الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مُخَالَفَتَهُ لِلْحَدِيثِ، مَعَ رِوَايَتِهِ لَهُ، وَثُبُوتِهِ عِنْدَهُ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ، رحمه الله: لَا أَدْرِي هَلْ اتَّهَمَ مَالِكٌ نَفْسَهُ أَوْ نَافِعًا؟ وَأُعْظِمُ أَنْ أَقُولَ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ: يُسْتَتَابُ مَالِكٌ فِي تَرْكِهِ لِهَذَا الْحَدِيثِ.
فَإِنْ قِيلَ: الْمُرَادُ بِالتَّفَرُّقِ هَاهُنَا التَّفَرُّقُ بِالْأَقْوَالِ، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:{وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} [البينة: 4] .
وَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «سَتَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً» . أَيْ بِالْأَقْوَالِ وَالِاعْتِقَادَاتِ. قُلْنَا: هَذَا بَاطِلٌ لِوُجُوهٍ: مِنْهَا، أَنَّ اللَّفْظَ لَا يَحْتَمِلُ مَا قَالُوهُ؛ إذْ لَيْسَ بَيْنَ الْمُتَبَايِعَيْنِ تَفَرُّقٌ بِلَفْظٍ وَلَا اعْتِقَادٍ، إنَّمَا بَيْنَهُمَا اتِّفَاقٌ عَلَى الثَّمَنِ وَالْمَبِيعِ بَعْدَ الِاخْتِلَافِ فِيهِ. الثَّانِي، أَنَّ هَذَا يُبْطِلُ فَائِدَةَ الْحَدِيثِ؛ إذْ قَدْ عُلِمَ أَنَّهُمَا بِالْخِيَارِ قَبْلَ الْعَقْدِ فِي إنْشَائِهِ وَإِتْمَامِهِ، أَوْ تَرْكِهِ. الثَّالِثُ، أَنَّهُ قَالَ فِي الْحَدِيثِ:«إذَا تَبَايَعَ الرَّجُلَانِ، فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ» .
فَجَعَلَ لَهُمَا الْخِيَارَ بَعْدَ تَبَايُعِهِمَا، وَقَالَ:«وَإِنْ تَفَرَّقَا بَعْدَ أَنْ تَبَايَعَا، وَلَمْ يَتْرُكْ أَحَدُهُمَا الْبَيْعَ، فَقَدْ وَجَبَ الْبَيْعُ» . الرَّابِعُ، أَنَّهُ يَرُدُّهُ تَفْسِيرُ ابْنِ عُمَرَ لِلْحَدِيثِ بِفِعْلِهِ، فَإِنَّهُ كَانَ إذَا بَايَعَ رَجُلًا مَشَى خُطُوَاتٍ؛ لِيَلْزَمَ الْبَيْعُ، وَتَفْسِيرُ أَبِي بَرْزَةَ لَهُ، بِقَوْلِهِ عَلَى مِثْلِ قَوْلِنَا، وَهُمَا رَاوِيَا الْحَدِيثِ، وَأَعْلَمُ بِمَعْنَاهُ، وَقَوْلُ عُمَرَ: الْبَيْعُ صَفْقَةٌ أَوْ خِيَارٌ. مَعْنَاهُ، أَنَّ الْبَيْعَ يَنْقَسِمُ إلَى بَيْعٍ شُرِطَ فِيهِ الْخِيَارُ، وَبَيْعٍ لَمْ يُشْتَرَطْ فِيهِ، سَمَّاهُ صَفْقَةً لِقِصَرِ مُدَّةِ الْخِيَارِ فِيهِ، فَإِنَّهُ قَدْ رَوَى عَنْهُ أَبُو إِسْحَاقَ الْجُوزَجَانِيُّ مِثْلَ مَذْهَبِنَا، وَلَوْ أَرَادَ مَا قَالُوهُ، لَمْ يَجُزْ أَنْ يُعَارَضَ بِهِ قَوْلُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَلَا حُجَّةَ فِي قَوْلِ أَحَدٍ مَعَ قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم
وَقَدْ كَانَ عُمَرُ إذَا بَلَغَهُ قَوْلُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم رَجَعَ عَنْ قَوْلِهِ، فَكَيْف يُعَارَضُ قَوْلُهُ بِقَوْلِهِ؟ عَلَى أَنَّ قَوْلَ عُمَرَ لَيْسَ بِحُجَّةٍ إذَا خَالَفَهُ بَعْضُ الصَّحَابَةِ، وَقَدْ خَالَفَهُ ابْنُهُ، وَأَبُو بَرْزَةَ، وَغَيْرُهُمَا، وَلَا يَصِحُّ قِيَاسُ الْبَيْعِ عَلَى النِّكَاحِ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ لَا يَقَعُ غَالِبًا إلَّا بَعْدَ رَوِيَّةٍ وَنَظَرٍ وَتَمَكُّثٍ، فَلَا يَحْتَاجُ إلَى الْخِيَارِ بَعْدَهُ، وَلِأَنَّ فِي ثُبُوتِ الْخِيَارِ فِيهِ مَضَرَّةً، لِمَا يَلْزَمُ مِنْ رَدِّ الْمَرْأَةِ بَعْدَ ابْتِذَالِهَا بِالْعَقْدِ، وَذَهَابِ حُرْمَتِهَا بِالرَّدِّ، وَإِلْحَاقِهَا بِالسِّلَعِ الْمَبِيعَةِ، فَلَمْ يَثْبُتْ فِيهِ خِيَارٌ لِذَلِكَ، وَلِهَذَا لَمْ يَثْبُتْ فِيهِ خِيَارُ الشَّرْطِ، وَلَا خِيَارُ الرُّؤْيَةِ، وَالْحُكْمُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ظَاهِرٌ؛ لِظُهُورِ دَلِيلِهِ، وَوَهَاءِ مَا ذَكَرَهُ الْمُخَالِفُ فِي مُقَابَلَتِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[فَصْل خِيَارُ الْمَجْلِسِ]
(2754)
الْفَصْلُ الثَّانِي، أَنَّ الْبَيْعَ يَلْزَمُ بِتَفَرُّقِهِمَا؛ لِدَلَالَةِ الْحَدِيثِ عَلَيْهِ، وَلَا خِلَافَ فِي لُزُومِهِ بَعْدَ
التَّفَرُّقِ، وَالْمَرْجِعُ فِي التَّفَرُّقِ إلَى عُرْفِ النَّاسِ وَعَادَتِهِمْ، فِيمَا يَعُدُّونَهُ تَفَرُّقًا؛ لِأَنَّ الشَّارِعَ عَلَّقَ عَلَيْهِ حُكْمًا، وَلَمْ يُبَيِّنْهُ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ مَا يَعْرِفُهُ النَّاسُ، كَالْقَبْضِ، وَالْإِحْرَازِ، فَإِنْ كَانَا فِي فَضَاءٍ وَاسِعٍ، كَالْمَسْجِدِ الْكَبِيرِ، وَالصَّحْرَاءِ، فَبِأَنْ يَمْشِيَ أَحَدُهُمَا مُسْتَدْبِرًا لِصَاحِبِهِ خُطُوَاتٍ، وَقِيلَ: هُوَ أَنْ يَبْعُدَ مِنْهُ بِحَيْثُ لَا يَسْمَعُ كَلَامَهُ الَّذِي يَتَكَلَّمُ بِهِ فِي الْعَادَةِ.
