الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَلَا يُقْضَى مِنْ أَحَدِهِمَا، فَإِنَّك تَجْعَلُهُ فِي مُقَابَلَةِ مَا الْحَظُّ لِلْمَسَاكِينِ فِي جَعْلِهِ فِي مُقَابَلَتِهِ.
[فَصْلُ هَلْ يَمْنَعُ دَيْنُ اللَّهِ تَعَالَى الزَّكَاة]
(1934)
فَصْلٌ: فَأَمَّا دَيْنُ اللَّهِ تَعَالَى، كَالْكَفَّارَةِ وَالنَّذْرِ، فَفِيهِ وَجْهَانِ؛ أَحَدُهُمَا، يَمْنَعُ الزَّكَاةَ كَدَيْنِ الْآدَمِيِّ؛ لِأَنَّهُ دَيْنٌ يَجِبُ قَضَاؤُهُ، فَهُوَ كَدَيْنِ الْآدَمِيِّ. يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:«دَيْنُ اللَّهِ أَحَقُّ أَنْ يُقْضَى» .
وَالْآخَرُ: لَا يَمْنَعُ؛ لِأَنَّ الزَّكَاةَ آكَدُ مِنْهُ لِتَعَلُّقِهَا بِالْعَيْنِ، فَهُوَ كَأَرْشِ الْجِنَايَةِ، وَيُفَارِقُ دَيْنَ الْآدَمِيِّ، لِتَأَكُّدِهِ، وَتَوَجُّهِ الْمُطَالَبَةِ بِهِ. فَإِنْ نَذَرَ الصَّدَقَةَ بِمُعَيَّنٍ، فَقَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِهَذِهِ الْمِائَتَيْ دِرْهَمٍ إذَا حَالَ الْحَوْلُ. فَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: يُخْرِجُهَا فِي النَّذْرِ، وَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ النَّذْرَ آكَدُ لِتَعَلُّقِهِ بِالْعَيْنِ، وَالزَّكَاةُ مُخْتَلَفٌ فِيهَا. وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَلْزَمَهُ زَكَاتُهَا، وَتُجْزِئُهُ الصَّدَقَةُ بِهَا، إلَّا أَنْ يَنْوِيَ الزَّكَاةَ بِقَدْرِهَا، وَيَكُونُ ذَلِكَ صَدَقَةً تُجْزِئُهُ عَنْ الزَّكَاةِ وَالنَّذْرِ؛ لِكَوْنِ الزَّكَاةِ صَدَقَةً، وَسَائِرُهَا يَكُونُ صَدَقَةً لِنَذْرِهِ وَلَيْسَ بِزَكَاةٍ.
وَإِنْ نَذَرَ الصَّدَقَةَ بِبَعْضِهَا، وَكَانَ ذَلِكَ الْبَعْضُ قَدْرَ الزَّكَاةِ أَوْ أَكْثَرَ، فَعَلَى هَذَا الِاحْتِمَالِ يُخْرِجُ الْمَنْذُورَ، وَيَنْوِي الزَّكَاةَ بِقَدْرِهَا مِنْهُ. وَعَلَى قَوْلِ ابْنِ عَقِيلٍ، يَحْتَمِلُ أَنْ تَجِبَ الزَّكَاةُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ النَّذْرَ إنَّمَا تَعَلَّقَ بِالْبَعْضِ بَعْدَ وُجُودِ سَبَبِ الزَّكَاةِ وَتَمَامِ شَرْطِهِ، فَلَا يَمْنَعُ الْوُجُوبَ، لِكَوْنِ الْمَحِلِّ مُتَّسِعًا لَهُمَا جَمِيعًا. وَإِنْ كَانَ الْمَنْذُورُ أَقَلَّ مِنْ قَدْرِ الزَّكَاةِ، وَجَبَ قَدْرُ الزَّكَاةِ، وَدَخَلَ النَّذْرُ فِيهِ، فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ، وَفِي الْآخَرِ يَجِبُ إخْرَاجُهُمَا جَمِيعًا.
[فَصْلُ حَجَرَ الْحَاكِمُ عَلَيْهِ بَعْدَ وُجُوبِ الزَّكَاةِ]
(1935)
فَصْلٌ: إذَا قُلْنَا: لَا يَمْنَعُ الدَّيْنُ وُجُوبَ الزَّكَاةِ فِي الْأَمْوَالِ الظَّاهِرَةِ. فَحَجَرَ الْحَاكِمُ عَلَيْهِ بَعْدَ وُجُوبِ الزَّكَاةِ، لَمْ يَمْلِكْ إخْرَاجَهَا؛ لِأَنَّهُ قَدْ انْقَطَعَ تَصَرُّفُهُ فِي مَالِهِ. وَإِنْ أَقَرَّ بِهَا بَعْدَ الْحَجْرِ، لَمْ يُقْبَلْ إقْرَارُهُ، وَكَانَتْ عَلَيْهِ فِي ذِمَّتِهِ كَدَيْنِ الْآدَمِيِّ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَسْقُطَ إذَا حُجِرَ عَلَيْهِ قَبْلَ إمْكَانِ أَدَائِهَا، كَمَا لَوْ تَلِفَ مَالُهُ. فَإِنْ أَقَرَّ الْغُرَمَاءُ بِوُجُوبِ الزَّكَاةِ عَلَيْهِ، أَوْ ثَبَتَ بِبَيِّنَةِ. أَوْ كَانَ قَدْ أَقَرَّ بِهَا قَبْلَ الْحَجْرِ عَلَيْهِ، وَجَبَ إخْرَاجُهَا مِنْ الْمَالِ، فَإِنْ لَمْ يُخْرِجُوهَا فَعَلَيْهِمْ إثْمُهَا.
[فَصْلُ إذَا جَنَى الْعَبْدُ الْمُعَدُّ لِلتِّجَارَةِ جِنَايَةً]
فَصْلٌ: وَإِذَا جَنَى الْعَبْدُ الْمُعَدُّ لِلتِّجَارَةِ جِنَايَةً تَعَلَّقَ أَرْشُهَا بِرَقَبَتِهِ، مَنَعَ وُجُوبَ الزَّكَاةِ فِيهِ، إنْ كَانَ يَنْقُصُ النِّصَابَ؛ لِأَنَّهُ دَيْنٌ وَإِنْ لَمْ يَنْقُصْ النِّصَابُ، مَنَعَ الزَّكَاةَ فِي قَدْرِ مَا يُقَابِلُ الْأَرْشَ.
[مَسْأَلَةُ إذَا كَانَ لَهُ دَيْنٌ عَلَى مَلِيءٍ فَلَيْسَ عَلَيْهِ زَكَاةٌ حَتَّى يَقْبِضَهُ]
(1937)
مَسْأَلَةٌ: قَالَ: وَإِذَا كَانَ لَهُ دَيْنٌ عَلَى مَلِيءٍ فَلَيْسَ عَلَيْهِ زَكَاةٌ حَتَّى يَقْبِضَهُ، فَيُؤَدِّي لِمَا مَضَى وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّ الدَّيْنَ عَلَى ضَرْبَيْنِ؛ أَحَدُهُمَا، دَيْنٌ عَلَى مُعْتَرِفٍ بِهِ بَاذِلٍ لَهُ، فَعَلَى صَاحِبِهِ زَكَاتُهُ،
إلَّا أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ إخْرَاجُهَا حَتَّى يَقْبِضَهُ، فَيُؤَدِّي لِمَا مَضَى، رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ. رضي الله عنه وَبِهَذَا قَالَ الثَّوْرِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ.
وَقَالَ عُثْمَانُ وَابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما وَجَابِرٌ وَطَاوُسٌ وَالنَّخَعِيُّ وَجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ وَالْحَسَنُ، وَمَيْمُونُ بْنُ مِهْرَانَ وَالزُّهْرِيُّ وَقَتَادَةُ وَحَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ وَالشَّافِعِيُّ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو عُبَيْدٍ عَلَيْهِ إخْرَاجُ الزَّكَاةِ فِي الْحَالِ، وَإِنْ لَمْ يَقْبِضْهُ؛ لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى أَخْذِهِ وَالتَّصَرُّفِ فِيهِ، فَلَزِمَهُ إخْرَاجُ زَكَاتِهِ، كَالْوَدِيعَةِ.
