الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الثَّانِي، أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ قَدْ أَدَّى حَجَّةَ الْإِسْلَامِ، وَهُوَ عَاجِزٌ عَنْ الْحَجِّ بِنَفْسِهِ، فَيَصِحُّ أَنْ يَسْتَنِيبَ فِي التَّطَوُّعِ، فَإِنَّ مَا جَازَتْ الِاسْتِنَابَةُ فِي فَرْضِهِ، جَازَتْ فِي نَفْلِهِ، كَالصَّدَقَةِ. الثَّالِث، أَنْ يَكُونَ قَدْ أَدَّى حَجَّةَ الْإِسْلَامِ، وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى الْحَجِّ بِنَفْسِهِ، فَهَلْ لَهُ أَنْ يَسْتَنِيبَ فِي حَجِّ التَّطَوُّعِ؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ؛ إحْدَاهُمَا، يَجُوزُ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهَا حَجَّةٌ لَا تَلْزَمُهُ بِنَفْسِهِ، فَجَازَ أَنْ يَسْتَنِيبَ فِيهَا، كَالْمَعْضُوبِ. وَالثَّانِيَةُ، لَا يَجُوزُ. وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى الْحَجِّ بِنَفْسِهِ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَسْتَنِيبَ فِيهِ، كَالْفَرْضِ.
[فَصْل الْعَجْز عَنْ الْحَجّ عَجَزَا مَرْجُوّ الزَّوَال]
(2220)
فَصْلٌ: فَإِنْ كَانَ عَاجِزًا عَنْهُ عَجْزًا مَرْجُوَّ الزَّوَالِ، كَالْمَرِيضِ مَرَضًا يُرْجَى بُرْؤُهُ، وَالْمَحْبُوسِ، جَازَ لَهُ أَنْ يَسْتَنِيبَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ حَجٌّ لَا يَلْزَمَهُ، عَجَزَ عَنْ فِعْلِهِ بِنَفْسِهِ، فَجَازَ لَهُ أَنْ يَسْتَنِيبَ فِيهِ، كَالشَّيْخِ الْكَبِيرِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْفَرْضِ، أَنَّ الْفَرْضَ عِبَادَةُ الْعُمْرِ، فَلَا يَفُوتُ بِتَأْخِيرِهِ عَنْ هَذَا الْعَامِ، وَالتَّطَوُّعُ مَشْرُوعٌ فِي كُلِّ عَامٍ، فَيَفُوتُ حَجُّ هَذَا الْعَامِ بِتَأْخِيرِهِ، وَلِأَنَّ حَجَّ الْفَرْضِ إذَا مَاتَ قَبْلَ فِعْلِهِ، فُعِلَ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَحَجَّ التَّطَوُّعِ لَا يُفْعَلُ، فَيَفُوتُ.
[فَصْل الِاسْتِئْجَار عَلَى الْحَجّ]
(2221)
فَصْلٌ: وَفِي الِاسْتِئْجَارِ عَلَى الْحَجِّ، وَالْأَذَانِ وَتَعْلِيمِ الْقُرْآنِ وَالْفِقْهِ، وَنَحْوِهِ، مِمَّا يَتَعَدَّى نَفْعُهُ، وَيَخْتَصُّ فَاعِلُهُ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الْقُرْبَةِ، رِوَايَتَانِ: إحْدَاهُمَا، لَا يَجُوزُ. وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَإِسْحَاقَ. وَالْأُخْرَى، يَجُوزُ. وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَابْنِ الْمُنْذِرِ، لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«أَحَقُّ مَا أَخَذْتُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا كِتَابُ اللَّهِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَأَخَذَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الْجُعْلَ عَلَى الرُّقْيَةِ بِكِتَابِ اللَّهِ، وَأَخْبَرُوا بِذَلِكَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَصَوَّبَهُمْ فِيهِ.
وَلِأَنَّهُ يَجُوزُ أَخْذُ النَّفَقَةِ عَلَيْهِ، فَجَازَ الِاسْتِئْجَارُ عَلَيْهِ، كَبِنَاءِ الْمَسَاجِدِ وَالْقَنَاطِرِ. وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى أَنَّ عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ كَانَ يُعَلِّمُ رَجُلًا الْقُرْآنَ، فَأَهْدَى لَهُ قَوْسًا، فَسَأَلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ لَهُ:«إنْ سَرَّك أَنْ تَتَقَلَّدَ قَوْسًا مِنْ نَارٍ، فَتَقَلَّدْهَا» وَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِعُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ: «وَاِتَّخِذْ مُؤَذِّنًا، لَا يَأْخُذُ عَلَى أَذَانِهِ أَجْرًا» . وَلِأَنَّهَا عِبَادَةٌ يَخْتَصُّ فَاعِلُهَا أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الْقُرْبَةِ، فَلَمْ يَجُزْ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَيْهَا، كَالصَّلَاةِ،