المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الربع الأخير من الحزب الخمسينفي المصحف الكريم (ت) - التيسير في أحاديث التفسير - جـ ٥

[محمد المكي الناصري]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الخامس

- ‌الربع الأول من الحزب الواحد والأربعينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة الروم

- ‌الربع الأول من الحزب الواحد والأربعينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب الواحد والأربعينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثاني من الحزب الواحد والأربعينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب الواحد والأربعينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثالث من الحزب الواحد والأربعينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب الواحد والأربعينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة لقمان

- ‌الربع الأخير من الحزب الواحد والأربعينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب الثاني والأربعينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة السجدة

- ‌الربع الأول من الحزب الثاني والأربعينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب الثاني والأربعينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثاني من الحزب الثاني والأربعينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب الثاني والربعينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة الأحزاب

- ‌الربع الثالث من الحزب الثاني والربعينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب الثاني والأربعينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأخير من الحزب الثاني والأربعينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب الثالث والأربعينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأول من الحزب الثالث والأربعينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب الثالث والأربعينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثاني من الحزب الثالث والأربعينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب الثالث والأربعينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة سبأ

- ‌الربع الثالث من الحزب الثالث والأربعينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب الثالث والأربعينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأخير من الحزب الثالث والأربعينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب الرابع والأربعينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأول من الحزب الرابع والأربعينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب الرابع والأربعينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة فاطر

- ‌الربع الثاني من الحزب الرابع والأربعينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الثمن الأول من الربع الثالث في الحزب الرابع والأربعينمن المصحف الكريم (ق)

- ‌الثمن الأول من الربع الثالث في الحزب الرابع والأربعينمن المصحف الكريم (ت)

- ‌الثمن الثاني من الربع الثالث في الحزب الرابع والأربعينمن المصحف الكريم (ق)

- ‌الثمن الثاني من الربع الثالث في الحزب الرابع والأربعينمن المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب الرابع والأربعينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة يس

- ‌الربع الأخير من الحزب الرابع والأربعينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌لربع الأول من الحزب الخامس والأربعينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأول من الحزب الخامس والأربعينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب الخامس والأربعينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة الصافات

- ‌الربع الثاني من الحزب الخامس والأربعينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب الخامس والأربعينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثالث من الحزب الخامس والأربعينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب الخامس والأربعينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأخير من الحزب الخامس والأربعينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب السادس والأربعينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة ص

- ‌الربع الأول من الحزب السادس والأربعينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب السادس والأربعينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثاني من الحزب السادس والأربعينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب السادس والأربعينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة الزمر

- ‌الربع الثالث من الحزب السادس والأربعينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب السادس والأربعينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأخير من الحزب السادس والأربعينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب السابع والأربعينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأول من الحزب السابع والأربعينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب السابع والأربعينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثاني من الحزب السابع والأربعينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب السابع والأربعينفي الصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة غافر

- ‌الربع الثالث من الحزب السابع والأربعينفي الصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب السابع والأربعينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأخير من الحزب السابع والأربعينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب الثامن والأربعينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأول من الحزب الثامن والأربعينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب الثامن والأربعينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة فصلت

- ‌الربع الثاني من الحزب الثامن والأربعينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب الثامن والأربعينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثالث من الحزب الثامن والأربعينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب الثامن والأربعينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأخير من الحزب الثامن والأربعينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب التاسع والأربعينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة الشورى

- ‌الربع الأول من الحزب التاسع والأربعينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب التاسع والأربعينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثاني من الحزب التاسع والأربعينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب التاسع والأربعينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثالث من الحزب التاسع والأربعينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب التاسع والأربعينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة الزخرف

- ‌الربع الأخير من الحزب التاسع والأربعينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب الخمسينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأول من الحزب الخمسينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب الخمسينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة الدخان

- ‌الربع الثاني من الحزب الخمسينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب الخمسينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة الجاثية

- ‌الربع الثالث من الحزب الخمسينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب الخمسينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأخير من الحزب الخمسينفي المصحف الكريم (ت)

الفصل: ‌الربع الأخير من الحزب الخمسينفي المصحف الكريم (ت)

‌الربع الأخير من الحزب الخمسين

في المصحف الكريم (ت)

عباد الله

في حديث هذا اليوم نتناول الربع الأخير من الحزب الخمسين في المصحف الكريم، وبدايته قوله تعالى:{قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لَا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ لِيَجْزِيَ قَوْمًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} ، ونهايته قوله تعالى في ختام "سورة الجاثيه":{وَلَهُ الْكِبْرِيَاءُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} .