قَالَ أَبُو الْحَارِثِ: سُئِلَ أَحْمَدُ عَنْ تَفْرِقَةِ الْأَبْدَانِ؟ فَقَالَ: إذَا أَخَذَ هَذَا كَذَا، وَهَذَا كَذَا، فَقَدْ تَفَرَّقَا. وَرَوَى مُسْلِمٌ، عَنْ نَافِعٍ، قَالَ: فَكَانَ ابْنُ عُمَرَ إذَا بَايَعَ، فَأَرَادَ أَنْ لَا يُقِيلَهُ، مَشَى هُنَيْهَةً، ثُمَّ رَجَعَ. وَإِنْ كَانَا فِي دَارٍ كَبِيرَةٍ، ذَاتِ مَجَالِسٍ وَبُيُوتٍ، فَالْمُفَارَقَةُ أَنْ يُفَارِقَهُ مِنْ بَيْتٍ إلَى بَيْتٍ، أَوْ إلَى مَجْلِسٍ، أَوْ صِفَةٍ، أَوْ مِنْ مَجْلِسٍ إلَى بَيْتٍ، أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ. فَإِنْ كَانَا فِي دَارٍ صَغِيرَةٍ، فَإِذَا صَعِدَ أَحَدُهُمَا السَّطْحَ، أَوْ خَرَجَ مِنْهَا، فَقَدْ فَارَقَهُ.
وَإِنْ كَانَا فِي سَفِينَةٍ صَغِيرَةٍ، خَرَجَ أَحَدُهُمَا مِنْهَا وَمَشَى، وَإِنْ كَانَتْ كَبِيرَةً صَعِدَ أَحَدُهُمَا عَلَى أَعْلَاهَا، وَنَزَلَ الْآخَرُ فِي أَسْفَلِهَا. وَهَذَا كُلُّهُ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ فَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي هُوَ الْبَائِعَ، مِثْلُ أَنْ يَشْتَرِيَ لِنَفْسِهِ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ، أَوْ اشْتَرَى لِوَلَدِهِ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ، لَمْ يَثْبُتْ فِيهِ خِيَارُ الْمَجْلِسِ؛ لِأَنَّهُ تَوَلَّى طَرَفَيْ الْعَقْدِ، فَلَمْ يَثْبُتْ لَهُ خِيَارٌ، كَالشَّفِيعِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَثْبُتَ فِيهِ، وَيُعْتَبَرَ مُفَارَقَةُ مَجْلِسِ الْعَقْدِ لِلُزُومِهِ؛ لِأَنَّ الِافْتِرَاقَ لَا يُمْكِنُ هَاهُنَا، لِكَوْنِ الْبَائِعِ هُوَ الْمُشْتَرِي، وَمَتَى حَصَلَ التَّفَرُّقُ لَزِمَ الْعَقْدُ، قَصَدَا ذَلِكَ أَوْ لَمْ يَقْصِدَاهُ، عَلِمَاهُ أَوْ جَهِلَاهُ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَلَّقَ الْخِيَارَ عَلَى التَّفَرُّقِ، وَقَدْ وُجِدَ.
وَلَوْ هَرَبَ أَحَدُهُمَا مِنْ صَاحِبِهِ، لَزِمَ الْعَقْدُ؛ لِأَنَّهُ فَارَقَهُ بِاخْتِيَارِهِ، وَلَا يَقِفُ لُزُومُ الْعَقْدِ عَلَى رِضَاهُمَا، وَلِهَذَا كَانَ ابْنُ عُمَرَ يُفَارِقُ صَاحِبَهُ لِيَلْزَمَ الْبَيْعُ. وَلَوْ أَقَامَا فِي الْمَجْلِسِ، وَسَدَلَا بَيْنَهُمَا سِتْرًا، أَوْ بَنَيَا بَيْنَهُمَا حَاجِزًا، أَوْ نَامَا، أَوْ قَامَا فَمَضَيَا جَمِيعًا وَلَمْ يَتَفَرَّقَا، فَالْخِيَارُ بِحَالِهِ، وَإِنْ طَالَتْ الْمُدَّةُ لِعَدَمِ التَّفَرُّقِ.
وَرَوَى أَبُو دَاوُد، وَالْأَثْرَمُ، بِإِسْنَادِهِمَا عَنْ أَبِي الْوَضِيءِ، قَالَ: غَزَوْنَا غَزْوَةً لَنَا، فَنَزَلْنَا مَنْزِلًا، فَبَاعَ صَاحِبٌ لَنَا فَرَسًا بِغُلَامٍ، ثُمَّ أَقَامَا بَقِيَّةَ يَوْمِهِمَا وَلَيْلَتِهِمَا، فَلَمَّا أَصْبَحَا مِنْ الْغَدِ، وَحَضَرَ الرَّحِيلُ، قَامَ إلَى فَرَسِهِ يُسْرِجُهُ، فَنَدِمَ، فَأَتَى الرَّجُلُ، وَأَخَذَهُ بِالْبَيْعِ، فَأَبَى الرَّجُلُ أَنْ يَدْفَعَهُ إلَيْهِ، فَقَالَ: بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَبُو بَرْزَةَ صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. فَأَتَيَا أَبَا بَرْزَةَ فِي نَاحِيَةِ الْعَسْكَرِ، فَقَالَا لَهُ هَذِهِ الْقِصَّةَ. فَقَالَ: أَتَرْضَيَانِ أَنْ أَقْضِيَ بَيْنَكُمَا بِقَضَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا.» مَا أَرَاكُمَا افْتَرَقْتُمَا. فَإِنْ فَارَقَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ مُكْرَهًا، احْتَمَلَ بُطْلَانَ الْخِيَارِ؛ لِوُجُودِ غَايَتِهِ، وَهُوَ التَّفَرُّقُ، وَلِأَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ رِضَاهُ فِي مُفَارَقَةِ صَاحِبِهِ لَهُ، فَكَذَلِكَ فِي مُفَارَقَتِهِ لِصَاحِبِهِ.
وَقَالَ الْقَاضِي: لَا يَنْقَطِعُ الْخِيَارُ؛ لِأَنَّهُ حُكْمٌ عُلِّقَ عَلَى التَّفَرُّقِ، فَلَمْ يَثْبُتْ مَعَ الْإِكْرَاهِ، كَمَا لَوْ عُلِّقَ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ. وَلِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَجْهَانِ كَهَذَيْنِ. فَعَلَى قَوْلِ مَنْ لَا يَرَى انْقِطَاعَ الْخِيَارِ، إنْ أُكْرِهَ أَحَدُهُمَا عَلَى فُرْقَةِ صَاحِبِهِ، انْقَطَعَ خِيَارُ صَاحِبِهِ، كَمَا لَوْ هَرَبَ مِنْهُ، وَفَارَقَهُ بِغَيْرِ رِضَاهُ، وَيَكُونُ الْخِيَارُ لِلْمُكْرَهِ مِنْهُمَا
فِي الْمَجْلِسِ الَّذِي يَزُولُ عَنْهُ فِيهِ الْإِكْرَاهُ، حَتَّى يُفَارِقَهُ.
وَإِنْ أُكْرِهَا جَمِيعًا انْقَطَعَ خِيَارُهُمَا؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَنْقَطِعُ خِيَارُهُ بِفُرْقَةِ الْآخَرِ لَهُ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ أُكْرِهَ صَاحِبُهُ دُونَهُ. وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ مِنْ صُوَرِ الْإِكْرَاهِ، مَا لَوْ رَأَيَا سَبْعًا أَوْ ظَالِمًا خَشِيَاهُ، فَهَرَبَا فَزَعًا مِنْهُ، أَوْ حَمَلَهُمَا سَيْلٌ أَوْ فَرَّقَتْ رِيحٌ بَيْنَهُمَا.
(2755)
فَصْلٌ: وَإِنْ خَرِسَ أَحَدُهُمَا، قَامَتْ إشَارَتُهُ مَقَامَ لَفْظِهِ، فَإِنْ لَمْ تُفْهَمْ إشَارَتُهُ، أَوْ جُنَّ، أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ، قَامَ وَلِيُّهُ مِنْ الْأَبِ، أَوْ وَصِيُّهُ، أَوْ الْحَاكِمُ، مَقَامَهُ، وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ. وَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا بَطَلَ خِيَارُهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَعَذَّرَ مِنْهُ الْخِيَارُ، وَالْخِيَارُ لَا يُوَرَّثُ. وَأَمَّا الْبَاقِي مِنْهُمَا فَيَبْطُلُ خِيَارُهُ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ يَبْطُلُ بِالتَّفَرُّقِ، وَالتَّفَرُّقُ بِالْمَوْتِ أَعْظَمُ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَبْطُلَ؛ لِأَنَّ التَّفَرُّقَ بِالْأَبْدَانِ لَمْ يَحْصُلْ. فَإِنْ حُمِلَ الْمَيِّتُ بَطَلَ الْخِيَارُ؛ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ حَصَلَتْ بِالْبَدَنِ وَالرُّوحِ مَعًا.
(2756)
فَصْلٌ: وَقَدْ رَوَى عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«الْبَائِعُ وَالْمُبْتَاعُ بِالْخِيَارِ حَتَّى يَتَفَرَّقَا، إلَّا أَنْ تَكُونَ صَفْقَةَ خِيَارٍ، فَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يُفَارِقَ صَاحِبَهُ خَشْيَةَ أَنْ يَسْتَقِيلَهُ» . رَوَاهُ النَّسَائِيّ، وَالْأَثْرَمُ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ. وَقَوْلُهُ: " إلَّا أَنْ تَكُونَ صَفْقَةَ خِيَارٍ ". يَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَرَادَ الْبَيْعَ الْمَشْرُوطَ فِيهِ الْخِيَارُ، فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ بِتَفَرُّقِهِمَا، وَلَا يَكُونُ تَفَرُّقُهُمَا غَايَةً لِلْخِيَارِ فِيهِ؛ لِكَوْنِهِ ثَابِتًا بَعْدَ تَفَرُّقِهِمَا. وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَرَادَ الْبَيْعَ الَّذِي شَرَطَا فِيهِ أَنْ لَا يَكُونَ بَيْنَهُمَا فِيهِ خِيَارٌ، فَيَلْزَمُ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ مِنْ غَيْرِ تَفَرُّقٍ. وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ تَحْرِيمُ مُفَارَقَةِ أَحَدِ الْمُتَبَايِعَيْنِ لِصَاحِبِهِ خَشْيَةً مِنْ فَسْخِ الْبَيْعِ، وَهَذَا ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ، فَإِنَّهُ ذُكِرَ لَهُ فِعْلُ ابْنِ عُمَرَ، وَحَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، فَقَالَ: هَذَا الْآنَ قَوْلُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَهَذَا اخْتِيَارُ أَبِي بَكْرٍ.
وَذَكَرَ الْقَاضِي، أَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ أَحْمَدَ، جَوَازُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ إذَا اشْتَرَى شَيْئًا يُعْجِبُهُ فَارَقَ صَاحِبَهُ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ؛ لِأَنَّ قَوْلَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يُقَدَّمُ عَلَى فِعْلِ ابْنِ عُمَرَ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ لَمْ يَبْلُغْهُ هَذَا، وَلَوْ عَلِمَهُ لَمَا خَالَفَهُ.
(2757)
الْفَصْلُ الثَّالِثُ: أَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ أَنَّ الْخِيَارَ يَمْتَدُّ إلَى التَّفَرُّقِ، وَلَا يَبْطُلُ بِالتَّخَايُرِ قَبْلَ الْعَقْدِ وَلَا بَعْدَهُ، وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ؛ لِأَنَّ أَكْثَرَ الرِّوَايَاتِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:«الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا» . مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ، وَلَا تَخْصِيصٍ، هَكَذَا رَوَاهُ حَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ، وَأَبُو بَرْزَةَ، وَأَكْثَرُ الرِّوَايَاتِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ أَنَّ الْخِيَارَ يَبْطُلُ بِالتَّخَايُرِ. اخْتَارَهَا الشَّرِيفُ بْنُ أَبِي مُوسَى، وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ، وَهُوَ أَصَحُّ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ: «فَإِنْ خَيَّرَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ،