الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ حَصَلَ الْمَقْصُودُ بِفِعْلِهِمْ، فَأَجْزَأَهُ، كَمَا لَوْ ذَبَحَهُ غَيْرُهُمْ، وَإِنْ لَمْ يَنْحَرُوهُ، فَعَلَيْهِ أَنْ يَسْتَرِدَّهُ مِنْهُمْ وَيَنْحَرَهُ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ أَوْ لَمْ يَقْدِرْ، فَعَلَيْهِ ضَمَانُهُ؛ لِأَنَّهُ فَوَّتَهُ بِتَفْرِيطِهِ فِي دَفْعِهِ إلَيْهِمْ سَلِيمًا.
[فَصْلٌ يُسْتَحَبُّ لِلْمُهْدِي أَنْ يَتَوَلَّى نَحْرَ الْهَدْيِ بِنَفْسِهِ]
(2719)
فَصْلٌ: وَيُسْتَحَبُّ لِلْمُهْدِي أَنْ يَتَوَلَّى نَحْرَ الْهَدْيِ بِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَحَرَ هَدْيَهُ بِيَدِهِ، وَرُوِيَ عَنْ غُرْفَةَ بْنِ الْحَارِثِ الْكِنْدِيِّ، قَالَ:«شَهِدْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، وَأُتِيَ بِالْبُدْنِ، فَقَالَ: اُدْعُ لِي أَبَا الْحَسَنِ. فَدُعِيَ لَهُ عَلِيٌّ، فَقَالَ لَهُ: خُذْ بِأَسْفَلِ الْحَرْبَةِ. وَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِأَعْلَاهَا، ثُمَّ طَعَنَا بِهَا الْبُدْنَ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. وَإِنَّمَا فَعَلَا ذَلِكَ لِأَنَّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَشْرَكَ عَلِيًّا فِي بُدْنِهِ. وَقَالَ جَابِرٌ: «نَحَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثَلَاثًا وَسِتِّينَ بَدَنَةً بِيَدِهِ، ثُمَّ أَعْطَى عَلِيًّا فَنَحَرَ مَا غَبَّرَ» . وَرُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَحَرَ خَمْسَ بَدَنَاتٍ، ثُمَّ قَالَ: مَنْ شَاءَ اقْتَطَعَ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. فَإِنْ لَمْ يَذْبَحْ بِيَدِهِ، فَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَشْهَدَ ذَبْحَهَا؛ لِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِفَاطِمَةَ: اُحْضُرِي أُضْحِيَّتَكِ يُغْفَرْ لَك بِأَوَّلِ قَطْرَةٍ مِنْ دَمِهَا» .
وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَوَلَّى تَفْرِيقَ اللَّحْمِ بِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ أَحْوَطُ وَأَقَلُّ لِلضَّرَرِ عَلَى الْمَسَاكِينِ، وَإِنْ خَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَسَاكِينِ جَازَ؛ لِقَوْلِهِ عليه السلام:«مَنْ شَاءَ اقْتَطَعَ.»
[فَصْلٌ يُبَاحُ لِلْفُقَرَاءِ الْأَخْذُ مِنْ الْهَدْيِ إذَا لَمْ يَدْفَعْهُ إلَيْهِمْ]
(2720)
فَصْلٌ: وَيُبَاحُ لِلْفُقَرَاءِ الْأَخْذُ مِنْ الْهَدْيِ إذَا لَمْ يَدْفَعْهُ إلَيْهِمْ بِأَحَدِ شَيْئَيْنِ؛ أَحَدِهِمَا، الْإِذْنُ فِيهِ لَفْظًا، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«مَنْ شَاءَ اقْتَطَعَ» . وَالثَّانِي، دَلَالَةٌ عَلَى الْإِذْنِ، كَالتَّخْلِيَةِ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ، فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ: لَا يُبَاحُ إلَّا بِاللَّفْظِ. وَقَوْلُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لِسَائِقِ الْبُدْنِ: «اُصْبُغْ نَعْلَهَا فِي دَمِهَا، وَاضْرِبْ بِهِ صَفْحَتَهَا» . دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ وَشِبْهَهُ كَافٍ مِنْ غَيْرِ لَفْظٍ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ هَذَا مُفِيدًا.
