المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ثم بعد مؤتة غزوة فتح مكة - نزهة الأفكار في شرح قرة الأبصار - جـ ١

[عبد القادر المجلسي]

فهرس الكتاب

- ‌الكلام على البسملة

- ‌«ما ولدني من سفاح الجاهلية شيء

- ‌ ولنذكر حين تم شرح هذه الأبيات

- ‌ من يعقوب إسرائيل الله

- ‌(وحملت آمنة الزهرية)

- ‌ أصغر كوكب في السماء أكبر من الأرض بمائة وعشرين مرة

- ‌ وسأله أن يبعث له فيله "محمود

- ‌(فغاضت المياه) هذا من عجائب

- ‌(عفا جانب البطحاء من ال هاشم

- ‌ أول داخل رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌(بيان مبعث النبي الهادي

- ‌(فقام يدعو الإنس والجن إلى

- ‌ فكان أول دم أريق فى سبيل الله

- ‌(وكان قادرا على التدمير…لو شاء

- ‌ الجن على ثلاثة أصناف:

- ‌ وفى الجن ملل

- ‌ أول من خط بالقلم

- ‌(بيان هجرة النبى المختار

- ‌ واهتز لموته عرش الرحمن

- ‌ ما أكل منها جائع إلا شبع

- ‌(يا دار خير المرسلين

- ‌(أولها) غزوة ودان

- ‌ هذا كتاب من محمد رسول الله

- ‌أما غزوة بدر فهي أعظم

- ‌ لها سبعة أولاد شهدوا بدرا

- ‌(هنيئا زادك الرحمن فضلا

- ‌ وبعدها "غزوة أحد

- ‌ أنسيتم ما قال لكم رسول الله

- ‌(أنا ابن الذي سالت على الخد عينه

- ‌ غزوة حمراء الأسد

- ‌ غزوة دومة الجندل

- ‌ غزوة الخندق

- ‌ فلم يقم لقريش حرب بعدها

- ‌ اللهم منزل الكتاب

- ‌غزوة بني قريظة

- ‌ غزوة بني لحيان

- ‌ غزوة ذي قرد

- ‌ لئن رجعنا إلي المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل

- ‌ قال أهل الإفك في الصديقية الطاهرة

- ‌ غزوة الحديبية

- ‌ وإذا توضأ كادوا يقتتلون علي وضوئه

- ‌ فلما حصل الصلح اختلطوا بالمسلمين

- ‌ ثم خرج في بقية المحرم إلى خيبر

- ‌ثم يلي خيبر فتح واد القرى

- ‌ غزوة القضاء

- ‌غزوة مؤتة

- ‌ثم بعد مؤتة غزوة فتح مكة

- ‌غزوة حنين

- ‌ولما أسلمت ثقيف تكلمت أشرافهم

- ‌ اللهم لا تنسها لأبي سفيان

- ‌غزوة بني سليم

- ‌غزوة بني قينقاع

- ‌ثم غزوة السويق

- ‌غزوة غطفان

- ‌غزوة بحران

- ‌غزوة تبوك

- ‌(طلع البدر علينا

- ‌ولنذكر كلاما مختصراً في البعوث

- ‌ ثم بعد ذلك سرية محمد بن مسلمة

- ‌ثم سرية زيد بن حارثة إلى القردة

- ‌ فأتتهم فقتلت منهم سبعمائة رجل

- ‌ويليه بعث أبي عبيدة بن الجراح

- ‌ أيها الناس إني قد أجرت أبا العاصي

- ‌ثم سرية زيد سادسة إلى واد القرى

الفصل: ‌ثم بعد مؤتة غزوة فتح مكة

كان تغير بالحزن لفقد جعفر وإن أراد القمر نفسه فإنه حق أيضاً لأن المفهوم منه تعظيم المصاب كقوله صلى الله تعالى عليه وسلم أما أبو الجهم فلا يضع العصا عن عاتقه أراد شدة تأديب الأهل وتأفل بتثليث الفاء أي تغيب ماضيه كضرب ونصر وعلم وقوله وبجدهم روي بالحاء المهملة أيضاً أي شجاعتهم وإقدامهم.

‌ثم بعد مؤتة غزوة فتح مكة

زادها الله تعالى تشريفاً وتعظيماً قال ابن أبي جمرة وكانت في رمضان سنة ثمان، وكان المسلمون عشرة آلاف وقال الزهري وعروة اثني عشر ألفاً انتهى المراد منه.

وقال في الاكتفاء غزوة الفتح. وأقام رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم بعد بعثه إلى مؤتة جماد الأخيرة ورجب ثم عدت بنو بكر بن عبد منات بعد كنانة بعد خزاعة انتهى المراد منه.

وقال في المواهب ممزوجاً ببعض كلام الزرقاني ثم فتح مكة زادها الله تعالى شرفاً وهو كما قال العلامة بن القيم في زاد المعاد في هدي خير العباد الفتح الأعظم الذي أعز الله به دينه ورسوله وجنده وحرمه الأمين واستنقذ به بلده وبيته الذي جعله هدى للعالمين من أيد الكفار والمشركين والإضافة للتشريف وقوله جعله هدى للعالمين أي هادياً لهم لأنه قبلتهم ومتعبدهم وهو الفتح الذي استبشر به أهل السماء وضربت أطناب عزه على مناكب الجوزاء ودخل الناس في دينه أفواجاً أي جماعات وأشرق به وجه الأرض ضياء وابتهاجاً أي سروراً، والاطناب جمع طنب بضمتين وهو حبل الخباء شبه العز بالخباء المتين وأثبت له الأطناب تخييلاً والجوزاء يقال إنها تعرض في جوز السماء أي وسطها خرج إليها رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم للتين خلتا من رمضان كما رواه أحمد بسند صحيح وهو أصح مما قال الواقدي أنه خرج لعشر ليال خلون منه وليس بقوي وروى البيهقي عن الزهري أنه صبح مكة لثلاث عشرة ليلة خلت منه وروي عن الزهري أيضاً أنه قال لا أغدري أخرج في شعبان فاستقبل رمضان أو خرج في رمضان بعدما دخل وعند مسلم أنه دخل مكة لست عشرة ولأحمد لثمان عشرة وجمع بينهما بحمل إحداهما على ما مضى والأخرى على ما بقي. وسبب خروجه نقض العهد الذي وقع في الحديبية وذلك أن الصلح وقع على أن من أحب أن

ص: 334

يدخل في عهده صلى الله عليه وسلم دخل فيه ومن أحب أن يدخل في عهد قريش دخل فيه، فدخلت بنو بكر في عقد قريش ودخلت خزاعة في عقده صلى الله تعالى عليه وسلم وكانت خزاعة حلفاء عبد المطلب وكان عليه السلام عارفاً بذلك وجاءته خزاعة يومئذ بكتاب عبد المطلب فقرأه عليه الصلام عارفاً بذلك وجاءته خزاعة يومئذ بكتاب عبد المطلب فقرأه عليه أبي بن كعب وهو باسمك اللهم هذا حلف عبد المطلب بن هشام لخزاعة إذا قدم عليه سرواتهم وأهل الرأي غائبهم يقر بما قاضى عليه شاهدهم أن بيننا وبينكم عهود الله وعقوده وما لا ينسى أبداً ليد واحدة والنصر واحد ما أشرف ثبير وثبت حراء وما بل بحر صوفه ولا يزداد فيما بيننا وبينكم إلا تجدداً أبد الدهر سرمدا. فقال صلى الله تعالى عليه وسلم ما أعرفني بحلفكم وأنتم على ما أسلمتم عليه من الحلف وكل حلف كان في الجاهلية فلا يزيده الإسلام إلا شدة ولا حلف في الإسلام انتهى.

والحلف المنهي عنه ما كان على الفتن والقتال والغارات والذي قواه الإسلام ما كان على نصر المظلوم وصلة الأرحام ونصرة الحق وكان بين بني بكر وخزاعة حروب في الجاهلية وذلك أن مالك بن عباد من بن الحضرمي خرج تاجراً فعدا عليه خزاعة فقتلوه وأخذوا ماله وكان حليف للأسود بن رزن بفتح الراء وكسرها فزاي ساكنة وتفتح فنون فعدت بنو بكر على خزاعي فقتلوه حمية للأسود فعدت خزاعة على بني الأسود وهم ذؤيب وسلمى بفتح السين وكلثوم فقتلوهم بعرفة عند أنصاب الحرم فبينما هم كذلك بعث رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فتشاغلوا عن ذلك فلما كانت الهدنة خرج نوفل بن معاوية وهو يومئذ قائد بني الديل من بني بكر في بني الديل حتى بيت خزاعة على ماء عندهم بأسفل مكة يقال له الوتير بفتح الواو وكسر الفوقية وسكون التحتية آخره راء قال السهيلي وهو في كلام العرب الورد الأبيض سمي به الماء فأصاب منهم رجلاً يقال له منبه وكان ضعيف الفؤاد وكان معه رجل يقال له تميم فقال له منبه يا تميم انج بنفسك فوالله إني لميت قتلوني أو تركوني لقد أنبت فؤادي فأفلت تميم وأدركوا منبهاً فقتلوه واستيقظت خزاعة فاقتتلوا فلما انتهوا إلى الحرم قالت بنو بكر يا نوفل إنا قد دخلنا الحرم إلهك إلهك، فقال كلمة عظيمة لا إله له يا بني

ص: 335

بكر، أصيبوا ثأركم وأمدت قريش بني بكر بالسلاح وقاتل بعضهم معهم ليلاً في خفية منهم صفوان بن أمية وعثمان بن شيبة وسهيل بن عمرو وحويط بن عبد العزاي ومكرز بن حفص، فلما دخلوا مكة لجأت خزاعة إلى دال بديل بن ورقاء الخزاعي ودخلت رؤساء قريش منازلهم وهم يظنون أنهم لا يعرفون وأن هذا لا يبلغه عليه الصلاة والسلام وأصبحت خزاعة مقتولين على باب بديل فقال سهيل لنوفل قد رأيت الذي صنعنا بك وبمن قتلت من القوم وقد حصرتهم تريد قتل من بقي وهذا ملا نطاوعك عليه فاتركهم، فتركهم، وندمت قريش على ما صنعوا وعرفوا أنه نقض للعهد.

