الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَوْ فَتَلَ، أَوْ عَقَصَ، فَهُوَ عَلَى مَا نَوَى. يَعْنِي إنْ نَوَى الْحَلْقَ فَلْيَحْلِقْ، وَإِلَّا فَلَا يَلْزَمُهُ. وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ: هُوَ مُخَيَّرٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ؛ لِأَنَّ مَا ذَكَرْنَاهُ يَقْتَضِي التَّخْيِيرَ عَلَى الْعُمُومِ، وَلَمْ يَثْبُتْ فِي خِلَافِ ذَلِكَ دَلِيلٌ.
وَاحْتَجَّ مَنْ نَصَرَ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ، بِأَنَّهُ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ:«مَنْ لَبَّدَ فَلْيَحْلِقْ» . وَثَبَتَ عَنْ عُمَرَ وَابْنِهِ أَنَّهُمَا أَمَرَا مَنْ لَبَّدَ رَأْسَهُ أَنْ يَحْلِقَهُ. وَثَبَتَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَبَّدَ رَأْسَهُ وَأَنَّهُ حَلَقَهُ. وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مُخَيَّرٌ، إلَّا أَنْ يَثْبُتَ الْخَبَرُ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. وَقَوْلُ عُمَرَ وَابْنِهِ قَدْ خَالَفَهُمَا فِيهِ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَفِعْلُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَهُ لَا يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِهِ، بَعْدَمَا بَيَّنَ لَهُمْ جَوَازَ الْأَمْرَيْنِ.
[فَصْل الْحَلْقُ وَالتَّقْصِيرُ نُسُكٌ فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَة]
(2547)
فَصْلٌ: وَالْحَلْقُ وَالتَّقْصِيرُ نُسُكٌ فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، فِي ظَاهِرِ مَذْهَبِ أَحْمَدَ، وَقَوْلِ الْخِرَقِيِّ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ. وَعَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ لَيْسَ بِنُسُكٍ، وَإِنَّمَا هُوَ إطْلَاقٌ مِنْ مَحْظُورٍ كَانَ مُحَرَّمًا عَلَيْهِ بِالْإِحْرَامِ، فَأُطْلِقَ فِيهِ عِنْدَ الْحِلِّ، كَاللِّبَاسِ وَالطِّيبِ وَسَائِرِ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ.
فَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ لَا شَيْءَ عَلَى تَارِكِهِ، وَيَحْصُلُ الْحِلُّ بِدُونِهِ. وَوَجْهُهَا أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ بِالْحِلِّ مِنْ الْعُمْرَةِ قَبْلَهُ، فَرَوَى «أَبُو مُوسَى، قَالَ: قَدِمْت عَلَى رَسُولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لِي: بِمَ أَهْلَلْت؟ . قُلْت: لَبَّيْكَ بِإِهْلَالٍ كَإِهْلَالِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. قَالَ: أَحْسَنْت. فَأَمَرَنِي فَطُفْت بِالْبَيْتِ، وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، ثُمَّ قَالَ لِي: أَحِلَّ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَعَنْ جَابِرٍ، «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمَّا سَعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، قَالَ: مَنْ كَانَ مِنْكُمْ لَيْسَ مَعَهُ هَدْيٌ فَلِيَحِلَّ، وَلْيَجْعَلْهَا عُمْرَةً» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَعَنْ سُرَاقَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«إذَا قَدِمْتُمْ فَمَنْ تَطَوَّفَ بِالْبَيْتِ، وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، فَقَدْ حَلَّ، إلَّا مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ» . رَوَاهُ أَبُو إِسْحَاقَ الْجُوزَجَانِيُّ، فِي (الْمُتَرْجَمْ) . وَلِأَنَّ مَا كَانَ مُحَرَّمًا فِي الْإِحْرَامِ، إذَا أُبِيحَ، كَانَ إطْلَاقًا مِنْ مَحْظُورٍ، كَسَائِرِ مُحَرَّمَاتِهِ، وَالرِّوَايَةُ الْأُولَى أَصَحُّ، فَإِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ بِهِ، فَرَوَى ابْنُ عُمَرَ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ، فَلْيَطُفْ بِالْبَيْتِ، وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَلْيُقَصِّرْ، وَلْيَحْلِلْ» . وَعَنْ جَابِرٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«أَحِلُّوا مِنْ إحْرَامِكُمْ بِطَوَافٍ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَقَصِّرُوا» . وَأَمْرُهُ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ. وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَصَفَهُمْ بِهِ، بِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ:{مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ} [الفتح: 27] . وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مِنْ الْمَنَاسِكِ لَمَا وَصَفَهُمْ بِهِ، كَاللُّبْسِ وَقَتْلِ الصَّيْدِ، وَلِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم تَرَحَّمَ عَلَى الْمُحَلِّقِينَ ثَلَاثًا، وَعَلَى الْمُقَصِّرِينَ مَرَّةً، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مِنْ الْمَنَاسِكِ، لَمَا دَخَلَهُ التَّفْضِيلُ، كَالْمُبَاحَاتِ، وَلِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابَهُ فَعَلُوهُ فِي جَمِيعِ حَجِّهِمْ وَعُمَرِهِمْ، وَلَمْ يُخِلُّوا بِهِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ نُسُكًا لَمَا دَاوَمُوا عَلَيْهِ، بَلْ لَمْ يَفْعَلُوهُ إلَّا نَادِرًا، لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِنْ عَادَتِهِمْ،