الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الله صلى الله تعالى عليه وسلم بالمدينة حين رجع من الحديبية ذا الحجة وبعض المحرم
ثم خرج في بقية المحرم إلى خيبر
سنة سبع فأقام يحاصرها بضع عشرة ليلة إلى أن فتحها في صفر وقيل كانت في آخر سنة ست وروي عن مالك وله جزم إبن حزم زالراجح ما لابن إسحاق ويمكن الجمع بأن من قال سنة ست أراد ابتداء السنة من شهر الهجرة الحقيقي وهو ربيع الأول قاله في المواهب وكان الله وعده إياها وهو بالحديبية: بقوله تعالى: {وعدكم الله مغانم كثيرة تأخذونها فعجل لكم هذه وكف أيدي الناس عنكم} فالمعجل صلح الحديبية والمغانم فتح خيبر، فخرج إليها صلي الله تعالى عليه وسلم مستنجزا ميعاد ربه ومعه ألف وأربعمائة رجل ومائتا فرس ومعه أمنا أم سلمة التي كانت معه في الحديبية.
وفي البخاري عن سلمة وهو ابن عمرو بفتح العين وسكون الميمم بن الأكوع الأسلمي أبو مسلم وأبو إياس واسمه سنان ونسب لجده لشهرته أول من بايع تحت الشجرة على ما فى مسلم ومات سنة أربع وسبعين وكان مقداما فى الحرب وكان يقاتل قتال الفارس والراجل، قال خرجنا مع النبي صلى الله تعالى عليه وسلم إلى خيبر فسرنا ليلا فقال رجل من القوم لعامر بن الأكوع عم سلمة ألا تسمعنا من هنيهاتك بهاءين أولاهما مضمومة فنون مفتوحة فتحتية ساكنة وللكشميهني هنياتك بحذف الهاء الثانية وشد التحتية وكان عامر شاعرا؛ وللكشميهني حداء فنزل يحدو ويقول:
(اللهم لولا أنت ما اهتدينا
…
ولا تصدقنا ولا صلينا)
(فاعفر فداء لك ما تقينا
…
وألقين سكينة علينا)
(وثبت الأقدام إن لاقينا
…
إنا إذا صيح بنا أتينا)
(وبالصياح عولوا علينا
…
ونحن عن فضلك ما استغنينا)
فقال صلى الله تعالى عليه وسلم من هذا السائق؟ فقالوا عامر بن الأكوع، قال يرحمه الله. ولأحمد غفر لك ربك. قال وما استغفر صلى الله
تعالى عليه وسلم لإنسان يخصه إلا استشهد، قال رجل من القوم وهو عمر كما فى مسلم وجبت يا نبي الله لولا أمتعتنا بعامر، الحديث، ويأتيفيه أنه بارز مرحبا فرجع ذباب سيفه على ركبته فمات منه. قال بعض الصجابة إن عامرا أحبط عمله فأخبر سلمة بذلك رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فقال كذب من قاله وإن له لأجرين وقوله اللهم فيه الخزم كما تقدم، وقوله فداء لك قال المازري هذه اللفظة مشكلة فإنه لا يقال للباراء سبحانه فديتك لأن ذلك إنما يقال فى مكروه يتوقع حلوله بالمفدى فيختار شخص أن يحل ذلك به ويفديه ولا يتصور ذلك إلا في حق من يجوز عليه حلول المكروه، ولعل هذا وقع من غير قصد إلى حقيقة معناه، بل المراد المحبة والتعظيم فخاطب بها من لا يجوز في حقه الفداء إظهارا للمحبة والتعظيم كما يقال قاتله الله ولا يريد بذلك الدعاء عليه بل التعجب، وكقوله عليه السلام تربت يمينك؛ يخاطب عائشة فلم يقصد أصل معناها الذي هو افتقرت حتى لصقت يدك بالتراب بل الانكار والزجر، وقوله ما تقينا بشد الفوقية بعدها قاف للأكثر أي ما تركنا من الأوامر. وللأصيلي والنسفي ما أبقينا بهمزة قطع فموحدة ساكنة أي ما خلفنا من الذنوب، وللقابسي ما لقينا باللام وكسر القاف أي من المناهي، وفي رواية للشيخين ما قتفينا أي اتبعنا من الخطايا وقوله عولوا علينا أي اقصدونا بالدعاء العالي أو اعتمدوا وقوله فجعل عامر يحدو وهذه عادتهم إذا أرادوا تنشيط الإبل فى السير ومر أن الرجز لابن رواحة فيحتمل أنه هو وعامر تواردا عليه وقوله وجبت أي الشهادة اهـ من المواهب وشرحها.