ــ

يتوجه الخطاب الإلهي في مطلع هذا الربع إلى الرسول عليه السلام ليرشد السابقين من المؤمنين، الذين يتحملون معه بمكة صنوف الإذايات، وضروب الإساءات من طرف المشركين، إلى ضرورة الصبر على أذاهم، والإغضاء عن إساءتهم، ذلك أن هؤلاء المشركين الضالين جديرون في هذه المرحلة التمهيدية بالإهمال والرثاء، أكثر مما هم جديرون بالمؤاخذة والجزاء، فهم لا يزالون عمي البصائر، ضعفاء العقول، فاقدين لقوة التمييز بين الحق والباطل، محرومين من نور الإيمان، شاكين في (أيام الله)، التي لا ريب فيها ولا شك، فالأولى عدم الرد على أذاهم بمثله، وعدم التسابق معهم في مجال الإساءات

ص: 503

والمضايقات. وفي الموقف الذي يقفه المؤمنون من أذى المشركين، مساعدة لهؤلاء الحيارى على إدراك التأثير الروحي العميق، الذي أحدثه الإسلام في معتنقيه، وعلى مقارنة التهذيب الإسلامي والأخلاق الإسلامية السمحة، بما هم عليه من أخلاق (الجاهلية الأولى) وتقاليدها الصبيانية والعدوانية.

يضاف إلى ذلك أن صبر المسلمين على أذى مشركي مكة يحسب لهم عند الله من الأعمال الصالحة، التي يجزون عليها الجزاء الحسن، كما أن أذى المشركين للمؤمنين سيضاعف لهم -إن لم يؤمنوا ويتوبوا- الجزاء السيء عندما يحل موعد الجزاء، وذلك ما يشير إليه قوله تعالى:{قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لَا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ لِيَجْزِيَ قَوْمًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} .

وانتقلت الآيات الكريمة فورا للتذكير بمبدأ إسلامي أصيل، وعقيدة جوهرية من عقائده الأولى، ألا وهي أن كل فرد مسؤول عن نفسه، وأن كل فرد مجزي على عمله، وما دام الأمر هكذا فلا موجب لمغالاة المؤمن في حمل المخالف له على اعتقاد ما يعتقده هو، بوسائل الضغط والإكراه، بمعنى أن المؤمن، عندما يدعو المخالف له إلى الإيمان، ويبلغه رسالة ربه بالتي هي أحسن، يكون قد أدى واجبه كاملا غير منقوص، وليس مطالبا بأن يحمل غير المؤمن على عقيدة الإيمان كرها، فهؤلاء المشركون الذين لا يزال المسلمون يعايشونهم في مكة، قبل أن يؤذن لهم بالهجرة إلى المدينة، قد استمعوا إلى كتاب الله، ودعاهم الرسول والمؤمنون

ص: 504

معه إلى الحق المبين، وبذلك أصبحوا مسؤولين عن أنفسهم، موكولين إلى اختيارهم، وذلك ما يشير إليه قوله تعالى في هذا الربع:{مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ} ، على غرار قوله تعالى في آية ثانية (21: 52)، {كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ} .

وأعاد كتاب الله الحديث عن قصة بني إسرائيل ليضرب بهم المثل للمؤمنين، حتى لا يسلكوا مسلكهم ولا يتعرضوا للعزل عن خلافة الله في الأرض، التي أراد أن يُعدهم لها بخاتم كتبه، على يد خاتم أنبيائه ورسله، فقد مر بنو إسرائيل بفترة اختارهم الله فيها من بين جميع معاصريهم لحمل الرسالة الإلهية التي جاء بها موسى عليه السلام، وفي ذلك الطور آتاهم الله الكتاب والحكم، والنبوءة والعلم، ثم تبع هذا الطور طور آخر من الخلاف والانحراف، والعناد والفساد، والطغيان والعدوان، فبعث الله عيسى بن مريم، إذ (أنعم عليه وجعله مثلا لبني إسرائيل)، وذلك ليبين لهم بعض الذي اختلفوا فيه، ويردهم إلى حظيرة الاستقامة، وطريق السلامة، وبدلا من أن يستجيبوا لدعوته، كانوا حربا عليه وعليها، فنزع الله عن بني إسرائيل أهلية الخلافة وشرف النبوة، واقتضت الحكمة الإلهية تكليف فرع آخر من عقب إبراهيم الخليل وابنه إسماعيل الذبيح، عليهما السلام، بحمل الرسالة، وأداء الأمانة، وتجديد الدين الحق، بين الخلق، والخلافة عن الله في الأرض، على أساس ملة إبراهيم، وكان ذلك على يد سيدنا محمد بن عبد الله صلوات الله وسلامه عليه، وفي هذا السياق

ص: 505

يقول الله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ} ، أي: فضلناهم على معاصريهم وأهل زمانهم، {وَآتَيْنَاهُمْ بَيِّنَاتٍ مِنَ الْأَمْرِ} ، أي: حججا بينة وبراهين قاطعة، من الشريعة التي جاء بها موسى، {فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ} ، أي: أنهم من بعد قيام الحجج الثابتة بالوحي اختلفوا فيما بينهم، وحرفوا الكلم عن مواضعه، {بَغْيًا بَيْنَهُمْ} ، أي: حسدا من بعضهم لبعض، وبغيا من بعضهم على بعض، اتباعا للأهواء والأغراض والشهوات.

