الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَعُمَرُ، وَالْخُلَفَاءُ يَتَوَضَّئُونَ فِي الْمَسْجِدِ. وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَطَاءٍ، وَطَاوُسٍ، وَابْنِ جُرَيْجٍ. وَالْأُخْرَى، يُكْرَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْلَمُ مِنْ أَنْ يَبْصُقَ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ يَتَمَخَّطَ، وَالْبُصَاقُ فِي الْمَسْجِدِ خَطِيئَةٌ، وَيَبُلُّ مِنْ الْمَسْجِدِ مَكَانًا يَمْنَعُ الْمُصَلِّينَ مِنْ الصَّلَاةِ فِيهِ. وَإِنْ خَرَجَ عَنْ الْمَسْجِدِ لِلْوُضُوءِ، وَكَانَ تَجْدِيدًا، بَطَلَ لِأَنَّهُ خُرُوجٌ لِمَا لَهُ مِنْهُ بُدٌّ، وَإِنْ كَانَ وُضُوءًا مِنْ حَدَثٍ، لَمْ يَبْطُلْ؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ دَاعِيَةٌ إلَيْهِ، سَوَاءٌ كَانَ فِي وَقْتِ الصَّلَاةِ أَوْ قَبْلَهَا؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْوُضُوءِ لِلْمُحْدِثِ، وَإِنَّمَا يَتَقَدَّمُ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ لِمَصْلَحَةٍ، وَهُوَ كَوْنُهُ عَلَى وُضُوءٍ، وَرُبَّمَا يَحْتَاجُ إلَى صَلَاةِ النَّافِلَةِ بِهِ.
[فَصْل إذَا أَرَادَ الْمُعْتَكِفَ أَنْ يَبُولَ فِي الْمَسْجِدِ فِي طَسْتٍ]
(2180)
فَصْلٌ: إذَا أَرَادَ أَنْ يَبُولَ فِي الْمَسْجِدِ فِي طَسْتٍ، لَمْ يُبَحْ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمَسَاجِدَ لَمْ تُبْنَ لِهَذَا، وَهُوَ مِمَّا يَقْبُحُ وَيَفْحُشُ وَيُسْتَخْفَى بِهِ، فَوَجَبَ صِيَانَةُ الْمَسْجِدِ عَنْهُ، كَمَا لَوْ أَرَادَ أَنْ يَبُولَ فِي أَرْضِهِ ثُمَّ يَغْسِلَهُ، وَإِنْ أَرَادَ الْفَصْدَ أَوْ الْحِجَامَةَ فِيهِ، فَكَذَلِكَ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي؛ لِأَنَّهُ إرَاقَةُ نَجَاسَةٍ فِي الْمَسْجِدِ، فَأَشْبَهَ الْبَوْلَ فِيهِ. وَإِنْ دَعَتْ إلَيْهِ حَاجَةٌ كَبِيرَةٌ، خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ فَفَعَلَهُ، وَإِنْ اسْتَغْنَى عَنْهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ الْخُرُوجُ إلَيْهِ، كَالْمَرَضِ الَّذِي يُمْكِنُ احْتِمَالُهُ
وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: يَحْتَمِلُ أَنْ يَجُوزَ الْفَصْدُ فِي الْمَسْجِدِ فِي طَسْتٍ، بِدَلِيلِ أَنَّ الْمُسْتَحَاضَةَ يَجُوزُ لَهَا الِاعْتِكَافُ، وَيَكُونُ تَحْتَهَا شَيْءٌ يَقَعُ فِيهِ الدَّمُ، قَالَتْ عَائِشَةُ:«اعْتَكَفَتْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم امْرَأَةٌ مِنْ أَزْوَاجِهِ مُسْتَحَاضَةٌ، فَكَانَتْ تَرَى الْحُمْرَةَ وَالصُّفْرَةَ، وَرُبَّمَا وَضَعَتْ الطَّسْتَ تَحْتَهَا وَهِيَ تُصَلِّي» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْمُسْتَحَاضَةَ لَا يُمْكِنُهَا التَّحَرُّزُ مِنْ ذَلِكَ، إلَّا بِتَرْكِ الِاعْتِكَافِ بِخِلَافِ الْفَصْدِ.
[مَسْأَلَة الْمُتَوَفَّيْ عَنْهَا زَوْجهَا وَهِيَ مُعْتَكِفَة]
(2181)
مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا وَهِيَ مُعْتَكِفَةٌ تَخْرُجُ لِقَضَاءِ الْعِدَّةِ، وَتَفْعَلُ كَمَا فَعَلَ الَّذِي خَرَجَ لِفِتْنَةٍ) وَجُمْلَتُهُ أَنَّ الْمُعْتَكِفَةَ إذَا تُوُفِّيَ زَوْجُهَا لَزِمَهَا الْخُرُوجُ لِقَضَاءِ الْعِدَّةِ، وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَقَالَ رَبِيعَةُ، وَمَالِكٌ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ: تَمْضِي فِي اعْتِكَافِهَا، حَتَّى تَفْرُغَ مِنْهُ، ثُمَّ تَرْجِعُ إلَى بَيْتِ زَوْجِهَا فَتَعْتَدُّ فِيهِ؛ لِأَنَّ الِاعْتِكَافَ الْمَنْذُورَ وَاجِبٌ، وَالِاعْتِدَادُ فِي الْبَيْتِ وَاجِبٌ، فَقَدْ تَعَارَضَ وَاجِبَانِ فَيُقَدَّمُ أَسْبَقُهُمَا.
وَلَنَا، أَنَّ الِاعْتِدَادَ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَاجِبٌ، فَلَزِمَهَا الْخُرُوجُ إلَيْهِ، كَالْجُمُعَةِ فِي حَقِّ الرَّجُلِ. وَدَلِيلُهُمْ يَنْتَقِضُ بِالْخُرُوجِ إلَى الْجُمُعَةِ وَسَائِرِ الْوَاجِبَات، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ أَنَّهَا كَاَلَّذِي خَرَجَ لِفِتْنَةٍ، وَأَنَّهَا تَبْنِي وَتَقْضِي وَتُكَفِّرُ. وَقَالَ الْقَاضِي: لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ خُرُوجَهَا وَاجِبٌ. وَقَدْ مَضَى الْقَوْلُ فِيهِ.
(2182)
فَصْلٌ: وَلَيْسَ لِلزَّوْجَةِ أَنْ تَعْتَكِفَ إلَّا بِإِذْنِ زَوْجِهَا، وَلَا لِلْمَمْلُوكِ أَنْ يَعْتَكِفَ إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ؛ لِأَنَّ مَنَافِعَهُمَا مَمْلُوكَةٌ لِغَيْرِهِمَا، وَالِاعْتِكَافُ يُفَوِّتُهَا، وَيَمْنَعُ اسْتِيفَاءَهَا، وَلَيْسَ بِوَاجِبِ عَلَيْهِمَا بِالشَّرْعِ، فَكَانَ لَهُمَا الْمَنْعُ مِنْهُ. وَأُمُّ الْوَلَد وَالْمُدَبَّرُ كَالْقِنِّ فِي هَذَا؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ بَاقٍ فِيهِمَا، فَإِنْ أَذِنَ السَّيِّدُ وَالزَّوْجُ لَهُمَا، ثُمَّ أَرَادَ إخْرَاجَهُمَا مِنْهُ بَعْدَ شُرُوعِهِمَا فِيهِ، فَلَهُمَا ذَلِكَ فِي التَّطَوُّعِ. وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي الْعَبْدِ كَقَوْلِنَا، وَفِي الزَّوْجَةِ: لَيْسَ لِزَوْجِهَا إخْرَاجُهَا؛ لِأَنَّهَا تَمْلِكُ بِالتَّمْلِيكِ، فَالْإِذْنُ أَسْقَطَ حَقَّهُ مِنْ مَنَافِعِهَا، وَأَذِنَ لَهَا فِي اسْتِيفَائِهَا، فَلَمْ يَكُنْ لَهُ الرُّجُوعُ فِيهَا، كَمَا لَوْ أَذِنَ لَهَا فِي الْحَجِّ فَأَحْرَمَتْ بِهِ، بِخِلَافِ الْعَبْدِ؛ فَإِنَّهُ لَا يَمْلِكُ بِالتَّمْلِيكِ. وَقَالَ مَالِكٌ: لَيْسَ لَهُ تَحْلِيلُهُمَا؛ لِأَنَّهُمَا عَقَدَا عَلَى أَنْفُسِهِمَا تَمْلِيكَ مَنَافِعَ كَانَا يَمْلِكَانِهَا لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى، فَلَمْ يَجُزْ الرُّجُوعُ فِيهَا، كَمَا لَوْ أَحْرَمَا بِالْحَجِّ بِإِذْنِهِمَا.
وَلَنَا، أَنَّ لَهُمَا الْمَنْعَ مِنْهُ ابْتِدَاءً، فَكَانَ لَهُمَا الْمَنْعُ مِنْهُ دَوَامًا، كَالْعَارِيَّةِ، وَيُخَالِفُ الْحَجَّ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ بِالشُّرُوعِ فِيهِ، بِخِلَافِ الِاعْتِكَافِ عَلَى مَا مَضَى مِنْ الْخِلَافِ فِيهِ، فَإِنْ كَانَ مَا أُذِنَا فِيهِ مَنْذُورًا، لَمْ يَكُنْ لَهُمَا تَحْلِيلُهُمَا مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ يَتَعَيَّنُ بِالشُّرُوعِ فِيهِ، وَيَجِبُ إتْمَامُهُ، فَيَصِيرُ كَالْحَجِّ إذَا أَحْرَمَا بِهِ. فَأَمَّا إنْ نَذَرَا الِاعْتِكَافَ، فَأَرَادَ السَّيِّدُ وَالزَّوْجُ مَنْعَهُمَا الدُّخُولَ فِيهِ نَظَرْت، فَإِنْ كَانَ النَّذْرُ بِإِذْنِهِمَا، وَكَانَ مُعَيَّنًا، لَمْ يَمْلِكَا مَنْعَهُمَا مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ بِإِذْنِهِمَا، وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ إذْنِهِمَا، فَلَهُمَا مَنْعُهُمَا مِنْهُ؛ لِأَنَّ نَذْرَهُمَا تَضَمَّنَ تَفْوِيتَ حَقِّ غَيْرِهِمَا بِغَيْرِ إذْنِهِ، فَكَانَ لِصَاحِبِ الْحَقِّ الْمَنْعُ مِنْهُ.
وَإِنْ كَانَ النَّذْرُ الْمَأْذُونُ فِيهِ غَيْرَ مُعَيَّنٍ، فَهَلْ لَهُمَا مَنْعُهُمَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ؛ أَحَدُهُمَا، لَهُمَا مَنْعُهُمَا؛ لِأَنَّ حَقَّهُمَا ثَابِتٌ فِي كُلِّ زَمَنٍ، فَكَانَ تَعْيِينُ زَمَنِ سُقُوطِهِ إلَيْهِمَا كَالدَّيْنِ. وَالثَّانِي، لَيْسَ لَهُمَا ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ الْتِزَامُهُ بِإِذْنِهِمَا، فَأَشْبَهَ الْمُعَيَّنَ.
وَأَمَّا الْمُعْتَقُ بَعْضُهُ، فَإِنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَيِّدِهِ مُهَايَأَةٌ، فَلَهُ أَنْ يَعْتَكِفَ فِي يَوْمِهِ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ؛ لِأَنَّ مَنَافِعَهُ غَيْرُ مَمْلُوكَةٍ لِسَيِّدِهِ فِي هَذَا الْيَوْمِ، وَحُكْمُهُ فِي يَوْمِ سَيِّدِهِ حُكْمُ الْقِنَّ. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا مُهَايَأَةٌ، فَلِسَيِّدِهِ مَنْعَهُ؛ لِأَنَّ لَهُ مِلْكًا فِي مَنَافِعِهِ فِي كُلِّ وَقْتٍ. (2183)
فَصْلٌ: وَأَمَّا الْمُكَاتَبُ، فَلَيْسَ لِسَيِّدِهِ مَنْعُهُ مِنْ وَاجِبٍ وَلَا تَطَوُّعٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ مَنَافِعَهُ، وَلَيْسَ لَهُ إجْبَارُهُ