الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ، وَإِذَا أَرَادَتْ الْعُمْرَةَ أَحْرَمَتْ مِنْ الْجُحْفَةِ. وَلَعَلَّهمْ يَحْتَجُّونَ بِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَقَّتَ لِأَهْلِ الشَّامِ الْجُحْفَةَ.
وَلَنَا، قَوْلُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:«فَهُنَّ لَهُنَّ، وَلِمَنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهِنَّ» . وَلِأَنَّهُ مِيقَاتٌ، فَلَمْ يَجُزْ تَجَاوُزُهُ بِغَيْرِ إحْرَامٍ لِمَنْ يُرِيدُ النُّسُكَ، كَسَائِرِ الْمَوَاقِيتِ. وَخَبَرُهُمْ أُرِيدَ بِهِ مَنْ لَمْ يَمُرَّ عَلَى مِيقَاتٍ آخَرَ، بِدَلِيلِ مَا لَوْ مَرَّ بِمِيقَاتٍ غَيْرِ ذِي الْحُلَيْفَةِ، لَمْ يَجُزْ لَهُ تَجَاوُزُهُ بِغَيْرِ إحْرَامٍ، بِغَيْرِ خِلَافٍ. وَقَدْ رَوَى سَعِيدٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «وَقَّتَ لِمَنْ سَاحَلَ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ الْجُحْفَةَ» وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فِي هَذَا؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم «فَهُنَّ لَهُنَّ، وَلِمَنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهِنَّ، مِمَّنْ كَانَ يُرِيدُ حَجًّا أَوْ عُمْرَةً» .
(2275)
فَصْلٌ: فَإِنْ مَرَّ مِنْ غَيْرِ طَرِيقِ ذِي الْحُلَيْفَةِ، فَمِيقَاتُهُ الْجُحْفَةُ، سَوَاءٌ كَانَ شَامِيًّا أَوْ مَدَنِيًّا؛ لِمَا رَوَى أَبُو الزُّبَيْرِ، أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرًا يُسْأَلُ عَنْ الْمُهَلِّ، فَقَالَ: سَمِعْته - أَحْسَبُهُ رَفَعَ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «مُهَلُّ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ، وَالطَّرِيقُ الْآخَرُ مِنْ الْجُحْفَةِ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَلِأَنَّهُ مَرَّ عَلَى أَحَدِ الْمَوَاقِيتِ دُونَ غَيْرِهِ، فَلَمْ يَلْزَمْهُ الْإِحْرَامُ قَبْلَهُ، كَسَائِرِ الْمَوَاقِيتِ.
وَيَحْتَمِلُ أَنَّ أَبَا قَتَادَةَ حِينَ أَحْرَمَ أَصْحَابُهُ دُونَهُ فِي قِصَّةِ صَيْدِهِ لِلْحِمَارِ الْوَحْشِيِّ، إنَّمَا تَرَكَ الْإِحْرَامَ لِكَوْنِهِ لَمْ يَمُرَّ عَلَى ذِي الْحُلَيْفَةِ، فَأَخَّرَ إحْرَامَهُ إلَى الْجُحْفَةِ. إذْ لَوْ مَرَّ عَلَيْهَا لَمْ يَجُزْ لَهُ تَجَاوُزُهَا مِنْ غَيْرِ إحْرَامٍ. وَيُمْكِنُ حَمْلُ حَدِيثِ عَائِشَةَ فِي تَأْخِيرِهَا إحْرَامَ الْعُمْرَةِ إلَى الْجُحْفَةِ عَلَى هَذَا، وَأَنَّهَا لَا تَمُرُّ فِي طَرِيقهَا عَلَى ذِي الْحُلَيْفَةِ؛ لِئَلَّا يَكُونَ فِعْلُهَا مُخَالِفًا لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلِسَائِرِ أَهْلِ الْعِلْمِ.
[مَسْأَلَة أَحْرَمَ قَبْلَ الْمِيقَاتِ]
(2276)
مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَالِاخْتِيَارُ أَنْ لَا يُحْرِمَ قَبْلَ مِيقَاتِهِ، فَإِنْ فَعَلَ فَهُوَ مُحْرِمٌ) لَا خِلَافَ فِي أَنَّ مَنْ أَحْرَمَ قَبْلَ الْمِيقَاتِ يَصِيرُ مُحْرِمًا، تَثْبُتُ فِي حَقِّهِ أَحْكَامُ الْإِحْرَامِ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ مَنْ أَحْرَمَ قَبْلَ الْمِيقَاتِ أَنَّهُ مُحْرِمٌ. وَلَكِنَّ الْأَفْضَلَ الْإِحْرَامُ مِنْ الْمِيقَاتِ، وَيُكْرَهُ قَبْلَهُ. رُوِيَ نَحْوُ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ، وَعُثْمَانَ. رضي الله عنهما وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ، وَعَطَاءٌ، وَمَالِكٌ، وَإِسْحَاقُ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: الْأَفْضَلُ الْإِحْرَامُ مِنْ بَلَدِهِ. وَعَنْ الشَّافِعِيِّ كَالْمَذْهَبَيْنِ. وَكَانَ عَلْقَمَةُ، وَالْأَسْوَدُ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَأَبُو إِسْحَاقَ، يُحْرِمُونَ مِنْ بُيُوتِهِمْ. وَاحْتَجُّوا بِمَا رَوَتْ أُمُّ سَلَمَةَ زَوْجُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:«مَنْ أَهَلَّ بِحَجَّةٍ أَوْ عُمْرَةٍ مِنْ الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى إلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ، أَوْ وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ. شَكَّ عَبْدُ اللَّهِ أَيَّتَهُمَا قَالَ» . رَوَاهُ
أَبُو دَاوُد. وَفِي لَفْظٍ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ: «مَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، غُفِرَ لَهُ» . وَأَحْرَمَ ابْنُ عُمَرَ مِنْ إِيلْيَا. وَرَوَى النَّسَائِيُّ، وَأَبُو دَاوُد، بِإِسْنَادِهِمَا عَنْ الصُّبَيّ بْنِ مَعْبَدٍ، قَالَ: أَهْلَلْت بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، فَلَمَّا أَتَيْت الْعُذَيْبَ لَقِيَنِي سَلْمَانُ بْنُ رَبِيعَةَ، وَزَيْدُ بْنُ صُوحَانَ، وَأَنَا أُهِلُّ بِهِمَا، فَقَالَ أَحَدُهُمَا: مَا هَذَا بِأَفْقَهَ مِنْ بَعِيرِهِ. فَأَتَيْت عُمَرَ، فَذَكَرْت لَهُ ذَلِكَ. فَقَالَ:«هُدِيت لِسُنَّةِ نَبِيِّك صلى الله عليه وسلم» . وَهَذَا إحْرَامٌ بِهِ قَبْلَ الْمِيقَاتِ. وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ رضي الله عنهما فِي قَوْله تَعَالَى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196] . إتْمَامُهُمَا أَنْ تُحْرِمَ بِهِمَا مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِك.
وَلَنَا أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابَهُ أَحْرَمُوا مِنْ الْمِيقَاتِ، وَلَا يَفْعَلُونَ إلَّا الْأَفْضَلَ. فَإِنْ قِيلَ: إنَّمَا فَعَلَ هَذَا لِتَبْيِينِ الْجَوَازِ، قُلْنَا: قَدْ حَصَلَ بَيَانُ الْجَوَازِ بِقَوْلِهِ، كَمَا فِي سَائِرِ الْمَوَاقِيتِ. ثُمَّ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَكَانَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَخُلَفَاؤُهُ يُحْرِمُونَ مِنْ بُيُوتِهِمْ، وَلَمَا تَوَاطَئُوا عَلَى تَرْكِ الْأَفْضَلِ، وَاخْتِيَارِ الْأَدْنَى، وَهُمْ أَهْلُ التَّقْوَى وَالْفَضْلِ، وَأَفْضَلُ الْخَلْقِ، وَلَهُمْ مِنْ الْحِرْصِ عَلَى الْفَضَائِلِ وَالدَّرَجَاتِ مَا لَهُمْ.
وَقَدْ رَوَى أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ، فِي (مُسْنَدِهِ) ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «يَسْتَمْتِعُ أَحَدُكُمْ بِحِلِّهِ مَا اسْتَطَاعَ، فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي مَا يَعْرِضُ لَهُ فِي إحْرَامِهِ» .
وَرَوَى الْحَسَنُ، أَنَّ عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ أَحْرَمَ مِنْ مِصْرِهِ، فَبَلَغَ ذَلِكَ عُمَرَ رضي الله عنه فَغَضِبَ، وَقَالَ: يَتَسَامَعُ النَّاسُ أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَحْرَمَ مِنْ مِصْرِهِ. وَقَالَ: إنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَامِرٍ أَحْرَمَ مِنْ خُرَاسَانَ، فَلَمَّا قَدِمَ عَلَى عُثْمَانَ لَامَهُ فِيمَا صَنَعَ، وَكَرِهَهُ لَهُ. رَوَاهُمَا سَعِيدٌ، وَالْأَثْرَمُ، وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: كَرِهَ عُثْمَانُ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ خُرَاسَانَ أَوْ كَرْمَانَ. وَلِأَنَّهُ أَحْرَمَ قَبْلَ الْمِيقَاتِ، فَكُرِهَ، كَالْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ قَبْلَ أَشْهُرِهِ. وَلِأَنَّهُ تَغْرِيرٌ بِالْإِحْرَامِ، وَتَعَرُّضٌ لِفِعْلِ مَحْظُورَاتِهِ، وَفِيهِ مَشَقَّةٌ عَلَى النَّفْسِ، فَكُرِهَ، كَالْوِصَالِ فِي الصَّوْمِ.
قَالَ عَطَاءٌ: اُنْظُرُوا هَذِهِ الْمَوَاقِيتَ الَّتِي وُقِّتَتْ لَكُمْ، فَخُذُوا بِرُخْصَةِ اللَّهِ فِيهَا، فَإِنَّهُ عَسَى أَنْ يُصِيبَ أَحَدُكُمْ ذَنْبًا فِي إحْرَامِهِ، فَيَكُونَ أَعْظَمَ لِوِزْرِهِ، فَإِنَّ الذَّنْبَ فِي الْإِحْرَامِ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ. فَأَمَّا حَدِيثُ الْإِحْرَامِ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَفِيهِ ضَعْفٌ، يَرْوِيهِ ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ؛ وَفِيهِمَا مَقَالٌ. وَيَحْتَمِلُ اخْتِصَاصَ هَذَا بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ دُونَ غَيْرِهِ، لِيَجْمَعَ بَيْنَ الصَّلَاةِ فِي الْمَسْجِدَيْنِ فِي إحْرَامٍ وَاحِدٍ، وَلِذَلِكَ أَحْرَمَ ابْنُ عُمَرَ مِنْهُ، وَلَمْ يَكُنْ يُحْرِمْ مِنْ غَيْرِهِ إلَّا مِنْ الْمِيقَاتِ.
وَقَوْلُ عُمَرَ لِلصَّبِّي: هُدِيت لِسُنَّةِ نَبِيِّك. يَعْنِي فِي الْقِرَانِ، وَالْجَمْعِ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، لَا فِي الْإِحْرَامِ مِنْ قَبْلِ الْمِيقَاتِ، فَإِنَّ سُنَّةَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الْإِحْرَامُ مِنْ الْمِيقَاتِ، بَيَّنَ ذَلِكَ بِفِعْلِهِ وَقَوْلِهِ، وَقَدْ بَيَّنَ أَنَّهُ لَمْ يَرُدَّ ذَلِكَ إنْكَارُهُ عَلَى عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ إحْرَامَهُ مِنْ مِصْرِهِ.
وَأَمَّا قَوْلُ عُمَرَ وَعَلِيٍّ، فَإِنَّهُمَا قَالَا: إتْمَامُ الْعُمْرَةِ أَنْ تُنْشِئَهَا مِنْ بَلَدِك. وَمَعْنَاهُ أَنْ تُنْشِئَ لَهَا سَفَرًا مِنْ بَلَدِك، تَقْصِدُ لَهُ، لَيْسَ أَنْ تُحْرِمَ بِهَا مِنْ أَهْلِك. قَالَ أَحْمَدُ: كَانَ سُفْيَانُ يُفَسِّرُهُ بِهَذَا. وَكَذَلِكَ فَسَّرَهُ بِهِ أَحْمَدُ. وَلَا يَصِحُّ أَنْ يُفَسَّرَ بِنَفْسِ الْإِحْرَامِ، لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم -