الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[مَسْأَلَة اعْتَمَرَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ فَطَافَ وَسَعَى ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ مِنْ عَامِهِ] [
الْفَصْل الْأَوَّل وُجُوبُ الدَّمِ عَلَى الْمُتَمَتِّعِ فِي الْجُمْلَةِ]
(2598)
مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَمَنْ اعْتَمَرَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، فَطَافَ وَسَعَى، ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ مِنْ عَامِهِ، وَلَمْ يَكُنْ خَرَجَ مِنْ مَكَّةَ إلَى مَا تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ، فَهُوَ مُتَمَتِّعٌ، عَلَيْهِ دَمٌ)(2599) فَصْلٌ: الْكَلَامُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي فُصُولٍ: أَحَدُهَا، وُجُوبُ الدَّمِ عَلَى الْمُتَمَتِّعِ فِي الْجُمْلَةِ. وَأَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَيْهِ.
قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ مَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ مِنْ أَهْلِ الْآفَاقِ مِنْ الْمِيقَاتِ، وَقَدِمَ مَكَّةَ فَفَرَغَ مِنْهَا، وَأَقَامَ بِهَا، وَحَجَّ مِنْ عَامِهِ، أَنَّهُ مُتَمَتِّعٌ، وَعَلَيْهِ الْهَدْيُ إنْ وَجَدَ، وَإِلَّا فَالصِّيَامُ. وَقَدْ نَصَّ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى:{فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ} [البقرة: 196] الْآيَةَ. وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: «تَمَتَّعَ النَّاسُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ، فَلَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِلنَّاسِ: مَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَهْدَى، فَلْيَطُفْ بِالْبَيْتِ، وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَلْيُقَصِّرْ، ثُمَّ لِيُهِلَّ بِالْحَجِّ وَيُهْدِي، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ هَدْيًا، فَلْيَصُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ، وَسَبْعَةً إذَا رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَقَالَ جَابِرٌ: «كُنَّا نَتَمَتَّعُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ، فَنَذْبَحُ الْبَقَرَةَ عَنْ سَبْعَةٍ، نَشْتَرِكُ فِيهَا.» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَعَنْ أَبِي جَمْرَةَ، قَالَ: سَأَلْت ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ الْمُتْعَةِ. فَأَمَرَنِي بِهَا، وَسَأَلْته عَنْ الْهَدْيِ، فَقَالَ: فِيهَا جَزُورٌ، أَوْ بَقَرَةٌ، أَوْ شَاةٌ، أَوْ شِرْكٌ مِنْ دَمٍ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَالدَّمُ الْوَاجِبُ شَاةٌ، أَوْ سُبْعُ بَقَرَةٍ، أَوْ سُبْعُ بَدَنَةٍ، فَإِنْ نَحَرَ بَدَنَةً، أَوْ ذَبَحَ بَقَرَةً، فَقَدْ زَادَ خَيْرًا. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ.
وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يُجْزِئُ إلَّا بَدَنَةٌ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمَّا تَمَتَّعَ، سَاقَ بَدَنَةً. وَهَذَا تَرْكٌ لِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى:{فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: 196] وَاطِّرَاحٌ لِلْآثَارِ الثَّابِتَةِ، وَمَا احْتَجُّوا بِهِ فَلَا حُجَّةَ فِيهِ؛ فَإِنَّ إهْدَاءَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لِلْبَدَنَةِ لَا يَمْنَعُ إجْزَاءَ مَا دُونَهَا، فَإِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَدْ سَاقَ مِائَةَ بَدَنَةٍ، وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِوَاجِبٍ، وَلَا يَجِبُ أَنْ تَكُونَ الْبَدَنَةُ الَّتِي يَذْبَحُهَا عَلَى صِفَةِ بُدْنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ إنَّهُمْ يَقُولُونَ: إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ مُفْرِدًا فِي حَجَّتِهِ. وَكَذَلِكَ ذَهَبُوا إلَى تَفْضِيلِ الْإِفْرَادِ، فَكَيْفَ يَكُونُ سَوْقُهُ لِلْبُدْنِ دَلِيلًا لَهُمْ فِي التَّمَتُّعِ، وَلَمْ يَكُنْ مُتَمَتِّعًا.
