الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَلَنَا، مَا رَوَى الْفَضْلُ بْنُ عَبَّاسٍ، «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَزَلْ يُلَبِّي حَتَّى رَمَى الْجَمْرَةَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ، قَالَ: شَهِدْت ابْنَ مَسْعُودٍ يَوْمَ عَرَفَةَ وَهُوَ يُلَبِّي، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ كَلِمَةً. فَسَمِعْته زَادَ فِي تَلْبِيَتِهِ شَيْئًا لَمْ أَسْمَعْهُ قَبْلَ ذَلِكَ قَالَهَا: لَبَّيْكَ عَدَدَ التُّرَابِ.
وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَمْضِيَ عَلَى طَرِيقِ الْمَأْزِمَيْنِ؛ لِأَنَّهُ يُرْوَى أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم سَلَكَهَا. وَإِنْ سَلَكَ الطَّرِيقَ الْأُخْرَى، جَازَ.
[مَسْأَلَة السُّنَّةَ لِمَنْ دَفَعَ مِنْ عَرَفَةَ أَنْ لَا يُصَلِّيَ الْمَغْرِبَ حَتَّى يَصِلَ مُزْدَلِفَةَ]
مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (ثُمَّ يُصَلِّي مَعَ الْإِمَامِ الْمَغْرِبَ وَعِشَاءَ الْآخِرَةِ، بِإِقَامَةٍ لِكُلِّ صَلَاةٍ. فَإِنْ جَمَعَ بَيْنَهُمَا بِإِقَامَةٍ وَاحِدَةٍ، فَلَا بَأْسَ) وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّ السُّنَّةَ لِمَنْ دَفَعَ مِنْ عَرَفَةَ، أَنْ لَا يُصَلِّيَ الْمَغْرِبَ حَتَّى يَصِلَ مُزْدَلِفَةَ، فَيَجْمَعَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ. لَا خِلَافَ فِي هَذَا. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ لَا اخْتِلَافَ بَيْنَهُمْ، أَنَّ السُّنَّةَ أَنَّ يَجْمَعَ الْحَاجُّ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ.
وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم جَمَعَ بَيْنَهُمَا. رَوَاهُ جَابِرٌ، وَابْنُ عُمَرَ، وَأُسَامَةُ، وَأَبُو أَيُّوبَ، وَغَيْرُهُمْ. وَأَحَادِيثُهُمْ صِحَاحٌ. وَيُقِيمُ لِكُلِّ صَلَاةٍ إقَامَةً؛ لِمَا رَوَى أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، قَالَ:«دَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ عَرَفَةَ، حَتَّى إذَا كَانَ بِالشِّعْبِ نَزَلَ، فَبَالَ، ثُمَّ تَوَضَّأَ، فَقُلْت لَهُ: الصَّلَاةَ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: الصَّلَاةُ أَمَامَك. فَرَكِبَ، فَلَمَّا جَاءَ مُزْدَلِفَةَ نَزَلَ، فَتَوَضَّأَ فَأَسْبَغَ الْوُضُوءَ، ثُمَّ أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ، فَصَلَّى الْمَغْرِبَ، ثُمَّ أَنَاخَ كُلُّ إنْسَانٍ بَعِيرَهُ فِي مَنْزِلِهِ، ثُمَّ أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَصَلَّى، وَلَمْ يُصَلِّ بَيْنَهُمَا» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَرُوِيَ هَذَا الْقَوْلُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ. وَبِهِ قَالَ سَالِمٌ، وَالْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، وَالشَّافِعِيُّ، وَإِسْحَاقُ.
وَإِنْ جَمَعَ بَيْنَهُمَا بِإِقَامَةِ الْأَوْلَى فَلَا بَأْسَ. يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَيْضًا. وَبِهِ قَالَ الثَّوْرِيُّ؛ لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ، قَالَ:«جَمَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِجَمْعٍ، صَلَّى الْمَغْرِبَ ثَلَاثًا، وَالْعِشَاءَ رَكْعَتَيْنِ، بِإِقَامَةٍ وَاحِدَةٍ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَإِنْ أَذَّنَ لِلْأَوْلَى وَأَقَامَ، ثُمَّ أَقَامَ لِلثَّانِيَةِ، فَحَسَنٌ؛ فَإِنَّهُ يُرْوَى فِي حَدِيثِ جَابِرٍ، وَهُوَ مُتَضَمِّنٌ لِلزِّيَادَةِ، وَهُوَ مُعْتَبَرٌ بِسَائِرِ الْفَوَائِتِ وَالْمَجْمُوعَاتِ. وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْمُنْذِرِ، وَأَبِي ثَوْرٍ. وَاَلَّذِي اخْتَارَهُ الْخِرَقِيِّ إقَامَةٌ لِكُلِّ صَلَاةٍ مِنْ غَيْرِ أَذَانٍ.
قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: وَهُوَ آخِرُ قَوْلَيْ أَحْمَدَ؛ لِأَنَّهُ رِوَايَةُ أُسَامَةُ، وَهُوَ أَعْلَمُ بِحَالِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَإِنَّهُ كَانَ رَدِيفَهُ، وَقَدْ اتَّفَقَ هُوَ وَجَابِرٌ فِي حَدِيثِهِمَا عَلَى إقَامَةٍ لِكُلِّ صَلَاةٍ، وَاتَّفَقَ أُسَامَةُ وَابْنُ عُمَرَ عَلَى الصَّلَاةِ بِغَيْرِ أَذَانٍ، مَعَ أَنَّ حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ الْمُتَّفَقَ عَلَيْهِ قَالَ: بِإِقَامَةٍ. قَالَ وَإِنَّمَا لَمْ يُؤَذِّنْ لِلْأُولَى هَاهُنَا؛ لِأَنَّهَا فِي غَيْرِ وَقْتِهَا، بِخِلَافِ الْمَجْمُوعَتَيْنِ بِعَرَفَةَ. وَقَالَ مَالِكٌ: يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِأَذَانٍ وَإِقَامَتَيْنِ.
وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ، وَابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ مَسْعُودٍ. وَاتِّبَاعُ السُّنَّةِ أَوْلَى، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَا أَعْلَمُ فِيمَا قَالَهُ مَالِكٌ