فائدة:

الديل بكسر الدال المهملة وسكون الياء كما قاله الكسائي وأبو عبيدة وغيرهما وقال الأصمعي وسيبويه وأبو حاتم وغيرهم هو بضم الدال وكسر الهمزة وإنما فتحت في النسب كما فتحت ميم النمر في النمري ولام سلمة في السلمي فراراً من توال الكسرات وكان عيسى بن عمر ويونس وغيرهما ويكسرونها من النسب. قال الأصمعي وهو شاذ وهو الديل بن بكر بن عبد مناة بن كنانة وقول الشامي بكسر الدال وسكون الهمزة وتسهيل فيه نظر لأن الذين قالوا بكسر الدال إنما قالوا بعدها تحتية لا همزة والذين همزة إنما قالوا بكسرها والدال مضمومة نقلها العلامة الزرقاني.

ولما انقضى القتال خرج عمرو بفتح العين وقيل بضمها بن سالم الخزاعي في أربعين را كباً من خزاعة فقدموا عليه صلى الله تعالى عليه وسلم يخبرونه بما أصابهم ويستنصرونه فقام صلى الله تعالى عليه وسلم وهو يجر ردائه ويقول لا نصرت إن لم أنصركم بما أنصر به نفسي. وفي المعجم الكبير عن ميمونة قالت بات عندي رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ليلة فسمعته يقول في متوضئه لبيك لبيك لبيك، ثلاثاً، نصرت نصرت نصرت ثلاثاً، فلما خرج قلت يا رسول الله سمعتك تقول في متوضئك لبيك لبيك لبيك ثلاثاً، نصرت نصرت نصرت ثلاثاً، كأنك تكلم إنساناً؟ ! فقال هذا راجز بني كعب يستصرخني

ص: 336

ويزعم أن قريشاً أعانت عليهم بني بكر ففي أخباره به قبل قدومه علم من أعلام النبوة وفي آخر الحديث فأقمنا ثلاثاً ثم صلى عليه السلام بالناس صبح اليوم الثالث فسم‘ت الراجز ينشده:

(يا رب إني الخ

والرجز المذكور هو قوله:

(يا رب إني ناشد محمدا)

(حلف أبينا وابيه الأتلدا

قد كنتم ولدا وكنا والدا)

(ثمت أسلمنا ولم ينزع يدا

فانصر هداك الله نصرا أيدا)

(ودع عباد الله يأتوا مددا

فيهم رسول الله قد تجردا)

(ابيض مثل البدر يسموا صعدا

إن سيم خسفا وجهه تربدا)

(في فيلق كالبحر يجري مزبدا

إن قريشاً أخلوك الموعدا)

(ونقضوا ميثاقك المؤكدا

وجعلوا لي فيك داء رصدا)

(وزعموا أن لست أدعو أحدا

وهم أذل وأقل عددا)

(هم بيتونا بالوتير هجدا

وقتلونا ركعاً وسجدا)

يقول قتلونا وقد أسلمنا. فقال صلى الله تعالى عليه وسلم نصرت. ثم عرض عنان من السماء، فقال صلى الله تعالى عليه وسلم إن هذه السحابة لتستهل بنصر بني كعب. قاله الكلاعي والعنان بفتح المهملة ونونين بينهما ألف السحاب، قوله ناشد أي طالب ومذكر، وحلف بكسر المهملة وسكون اللام مناصرة، والأتلد أي الأقوم مما بيننا وبينه صلى الله تعالى عليه وسلم وقول الشامي أي القديم لا يناسب أفعل التفضيل وولد بضم الواو وسكون اللام لغة في ولد وذلك أن ولد بني عبد مناف أمهم من خزاعة وكذلك أم قصي وثمت حرف عطف أدخل عليها تاء التأنيث ونصراً أيدا قوياً مستمراً. وروي نصراً اعتدا بفتح المهملة وكسر الفوقية أي حاضراً مهيئاً ومدداً بفتحتين جيوشاً ينصروننا وقوله فيهم رسول الله أتى به لدفع توهم أنه يبعث سرية وتجرد روي بمهملة أي غضب وبجيم أي شمر وتهيأ لحربهم وسيم مبني للمفعول وخسفاً بفتح المعجمة وضمها أي أولى ذلا وتربد تغير وصعدا بضمتين والفيلق كصيقل الجيش وميثاقك: عهدك، والمؤكدا أي بالكتب والإشهاد ولست بضم التاء وروي بفتح التاء مع التاء في تدعوا وبيتونا أي قصدونا ليلاً من غير علم، وهجدا نوماً، جمع هاجد. قال السهيلي

ص: 337

وأسلمنا من السلم لأنهم لم يكونوا آمنوا بعد انتهى.

وتأوله بعضهم بأنهم حلفاء الذين يركعون ويسجدون ولا يخفى بعده. وفي رواية غير زياد هم قتلونا بصعيد هجدا. نتلوا القرآن ركعاً وسجداً. وهذا يبطل التأويل انتهى من الزرقاني.

وقوله أن اعتدا بكسر التاء هو بالتحريك أيضاً كما في القاموس وكداء كسماء جبل بأعلى مكة وهو الذي دخل منه صلى الله تعالى عليه وسلم دخل منه خالد ومن معه ومده البوصيري ضرورة في قوله وأكدى عند إعطائه القليل كداء، قاله شراحه، ورصده رقبه، والرصد محركة الراصدون، وروى الواقدي أنه صلى الله تعالى عليه وسلم قال كأنكم بأبي سفيان قد جاء يقول جدد العهد وزدني في المدة وهو راجع بسخطه ومشى الحارث بن هشام وعبد الله بن أبي ربيعة إلى أبي سفيان فقالا لئن لن يصلح هذا الأمر لا يروعكم إلا محمد في أصحابه فقال أبو سفيان قد رأت هند بنت عتبة رؤيا كرهتها وخفت من شرها، قالوا وما هي؟ قال رأت دماً أقبل من الحجون يسير حتى وقف بالخندمية مريا ثم كان ذلك الدم كأن لم يكن فكرهوا الرؤيا فقال أبو سفيان هذا أمر لم نشهده ولم أغب عنه لا يحمل إلا علي والله ما شورت فيه ولا هويته حتى بلغني ليغزوننا محمد إن صدقني ظني وهو صادقي وما بد في أن آتي محمداً فأكمله. فقالت قريش أصبت فخرج ومعه مولى وله على راحلتين وقدم على رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فدخل على بنته أم حبيبة فذهب ليجلس على فراشه صلى الله تعالى عليه وسلم فطوته عنه وقالت أنت رجل مشرك نجس، ولم أحب أن تجلس على فراش رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، قال والله يا بنية لقد أصابك بعدي شر ثم أتى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فكلمه فلم يرد عليه شيئاً، فذهب إلى أبي بكر فكلمه أن يكلم له رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، قال ما أنا بفاعل. فأتى عمر بن الخطاب فكلمه فقال أنا أشفع لكم والله لو لم أجد إلا الذر لجالدتكم به ما كان من حلفنا جديداً فأخلفه الله وما كان متيناً فقطعه الله وما كان منه مقطوعاً فلا وصله الله ثم أتى علياً وعنده فاطمة وعندها حسن غلام يدب بين

ص: 338

يديها فقال يا علي إنك أمس القوم بي رحماً وإن قد جئت في حاجة فلا أرجع كما جئت خائباً فاشفع لي فقال علي ويحك يا أبا سفيان والله لقد عزم صلى الله تعالى عليه وسلم على أمر ما نستطيع أن نكلمه فيه، فالتفت إلى فاطمة فقال يا بنت محمد صلى الله تعالى عليه وسلم هل لك أن تأمري بنيك هذا فيجير بين الناس فيكون سيد العرب إلى آخر الدهر. قالت والله ما بلغ بني أن يجير بين الناس وما كان يجير أحد على رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم. فقال لعلي يا أبا حسن إني أرى الأمور قد اشتدت علي فانصحني. قال والله ما أعلم شيئاً يغني عنك ولكنك سيد بني كنانة فقم فأجر بين الناس ثم الح بأرضك. فقال أوترى ذلك مغنياً عني شيئاً؟ قال لا والله ما أظنه ولكن لا أجد لك غير ذلك. فقام أبو سفيان فقال أيها الناس إني قد أجرت بين الناس ثم ركب بعيره فلما قدم على قريش قالوا وما وراءك؟ قال جئت محمداً فكلمته فوالله ما رد علي شيئاً ثم جئت ابن أبي قحافة فلم أجد فيه خيراً، ثم جئت ابن الخطاب فوجدته أدنى العدو، وفي لفظ أعدى العدو، ثم أتيت علياً فقال أنت سيد بني كنانة فأجر بين الناس، فناديت بالجوار، قالوا هل أجاز ذلك محمد، قال لا. قالوا رضيت بغير رضا وجئت بما لا يغني عنا ولا عنك شيئاً، والله ما زاد علي على أن لعب بك. فقال والله ما وجدت غير ذلك.

قال في المواهب فتجهز رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم من غير إعلام أحد بذلك، قال الزرقاني أي أولاً فلا ينافي ما عند ابن إسحاق وغيره أنه صلى الله تعالى عليه وسلم، أعلم الناس أنه سائر إلى مكة وأمرهم بالجد والتهيأ وقال اللهم خذ العيون والأخبار عن قريش حتى نبغتها في بلادها، فتجهز الناس وبغته كمنع فاجأه، وقال حسان يحرضهم ويذكر مصاب رجال خزاعة:

(عناني ولم أشهد ببطحاء مكة

رجال بني كعب تحز رقابهم)

(بأيدي رجال لم تسل سيوفهم

وقتلى كثير لم تجس ثيابها)

(ألا ليت شعري هل تنالن نصرتي

سهيل بن عمر وحرها وعقابها)

(فلا تأمننا يا ابن أم مجالد

إذا احتلبت صرفا واعضل نابها)

(فلا تجزعوا منها فإن سيوفنا

لها وقعة بالموت يفتح بابها)

