المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الربع الأخير من الحزب الخامس والأربعينفي المصحف الكريم (ت) - التيسير في أحاديث التفسير - جـ ٥

[محمد المكي الناصري]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الخامس

- ‌الربع الأول من الحزب الواحد والأربعينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة الروم

- ‌الربع الأول من الحزب الواحد والأربعينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب الواحد والأربعينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثاني من الحزب الواحد والأربعينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب الواحد والأربعينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثالث من الحزب الواحد والأربعينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب الواحد والأربعينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة لقمان

- ‌الربع الأخير من الحزب الواحد والأربعينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب الثاني والأربعينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة السجدة

- ‌الربع الأول من الحزب الثاني والأربعينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب الثاني والأربعينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثاني من الحزب الثاني والأربعينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب الثاني والربعينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة الأحزاب

- ‌الربع الثالث من الحزب الثاني والربعينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب الثاني والأربعينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأخير من الحزب الثاني والأربعينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب الثالث والأربعينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأول من الحزب الثالث والأربعينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب الثالث والأربعينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثاني من الحزب الثالث والأربعينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب الثالث والأربعينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة سبأ

- ‌الربع الثالث من الحزب الثالث والأربعينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب الثالث والأربعينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأخير من الحزب الثالث والأربعينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب الرابع والأربعينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأول من الحزب الرابع والأربعينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب الرابع والأربعينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة فاطر

- ‌الربع الثاني من الحزب الرابع والأربعينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الثمن الأول من الربع الثالث في الحزب الرابع والأربعينمن المصحف الكريم (ق)

- ‌الثمن الأول من الربع الثالث في الحزب الرابع والأربعينمن المصحف الكريم (ت)

- ‌الثمن الثاني من الربع الثالث في الحزب الرابع والأربعينمن المصحف الكريم (ق)

- ‌الثمن الثاني من الربع الثالث في الحزب الرابع والأربعينمن المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب الرابع والأربعينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة يس

- ‌الربع الأخير من الحزب الرابع والأربعينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌لربع الأول من الحزب الخامس والأربعينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأول من الحزب الخامس والأربعينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب الخامس والأربعينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة الصافات

- ‌الربع الثاني من الحزب الخامس والأربعينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب الخامس والأربعينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثالث من الحزب الخامس والأربعينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب الخامس والأربعينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأخير من الحزب الخامس والأربعينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب السادس والأربعينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة ص

- ‌الربع الأول من الحزب السادس والأربعينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب السادس والأربعينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثاني من الحزب السادس والأربعينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب السادس والأربعينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة الزمر

- ‌الربع الثالث من الحزب السادس والأربعينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب السادس والأربعينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأخير من الحزب السادس والأربعينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب السابع والأربعينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأول من الحزب السابع والأربعينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب السابع والأربعينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثاني من الحزب السابع والأربعينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب السابع والأربعينفي الصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة غافر

- ‌الربع الثالث من الحزب السابع والأربعينفي الصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب السابع والأربعينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأخير من الحزب السابع والأربعينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب الثامن والأربعينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأول من الحزب الثامن والأربعينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب الثامن والأربعينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة فصلت

- ‌الربع الثاني من الحزب الثامن والأربعينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب الثامن والأربعينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثالث من الحزب الثامن والأربعينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب الثامن والأربعينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأخير من الحزب الثامن والأربعينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب التاسع والأربعينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة الشورى

- ‌الربع الأول من الحزب التاسع والأربعينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب التاسع والأربعينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثاني من الحزب التاسع والأربعينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب التاسع والأربعينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الثالث من الحزب التاسع والأربعينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب التاسع والأربعينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة الزخرف

- ‌الربع الأخير من الحزب التاسع والأربعينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأول من الحزب الخمسينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأول من الحزب الخمسينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثاني من الحزب الخمسينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة الدخان

- ‌الربع الثاني من الحزب الخمسينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الثالث من الحزب الخمسينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌ سورة الجاثية

- ‌الربع الثالث من الحزب الخمسينفي المصحف الكريم (ت)

- ‌الربع الأخير من الحزب الخمسينفي المصحف الكريم (ق)

- ‌الربع الأخير من الحزب الخمسينفي المصحف الكريم (ت)

الفصل: ‌الربع الأخير من الحزب الخامس والأربعينفي المصحف الكريم (ت)

‌الربع الأخير من الحزب الخامس والأربعين

في المصحف الكريم (ت)

عباد الله

في حصة هذا اليوم نتناول الربع الأخير من الحزب الخامس والأربعين في المصحف الكريم، ابتداء من قوله تعالى:{وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ * إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} ، إلي قوله تعالى عن يونس:{فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} .

ــ

بعدما أوجز كتاب الله الحديث عن نوح عليه السلام في الآيات الثمان الأخيرة من الربع الماضي واصل الحديث في بقية هذه السورة عن إبراهيم الخليل عليه السلام، ثم عن موسى وهارون، ثم عن إلياس، ثم عن لوط، ثم عن يونس، عليهم سلام الله جميعا، لكن قصة إبراهيم أخذت من هذه السورة الحظ الأوفر بالنسبة إلى قصص الأنبياء الآخرين، فقد استغرقت وحدها إحدى وثلاثين آية، أي: مجموع الثمن الأول من هذا الربع بأكمله، والحديث عن إبراهيم الخليل في كتاب الله وارد في خمس وعشرين سورة من سور القرآن الكريم، من بينها سورة إبراهيم وسورة الأنبياء، وفي سورة الأنبياء السابقة استغرقت قصته ثلاثا وعشرين آية.

ص: 303

يقول الله تعالى في بداية هذا الربع، عقب الانتهاء من قصة نوح مباشرة:{وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ} ، أي: أن إبراهيم كان في الدعوة إلى توحيد الله وطاعته، والتفاني في نشر دينه وإعلاء كلمته، على منهاج نوح وسنته.

وقوله تعالى: {إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} ، معناه أن إبراهيم أقبل على ربه بكل قلبه، بحيث لا يشغله عنه شيء سواء، فقلبه خال من الشرك، خال من الشك، نقي من جميع الآفات التي تعترى القلوب. وسبق في سورة الشعراء، في ختام مجموعة من الأدعية الإبراهيمية، التي كان يدعو بها إبراهيم ربه، دعاؤه الذي يقول فيه (79):{وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ * يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} ، فتقبل الله دعاءه، وحقق في الدنيا قبل الآخرة رجاءه.

وقوله تعالى: {إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَاذَا تَعْبُدُونَ * أَئِفْكًا آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ} ، إشارة إلى ما قام به إبراهيم من دعوة أبيه وقومه إلى عبادة الله وتوحيده، بدلا من عبادة الأصنام التي يزعمون أنها آلهة، مع أن هذا الزعم لا يعتمد على حجة، ولا يستند إلى برهان، وإنما هم مجرد إفك وبهتان، وهذه الآية هنا على غرار قوله تعالى فيما سبق من سورة الأنعام (74):{وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} ، والسؤال الوارد هنا في قوله:{مَاذَا تَعْبُدُونَ} ؟ سؤال من إبراهيم، يتضمن الإنكار والاستنكار، لما عليه قومه من ضلال في العقائد والأفكار، وكلمة (الافك) تطلق على أسوأ أنواع

ص: 304

الكذب، وهو الكذب الذي لا يثبت، ويضطرب صاحبه، ولا يعني ذلك أن في الكذب ما هو أحسن أو مستحسن.

وقوله تعالى على لسان إبراهيم وهو يخاطب قومه: {فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ} ؟ يؤدي معنيين بإثنين:

- المعنى الأول تذكيرهم بأن الله " رب العالمين "، هو وحده الذي يستحق العبادة من الناس أجمعين، لا هذه الأصنام التي يسخر من عبادتها العقل والدين.

- والمعنى الثاني تحذيرهم من لقاء الله وهم به مشركون، والوقوف بين يديه وهم لغيره عابدون، إذ بأي وجه يلاقونه، وبأي لسان يخاطبونه.