[الْفَصْلُ الثَّانِي فِي شُرُوطِ الدَّمُ عَلَى الْمُتَمَتِّع]
(2600)
الْفَصْلُ الثَّانِي، فِي الشُّرُوطِ الَّتِي يَجِبُ الدَّمُ عَلَى مَنْ اجْتَمَعَتْ فِيهِ، وَهِيَ خَمْسَةٌ؛ الْأَوَّلُ، أَنْ يُحْرِمَ بِالْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، فَإِنْ أَحْرَمَ بِهَا فِي غَيْرِ أَشْهُرِهِ، لَمْ يَكُنْ مُتَمَتِّعًا، سَوَاءٌ وَقَعَتْ أَفْعَالُهَا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، أَوْ فِي غَيْرِ أَشْهُرِهِ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ.
قَالَ الْأَثْرَمُ: سَمِعْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، سُئِلَ عَمَّنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ، ثُمَّ قَدِمَ فِي شَوَّالٍ، أَيَحِلُّ مِنْ عُمْرَتِهِ فِي شَوَّالٍ، أَوْ يَكُونُ مُتَمَتِّعًا؟ فَقَالَ: لَا يَكُونُ مُتَمَتِّعًا. وَاحْتَجَّ بِحَدِيثِ جَابِرٍ، وَذَكَرَ إسْنَادَهُ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدَ اللَّهِ يُسْأَلُ عَنْ امْرَأَةٍ تَجْعَلُ عَلَى نَفْسِهَا عُمْرَةً فِي شَهْرٍ مُسَمًّى، ثُمَّ تَحِلُّ إلَّا لَيْلَةً وَاحِدَةً، ثُمَّ تَحِيضُ؟ قَالَ:
لِتَخْرُجْ، ثُمَّ لِتُهِلَّ بِعُمْرَةٍ، ثُمَّ لِتَنْتَظِرْ حَتَّى تَطْهُرَ، ثُمَّ لِتَطُفْ بِالْبَيْتِ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: فَجَعَلَ عُمْرَتَهَا فِي الشَّهْرِ الَّذِي أَهَلَّتْ فِيهِ، لَا فِي الشَّهْرِ الَّذِي حَلَّتْ فِيهِ. وَلَا نَعْلَمُ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ خِلَافًا فِي أَنَّ مَنْ اعْتَمَرَ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ عُمْرَةً، وَحَلَّ مِنْهَا قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ، أَنَّهُ لَا يَكُونُ مُتَمَتِّعًا، إلَّا قَوْلَيْنِ شَاذِّينَ، أَحَدُهُمَا عَنْ طَاوُسٍ، أَنَّهُ قَالَ: إذَا اعْتَمَرْت فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ، ثُمَّ أَقَمْت حَتَّى الْحَجِّ، فَأَنْتَ مُتَمَتِّعٌ. وَالثَّانِي عَنْ الْحَسَنِ، أَنَّهُ قَالَ: مِنْ اعْتَمَرَ بَعْدَ النَّحْرِ، فَهِيَ مُتْعَةٌ.
قَالَ: ابْنُ الْمُنْذِرِ: لَا نَعْلَمُ أَحَدًا قَالَ بِوَاحِدٍ مِنْ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ. فَأَمَّا إنْ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ، ثُمَّ حَلَّ مِنْهَا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، فَذَهَبَ أَحْمَدَ أَنَّهُ لَا يَكُونُ مُتَمَتِّعًا. وَنُقِلَ مَعْنَى ذَلِكَ عَنْ جَابِرٍ، وَأَبِي عِيَاضٍ. وَهُوَ قَوْلُ إِسْحَاقَ، وَأَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ.
وَقَالَ طَاوُسٌ: عُمْرَتُهُ فِي الشَّهْرِ الَّذِي يَدْخُلُ فِيهِ الْحَرَمَ. وَقَالَ الْحَسَنُ، وَالْحَكَمُ، وَابْنُ شُبْرُمَةَ، وَالثَّوْرِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ: عُمْرَتُهُ فِي الشَّهْرِ الَّذِي يَطُوفُ فِيهِ.
وَقَالَ عَطَاءٌ: عُمْرَتُهُ فِي الشَّهْرِ الَّذِي يَحِلُّ فِيهِ. وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إنْ طَافَ لِلْعُمْرَةِ أَرْبَعَةَ أَشْوَاطٍ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ، فَلَيْسَ بِمُتَمَتِّعٍ. وَإِنْ طَافَ الْأَرْبَعَةَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، فَهُوَ مُتَمَتِّعٌ؛ لِأَنَّ الْعُمْرَةَ صَحَّتْ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ؛ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ وَطِئَ أَفْسَدَهَا، أَشْبَهَ إذَا أَحْرَمَ بِهَا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ.
وَلَنَا، مَا ذَكَرْنَا عَنْ جَابِرٍ، وَلِأَنَّهُ أَتَى بِنُسُكٍ لَا تَتِمُّ الْعُمْرَةُ إلَّا بِهِ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ، فَلَمْ يَكُنْ مُتَمَتِّعًا، كَمَا لَوْ طَافَ. وَيُخَرَّجُ عَلَيْهِ مَا قَاسُوا عَلَيْهِ. الثَّانِي، أَنْ يَحُجَّ مِنْ عَامِهِ، فَإِنْ اعْتَمَرَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، وَلَمْ يَحُجَّ ذَلِكَ الْعَامَ، بَلْ حَجَّ مِنْ الْعَامِ الْقَابِلِ، فَلَيْسَ بِمُتَمَتِّعٍ. لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا، إلَّا قَوْلًا شَاذًّا عَنْ الْحَسَنِ، فِي مَنْ اعْتَمَرَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، فَهُوَ مُتَمَتِّعٌ، حَجَّ أَوْ لَمْ يَحُجَّ. وَالْجُمْهُورُ عَلَى خِلَافِ هَذَا؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ:{فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: 196]
وَهَذَا يَقْتَضِي الْمُوَالَاةَ بَيْنَهُمَا، وَلِأَنَّهُمْ إذَا أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ مَنْ اعْتَمَرَ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ، ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ، فَلَيْسَ بِمُتَمَتِّعٍ، فَهَذَا أَوْلَى مِنْ التَّبَاعُدِ بَيْنَهُمَا أَكْثَرَ. الثَّالِثُ، أَنْ لَا يُسَافِرَ بَيْنَ الْعُمْرَةِ وَالْحَجِّ سَفَرًا بَعِيدًا تُقْصَرُ فِي مِثْلِهِ الصَّلَاةُ. نَصَّ عَلَيْهِ.
وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَطَاءٍ، وَالْمُغِيرَةِ الْمَدِينِيِّ، وَإِسْحَاقَ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إنْ رَجَعَ إلَى الْمِيقَاتِ، فَلَا دَمَ عَلَيْهِ. وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ: إنْ رَجَعَ إلَى مِصْرِهِ، بَطَلَتْ مُتْعَتُهُ، وَإِلَّا فَلَا. وَقَالَ مَالِكٌ: إنْ رَجَعَ إلَى مِصْرِهِ، أَوْ إلَى غَيْرِهِ أَبْعَدَ مِنْ مِصْرِهِ، بَطَلَتْ مُتْعَتُهُ، وَإِلَّا فَلَا.
وَقَالَ الْحَسَنُ: هُوَ مُتَمَتِّعٌ وَإِنْ رَجَعَ إلَى بَلَدِهِ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ؛ لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: 196] . وَلَنَا، مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ: إذَا اعْتَمَرَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، ثُمَّ أَقَامَ، فَهُوَ مُتَمَتِّعٌ.