المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الربع الثالث من الحزب الخمسينفي المصحف الكريم (ت) - التيسير في أحاديث التفسير - جـ ٥

[محمد المكي الناصري]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الخامس

- ‌الربع الأول من الحزب الواحد والأربعينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة الروم

- ‌الربع الأول من الحزب الواحد والأربعينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب الواحد والأربعينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثاني من الحزب الواحد والأربعينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب الواحد والأربعينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثالث من الحزب الواحد والأربعينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب الواحد والأربعينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة لقمان

- ‌الربع الأخير من الحزب الواحد والأربعينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب الثاني والأربعينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة السجدة

- ‌الربع الأول من الحزب الثاني والأربعينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب الثاني والأربعينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثاني من الحزب الثاني والأربعينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب الثاني والربعينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة الأحزاب

- ‌الربع الثالث من الحزب الثاني والربعينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب الثاني والأربعينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأخير من الحزب الثاني والأربعينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب الثالث والأربعينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأول من الحزب الثالث والأربعينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب الثالث والأربعينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثاني من الحزب الثالث والأربعينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب الثالث والأربعينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة سبأ

- ‌الربع الثالث من الحزب الثالث والأربعينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب الثالث والأربعينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأخير من الحزب الثالث والأربعينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب الرابع والأربعينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأول من الحزب الرابع والأربعينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب الرابع والأربعينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة فاطر

- ‌الربع الثاني من الحزب الرابع والأربعينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الثمن الأول من الربع الثالث في الحزب الرابع والأربعينمن المصحف الكريم (ق)

- ‌الثمن الأول من الربع الثالث في الحزب الرابع والأربعينمن المصحف الكريم (ت)

- ‌الثمن الثاني من الربع الثالث في الحزب الرابع والأربعينمن المصحف الكريم (ق)

- ‌الثمن الثاني من الربع الثالث في الحزب الرابع والأربعينمن المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب الرابع والأربعينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة يس

- ‌الربع الأخير من الحزب الرابع والأربعينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌لربع الأول من الحزب الخامس والأربعينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأول من الحزب الخامس والأربعينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب الخامس والأربعينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة الصافات

- ‌الربع الثاني من الحزب الخامس والأربعينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب الخامس والأربعينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثالث من الحزب الخامس والأربعينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب الخامس والأربعينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأخير من الحزب الخامس والأربعينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب السادس والأربعينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة ص

- ‌الربع الأول من الحزب السادس والأربعينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب السادس والأربعينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثاني من الحزب السادس والأربعينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب السادس والأربعينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة الزمر

- ‌الربع الثالث من الحزب السادس والأربعينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب السادس والأربعينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأخير من الحزب السادس والأربعينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب السابع والأربعينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأول من الحزب السابع والأربعينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب السابع والأربعينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثاني من الحزب السابع والأربعينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب السابع والأربعينفي الصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة غافر

- ‌الربع الثالث من الحزب السابع والأربعينفي الصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب السابع والأربعينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأخير من الحزب السابع والأربعينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب الثامن والأربعينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأول من الحزب الثامن والأربعينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب الثامن والأربعينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة فصلت

- ‌الربع الثاني من الحزب الثامن والأربعينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب الثامن والأربعينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثالث من الحزب الثامن والأربعينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب الثامن والأربعينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأخير من الحزب الثامن والأربعينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب التاسع والأربعينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة الشورى

- ‌الربع الأول من الحزب التاسع والأربعينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب التاسع والأربعينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثاني من الحزب التاسع والأربعينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب التاسع والأربعينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثالث من الحزب التاسع والأربعينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب التاسع والأربعينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة الزخرف

- ‌الربع الأخير من الحزب التاسع والأربعينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب الخمسينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأول من الحزب الخمسينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب الخمسينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة الدخان

- ‌الربع الثاني من الحزب الخمسينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب الخمسينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة الجاثية

- ‌الربع الثالث من الحزب الخمسينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب الخمسينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأخير من الحزب الخمسينفي المصحف الكريم (ت)

الفصل: ‌الربع الثالث من الحزب الخمسينفي المصحف الكريم (ت)

‌الربع الثالث من الحزب الخمسين

في المصحف الكريم (ت)

عباد الله

موضوع حديث اليوم تفسير الربع الثالث من الحزب الخمسين في المصحف الكريم، ابتداء من قوله تعالى في "سورة الدخان" المكية:{كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ * وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ} ، إلى قوله جل علاه في "سورة الجاثية" المكية أيضا:{وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} .

ــ

في بداية هذا الربع يضرب الله الأمثال لمشركي قريش بما وقع للأمم السابقة من قبلهم، فيتحدث كتاب الله عن الكارثة التي نزلت بفرعون وقومه، جزاء تحديه للرسالة الإلهية التي برزت على يد موسى الكليم، ومحاربته لها مع الملأ من قومه بجميع وسائل التمويه والتهريج والتعذيب، ومجاراة عامة قومه له ضد الحق المبين، {فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ} (54: 43). وقد نعى كتاب الله ما خلفوه وراءهم من بساتين ناضرة، وزروع مثمرة، ومياه جارية، وقصور عالية: {كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ * وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا

ص: 493

فَاكِهِينَ * كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ}.