وقوله تعالى: {فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ} ، إشارة في منتهى الإيجاز إلى ما حكاه كتاب الله عن إبراهيم في سورة الأنعام بتفصيل، حيث قال تعالى (79: 75): {وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ * فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ * فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ * فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ * إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} ، فقد كان أبوه وقومه يعبدون الأصنام والكواكب، والشمس والقمر، فأراد أن ينبههم على الخطأ

ص: 305

في معتقداتهم، وأن يرشدهم إلى طريق النظر والاستدلال، ويعرفهم بأن النظر الصحيح لا يقبل أن شيء من تلك المعبودات إلها، ولا يتردد في الإيمان بأن وراء تلك الكواكب مدبرا دبر طلوعها وأفولها، وانتقالها ومسيرها، وسائر أحوالها.

وقوله تعالى على لسان إبراهيم: {فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ} ، أوهم به إبراهيم قومه أنه أصيب بسقم ومرض، ولعلهم فهموا أن مرضه من أمراض الجسم المعدية، {فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ} ، أي: أدبروا عنه وتركوه وحيدا فريدا، فرارا مما تخيلوه من العدوى، لكن إبراهيم لم يكن سقيما بالمعنى الذي فهموه، وإنما كان سقيما بمعنى آخر، فهو يريد أن يعتزلهم ويختلي بنفسه، ليتمكن من تنفيذ مخططه في الهجوم على أصنامهم والتمثيل بها، وبذلك يزول سقمه، إذ إن الضمير الحي للمؤمن الحق لا يستريح إلا بتغيير المنكر والقضاء عليه، ولاسيما إذا كان في درجة إبراهيم ومقامه العظيم الذي بلغ القمة، {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً} (120: 16)، وإذن فقول إبراهيم:{إِنِّي سَقِيمٌ} لا يندرج تحت معنى " الكذب "، وإنما هو من جملة " المعاريض " التي تستعمل لتحقيق مقصد شرعي مقبول، وثبت في الحديث الشريف:" إن في المعاريض لمندوحة عن الكذب "، وما ورد في بعض الأحاديث من إطلاق لفظ " الكذب " على مثل هذا القول وغيره من مقالات إبراهيم المأثورة إنما مجرد " تجوز " في التعبير، وليس المراد به الكذب المنهي عنه شرعا، والمستهجن طبعا، فالأنبياء والرسل- وفي طليعتهم إبراهيم خليل الله- معصومون من جميع

ص: 306

النقائص، والكذب من أشنع النقائص وأبغضها إلى الله والناس.

ثم قال تعالى: {فَرَاغَ إِلَى آلِهَتِهِمْ فَقَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ * مَا لَكُمْ لَا تَنْطِقُونَ} ، هذا وصف موجز لما قام به إبراهيم في غيبة قومه، بعد أن خلا بنفسه وبقي وحده في معبدهم، فقد وجد أمام الأصنام التي يزعمون أنها آلهة طعاما أحضروه خصيصا للمعبد، تقربا إلى الأصنام، وتبركا بها، فلم يسعه إلا أن يخاطب الأصنام التي هي جماد مخاطبة العقلاء، إمعانا منه في السخرية بها والاستهزاء، وذلك قوله مخاطبا لأصنامهم:{أَلَا تَأْكُلُونَ * مَا لَكُمْ لَا تَنْطِقُونَ} ؟ وفي هذه الخلوة الفريدة من نوعها سنحت له الفرصة التي كان ينتظرها ليتحدى ضلال قومه، ويكشف سفاهة رأيهم وسخافة معتقداتهم، فانهال بيمينه على أصنامهم يضربها ويحطمها، حتى تناثرت أشلاؤها بالهدم والتدمير، ولم يترك منها - لحكمة ستظهر من بعد- إلا الصنم الكبير، وذلك ما يشير إليه قوله تعالى في نفس السياق:{فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ} ، وإنما خص الضرب {بِالْيَمِينِ} لأنها أقوى والضرب بها أشد، وسبق قوله تعالى في سورة الأنبياء (58):{وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ * فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا} ، أي: فتاتا، {إِلَّا كَبِيرًا لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ} ، ومعنى " راغ " مال سرا وذهب في خفية، والمصدر روغ وروغان كما يقال:" روغان الثعلب ".

ثم قال تعالى: {فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ * قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ} ، هذا بيان لما أصاب قوم إبراهيم من هول المفاجأة،

ص: 307

إذ بمجرد ما بلغتهم أصداء ذلك الحدث الخطير هبوا مسرعين إلى معبدهم للدفاع عن أصنامهم، ولما واجهوا هذا العمل بالاستنكار واجههم إبراهيم بالحق الصراح الذي ليس عليه غبار، فأخذ يسأل ويتساءل هل من المعقول أن يعبد الإنسان الصنم الذي ينحته بيده من الحجر، ولا يعبد الله الذي خلق البشر، وخلق ما يعمله كل من صنع ومهر، واخترع وابتكر، إذ لولا المواهب والملكات التي وهبها الله للإنسان، والمواد الخام التي سخرها له، لما كان أي شيء من ذلك في حيز الإمكان:{وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} ، وروى البخاري في صحيحه من حديث حذيفة مرفوعا:(إن الله تعالى يصنع كل صانع وصنعته).

وأجمل كتاب الله في هذه السورة ما قام به قوم إبراهيم من " تحقيق " في هذه الحادثة التي أثارت غضبهم، وهيجت تعصبهم، وما آل إليه " التحقيق " من محاكمة علنية أصدروا الحكم في إثرها بإعدام إبراهيم حرقا، بدلا من إعدامه شنقا، مبالغة في العقاب والتعذيب، لكي لا يتجرأ أحد بعده على سلوك مسلكه الشاذ والغريب، وذلك ما يشير إليه قوله تعالى هنا:{قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَانًا فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ} ، أي: في النار الموقدة، لكن الله تعالى لم يحقق حلمهم، ونقض حكمهم:{فَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَسْفَلِينَ} ، وسبق في سورة الأنبياء عرض هذا الجانب وغيره من قصة إبراهيم بتفصيل أكثر، ابتداء من الآية الواحدة والخمسين حيث قال تعالى:{وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ} ، إلى قوله تعالى في نفس السياق: {قَالُوا

ص: 308

حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ *) قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ * وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ}.

وبعد أن نصر الله خليله إبراهيم على قومه بأعظم أنواع النصرة، {وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا} (40: 9)، فكر إبراهيم عليه السلام في اعتزال قومه والهجرة من ديارهم، ليأسه من صلاح حالهم، فتوكل على الله، {وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي} ، أي: ذاهب إلى مكان آمن أتمكن فيه من عبادة الله، وموطن صالح للدعوة أواصل فيه الدعوة إلى توحيد الله، ابتغاء مرضاة الله، قال القرطبي:" هذه الآية أصل في الهجرة والعزلة، وأول من فعل ذلك إبراهيم عليه السلام " ولثقة إبراهيم بهداية الله إياه، في الحل والترحال، وتوفيق خطواته في الحال والمآل، عقب على ذلك بقوله:{سَيَهْدِينِ} ، إيمانا منه بأن هداية الله له حاصلة لا محالة، واقتداء بهذه المقالة التي قالها إبراهيم عليه السلام قال موسى عليه السلام أيضا:{عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ} (22: 28)، وقال:{إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ} (62: 26).

وليطمئن إبراهيم على انتشار دعوته واستمرارها تمنى على الله أن يرزقه خلفا صالحا يحمل الدعوة من ذريته، فالتجأ إلى الله يقول:{رب هب لي من الصالحين (100)} ، ولفظ " الهبة " يستعمله القرآن في الولد والأخ، لكن يغلب استعماله في الولد، كما ورد في هذه الآية، ومن استعماله في الأخ قوله تعالى (53: 19): {وَوَهَبْنَا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيًّا} .

