الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَاتَ بِجَمْعٍ، وَلَمْ يَذْكُرْ اللَّهَ تَعَالَى، وَلَمْ يَشْهَدْ الصَّلَاةَ فِيهَا، صَحَّ حَجُّهُ، فَمَا هُوَ مِنْ ضَرُورَةِ ذَلِكَ أَوْلَى، وَلِأَنَّ الْمَبِيتَ لَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى بِهَا، وَكَذَلِكَ شُهُودُ صَلَاةِ الْفَجْرِ، فَإِنَّهُ لَوْ أَفَاضَ مِنْ عَرَفَةَ فِي آخِرِ لَيْلَةِ النَّحْرِ، أَمْكَنَهُ ذَلِكَ، فَيَتَعَيَّنُ حَمْلُ ذَلِكَ عَلَى مُجَرَّدِ الْإِيجَابِ، أَوْ الْفَضِيلَةِ أَوْ الِاسْتِحْبَابِ.
(2527)
فَصْلٌ: وَمَنْ بَاتَ بِمُزْدَلِفَةَ، لَمْ يَجُزْ لَهُ الدَّفْعُ قَبْلَ نِصْفِ اللَّيْلِ، فَإِنْ دَفَعَ بَعْدَهُ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَقَالَ مَالِكٌ: إنْ مَرَّ بِهَا وَلَمْ يَنْزِل، فَعَلَيْهِ دَمٌ، فَإِنْ نَزَلَ، فَلَا دَمَ عَلَيْهِ مَتَى مَا شَاءَ دَفَعَ.
وَلَنَا، «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بَاتَ بِهَا، وَقَالَ: خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ» . وَإِنَّمَا أُبِيحَ الدَّفْعُ بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ بِمَا وَرَدَ مِنْ الرُّخْصَةِ فِيهِ، فَرَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ، قَالَ: كُنْت فِي مَنْ قَدَّمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي ضَعَفَةِ أَهْلِهِ مِنْ مُزْدَلِفَةَ إلَى مِنًى. وَعَنْ أَسْمَاءَ، أَنَّهَا نَزَلَتْ لَيْلَةَ جَمْعٍ عِنْدَ دَارِ الْمُزْدَلِفَةِ، فَقَامَتْ تُصَلِّي، فَصَلَّتْ، ثُمَّ قَالَتْ: هَلْ غَابَ الْقَمَرُ؟ قُلْت: نَعَمْ. قَالَتْ: فَارْتَحِلُوا. فَارْتَحَلْنَا، وَمَضَيْنَا حَتَّى رَمَتْ الْجَمْرَةَ، ثُمَّ رَجَعَتْ فَصَلَّتْ الصُّبْحَ فِي مَنْزِلهَا، قُلْت لَهَا: أَيْ هَنْتَاهْ، مَا أَرَانَا إلَّا غَلَّسْنَا. قَالَتْ: كَلًّا يَا بُنَيَّ، إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَذِنَ لِلظُّعُنِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا.
وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «أَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِأُمِّ سَلَمَةَ لَيْلَةَ النَّحْرِ، فَرَمَتْ الْجَمْرَةَ قَبْلَ الْفَجْرِ، ثُمَّ مَضَتْ فَأَفَاضَتْ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. فَمَنْ دَفَعَ مِنْ جَمْعٍ قَبْلَ نِصْفِ اللَّيْلِ، وَلَمْ يَعُدْ فِي اللَّيْل، فَعَلَيْهِ دَمٌ، وَإِنْ عَادَ فِيهِ، فَلَا دَمَ عَلَيْهِ، كَاَلَّذِي دَفَعَ مِنْ عَرَفَةَ نَهَارًا. وَمِنْ لَمْ يُوَافِقْ مُزْدَلِفَةَ إلَّا فِي النِّصْفِ الْأَخِيرِ مِنْ اللَّيْلِ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُدْرِكْ جُزْءًا مِنْ النِّصْفِ الْأَوَّلِ، فَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حُكْمُهُ، كَمَنْ أَدْرَكَ اللَّيْلَ بِعَرَفَاتٍ دُونَ النَّهَارِ. وَالْمُسْتَحَبُّ الِاقْتِدَاءُ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْمَبِيتِ إلَى أَنْ يُصْبِحَ، ثُمَّ يَقِفُ حَتَّى يُسْفِرَ. وَلَا بَأْسَ بِتَقْدِيمِ الضَّعَفَةِ وَالنِّسَاءِ، وَمِمَّنْ كَانَ يُقَدِّمُ ضَعَفَةَ أَهْلِهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، وَعَائِشَةُ.
وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ، وَالثَّوْرِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. وَلَا نَعْلَمُ فِيهِ مُخَالِفًا، وَلِأَنَّ فِيهِ رِفْقًا بِهِمْ، وَدَفْعًا لِمَشَقَّةِ الزِّحَامِ عَنْهُمْ، وَاقْتِدَاءً بِفِعْلِ نَبِيِّهِمْ صلى الله عليه وسلم.
[مَسْأَلَة السُّنَّةَ الدَّفْع مِنْ مُزْدَلِفَة قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ]
(2528)
مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (ثُمَّ يَدْفَعُ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ) لَا نَعْلَمُ خِلَافًا فِي أَنَّ السُّنَّةَ الدَّفْعُ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَذَلِكَ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَفْعَلُهُ.