المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الربع الثاني من الحزب الرابع والأربعينفي المصحف الكريم (ت) - التيسير في أحاديث التفسير - جـ ٥

[محمد المكي الناصري]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الخامس

- ‌الربع الأول من الحزب الواحد والأربعينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة الروم

- ‌الربع الأول من الحزب الواحد والأربعينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب الواحد والأربعينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثاني من الحزب الواحد والأربعينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب الواحد والأربعينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثالث من الحزب الواحد والأربعينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب الواحد والأربعينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة لقمان

- ‌الربع الأخير من الحزب الواحد والأربعينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب الثاني والأربعينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة السجدة

- ‌الربع الأول من الحزب الثاني والأربعينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب الثاني والأربعينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثاني من الحزب الثاني والأربعينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب الثاني والربعينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة الأحزاب

- ‌الربع الثالث من الحزب الثاني والربعينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب الثاني والأربعينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأخير من الحزب الثاني والأربعينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب الثالث والأربعينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأول من الحزب الثالث والأربعينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب الثالث والأربعينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثاني من الحزب الثالث والأربعينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب الثالث والأربعينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة سبأ

- ‌الربع الثالث من الحزب الثالث والأربعينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب الثالث والأربعينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأخير من الحزب الثالث والأربعينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب الرابع والأربعينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأول من الحزب الرابع والأربعينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب الرابع والأربعينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة فاطر

- ‌الربع الثاني من الحزب الرابع والأربعينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الثمن الأول من الربع الثالث في الحزب الرابع والأربعينمن المصحف الكريم (ق)

- ‌الثمن الأول من الربع الثالث في الحزب الرابع والأربعينمن المصحف الكريم (ت)

- ‌الثمن الثاني من الربع الثالث في الحزب الرابع والأربعينمن المصحف الكريم (ق)

- ‌الثمن الثاني من الربع الثالث في الحزب الرابع والأربعينمن المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب الرابع والأربعينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة يس

- ‌الربع الأخير من الحزب الرابع والأربعينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌لربع الأول من الحزب الخامس والأربعينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأول من الحزب الخامس والأربعينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب الخامس والأربعينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة الصافات

- ‌الربع الثاني من الحزب الخامس والأربعينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب الخامس والأربعينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثالث من الحزب الخامس والأربعينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب الخامس والأربعينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأخير من الحزب الخامس والأربعينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب السادس والأربعينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة ص

- ‌الربع الأول من الحزب السادس والأربعينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب السادس والأربعينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثاني من الحزب السادس والأربعينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب السادس والأربعينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة الزمر

- ‌الربع الثالث من الحزب السادس والأربعينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب السادس والأربعينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأخير من الحزب السادس والأربعينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب السابع والأربعينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأول من الحزب السابع والأربعينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب السابع والأربعينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثاني من الحزب السابع والأربعينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب السابع والأربعينفي الصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة غافر

- ‌الربع الثالث من الحزب السابع والأربعينفي الصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب السابع والأربعينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأخير من الحزب السابع والأربعينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب الثامن والأربعينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأول من الحزب الثامن والأربعينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب الثامن والأربعينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة فصلت

- ‌الربع الثاني من الحزب الثامن والأربعينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب الثامن والأربعينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثالث من الحزب الثامن والأربعينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب الثامن والأربعينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأخير من الحزب الثامن والأربعينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب التاسع والأربعينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة الشورى

- ‌الربع الأول من الحزب التاسع والأربعينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب التاسع والأربعينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثاني من الحزب التاسع والأربعينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب التاسع والأربعينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثالث من الحزب التاسع والأربعينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب التاسع والأربعينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة الزخرف

- ‌الربع الأخير من الحزب التاسع والأربعينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب الخمسينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأول من الحزب الخمسينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب الخمسينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة الدخان

- ‌الربع الثاني من الحزب الخمسينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب الخمسينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة الجاثية

- ‌الربع الثالث من الحزب الخمسينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب الخمسينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأخير من الحزب الخمسينفي المصحف الكريم (ت)

الفصل: ‌الربع الثاني من الحزب الرابع والأربعينفي المصحف الكريم (ت)

‌الربع الثاني من الحزب الرابع والأربعين

في المصحف الكريم (ت)

عباد الله

موعدنا في هذا اليوم مع الربع الثاني من الحزب الرابع والأربعين في المصحف الكريم، ابتداء من قوله تعالى في سورة سبأ المكية:{قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا} ، إلى قوله تعالى في سورة فاطر المكية أيضا:{وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ} .

ــ

في بداية هذا الربع لقن كتاب الله لرسوله الأعظم ما يواجه به الشاكين والمعاندين، لإفحامهم وإقناعهم، وللقضاء على شكهم وعنادهم، داعيا إياهم إلى الالتقاء معه على كلمة سواء، وهذه الكلمة الواحدة الجامعة المانعة هي أن ينهضوا وينتصبوا للبحث عن (الحق المطلق) في أمر الرسول وأمر الرسالة، متجردين من كل هوى وعصبية وفكر مسبق، مستخدمين العقل والمنطق، وملكة التفكير العميق، في دراسة هذا الأمر دراسة موضوعية، على أن تتم هذه الدراسة بطريقة (فردية) متأنية، حتى لا يتأثر أحدهم بالآخر، وبطريقة (ثنائية) وجماعية، حتى يناظر كل واحد الآخر، ويقارن النتيجة التي وصل إليها بما وصل إليه قرينه

ص: 203

من رأي، وبهذا الأسلوب المزدوج، من تمحيص أمر الرسول والرسالة تمحيصا موضوعيا، دون عصبية ولا هوى، يثبت الحق ويزهق الباطل، وذلك ما يشير إليه قوله تعالى في إيجاز وإعجاز:{قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ} ، أي: بكلمة واحدة هي أجمع جوامع الكلم، {أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ} أي: أن تقوموا للبحث عن الحقيقة وطلب الحق بكامل التجرد والإخلاص لوجه الله، {مَثْنَى} ، أي: اثنين، عندما يكون الواحد منكم مع غيره، {وَفُرَادَى} ، أي: واحد واحدا عندما يكون الواحد منكم منفردا بنفسه، {ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا} ، أي: منفردين ومجتمعين، وتستخدموا فكركم على فطرته وسجيته، وتقلبوا وجوه النظر في أمر الرسول وأمر الرسالة، قال جار الله الزمخشري:(أما الاثنان فيتفكران، ويعرض كل واحد منهما محصول فكره على صاحبه، وينظران فيه متصادقين متناصفين، لا يميل بهما إتباع الهوى، ولا ينبض لهما عرق عصبية، حتى يهجم بهما الفكر الصالح والنظر الصحيح، على جادة الحق وسننه، وكذلك الفرد، يفكر في نفسه بعد ونصفة، من غير (أن يكابرها، ويعرض فكره على عقله وذهنه، وما استقر عنده من عادات العقلاء ومجاري أحوالهم) ونقل القرطبي عن بعض المفسرين تعليقا على قوله تعالى هنا: {مَثْنَى وَفُرَادَى} : (أن العقل حجة الله على العباد، فأوفرهم عقلا أوفرهم حظا من الله، فإذا كانوا {فُرَادَى} كانت فكرة واحدة، وإذا كانوا {مَثْنَى} تقابل الذهنان، فتراءى من العلم لهما ما أضعف على الانفراد)، أي: ما زاد على الانفراد)، أضعافا مضاعفة.

ص: 204

ومتى أنعموا النظر على هذا الوجه المعتبر، رفضوا مزاعم المعاندين والمكذبين، وأدركوا عن علم ويقين، أن محمدا عليه الصلاة والسلام رسول الله حقا وصدقا، وأنه خاتم الرسل المبعوث إلى الخلق أجمعين، وبذلك يبطل تلقائيا قول من زعم أنه (ساحر) إذ لا أثر في أفعاله وأقواله لأي نوع من أنواع السحر، ويبطل قول من زعم أنه (شاعر) إذ لا تشابه بين آيات الذكر الحكيم وبين أي نوع من أنواع الشعر، ويبطل قول من زعم أنه (مجنون) إذ لا يبدو في تصرفاته وأحواله أي أثر من آثار الجنون. وكيف ينسب الجنون إلى من آتاه الله الكتاب والحكمة، وأكرمه بمزية التحصين والعصمة:{مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ} .

وجريا على ما درج عليه الرسل صلوات الله وسلامه عليهم منذ أقدم القدم، من التطوع بتبليغ الرسالة إلى أقوامهم، والترفع عن تناول أي أجر على ما يقومون به من تبليغ رسالات ربهم، خاطب كتاب الله خاتم رسله قائلا:{قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} .

ثم إن (الحق) لا بد أن ينتصر، و (الباطل)، لابد أن يندحر، وما على الرسول الأعظم إلا أن يضع كل من عنده شك أمام هذه الحقيقة الناصعة:{قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ} ، أي: يرمي به الباطل، فيدمغه فإذا هو زاهق، {عَلَّامُ الْغُيُوبِ * قُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ} ، أي: لا يبدئ الباطل لأهله خيرا ولا يعيده، لا في الدنيا ولا في الآخرة،

ص: 205

وسبق قوله تعالى في سورة الإسراء (81): {وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا} .

ومن المواقف الحاسمة التي طبقت فيها هذه الآيات الكريمة، في الوقت المناسب، والموقف المناسب، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما فتح مكة ودخل الكعبة، ووجد حولها ثلاثمائة وستين صنما جعل يطعنها بسية قوسه ويقول:{جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا} ، {جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ} ، و (سية القوس) ما عطف من طرفيها.

وردا على ما كان يزعمه المشركون من أن عقيدة التوحيد التي يدعو إليها رسول الله، ويبرهن عليها كتاب الله، إنما هي مجرد ضلال وانحراف، وأن الوثنية التي درجوا عليها هي الحق الصراح، أكد لهم الرسول عليه السلام بأمر من ربه أنه سيظل وفيا لعقيدة التوحيد، متمسكا بها، وداعيا إليها، حاملا رايتها، متحملا كل النتائج التي تترتب على الإيمان بها والدعوة إليها، بالرغم من كونهم يعتبرونها ضلالا وانحرافا، مهتديا بالمبدأ القرآني القويم، المطابق للمنطق السليم، {مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا} (15: 17)، وذلك قوله تعالى هنا:{قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَى نَفْسِي} ، وهذا هو الشق الأول من الرد، أما الشق الثاني فقد جاء بأكثر مما كان ينتظر، إذ تضمن إشارة إلى أن قدرة العقل على التفكير الصحيح ومعرفة الحق، التي سبق التنبيه إليها عند قوله تعالى في الآية الأولى من هذا الربع، {ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا} ، هي وإن كانت أساسا للنظر، والوصول

ص: 206

إلى الاقتناع والإقناع، تظل قدرة محدودة تكتنفها السحب والغيوم في كثير من الأحيان، ولذلك فهي لا تستغني عن الهداية الإلهية، التي يحمل (الوحي الإلهي) مشعلها الكشاف المنير، فالوحي الإلهي- لكونه منبثقا من منبع النور نفسه - له نور قوي تخترق أشعته جميع الحجب التي تعترض العقل في طريقه، فيهتدي العقل بمعونته إلى اكتشاف الحق ومعرفته في كثير من المجالات، وهذا هو المعنى الإضافي الذي جاء به الشق الثاني من رد الرسول على المشركين ومن كان على شاكلتهم إذ يقول:{وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي} .

ثم عقب كتاب الله على ذلك كله بقوله: {إِنَّهُ سَمِيعٌ} إشارة إلى أن الله تعالى مطلع على كل ما يدور بين الرسول وخصوم الرسالات من جدل وحوار، وأنه يبارك ذلك الحوار الموصول الحلقات، عسى أن يقتنع الشاكون والجاحدون بما يقدمه لهم كتاب الله من الحجج والبراهين، ويهتدوا إلى الحق المبين، وبقوله:{قَرِيبٌ} ، إشارة إلى أن من طرق باب الحق سبحانه وتعالى ملتمسا للهداية، نال منه ما يرجوه وأشرف على الغاية، {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} ، (16: 50).

وتعريفا ببعض المشاهد المثيرة التي سيكون عليها خصوم الرسالات الإلهية يوم الفزع الأكبر، قال تعالى:{وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلَا فَوْتَ} ، ووقت الفزع هو وقت البعث وقيام الساعة، ومعنى {لَا فَوْتَ} ، أنهم لا يفلتون من سطوة الله، ولا أمل لهم

ص: 207

في النجاة، {وَأُخِذُوا مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ} ، فمن كان منهم في مكان سحيق لم يحل بعد المسافة بينه وبين عذاب الله، ومن حاول منهم الفرار لم يستطع أن يفلت من قبضة الله، {وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا} (71: 39)، ثم قال تعالى:{وَقَالُوا آمَنَّا بِهِ} ، أي: عندما رأوا العذاب رأي العين آمنوا بالرسول ورسالته بحكم الاضطرار، لكن الإيمان من هذا النوع وفي مثل هذا الوقت ليس له أي اعتبار، {وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ * وَقَدْ كَفَرُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ} أي: أنى لهم أن يتداركوا في الآخرة ما ضيعوه في الدنيا، مع أن الدنيا هي دار التكليف والابتلاء، والآخرة إنما هي دار الجزاء، ثم قال تعالى:{وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ} إشارة إلى أنهم كانوا يلقون الكلام على عواهنه دون تحفظ أو تثبيت، ويتفننون في إلقاء التهم دون تريث، فتارة يتهمون الرسول بأنه ساحر، وتارة أخرى يتهمونه بأنه شاعر، وتارة يتهمونه بأنه كاهن، وتارة أخرى يتهمونه بأنه مجنون، مع أن الرسول عليه الصلاة والسلام بريء من ذلك كله، بعيد عنه بعد السماء من الأرض، ولا سند لهم في ذلك إلا (الرجم بالغيب) والتحدي بالعناد والرفض، {وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِمْ مِنْ قَبْلُ} ، أي: لما كان همهم الأول والأخير وشغلهم الشاغل هو التمتع بالشهوات والملذات، في جميع الأحوال والأوقات، فوجئوا في دار الجزاء بالحرمان التام، كما فعل بمن كان على شاكلتهم من سالف الأمم والأقوام.

ثم كشف كتاب الله عن السر فيما تعرضوا له من الأهوال،

ص: 208

مبينا أن (الشك) الذي كان مسيطرا على عقولهم هو علة العلل فيما أصاب حياتهم من الانتكاس والاختلال، {إِنَّهُمْ كَانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ} .

والآن وقد انتهينا بفضل الله وعونه من تفسير سورة سبأ المكية نشرع بحول الله وقوته في تفسير سورة فاطر المكية أيضا، وتسمى أيضا سورة (الملائكة) وإنما أطلق عليها سورة فاطر وسورة الملائكة معا، لقول الله تعالى في الآية الأولى منها:{الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا} .

وقد افتتح كتاب الله هذه السورة الكريمة بتمجيد الله والثناء عليه، تلقينا لعباده المؤمنين، حتى يقدروا الله حق قدره، ويلتزموا طاعته والوقوف عند نهيه وأمره، مبينا أن أحق من يحمده العباد ويعبدونه هو المنعم عليهم بنعمة الإيجاد ونعمة الأمداد، خالق الأرض والسماء، وما فيهما من جمادات وأحياء، ومرسل الملائكة إلى الرسل والأنبياء، لهداية الإنسانية جمعاء، وذلك قوله تعالى:{بسم الله الرحمن الرحيم الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} ، أي: خالقهما، {جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا} ، أي: بينه وبين الأنبياء، كما قال تعالى في آية أخرى (51: 42)، {أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ} ، {أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ} ، أي: رسلا لتبليغ الأوامر الإلهية، وتنفيذ مقتضياتها في العوالم العلوية والسفلية، {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ} (31: 74)، {يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} ، أي: إن الله تعالى يفعل ما يشاء ويختار،

ص: 209

لا تحد قدرته حدود، ولا تقيد مشيئته قيود، فعملية الخلق لا تنقطع على مر الأيام، وخلقه قابل للزيادة والتطور على الدوام، ومن ذلك ما تتمايز به الأفراد والأقوام، رغم اشتراكها مع غيرها في التكوين العام، قال جار الله الزمخشري عند تفسير قوله تعالى هنا:{يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ} : (والآية مطلقة تتناول كل زيادة في الخلق، من طول قامة، واعتدال وصورة، وتمام في الأعضاء، وقوة في البطش، وحصافة في العقل، وجزالة في الرأي، وجرأة في القلب، وسماحة في النفس، وذلاقة في اللسان، ولباقة في التكلم، وحسن تأن في مزاولة الأمور، وما أشبه ذلك، مما لا يحيط به الوصف).

ثم بين كتاب الله إلى أي حد تبلغ سعة رحمة الله وسعة قدرته، منبها إلى أنه لا أحد في الكون يستطيع كف رحمته وإمساكها، في الوقت الذي تقتضي حكمته إرسالها، كما أنه لا أحد في الكون يستطيع إرسال رحمته، في الوقت الذي تقتضي حكمته إمساكها، وفي كلا الأمرين حكمة إلهية بالغة، ومصلحة محققة لنفس الإنسان، {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ} (21: 15)، وذلك قوله تعالى:{مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} ، ومن رحمته إرسال الرسل وإنزال الكتب، وتصريف الرياح وإثارة السحب، ومن رحمته الهداية والتوفيق، إلى أقوم طريق، والتوبة من الذنوب، وتفريج الكروب. وقوله تعالى:{مِنْ رَحْمَةِ} ، بالتنكير يتناول

ص: 210

جميع أنواع الرحمات في السر والعلن، ما ظهر منها وما بطن.

ووجه كتاب الله في هذا الربع خطابين اثنين إلى الناس أجمعين، لا فرق بين المؤمن والكافر، والبر والفاجر، ففي الخطاب الأول دعاهم إلى الإفاقة من سكرتهم وغفلتهم، واستحضار نعمة الله عليهم، والقيام بالشكر الواجب في حقهم، وذكرهم بأن كل ما يتصرفون فيه من أرزاق ويتقلبون فيه من نعم، إنما هو من فضله العميم، وعطائه الكريم، ثم نَعَى عليهم انصرافهم عن شكره، وتحديهم لأمره، وذلك قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ} ، ومن رزق السماء المطر، ومن رزق الأرض النبات، وبدونهما لا يمكن للنوع الإنساني عيش ولا اقتيات، {لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ} من (الإِفك) بالكسر، وهو ممارسة الكذب، أو من (الأَفك) بالفتح وهو الصرف عن الأمر والانصراف عنه. وعقب كتاب الله على ذلك بأن ما تتعرض له رسالة الرسول من شغب وتشويه لا ينال مقام الرسول بسوء، وأن القول الأخير والفصل في شأن خصوم الرسالات، سيتم يوم الفصل، وذلك قوله تعالى:{وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ} .

وفي الخطاب الثاني الموجه إلى الناس كافة مثل الأول، دعاهم كتاب الله إلى التخلي عن الظن والشك والوهم والتخمين، والإيمان باليوم الآخر بجميع سوابقه ولواحقه عن بينة ويقين، وحضهم على الاعتدال في الأخذ من حظوظ الدنيا، بغية التفرغ

ص: 211

لحقوق الآخرة، لإقامة توازن وتكامل بين مطالب الروح ومطالب الجسد، وذلك قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ} ، ووعده الحق هو التعرض للموت والبعث والثواب والعقاب {فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا} ، والغرور هو استغراق العمر كله أو جله في التمتع بلذاتها، ونسيان الآخرة بعدم الاستعداد لعواقبها، والغفلة عن التفكير في تبعاتها، {وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ} ، هذا تحذير من وساوس الشيطان، الذي تعهد، منذ استخلاف آدم في الأرض، بخداع الإنسان، {يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا} (120: 4)، {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ} .

وتعريفا بما يؤول إليه أمر الكافرين والمؤمنين في الآخرة، قال تعالى:{الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ} .

وحيث إن الرسول عليه السلام كان يغتم كثيرا، ويحزن حزنا كبيرا، لإصرار المشركين على شركهم، والكافرين على كفرهم، والمنافقين على نفاقهم، دعاه الحق سبحانه وتعالى إلى الرفق بنفسه، إذ ليس عليه هداهم، وإنما عليه البلاغ، وذلك قوله تعالى:{أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} ، على غرار قوله تعالى في سورة آل عمران (176):{وَلَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا} .

ص: 212

واستعرض كتاب الله في هذا السياق، جملة من آيات الله في الأنفس والآفاق، ليذكر بها من يمرون عليها وهم عنها معرضون.

ومن آيات الله في الأنفس قوله تعالى: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجًا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} ، قال سعيد بن جبير:(ما مضى من أجله فهو النقصان، وما يستقبله فهو الذي يعمره، وبذلك تتفق هذه الآية مع قوله تعالى (49: 10)، {إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ} .

ومن آيات الله في الآفاق قوله تعالى: {وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ النُّشُورُ} ، أي: أن بعث الأموات يماثل إحياء الأرض الموات، وقوله تعالى:{وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ} ، أي: ما تستوي البحار وكبريات الأنهار، {هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} ، وقد كان المتعارف بين الناس أن الحلية إنما تستخرج من البحار، لكن أثبت البحث الآن أنها تستخرج حتى من بعض الأنهار، مصداقا لما ورد في القرآن، وفسرت الحلية في هذا المقام باللؤلؤ والمرجان. وقوله تعالى: {يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي

ص: 213

إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى}، والأجل المسمى (هو الذي يتوقف فيه جريان الشمس والقمر)، {يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} (48: 14).

ولنعد الآن إلى الآية الكريمة التي تخللت آيات الله في الأنفس والآفاق، قال تعالى:{مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا} ، أي: من طلب العزة من الله بافتقار وخضوع، وخشية وخشوع، وجدها عنده غير ممنوعة ولا محجوبة، لأنها بالصدق والإخلاص مطلوبة، ومن طلبها من سواه، لم ينل مناه. قال تعالى:{إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} ، أي: إن العمل الصالح إذا تعاضد مع القول الطيب زاد في قبوله ورفعه، وضاعف من حسن وقعه، كما أن القول الطيب إذا تعاضد مع العمل الصالح كان العمل به أتم وأكمل، وأشرف وأفضل. قال ابن عطية (والحق أن العاصي إذا ذكر الله وقال كلاما طيبا فإنه مكتوب له، متقبل منه، وله حسناته، وعليه سيئاته). وقال تعالى: {وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ} ، أي: أن من يمكر بالناس ويوهمهم أنه في طاعة الله، كذبا ورياء، سيعذبه الله في الآخرة، وسيكشف زيفه في الدنيا، فمن أسر سريرة ألبسه الله رداءها.

وقوله تعالى: {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ} ، أي: أن الله تعالى هو الذي بيده الملك والملكوت، وعنده خزائن السماوات والأرض، فهو الخالق والرازق والمدبر الذي يدبر الأمر، وما يتصرف فيه الإنسان - انطلاقا من نفسه التي بين

ص: 214

جنبيه - إنما هو عارية مستردة على وجه الارتفاق والانتفاع، ولا يملك أحد- على وجه التحقيق - ملكية مطلقة، حتى القشرة الرقيقة البيضاء، التي تفصل بين التمرة والنواة، وهي ما يطلق عليه اسم (القطمير)، {وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ} .

وختم هذا الربع بتسفيه معتقدات الشرك، وإقامة الحجة على المشركين الذين تتعلق آمالهم (بشركاء) عاجزين، لا ينفعونهم في الدنيا، ويتبرؤون منهم في الآخرة، وذلك قوله تعالى:{إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ} ، وحيث أن الحق سبحانه وتعالى هو وحده الذي يعلم السر في السماوات والأرض، ولا أحد أخبر منه بخلقه، قال تعالى:{وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ} ، على غرار قوله تعالى في آية أخرى (14: 67): {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} .

ص: 215