الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حُكْمًا، اخْتَارَ ذَلِكَ أَوْ كَرِهَهُ؛ وَلِهَذَا يَدْخُلُ فِي مِلْكِ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ، فَيَدْخُلُ بِهِ الْمُسْلِمُ فِي مِلْكِ الْكَافِرِ، فَجَرَى مَجْرَى الِاسْتِدَامَةِ.
وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَمْلِكَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ جِهَاتِ التَّمَلُّكِ، فَأَشْبَهَ الْبَيْعَ وَغَيْرَهُ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ أَحَقَّ بِهِ مِنْ غَيْرِ ثُبُوتِ مِلْكِهِ عَلَيْهِ، فَإِذَا حَلَّ مَلَكَهُ.
[مَسْأَلَةٌ لَمْ يَقِفْ بِعَرَفَةَ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ يَوْمَ النَّحْرِ]
(2695)
مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَمَنْ لَمْ يَقِفْ بِعَرَفَةَ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ يَوْمَ النَّحْرِ، تَحَلَّلَ بِعُمْرَةٍ وَذَبَحَ، إنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ، وَحَجَّ مِنْ قَابِلٍ، وَأَتَى بِدَمٍ) الْكَلَامُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي أَرْبَعَةِ فُصُولٍ (2696) الْفَصْلُ الْأَوَّلُ، أَنَّ آخِرَ وَقْتِ الْوُقُوفِ آخِرُ لَيْلَةِ النَّحْرِ، فَمَنْ [لَمْ] يُدْرِكْ الْوُقُوفَ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ يَوْمئِذٍ فَاتَهُ الْحَجُّ. لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا.
قَالَ جَابِرٌ: لَا يَفُوتُ الْحَجُّ حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ مِنْ لَيْلَةِ جَمْعٍ. قَالَ أَبُو الزُّبَيْرِ، فَقُلْت لَهُ: أَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ. رَوَاهُ الْأَثْرَمُ بِإِسْنَادِهِ. وَقَوْلُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «الْحَجُّ عَرَفَةَ، فَمَنْ جَاءَ قَبْلَ صَلَاةِ الْفَجْرِ لَيْلَةَ جَمْعٍ، فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ» يَدُلُّ عَلَى فَوَاتِهِ بِخُرُوجِ لَيْلَةِ جَمْعٍ وَرَوَى ابْنُ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ وَقَفَ بِعَرَفَاتٍ بِلَيْلٍ، فَقَدْ أَدْرَكَ الْحَجَّ، وَمَنْ فَاتَهُ عَرَفَاتٌ بِلَيْلٍ، فَقَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ، فَلْيَحِلَّ بِعُمْرَةٍ، وَعَلَيْهِ الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ» . رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ، وَضَعَّفَهُ.
(2697)
الْفَصْلُ الثَّانِي، أَنَّ مَنْ فَاتَهُ الْحَجُّ يَتَحَلَّلُ بِطَوَافٍ وَسَعْيٍ وَحَلَّاقٍ. هَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَابْنِهِ، وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ الزُّبَيْرِ، وَمَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَالثَّوْرِيِّ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ؛ إحْدَاهُمَا، كَمَا ذَكَرْنَا. وَالثَّانِيَةُ، يَمْضِي فِي حَجٍّ فَاسِدٍ. وَهُوَ قَوْلُ الْمُزَنِيِّ، قَالَ: يَلْزَمُهُ جَمِيعُ أَفْعَالِ الْحَجِّ؛ لِأَنَّ سُقُوطَ مَا فَاتَ وَقْتُهُ لَا يَمْنَعُ وُجُوبَ مَا لَمْ يَفُتْ.
