الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
- صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عَنْ تَقْطِيعِ قَضَاءِ رَمَضَان؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لَوْ كَانَ عَلَى أَحَدِكُمْ دَيْنٌ، فَقَضَاهُ مِنْ الدِّرْهَمِ وَالدِّرْهَمَيْنِ، حَتَّى يَقْضِيَ مَا عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ، هَلْ كَانَ ذَلِكَ قَاضِيًا دَيْنَهُ؟ قَالُوا: نَعَمْ، يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: فَاَللَّهُ أَحَقُّ بِالْعَفْوِ وَالتَّجَاوُزِ مِنْكُمْ» وَلِأَنَّهُ صَوْمٌ لَا يَتَعَلَّقُ بِزَمَانِ بِعَيْنِهِ.
فَلَمْ يَجِبْ فِيهِ التَّتَابُعُ، كَالنَّذْرِ الْمُطْلَقِ، وَخَبَرِهِمْ لَمْ يَثْبُتْ صِحَّتُهُ، فَإِنَّ أَهْلَ السُّنَنِ لَمْ يَذْكُرُوهُ، وَلَوْ صَحَّ حَمَلْنَاهُ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ، فَإِنَّ الْمُتَتَابِعَ أَحْسَنُ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ مُوَافَقَةِ الْخَبَرِ، وَالْخُرُوجِ مِنْ الْخِلَافِ وَشَبَهِهِ بِالْأَدَاءِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[مَسْأَلَة مَنْ دَخَلَ فِي صِيَامِ تَطَوُّعٍ فَخَرَجَ مِنْهُ فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ]
(2097)
مَسْأَلَة؛ قَالَ: (وَمَنْ دَخَلَ فِي صِيَامِ تَطَوُّعٍ، فَخَرَجَ مِنْهُ، فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ قَضَاهُ فَحَسَنٌ) وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّ مَنْ دَخَلَ فِي صِيَامِ تَطَوُّعٍ، اُسْتُحِبَّ لَهُ إتْمَامُهُ، وَلَمْ يَجِبْ، فَإِنْ خَرَجَ مِنْهُ، فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ، رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُمَا أَصْبَحَا صَائِمَيْنِ، ثُمَّ أَفْطَرَا، وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: لَا بَأْسَ بِهِ، مَا لَمْ يَكُنْ نَذْرًا أَوْ قَضَاءَ رَمَضَان وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إذَا صَامَ الرَّجُلُ تَطَوُّعًا، ثُمَّ شَاءَ أَنْ يَقْطَعَهُ قَطَعَهُ، وَإِذَا دَخَلَ فِي صَلَاةٍ تَطَوُّعًا، ثُمَّ شَاءَ أَنْ يَقْطَعَهَا قَطَعَهَا وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: مَتَى أَصْبَحْت تُرِيدُ الصَّوْمَ، فَأَنْتَ عَلَى آخِرِ النَّظَرَيْنِ، إنَّ شِئْت صُمْت، وَإِنْ شِئْت أَفْطَرْت هَذَا مَذْهَبُ أَحْمَدَ، وَالثَّوْرِيِّ، وَالشَّافِعِيِّ، وَإِسْحَاقَ
وَقَدْ رَوَى حَنْبَلٌ، عَنْ أَحْمَدَ، إذَا أَجْمَعَ عَلَى الصِّيَامِ، فَأَوْجَبَهُ عَلَى نَفْسِهِ، فَأَفْطَرَ مِنْ غَيْر عُذْرٍ، أَعَادَ يَوْمًا مَكَانَ ذَلِكَ الْيَوْمِ. وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ اسْتَحَبَّ ذَلِكَ، أَوْ نَذَرَهُ لِيَكُونَ مُوَافِقًا لِسَائِرِ الرِّوَايَاتِ عَنْهُ.
وَقَالَ النَّخَعِيّ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ: يَلْزَمُ بِالشُّرُوعِ فِيهِ وَلَا يَخْرُجُ مِنْهُ إلَّا بِعُذْرِ، فَإِنْ خَرَجَ قَضَى. وَعَنْ مَالِكٍ: لَا قَضَاء عَلَيْهِ.
