الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قَالَ: مَا حَمَلَكَ عَلَى هَذَا؟ قَالَ: لَمْ أَكُنْ لَأُفْطِرُ وَالنَّاسُ صِيَامٌ. فَقَالَ لِلَّذِي أَفْطَرَ: لَوْلَا مَكَانُ هَذَا لَأَوْجَعْت رَأْسَكَ. ثُمَّ نُودِيَ فِي النَّاسِ: أَنْ اُخْرُجُوا. أَخْرَجَهُ سَعِيدٌ، عَنْ ابْنِ عُلَيَّةَ عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي رَجَاءٍ.
وَإِنَّمَا أَرَادَ ضَرْبَهُ لِإِفْطَارِهِ بِرُؤْيَتِهِ، وَدَفَعَ عَنْهُ الضَّرْبَ لِكَمَالِ الشَّهَادَةِ بِهِ وَبِصَاحِبِهِ. وَلَوْ جَازَ لَهُ الْفِطْرُ لَمَّا أَنْكَرَ عَلَيْهِ، وَلَا تَوَعَّدَهُ. وَقَالَتْ عَائِشَةُ: إنَّمَا يُفْطِرُ يَوْمَ الْفِطْرِ الْإِمَامُ وَجَمَاعَةُ الْمُسْلِمِينَ. وَلَمْ يُعْرَفْ لَهُمَا مُخَالِفٌ فِي عَصْرِهِمَا، فَكَانَ إجْمَاعًا، وَلِأَنَّهُ يَوْمٌ مَحْكُومٌ بِهِ مِنْ رَمَضَانَ، فَلَمْ يَجُزْ الْفِطْرُ فِيهِ كَالْيَوْمِ الَّذِي قَبْلَهُ، وَفَارَقَ مَا إذَا قَامَتْ الْبَيِّنَةُ، فَإِنَّهُ مَحْكُومٌ بِهِ مِنْ شَوَّالٍ، بِخِلَافِ مَسْأَلَتِنَا.
وَقَوْلُهُمْ: إنَّهُ يَتَيَقَّنُ أَنَّهُ مِنْ شَوَّالٍ. قُلْنَا: لَا يَثْبُتُ الْيَقِينُ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الرَّائِي خُيِّلَ إلَيْهِ، كَمَا رُوِيَ أَنَّ رَجُلًا فِي زَمَنِ عُمَرَ، قَالَ: لَقَدْ رَأَيْت الْهِلَالَ. فَقَالَ لَهُ: امْسَحْ عَيْنَك. فَمَسَحَهَا، ثُمَّ قَالَ لَهُ: تَرَاهُ؟ قَالَ: لَا. قَالَ: لَعَلَّ شَعْرَةً مِنْ حَاجِبِك تَقَوَّسَتْ عَلَى عَيْنِك، فَظَنَنْتهَا هِلَالًا أَوْ مَا هَذَا مَعْنَاهُ
فَصْلٌ: فَإِنْ رَآهُ اثْنَانِ، وَلَمْ يَشْهَدَا عِنْدَ الْحَاكِمِ جَازَ لِمَنْ سَمِعَ شَهَادَتَهُمَا الْفِطْرُ، إذَا عَرَفَ عَدَالَتَهُمَا، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْفِطْرُ بِقَوْلِهِمَا؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:«وَإِذَا شَهِدَ اثْنَانِ فَصُومُوا وَأَفْطِرُوا» وَإِنْ شَهِدَا عِنْدَ الْحَاكِمِ، فَرَدَّ شَهَادَتَهُمَا؛ لِجَهْلِهِ بِحَالِهِمَا، فَلِمَنْ عَلِمَ عَدَالَتَهُمَا الْفِطْرُ بِقَوْلِهِمَا؛ لِأَنَّ رَدَّ الْحَاكِمِ هَاهُنَا لَيْسَ بِحُكْمٍ مِنْهُ، وَإِنَّمَا هُوَ تَوَقُّفٌ لِعَدَمِ عِلْمِهِ. فَهُوَ كَالْوُقُوفِ عَنْ الْحُكْمِ انْتِظَارًا لِلْبَيِّنَةِ، وَلِهَذَا لَوْ تَثْبُتُ عَدَالَتُهُمَا بَعْدَ ذَلِكَ حُكِمَ بِهَا، وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ أَحَدُهُمَا عَدَالَةَ صَاحِبِهِ؛ لَمْ يَجُزْ لَهُ الْفِطْرُ، إلَّا أَنْ يَحْكُمَ بِذَلِكَ الْحَاكِمُ، لِئَلَّا يُفْطِرَ بِرُؤْيَتِهِ وَحْدَهُ.