وَلَنَا، قَوْلُ مَنْ سَمَّيْنَا مِنْ الصَّحَابَةِ، وَلَمْ نَعْرِفْ لَهُمْ مُخَالِفًا؛ فَكَانَ إجْمَاعًا. وَرَوَى الشَّافِعِيُّ، فِي " مُسْنَدِهِ "، أَنَّ عُمَرَ قَالَ لِأَبِي أَيُّوبَ حِينَ فَاتَهُ الْحَجُّ: اصْنَعْ مَا يَصْنَعُ الْمُعْتَمِرُ، ثُمَّ قَدْ حَلَلْت، فَإِنْ أَدْرَكْت الْحَجَّ قَابِلًا فَحُجَّ وَأَهْدِ مَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ. وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ ابْنِ عُمَرَ نَحْوُ ذَلِكَ.
وَرَوَى الْأَثْرَمُ، بِإِسْنَادِهِ، عَنْ سُلَيْمَانِ بْنِ يَسَارٍ، أَنَّ هَبَّارَ بْنَ الْأَسْوَدِ حَجَّ مِنْ الشَّامِ، فَقَدِمَ يَوْمَ النَّحْرِ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: مَا حَبَسَكَ؟ قَالَ: حَسِبْت أَنَّ الْيَوْمَ يَوْمُ عَرَفَةَ، قَالَ: فَانْطَلِقْ إلَى الْبَيْتِ، فَطُفْ بِهِ سَبْعًا، وَإِنْ كَانَ مَعَك هَدِيَّةٌ فَانْحَرْهَا، ثُمَّ إذَا كَانَ عَامٌ قَابِلٌ فَاحْجُجْ، فَإِنْ وَجَدْت سَعَةً فَأَهْدِ، فَإِنْ لَمْ تَجِدْ فَصُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةً إذَا رَجَعْت إنْ شَاءَ
اللَّهُ تَعَالَى.
وَرَوَى النَّجَّادُ، بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَطَاءٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:" مَنْ فَاتَهُ الْحَجُّ فَعَلَيْهِ دَمٌ، وَلْيَجْعَلْهَا عُمْرَةً، وَلْيَحُجَّ مِنْ قَابِلٍ ". وَلِأَنَّهُ يَجُوزُ فَسْخُ الْحَجِّ إلَى الْعُمْرَةِ مِنْ غَيْرِ فَوَاتٍ، فَمَعَ الْفَوَاتِ أَوْلَى. إذَا ثَبَتَ هَذَا، فَإِنَّهُ يَجْعَلُ إحْرَامَهُ بِعُمْرَةٍ.
وَهَذَا ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، وَنَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ، وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ. وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ الزُّبَيْرِ، وَعَطَاءٍ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ.
وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: لَا يَصِيرُ إحْرَامُهُ بِعُمْرَةِ، بَلْ يَتَحَلَّلُ بِطَوَافٍ وَسَعْيٍ وَحَلْقٍ. وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ إحْرَامَهُ انْعَقَدَ بِأَحَدِ النُّسُكَيْنِ، فَلَمْ يَنْقَلِبْ إلَى الْآخَرِ، كَمَا لَوْ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّ مَنْ قَالَ: يَجْعَلُ إحْرَامَهُ عُمْرَةً. أَرَادَ بِهِ يَفْعَلُ مَا فَعَلَ الْمُعْتَمِرُ، وَهُوَ الطَّوَافُ وَالسَّعْيُ، وَلَا يَكُونُ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ خِلَافٌ.
وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَصِيرَ إحْرَامُ الْحَجِّ إحْرَامًا بِعُمْرَةِ، بِحَيْثُ يُجْزِئُهُ عَنْ عُمْرَةِ الْإِسْلَامِ إنْ لَمْ يَكُنْ اعْتَمَرَ، وَلَوْ أَدْخَلَ الْحَجَّ عَلَيْهَا لَصَارَ قَارِنًا، إلَّا أَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الْحَجُّ بِذَلِكَ الْإِحْرَامِ، إلَّا أَنْ يَصِيرَ مُحْرِمًا بِهِ فِي غَيْرِ أَشْهُرِهِ، فَيَصِيرَ كَمَنْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ فِي غَيْرِ أَشْهُرِهِ، وَلِأَنَّ قَلْبَ الْحَجِّ إلَى الْعُمْرَةِ يَجُوزُ مِنْ غَيْرِ سَبَبٍ، عَلَى مَا قَرَّرْنَاهُ فِي فَسْخِ الْحَجِّ، فَمَعَ الْحَاجَةِ أَوْلَى، وَيُخَرَّجُ عَلَى هَذَا قَلْبُ الْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ، فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ، وَلِأَنَّ الْعُمْرَةَ لَا يَفُوتُ وَقْتُهَا، فَلَا حَاجَةَ إلَى انْقِلَابِ إحْرَامِهَا، بِخِلَافِ الْحَجِّ. (2698)
الْفَصْلُ الثَّالِثُ، أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ مِنْ قَابِلٍ، سَوَاءٌ كَانَ الْفَائِتُ وَاجِبًا، أَوْ تَطَوُّعًا. رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ، وَابْنِهِ، وَزَيْدٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ الزُّبَيْرِ، وَمَرْوَانَ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ.
وَعَنْ أَحْمَدَ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ، بَلْ إنْ كَانَتْ فَرْضًا فَعَلَهَا بِالْوُجُوبِ السَّابِقِ، وَإِنْ كَانَتْ نَفْلًا سَقَطَتْ. وَرُوِيَ هَذَا عَنْ عَطَاءٍ، وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ مَالِكٍ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمَّا سُئِلَ عَنْ الْحَجِّ أَكْثَرَ مِنْ مَرَّةٍ، قَالَ:" بَلْ مَرَّةً وَاحِدَةً ".
وَلَوْ أَوْجَبْنَا الْقَضَاءَ، كَانَ أَكْثَرَ مِنْ مَرَّةٍ، وَلِأَنَّهُ مَعْذُورٌ فِي تَرْكِ إتْمَامِ حَجِّهِ، فَلَمْ يَلْزَمْهُ الْقَضَاءُ كَالْمُحْصَرِ، وَلِأَنَّهَا عِبَادَةُ تَطَوُّعٍ، فَلَمْ يَجِبْ قَضَاؤُهَا، كَسَائِرِ التَّطَوُّعَات. وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْحَدِيثِ، وَإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ، وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيّ، بِإِسْنَادِهِ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ فَاتَهُ عَرَفَاتٌ فَاتَهُ الْحَجُّ، فَلْيَحِلَّ بِعُمْرَةِ، وَعَلَيْهِ الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ» وَلِأَنَّ الْحَجَّ يَلْزَمُ بِالشُّرُوعِ فِيهِ، فَيَصِيرُ كَالْمَنْذُورِ، بِخِلَافِ سَائِرِ التَّطَوُّعَات.
وَأَمَّا الْحَدِيثُ، فَإِنَّهُ أَرَادَ الْوَاجِبَ بِأَصْلِ الشَّرْعِ حَجَّةً وَاحِدَةً وَهَذِهِ إنَّمَا تَجِبُ بِإِيجَابِهِ لَهَا بِالشُّرُوعِ فِيهَا، فَهِيَ كَالْمَنْذُورَةِ، وَأَمَّا الْمُحْصَرُ فَإِنَّهُ غَيْرُ مَنْسُوبٍ إلَى التَّفْرِيطِ، بِخِلَافِ مَنْ فَاتَهُ الْحَجُّ، وَإِذَا قَضَى أَجْزَأَهُ الْقَضَاءُ عَنْ الْحَجَّةِ الْوَاجِبَةِ، لَا نَعْلَمُ فِي هَذَا خِلَافًا؛ لِأَنَّ الْحَجَّةَ الْمَقْضِيَّةَ لَوْ تَمَّتْ لَأَجْزَأَتْ عَنْ الْوَاجِبَةِ عَلَيْهِ، فَكَذَلِكَ قَضَاؤُهَا؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ يَقُومُ مَقَامَ الْأَدَاءِ.