الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[مَسْأَلَة التَّلْبِيَة فِي الْإِحْرَام]
(2302)
مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (فَإِذَا اسْتَوَى عَلَى رَاحِلَتِهِ لَبَّى) التَّلْبِيَةُ فِي الْإِحْرَامِ مَسْنُونَةٌ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَعَلَهَا، وَأَمَرَ بِرَفْعِ الصَّوْتِ بِهَا، وَأَقَلُّ أَحْوَالِ ذَلِكَ الِاسْتِحْبَابُ، وَسُئِلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم «أَيُّ الْحَجِّ أَفْضَلُ؟ قَالَ: الْعَجُّ، وَالثَّجُّ» . وَهَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ. وَمَعْنَى الْعَجِّ رَفْعُ الصَّوْتِ بِالتَّلْبِيَةِ، وَالثَّجِّ إسَالَةُ الدِّمَاءِ بِالذَّبْحِ وَالنَّحْرِ. وَرَوَى سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُلَبِّي، إلَّا لَبَّى مَا عَنْ يَمِينِهِ مِنْ حَجَرٍ أَوْ شَجَرٍ أَوْ مَدَرٍ، حَتَّى تَنْقَطِعَ الْأَرْضُ مِنْ هَاهُنَا وَهَاهُنَا» . رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَلَيْسَتْ وَاجِبَةً، وَبِهَذَا قَالَ الْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ، وَالشَّافِعِيُّ. وَعَنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ أَنَّهَا وَاجِبَةٌ، يَجِبُ بِتَرْكِهَا دَمٌ. وَعَنْ الثَّوْرِيِّ، وَأَبِي حَنِيفَةَ، أَنَّهَا مِنْ شَرْطِ الْإِحْرَامِ، لَا يَصِحُّ إلَّا بِهَا، كَالتَّكْبِيرِ لِلصَّلَاةِ، لِأَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ، قَالَ فِي قَوْله تَعَالَى:{فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ} [البقرة: 197]، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الْإِهْلَالُ. وَعَنْ عَطَاءٍ، وَطَاوُسٍ، وَعِكْرِمَةَ: هُوَ التَّلْبِيَةُ. وَلِأَنَّ النُّسُكَ عِبَادَةٌ ذَاتُ إحْرَامٍ وَإِحْلَالٍ، فَكَانَ فِيهَا ذِكْرٌ وَاجِبٌ، كَالصَّلَاةِ.
وَلَنَا، أَنَّهَا ذِكْرٌ، فَلَمْ تَجِبْ فِي الْحَجِّ، كَسَائِرِ الْأَذْكَارِ. وَفَارَقَ الصَّلَاةَ، فَإِنَّ النُّطْقَ يَجِبُ فِي آخِرِهَا؛ فَوَجَبَ فِي أَوَّلِهَا، وَالْحَجُّ بِخِلَافِهِ. وَيُسْتَحَبُّ الْبِدَايَةُ بِهَا إذَا اسْتَوَى عَلَى رَاحِلَتِهِ؛ لِمَا رَوَى أَنَسٌ، وَابْنُ عُمَرَ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم «لَمَّا رَكِبَ رَاحِلَتَهُ، وَاسْتَوَتْ بِهِ، أَهَلَّ» . رَوَاهُمَا الْبُخَارِيُّ.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَوْجَبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْإِحْرَامَ حِينَ فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ، فَلَمَّا رَكِبَ رَاحِلَتَهُ، وَاسْتَوَتْ بِهِ قَائِمَةً، أَهَلَّ. يَعْنِي لَبَّى، وَمَعْنَى الْإِهْلَالِ رَفْعُ الصَّوْتِ بِالتَّلْبِيَةِ، مِنْ قَوْلِهِمْ: اسْتَهَلَّ الصَّبِيُّ. إذَا صَاحَ. وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّهُمْ كَانُوا إذَا رُئِيَ الْهِلَالُ صَاحُوا. فَيُقَالُ: اسْتَهَلَّ الْهِلَالُ. ثُمَّ قِيلَ لِكُلِّ صَائِحٍ مُسْتَهِلٌّ، وَإِنَّمَا يَرْفَعُ الصَّوْتَ بِالتَّلْبِيَةِ.
[فَصْل رَفْعُ الصَّوْتِ بِالتَّلْبِيَةِ]
(2303)
فَصْلٌ: وَيَرْفَعُ صَوْتَهُ بِالتَّلْبِيَةِ؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: «أَتَانِي جِبْرِيلُ، فَأَمَرَنِي أَنْ آمُرَ أَصْحَابِي أَنْ يَرْفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ بِالْإِهْلَالِ وَالتَّلْبِيَةِ» . رَوَاهُ النَّسَائِيّ، وَأَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَقَالَ أَنَسٌ: سَمِعْتُهُمْ يَصْرُخُونَ بِهِمَا صُرَاخًا.
وَقَالَ أَبُو حَازِمٍ: كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَا يَبْلُغُونَ الرَّوْحَاءَ، حَتَّى تُبَحَّ حُلُوقُهُمْ مِنْ التَّلْبِيَةِ. وَقَالَ سَالِمٌ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ يَرْفَعُ صَوْتَهُ بِالتَّلْبِيَةِ، فَلَا يَأْتِي الرَّوْحَاءَ حَتَّى يَصْحَلَ صَوْتُهُ. وَلَا يُجْهِدُ نَفْسَهُ فِي رَفْعِ الصَّوْتِ زِيَادَةً عَلَى الطَّاقَةِ؛ لِئَلَّا يَنْقَطِعَ صَوْتُهُ وَتَلْبِيَتُهُ.