وعن أنس أنه صلى الله تعالى عليه وسلم أتى خيبر ليلا أي قرب منها فناموا دونها ثم ركبوا إليها فصبحوها كما في طريق أخرى عن أنس صبحنا خيبر فلا تنافي بينهما ونزل بواد يقال له الرجيع بينهم وبين غطفان ليلا يمدوهم وكانوا حلفاءهم فذكر أن غطفان خرجوا وقصدوا خيبر ليعينوهم فسمعوا خلفهم حسا فى أموالهم وأهليهم فظنوا أن
المسلمين خلفوهم فى ذراريهم فرجعوا وخذلوا أهل خيبر. وفي البخاري فى الأذان وكان صلى الله تعالى عليه وسلم إذا غزى قوما لم يغز بنا حتى يصبح وينظر فإن سمع أذانا كف عنه وإلا أغار. وروى ابن اسحاق انه صلى الله تعالى عليه وسلم لما أشرف على خيبر قال لأصحابه قفوا ثم قال اللهم رب السماوات وما أظللن ورب الأراضين وما أقللن ورب الشياطين وما أظللن ورب الرياح وما أذرين فإنا نسألك خير هذه القرية وخير أهلها وخير ما فيها وأعوذ بك من شر أهلها وشر ما فيها أقدموا باسم الله، وكان يقولها لكل قرية دخلها. وحكى الواقدي أن أهل خيبر لما سمعوا بقصده عليه السلام لهم كانوا يخرجون فى كل يوم عشرة آلاف مقاتل مستعدين صفوفا ثم يقولون محمد يغزونا هيهات هيهات فلا يرون أحدا حتى إذا كان الليلة التي قدم فيها المسلمون ناموا ولم تتحرك لهم دابة ولم يصح لهم ديك حتى طلعت الشمس فخرجوا بالمساحي، وفي رواية أحمد إلى زروعهم بمساحيهم ومكاتلهم والمساحي بمهملتين جمع مسحاة من آلة الحرث وهو من السحو بمعنى الكشف والإزالة، والمكاتل جمع مكتل بكسر الميم وفتح الفوقية وهي القفة الكبيرة التي يحول فيها التراب وغيره. ولما رأت اليهود رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم قالوا محمد والله محمد، والخميس ومحمد. خبر هذا محذوفا، أي وفاعل جاء مقدرا والخميس ضبطه عياض بالرفع عطف وبالنصب مفعول معه وأدبروا هرابا، فقال صلى الله تعالى عليه وسلم الله أكبر خربت خيبر، إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين وخربت بكسر الراء صارت خرابا والمساحة الفناء وأصلها الفضاء بين المنازل والخميس الجيش سمي به لأنه خمسة أقسام المقدمة والساقة وهي مؤخره والقلب والميمنة والميسرة ويقال لهما الجناحان وقوله خربت خيبر إلخ .. يحتمل أنه قال ذلك بطريق الوحي، ويحتمل أنه تقاؤل أنها ستخرب لما رأى المساحي لأنها من السحو أي الإزالة، ولما كثر فيهم الهجوم والغارة فى الصباح سموا الغارة صباحا وإن وقعت
فى وقت آخر كما فى البيضاوي والصباح مستعار من صباح الجيش المثبت لوقت نزول العذاب، وفي رواية للبخاري أنه قال ذلك ثلاثا وفيه استحباب التكبير عند الحرب وتثليته قال الزرقاني في شرح المواهب وهذا الحديث أصل في جواز التمثيل والاستشهاد بالقرآن والاقتباس نص عليه بن عبد البر وابن رشيق كلاهما فى شرح الموطأ وهما مالكيان والنووي فى شرح مسلم كلهم فى شرح هذا الحديث، وكذا صرح بجوازه القاضي عياض والباقلاني من المالكية وحكى الشيخ داود اتفاق المالكية والشافعية على جوازه غير أنهم كرهوه فى الشهر خاصة، وروي الخطيب البغدادي وغيره بالاسناد عن مالك أنه كان يستعمله، قال السيوطي هذه أكبر حجة على من زعم أن مذهب مالك تحريمه وأما مذهبنا فأجمع أيمته على جوازه والأحاديث الصحيحة والآثار عن الصحابة والتابعين تشهد لهم فمن نسب إلى مذهبنا تحريمه فقد أفشى وأبان أنه أجهل الجاهلين انتهى. وهذا منه قاض بغلطة فيما أورده فى عقود الجمان انتهى كلام الزرقاني بلفظه.
قال مغلطاي وغيره وفرق صلى الله تعالى عليه وسلم الرايات فدفع رايته العقاب إلى الحباب بن المنذر وراية لسعد بن عبادة ولواؤه وهو أبيض إلى علي وقد صرح جماعة من اللغويين بترادف الراية واللواء وهو العلم الذي يحمل فى الحرب لكن روي أحمد عن ابن عباس والطبراني عن ابي هريرة قالوا كانت رايته صلى الله تعالى عليه وسلم سوداء ولواؤه أبيض وهو ظاهر فى التغاير فلعل التفرقة بينهما عرفية، قال الحافظ وفي المصباح ولواء الجيش علمه وهو دون الراية وكانت رايته عليه السلام العقاب من برد لعائشة وهي سوداء، وفي البخاري كان عليا رضي الله عنه تخلف عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم في خيبر وكان رمدا بكسر الميم وللطبراني أرمد شديد الرمد فقال أنا أتخلف عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم، فلحق فلما بتنا الليلة التي فتحت فى صبيحتها قال لأعطين الراية غدا أو ليأخذن
الراية غذا رجل يحب الله ورسوله زاد ابن إسحق ليس يقرأ وفي حديث بريدة لا يرجع حتى يفتح الله له وفي رواية سهل بن سعد لأعطين الراية غدا رجلا يفتح الله تعالى علي يده بغير شك. قال سهل فبات الناس يدوكون ليلتهم أيهم يعاطها ويدوكون بضم الدال المهملة أي باتوا فى اختلاط واختلاف والدوكة بالكاف الإختلاط، فلما أصبح الناس غدوا على رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم كلهم يرجو أن يعطاها وفي مسلم أن عمر قال ما أحببت الإمارة إلا يؤمئذ، قال أين علي بن أبي طالب فقالوا يا رسول الله هو يشتكي عينيه، قال فأرسلوا إليه فأتوا به، ولمسلم عن سلمة فأرسلني إلى علي فجئت به أقوده فبصق صلى الله تعالى عليه وسلم فى عينيه ودعا له فبراء بوزن ضرب ويجوز كسر الراء حتى كأن لم يكن به وجع، زاد بريدة فما وجعهما حتى مضى لسبيله أي مات. وروي الطبراني انه قال اللهم اذهب عنه الحر والقر أي البرد، قال علي فما اشتكيتهما حتى يومي هذا قال علي يا رسول أقاتلهم حتى بكونوا مثلنا؟ فقال انفذ علي رسلك حتى ننزل بساحتهم ثم ادعهم إلى الإسلام فو الله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من أن يكون لك حمر النعم، وهو من ألوان الإبل المحمودة، قيل المراد أن يكون لك فتتصدق بها وقيل تفتنيها وتملكها وكانت مما يتفاخر العرب بها.
قال الحافظ وقع فى رواية البخاري اختصار وهو عند أحمد والنسائي وابن حبان والحاكم عن بريدة قال لما كان يوم خيبر أخذ أبو بكر اللواء فرجع ولم يفتح له فلما كان من الغد أخذه عمر فرجع ولم يفتح له وقتل محمود بن مسلمة فقال صلى الله تعالى عليه وسلم لأدفعن اللواء غدا (الحديث). وعن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه لما قدمنا خيبر خرج ملكهم مرحب يخطر بسيفه يقول:
(قد علمت خيبر أني مرحب
…
شاك السلاح بطل مجرب
إذا الحروب أقبلت تلهبوا)
قال وبرز له عامر بن الأكوع، فقال:
(قد علمت خيبر أني عامر
…
شاك السلاح بطل مغامر)
قال فاختلفا ضربتين فوقع سيف مرحب في ترس عامر، فذهب عامر يسفل له فرجع سيفه على نفسه فقطع أكحله، فكانت فيها نفسه إلى آخر ما مر فبرز له علي رضي الله عنه، فقال:
(أنا الذي سمتني أمي حيدره
…
كليث غابة كريه المنظره)
أكيلكم بالسيف كيل السندره)
وفي رواية:
أوفيكم بالصاع كيل السندره
فضرب رأس مرحب فقتله. قال الإمام بن أبي جمرة وشاكي السلاح هو الذي ظهرت حدته وشوكته والمغامر بالغين المعجمة هو المباطش يقال غامره إذا باطشه وقاتله، ولم يبالي بالموت، قال النووي قوله مغامرا أي يركب غمرات الموت وشدائده ويلقي نفسه فيها ويخطر بسيفه، هو بكسر الطاء أي يرفعه مرة ويضعه أخرى، وقوله يسفل له بكسر الفاء من التسفيل وهو التصويب، وقال النووي بضم الفاء أي يضربه من أسفله وحيدرة اسم الاسد، وكانت فاطمة بيت أسد أم علي رضي الله عنها سمته أسدا باسم أبيها، فلما قدم أبو طالب سماه عليا، والسندرة مكيال ضخم اهـ كلام ابن أبي جمرة وهو الذي ذكر الروايتين المتقدمتين فى البيت والسندرة بفتح السين، قال ابن أبي جمرة وروى البيهقي أن مرحبا خرج وعليه مغفر يماني وحجر مثل البيضة على رأسه، قال فاختلفا ضربتين فبادره علي بضربة نفذ الحجر والمغفر ورأسه ووقع فى الأضراس، وما فى هذا الحديث من أن عليا هو الذي قتل مرحبا هو الصحيح عند ابن عبد البر وكذا قال ابن الأثير أنه الصحيح، الذي عليه أكثر أهل الحديث وأهل السير، وروى موسى بن عقتبه وابن إسحاق أن الذي قتل مرحبا هو محمد بن مسلمة الأنصاري وأنه لما خرج يرتجز أجابه كعب بن مالك:
(قد علمت خيبر أني كعب
…
مفرج الغم جراء صلب)
(حيث تشب الحرب ثم الحرب
…
معي حسام كالعقيق عضب)
(نطؤكم حتى يذل الصعب
…
نعطي الجزا ويباهى النهب)
بكف ماض ليس فيه عتب)
فقال صلي الله تعالى عليه وسلم من لهذا؟ فقال محمد بن مسلمة أنا له يا رسول الله أنا والله الموتور الثائر قتل أخي بالأمس، قال فقم إليه، اللهم أعنه عليه. فلما دنا أحدهما من صاحبه دخلت بينهما شجرة العشر فجعل كل واحد منهما يلوذ بها وكلما لاذ بها أحدهما اقتطع بسيفه ما دونه حتى برز كل منهما وصارت بينهما كالرجل القائم ما فيها فنن ثم حمل على محمد بن مسلمة فضربه فاتقاه بالمدرقة فوقع سيفه بها فعضت به فأمسكته وضربه محمد بن مسلمة حتى قتله وذكر ابن إسحاق ان ياسر أخا مرحب خرج بعده يقول هل من مبارز فخرج إليه الزبير فقتله فكان الزبير يقول إذا قيل له والله ما كان سيفك صارما يومئذ يقول والله ما كان بصارم ولكن أكرهته، وقيل ان ابن مسلمة لما بارز مرحبا قطع رجليه، قال له مرحب اجهز علي، فقال لا، ذق الموت كما ذاقه محمود بن مسلمة، فأجهز عليه علي والأول هو الصحيح وكان سيف مرحب مكتوب عليه هذا سيف مرحب من يذقه يعطب، وقوله قتل أخي بالأمس قيل ان مرحبا هو الذي قتل محمود بن مسلمة ألقى عليه رحا من فوق حصن ناعم.