[مَسْأَلَةٌ لَا يَأْكُلُ مِنْ كُلِّ وَاجِبٍ إلَّا مِنْ هَدْيِ التَّمَتُّعِ]
(2721)
مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَلَا يَأْكُلُ مِنْ كُلِّ وَاجِبٍ إلَّا مِنْ هَدْيِ التَّمَتُّعِ) الْمَذْهَبُ أَنَّهُ يَأْكُلُ مِنْ هَدْيِ التَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ دُونَ مَا سِوَاهُمَا. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ. وَلَعَلَّ الْخِرَقِيِّ تَرَكَ ذِكْرَ الْقِرَانِ؛ لِأَنَّهُ مُتْعَةٌ، وَاكْتَفَى بِذِكْرِ الْمُتْعَةِ لِأَنَّهُمَا سَوَاءٌ فِي الْمَعْنَى، فَإِنَّ سَبَبَهُمَا غَيْرُ مَحْظُورٍ، فَأَشْبَهَا هَدْيَ التَّطَوُّعِ. وَهَذَا قَوْلُ أَصْحَابِ الرَّأْيِ.
وَعَنْ أَحْمَدَ، أَنَّهُ لَا يَأْكُلُ مِنْ الْمَنْذُورِ وَجَزَاءِ الصَّيْدِ، وَيَأْكُلُ مِمَّا سِوَاهُمَا. وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ، وَعَطَاءٍ، وَالْحَسَنِ، وَإِسْحَاقَ؛ لِأَنَّ جَزَاءَ الصَّيْدِ بَدَلٌ، وَالنَّذْرُ جَعَلَهُ لِلَّهِ تَعَالَى بِخِلَافِ غَيْرِهِمَا.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: لَا يَأْكُلُ أَيْضًا مِنْ الْكَفَّارَةِ، وَيَأْكُلُ مِمَّا سِوَى هَذِهِ الثَّلَاثَةِ. وَنَحْوُهُ مَذْهَبُ مَالِكٍ؛ لِأَنَّ مَا سِوَى ذَلِكَ لَمْ يُسَمِّهِ لِلْمَسَاكِينِ، وَلَا مَدْخَلَ لِلْإِطْعَامِ فِيهِ، فَأَشْبَهَ التَّطَوُّعَ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَأْكُلُ مِنْ وَاجِبٍ؛ لِأَنَّهُ هَدْيٌ وَجَبَ بِالْإِحْرَامِ، فَلَمْ يَجُزْ الْأَكْلُ مِنْهُ، كَدَمِ الْكَفَّارَةِ.
وَلَنَا، أَنَّ أَزْوَاجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم تَمَتَّعْنَ مَعَهُ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَأَدْخَلَتْ عَائِشَةُ الْحَجَّ عَلَى الْعُمْرَةِ، فَصَارَتْ قَارِنَةً، ثُمَّ ذَبَحَ عَنْهُنَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْبَقَرَةَ، فَأَكَلْنَ مِنْ لُحُومِهَا. قَالَ أَحْمَدُ قَدْ أَكَلَ مِنْ الْبَقَرَةِ أَزْوَاجُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ خَاصَّةً. وَقَالَتْ عَائِشَةُ: إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ، إذَا طَافَ بِالْبَيْتِ، أَنْ يَحِلَّ، فَدَخَلَ عَلَيْنَا يَوْمَ النَّحْرِ بِلَحْمِ بَقَرٍ، فَقُلْت: مَا هَذَا؟ فَقِيلَ: ذَبَحَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ أَزْوَاجِهِ.