وبين كتاب الله هوان فرعون وقومه على الله وعلى الناس أجمعين، حتى أنه لم يأبه أحد لنكبتهم، ولم تبك عين على ما أصابهم فجأة من العقاب والعذاب، إذ لم يتركوا وراءهم أي عمل صالح، أو ذكرى طيبة يذكرهم بها أهل الأرض أو أهل السماء:{فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ} ، قال قتادة:(كانوا أهون على الله عز وجل من أن تبكي عليهم السماء والأرض)، وقد سئل أحد أئمة التفسير الأولين:(أتبكي الأرض والسماء؟ فقال: أتعجب؟ وما للأرض لا تبكي على عبد كان يعمرها بالركوع والسجود؟ وما للسماء لا تبكي على عبد كان لتكبيره وتسبيحه فيها دوي كدوي النحل؟).

وأشارت نفس الآيات الكريمة إلى بعض الأسباب التي أوجبت غضب الله على فرعون وقومه، فهذا عذاب مهين كان يعذب به الذين آمنوا بموسى من بني إسرائيل، ظلما وعدوانا، وهذا إسراف بالغ كان لا يفتر عنه في اللذات والشهوات، وهذا استعلاء وكبرياء كان يتحدى بهما قدرة الله المطلقة، وسطوته البالغة، {إِنَّهُ كَانَ عَالِيًا مِنَ الْمُسْرِفِينَ} ، {إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ} (4: 28).

وتناولت الآيات في هذا السياق ما يدخره الحق سبحانه وتعالى للمعذبين في الأرض المغلوبين على أمرهم، من النجاة والفوز والنصر، في نهاية الأمر، وهذا تثبيت للمسلمين الأول،

ص: 494

الذين كانوا يتحملون من مشركي مكة أنواع الأذى وصنوف الإساءات، فتحدث كتاب الله ضاربا لهم المثل بنجاة بني إسرائيل من عذاب فرعون، وخروجهم من قبضته، واختيارهم على غيرهم من أهل زمانهم لحمل الأمانة، بقيادة موسى الكليم عليه السلام، إذ إنهم كانوا وقتئذ أفضل معاصريهم وأولاهم بحمل الأمانة، رغما عما يعلمه الحق سبحانه وتعالى فيهم من وجوه النقص المتعددة، التي كان يعالجها بالتهذيب والتشذيب موسى وأخوه هارون ومن جاء بعدهما، وذلك قوله تعالى:{وَلَقَدْ نَجَّيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنَ الْعَذَابِ الْمُهِينِ} ، وقوله تعالى:{وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ * وَآتَيْنَاهُمْ مِنَ الْآيَاتِ مَا فِيهِ بَلَاءٌ مُبِينٌ} ، أي: آتيناهم من الحجج والبراهين وخوارق العادات ما فيه اختيار ظاهر، وامتحان جلي، لمن اهتدى به وكان من المهتدين.

وبعدما تحدث كتاب الله عن إنكار مشركي قريش لعقيدة (البعث) الأساسية في الدين، وعن ادعائهم أنه لا نشر ولا بعث بعد الموت، وعن مطالبتهم للرسول عليه السلام ببعث آبائهم من القبور فورا، وإرجاعهم إلى الحياة الدنيا، حتى يذعنوا ويؤمنوا بالبعث المنتظر يوم القيامة، تساءل كتاب الله هل مشركو قريش خير عند الله من قوم (تبع) الذين أهلكهم وأهلك من قبلهم بشركهم وإجرامهم، وكأنه يقول: إن المصير الذي انتهى إليه قوم تبع، ومن ماثلهم من الأقوام المنحرفة عن الحق، سيكون هو نفس المصير الذي يؤول إليه أمر مشركي قريش، وذلك قوله تعالى مشيرا إليهم: {إِنَّ هَؤُلَاءِ لَيَقُولُونَ * إِنْ هِيَ إِلَّا مَوْتَتُنَا

ص: 495

الْأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُنْشَرِينَ * فَأْتُوا بِآبَائِنَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ أَهْلَكْنَاهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ}.

وفي تفسير ابن كثير: (إن قوم تبع هم (سبأ) أهلكهم الله فخرب بلادهم، وشردهم، ومزقهم كل ممزق، وقد كانوا عربا من قحطان، كما أن هؤلاء المشركين عرب من عدنان، وقد كانت حمير- وهم سبأ- كلما ملك فيهم رجل سموه (تبعا) كما كان يقال (كسرى) لمن ملك الفرس، و (قيصر) لمن ملك الروم، و (فرعون) لمن ملك مصر، و (النجاشي) لمن ملك الحبشة، وغير ذلك من أعلام الأجناس)، قال قتادة: " ذكر لنا أن كعبا كان يقول في تبع: إنه نُعت نعت الرجل الصالح، فقد ذم الله تعالى قومه، ولم يذمه، قال: وكانت عائشة رضي الله عنها تقول: (لا تسبوا تبعا فإنه قد كان رجلا صالحا)، ثم قال ابن كثير:(وحج تبع البيت الحرام في زمن الجرهميين، وكساه الملاء والوصائل من الحرير والحبير، ونحر عنده ستة آلاف بدنة، وعظمه وأكرمه، ثم عاد إلى اليمن وقد ساق قصته بطولها الحافظ ابن عساكر من طرق متعددة).

وانتقل كتاب الله إلى تأكيد حقيقة إسلامية طالما قررها وأكدها لترسخ في الأذهان، ألا وهي أن الله تعالى لم يخلق هذا الكون عبثا ولا لعبا، وإنما خلقه لحكمة سامية اقتضت خلقه، ولأمر عظيم أراده من وراء إبداعه، وهذه الحكمة السامية وهذا الأمر العظيم ينبغي أن يحاول الإنسان فهمهما، والإلمام بهما، إذ

ص: 496

عن طريق هذا الفهم وهذا الإيمان يدرك الإنسان ما لخالق الكون من جلال وجمال بارزين في خلقه، ويدرك السر الذي اقتضى خلق الإنسان، وترشيحه للخلافة عن الله في هذا الكون، فمن لم يعرف الغاية من خلق الكون عموما لم يدرك الغاية التي من أجلها خلق الإنسان، الذي هو جزء لا يتجزأ من هذا الكون، وذلك ما يشير إليه قوله تعالى:{وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ * مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ * إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقَاتُهُمْ أَجْمَعِينَ} ، على غرار قوله تعالى (27: 38): {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ} ، وقوله تعالى (115: 23): {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ} .

ومضى كتاب الله يصف أهوال الجحيم، التي تنتظر أعداء الحق من المشركين والكافرين، كما يصف مسرات دار النعيم، التي تنتظر أهل الحق من المؤمنين المتقين، {لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ * فَضْلًا مِنْ رَبِّكَ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} .

وها هنا ننتهي من (سورة الدخان) المكية لننتقل إلى سورة (الجاثية) المكية أيضا، وإنما أطلق عليها هذا الاسم، أخذا من قوله تعالى فيها:{وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً} ، وفي مطلعها نجد أنفسنا أمام حديث مستأنف عن القرآن الكريم، والتنويه بمقامه العظيم: {بسم الله الرحمن الرحيم حم * تَنْزِيلُ الْكِتَابِ

ص: 497

مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ}، ثم تشرع السورة في تعداد آيات الله المبثوثة في آفاق الكون الواسعة، وتعداد آيات الله الناطقة في كل إنسان إنسان وحيوان حيوان، وآيات الله البارزة في الظواهر الكونية، التي تتعاقب وتتوالى دون انقطاع وفي كل وقت، مما يحمل على الإذعان لقدرة الله وحكمته، ويقوي اليقين بعدله ورحمته، ويدفع إلى التطوع بعبادته وطاعته، نتيجة لاهتداء العقل إلى معرفته، وذلك قوله تعالى:{إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ * وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِنْ دَابَّةٍ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ * وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} ، وقد أحسن جار الله الزمخشري في تفسير هذه الآيات حيث قال: (المعنى أن المنصفين من العباد إذا نظروا في السماوات والأرض النظر الصحيح علموا أنها مصنوعة، وأنه لا بد لها من صانع، فآمنوا بالله وأقروا، {لَآيَاتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ} ، فإذا نظروا في خلق أنفسهم وتنقلها من حال إلى حال، وهيئة إلى هيئة، وفي خلق ما على ظهر الأرض من صنوف الحيوان ازدادوا إيمانا، وأيقنوا وانتفى عنهم اللبس {آيَاتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} ، فإذا نظروا في سائر الحوادث التي تتجدد في كل وقت، كاختلاف الليل والنهار، ونزول الأمطار، وحياة الأرض بها بعد موتها، وتصريف الرياح جنوبا وشمالا، وقبولا ودبورا، عقلوا، واستحكم علمهم، وخلص يقينهم {آيَاتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} وحلل ابن كثير قوله تعالى:{وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ} ، فقال: أي جنوبا وشمالا، ودبورا وصبا، برية وبحرية، ليلية ونهارية، ومنها ما هو

ص: 498

للمطر، ومنها ما هو للقاح، ومنها ما هو غذاء للأرواح، ومنها ما هو عقيم لا ينتج، وسمي المطر في هذه الآية (رزقا)، لأن به يحصل الرزق، ونبه إلى السر في قوله تعالى أولا:{لَآيَاتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ} ، وقوله ثانيا:{لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} ، وقوله ثالثا:{لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} ، وأن ذلك ترق من حال شريف إلى ما هو أشرف منه وأعلى. وقال القشيري يجعل الله العلوم الدينية كسبيةً مصححة بالدلائل، محققة بالشواهد، فمن لم يستبصر بها زلت قدمه عن الصراط المستقيم).

وهذه الآيات الكريمة شبيهة بآية سورة البقرة (164): وهي قوله تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} .

وخُتِم هذا الربع بآية جامعة مانعة في هذا المجال، هي نقطة الانطلاق ومحور التفكير في الحال والمآل، فقال تعالى:{وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} .

ص: 499