ص: 309

وتعليقا على دعاء إبراهيم: {رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ} ، قال فخر الدين الرازي:" اعلم أن الصلاح أفضل الصفات، بدليل أن الخليل عليه السلام طلب الصلاح لنفسه فقال: {رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ} (83: 26)، وطلبه للولد فقال: {هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ}، وطلب سليمان الصلاح بعد كمال درجته في الدين والدنيا فقال: {وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ} (27: 19)، وذلك يدل على أن الصلاح أشرف مقامات العباد ".

وكم كانت البشرى باستجابة دعاء إبراهيم سريعة معجلة، فضلا من الله وكرما، حيث قال تعالى:{فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ} ، وكلمة {غُلَامٍ} ، تفيد أن المولود المتمنى على الله سيكون ذكرا، وأنه سيتجاوز مرحلة الطفولة ويبلغ الحلم، وكلمة {حَلِيمٍ} ، تدل على أنه سيلقى من الابتلاء ما يحتاج إلى الحلم في تحمله، وبذلك يكون حليما مثل أبيه، {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ} ، (75: 11) والوصف " بالحلم " يشعر بأن الغلام المبشر به في هذا المقام هو إسماعيل لا إسحاق، لأن الوصف بالحلم أنسب به أكثر من أخيه، وأي حلم أعظم من حلمه حين عرض عليه أبوه الذبح فقال:{سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ} .

ومن الحديث عن تبشير الله لإبراهيم {بِغُلَامٍ حَلِيمٍ} ، انتقل كتاب الله فجأة إلى عرض الملحمة الكبرى التي ابتلى الله فيها هذا الغلام، ووالده " الإمام " فكانت مناسبة لامتحان مبلغ ما

ص: 310

عند الوالد والولد من " حلم " عظيم، وفرصة لإبراز مالهما عند الله من مقام كريم، وذلك قوله تعالى:{فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ * فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ * وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ * وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} .

ذلك أن إبراهيم وابنه لما علما أن رؤيا الأنبياء من وحي الله، واستسلما لقضاء الله، الأول " إبراهيم " في قرة عينه، والثاني " إسماعيل " في نفسه، وتهيئا للعمل، ذاك بصورة الذابح، وهذا بصورة المذبوح، وكان ما كان من أمر إبراهيم امتثالا، ومن إسماعيل انقيادا، أكرم الله إبراهيم وابنه {بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} ، وإنما كان " عظيما " لأنه فداء لولد إبراهيم العظيم، وما أدراك ما إبراهيم وآل إبراهيم، {قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا} (124: 2)، الآية، وبذلك رفع الحق سبحانه وتعالى عن إبراهيم وولده " الذبيح " محنة مزدوجة تعم الوالد والولد، ولا محنة أصعب منها ولا أشد، {إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ} ، ولو تمت تلك الذبيحة لكانت " سنة "، ولذبح أتباع إبراهيم أبناءهم، لكن الله سلم، فشرعت الأضحية في الإسلام، رمزا إليها وتذكيرا بها، وشكرا لله على نعمة الحياة التي أكرمنا بها، ودعانا إلى الحفاظ عليها، وأمر الله رسوله " بيوم الأضحى، فجعله عيدا لهذه الأمة " كما ورد ذلك في حديث شريف صححه ابن حبان.

ص: 311

وكما ختم كتاب الله قصة نوح في الربع الماضي بالتنويه به والثناء عليه إذ قال: {وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ * سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ * إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ} ، ختم قصة إبراهيم في هذا الربع أيضا بمثل ذلك، فقال:{وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ * سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ * كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ} .

وقبل أن ينتقل كتاب الله إلى الحديث عن قصة موسى وهارون أخبر بالبشرى الثانية التي بشر الله بها إبراهيم وهي ولادة إسحاق الذي يصغر عن أخيه إسماعيل ببضع عشرة سنة، وأثنى عليه وعلى والده والمحسنين من ذريتهما، فقال تعالى:{وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ * وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ} ، ومما يلاحظ في هذا الصدد أن البشارة بإسحاق التي وردت في سورة الحجر (الآية: 53)، تضمنت وصفه " بالغلام العليم "، {قَالُوا لَا تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ} ، بينما البشارة هنا بأخيه إسماعيل فظلت وصفه " بالغلام الحليم "، {فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ} ، وتأكيدا لحلم إسماعيل وصبره قال تعالى:{وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ} (85: 21).

