الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
: «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» . أَلَيْسَ يُرِيدُ أَنْ يَنْوِيَ أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ؟ قَالَ: لَا، إذَا نَوَى مِنْ اللَّيْلِ أَنَّهُ صَائِمٌ أَجْزَأْهُ. وَحَكَى أَبُو حَفْصٍ الْعُكْبَرِيُّ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ قَالَ: وَلَوْ نَوَى نَفْلًا وَقَعَ عَنْهُ رَمَضَانُ وَصَحَّ صَوْمُهُ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ.
وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: وَلَوْ نَوَى أَنْ يَصُومَ تَطَوُّعًا لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ مِنْ رَمَضَانَ، فَوَافَقَ رَمَضَانَ، أَجْزَأَهُ. قَالَ الْقَاضِي: وَجَدْت هَذَا الْكَلَامَ اخْتِيَارًا لِأَبِي الْقَاسِمِ، ذَكَرَهُ فِي " شَرْحِهِ ". وَقَالَ أَبُو حَفْصٍ: لَا يُجْزِئُهُ، إلَّا أَنْ يَعْتَقِدَ مِنْ اللَّيْلِ بِلَا شَكٍّ وَلَا تَلَوُّمٍ. فَعَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي: لَوْ نَوَى فِي رَمَضَانَ الصَّوْمَ مُطْلَقًا، أَوْ نَوَى نَفْلًا، وَقَعَ عَنْ رَمَضَانَ، وَصَحَّ صَوْمُهُ. وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا كَانَ مُقْمِيًا؛ لِأَنَّهُ فَرْضٌ مُسْتَحَقٌّ فِي زَمَنٍ بِعَيْنِهِ، فَلَا يَجِبُ تَعْيِينُ النِّيَّةِ لَهُ، كَطَوَافِ الزِّيَارَةِ.
وَلَنَا أَنَّهُ صَوْمٌ وَاجِبٌ، فَوَجَبَ تَعْيِينُ النِّيَّةِ لَهُ، كَالْقَضَاءِ وَطَوَافِ الزِّيَارَةِ، كَمَسْأَلَتِنَا فِي افْتِقَارِهِ إلَى التَّعْيِينِ، فَلَوْ طَافَ يَنْوِي بِهِ الْوَدَاعَ، أَوْ طَافَ بِنِيَّةِ الطَّوَافِ مُطْلَقًا، لَمْ يُجْزِئْهُ عَنْ طَوَافِ الزِّيَارَةِ. ثُمَّ الْحَجُّ مُخَالِفٌ لِلصَّوْمِ، وَلِهَذَا يَنْعَقِدُ مُطْلَقًا، وَيَنْصَرِفُ إلَى الْفَرْضِ. وَلَوْ حَجَّ عَنْ غَيْرِهِ، وَلَمْ يَكُنْ حَجَّ عَنْ نَفْسِهِ، وَقَعَ عَنْ نَفْسِهِ. وَلَوْ نَوَى الْإِحْرَامَ بِمِثْلِ مَا أَحْرَمَ بِهِ فُلَانٌ، صَحَّ، وَيَنْعَقِدُ فَاسِدًا، بِخِلَافِ الصَّوْمِ.
[فَصْلُ نَوَى لَيْلَةَ الشَّكِّ إنْ كَانَ غَدًا مِنْ رَمَضَانَ فَأَنَا صَائِمٌ وَإِلَّا فَهُوَ نَفْلٌ]
(2009)
فَصْلٌ: وَلَوْ نَوَى لَيْلَةَ الشَّكِّ، إنْ كَانَ غَدًا مِنْ رَمَضَانَ فَأَنَا صَائِمٌ، فَرْضًا، وَإِلَّا فَهُوَ نَفْلٌ. لَمْ يُجْزِئْهُ، عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُولَى؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُعَيِّنْ الصَّوْمَ مِنْ رَمَضَانَ جَزْمًا، وَيُجْزِئُهُ عَلَى الْأُخْرَى؛ لِأَنَّهُ قَدْ نَوَى الصَّوْمَ. وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ صَوْمٌ مِنْ سَنَةِ خَمْسٍ، فَنَوَى أَنَّهُ يَصُومُ عَنْ سَنَةِ سِتٍّ، أَوْ نَوَى الصَّوْمَ عَنْ يَوْمِ الْأَحَدِ، وَكَانَ الِاثْنَيْنِ، أَوْ ظَنَّ أَنَّ غَدًا الْأَحَدُ، فَنَوَاهُ، وَكَانَ الِاثْنَيْنِ، صَحَّ صَوْمُهُ؛ لِأَنَّ نِيَّةَ الصَّوْمِ لَمْ تَخْتَلَّ، وَإِنَّمَا أَخْطَأَ فِي الْوَقْتِ.