وَقَالَ عِكْرِمَةُ لَيْسَ فِي الدَّيْنِ زَكَاةٌ. وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَائِشَةَ وَابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهم؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ نَامٍ، فَلَمْ تَجِبْ زَكَاتُهُ، كَعُرُوضِ الْقُنْيَةِ. وَرُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ وَعَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ وَأَبِي الزِّنَادِ: يُزَكِّيه إذَا قَبَضَهُ لِسَنَةٍ وَاحِدَةٍ. وَلَنَا، أَنَّهُ دَيْنٌ ثَابِتٌ فِي الذِّمَّةِ، فَلَمْ يَلْزَمْهُ الْإِخْرَاجُ قَبْلَ قَبْضِهِ، كَمَا لَوْ كَانَ عَلَى مُعْسِرٍ، وَلِأَنَّ الزَّكَاةَ تَجِبُ عَلَى طَرِيقِ الْمُوَاسَاةِ، وَلَيْسَ مِنْ الْمُوَاسَاةِ أَنْ يُخْرِجَ زَكَاةَ مَالٍ لَا يَنْتَفِعُ بِهِ.
وَأَمَّا الْوَدِيعَةُ، فَهِيَ بِمَنْزِلَةِ مَا فِي يَدِهِ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَوْدَعَ نَائِبٌ عَنْهُ فِي حِفْظِهِ، وَيَدُهُ كَيَدِهِ، وَإِنَّمَا يُزَكِّيه لِمَا مَضَى؛ لِأَنَّهُ مَمْلُوكٌ لَهُ يَقْدِرُ عَلَى الِانْتِفَاعِ بِهِ، فَلَزِمَتْهُ زَكَاتُهُ، كَسَائِرِ أَمْوَالِهِ. الضَّرْبُ الثَّانِي، أَنْ يَكُونَ عَلَى مُعْسِرٍ، أَوْ جَاحِدٍ، أَوْ مُمَاطِلٍ بِهِ. فَهَذَا هَلْ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ؛ إحْدَاهُمَا، لَا تَجِبُ، وَهُوَ قَوْلُ قَتَادَةَ، وَإِسْحَاقَ، وَأَبِي ثَوْرٍ، وَأَهْلِ الْعِرَاقِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَقْدُورٍ عَلَى الِانْتِفَاعِ بِهِ، أَشْبَهَ مَالَ الْمُكَاتَبِ.
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ، يُزَكِّيه إذَا قَبَضَهُ لِمَا مَضَى. وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ وَأَبِي عُبَيْدٍ، لِمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيَّ رضي الله عنه فِي الدَّيْنِ الْمَظْنُونِ، قَالَ: إنْ كَانَ صَادِقًا، فَلْيُزَكِّهِ إذَا قَبَضَهُ لِمَا مَضَى. وَرُوِيَ نَحْوُهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ. رَوَاهُمَا أَبُو عُبَيْدٍ وَلِأَنَّهُ مَمْلُوكٌ يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِيهِ، فَوَجَبَتْ زَكَاتُهُ لِمَا مَضَى، كَالدَّيْنِ عَلَى الْمَلِيءِ.
وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلَانِ كَالرِّوَايَتَيْنِ، وَعَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَالْحَسَنِ، وَاللَّيْثِ، وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَمَالِكٍ يُزَكِّيه إذَا قَبَضَهُ لِعَامٍ وَاحِدٍ. وَلَنَا، أَنَّ هَذَا الْمَالَ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ عَلَى حَالٍ وَاحِدٍ، فَوَجَبَ أَنْ يَتَسَاوَى فِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ أَوْ سُقُوطِهَا، كَسَائِرِ الْأَمْوَالِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الْغَرِيمِ يَجْحَدُهُ فِي الظَّاهِرِ دُونَ الْبَاطِنِ، أَوْ فِيهِمَا. (1938)
فَصْلٌ: وَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ، أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْحَالِّ وَالْمُؤَجَّلِ؛ لِأَنَّ الْبَرَاءَةَ تَصِحُّ مِنْ الْمُؤَجَّلِ، وَلَوْلَا أَنَّهُ مَمْلُوكٌ لَمْ تَصِحَّ الْبَرَاءَةُ مِنْهُ، لَكِنْ يَكُونُ فِي حُكْمِ الدَّيْنِ عَلَى الْمُعْسِرِ، لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ قَبْضُهُ فِي الْحَالِ.