وَرَوَى أَبُو دَاوُد، وَابْنُ مَاجَهْ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ذَبَحَ عَنْ آلِ مُحَمَّدٍ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ بَقَرَةً.» وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ:«تَمَتَّعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ، فَسَاقَ الْهَدْيَ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَقَدْ ثَبَتَ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ مِنْ كُلِّ بَدَنَةٍ بِبِضْعَةٍ، فَجُعِلَتْ فِي قِدْرٍ، فَأَكَلَ هُوَ وَعَلِيٌّ مِنْ لَحْمِهَا، وَشَرِبَا مِنْ مَرَقِهَا» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَلِأَنَّهُمَا دَمَا نُسُكٍ، فَأَشْبَهَا التَّطَوُّعَ، وَلَا يُؤْكَلُ مِنْ غَيْرِهِمَا؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ بِفِعْلٍ مَحْظُورٍ، فَأَشْبَهَ جَزَاءَ الصَّيْدِ.
(2722)
فَصْلٌ: فَأَمَّا هَدْيُ التَّطَوُّعِ، وَهُوَ مَا أَوْجَبَهُ بِالتَّعْيِينِ ابْتِدَاءً، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ عَنْ وَاجِبٍ فِي ذِمَّتِهِ، وَمَا نَحَرَهُ تَطَوُّعًا مِنْ غَيْرِ أَنْ يُوجِبَهُ، فَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى:(فَكُلُوا مِنْهَا) . وَأَقَلُّ أَحْوَالِ الْأَمْرِ الِاسْتِحْبَابُ. وَلِأَنَّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَكَلَ مِنْ بُدْنِهِ.
وَقَالَ جَابِرٌ «كُنَّا لَا نَأْكُلُ مِنْ بُدْنِنَا فَوْقَ ثَلَاثٍ فَرَخَّصَ لَنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: كُلُوا وَتَزَوَّدُوا. فَأَكَلْنَا وَتَزَوَّدْنَا» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَإِنْ لَمْ يَأْكُلْ فَلَا بَأْسَ؛ فَإِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمَّا نَحَرَ الْبَدَنَاتِ الْخَمْسَ. قَالَ: «مَنْ شَاءَ اقْتَطَعَ» . وَلَمْ يَأْكُلْ مِنْهُنَّ شَيْئًا.
وَالْمُسْتَحَبُّ، أَنْ يَأْكُلَ الْيَسِيرَ مِنْهَا، كَمَا فَعَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَلَهُ الْأَكْلُ كَثِيرًا وَالتَّزَوُّدُ، كَمَا جَاءَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ. وَتُجْزِئُهُ الصَّدَقَةُ بِالْيَسِيرِ مِنْهَا، كَمَا فِي الْأُضْحِيَّةِ، فَإِنْ أَكَلَهَا ضَمِنَ الْمَشْرُوعَ لِلصَّدَقَةِ مِنْهَا، كَمَا فِي الْأُضْحِيَّةِ.
(2723)
فَصْلٌ: وَإِنْ أَكَلَ مِنْهَا مَا مُنِعَ مِنْ أَكْلِهِ، ضَمِنَهُ بِمِثْلِهِ لَحْمًا؛ لِأَنَّ الْجَمِيعَ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ بِمِثْلِهِ حَيَوَانًا، فَكَذَلِكَ أَبْعَاضُهُ. وَكَذَلِكَ إنْ أَعْطَى الْجَازِرَ مِنْهَا شَيْئًا ضَمِنَهُ بِمِثْلِهِ. وَإِنْ أَطْعَمَ غَنِيًّا مِنْهَا، عَلَى سَبِيلِ الْهَدِيَّةِ، جَازَ، كَمَا يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ فِي الْأُضْحِيَّةِ؛ لِأَنَّ مَا مَلَكَ أَكْلَهُ مَلَكَ هَدِيَّتَهُ.
وَإِنْ بَاعَ شَيْئًا مِنْهَا، أَوْ أَتْلَفَهُ، ضَمِنَهُ بِمِثْلِهِ؛ لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ ذَلِكَ، فَأَشْبَهَ عَطِيَّتَهُ لِلْجَازِرِ. وَإِنْ أَتْلَفَ أَجْنَبِيٌّ مِنْهُ شَيْئًا، ضَمِنَهُ بِقِيمَتِهِ؛ لِأَنَّ الْمُتْلَفَ مِنْ غَيْرِ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ، فَلَزِمَتْهُ قِيمَتُهُ، كَمَا لَوْ أَتْلَفَ لَحْمًا لِآدَمِيٍّ مُعَيَّنٍ.