[فَصْلٌ إذَا عَيَّنَ النِّيَّةَ عَنْ صَوْمِ رَمَضَانَ أَوْ قَضَائِهِ أَوْ كَفَّارَةٍ أَوْ نَذْرٍ لَمْ يَحْتَجْ أَنْ يَنْوِيَ كَوْنَهُ فَرْضًا]
(2010)
فَصْلٌ: وَإِذَا عَيَّنَ النِّيَّةَ عَنْ صَوْمِ رَمَضَانَ، أَوْ قَضَائِهِ أَوْ كَفَّارَةٍ، أَوْ نَذْرٍ، لَمْ يَحْتَجْ أَنْ يَنْوِيَ كَوْنَهُ فَرْضًا. وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: يَجِبُ ذَلِكَ. وَقَدْ مَرَّ بَيَانُ ذَلِكَ فِي الصَّلَاةِ.
[مَسْأَلَةُ صَوْمَ التَّطَوُّعِ يَجُوزُ بِنِيَّةٍ مِنْ النَّهَارِ]
(2011)
مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَمَنْ نَوَى صِيَامَ التَّطَوُّعِ مِنْ النَّهَارِ، وَلَمْ يَكُنْ طَعِمَ، أَجْزَأَهُ) وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّ صَوْمَ التَّطَوُّعِ يَجُوزُ بِنِيَّةٍ مِنْ النَّهَارِ، عِنْدَ إمَامِنَا، وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ. وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، وَأَبِي طَلْحَةَ وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَحُذَيْفَةَ، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَالنَّخَعِيِّ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ. وَقَالَ مَالِكٌ، وَدَاوُد: لَا يَجُوزُ إلَّا بِنِيَّةٍ مِنْ اللَّيْلِ؛ لِقَوْلِهِ عليه السلام -
: «لَا صِيَامَ لِمَنْ لَمْ يُبَيِّتْ الصِّيَامَ مِنْ اللَّيْلِ» . وَلِأَنَّ الصَّلَاةَ يَتَّفِقُ وَقْتُ النِّيَّةِ لِفَرْضِهَا وَنَفْلِهَا، فَكَذَلِكَ الصَّوْمُ. وَلَنَا، مَا رَوَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها «قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ يَوْمٍ، فَقَالَ: هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ شَيْءٍ؟ قُلْنَا: لَا. قَالَ: فَإِنِّي إذًا صَائِمٌ» أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ. وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا حَدِيثُ عَاشُورَاءَ. وَلِأَنَّ الصَّلَاةَ يُخَفَّفُ نَفْلُهَا عَنْ فَرْضِهَا، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الْقِيَامُ لِنَفْلِهَا، وَيَجُوزُ فِي السَّفَرِ عَلَى الرَّاحِلَةِ إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ، فَكَذَا الصِّيَامُ. وَحَدِيثُهُمْ نَخُصُّهُ بِحَدِيثِنَا، عَلَى أَنَّ حَدِيثَنَا أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِهِمْ، فَإِنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ لَهِيعَةَ، وَيَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ، قَالَ الْمَيْمُونِيُّ: سَأَلْت أَحْمَدَ عَنْهُ، فَقَالَ: أُخْبِرُك مَا لَهُ عِنْدِي ذَلِكَ الْإِسْنَادُ، إلَّا أَنَّهُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَحَفْصَةَ، إسْنَادَانِ جَيِّدَانِ.
وَالصَّلَاةُ يَتَّفِقُ وَقْتُ النِّيَّةِ لِنَفْلِهَا وَفَرْضِهَا؛ لِأَنَّ اشْتِرَاطَ النِّيَّةِ فِي أَوَّلِ الصَّلَاةِ لَا يُفْضِي إلَى تَقْلِيلهَا، بِخِلَافِ الصَّوْمِ فَإِنَّهُ يُعَيِّنُ لَهُ الصَّوْمَ مِنْ النَّهَارِ، فَعُفِيَ عَنْهُ، كَمَا لَوْ جَوَّزْنَا التَّنَفُّلَ قَاعِدًا وَعَلَى الرَّاحِلَةِ، لِهَذِهِ الْعِلَّةِ.