ص: 339

قوله عناني: عناه الأمر يعنيه ويعنوه أهمه وقوله بأيدي رجال يعني قريشاً وابن أم مجالد عكرمة بن أبي جهل، فكتب حاطب بن أبي بلتعة بموحدة مفتوحة ولام ساكنة ففوقية فعين مهملة مفتوحتين عمر بن عمير اللخمي حليف بني أسد اتفقوا على شهوده بدراً كتاباً وأرسله إلى مكة يخبر بذلك مع امرأة استأجرها سماها ابن إسحاق سارة والواقدي كنود قيل كانت مولاة للعباس وقيل مولاة عمر بن هاشم بن المطلب فأطلع الله تعالى نبيه على ذلك فقال عليه السلام لعلي والزبير والمقداد كما أخرجه الشيخان عن علي وللبخاري عن علي أيضاً بعثني وأبا مرثد الغنوي والزبير وكلنا فارس قال الحافظ يحتمل أن الثلاثة كانوا معه فذكر أحد الراويين عنه ما لم يذكره الآخر ولم يذكر ابن إسحاق مع علي والزبير أحداً فالذي يظهر أنه كان مع كل منهما آخر تبعاً له، فقال عليه السلام انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ بخاءين معجمتين بينهما ألف على بريد من المدينة فإن بها ظعينة أي امرأة في هودج معها كتاب من حاطب بن أبي بلتعة إلى المشركين فخذوه منها. قال علي فانطلقنا تعادي بنا خيلنا بحذف إحدى التاءين أي تجري حتى أتينا الروضة فإذا نحن بالظعينة، ولابن إسحاق من مرسل عروة فأدركاها بالخليقة خليقة بني أحمد بقاف وخاء معجمة كسفينة منزل على اثنين وعشرين ميلاً من المدينة ولابن عقبة أدركاها ببطن ريم بكسر الراء وسكون التحتية وبالهمزة وبالميم واد بالمدينة فيحتمل أن الروضة اسم لمكان يشتمل عليهما وإلا فما في الصحيح أصح. قاله العلامة الزرقاني. قال فقلنا أخرجي بهمزة قطع الكتاب. قالت ما معي كتاب. فأنخناها فالتمسنا فلم نر كتاباً. فقلنا ما كذب رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم بفتحتين؛ وللاصيلي بضم الكاف وكسر المعجمة مخففة، قلنا لتخرجن الكتاب بضم الفوقية وكسر الراء والجيم أو لنلقين الثياب بضم النون وكسر القاف، وللأصيلي بضم الفوقية وحذف التحتية فأخرجته، من عقاصتها بكسر المهملة الخيط الذي تعتقص به أطراف الذوائب. وقال المنذري هو لي الشعر بعضه على بعض على الرأس وتدخل أطرافه في أصوله وقيل هو السير الذي تجمع به شعرها على رأسها، فأتينا به أي بالكتاب، رسول الله صلى الله تعالى عليه

ص: 340

وسلم، فإذا فيه من حاطب بن أبي بلتعة إلى ناس من المشركين بمكة يخبرهم ببعض أمر رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم. فقال يا حاطب ما هذا؟ قال يا رسول الله لا تعجل علي. ولابن إسحاق أما والله إني لمؤمن بالله ورسوله ما غيرت ولا بدلت إني كنت مرءاً ملصقاً بضم الميم وفتح الصاد في قريش أي مضافاً لهم أي كنت حليفاً وكان من معك من المهاجرين لهم قرابات يحمون بها أهليهم وأموالهم فأحببت إذ فاتني ذلك أن أتخذ عندهم يداً يحمون بها قرابتي ولم أفعله فأحببت إذ فاتني ذلك أن أتخذ عندهم يداً يحمون بها قرابتي ولم أفعله ارتداداً عن ديني ولا رضى بالكفر بعد الإسلام. فقال صلى الله تعالى عليه وسلم أما إنه قد صدقكم. زاد البخاري في بدر لا تقولوا له إلا خيراً فقال عمر يا رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم دعني أضرب عنق هذا المنافق، فقال إنه قد شهد بدراً وما يدريك لعل الله اطلع على من شهد بدراً فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم، فدمعت عينا عمر وقال الله ورسوله أعلم.

قوله لعل الله ورسوله الخ قال النووي هذا الترجي راجع إلى عمر لأن وقوع هذا الأمر محقق عند الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم انتهى.

وفي الفتح هي بشارة عظيمة لم تقع لغيرهم وقد قال العلماء الترجي في كلام الله وكلام الرسول للوقوع وعند أحمد وأبي داود بالجزم بلفظ أن الله اطلع على أهل بدر واتفقوا أن هذه البشارة فيما يتعلق بأحكام الآخرة لا بأحكام الدنيا من إقامة الحدود وغيرها فأنزل الله تعالى في حاطب {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة} إلى قوله: {قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه} قال في الفتح وإنما قال عمر دعني يا رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم اضرب عنق هذا المنافق مع تصديق رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم لحاطب فيما اعتذر به ونهيه أن يقال له إلا خيراً فيما كان عند عمر من الشدة في الدين وبغض المنافقين فظن أن من خالف ما أمر به عليه السلام من اخفاء مسيره عن قريش يستحق القتل لكنه لم يجزم به فلذلك استأذن في قتله ولو جزم به لما استأذن وأطلق عليه منافقاً لإظهاره خلاف ما أبطن فلم يرد عمر أنه أظهر الإسلام وأخفى الكفر وعذر حاطب ما ذكره من خوفه على أهله وماله فإنه فعل ذلك متأولاً أن

ص: 341

لا ضرر فيه كما صرح به في قوله كتبت كتاباً لا يضر الله ورسوله واستشكل قوله اعملوا ما شئتم فإن ظاهره الإباحة وهو خلاف عقد الشرع. وأجيب بأن هذا خطاب تشريف وإكرام تضمن أنهم حصلت لهم حالة غفرت بها ذنوبهم السالفة وصاروا بها أهلاً لأن يغفر لهم ما يلحقهم من الذنوب بعد هذه الوقعة إن وقع وليس المراد أنهم أنجزت لهم مغفرة الذنوب اللاحقة بل لهم صلاحية أن يغفر لهم ما سيقع. فقد أظهر الله تعالى صدق رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم في ذلك فإنهم لم يزالوا على أعمال أهل الجنة إلى أن فارقوا الدنيا ولو قدر صدور شيء من أحدهم لبادر إلى التوبة ولازم الطريق المثلى يقطع بذلك من أحوالهم من اطلع على سيرهم ولذا لما شرب قدامة بن مظعون من أهلها أيام عمر وحدّه رأى عمر في المنام من يأمره بمصالحة قدامة. وقيل في الجواب أن ذنوبهم تقع إذا وقعت مفغورة وما أحسن قوله:

(وإذا الحبيب أتى بذنب واحد

جاءت محاسنه بألف شفيع)

نقله الزرقاني عن ابن حجر والقسطلاني. ثم مضى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم حتى نزل بمر الظهران في عشرة آلاف أو اثني عشر ألفاً كما مر فسبعت سليم وقيل ألفت وألفت مزينة وفي كل القبائل عدداً وأوعب المهاجرون والأنصار ولم يتخلف منهم أحد قاله الكلاعي وكان العباس أسلم قديماً فخرج بأهله وعياله مهاجراً ولقي رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم بالجحفة وقيل بذي الحليفة وسار معه إلى الفتح وبعث ثقله إلى المدينة. قال البلاذري وقال له صلى الله تعالى عليه وسلم هجرتك يا عم آخر هجرة كما أن نبوءتي آخر نبوءة. وكان ممن لقيه بالطريق ابن عمه وأخوه من الرضاعة أرضعتهما حليمة. أبو سفيان بن الحارث ومعه ولده جعفر وكان غلاماً مدركاً وشهد هو وأبوه حنيناً وكان أبو سفيان يألف رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم قبل البعثة ولا يفارقه فلما بعث عاداه وهجاه وأجابه حسان عنه كثيراً، قال القسطلاني وكان لقاءهما له عليه السلام بالأبواء وأسلما قبل دخوله مكة وقيل لقيه هو وعبد الله بن أبي أمية ابن عمته عاتكة بنت عبد المطلب بين السقيا بضم السين وسكون القاف قرية جامعة والعرج بفتح فسكون قرية جامعة على ثلاثة أميال في المدينة بطريق مكة وبهذا

ص: 342

القول جزم ابن إسحاق وعين المحل فقال لقياه بنقب العقاب فأعرض صلى الله تعالى عليه وسلم عنهما فكلمته أم سلمة فيهما فقالت يا رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم عنهما فكلمته أم سلمة فيهما فقالت يا رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ابن عمك وابن عمتك وصهرك قال لا حاجة لي بهما أما ابن عمي فهتك عرضي وأما ابن عمتي وصهري فهو الذي قال لي بمكة ما قال. يعني قوله والله لا آمنت بك حتى تتخذ سلماً إلى السماء فتعرج فيه، وأنا أنظر ثم تأتي بصك وأربعة من الملائكة يشهدون أن الله تعالى أرسلك، فقالت له أم سلمة لا يكن ابن عمك وابن عمتك أشقى الناس بك وهذا نهي لهما في الظاهر وهو في الحقيقة سؤال له عليه السلام أن يقبل عليهما وتلطفت في العبارة أدباً أن تخاطبه بصورة نهي، فلما خرج إليهما الخبر بذلك قال أبو سفيان والله ليأذنن أو لأخرجن بابني هذا ثم لنذهبن في الأرض حتى نموت عطشاً وجوعاً. فلما بلغ ذلك النبي صلى الله تعالى عليه وسلم رق لهما ثم إذن لهما فدخلا عليه وأسلما وأنشد أبو سفيان:

(لعمرك إني يوم أحمل رايتي

لتغلب خيل اللات وخيل محمد)

(لكالمدلج الحيران أظلم ليلة

فهذا أواني حين اهدي واهتدي)

(الأبيات)

وقال علي لأبي سفيان إيت رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم من قبل وجهة فقل له ما قال إخوة يوسف ليوسف، {تالله لقد آثرك الله علينا وإن كنا لخاطئين} ، فإنه لا يرضى أن يكون أحد أحسن منه قولاً ففعل ذلك أبو سفيان فقال له صلى الله تعالى عليه وسلم لا تثريب أي لا عتب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين.

ويقال أن أبا سفيان ما رفع رأسه إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم حياء منه منذ أسلم. وقال عند موته لا تبكن علي فإني لم أنطق بخطيئة منذ أسلمت. ولما نزل عليه السلام بمر الظهران أمر أصحابه فأوقدوا عشرة آلاف نار لتراها قريش فترعب من كثرتها قال الزرقاني ولم يأمر باقي من معه وهم ألفان بالإيقاد تخفيفاً ولم يبلغ قريشاً مسيره وهم مغتمون خائفون من غزوه إياهم فبعثوا أبا سفيان وقالوا خذ لنا أماناً من محمد فخرج أبو سفيان وحكيم بن جزام وبديل مصغر بن ورقاء الخزاعي وأسلموا كلهم يوم الفتح حتى أتوا مر الظهران فلما

ص: 343

رأوا العسكر أفزعهم ولابن أبي شيبة فإذا النيران قد أخذت الوادي كله، وفي البخاري فإذا هم بنيران كأنها نيران عرفة فقال أبو سفيان ما هذه النيران والله لكأنها نيران عرفة فقال له بديل بن ورقاء هذه نيران بني عمرو بفتح العين وفي رواية نيران بني كعب يعني بهما خزاعة، وعمر هو ابن لحي كما في الفتح وغيره فقال أبو سفيان عمرو أقل من ذلك أي من أن تكون هذه نيرانها يعني خزاعة فرأوهم ناس من حرس رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فأخذوهم فقالوا من أنتم؟ فقالوا هذا رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وأصحابه. فقال أبو سفيان هل سمعتم بمثل هذا الجيش نزل على أكباد قوم لم يعلموا بهم. وعند ابن إسحاق أن العباس خرج ليلاً على بغلته صلى الله تعالى عليه وسلم قال فوالله إني لأسير عليها إذ سمعت كلام أبي سفيان وبديل بن ورقاء وهما يتراجعان وأبو سفيان يقول ما رأيت كالليلة نيراناً ولا عسكراً. فقال بديل هذه خزاعة حمشتها الحرب، فقال أبو سفيان خزاعة أذل وأقل من أن تكون هذه نيروانها. قال فعرفت صوته، فقلت أبا حنظلة فعرف صوتي، فقال أبا الفضل، قلت نعم. قال ما لك فداك أبي وأمي، قلت ويحك يا أبا سفيان هذا رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم في الناس وأصباح قريش والله، قال لما الحيلة فداك أبي وأمي قلت والله لئن ظفر بك ليضربن عنقك فاركب في عجز هذه البغلة حتى أتى بك رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فاستأمنه لك، فركب خلفي فسرت به كلما مر بنار من نيران المسلمين قالوا من هذا؟ فإذا رأوا بغلته صلى الله تعالى عليه وسلم وأنا عليها قالوا عم رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم على بغلته حتى مر بنار عمر بن الخطاب فقال من هذا؟ وقام إلي، فلما رأى رأبا سفيان قال أبو سفيان عدو الله، الحمد لله الذي أمكن منك بغير عقد ولا عهد ثم خرج يشتد وركضت البغلة فسبقته واقتحمت عن البغلة فدخلت عليه صلى الله تعالى عليه وسلم ودخل عليه عمر فقال يا رسول الله هذا أبو سفيان قد أمكن الله منه بغير عهد، فدعني فأضرب عنقه، قلت يا رسول الله إني قد أجرته، فلما أكثر عمر في شأنه قلت مهلاً يا عمر فوالله لئن كان من رجال بني عدي بن كعب لما قلت هذا ولكنك قد علمت أنه من رجال بن عبد مناف، فقال

ص: 344

مهلاً يا عباس فوالله لإسلامك يوم أسلمت كان أحب إلي من إسلام الخطاب لو أسلم وما بي إلا أني قد عرفت أن إسلامك كان أحب إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم من إسلام الخطاب فقال صلى الله تعالى عليه وسلم اذهب به يا عباس إلى رحلك فإذا أصبحت فأتني به، فذهبت به فلما أصبحت غدوت به إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، فلما رآه قال ويحك يا أبا سفيان ألم يأن لك أن تعلم أنه لا إله إلا الله؟ قال بأبي أنت وأمي ما أحلمك وما أكرمك وما أوصلك والله إلا لقد ظننت أن لو كان مع الله إله غيره لقد أغني شيئاً بعد قال ويحك يا أبا سفيان ألم يأن لك أن تعلم أني رسول الله؟ قال بأبي أنت وأمي ما أحلمك وأكرمك وأوصلك أما والله هذه فإن في نفسي منها شيء حتى الآن. فقال له العباس ويحك أسلم قبل أن تضرب عنقك، فشهد شهادة الحق وأسلم. قال العباس قلت يا رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم إن ابا سفيان رجل يحب الفخر فاجعل له شيئاً قال نعم، من دخل دار أبي سفيان فهو آمن ومن أغلق عليه بابه فهو آمن ومن دخل المسجد فهو آمن، فلما سار قال صلى الله تعالى عليه وسلم احبسه بمضيق الوادي عند خطم الجبل بفتح الخاء المعجمة وسكون الطاء المهملة أي أنفه، وفي رواية حطم بفتح الحاء المهملة الخيل بفتح المعجمة وسكون التحتية، أي ازدحامها، وحبسه العباس هناك ليرى الجميع فجعلت القبائل تمر كتيبة كتيبة، على أبي سفيان والكتيبة بوزن عظيمة قطعة من الجيش من الكتب بفتح فسكون وهو الجمع قال الواقدي وأول من قدم عليه السلام خالد بن الوليد في سلم وهم ألف أو تسعمائة معهم لواءان يحملهما خالد بن الوليد في سليم وهم ألف وتسعمائه معهم لواءان يحملهما العباس بن مرداس وخفائف بضم المعجمة بن ندبة بمض النون وراية مع الحجاج بن علاط فقال من هؤلاء؟ فقال خالد بن الوليد، قال الغلام؟ قال نعم. قال ومن معه قال بنو سليم، قال مالي وبني سليم؟ ثم مر على أثره الزبير بن العوام في خمسمائة من المهاجرين وأفتاء العرب فقال من هؤلاء؟ قال الزبير بن العوام، قال ابن أختك؟ قال نعم. فمرت بعدهما كتيبة في ثلاثمائة يحمل رايتهم أبو ذر فقال من هذه؟ قال غفار بكسر الغين المعجمة، قال مالي ولغفار؟ أي ما كانت بيني وبينهم حرب، ثم مرت أسلم بفتح اللام كما في القسطلاني في المناقب في

ص: 345

أربعمائة فقال من هؤلاء؟ قال أسلم، قال ما لي ولأسلم؟ ثم مرت بنو كعب بن عمرو، قال هؤلاء حلفاء محمد صلى الله عليه وسلم، ثم مرت مزينة فيها مائتا فرس، قال من هؤلاء؟ قال مزينة، قال مالي وما لمزينة قد جاءتني تتقعقع من شواهقها، ثم مرت جهينة في ثمانمائة، قال من هؤلاء؟ قال جنهينة، قال ما لي ولجهينة، والله ما كان بيني وبينهم حرب قط، وفي رواية زيادة أشجع وتميم وفزارة وفي البخاري زيادة سعد بن هذيم وهو سعد بن زيد بن ليث بن سود بضم المهملة بن أسلم بضم اللام كما في ابن حجر والزرقاني والقسطلاني بن الحاف بمهملة وفاء ابن قضاعة حتى مر رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم في الكتيبة الخضراء التي لم ير مثلها معه المهاجرون والأنصار مع كل بطن من الأنصار لواء وراية وهم في الحديد لا يرى منهم إلا الحدث ولعمر فيها زجل بصوت عال وهو يقول رويدا يلحق أو لكم آخركم، وإنما قيل لها الخضراء لكثرة الحديد فيها. قال ابن هشام والعرب تكني بالخضرة عن السواد وبه عنها ولعله إيثار للون المحبوب لنفرة النفوس من السواد، وفي البخاري يقال فيها ألفا دارع أي بالتثنية وكان على الأنصار سعد بن عبادة معه الراية فقال يا أبا سفيان اليوم يوم الملحمة أي يوم حرب لا مخلص منه أو يوم قتل يقال لحم فلان إذا قتله اليوم تستحل الكعبة أي يقتل من أهدر دمه ولو تعلق بأستارها وقتال من عارض من أهل مكة وبإزالة ما يزعمون أنه تعظيم لها من أصنام وصور وقد وقع جميع ذلك فقال أبو سفيان يا عباس حبذا يوم الذمار بالمعجمة المكسورة وخفة الميم أي الهلاك تمنى أن ت كون له قوة فيحمي قومه قاله عجزا، وقيل معناه هذا يوم الغضب للحرم إن قدر عليه وقيل معناه هذا يوم يلزمك فيه حفظي وحمايتي بقربك للمصطفى صلى الله تعالى عليه وسلم فسمع مقالة سعد رجل من المهاجرين فقال يا رسول الله ما نأمن أن تكون لسعد في قريش صولة وللواقدي أن عثمان وعبد الرحمن قالا ذلك جميعاً، فقال لعلي الحقه وخذ الراية منه وكن أنت تدخل بها وروى الأموي أن أبا سفيان قال له صلى الله تعالى عليه وسلم لما حاذاه أمرت بحذف الاستفهام بقتل قومك؟ قال لا وذكر له ما قال سعد ثم ناشده الله

ص: 346

تعالى والرحم فقال يا أبا سفيان اليوم يوم المرحمة أي الرأفة اليوم يعز الله تعالى قريشاً أي بالإسلام وإنقاذهم من الضلال وحجزهم عن الوقوع في المهالك.

وأرسل عليه السلام إلى سعد فأخذ الراية منه ودفعها لابنه قيس ورأى عليه السلام أن اللواء لم يخرج عنه إذ صار إلى ابنه. ولابن عساكر أن سعداً لما قال ذلك عارضت امرأة رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فقالت يا نبي الهدى إليك لجا الخ

فلما سمع الشعر دخلته رأفة فأمر بالراية فأخذت من سعد ودفعت لابنه. وللواقدي أنه أبى أن يسلمها إلا بأمارة منه عليه السلام فأرسل إليه بعمامته. وعنعد أبي يعلي أنه صلى الله تعالى عليه وسلم دفع الراية إلى الزبير فكان معه لواء المهاجرين ولواء الأنصار والظاهر في الجمع بين هذه الثلاثة كما للحافظ أن علياً أرسل لينزعها ويدخل بها ثم خشي تغيير خاطر سعد فأمر بدفعها إلى ابنه فخشي سعد أن يقع من ابنه شيء يكرهه النبي صلى الله تعالى عليه وسلم فسأله أن يأخذها منه، فأخذها الزبير وعند الواقدي والأموي أن الشعر لضرار بن الخطاب الفهري قال أبو الربيع وهو من أجود شعره قال الحافظ وكان ضراراً أرسل به المرأة ليكون ذلك أبلغ في انعطافه عليه السلام على قريش والشعر المذكور هو:

(يا نبي الهدى اليك لجا

حيي قريش ولات حين لجائي)

(حين ضاقت عليهم سعة الأر

ض وعاداهم إله السماء)

(والتقت حلقة البطان على القو

م ونودوا بالصيلم الصلعاء)

(إن سعداً يريد قاصمة الظهـ

ر بأهل الحجون والبطحاء)

(خزرجي لو يستطيع من الغيـ

ـظ رمانا بالنسر والعواء)

(وغير الصدر لا يهم بشيء

غير سفك الدما وسبي النساء)

(قد تلظى على البطاح وجاءت

عنه هند بالسوءة السوءاني)

