. فقال غيرك يا بن أخي من أعمامك من هو أسن فإني أكره أن أهريق دمك، فقال علي لكني والله ما أكره أن أهريق دمك، فغضب ونزل وسل سيفه كأنه شعلة نار ثم أقبل نحو علي مغضبا ويقال أنه كان على فرسه فقال له علي كيف أقاتلك وأنت على فرسك ولكن انزل فنزل عن فرسه ثم أقبل نحوه فاستقبله علي بدرقته فضربه عمرو فيها فقدها وأثبت فيها السيف وأصاب رأسه فشجه وضربه علي على حبل العاتق فسقط وثار العجاج وسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم التكبير فعرف أن عليا قد قتله، وكانت صفية بنت عبد المطلب في أطم حسان بن ثابت قالت وحسان معنا فيه

ص: 255

مع النساء والصبيان، قالت صفية فمر بنا رجل من يهود فجعل يطيف بالحصن وقد حاربت بنو قريظة وليس بيننا وبينهم أحد يدفع عنا ورسوله الله صلى الله تعالى عليه وسلم والمسلمون في نحور عدوهم لا يستطيعون أن ينصرفوا إلينا إن أتانا آت، قالت قلت يا حسان إن هذا اليهودي كما ترى يطيف بالحصن وإني والله ما أمنه أن يدل على عورتنا من ورائنا من يهود فانزل إليه فاقتله، قال يغفر الله لك يا بنت عبد المطلب والله ولقد علمت ما أنا بصاحب هذا، فلما قال لي ذلك احتجزت ثم أخذت عمودا ثم نزلت من الحصن إليه فضربته بالعمود حتى قتلته فلما فرغت منه رجعت للحصن فقلت لحسان انزل فاسلبه فإنه لم يمنعني من سلبه إلا انه رجل، فقال ما لي بسلبه من حاجة انتهى المراد من الإكتفاء.

وفي الزرقاني أن عليا لما خرج إلى عمرو أعطاه صلى الله عليه وسلم سيفه وعممه وقال اللهم أعنه عليه لما قتله قال له عمر بن الخطاب رضي الله عنه هلا سلبته درعه؟ فإنه ليس في العرب درع خير منها؟ فقال إنه حين ضربته استقبلني بسوأته فاستحييت. وفيه عن السهيلي بعد ذكر ما مرّ عن صفية في شأن حسان فحمل هذا على أن حسان كان جبانا وأنكره بعض العلماء منهم ابن عبد البر لأنه حديث منقطع الإسناد ولو صح لهجي به حسان فإنه كان يهاجي الشعراء كضرار وابن الزبعرا وكانوا يناقضونه ويردون عليه، فما عيره أحد منهم بجبن ولا وسمه به فدل ذلك على ضعف حديث ابن إسحاق، وإن صح فلولا أنه كان معتلا ذلك اليوم بعلة تمنعه من شهود القتال ان انتهى.

وكانت عائشة رضي الله عنها يوم الخندق في حصن بني حارثة وكان من أحرز حصون المدينة وكانت معها أم سعد بن معاذ وكان ذلك قبل أن يضرب الحجاب قالت عائشة فمر سعد وعليه درع مقلصة وقد خرجت منها ذراعه كلها وفي يده حربته يرقل بها أي يسرع في نشاط وهو يقول:

لبث قليلا يشهد الهيجا حمل

ص: 256