وعقب كتاب الله على الخلافات التي قامت بين بني إسرائيل ففرقت جمعهم، وأدت إلى نزع صولجان الخلافة عن الله من بين أيديهم، وإخراج النبوة نهائيا من سلالتهم، فخاطب الرسول عليه السلام قائلا:{إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} ، كأن الحق سبحانه وتعالى يشير إلى أن الخلافات التي نشأت بين بني إسرائيل فيما بينهم، وبين بقية الملل والأديان، أصبحت خلافات مزمنة لا سبيل إلى علاجها، بل إنها سترافقهم على مر الزمان إلى اليوم الموعود، وهذه الحقيقة ماثلة للعيان، منذ نزل القرآن، إلى الآن وحتى الآن.

غير أن كتاب الله - وهذا هو الغرض المقصود من الحديث عن بني إسرائيل، ووصف ما تعرضوا له في حالتي الرضى والغضب من جانب الله -وجه الخطاب إلى خاتم الأنبياء والرسل،

ص: 506

وعن طريقه وجه الخطاب إلى كافة المؤمنين، داعيا له ولهم إلى وجوب التمسك بشرعة الإسلام التي حلت محل الشرائع السابقة، وإلى ضرورة اتباعها وعدم الخروج عنها، والحذر من الوقوع في شبكات الأهواء المفرقة، والاختلافات الممزقة، إذ إن أصحاب الأهواء ودعاة الفرقة الذين يدعون لأهوائهم، ويستدرجون إليها أهل الحق، لا يستطيعون أن يردوا غضب الله، عمن حاد عن شريعة الله، وتعدى حدود الله، وهم أعجز من أن يبقوا على عرش الخلافة عن الله، من خان الأمانة وأشهر الحرب على الله، وذلك معنى قوله تعالى:{ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ * إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا} ، ويؤكد كتاب الله هذا المعنى لافتا نظر الرسول عليه السلام إلى حال أهل الكتاب، الذين اتبعوا أهواءهم من بعدما جاءهم من العلم، وما هم عليه من تناقض وتخاذل وحيرة وارتباك، وذلك قوله تعالى:{أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ} .

ومما ينبغي الانتباه إليه في هذا المقام كلمة (الأمر)، التي تكررت في هذا الموضوع، ولأمر ما كان هذا التكرار والربط في نفس السياق، ففي الحديث عن بني إسرائيل سبق قوله تعالى هنا:{وَآتَيْنَاهُمْ بَيِّنَاتٍ مِنَ الْأَمْرِ} ، وفي الخطاب للرسول عليه السلام ورد قوله تعالى هنا:{ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ} ، وكلاهما ينظر إلى قوله تعالى في سورة الأعراف (54):

ص: 507

{أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} ، مما يوضح أن الله تعالى كما انفرد بخلق الإنسان وجميع الأكوان، فهو وحده الذي له حق (الحاكمية) على الإنسان، إذ هو سبحانه المنفرد بعلم حقيقته ووجوه نقصه في كل زمان ومكان، وإلى كتاب الله ومزاياه يشير قوله تعالى:{هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} .

ومضى كتاب الله في المقارنة بين الصالحين والفاسقين، وما هنالك من فوارق أساسية وجوهرية بين الفريقين في الحياة وبعد الممات، فقال تعالى:{أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} .

ويصف كتاب الله عقيدة (الدهريين) الباطلة ومن لف لفهم فيقول: {وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ} ، ويبطل كتاب الله عقيدتهم بحجج الفطرة القاطعة، وشواهد التجربة الناطقة، مؤكدا مرة أخرى أنه سيجمع خلقه يوم الجمع ليفصل بينهم، {ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ} .

ويتحدث كتاب الله عن اليوم الموعود، واجتماع كافة الأمم فيه أمام خالقها وهي (جاثية) على ركبها، وعن دعوة كل أمة منها إلى كتابها، إذ إن (العهد) بين الله وبينها هو ما أنزله إليها من كتبه، وما أرسله إليها من رسله، {لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} (165: 4)، (ودعوة كل أمة إلى كتابها)

ص: 508

تقتضي محاسبتها من الله حسابا عسيرا على ما فعلت بالكتاب الذي أنزل إليها، هل اتبعته ووفت بما عاهدت الله عليه، أم اتخذت كتابها مهجورا، ونبذته وراء ظهرها، وذلك قوله تعالى:{وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ * هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ * فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ * وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا أَفَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاسْتَكْبَرْتُمْ وَكُنْتُمْ قَوْمًا مُجْرِمِينَ} ، وقوله تعالى:{وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنْسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ} .

وخُتِمت هذه السورة بشكر الله على آثار نعمته وجماله والخشوع والخضوع أمام عظمته وجلاله، إذ قال تعالى:{فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * وَلَهُ الْكِبْرِيَاءُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} .

ص: 509