وتنويها بقدر إسماعيل، على غرار أخيه إسحاق، قال تعالى (55، 54: 19): {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا * وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا} ، وفي حقه وحق أخيه قال تعالى على لسان أبيهما

ص: 312

إبراهيم، حمدا لله وشكرا:{الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ} (39: 14).

وكما أجمل كتاب الله في الربع الماضي قصة نوح عليه السلام، أجمل في هذا الربع قصة موسى وهارون، وقصة إلياس، وقصة لوط، وقصة يونس:

فعن موسى وهارون عليهما السلام قال تعالى: {وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ * وَنَجَّيْنَاهُمَا وَقَوْمَهُمَا مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ} ، أي: من الرق الذي خلص منه قومه أولا، ومن الغرق، الذي لحق فرعون وجنوده وحدهم أخيرا، {وَنَصَرْنَاهُمْ فَكَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ * وَآتَيْنَاهُمَا الْكِتَابَ الْمُسْتَبِينَ} ، ثم ختم كتاب الله قصتهما بنفس الأسلوب الذي ختم به قصة نوح وإبراهيم فقال تعالى:{وَتَرَكْنَا عَلَيْهِمَا فِي الْآخِرِينَ * سَلَامٌ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ * إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّهُمَا مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ} .

وعن إلياس عليه السلام قال تعالى: {وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَلَا تَتَّقُونَ * أَتَدْعُونَ بَعْلًا وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ} ، أي: أتدعون صنما اتخذتموه ربا، وتتركون من يقال له " خالق "، {اللَّهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ * فَكَذَّبُوهُ فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ} ، أي: لمسوقون إلى جهنم سوقا، {إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ} ، وسلك كتاب الله في ختام قصة إلياس نفس النمط الذي ختم به قصص نوح وإبراهيم وموسى

ص: 313

وهارون فقال تعالى: {وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ * سَلَامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ * إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ} ، وفي قراءة أخرى سلام على إلياسين كما يقال إسماعيل إسماعين.

وفي الآيات الأخيرة من هذا الربع ذكر كتاب الله بقصة لوط وقصة يونس:

فعن لوط عليه السلام قال تعالى: {وَإِنَّ لُوطًا لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ نَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ} ، وهي امرأته التي كانت موالية لقومها ممالئة لهم على الضلال طبقا لقوله تعالى في آية أخرى (60: 15): {إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَا إِنَّهَا لَمِنَ الْغَابِرِينَ} ، أي: الهالكين غير الناجين، {ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ} ، أي: بالرجم بحجارة من سجيل، {وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ * وَبِاللَّيْلِ} ، أي: تمرون على أرضهم في أسفاركم ليلا ونهارا، ومع ذلك لا تعتبرون {أَفَلَا تَعْقِلُونَ} .

وعن يونس عليه السلام قال تعالى: {وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ * فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ} ، ذلك أنه فارق قومه متسترا لينجو بنفسه دونهم، فلم يجد إلا سفينة مثقلة بالركاب والتحق بها، وسرعان ما أصبحت مهددة بالغرق، " فأقرع " الركاب فيما بينهم ليخففوا من أثقالها، وإذا به يفاجأ بأن يكون نصيبه هو أن يلقى في البحر، تنفيذا لنتيجة " القرعة " التي أجراها ركاب السفينة، {فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ} ، أي: هو داخل في الملامة، لأنه أتى بما يلام

ص: 314

عليه، حيث أنه فارق قومه دون إذن من مولاه، ناسيا أن رقبته ملك خاص لله، قال الترمذي الحكيم: " سماه (آبقا ومليما) لأنه أبق عن عبودية الله، ولم يصب عين الصواب الذي عند الله، {فلولا أنه كان من الْمُسَبِّحِينَ} ، أي: الذاكرين الله كثيرا بالتسبيح والتقديس، {لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ} ، أي: في بطن الحوت، عقابا له، {إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} .

ص: 315