وفي حديث أبي رافع زوج سلمى قابلة إبراهيم ابن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وقابلة بني فاطمة كلهم، قال ضرب يهودي عليا فطرح ترسه من يديه فتناول باب حصن وترس به فلما فتح الحصن وفرغ من القتال ألقاه، قال ابو رافع فقام إليه سبعة أنا ثامنهم فجهدنا أن نقلبه فما قلبناه. وصدر القسطلاني فى المواهب بأنه لم تحركه سبعون رجلا إلا بعد جهد، وروى البخاري عن أبي هريرة قال شهدنا خيبر، فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم لرجل ممن معه يدعي
الإسلام هذا من أهل النار، فلما حضر القتال قاتل الرجل أشد القتال حتى كثرت فيه الجراح فكاد بعض الناس يرتاب فوجد الرجل ألم الجراحة فأهوى بيده إلى كنانته فاستخرج منها سهما فنحر نفسه فاشتد رجل من المسلمين فقال يا رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم صدق حديثك، انتحر فلان فقتل نفسه. فقال قم يا فلان فأذن أنه لا يدخل الجنة إلا مؤمن، إن الله تعالى يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر.
قوله شهدنا خيبر مجاز عن جنسه من المسلمين فالثابت أنه إنما جاء بعد فتحها وشهد قسم غنائمها بها اتفاقا والرجل المذكور قال الحافظ وقع لجماعة ممن تكلم على البخاري أنه قزمان بضم القاف وسكون الزاي المعجمة الظفري بفتح المعجمة والفاء نسبة إلي بني ظفر بطن من الأنصار المكنى أبى الغيداق بمعجمة مفتوحة فتحتية ساكنة آخره قاف ويعكر عليه ما جزم به ابن الجوزي تبعا للواقدي أن قزمان قتل بأحد وكان تخلف عن المسلمين فعيره النساء فخرج حتى صار فى الصف الأول ثم فعل العجائب فلما انكسر المسلمون كسر جفن سيفه وجعل يقول الموت أحسن من الفرار فمر به قتادة بن النعمان فقال هنيئا لك الشهادة فقال والله إني ما قاتلت على دين وإنما قاتلت على حسب قومي ثم أقلقته الجراحة فقتل نفسه. لكن الواقدي لا يحتج به إذا انفرد فكيف إذا خالف، وعن سلمة بن الأكوع ان عليا لما أخذ الرابة خرج يهرول هرولة قال وأنا تتبع أثره حتى ركز رأيته فى رضم من حجارة تحت الحصن فأطلع إليه يهودي من رأس الحصن فقال من أنت؟ قال أنا علي بن أبي طالب. فقال اليهودي علوتم وما أنزل الله على موسى أو كما قال، فما رجع حتى فتح الله على يديه.
وقاتل النبي صلى الله تعالي عليه وسلم أهل خيبر وقاتلوه أشد القتال واستشهد من المسلمين خمسة عشر وعدهم الشامي أربعا وثلاثين فالله أعلم.
وقتل من اليهود ثلاثة وتسعون بفوقية قبل السين وفتحها على حصنا
حصنا وهي النطاة بنون فطاء مهملة بوزن حصاة وحصن الصعب بفتح الصاد وإسكان العين المهملتين وبالموحدة ابن معاذ، وعن معتب بشد الفوقية المكسورة الأسلمي أن بني سهم من أسلم أتوا رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فقالوا يا رسول الله جهدنا وما بأيدينا من شيء فلم نجد عنده شيئاً فقال اللهم إنك قد عرفت حالهم وأن ليس بهم قوة وأن ليس بيدي شيء أعطيهم إياه فافتح عليهم أعظم حصونها غنا وأكثرها طعاما وودكا ففتح الله عليهم حصن الصعب بن معاذ وما بخيبر حصن كان أكثر طعاما وودكا منه اهـ.
ومنها حصن ناعم بنون فألف فمهملة فميم وهو أول حصونها افتتح وعنده قتل محمود بن مسلمة ثم بعد ذلك بقليل دفع عليه السلام كنانة بن الربيع بن أبي الحقيق قاتل محمود إلي محمد بن مسلمة فضرب عنقه بأخيه وقيل أن مرحبا هو الذي قتل محمود بن مسلمة كما مرّ ومنها حصن قلعة الزبير بن العوام لكونه صار في سهمه، وكان اسمه حصن فنة لكونه على رأس جبل ومنها الشق بفتح المعجمة وكسرها والفتح أعرف وبالقاف المشددة ويشتمل على حصون منها حصن أبي وهو أول ما بدئ به من حصون الشق فتقاتلوا قتالا شديدا ثم تحامل المسلمون فدخلوه يقدمهم أبو دجانة وهرب من فيه من المقاتلة إلي حصن النزار بالشق فغلقوه وامتنعوا به أشد الامتناع وزحف صلى الله تعالى عليه وسلم في أصحابه إليهم فقاتلهم فكانوا أشد أهل الشق رميا بالنبل والحجارة، فأخذ صلى الله تعالى عليه وسلم كفا من حصا فحصب به حصنهم فزحف بهم ثم ساخ في الأرض حتى جاء المسلمون فأخذوا أهله باليد، ومنها حصن البراء بفتح الموحدة وكسر الراء المخففة وبالمد ومنها القموص بفتح القاف وضم الميم وسكون الواو فصاد مهملة وقيل بكاف مفتوحة ففوقية وقيل مثلثة مكسورة فتحتية ساكنة فموحدة ويقال بضم الكاف ومنه سبيت صفية، ومنها الوطيح بفتح الواو وكسر
الطاء فتحتية ساكنة فمهملة كما ضبطه ابن الأثير وغيره. قال البكري سمي بالوصيح بن مازن رجل من ثمود ومنها السلالم بضم السين المهملة وقيل بفتحها وكسر اللام قبل الميم ويقال لها السلاليم على ما مر من ضم السين وفتحها وهو حصن بنى أبي الحقيقب وكان آخر حصونها افتتاحا وأخذ كنز آل أبي الحقيق بالتصغير وكان أولا في مسك حمار بفتح الميم وسكون السين أي جلده فلما كثر جعلوه في مسك ثور ثم في مسك جمل قيل وخص جلد الحمار لأن الأرض لا تأكله، وكانوا قد غيبوه في خريبة فدل الله رسوله عليه فأخبره بموضعه كما عند البيهقي عن عروة وله عن ابن عمر أن أهل خيبر شرطوا له صلى الله تعالى عليه وسلم أن لا يكتموه شيئاً فإن فعلوا فلا ذمة لهم، فأتى بكنانة والربيع ابني أبي الحقيق فقال ما فعل مسك حيي الذي جاء به من بني النضير؟ قالا أذهبته الحروب والنفقات فقال العهد قريب والمال أكثر من ذلك. وروي أنهما لما كتماه دعى رجلا من الأنصار فأخبره بموضعه وقال ائتيني به، فأتاه به فضرب عنقهما وسبا أهليهما بالنكث الذي نكثاه، ولما قتل كنانة بن الربيع ابن أبي الحقيق زوج صفية بنت حيي تزوجها عليه السلام بعد أن استبرأها وجعل عتقها مهرها وقد كانت صارت لدحية الكلبي لما جاءه فقال اعطني يا رسول الله جارية من السبي فقال اذهب فخذ جارية، فأخذ صفية. فجاء رجل فقال يا رسول الله أعطيت دحية صفية سيدة قريظة والنضير لا تصلح إلا لك؟ قال ادعوه فجاء بها فلما نظر إليها صلى الله تعالى عليه وسلم قال خذ جارية من السبي غيرها كذا في رواية البخاري.
