الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْأَعْذَارِ، فَيَلْزَمُهُ طَوَافٌ لِإِحْرَامِهِ بِالْعُمْرَةِ وَالسَّعْيِ، وَطَوَافٌ لِوَدَاعِهِ، وَفِي سُقُوطِ الدَّمِ عَنْهُ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْخِلَافِ. وَإِنْ كَانَ دُونَ الْمِيقَاتِ، أَحْرَمَ مِنْ، مَوْضِعِهِ. فَأَمَّا إنْ رَجَعَ الْقَرِيبُ، فَظَاهِرُ قَوْلِ مَنْ ذَكَرْنَا قَوْلَهُ، أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ إحْرَامٌ؛ لِأَنَّهُ رَجَعَ لِإِتْمَامِ نُسُكٍ مَأْمُورٍ بِهِ، فَأَشْبَهَ مَنْ رَجَعَ لِطَوَافِ الزِّيَارَةِ. فَإِنْ وَدَّعَ وَخَرَجَ، ثُمَّ دَخَلَ مَكَّةَ لَحَاجَةٍ، فَقَالَ أَحْمَدُ أَحَبُّ إلَيَّ أَلَّا يَدْخُلَ إلَّا مُحْرِمًا، وَأَحَبُّ إلَيَّ إذَا خَرَجَ أَنْ يُوَدِّعَ الْبَيْتَ بِالطَّوَافِ.
وَهَذَا لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ لِإِتْمَامِ النُّسُكِ، إنَّمَا دَخَلَ لَحَاجَةٍ غَيْرِ مُتَكَرِّرَةٍ، فَأَشْبَهَ مَنْ يَدْخُلُهَا لِلْإِقَامَةِ بِهَا.
[مَسْأَلَةٌ الْمَرْأَةُ إذَا حَاضَتْ قَبْلَ طَوَاف الْوَدَاعَ]
(2585)
مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَالْمَرْأَةُ إذَا حَاضَتْ قَبْلَ أَنْ تُوَدِّعَ، خَرَجَتْ، وَلَا وَدَاعَ عَلَيْهَا، وَلَا فِدْيَةَ) هَذَا قَوْلُ عَامَّةِ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَابْنِهِ أَنَّهُمَا أَمَرَا الْحَائِضَ بِالْمُقَامِ لِطَوَافِ الْوَدَاعِ، وَكَانَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ يَقُولُ بِهِ، ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ، فَرَوَى مُسْلِمٌ، أَنَّ زِيدَ بْنَ ثَابِتٍ خَالَفَ ابْنَ عَبَّاسٍ فِي هَذَا، قَالَ طَاوُسٌ: كُنْت مَعَ ابْنِ عَبَّاسٍ إذْ قَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ: تُفْتِي أَنْ لَا تَصْدُرَ الْحَائِضُ قَبْلَ أَنْ يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهَا بِالْبَيْتِ، فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ: إمَّا تَسْأَلُ فُلَانَةَ الْأَنْصَارِيَّةَ، هَلْ أَمَرَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِذَلِكَ؟ قَالَ: فَرَجَعَ زَيْدٌ إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ يَضْحَكُ، وَهُوَ يَقُولُ: مَا أَرَاك إلَّا قَدْ صَدَقْت.
وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ رَجَعَ إلَى قَوْلِ الْجَمَاعَةِ أَيْضًا. وَقَدْ ثَبَتَ التَّخْفِيفُ عَنْ الْحَائِضِ بِحَدِيثِ «صَفِيَّةَ، حِينَ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّهَا حَائِضٌ. فَقَالَ: أَحَابِسَتُنَا هِيَ؟ . قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّه، إنَّهَا قَدْ أَفَاضَتْ يَوْمَ النَّحْرِ. قَالَ: فَلْتَنْفِرْ إذًا. وَلَا أَمَرَهَا بِفِدْيَةٍ وَلَا غَيْرِهَا» . وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ: إلَّا أَنَّهُ خَفَّفَ عَنْ الْمَرْأَةِ الْحَائِضِ.
وَالْحُكْمُ فِي النُّفَسَاءِ كَالْحُكْمِ فِي الْحَائِضِ؛ لِأَنَّ أَحْكَامَ النِّفَاسِ أَحْكَامُ الْحَيْضِ، فِيمَا يُوجِبُ وَيُسْقِطُ.