وَاحْتَجَّ مَنْ أَوْجَبَ الْقَضَاءَ بِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّهَا قَالَتْ:«أَصْبَحْت أَنَا وَحَفْصَةُ صَائِمَتَيْنِ مُتَطَوِّعَتَيْنِ، فَأُهْدِيَ لَنَا حَيْسٌ، فَأَفْطَرْنَا، ثُمَّ سَأَلْنَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: اقْضِيَا يَوْمًا مَكَانَهُ» وَلِأَنَّهَا عِبَادَةٌ تَلْزَمُ بِالنَّذْرِ فَلَزِمَتْ بِالشُّرُوعِ فِيهَا، كَالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ. وَلَنَا، مَا رَوَى مُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ، عَنْ عَائِشَةَ، «قَالَتْ دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمًا، فَقَالَ: هَلْ عِنْدكُمْ شَيْءٌ؟ فَقُلْت: لَا. قَالَ: فَإِنِّي صَائِمٌ. ثُمَّ مَرَّ بَعْدَ ذَلِكَ الْيَوْمِ، وَقَدْ أُهْدِيَ إلَيَّ حَيْسٌ، فَخَبَّأْتُ لَهُ مِنْهُ، وَكَانَ يُحِبُّ الْحَيْسَ. قُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّهُ أُهْدِيَ لَنَا
حَيْسٌ، فَخَبَّأْت لَكَ مِنْهُ، قَالَ: أَدْنِيهِ، أَمَّا إنِّي قَدْ أَصْبَحْت وَأَنَا صَائِمٌ. فَأَكَلَ مِنْهُ، ثُمَّ قَالَ لَنَا: إنَّمَا مَثَلُ صَوْمِ التَّطَوُّعِ مَثَلُ الرَّجُلِ يُخْرِجُ مِنْ مَالِهِ الصَّدَقَةَ؛ فَإِنْ شَاءَ أَمْضَاهَا، وَإِنْ شَاءَ حَبَسَهَا» هَذَا لَفْظُ رِوَايَةِ النَّسَائِيّ، وَهُوَ أَتَمُّ مِنْ غَيْرِهِ
وَرَوَتْ أُمُّ هَانِئٍ، «قَالَتْ: دَخَلْت عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأُتِيَ بِشَرَابٍ، فَنَاوَلَنِيهِ فَشَرِبْت مِنْهُ، ثُمَّ قُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَقَدْ أَفْطَرْت وَكُنْت صَائِمَةً. فَقَالَ لَهَا: أَكُنْتِ تَقْضِينَ شَيْئًا؟ قَالَتْ: لَا. قَالَ: فَلَا يَضُرُّك إنْ كَانَ تَطَوُّعًا» رَوَاهُ سَعِيدٌ وَأَبُو دَاوُد، وَالْأَثْرَمُ وَفِي لَفْظٍ قَالَتْ:«قُلْت، إنِّي صَائِمَةٌ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إنَّ الْمُتَطَوِّعَ أَمِيرُ نَفْسِهِ، فَإِنْ شِئْت فَصُومِي، وَإِنْ شِئْت فَأَفْطِرِي» وَلِأَنَّ كُلَّ صَوْمٍ لَوْ أَتَمَّهُ كَانَ تَطَوُّعًا إذَا خَرَجَ مِنْهُ لَمْ يَجِبْ قَضَاؤُهُ، كَمَا لَوْ اعْتَقَدَ أَنَّهُ مِنْ رَمَضَان فَبَانَ مِنْ شَعْبَان أَوْ مِنْ شَوَّالٍ.
فَأَمَّا خَبَرُهُمْ، فَقَالَ أَبُو دَاوُد: لَا يَثْبُتُ. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: فِيهِ مَقَالٌ. وَضَعَّفَهُ الْجُوزَجَانِيُّ وَغَيْرُهُ، ثُمَّ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ. إذَا ثَبَتَ هَذَا، فَإِنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ إتْمَامُهُ، وَإِنْ خَرَجَ مِنْهُ اُسْتُحِبَّ قَضَاؤُهُ؛ لِلْخُرُوجِ مِنْ الْخِلَافِ، وَعَمَلًا بِالْخَبَرِ الَّذِي رَوَوْهُ. (2098)
فَصْلٌ: وَسَائِرُ النَّوَافِلِ مِنْ الْأَعْمَالِ حُكْمُهَا حُكْمُ الصِّيَامِ، فِي أَنَّهَا لَا تَلْزَمُ بِالشُّرُوعِ، وَلَا يَجِبُ قَضَاؤُهَا إذَا خَرَجَ مِنْهَا، إلَّا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ، فَإِنَّهُمَا يُخَالِفَانِ سَائِرَ الْعِبَادَاتِ فِي هَذَا، لِتَأَكُّدِ إحْرَامِهِمَا، وَلَا يَخْرُجُ مِنْهُمَا بِإِفْسَادِهِمَا. وَلَوْ اعْتَقَدَ أَنَّهُمَا وَاجِبَانِ، وَلَمْ يَكُونَا وَاجِبَيْنِ، لَمْ يَكُنْ لَهُ الْخُرُوجُ مِنْهُمَا.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ فِي الصَّلَاةِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا تَلْزَمُ بِالشُّرُوعِ، فَإِنَّ الْأَثْرَمَ قَالَ: قُلْت لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ: الرَّجُلُ يُصْبِح صَائِمًا مُتَطَوِّعًا، أَيَكُونُ بِالْخِيَارِ؟ وَالرَّجُلُ يَدْخُلُ فِي الصَّلَاةِ أَلَهِ أَنْ يَقْطَعَهَا؟ فَقَالَ: الصَّلَاةُ أَشَدُّ، أَمَّا الصَّلَاةُ فَلَا يَقْطَعُهَا. قِيلَ لَهُ: فَإِنْ قَطَعَهَا قَضَاهَا؟ قَالَ: إنْ قَضَاهَا فَلِيس فِيهِ اخْتِلَافٌ. وَمَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الْجُوزَجَانِيِّ إلَى هَذَا الْقَوْلِ، وَقَالَ: الصَّلَاةُ ذَاتُ إحْرَامٍ وَإِحْلَالٍ، فَلَزِمَتْ بِالشُّرُوعِ فِيهَا، كَالْحَجِّ.
وَأَكْثَرُ أَصْحَابِنَا عَلَى أَنَّهَا لَا تَلْزَمُ أَيْضًا. وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ لِأَنَّ مَا جَازَ تَرْكُ جَمِيعِهِ جَازَ تَرْكُ بَعْضِهِ، كَالصَّدَقَةِ، وَالْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ يُخَالِفَانِ غَيْرَهُمَا. (2099) فَصْلٌ: وَمِنْ دَخَلَ فِي وَاجِبٍ، كَقَضَاءِ رَمَضَان، أَوْ نَذْرٍ مُعَيَّنٍ أَوْ مُطْلَقٍ، أَوْ صِيَامِ كَفَّارَةٍ؛ لَمْ يَجُزْ لَهُ الْخُرُوجُ مِنْهُ؛