وفي رواية لمسلم أن صفية وقعت في سهم دحية وأنه صلى الله تعالى عليه وسلم اشتراها من دحية بسبعة أرؤس والأولى في طريق الجمع أن المراد بسهمه نصيبه الذي اختاره لنفسه لما أذن له في أخذ جارية. وإطلاق الشراء على ذلك مجاز لأنه لم يملكها إذ أذنه في أخذ مطلق جارية لم يرد به مثل هذه، وليس في قوله سبعة أرؤس ما ينافي رواية
البخاري: خذ جارية من السبي غيرها، إذ ليس هنا دلالة على نفي الزيادة.
وذكر الشافعي أنه أعطاه أخت زوجها، وإنما أخذها صلى الله تعالى عليه وسلم لأنها بنت ملكهم، وليست ممن توهب لدحية لكثرة من كان في الصحابة مثل دحية وفوقه وقلة من كان في السبي مثل صفية في نفاستها نسبا وجمالا، فلو خصه بها لأمكن تغير خاطر بعضهم، فكان من المصلحة العامة اختصاصه عليه السلام بها فإن في ذلك رضا الجميع وهي بنت حيي بن اخطب بن سعية بفتح السين وسكون العين المهملتين فتحتية ابن عامر بن عبد بن كعب بن سبطلاوي بن يعقوب ثم من ذرية هارون أخي موسى عليهما السلام، وأمها ضرة بفتح الضاد المعجمة بنت سموال من بنى قريظة، وكانت تحت سلام بن مشكم القرظي ثم فارقها فتزوجها كنانة النضيري وقتل عنها يوم خيبر وكانت عروسا، والعروس وصف يستوي فيه الذكر والأنثى ما داما في تعريسهما أياما، فاصطفاها عليه السلام لنفسه، فخرج حتى بلغ سد الصهباء بفتح السين المهملة وضمها موضع على بريد من خيبر فحلت له أي طهرت من الحيض فبنى بها عليه الصلاة والسلام فصنع حيسا بحاء مهملة مفتوحة فتحتية ساكنة فسين مهملة أي تمرا مخلوطا بسمن وأقط قال الشاعر:
(السمن والتمر جميعا والأقط
…
الحيس إلا أنه لم يختلط)
فجعل في نطع وكان وليمة. والنطع بكسر النون وفتح الطاء المهملة وعليها اقتصر ثعلب وكذا في الفرع، ويجوز فتح النون وسكون الطاء وفتحهما وكسر النون وسكون الطاء انتهى من المواهب وشرحها.
وفي القاموس الحيس الخلط، وتمر يخلط بسمن وأقط فيعجن شديدا ثم يندر منه نواه وربما جعل فيه سويق انتهي.
وفيه النطع بالفتح والكسر وبالتحريك وكعنب بساط من الأديم ولما بنى بها قال المسلمون هل هي إحدى أمهات المؤمنين أو ما ملكت يمينه؟ فقالوا إن حجبها فهي إحدى أمهات المؤمنين، فلما حجبها علموا أنها من
أمهات المؤمنين. قال الحافظ ولد صفية مائة نبي ومائة ملك، ثم صيرها الله لنبيه.
قال الزرقاني يعني أن في أصولها ذلك. والظاهر أنه من جهة الآباء والأمهات كما قيل في قول ابن الكلبي: كتبت للنبي صلى الله تعالى عليه وسلم خمسمائة أم فما وجدت فيهن سفاحا.