[فَصْل إذَا نَفَرْت الْحَائِضُ بِغَيْرِ وَدَاعٍ فَطَهُرَتْ قَبْلَ مُفَارَقَةِ الْبُنْيَانِ]
(2586)
فَصْلٌ: وَإِذَا نَفَرْت الْحَائِضُ بِغَيْرِ وَدَاعٍ، فَطَهُرَتْ قَبْلَ مُفَارَقَةِ الْبُنْيَانِ، رَجَعَتْ فَاغْتَسَلَتْ وَوَدَّعَتْ؛ لِأَنَّهَا فِي حُكْمِ الْإِقَامَةِ، بِدَلِيلِ أَنَّهَا لَا تَسْتَبِيحُ الرُّخَصَ. فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهَا الْإِقَامَةُ، فَمَضَتْ، أَوْ مَضَتْ لِغَيْرِ عُذْرٍ، فَعَلَيْهَا دَمٌ.
وَإِنْ فَارَقَتْ الْبُنْيَانَ، لَمْ يَجِبْ الرُّجُوعُ، إذَا كَانَتْ قَرِيبَةً، كَالْخَارِجِ مِنْ غَيْر عُذْرٍ. قُلْنَا: هُنَاكَ تَرَكَ وَاجِبًا، فَلَمْ يَسْقُطْ بِخُرُوجِهِ، حَتَّى يَصِيرَ إلَى مَسَافَةِ الْقَصْرِ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ إنْشَاءَ سَفَرٍ طَوِيلٍ غَيْرِ الْأَوَّلِ، وَهَا هُنَا لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا، وَلَا يَثْبُتُ وُجُوبُهُ ابْتِدَاءً إلَّا فِي حَقِّ مَنْ كَانَ مُقِيمًا.
[فَصْل يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقِفَ الْمُوَدِّعُ فِي الْمُلْتَزَمِ]
(2587)
فَصْلٌ: وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقِفَ الْمُوَدِّعُ فِي الْمُلْتَزَمِ، وَهُوَ مَا بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْبَابِ، فَيَلْتَزِمَهُ، وَيُلْصِقَ بِهِ صَدْرَهُ وَوَجْهَهُ، وَيَدْعُوَ اللَّهَ عز وجل؛ لِمَا رَوَى أَبُو دَاوُد، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ:
طُفْت مَعَ عَبْدِ اللَّهِ، فَلَمَّا جَاءَ دُبُرَ الْكَعْبَةِ، قُلْت: أَلَا تَتَعَوَّذُ؟ قَالَ: نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ النَّارِ. ثُمَّ مَضَى حَتَّى اسْتَلَمَ الْحَجَرَ، فَقَامَ بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْبَابِ، فَوَضَعَ صَدْرَهُ وَوَجْهَهُ وَذِرَاعَيْهِ وَكَفَّيْهِ هَكَذَا - وَبَسَطَهَا بَسْطًا - وَقَالَ: هَكَذَا رَأَيْت رَسُولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم يَفْعَلُهُ. وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ صَفْوَانَ، قَالَ: لَمَّا فَتَحَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَكَّةَ، انْطَلَقْت فَرَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ خَرَجَ مِنْ الْكَعْبَةِ، هُوَ وَأَصْحَابُهُ، قَدْ اسْتَلَمُوا الرُّكْنَ مِنْ الْبَابِ إلَى الْحَطِيمِ، وَوَضَعُوا خُدُودَهُمْ عَلَى الْبَيْتِ، وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَسَطَهُمْ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. وَقَالَ مَنْصُورٌ: سَأَلْت مُجَاهِدًا: إذَا أَرَدْت الْوَدَاعَ، كَيْفَ أَصْنَعُ؟ قَالَ: تَطُوفُ بِالْبَيْتِ سَبْعًا، وَتُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ خَلْفَ الْمَقَامِ، ثُمَّ تَأْتِي زَمْزَمَ فَتَشْرَبُ مِنْ مَائِهَا، ثُمَّ تَأْتِي الْمُلْتَزَمَ مَا بَيْنَ الْحَجَرِ وَالْبَابِ، فَتَسْتَلِمُهُ، ثُمَّ تَدْعُو، ثُمَّ تَسْأَلُ حَاجَتَك، ثُمَّ تَسْتَلِمُ الْحَجَرَ، وَتَنْصَرِفُ.
وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: وَيَقُولُ فِي دُعَائِهِ: اللَّهُمَّ هَذَا بَيْتُك، وَأَنَا عَبْدُك، وَابْنُ عَبْدِك، حَمَلْتنِي عَلَى مَا سَخَّرْت لِي مِنْ خَلْقِك، وَسَيَّرْتنِي فِي بِلَادِك حَتَّى بَلَّغْتنِي بِنِعْمَتِك إلَى بَيْتِك، وَأَعَنْتنِي عَلَى أَدَاءِ نُسُكِي، فَإِنْ كُنْت رَضِيت عَنِّي، فَازْدَدْ عَنِّي رِضًا، وَإِلَّا فَمِنْ الْآنَ قَبْلَ أَنْ تَنْأَى عَنْ بَيْتِك دَارِي، فَهَذَا أَوَانُ انْصِرَافِي إنْ أَذِنْت لِي، غَيْرَ مُسْتَبْدِلٍ بِك وَلَا بِبَيْتِك، وَلَا رَاغِبٍ عَنْك وَلَا عَنْ بَيْتِك، اللَّهُمَّ فَأَصْحِبْنِي الْعَافِيَةَ فِي بَدَنِي، وَالصِّحَّةَ فِي جِسْمِي، وَالْعِصْمَةَ فِي دِينِي، وَأَحْسِنْ مُنْقَلَبِي، وَارْزُقْنِي طَاعَتَك أَبَدًا مَا أَبْقَيْتنِي، وَاجْمَعْ لِي بَيْنَ خَيْرَيْ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، إنَّك عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.
وَعَنْ طَاوُسٍ قَالَ: رَأَيْت أَعْرَابِيًّا أَتَى الْمُلْتَزَمَ، فَتَعَلَّقَ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ، فَقَالَ: بِك أَعُوذُ، وَبِك أَلُوذُ، اللَّهُمَّ فَاجْعَلْ لِي فِي اللَّهَفِ إلَى جُودِك، وَالرِّضَا بِضَمَانِك، مَنْدُوحًا عَنْ مَنْعِ الْبَاخِلِينَ، وَغِنًى عَمَّا فِي أَيْدِي الْمُسْتَأْثِرِينَ، اللَّهُمَّ بِفَرَجِك الْقَرِيبِ، وَمَعْرُوفِك الْقَدِيمِ، وَعَادَتِك الْحَسَنَةِ. ثُمَّ أَضَلَّنِي فِي النَّاسِ، فَلَقِيته بِعَرَفَاتٍ قَائِمًا، وَهُوَ يَقُولُ: اللَّهُمَّ إنْ كُنْت لَمْ تَقْبَلْ حَجَّتِي وَتَعَبِي وَنَصَبِي، فَلَا تَحْرِمْنِي أَجْرَ الْمُصَابِ عَلَى مُصِيبَتِهِ، فَلَا أَعْلَمُ أَعْظَمَ مُصِيبَةً مِمَّنْ وَرَدَ حَوْضَك، وَانْصَرَفَ مَحْرُومًا مِنْ وَجْهِ رَغْبَتِك.
وَقَالَ آخَرُ: يَا خَيْرَ مَوْفُودٍ إلَيْهِ، قَدْ ضَعُفَتْ قُوَّتِي، وَذَهَبَتْ مِنَّتِي، وَأَتَيْت إلَيْك بِذُنُوبٍ لَا تَغْسِلُهَا الْبِحَارُ، أَسْتَجِيرُ بِرِضَاك مِنْ سَخَطِك، وَبِعَفْوِك مِنْ عُقُوبَتِك، رَبِّ ارْحَمْ مَنْ شَمِلَتْهُ الْخَطَايَا، وَغَمَرَتْهُ الذُّنُوبُ، وَظَهَرَتْ مِنْهُ الْعُيُوبُ، ارْحَمْ أَسِيرَ ضُرٍّ، وَطَرِيدَ فَقْرٍ، أَسْأَلُك أَنْ تَهَبَ لِي عَظِيمَ جُرْمِي، يَا مُسْتَزَادًا مِنْ نِعَمِهِ، وَمُسْتَعَاذًا مِنْ نِقَمِهِ، ارْحَمْ صَوْتَ حَزِينٍ دَعَاك بِزَفِيرٍ وَشَهِيقٍ، اللَّهُمَّ إنْ كُنْت بَسَطْت إلَيْك يَدَيَّ دَاعِيًا، فَطَالَمَا كَفَيْتنِي سَاهِيًا، فَبِنِعْمَتِك الَّتِي تَظَاهَرَتْ عَلَيَّ عِنْدَ الْغَفْلَةِ، لَا أَيْأَسُ مِنْهَا