الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مَوْرِكَ رَحْلِهِ، وَيَقُولُ بِيَدِهِ الْيُمْنَى: أَيُّهَا النَّاسُ، السَّكِينَةَ السَّكِينَةَ كَلَّمَا أَتَى حَبْلًا مِنْ الْحِبَالِ أَرْخَى لَهَا قَلِيلًا حَتَّى تَصْعَدَ، حَتَّى أَتَى الْمُزْدَلِفَةَ، فَصَلَّى بِهَا الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ، بِأَذَانٍ وَاحِدٍ وَإِقَامَتَيْنِ، وَلَمْ يُسَبِّحْ بَيْنَهُمَا شَيْئًا، ثُمَّ اضْطَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ، فَصَلَّى الصُّبْحَ حِينَ تَبَيَّنَ لَهُ الصُّبْحُ، بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ، ثُمَّ رَكِبَ الْقَصْوَاءَ، حَتَّى أَتَى الْمَشْعَرَ الْحَرَامَ، فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، فَدَعَا اللَّهَ وَكَبَّرَهُ وَهَلَّلَهُ وَوَحَّدَهُ، وَلَمْ يَزَلْ وَاقِفًا حَتَّى أَسْفَرَ جِدًّا، فَدَفَعَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ، وَأَرْدَفَ الْفَضْلَ بْنَ عَبَّاسٍ، وَكَانَ رَجُلًا حَسَنَ الشَّعْرِ، أَبِيضَ، وَسِيمًا، فَلَمَّا دَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَرَّتْ بِهِ ظُعُنٌ يَجْرِينَ، فَطَفِقَ الْفَضْلُ يَنْظُرُ إلَيْهِنَّ، فَوَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَدَهُ عَلَى وَجْهِ الْفَضْلِ، فَحَوَّلَ الْفَضْلُ وَجْهَهُ إلَى الشِّقِّ الْآخَرِ يَنْظُرُ، فَحَوَّلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَدَهُ مِنْ الشِّقِّ الْآخَرِ عَلَى وَجْهِ الْفَضْلِ، فَصَرَفَ وَجْهَهُ مِنْ الشِّقِّ الْآخَرِ يَنْظُرُ، حَتَّى أَتَى بَطْنَ مُحَسِّرٍ، فَحَرَّكَ قَلِيلًا، ثُمَّ سَلَكَ الطَّرِيقَ الْوُسْطَى الَّتِي تَخْرُجُ عَلَى الْجَمْرَةِ الْكُبْرَى، حَتَّى أَتَى الْجَمْرَةَ الَّتِي عِنْدَ الشَّجَرَةِ، فَرَمَاهَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ، يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ مِنْهَا مِثْلَ حَصَى الْخَذْفِ، رَمَى مِنْ بَطْنِ الْوَادِي، ثُمَّ انْصَرَفَ إلَى الْمَنْحَرِ فَنَحَرَ ثَلَاثًا وَسِتِّينَ بَدَنَةً بِيَدِهِ، ثُمَّ أَعْطَى عَلِيًّا فَنَحَرَ مَا غَبَرَ، وَأَشْرَكَهُ فِي هَدْيِهِ، ثُمَّ أَمَرَ مِنْ كُلِّ بَدَنَةٍ بِبَضْعَةٍ فَجُعِلَتْ فِي قِدْرٍ، فَطُبِخَتْ فَأَكَلَا مِنْ لَحْمِهَا وَشَرِبَا مِنْ مَرَقِهَا، ثُمَّ رَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَفَاضَ إلَى الْبَيْتِ، فَصَلَّى بِمَكَّةَ الظُّهْرَ، فَأَتَى بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَهُمْ يَسْقُونَ عَلَى زَمْزَمَ، فَقَالَ: انْزِعُوا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَلَوْلَا أَنْ يَغْلِبَكُمْ النَّاسُ عَلَى سِقَايَتِكُمْ لَنَزَعْت مَعَكُمْ. فَنَاوَلُوهُ دَلْوًا، فَشَرِبَ مِنْهُ» . قَالَ عَطَاءٌ: كَانَ مَنْزِلُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِمِنًى بِالْخَيْفِ.
[مَسْأَلَة يَوْمُ التَّرْوِيَةِ]
(2502)
مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَإِذَا كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ، أَهَلَّ بِالْحَجِّ، وَمَضَى إلَى مِنًى) يَوْمُ التَّرْوِيَةِ: الْيَوْمُ الثَّامِنُ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ. سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَتَرَوَّوْنَ مِنْ الْمَاءِ فِيهِ، يُعِدُّونَهُ لِيَوْمِ عَرَفَةَ. وَقِيلَ: سُمِّيَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ إبْرَاهِيمَ عليه السلام رَأَى لَيْلَتئِذٍ فِي الْمَنَامِ ذَبْحَ ابْنِهِ، فَأَصْبَحَ يَرْوِي
فِي نَفْسِهِ أَهُوَ حُلْمٌ أَمْ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى؟ فَسُمِّيَ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ، فَلَمَّا كَانَتْ لَيْلَةُ عَرَفَةَ رَأَى ذَلِكَ أَيْضًا، فَعَرَفَ أَنَّهُ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى، فَسُمِّيَ يَوْمَ عَرَفَةَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَالْمُسْتَحَبُّ لِمَنْ كَانَ بِمَكَّةَ حَلَالًا مِنْ الْمُتَمَتِّعِينَ الَّذِينَ حَلُّوا مِنْ عُمْرَتِهِمْ، أَوْ مَنْ كَانَ مُقِيمًا بِمَكَّةَ مِنْ أَهْلِهَا، أَوْ مِنْ غَيْرِهِمْ، أَنْ يُحْرِمُوا يَوْمَ التَّرْوِيَةِ حِينَ يَتَوَجَّهُونَ إلَى مِنًى.