فائدة:
كانت صفية من الصفي بفتح المهملة وكسر الفاء وشد الياء وهو سهم يختاره عليه السلام من الخمس، وقيل كان اسمها قبل السبي زينب، فلما صارت من الصفي سميت صفية. وفي هذه الغزوة حرم لحوم الحمر الأهلية، وقال كعب بن مالك يوم خيبر:
(ونحن وردنا خيبرا وفروضه
…
بكل فتى عاري الأشاجع مزودي)
(جواد لدى الغياث لا واهن القوى
…
جريئ على الأعداء في كل مشهد)
(عظيم رماد القدر في كل شتوة
…
ضروب بنصل المشرفي المهند)
(يري القتل مدحا إن أصاب شهادة
…
من الله يرجوها وفوزا لأحمد)
(يذود ويحمي عن ذمار محمد
…
ويدفع عنه باللسان وباليد)
(وينصره في كل أمر يريبه
…
يجود بنفس دون نفس محمد)
والفروض ثلم في النهر يستقى منها والله أعلم. والمذود كمنبر الحامي للحقيقة. وفي هذه الغزوة سمت زينب بنت الحارث زوجة سلام بن مشكم الشاة وأهدتها له صلى الله تعالى عليه وسلم، وفي أبي داود أنها أخت مرحب وبه جزم السهيلي وللبيهقي أنها بنت أخي مرحب، وروي أنها جعلت تسأل أي الشاة أحب إليه عليه السلام فيقولون أحبها الذراع، فعمدت إلي عنز لها فذبحتها وصلتها أي شوتها، ثم عمدت إلي سم بتثليث السين لا يطنئ بضم التحتية وسكون الطاء المهملة ونون بعدها همزة أي لا يلبث أن يقتل من ساعته وهو المعروف بسم ساعة، وقد شاورت يهود في اختيار سم من جملة سموم عينتها بأن سألت أيها أسرع قتلا، فاجتمعوا لها على هذا السم بعينه فسمت الشاة وأكثرت
في الذراعين والكتف، فوضعت بين يديه ومن حضر من أصحابه، وفيهم بشر بن البراء بن معرور بمهملات الخزرجي الصحابي بن الصحابي، شهد بدرا وما بعدها حتى مات وتناول صلى الله تعالى عليه وسلم الذراع فانتهس بسين مهملة أي أخذ بمقدم أسنانه منها وتناول بشر عظما آخر، فلما ازدرد صلى الله تعالى عليه وسلم لقمته أي ابتلع ما انفصل بريقه منها فلا ينافي رواية ابن إسحاق أنه لم يسغها فلفظها، ازدرد بشر بن البراء ما في فيه وأكل القوم في الإمتاع أنهم ثلاثة وضعوا أيديهم في الطعام ولم يصيبوا منه شيئاً، وأنه صلى الله تعالى عليه وسلم أمرهم بالحجامة وكأن معناه إن صح أنهم لم يبتلعوا لكنهم وضعوه في أفواههم، فأثر قليلا فأمرهم بالحجامة فقال صلى الله تعالى عليه وسلم ارفعوا أيديكم فإن هذه الذراع تخبرني أنها مسمومة.
وفيه أن بشر بن البراء مات من أكلته، قيل من ساعته وقيل بعد حول وبه جزم السهيلي. وروى الدمياطي أنه دفعها إلي أولياء بشر فقتلوها ورواه ابن سعد عن الواقدي بأسانيد متعددة، قال الواقدي وهو أثبت، وقال الزهري أسلمت فتركها.
وروى سليمان بن طرخان في مغازيه أنها قالت لما قال لها ما حملك على ذلك؟ قالت: إن كنت نبيا لم يضرك وإن كنت كاذبا أرحت الناس منك وقد استبان لي الآن أنك صادق، وأنا أشهدك ومن حضر أني على دينك وأن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله. قال فانصرف عنها حين أسلمت. وجزم في الإصابة بأنها صحابية والله تعالى أعلم. انتهي من المواهب وشرحها.
ولما فتحت خيبر كلم رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم الحجاج بن علاط السلمي فقال يا رسول الله إن لي مالا بمكة عند صاحبتي أم شيبة بنت أبي طلحة ومالا متفرقا في تجار مكة فأذن لي، فأذن له. قال إنه لابد لي أن أقول؛ قال قل؛ قال الحجاج فخرجت حتى إذا قدمت مكة وجدت بثنية البيضاء رجالا يستمعون الأخبار فلما رأوني ولم يكونوا