(إذ ينادي بذل حي قريش

وابن حرب بذا من الشهداء)

(فلئن أقحم اللواء ونادا

يا حماة الأدبار أهل اللواء)

(ثم ثابت إليه من بهم الخز

رج والأوس أنجم الهيجاء)

ص: 347

(لتكونن بالبطاح قريش

فقعة القاع في أكف الإماء)

(فانهينه فإنه أسد الأسـ

ـد لدى الغاب والغ في الدماء)

(إنه مطرق يريد لنا الأمـ

ـر سكوتا كالحية الصماء)

ولجا بالألف للضرورة وهو بالهمزة من باب نفع وتعب كما في المصباح وروي آخره وأنت خير لجاء، وسعة بفتح السين وهو كناية عن شدة كربهم حتى كأن الأرض لم تسعهم، وقوله وعاداهم إلخ

أي فعل لهم فعل المعادي فسلط عليهم ما لا طاقة لهم به وحلقتا البطان تثنية حلقة والبطان بكسر الموحدة حزام يجعل تحت بطن البعير، كناية عن شدة الأمر، والصيام بفتح المهملة وسكون التحتية وفتح اللام وميم الداهية وكذا الصلعاء بفتح المهملة وسكون اللام وكأنه بحذف حرف العطف وقاصمة الظهر كاسرته يعني الخصلة المانعة لهم من كل الأمور حتى كأنها كسرت ظهورهم فصاروا لا حراك لهم والنسر بفتح النون نجم والعواء بفتح المهملة وشد الواو والوغر بفتح الواو وكسر المعجمة وبالراء من الوغرة وهو شدة توقد الحر، ويهم بفتح فضم وتلظى تلهب وهند هي بنت عتبة والسوءة السوءاء الخلة القبيحة وأقحم اللواء ارسله في عجلة والأدبار جميع دبر وهو الظهر وثابت بتثلثة فألف فموحدة رجعت وبهم بضم ففتح جمع بهمة للفارس الذي لا يدري من أين يؤتى من شدة بأسه والهيجاء الحرب والفقعة بكسر الفاء فقاف فعين جمع فقاع بكسر الفاء وفتحها وسكون القاف ضرب من الكمأة أبيض رخو يشبه به الرجل الذليل والقاع والمكان المستوى والأسد بضم فسكون والغاب أجم الأسد والغ بالمعجمة أنظر الزرقاني.

وفي القاموس أن الفقع بالفتح ويكسر وجمعه كعنبة وفي الجوهري أن المفتوح جمع فقعه كجبإ وجبأة جمع الفقع بالكسر فقعة كقرد وقردة ويشبه به الرجل الذليل لأن الدواب تنجله بأرجلها انتهى.

وروي أن ابا سفيان لما مر به المسلمون قال يا أبا الفضل لقد أصبح ملك ابن أخيك عظيماً، فقال إنها النبوءة، فلما جاء قومه صرخ بأعلى صوته يا معشر قريش هذا محمد قد جاءكم بما لا قبل لكم به فمن دخل دار أبي سفيان فهو آمن، فقامت إليه هند بنت عتبة فأخذت شاربه فقالت اقتلوا الحميت الدسم الأحمس قبح من طليعة قوم والحميت بفتح المهملة

ص: 348

وكسر الميم وسكون التحتية ففوقية الزق، نسبته إلى السمن والدسم بدال فسين مكسورة، الكثير الودك، والأحمس بحاء وسين مهملتين الذين لا خير عنده؛ من قولهم عام أحمس أي لا مطر فيه (انظر الزرقاني) فقال ويحكم لا تغرنكم هذه من أنفسكم فإنه قد جاءكم بما لا قبل لكم به فمن دخل دار أبي سفيان فهو آمن. قالوا قاتله الله، فما تغني دارك عنا. قال ومن أغلق عليه بابه فهو آمن ومن دخل المسجد فهو آمن، فتفرق الناس في دورهم وإلى المسجد.

ولما انتهى عليه السلام إلى ذي طوى وقف على راحلته ووضع رأسه تواضعاً لله حين رأى ما أكرمه الله به من الفتح حتى أن عثنونه بضم المهملة والنون بينهما مثلثة ساكنة أي لحيته ليكاد يمس رحله، ولما وقف هناك قال ابو قحافة لابنة له وقد كف بصره أظهريني على أبي قبيس فأشرفت به عليه فقال ماذا ترين قالت أرى سواداً مجتمعاً، قال تلك الخيل. قالت وأرى رجلاً يسعى بين ذلك السواد مقبلاً ومدبراً قال ذلك الوزاع يعني الذي يأمر الخيل، ثم قالت والله انتشرت السواد، فقال قد والله أذن، دفعت الخيل فأسرعي إلى بيتي فانحطت به وتلقاه الخيل قبل أن يصل إلى بيته. ولما دخل عليه السلام المسجد أتى أبو بكر بأبيه يقوده، فقال صلى الله عليه وسلم هلا تركت الشيخ في بيته حتى أكون أنا آتيه. قال أبو بكر هو أحق أن يمشي إليك من أن تمشي إليك، فأجلسه بين يديه ثم مسح صدره ثم قال أسلم، فأسلم. ورآه صلى الله تعالى عليه وسلم وكأن رأسه ثغامة فقال غيروا من شعره ودخل يومئذ خالد بن الوليد من أسفل مكة من مدى بالضم والقصر وكان على المجنبة اليمنى وهو بضم الميم وفتح الجيم وكسر النون المشددة كما في الزرقاني وكان أبو عبيدة على الحسر بضم الحاء المهملة وتشديد السين المهملة فراء وهم الذين لا دروع لهم وكون أبي عبيدة على الحسر رواه أحمد والنسائي وروى مسلم أن أبا عبيدة كان على البياذقة بفتح الموحدة وخفة التحتية فألف فذال معجمة فقاف فتاء تأنيث أي الزجالة، فارسية معربة، فلما دخل خالد من كدى وجد بها جموعاً من بني بكر وناساً من هذيل ومن الأحابيش فقاتلوا خالداً ورموه بالنبل فقاتلهم فانهزموا، أقبح الانهزام وقتل من بني بكر نحواً من عشرين رجلاً ومن هذيل ثلاثة أو أربعة

ص: 349

وعند ابن سعد والواقدي وقتل أربعة وعشرون رجلاً من قريش ويحتمل الجمع بأنه من مجاز الحذف أي من حزب قريش حتى انتهى بهم القتل إلى الحزورة بفتح المهملة والواو وبينهما زاي ساكنة ثم راء فهاء تأنيث كانت سوقاً بمكة ثم أدخلت في المسجد وهربوا حتى دخلوا الدور وارتفعت طائفة منهم على الجبال، ونظر رسول الله صلى الله عليه تعالى عليه وسلم إلى البارقة فقال ما هذه البارقة وقد نهيت عن القتال؟ فقالوا نظن أن خالداً قوتل وبدء بالقتال. قال ابن عقبة وقال صلى الله تعالى عليه وسلم بعد أن اطمأن لخالد، لم قاتلت وقد نهيتك عن القتال؟ فقال هم بدؤونا بالقتال وقد كففت يدي ما استطعت. فقال عليه السلام قضاء الله خير وقتل يومئذ من خيل خالد رجلان شذا عنه سلكا طريقاً غير طريقه وهما حبيش بمهملة ثم موحدة ثم تحتية ثم معجمة كما رواه الأكثر وروي أنه بمعجمة فنون فتحتية فمهملة والصواب الأول كما في الإصابة وهو مصغر على كلا الضبطين ابن الأشعري بشين معجمة وعين مهملة وهو لقب واسمه خالد بن سعد الخزاعي أخو أم معبد صاحبة قصة الهجرة وثانيهما كرز بضم الكاف وسكون الراء ابن جابر بن حسل بمهملتين بكسر فسكون ابن الأحب بمهملة مفتوحة فموحدة مشددة الفهري وكان من رؤساء المشركين وهو الذي أغار على سرحه عليه السلام في بدر الأولى وأسلم قديماً وبعثه صلى الله تعالى عليه وسلم في أثر الرعبينيين وأصيب من خيل خالد أيضاً سلمة بن الميلاء الجهني، ولما دخل عليه السلام مكة عهد إلى امرائه أن لا يقاتلوا إلا من قاتلهم، إلا أنه قد عهد في نفر سماهم أمر بقتلهم وإن وجدوا تحت أستار الكعبة منهم عبد الله بن أبي سرح بفتح السين وسكون الراء وبالحاء المهملة ابن الحارث القرشي العامري وكان قد أسلم وكتب الوحي لرسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ثم ارتد وفر يوم الفتح إلى عثمان بن عفان وكان أخاه من الرضاعة فغيبه حتى أتى به رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم بعد أن اطمأن الناس فاستأمن له فزعموا أنه عليه السلام صمت طويلاً ثم قال نعم. فلما انصرف عثمان قال لمن حوله لقد صمت ليقوم إليه بعضكم فيضرب عنقه. فقال رجل هلا أومأت إلي، فقال إن النبي لا ينبغي أن تكون له خائنة الأعين. وأفاد سبط بن الجوزي أن

ص: 350

الرجل عباد بن بشر وقيل عمرو حسن إسلامه وكانت له ولله الحمد المواقف المحمودة في الفتوح، وهو الذي افتتح إفريقية ومنهم ابن خطل بفتح المعجمة وفتح الطاء المهملة قيل اسمه عبد الله وقيل هلال ورده القسطلاني واسم خطل عبد مناف من بني تميم ابن فهر، ذكر الواقدي أن ابن خطل خرج إلى الخندمة ليقاتل على فرس وبيده قناة فلما رءا خيل الله دخله الرعب حتى ما يستمسك من الرعدة فرجع حتى أتى الكعبة فنزل عن فرسه وطرح سلاحه ودخل تحت أستار البيت. فأمر عليه السلام بقتله فقتل وفي المواهي أن أصح ما ورد في تعيين قاتله أنه أبو برزة بفتح الموحدة والزاي بينهما راء ساكنة نضلة بنون مفتوحة ومعجمة ساكنة ابن عبيد الأسلمي وقيل قتله الزبير وقيل اشترك فيه أبو برزة وسعيد بن حريث المخزومي وقيل استبق إليه سعيد بن حريث وعمار بن ياسر فسبق إليه سعيد فقتله وإنما أمر عليه السلام بقتله لأ، هـ كان مسلماً فبعثه عليه السلام مصدقاً وبعث معه رجلاً من الأنصار وكان الأنصاري يخدمه فنزل منزلاً فأمره أن يصنع له طعاماً ونام فاستيقظ ولم يصنع شيئاً فعدى عليه فقتله ثم ارتد مشركاً. ولأنه كان له أمتان تغنيان بهجاء رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم. وممن أمر بقتله أيضاً قينتان لابن خطل كانتا تغنيان بهجوه عليه السلام والقينة الأ/ة غنت أ/ لا وكثيراً ما يطلق على المغنية، وهما فرتنا بفاء مفتوحة وراء ساكنة فمثناة فوقية فنون فألف وقريبة بالقاف والراء والموحدة مصغراً وضبطه الصغاني بفتح القاف وكسر الراء أسلمت إحداهما وقتلت الأخرى. ولغير ابن إسحاق أن فرتنا هي التي أسلمت ومنهم سارة مولاة عمرو بن صيفي بن هاشم بن المطلب بن عبد مناف وهي التي وجد معها كتاب حاطب بن بلتعة وقيل كانت مولاة للعباس وكان ابن خطل يلقي عليها هجاء النبي صلى الله تعالى عليه وسلم تغني به، ومنهم عكرمة ابن أبي جهل أسلم وحسن إسلامه روي أنه هرب ليلقي نفسه في البحر أو يموت تائهاً في البلاد وكانت امرأته أم حكيم بنت عمه الحارث أسلمت قبله فاستأمنت له رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، وروي أنه لما رجع معها جعل يطلب جماعها فتأبى وتقول

ص: 351

أنت كافر وأنا مسلمة فقال أن أمراً منعك مني لا أمر كبير. فلما وافى مكة قال عليه السلام لأصحابه يأتيكم عكرمة مؤمناً فلا تسبوا أباه فإن سب الميت يؤذي الحي، ومنهم الحويرث بالتصغير بن نقيد بنون وقاف مصغراً بن وهب بن عبد بن قصي كان يعظم القول في النبي صلى الله تعالى عليه وسلم وينشد هجاءه ولما حمل العباس فاطمة وأم كثلوم ابنتي رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم نخس الحويرث الجمل بهما فرمى بهما الأرض وشارك هبارا في نخس جمل زينب لما هاجرت وقتله علي ومنهم مقيس بميم فقاف ثم سين مهملة ابن صبابة بمهملة مضمومة وموحدتين الأولى خفيفة الليثي وكان أخوه هشام بن صبابة قد قتله رجل من الأنصار خطأ في غزوة ذي قرد يظنه من العدو فجاء مقيس المدينة مظهراً للإسلام فأخذ الدية فلما وجد غرة من قاتل أخيه مقيس المدينة مظهراً للإسلام فأخذ الدية فلما وجد غزة من قاتل أخيه عدا عليه فقتله ثم لحق بقريش مشركاً فأهدر دمه وقتله نميلة تصغير نملة ابن عبد الله الليثي رجل من قومه فقالت أخت مقيس في ذلك:

(لعمري لقد أخزى نميلة رهطه

وفجع أضياف الشتاء بمقيس)

(فلله عينا من رأى مثل مقيس

إذا النفساء أصبحت لم تخرس)

ومقيس بكسر الميم وسكون القاف وفتح التحتية وآخره سين مهملة وخرس المرأة صنع لها الخرسة بالضم وهي طعام النفساء، ومنهم هبار بفتح الهاء وتشديد الموحدة بن الأسود بن مطلب بن أسد بن عبد العزى بن قصي ناخس جمل زينب وكان شديد الأذى للمسلمين، أسلم رضي الله تعالى عنه بالجعرانة ومنهم كعب بن زهير وأسلم بعد ذلك ومدح، ومنهم هند بنت عتبة ذكرها الحاكم فيمن أهدر دمه أسلمت فأتته عليه السلام بالأبطح وقالت الحمد لله الذي أظهر الدين الذي اختاره لنفسه لتمسني رحمتك يا محمد إني امرأة مؤمنة بالله مصدقة به ثم كشفت نقابها فقالت أنا هند بنت عتبة. فقال صلى الله تعالى عليه وسلم مرحباً بك. ومنهم وحشي بن حرب أسلم وأتاه عليه السلام، قال فلما رآني، قال وحشي! ؟ قلت نعم يا رسول الله! قال اقعد فحدثني كيف قتلت حمزة فحدثته فلما أفرغت قال ويحك غيب وجهك عني، فكنت

ص: 352

أتنكب رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم حيث كان لئلا يراني حتى قبضه الله؛ ومنهم الحارث بن طلاطل الخزاعي قتله علي ذكره أبو معشر كذا في المواهب وشرحها وذكر غير واحد أن صفوان بن أمية وعكرمة بن أبي جهل وسهيل بن عمرو جمعوا أناساً بالخندمة بالخاء المعجمة ونون جبل في أسفل مكة ليقاتلوا المسلمين فناوشوهم شيئاً من القتال فقتل ابن الميلاء من خيل خالد وقتل من المشركين اثني عشر أو ثلاثة عشر ثم انهزموا، وفي ذلك يقول جماش بن قيس بجيم مكسورة وميم مخففة وشين معجمة يخاطب امرأته حين لامته على الفرار وقد كان يصلح سلاحه ويعدها أن يخدمها بعض المسلمين ويقول:

(إن تقبلوا اليوم فما لي عله

هذا سلاح كامل وأله)

(وذو غرارين سريع السله)

ولما فر ولامته قال:

(إنك لو شهدت يوم الخندمة

إذ فر صفوان وفر عكرمه)

(أبو يزيد قائم كالمؤتمه

واستقبلتهم بالسيوف المسلمه)

(يقطعن كل ساعد وجمجمه

ضربا فلا تسمع إلا غمغمه)

(لهم نهيت خلفنا وهمهمه

لم تنطقي باللوم أدنى كلمه)

والآلة بفتح الهمزة الحربة العريضة النصل والسلاح وجميع أداة الحرب، وذو غرارين تثنية غرار بالكسر وهو حد السيف، والغمغمة أصوات الأبطال عند القتال، والنهيت الزئير والهمهمة تردد الزئير في الصدر، قاله في القاموس وقوله وأبو بقلب الهمزة وأبو يزيد سهيل بن عمرو والمؤتمة كمطفل امرأة لها أيتام وجمعها مئاتم والمؤتمة الاسطوانة قاله في الحلة السيرا ويروى هذا الشعر أي الأخير للمرعاش الهذلي.

وفي البخاري وغيره أنه عليه السلام دخل مكة يوم الفتح وعلى رأسه المغفر وهو بكسر الميم وسكون المعجمة وفتح الفاء زود بنسج من الدروع على قدر الرأس وفي مسلم أنه خطب الناس وعليه عمامة سوداء وكانت الخطبة عند باب الكعبة وجمع بينهما باحتمال أنه أول دخوله على رأسه المغفر ثم أزاله ولبس العمامة، وأن العمامة ملفوفة فوق المغفر إشارة للسؤدد أو كانت تحت المغفر، وقاية لرأسه الشريف

ص: 353

من صدا الحديد وفي البخاري من أسامة أنه قال قبل أن يدخل مكة بيوم يا رسول الله أين تنزل غداً في دارك بمكة؟ فقال صلى الله تعالى عليه وسلم وهل ترك لنا عقيل من منزل؟ وكان عقيل وارث أبا طالب هو وطالب ولم يرثه علي ولا جعفر، لأنهما كانا مسلمين وأخرجه الفاكهاني وقال في آخره ويقال أن الدار التي أشار إليها كانت دار هاشم ثم صارت لعبد المطلب فقسمها بين ولده ثم صار له صلى الله تعالى عليه وسلم نصيب أبيه اهـ.

وقوله في دارك بحذف الاستفهام؟ وفي البخاري قال عليه الصالة والسلام منزلنا إن شاء الله تعالى إذا فتح الله بخيف بني كنانة حيث تقاسموا على الكفر أي في حال كفرهم أن لا يبالغوا بني هاشم ولا يناكحوهم وحصروهم في الشعب يعني بالخيف المحصب، قال الحافظ والخيف ما انحدر من غلظ الجبل وارتفع عن المسيل الماء.

وفي البخاري عن أم هانئ بنت أبي طالب أنه عليه السلام يوم فتح مكة اغتسل في بيتها ثم صلى الضحى ثمان ركعات ثم رجع إلى حيث ضربت خيمته وأجارت أم هانئ حموين لها أي رجلين من أقارب زوجها وكانت عند هبيرة بن أبي وهب المخزومي قالت فدخل علي علي أي ابن أبي طالب فقال والله لاقتلنها فأغلقت عليهما بيتي ثم جئت رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فلما رآني قال مرحباً وأهلاً بأم هانئ فأخبرته خبر الرجلين وخبر علي فقال صلى الله تعالى عليه وسلم قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ فالرجلان المذكوران الحارث بن هشام وزهير بن أبي أمية وقيل ثانيهما عبد الله بن أبي ربيعة، وأما ما روي من أنهما الحارث وهبيرة زوجها فليس بشيء لأن هبيرة هرب عند الفتح إلى نجران ومات بها مشركاً، قاله الحافظ؛ ولما كان الغد من يوم الفتح في عشرين من رمضان قام عليه السلام خطيباً على باب البيت بعدما خرج منه بحمد الله ثم قال أيها الناس إن الله حرم مكة يوم خلق السماوات والأرض فهي حرام بحرمة الله تعالى إلى يوم القيامة فلا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك بها دماً أو يعضد بها شجرة فإن أحد ترخص فيها لقتال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فقولا إن الله تعالى قد أذن لرسوله ولم يأذن لكم، وإنما حلت لي

ص: 354

ساعة من نهار، وقد عادت حرمتها الآن كحرمتها بالأمس فليبلغ الشاهد الغائب ثم قال يا معشر قريش ما ترون أني فاعل بكم؟ قالوا خير أخ كريم وابن أخ كريم وقد قدرت. قال اذهبوا فأنتم الطلقاء بضم الطاء وفتح اللام وقاف أي الذين أطلقوا فلم يقترفوا ولم يسترقوا والطليق الأسير إذا أطلق والمراد بالساعة التي أحلت له عليه السلام من طلوع الشمس إلى العصر قوله إن الله حرم مكة أي أظهر تحريمها للملائكة وإن لم توجد يومئذ لكن أرضها موجودة إذ هي أول ما وجد من الأرض فتحريمها أمر قديم وشريعة سالفة ولا ينافيه ما في مسلم أن غبراهيم حرم مكة فإن إسناد التحريم إليه من حيث أنه بلغه ويسفك بكسر الفاء وقد تضم وهما لغتان والسفك صب الدم ويعضد بفتح التحتية وكسر المعجمة أي يقطع بالمعضد وهو آلة كالفاس قال الحافظ والمأذون له فيه القتال لا قطع الشجر وذكر الواقدي أنه قبض مفتاح السقاية من العباس ومفتاح البيت من عثمان، وروى ابن أبي شيبة انه أتى بدلو من زمزم فغسل منها وجهه ما تقع منه قطرة إلا في يد إنسان إن كانت قدر ما يحسوها حساها وإلا مسح جلده والمشركون ينظرون، فقالوا ما رأينا ملكاً قط أعظم من اليوم. قال في المواهب وقد أجاد العلامة الشقراطسي حيث يقول في قصيدته المشهورة:

(ويوم مكة إذ أشرفت في أمم

تضيق عنها فجاج الوعث والسهل)

(خوافق ضاق ذرع الخافقين بها

في قاتم من عجاج الخيل والإبل)

(وجعفل قذف الأرجاء ذي لجب

عرمرم كجناح الليل منسجل)

(وأنت صلى عليك الله تقدمهم

في بهو إشراق نور منك مكتمل)

(ينير فوق أغر الوجه منتجب

متوج بعزيز النصر مقتبل)

(بسمو أمام جنود الله مرتياً

ثوب الوقار لأمر الله ممتثل)

(خشعت تحت بهاء العز حين سمت

بك المهابة فعل الخاضع الوجل)

(وقد تباشر أملاك السماء بما

ملكت إذ نلت منه غاية الأمل)

(والأرض ترجف من زهو ومن فرق

والجو يزهر إشراقاً من الجذل)

(والخيل تختال زهواً في أعنتها

والعيس تنثال رهواً في ثنى الجدل)

(لولا الذي خطت الأقلام من قدر

وسائق من قضاء غير ذي حول)

ص: 355

(أهل ثهلان بالتهليل من طرب

وذاب يذبل تهليلاً من الذبل)

(الملك لله هذا عز من عقدت

له النبوءة فوق العرش في الأزل)

(شعبت صدع قريش بعدما قذفت

بهم شعوب شعاب السهل والقلل)

(قالوا محمد قد زادت كتائبه

كالأسد تزئر في أنيابها العصل)

(فويل مكة من آثار وطأته

وويل أم قريش من جوى الهبل)

(فجدت عفواً بفضل العفو منك ولم

تلمم ولا بأليم اللوم والعذل)

(أضربت بالصفح صفحاً عن طوائلهم

طولاً أطال مقيل النوم في المقل)

(رحمت واشج أرحام أتيح لها

تحت الوشيح نشيج الروع والوجل)

(عاذوا بظل كريم العفو ذي لطف

مبارك الوجه بالتوفيق مشتمل)

(أزكى الخليقة أخلاقاً وأطهرها

وأكرم الناس صفحاً عن ذوي الزلل)

(زان الخشوع وقار منه في خفر

ارق م، خفر العذراء في كلل)

(وطفت بالبيت محبوراً وطاف به

من كان عنه قبيل الفتح في شغل)

(وحل أمن ويمن منك في يمن

لما أجابت إلى الإيمان عن عجل)

(وأصبح الدين قد حفت جوانبه

بعزة النصر واستولى على المل)

قوله أشرفت أي علوت عليها وظهرت على أخذها، وتضيق بالتاء والياء، ،الفجاج جمع فج وهو الطريق الواسع بين جبلين والوعث بفتح الواو وسكون المهملة ومثلثة المكان الواسع الدهس بمهملأة فهاء مفتوحتين فمهملة تغيب فيه الأقدام ويشق المشي فيه، والسهل بسكون الهاء وفتحها ضرورة ونسخة بضمتين جمع سهل ما لان من الأرض ولم يبلغ أن يكون وعثاً، والإضافة بيانية؛ وخوافق بالجر بدل من أمم بتقدير الضمير أي منها والمراد راياتها من خفقت الراية تخفق بكسر الفاء وضمها أؤ صفة لأمم من خفق الأرض بنعله وخفق في البلاد ذهب، والبرق لمع والطائر طار فوصفها بسرعة السير ولمعان الحديد وصوت وقع الحوافر وبالرفع مبتدأ أي لها خوافق أي رايات أو خبر أي هي يعني الأمم، والذرع الواسع والخافقان المشرق والمغرب؛ وقاتم مغبر وعجاج بفتح المهملة أي غبار؛ والجحفل الجيش الزائد على أربعة آلاف. قال في المحكم إن كان فيه خيل وقذف الأرجاء بفتح القاف والذال المعجمة وبضمها أي متباعد النواحي واللجب بالتحريك كثرة الأصوات وعرمرم بفتح أوله وثانيه أي كثير العدد وشبهه بالليل في سده الأنف واسوداده

ص: 356

لكثرة السلاح، وفي نسخة كزهاء السيل بضم الزاي أي قدره ومنسحل بسين وحاء مهملتين اسم فاعل أي مسرع في سيره وتقدمهم بضم الدال أي تتقدم عليهم أي التقدم المعنوي لأنك الآمر المطاع لا الحسي لأنه قدم الكتائب أمامه؛ والبهو البناء العالي ومكتمل أي تام شبه جسده الشريف بالبناء المرتفع واستعار له اسمه وأضافه إلى إشراق النور المحيط به أو استعار البهو للجيش وأراد بالنور ما علاه من البهاء والمعنى وأنت تقدمهم في جيش عظيم كالبناء المرتفع في عدم الوصول إليه وذلك البناء ذو نور مشرق وقوله عقدت بالبناء للمفعول أي أظهرت والأزل بالتحريك القدم والمجرور متعلق بعقدت وفوق العرش حال منه والمراد به مجرد التعظيم لأن النبوءة موجودة حقيقة في الأزل قبل وجود الأشياء فلا عرش وشعبت بفتح المعجمة والمهملة، أصلحت والصدع الشق وشعوب بفتح المعجمة وضم المهملة علم للمنية لا ينصرف من شعب إذا فرق بأنها تفرق الجماعات فشعب من الأضداد وشعاب بالنصب جمع شعب بالكسر فيهما وقذفت اي رمت والقلل جمع قلة وهي هنا رأس الجبل وقالوا أي أهل مكة وزادت كثرت وتزأر تصوت والعصل بضمتين جمع أعصل وهو الناب الشديد المعوج وويل كلمة يعبر بها عن المكروه والجوى الحزن والهبل الثكل وقوله فجدت عفواً إلخ .. أي سهلاً من غير كد في السؤال وقوله بفضل العفو أي ترك العقوبة مع القدرة عليها فمعنى العفو مختلف وتلمم من ألم بالشيء إذا دنا منه أو نال منه يسيراً يعني أنه عليه السلام لم يقابل أهل مكة باللوم فضلاً عما فوقه بل صفح عنهم أي ترك عقابهم مع القدرة عليهم فهو بمعنى العفو وطوائلهم جمع طائلة أي عداوة وطولاً بالفتح أي تفضلاً ومناً وواشج بمعجمة وجيم أي مختلطة وإضافته لأرحام من إضافة الصفة للموصوف أي أرحاماً مختلطة وأتيح بالبناء للمجهول قدر ونائبه نشيج بفتح النون وكسر المعجمة وبالجيم وهو بكاء يخالطه شهيق والوشج بفتح الواو وكسر المعجمة وبالجيم ما نبت من القنا ملتفاً وقيل عامة الرماح والمعنى أن الذين رحمتهم قرابتهم شديدة الاتصال بك فأزلت عنهم البكاء لما اشتد روعهم ووجلهم من سطوة جيشك والروع والوجل مترادفان واللطف بالتحريك وزان من الزينة وفاعله وقار

ص: 357

والخفر محركة شدة الحياء والكلل بكسر الكاف جمع كلة بكسرها أيضاً وهو ستر رقيق ومحبوراً منعماً والمنتجب المتخير من أصل نجيب أي كريم والمقتبل المستقبل الخير على كسر الياء وبفتحها المقابل بالخير من قولهم رجل مقتبل الشباب أي لم ير فيه أثر كبر. وقوله ينير بضم التحتية أي يضيء النور المذكور فوق أغر الوجه أي أبيضه ومتوج لابس للتاج الذي تلبسه الملوك وهو شبه عصابة تزين بالجوهر ويسموا يعلو ومرتدياً حال والوقار العظمة والسكينة وترجف بضم الجيم تهتز أي كادت تهتز، قال تعالى:{وبلغت القلوب الحناجر} أي كادت تبلغها إذ لو بلغتها لماتوا والزهو السرور والفرق الفزع فهي تهتز من أجل السرور بهذا الجيش لإزالته ما كان بها من الفساد ومن الفزع من صولته والجو ما تحت السماء ويزهر بفتح الهاء يضيء والجذل الفرح وتختال زهواً أي تتبختر في مشيتها كبراً وعجباً فتغاير معنى الزهو هنا مع ما سبق والأعنة جمع عنان بالكسر وهو سير اللجام والعيس الإبل البيض يخالط بياضها شقرة وتنثال بفتح الفوقية وسكون النون فمثلثه فلام تنصب من كل جهة ورهواً بالمراء أي ذات رهو وهو السير السهل وقال الطرابلسي أي ساكنة أو متتابعة انتهى.

وكأن المراد بسكونها أنها انتصبت مطمئنة بلا فزع وثنى بكسر المثلثة وفتح النون والجدل بضمتين جمع جديل وهو الزمام المجدول أي المضفور وثنى الجدل ما انثنى منها أي التوى على أعناق الإبل والزمام ما كان في الأفق وحول بكسر ففتح أي تغير وأهل بفتحات واللام ثقيلة أي رفع صوته وثهلان بمثلثة مفتوحة جبل معروف والتهليل قول لا إله إلا الله ويذبل كينصر اسم جبل والذبل الرماح الذوابل وهي التي لم تقطع من منابتها حتى ذبلت أي جفت وإذا قطعت كذلك كانت أجود وأصلب وتهليلاً صياحاً من أجل الفزع أنتهى. وغالب التفسير للزرقاني وبعضه للقسطلاني.

ولما فتح الله مكة على رسوله صلى الله تعالى عليه وسلم قال الأنصار بعضهم لبعض أما الرجل فأدركته رغبة في قريته ورأفة بعشيرته، قال أبو هريرة وجاء الوحي وكان إذا جاء لم يخف علينا فليس أحد من الناس يرفع طرفه إليه فلما قضى الوحي قال يا معشر الأنصار، قالوا

ص: 358

لبيك يا رسول الله قال قلتم أما الرجل فأدركته رغبة في قريته ورأفة بعشيرته قالوا قلنا ذلك يا رسول الله قال فما اسمي إذاً؟ كلا إني عبد الله ورسوله هاجرت إلى الله وإليكم المحيا محياكم والممات مماتكم، فأقبلوا إليه يبكون يقولون والله يا رسول الله ما قلنا الذي قلنا إلا الضن بالله وبرسوله. فقال صلى الله تعالى عليه وسلم فإن الله ورسوله يعذرانكم ويصدقانكم. الضن بكسر الضاد المعجمة وشد النون أي البخل والشح به، أي أن يشركنا فيه أحد غيرنا كما ضبطه الشامي ولعله الرواية وإلا ففتحها لغة أيضاً ويعذرانكم بكسر الذال يقبلان عذركم وفي فضالة بفتح الفاء ابن عمير بن الملوح بضم الميم وفتح اللام والواو المشددة الليثي أن يقتل النبي صلى الله تعالى عليه وسلم وهو يطوف بالبيت فلما دنى منه قال له عليه السلام أفضالة؟ قال، عم يا رسول الله. قالأ ماذا كنت تحدث به نفسك؟ قال لا شيء كنت أذكر الله. وضحك عليه السلام ثم قال استغفر الله ثم وضع يده المباركة على صدره، فكان فضالة يقول والله ما رفع يده عن صدري حتى ما خلق الله شيئاً أحب إلي منه، قال فضالة فرجعت إلى أهلي فمررت بامرأة كنت أتحدث إليها فقالت هلم إلى الحديث، فقلت لا. وانبعث يقول:

(قالت هلم إلى الحديث فقلت لا

يابا على الله والإسلام)

(لو ما رأيت محمداً وقبيله

بالفتح يوم تكسر الأصنام)

(لرأيت دين الله أضحى واضحاً

والشرك يغشى وجهه الإظلام)

وطاف عليه السلام بالبيت سبعاً على القصواء والسلمون معه ومحمد بن مسلمة آخذ بزمام الناقة وذلك يوم الجمعة لعشر بقين من رمضان. وقيل يوم الاثنين. قال الزرقاني ولا عاضد له وكان حول البيت ثلاث مائة وستون صنماً فكلما مر بصنم أشار إليه بقضيبه، وفي مسلم بسية القوس وهي سكر المهملة وتخفيف التحتية ما عطف من طرفه وهو يقول جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا، فيقع الصنم لوجهه وللطبراني فلم يبق وثن استقبله إلا سقط على قفاه مع أنها كانت ثابتة في الأرض قد شد لهم إبليس أقدامها بالرصاص فلما فرغ من طوافه نزل عن راحلته ولابن أبي شيبة عن عمر فما وجدنا مناخاً في المسجد حتى أنزل على أيدي الرجال وصح عن ابن عمر قال أقبل

ص: 359

رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم عام الفتح على ناقته القصواء وهو يقرأ سورة الفتح يرجع صوته بالقراءة وهو مردف أسامة ومعه بلال وعثمان بن طلحة بن أبي طلح’ بن عبد العزى بن عثمان بن عبد الدار ثم دعى عثمان بن طلحة فقال ائتني بالمفتاح فذهب إلى أمه سلافة بضم السين المهملة وتخفيف اللام وبالفاء بنت سعيد الأنصارية وأسلمت بعد فأبت أن تعطيه المفتاح وعن الواقدي أنها قالت له واللات والعزى لا أدفعه إليك، فقال لا لات ولا عزى قد جاء أمر غير ما كنا فيه والله لتعطينه أو ليخرجن هذا السيف من صلبي، فأعطيته إياه فجاء به إليه صلى الله تعالى عليه وسلم ففتح الباب، وعثمان. هذا له صحبة وهجرة ولا ولد له وأبوه طلحة قتل بأحد كافراً ثم دفع المفتاح إلى عثمان وقال خذوها خالدة تالدة لا ينزعها منكم إلا ظالم. وقال القسطلاني ويقال له أي لعثمان الحجبي بفتح الحاء المهملة والجيم زاد في الفتح ولآل بيته بحجبهم الكعبة ويعرفون الآن بالشيبيين نسبة إلى شيبة بن عثمان بن أبي طلحة وشيبة هذا من مسلمة الفتح وهو ابن عم عثمان بن طلحة المتقدم وعثمان لا ولد له كما مرّ.

خاتمة:

قال أكثر العلماء أن مكة فتحت عنوة واحتجوا بما وقع التصريح به في الأحاديث الصحيحة من الأمر بالقتال ووقوعه من خالد بن الوليد وتصريحه عليه السلام بأنها أحلت له ساعة من نهار ونهيه عن التأسي به في ذلك. وعن الشافعي أنها وقعت صلحاً بما وقع من التأمين ولإضافة الدور إلى أهلها ولأنها لم تقسم وأجبت بأن التأمين إنما يكون صلحاً إذ كف المؤمن عن القتال وقريش لم تلتزم ذلك بل استعدوا للحرب وقاتلوا فقاتلهم الصحابة حتى هزموهم ودخلوها عنوة وأجيب عن الثاني بأن ترك القسمة لا يستلزم عدم العنوة وقد تفتح البلدة عنوة ويترك لهم دورهم وغنائمهم وقد فتح أكثر البلاد عنوة فلم تقسم وذلك في زمن عمر وعثمان وقد زات مكة بأمر يمكن أن يدعى اختصاصها به دون بقية

ص: 360

البلاد وهي دار النسك ومتعبد الخلق وقد جعلها الله تعالى حرماً سواء العاكف فيه والبادي انظر فتح الباري والمواهب وشرحها، وأقام صلى الله تعالى عليه وسلم بمكة بعد فتحها تسع عشرة وروي خمس عشرة ليلة وهو يقصر الصلاة لأنه لم ينو إقامة، قال الكلاعي ومما قيل من الشعر في فتح مكة قول حسان، وذكر ابن هشام أنه قالها قبله:

(عفت ذات الأصابع فالجواء

إلى عذراء منزلها خلاء)

(ديار من بني الحسحاس قفر

تعفتها الروامس والسماء)

(وكانت لا يزال بها أنيس

خلال مروجها نعم وشاء)

(فدع هذا ولكن من لطيف

يؤرقني إذا ذهب العشاء)

(بشعثاء التي قد تيمته

فليس لقلبه منها شفاء)

(كأن سبيئة من بيت راس

يكون مزاجها عسل وماء)

(إذا ما الاشربات ذكرن يوماً

فهن لطيب الراح الفداء)

(نوليها الملامة أن ألمنا

إذا ما كان مغث أو لحاء)

(ونشربها فتتركنا ملوكاً وأسداً ما ينهنهنا اللقاء)

(عدمنا خليلنا إن لم تروها

تثير النقع موعدها كداء)

(ينازعن الأعنة مصغيات

على أكتافها الأسل الظماء)

(تظل جيادنا متمطرات

تلطمن بالخمر النساء)

(فإما تعرضوا عنا اعتمرنا

وكان الفتح وانكشف الغطاء)

(وإلا فاصبروا لجلاد يوم

يعز الله فيه من يشاء)

(وجبريل رسول الله فينا

وروح القدس ليس له كفاء)

(وقال الله قد أرسلت عبداً

يقول الحق أن نفع البلاء)

(شهدت به فقوموا صدقوه

فقلتم لا نقوم ولا نشاء)

(وقال الله قد يسرت جنداً

هم الأنصار عرضتها اللقاء)

(لنا في كل يوم من معد

سباء أو قتال أو هجاء)

(فنحكم بالقوافي من هجانا

ونضرب حين تختلط الدماء)

(ألا أبلغ أبا سفيان عني

مغلغلة فقد برح الخفاء)

(بأن سيوفنا تركتك عبداً

وعبد الدار سادتها الإماء)

(هجوت محمداً فأجبت عنه

وعند الله في ذاك الجزاء)

(أتجهوه ولست له بكفء فشركما لخيركما الفداء)

ص: 361

(فمن يهجو ورسول الله منكم

ويمدحه وينصره سواء)

(فإن أبي ووالده وعرضي

لعرض محمد منكم وقاء)

(لساني صارم لا عيب فيه

وبحري لا تكدره الدلاء)

وكذلك ذكر موسى بن عقبة أن حسان قال هذا في مخرج رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم إلى الفتح وأنه لما دخل مكة نظر إلى النساء يلطمن الخيل بالخمر فالتفت إلى ابي بكر رضي الله تعالى عنه فتبس لقول حسان يلطمن بالخمر النساء، السبيئة ككريمة الخمر وبيت رأس موضع بالشام تنسب إليه الخمر والمغث الخصام وكداء بالفتح والمد من أعلى مكة وهو الذي دخل منه النبي صلى الله تعالى عليه وسلم وكدى بالضم والقصر من أسفلها وهو الذي دخل منه خالد ومن معه، وأما ما في مرسل عروة أن خالداً دخل من كداء بالفتح والمد من أعلاها وأنه عليه السلام دخل من أسفلها من كدى فهو مخالف للأحاديث الصحيحة المسندة في البخاري كما قاله الحافظ وغيره. وقوله الأسل أي الرماح وفي مسخة الأسد جمع أسد وتمطرت الخيل جاءت بعضها يسبق بعضا وأنكر الخيل غير يطلمهن بتقديم الطاء على اللام أن ينفضن بخمرهن ما عليهن من غبار ونحوه وفي القاموس، التلطيم ضربك الخبزة بيدك ومنه قول حسان رضي الله تعالى عنه يلطمن بخمر النساء ورواية يلطمهن أي بتقديم اللام ضعيفة أو مردودة أي تمسح النساء العرق عنهن بالخمر انتهى منه.

ومصغيات أي مميلات رؤوسهن كالمستمع، وعرضتها بالضم أي همتها، ونحكم بضم الكاف نرد ونمنع من حكمت الدابة بالتحريك وهي ما أحاط بح نكي الفرس من اللجام. وقال الشاعر:

(ابني حنيفة احكموا سفهاءكم

إني أخاف عليكم أن أغضبا)

والمعنى أنا نفحمهم فتكون قوافينا لهم الحكمة للدابة، وقوله مغلغلة قال في القاموس ورسالة مغلغلة محمولة من بلد إلى بلد انتهى.

وبرح الخفاء ظهر أو ذهب فسر بهما وقوله ويمدحه أي ومن يمدحه. ومن شعر الفتح قول ابن الزبعري رضي الله تعالى عنه:

(منع الرقاد بلابل وهموم

والليل معتلج الرواق بهيم)

(مما أتاني أن أحمد لامني

فيه فبت كأنني محموم)

ص: 362