[مَسْأَلَةُ اشْتِبَاه شَهْرُ الصَّوْم عَلَى الْأَسِيرِ]
(2116)
مَسْأَلَةٌ: قَالَ (وَإِذَا اشْتَبَهَتْ الْأَشْهُرُ عَلَى الْأَسِيرِ، فَإِنْ صَامَ شَهْرًا يُرِيدُ بِهِ شَهْرَ رَمَضَانَ، فَوَافَقَهُ، أَوْ مَا بَعْدَهُ؛ أَجْزَأَهُ، وَإِنْ وَافَقَ مَا قَبْلَهُ، لَمْ يُجْزِهِ) وَجُمْلَتُهُ أَنَّ مَنْ كَانَ مَحْبُوسًا أَوْ مَطْمُورًا، أَوْ فِي بَعْضِ النَّوَاحِي النَّائِيَةِ عَنْ الْأَمْصَارِ لَا يُمْكِنُهُ تَعَرُّفُ الْأَشْهُرِ بِالْخَبَرِ، فَاشْتَبَهَتْ عَلَيْهِ الْأَشْهُرُ، فَإِنَّهُ يَتَحَرَّى وَيَجْتَهِدُ، فَإِذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ عَنْ أَمَارَةٍ تَقُومُ فِي نَفْسِهِ دُخُولُ شَهْرِ رَمَضَانَ صَامَهُ، وَلَا يَخْلُو مِنْ أَرْبَعَةِ أَحْوَالٍ: أَحَدُهَا، أَنْ لَا يَنْكَشِفَ لَهُ الْحَالُ، فَإِنَّ صَوْمَهُ صَحِيحٌ، وَيُجْزِئُهُ؛ لِأَنَّهُ أَدَّى فَرْضَهُ بِاجْتِهَادِهِ. فَأَجْزَأَهُ، كَمَا لَوْ صَلَّى فِي يَوْمِ الْغَيْمِ بِالِاجْتِهَادِ. الثَّانِي: أَنْ يَنْكَشِفَ لَهُ أَنَّهُ وَافَقَ الشَّهْرَ أَوْ مَا بَعْدَهُ، فَإِنَّهُ يُجْزِئُهُ فِي قَوْلِ عَامَّةِ الْفُقَهَاءِ.
وَحُكِيَ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ فِي هَاتَيْنِ الْحَالَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ صَامَهُ عَلَى الشَّكِّ فَلَمْ يُجْزِئُهُ، كَمَا لَوْ صَامَ يَوْمَ
الشَّكِّ فَبَانَ مِنْ رَمَضَان. وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ؛ لِأَنَّهُ أَدَّى فَرْضَهُ بِالِاجْتِهَادِ فِي مَحَلِّهِ، فَإِذَا أَصَابَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ الْحَالَ؛ أَجْزَأَهُ كَالْقِبْلَةِ إذَا اشْتَبَهَتْ، أَوْ الصَّلَاةِ فِي يَوْمِ الْغَيْمِ إذَا اشْتَبَهَ وَقْتُهَا، وَفَارَقَ يَوْمَ الشَّكِّ، فَإِنَّهُ لَيْسَ بِمَحَلِّ الِاجْتِهَادِ، فَإِنَّ الشَّرْعَ أَمَرَ بِالصَّوْمِ عِنْدَ أَمَارَةٍ عَيَّنَهَا، فَمَا لَمْ تُوجَدْ لَمْ يَجُزْ الصَّوْمُ. الْحَالُ الثَّالِثُ: وَافَقَ قَبْلَ الشَّهْرِ، فَلَا يُجْزِئُهُ، فِي قَوْلِ عَامَّةِ الْفُقَهَاءِ.
وَقَالَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ: يُجْزِئُهُ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ، كَمَا لَوْ اشْتَبَهَ يَوْمُ عَرَفَةَ فَوَقَفُوا قَبْلَهُ. وَلَنَا أَنَّهُ أَتَى بِالْعِبَادَةِ قَبْلَ وَقْتِهَا، فَلَمْ يُجْزِئْهُ، كَالصَّلَاةِ فِي يَوْمِ الْغَيْمِ. وَأَمَّا الْحَجُّ فَلَا نُسَلِّمُهُ إلَّا فِيمَا إذَا أَخْطَأَ النَّاسُ كُلُّهُمْ، لِعَظَمِ الْمَشَقَّةِ عَلَيْهِمْ، وَإِنْ وَقَعَ ذَلِكَ لِنَفَرٍ مِنْهُمْ لَمْ يُجْزِئْهُمْ. وَلِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُؤْمَنُ مِثْلُهُ فِي الْقَضَاءِ، بِخِلَافِ الصَّوْمِ. الْحَالُ الرَّابِعُ: أَنْ يُوَافِقَ بَعْضُهُ رَمَضَانَ دُونَ بَعْضٍ، فَمَا وَافَقَ رَمَضَانَ أَوْ بَعْدَهُ؛ أَجْزَأَهُ وَمَا وَافَقَ قَبْلَهُ؛ لَمْ يُجْزِئْهُ. (2117)
فَصْلٌ: وَإِذَا وَافَقَ صَوْمُهُ بَعْدَ الشَّهْرِ، اُعْتُبِرَ أَنْ يَكُونَ مَا صَامَهُ بِعِدَّةِ أَيَّامِ شَهْرِهِ الَّذِي فَاتَهُ، سَوَاءٌ وَافَقَ مَا بَيْنَ هِلَالَيْنِ أَوْ لَمْ يُوَافِقْ، وَسَوَاءٌ كَانَ الشَّهْرَانِ تَامَّيْنِ أَوْ نَاقِصَيْنِ. وَلَا يُجْزِئُهُ أَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ.
وَقَالَ الْقَاضِي: ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ: أَنَّهُ إذَا وَافَقَ شَهْرًا بَيْنَ هِلَالَيْنِ أَجْزَأَهُ، سَوَاءٌ كَانَ الشَّهْرَانِ تَامَّيْنِ أَوْ نَاقِصَيْنِ، أَوْ أَحَدُهُمَا تَامًّا وَالْآخَرُ نَاقِصًا. وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ؛ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ:{فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184] . وَلِأَنَّهُ فَاتَهُ شَهْرُ رَمَضَانَ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ صِيَامُهُ بِعِدَّةِ مَا فَاتَهُ، كَالْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ. وَلَيْسَ فِي كَلَامِ الْخِرَقِيِّ تَعَرُّضٌ لِهَذَا التَّفْصِيلِ، فَلَا يَجُوزُ حَمْلُ كَلَامِهِ عَلَى مَا يُخَالِفُ الْكِتَابَ وَالصَّوَابَ.
فَإِنْ قِيلَ: أَلَيْسَ إذَا نَذَرَ صَوْمَ شَهْرٍ يُجْزِئُهُ مَا بَيْنَ هِلَالَيْنِ؟ قُلْنَا: الْإِطْلَاقُ يُحْمَلُ عَلَى مَا تَنَاوَلَهُ الِاسْمُ، وَالِاسْمُ يَتَنَاوَلُ مَا بَيْنَ الْهِلَالَيْنِ، وَهَاهُنَا يَجِبُ قَضَاءُ مَا تَرَكَ، فَيَجِبُ أَنْ يُرَاعَى فِيهِ عِدَّةُ الْمَتْرُوكِ، كَمَا أَنَّ مَنْ نَذَرَ صَلَاةً أَجْزَأَهُ رَكْعَتَانِ، وَلَوْ تَرَكَ صَلَاةً وَجَبَ قَضَاؤُهَا بِعِدَّةِ رَكَعَاتِهَا، كَذَلِكَ هَاهُنَا الْوَاجِبُ بِعِدَّةِ مَا فَاتَهُ مِنْ الْأَيَّامِ، سَوَاءٌ كَانَ مَا صَامَهُ بَيْن هِلَالَيْنِ أَوْ مِنْ شَهْرَيْنِ، فَإِنْ دَخَلَ فِي صِيَامِهِ يَوْمُ عِيدٍ لَمْ يُعْتَدَّ بِهِ، وَإِنْ وَافَقَ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ، فَهَلْ يُعْتَدُّ بِهَا؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ: بِنَاءً عَلَى صِحَّةِ صَوْمِهَا عَلَى الْفَرْضِ. (2118)
فَصْلٌ: وَإِنْ لَمْ يَغْلِبْ عَلَى ظَنِّ الْأَسِيرِ دُخُولُ رَمَضَان فَصَامَ، لَمْ يُجْزِئْهُ، وَإِنْ وَافَقَ الشَّهْرَ؛ لِأَنَّهُ صَامَهُ عَلَى الشَّكِّ؛