وَبِهَذَا قَالَ ابْنُ عُمَرَ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَعَطَاءٌ، وَطَاوُسٌ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَإِسْحَاقُ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ لِأَهْلِ مَكَّةَ: مَا لَكُمْ يَقْدَمُ النَّاسُ عَلَيْكُمْ شُعْثًا، إذَا رَأَيْتُمْ الْهِلَالَ فَأَهِلُّوا بِالْحَجِّ. وَهَذَا مَذْهَبُ ابْنِ الزُّبَيْرِ. وَقَالَ مَالِكٌ: مَنْ كَانَ بِمَكَّةَ، فَأَحَبُّ أَنْ يُهِلَّ مِنْ الْمَسْجِدِ لِهِلَالِ ذِي الْحِجَّةِ.
وَلَنَا، قَوْلُ جَابِرٍ: فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ تَوَجَّهُوا إلَى مِنًى، فَأَهَلُّوا بِالْحَجِّ. وَفِي لَفْظٍ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ:«أَمَرَنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لَمَّا حَلَلْنَا، أَنْ نُحْرِمَ إذَا تَوَجَّهْنَا إلَى مِنًى، فَأَهْلَلْنَا مِنْ الْأَبْطَحِ، حَتَّى إذَا كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ، وَجَعَلْنَا مَكَّةَ بِظَهْرٍ، أَهْلَلْنَا بِالْحَجِّ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَعَنْ عُبَيْدِ بْنِ جُرَيْجٍ، أَنَّهُ قَالَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ: رَأَيْتُك إذَا كُنْت بِمَكَّةَ، أَهَلَّ النَّاسُ وَلَمْ تُهِلَّ أَنْتَ، حَتَّى يَكُونَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ؟ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: أَمَّا الْإِهْلَالُ، فَإِنِّي لَمْ أَرَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُهِلُّ حَتَّى تَنْبَعِثَ بِهِ رَاحِلَتُهُ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَلِأَنَّهُ مِيقَاتٌ لِلْإِحْرَامِ، فَاسْتَوَى فِيهِ أَهْلُ مَكَّةَ وَغَيْرُهُمْ، كَمِيقَاتِ الْمَكَانِ.
وَإِنْ أَحْرَمَ قَبْلَ ذَلِكَ، كَانَ جَائِزًا فَصْلٌ: وَمِنْ حَيْثُ أَحْرَمَ مِنْ مَكَّةَ جَازَ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الْمَوَاقِيتِ: «حَتَّى أَهْلُ مَكَّةَ يُهِلُّونَ مِنْهَا» . وَإِنْ أَحْرَمَ خَارِجًا مِنْهَا مِنْ الْحَرَمِ جَازَ؛ لِقَوْلِ جَابِرٍ: «فَأَهْلَلْنَا مِنْ الْأَبْطَحِ. وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَفْعَلَ عِنْدَ إحْرَامِهِ هَذَا مَا يَفْعَلُهُ عِنْدَ الْإِحْرَامِ مِنْ الْمِيقَاتِ، مِنْ الْغُسْلِ وَالتَّنْظِيفِ، وَيَتَجَرَّدَ عَنْ الْمَخِيطِ، وَيَطُوفَ سَبْعًا، وَيُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ يُحْرِمَ عَقِيبَهُمَا» . وَمِمَّنْ اسْتَحَبَّ ذَلِكَ عَطَاءٌ، وَمُجَاهِدٌ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَالثَّوْرِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَإِسْحَاقُ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ. وَلَا يُسَنُّ أَنْ يَطُوفَ بَعْدَ إحْرَامِهِ.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَا أَرَى لِأَهْلِ مَكَّةَ أَنْ يَطُوفُوا بَعْدَ أَنْ يُحْرِمُوا بِالْحَجِّ، وَلَا أَنْ يَطُوفُوا بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، حَتَّى يَرْجِعُوا. وَهَذَا مَذْهَبُ عَطَاءٍ، وَمَالِكٍ، وَإِسْحَاقَ. وَإِنْ طَافَ بَعْدَ إحْرَامِهِ، ثُمَّ سَعَى، لَمْ يُجْزِئْهُ عَنْ السَّعْيِ الْوَاجِبِ. وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يُجْزِئُهُ. وَفَعَلَهُ ابْنُ الزُّبَيْرِ، وَأَجَازَهُ الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ؛ لِأَنَّهُ سَعَى فِي الْحَجِّ مَرَّةً، فَأَجْزَأَهُ، كَمَا لَوْ سَعَى بَعْدَ رُجُوعِهِ مِنْ مِنًى. وَلَنَا، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ أَصْحَابَهُ أَنْ يُهِلُّوا بِالْحَجِّ إذَا خَرَجُوا إلَى مِنًى. وَقَالَتْ عَائِشَةُ: