الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ. وَرَوَى النَّسَائِيّ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم «قَالَ لِأَعْرَابِيٍّ: كُلْ. قَالَ: إنِّي صَائِمٌ. قَالَ: صَوْمُ مَاذَا؟ قَالَ: صَوْمُ ثَلَاثَة أَيَّامٍ مِنْ الشَّهْرِ. قَالَ: إنْ كُنْت صَائِمًا فَعَلَيْك بِالْغُرِّ الْبِيضِ؛ ثَلَاثَ عَشْرَةَ، وَأَرْبَعَ عَشْرَةَ، وَخَمْسَ عَشْرَةَ» . وَعَنْ مِلْحَانَ الْقَيْسِيِّ، قَالَ:«كَانَ رَسُولُ اللَّهِ عليه السلام يَأْمُرُنَا أَنْ نَصُومَ الْبِيضَ؛ ثَلَاثَ عَشْرَةَ، وَأَرْبَعَ عَشْرَةَ، وَخَمْسَ عَشْرَةَ. وَقَالَ: هُوَ كَهَيْئَةِ الدَّهْرِ» . أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد. وَسُمِّيَتْ أَيَّامَ الْبِيضِ لِابْيِضَاضِ لَيْلِهَا كُلِّهِ بِالْقَمَرِ، وَالتَّقْدِيرُ: أَيَّامِ اللَّيَالِي الْبِيضِ. وَقِيلَ: إنَّ اللَّهَ تَابَ عَلَى آدَمَ فِيهَا، وَبَيَّضَ صَحِيفَتَهُ. ذَكَرَهُ أَبُو الْحَسَنِ التَّمِيمِيُّ. (2142)
فَصْل: وَيَجِبُ عَلَى الصَّائِم أَنْ يُنَزِّهَ صَوْمَهُ عَنْ الْكَذِبِ وَالْغِيبَةِ وَالشَّتْمِ. قَالَ أَحْمَدُ: يَنْبَغِي لِلصَّائِمِ أَنْ يَتَعَاهَدَ صَوْمَهُ مِنْ لِسَانِهِ، وَلَا يُمَارِي، وَيَصُونَ صَوْمَهُ، كَانُوا إذَا صَامُوا قَعَدُوا فِي الْمَسَاجِدِ، وَقَالُوا: نَحْفَظُ صَوْمَنَا. وَلَا يَغْتَابُ أَحَدًا، وَلَا يَعْمَلُ عَمَلًا يَجْرَحُ بِهِ صَوْمَهُ. وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ، وَالْعَمَلَ بِهِ، فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ» . وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: «كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ، إلَّا الصِّيَامَ، فَإِنَّهُ لِي، وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، الصِّيَامُ جُنَّةٌ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلَا يَرْفُثْ، وَلَا يَصْخَبْ، فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ، فَلْيَقُلْ: إنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ. وَاَلَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ، لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا، إذَا أَفْطَرَ فَرِحَ، وَإِذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بِصَوْمِهِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا.
[فَصْلُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ]
(2143)
فَصْلٌ: فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ: وَهِيَ لَيْلَةٌ شَرِيفَةٌ مُبَارَكَةٌ مُعَظَّمَةٌ مُفَضَّلَةٌ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:{لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ} [القدر: 3] . قِيلَ: مَعْنَاهُ الْعَمَلُ فِيهَا خَيْرٌ مِنْ الْعَمَلِ فِي أَلْفِ شَهْرٍ لَيْسَ فِيهَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ.
وَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَقِيلَ: إنَّمَا سُمِّيَتْ لَيْلَةَ الْقَدْرِ؛ لِأَنَّهُ يُقَدَّرُ فِيهَا مَا يَكُونُ فِي تِلْكَ السَّنَةِ مِنْ خَيْرٍ وَمُصِيبَةٍ، وَرِزْقٍ وَبَرَكَةٍ. يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:{فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} [الدخان: 4] . وَسَمَّاهَا مُبَارَكَةً، فَقَالَ تَعَالَى {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ} [الدخان: 3] . وَهِيَ لَيْلَةُ الْقَدْرِ؛ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} [القدر: 1] .
وَقَالَ تَعَالَى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} [البقرة: 185] . يُرْوَى أَنَّ جِبْرِيلَ نَزَلَ بِهِ مِنْ بَيْتِ الْعِزَّةِ إلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ، ثُمَّ نَزَلَ بِهِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم نُجُومًا فِي ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً. وَهِيَ بَاقِيَةٌ لَمْ تُرْفَعْ؛ لِمَا رَوَى أَبُو ذَرٍّ قَالَ، «قُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَيْلَةُ الْقَدْرِ رُفِعَتْ مَعَ الْأَنْبِيَاءِ، أَوْ هِيَ بَاقِيَةٌ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ؟ قَالَ: بَاقِيَةٌ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. قُلْت: فِي رَمَضَانَ أَوْ فِي غَيْرِهِ؟ فَقَالَ: فِي رَمَضَانَ. فَقُلْت: فِي الْعَشْرِ الْأُوَلِ، أَوْ الثَّانِي، أَوْ الْآخِرِ؟ فَقَالَ: فِي الْعَشْرِ الْآخِرِ» . وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّهَا فِي رَمَضَانَ. وَكَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ يَقُولُ: مَنْ يَقُمْ الْحَوْلَ يُصِبْهَا. يُشِيرُ إلَى أَنَّهَا فِي السَّنَةِ كُلِّهَا.
وَفِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى مَا يُبَيِّنُ أَنَّهَا فِي رَمَضَانَ؛ لِأَنَّ اللَّهَ أَخْبَرَ أَنَّهُ أَنْزَلَ الْقُرْآنَ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ، وَأَنَّهُ أَنْزَلَهُ فِي رَمَضَانَ، فَيَجِبُ أَنْ تَكُونَ لَيْلَةُ الْقَدْرِ فِي رَمَضَانَ؛ لِئَلَّا يَتَنَاقَضَ الْخَبَرَانِ، وَلِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم ذَكَرَ أَنَّهَا فِي رَمَضَانَ فِي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ، وَقَالَ:«الْتَمِسُوهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ، فِي كُلِّ وِتْرٍ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَقَالَ أُبَيّ بْنُ كَعْبٍ: وَاَللَّهِ لَقَدْ عَلِمَ ابْنُ مَسْعُودٍ أَنَّهَا فِي رَمَضَانَ، وَلَكِنَّهُ كَرِهَ أَنْ يُخْبِرَكُمْ، فَتَتَّكِلُوا. إذَا ثَبَتَ هَذَا فَإِنَّهُ يُسْتَحَبُّ طَلَبُهَا فِي جَمِيعِ لَيَالِي رَمَضَانَ، وَفِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ آكَدُ، وَفِي لَيَالِي الْوَتْرِ مِنْهُ آكَدُ. وَقَالَ أَحْمَدُ: هِيَ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ، وَفِي وَتْرٍ مِنْ اللَّيَالِي، لَا يُخْطِئُ إنْ شَاءَ اللَّه، كَذَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ «اُطْلُبُوهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ، فِي ثَلَاثٍ بَقِينَ، أَوْ سَبْعٍ بَقِينَ، أَوْ تِسْعٍ بَقِينَ» .
وَرَوَى سَالِمٌ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أَرَى رُؤْيَاكُمْ قَدْ تَوَاطَأَتْ عَلَى أَنَّهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ، فَالْتَمِسُوهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ، فِي الْوَتْرِ مِنْهَا» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَقَالَتْ عَائِشَةُ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذَا دَخَلَ الْعَشْرُ الْأَوَاخِرُ مِنْ رَمَضَانَ، أَحْيَا اللَّيْلَ، وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ، وَشَدَّ الْمِئْزَرَ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. قَالَتْ: «وَكَانَ يَجْتَهِدُ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مَا لَا يَجْتَهِدُ فِي غَيْرِهَا» .
وَقَالَ عَلِيٌّ رضي الله عنه: «إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُوقِظُ أَهْلَهُ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ» . وَقَالَتْ عَائِشَةُ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُجَاوِرُ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ
رَمَضَانَ» . وَفِي لَفْظٍ لِلْبُخَارِيِّ: «تَحَرَّوْا لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي الْوِتْرِ، فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ» . وَكُلُّ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ صَحِيحَةٌ. (2144)
فَصْلٌ: وَاخْتَلَفَ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي أُرْجَى هَذِهِ اللَّيَالِي، فَقَالَ أُبَيّ بْنُ كَعْبٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ: هِيَ لَيْلَةُ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ. قَالَ زِرُّ بْنُ حُبَيْشٍ قُلْت لِأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ: أَمَا عَلِمْت أَبَا الْمُنْذِرِ، أَنَّهَا لَيْلَةُ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ؟ قَالَ: بَلَى «أَخْبَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهَا لَيْلَةٌ صَبِيحَتُهَا تَطْلُعُ الشَّمْسُ لَيْسَ لَهَا شُعَاعٌ. فَعَدَدْنَا، وَحَفِظْنَا» ، وَاَللَّهِ لَقَدْ عَلِمَ ابْنُ مَسْعُودٍ أَنَّهَا فِي رَمَضَانَ، وَأَنَّهَا لَيْلَةُ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ، وَلَكِنَّهُ كَرِهَ أَنْ يُخْبِرَكُمْ، فَتَتَّكِلُوا. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
وَرَوَى أَبُو ذَرٍّ فِي حَدِيثٍ فِيهِ طُولٌ، «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَقُمْ فِي رَمَضَانَ حَتَّى بَقِيَ سَبْعٌ، فَقَامَ بِهِمْ، حَتَّى مَضَى نَحْوٌ مِنْ ثُلُثِ اللَّيْلِ، ثُمَّ قَامَ بِهِمْ فِي لَيْلَةِ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ، حَتَّى مَضَى نَحْوٌ مِنْ شَطْرِ اللَّيْلِ، حَتَّى كَانَتْ لَيْلَةُ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ، فَجَمَعَ نِسَاءَهُ وَأَهْلَهُ، وَاجْتَمَعَ النَّاسُ، قَالَ: فَقَامَ بِهِمْ حَتَّى خَشِينَا أَنْ يَفُوتَنَا الْفَلَاحُ» . يَعْنِي السُّحُورَ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَحُكِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ قَالَ: سُورَةُ الْقَدْرِ ثَلَاثُونَ كَلِمَةً، السَّابِعَةُ وَالْعِشْرُونَ مِنْهَا هِيَ) . وَرَوَى أَبُو دَاوُد، بِإِسْنَادِهِ عَنْ مُعَاوِيَةَ، عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ، «قَالَ لَيْلَةُ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ» .
وَقِيلَ: آكَدُهَا لَيْلَةُ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ؛ لِأَنَّهُ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم «أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُنَيْسٍ، سَأَلَهُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنِّي أَكُونُ بِبَادِيَةٍ يُقَالُ لَهَا الْوَطْأَةُ، وَإِنِّي بِحَمْدِ اللَّهِ أُصَلِّي بِهِمْ، فَمُرْنِي بِلَيْلَةٍ مِنْ هَذَا الشَّهْرِ أَنْزِلُهَا فِي الْمَسْجِدِ، فَأُصَلِّيهَا فِيهِ، فَقَالَ: انْزِلْ لَيْلَةَ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ، فَصَلِّهَا فِيهِ، وَإِنْ أَحْبَبْت أَنْ تَسْتَتِمَّ آخِرَ هَذَا الشَّهْرِ فَافْعَلْ، وَإِنْ أَحْبَبْت فَكُفَّ. فَكَانَ إذَا صَلَّى الْعَصْرَ دَخَلَ الْمَسْجِدَ، فَلَمْ يَخْرُجْ إلَّا فِي حَاجَةٍ، حَتَّى يُصَلِّيَ الصُّبْحَ، فَإِذَا صَلَّى الصُّبْحَ كَانَتْ دَابَّتُهُ بِبَابِ الْمَسْجِدِ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد مُخْتَصَرًا.
وَقِيلَ: آكَدُهَا لَيْلَةُ أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ؛ لِأَنَّهُ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، أَنَّهُ قَالَ:«لَيْلَةُ الْقَدْرِ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ السَّبْعِ الْأَوَاخِرِ» . وَرُوِيَ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ، أَنَّهُ قَالَ: لَمْ نَكُنْ نَعُدُّ عَدَدَكُمْ
هَذَا، وَإِنَّمَا كُنَّا نَعُدُّ مِنْ آخِرِ الشَّهْرِ. يَعْنِي أَنَّ السَّابِعَةَ وَالْعِشْرِينَ هِيَ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ السَّبْعِ الْأَوَاخِرِ. وَرَوَى أَبُو ذَرٍّ، قَالَ:«صُمْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم شَهْرَ رَمَضَانَ، فَلَمْ يَقُمْ بِنَا حَتَّى كَانَتْ لَيْلَةُ سَبْعٍ بَقِيَتْ، فَقَامَ بِنَا نَحْوًا مِنْ ثُلُثِ اللَّيْلِ، ثُمَّ لَمْ يَقُمْ لَيْلَةَ سِتٍّ، فَلَمَّا كَانَتْ لَيْلَةُ خَمْسٍ قَامَ بِنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم نَحْوًا مِنْ نِصْفِ اللَّيْلِ، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَوْ نَفَّلْتَنَا قِيَامَ هَذِهِ اللَّيْلَةَ؟ فَقَالَ: إنَّ الرَّجُلَ إذَا صَلَّى مَعَ الْإِمَامِ حَتَّى يَنْصَرِفَ، كُتِبَ لَهُ قِيَامُ لَيْلَةٍ. فَلَمَّا كَانَتْ لَيْلَةُ ثَلَاثٍ، قَامَ بِنَا حَتَّى خَشِينَا أَنْ يَفُوتَنَا الْفَلَاحُ. فَقُلْت: وَمَا الْفَلَاحُ؟ قَالَ: السُّحُورُ. وَأَيْقَظَ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ أَهْلَهُ وَنِسَاءَهُ وَبَنَاتِهِ» . رَوَاهُ سَعِيدٌ.
وَقِيلَ: آكَدُهَا لَيْلَةُ إحْدَى وَعِشْرِينَ؛ لِمَا رَوَى أَبُو سَعِيدٍ، عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ:«رَأَيْت لَيْلَةَ الْقَدْرِ، ثُمَّ أُنْسِيتهَا، فَالْتَمِسُوهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ، فِي الْوِتْرِ، وَإِنِّي رَأَيْت أَنِّي أَسْجُدُ فِي صَبِيحَتِهَا فِي مَاءٍ وَطِينٍ. قَالَ: فَجَاءَتْ سَحَابَةٌ، فَمَطَرَتْ حَتَّى سَالَ سَقْفُ الْمَسْجِدِ، وَكَانَ مِنْ جَرِيدِ النَّخْلِ، فَأُقِيمَتْ الصَّلَاةُ، فَرَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَسْجُدُ فِي الْمَاءِ وَالطِّينِ، حَتَّى رَأَيْت أَثَرَ الْمَاءِ وَالطِّينِ فِي جَبْهَتِهِ» . وَفِي حَدِيثٍ: (فِي صَبِيحَةِ إحْدَى وَعِشْرِينَ) . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
قَالَ التِّرْمِذِيُّ: قَدْ رُوِيَ أَنَّهَا لَيْلَةُ إحْدَى وَعِشْرِينَ، وَلَيْلَةُ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ، وَلَيْلَةُ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ، وَلَيْلَةُ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ، وَلَيْلَةُ تِسْعٍ وَعِشْرِينَ، وَآخِرُ لَيْلَةٍ. وَقَالَ أَبُو قِلَابَةَ: إنَّهَا تَنْتَقِلُ فِي لَيَالِي الْعَشْرِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: كَانَ هَذَا عِنْدِي - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُجِيبُ عَلَى نَحْوِ مَا يُسْأَلُ. فَعَلَى هَذَا كَانَتْ فِي السَّنَةِ الَّتِي رَأَى أَبُو سَعِيدٍ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَسْجُدُ فِي الْمَاءِ وَالطِّينِ لَيْلَةَ إحْدَى وَعِشْرِينَ، وَفِي السَّنَةِ الَّتِي أَمَرَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُنَيْسٍ لَيْلَةَ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ، وَفِي السَّنَةِ الَّتِي رَأَى أُبَيّ بْنُ كَعْبٍ عَلَامَتَهَا لَيْلَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ، وَقَدْ تُرَى عَلَامَتُهَا فِي غَيْرِ هَذِهِ اللَّيَالِي. قَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: أَبْهَمَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ اللَّيْلَةَ عَلَى الْأُمَّةِ لِيَجْتَهِدُوا فِي طَلَبِهَا، وَيَجِدُّوا فِي الْعِبَادَةِ فِي الشَّهْرِ كُلِّهِ طَمَعًا فِي إدْرَاكِهَا، كَمَا أَخْفَى سَاعَةَ الْإِجَابَةِ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ، لِيُكْثِرُوا مِنْ الدُّعَاءِ فِي الْيَوْمِ كُلِّهِ، وَأَخْفَى اسْمَهُ الْأَعْظَمَ فِي الْأَسْمَاءِ وَرِضَاهُ فِي الطَّاعَاتِ، لِيَجْتَهِدُوا فِي جَمْعِهَا، وَأَخْفَى الْأَجَلَ وَقِيَامَ السَّاعَةِ، لِيَجِدَّ النَّاسُ فِي الْعَمَلِ، حَذَرًا مِنْهُمَا (2145)
فَصْلٌ: فَأَمَّا عَلَامَتُهَا، فَالْمَشْهُورُ فِيهَا مَا ذَكَرَهُ أُبَيّ بْنُ كَعْبٍ، عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّ (الشَّمْسَ تَطْلُعُ مِنْ صَبِيحَتِهَا بَيْضَاءَ لَا شُعَاعَ لَهَا) .
وَفِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ: (بَيْضَاءَ مِثْلَ الطَّسْتِ) . وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم «أَنَّهُ
قَالَ: بَلْجَةٌ سَمْحَةٌ، لَا حَارَّةٌ وَلَا بَارِدَةٌ، تَطْلُعُ الشَّمْسُ صَبِيحَتَهَا لَا شُعَاعَ لَهَا.» (2146)
فَصْلٌ: وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَجْتَهِدَ فِيهَا فِي الدُّعَاءِ، وَيَدْعُوَ فِيهَا بِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّهَا قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنْ وَافَقْتَهَا بِمَ أَدْعُو؟ قَالَ: قُولِي: «اللَّهُمَّ إنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ، فَاعْفُ عَنِّي» .