(2012)
فَصْلٌ: وَأَيَّ وَقْتٍ مِنْ النَّهَارِ نَوَى أَجْزَأَهُ سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ مَا قَبْلَ الزَّوَالِ وَبَعْدَهُ. هَذَا ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ، وَالْخِرَقِيِّ. وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ فَإِنَّهُ قَالَ: أَحَدُكُمْ بِأَخِيرِ النَّظَرَيْنِ، مَا لَمْ يَأْكُلْ أَوْ يَشْرَبْ. وَقَالَ رَجُلٌ لِسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ: إنِّي لَمْ آكُلْ إلَى الظُّهْرِ، أَوْ إلَى الْعَصْرِ، أَفَأَصُومُ بَقِيَّةَ يَوْمِي؟ قَالَ: نَعَمْ. وَاخْتَارَ الْقَاضِي، فِي " الْمُحَرَّرِ " أَنَّهُ لَا تُجْزِئُهُ النِّيَّةُ بَعْدَ الزَّوَالِ. وَهَذَا مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالْمَشْهُورُ مِنْ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ مُعْظَمَ النَّهَارِ مَضَى مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ، بِخِلَافِ النَّاوِي قَبْلَ الزَّوَالِ، فَإِنَّهُ قَدْ أَدْرَكَ مُعْظَمَ الْعِبَادَةِ، وَلِهَذَا تَأْثِيرٌ فِي الْأُصُولِ، بِدَلِيلِ أَنَّ مَنْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ قَبْلَ الرَّفْعِ مِنْ الرُّكُوعِ أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ؛ لِإِدْرَاكِهِ مُعْظَمَهَا، وَلَوْ أَدْرَكَهُ بَعْدَ الرَّفْعِ، لَمْ يَكُنْ مُدْرِكًا لَهَا، وَلَوْ أَدْرَكَ مَعَ الْإِمَامِ مِنْ الْجُمُعَةِ رَكْعَةً، كَانَ مُدْرِكًا لَهَا؛ لِأَنَّهَا تَزِيدُ بِالتَّشَهُّدِ، وَلَوْ أَدْرَكَ أَقَلَّ مِنْ رَكْعَةٍ، لَمْ يَكُنْ مُدْرِكًا لَهَا.
وَلَنَا أَنَّهُ نَوَى فِي جُزْءٍ مِنْ النَّهَارِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ نَوَى فِي أَوَّلِهِ، وَلِأَنَّ جَمِيعَ اللَّيْلِ وَقْتٌ لِنِيَّةِ الْفَرْضِ، فَكَذَا جَمِيعُ النَّهَارِ وَقْتٌ لِنِيَّةِ النَّفْلِ. إذَا ثَبَتَ هَذَا فَإِنَّهُ يُحْكَمُ لَهُ بِالصَّوْمِ الشَّرْعِيِّ الْمُثَابِ عَلَيْهِ مِنْ وَقْتِ النِّيَّةِ، فِي الْمَنْصُوصِ عَنْ أَحْمَدَ، فَإِنَّهُ قَالَ: مَنْ نَوَى فِي التَّطَوُّعِ مِنْ النَّهَارِ، كُتِبَ لَهُ بَقِيَّةُ يَوْمِهِ، وَإِذَا أَجْمَعَ مِنْ اللَّيْلِ كَانَ لَهُ يَوْمُهُ. وَهَذَا قَوْلُ بَعْضِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ، فِي " الْهِدَايَةِ ": يُحْكَمُ لَهُ بِذَلِكَ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ. وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ لَا يَتَبَعَّضُ فِي الْيَوْمِ، بِدَلِيلِ مَا لَوْ أَكَلَ فِي بَعْضِهِ، لَمْ يَجُزْ لَهُ صِيَامُ بَاقِيه، فَإِذَا وُجِدَ فِي بَعْضِ الْيَوْمِ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ صَائِمٌ مِنْ أَوَّلِهِ، وَلَا يَمْتَنِعُ الْحُكْمُ بِالصَّوْمِ مِنْ غَيْرِ