الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وينزع عن الشهيد ما لا يصلح للكفن كالفرو والقلنسوة والخف والنعل والسلاح والدرع والجلد والنقاب عند الحنفيين والشافعي وأحمد (لقول) ابن عباس رضي الله عنهما: "أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتلى أحد أن ينزع عنهم الحديد والجلود وأن يدفنوا بدمائهم وثيابهم" أخرجه أبو داود وابن ماجه، وفي سنده على بن عاصم- تكلم فيه غير واحد- عن عطاء بن السائب وفيه مقال. وقد حدث به بعد الاختلاط (1). {61}
(وقال) مالك: لا ينزع عنه شيء مما ذكر، لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم:"ادفنوهم بدمائهم وثيابهم". (ورد) بأن الخف والخاتم والمنطقة ونحوها لا يعد من الثياب.
هذا، ويجب عند الحنفيين ومالك دفن الشهيد بثيابه، لظاهر الأمر بدفنه بما قتل فيه (وقال) الشافعي وأحمد: يستحب دفنه بثيابه ويجوز تكفينه بغيرها لما تقدم أن صفية أخرجت ثوبين ليكفن فيهما حمزة رضي الله عنه، فكفن في أحدهما وكفن في الآخر رجل من الأنصار (2)(وأجاب) الأولون بأنه لم يكن على حمزة والأنصاري ما يصلح للكفن فكفن كل بثوب.
(و) من لا يعتبر شهيدا:
هو من لا يشمله تعريف الشهيد، وهو خمسة أنواع:
(1)
من مات في معترك الكفار فجأة أو بمرض فلا يعد شهيدا فيغسل ويكفن في غير ثيابه ويصلي عليه عند الثلاثة، وهو الصحيح عند الشافعي، لأنه لم يقتله المشركون ولا قتل بسببهم.
(2)
من قتله مسلم عمدا ولو باغيا أو قاطع طريق أو لصا فلا يعد شهيدا عند الثلاثة (وقال) الحنفيون: إنه شهيد لأنه قتل ظلما ولم تجب فيه دية فيصلي عليه بلا غسل.
(1) انظر ص 289 ج 8 - المنهل العذب المورود (الشهيد يغسل) وص 238 ج 1 ابن ماجه (الصلاة على الشهداء ودفنهم).
(2)
انظر رقم 464 ص 262، 263 ج 7 - الدين الخالص (كفن الضرورة).
(3)
من وجد ميتا بعد الحرب وليس به أثر جراحة فلا يعد شهيدا عند الحنفيين وأحمد لعدم ما يدل على قتله، خلافا لمالك والشافعي.
(4)
من رفسته دابة في حرب المشركين أو عاد إليه سلاحه أو تردى عن جبل أو في قبر في حال المطاردة، فلا يعد شهيدا، فيغسل ويصلى عليه عند الحنفيين ومالك وأحمد، لأنه لم يقتله المشركون (وقال) الشافعي: يعد شهيدا فلا يغسل ولا يصلى عليه لأنه مسلم قتل في معركة المشركين بسبب قتالهم (1).
(5)
من مات بغير حرب الكفار- كالمبطون والمطعون والغريق والغريب والميتة في الطلق ومن قتله مسلم أو غيره في غير حال القتال ونحوهم- فهؤلاء ليسوا بشهداء فيغسلون ويصلى عليهم اتفاقا. ولفظ الشهادة الوارد فيهم- كما سيأتي - المراد به أنهم شهداء الآخرة لا المعركة.
(ز) أقسام الشهداء: أقسامه ثلاثة:
…
(1) شهيد الدنيا والآخرة: وهو من مات في المعركة في حرب الكفار أو البغاة على ما تقدم بيانه ولم يراء ولم يخن في الغنيمة ولم يقتل مدبرا عن القتال، وهم أحياء في البرزخ حياة خاصة.
قال تعالى: "ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون* فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون* يستبشرون بنعمة من الله وفضل أن الله لا يضيع أجر المؤمنين"(2).
(1) انظر ص 167 ج 5 مجموع النووي.
(2)
سورة آل عمران: آيات 169 و 170 و 171 (قال) الجمهور حياة الشهداء حياة محققة ترد إليهم أرواحهم في قبورهم فينعمون ويرزقون من ثمر الجنة ويجدون ريحا وليسوا فيها. (وقيل) إنها حياة مجازية. والمعنى أنهم مستحقون للتنعيم في الجنة. والصحيح الأول. ولا موجب للمصير إلى المجاز لأن ما صح به النقل فهو الواقع. وقد وردت السنة بأن أرواحهم في حواصل طيور وأنهم يرزقون في الجنة ويأكلون ويتنعمون (عند ربهم) أي في كرامته فهي عندية الكرامة لا عندية المسافة والقرب. و (يرزقون) الرزق المعروف فهم يأكلون من ثمار الجنة. وقيل المراد بالرزق الثناء الجميل، والصحيح الأول لما سبق. و (فرحين بما آتاهم الله من فضله) أي هم مسرورون بما ساقه الله إليهم من الكرامة بالشهادة وما صاروا فيه من حياة طيبة وما يصل إليهم من رزق الله تعالى (ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم) أي يفرحون بما أعطاهم، وبما أعد لإخوانهم الشهداء وغيرهم الذين لم يموتوا بعد لأنهم لما عاينوا ثواب الله وما أعده الله للمسلمين وتيقنوا بحقية دين الإسلام، استبشروا بذلك لجميع أهل الإسلام وإن لم يقتلوا فهم فرحون بأنفسهم بما أعطاهم الله مستبشرين للمؤمنين بأن لا خوف عليهم ولا هم يحزنون. و (يستبشرون بنعمة من الله وفضل وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين) كرر يستبشرون للتأكيد ولبيان أن الاستبشار ليس لمجرد عدم الخوف والحزن بل به وبنعمة من الله وهي الجنة والمغفرة. والفضل من النعمة ذكر بعدها للتأكيد. وفيه دليل على اتساع النعمة وأنها ليست كنعم الدنيا، فهم يستبشرون بنعمة الله عليهم وبأن الله لا يضيع أجر المؤمنين .. وقد ورد في هذا أحاديث تقدم منها حديث مسروق عن عبد الله رقم 325 ص 188 ج 7 - الدين الخالص، وحديث ابن عباس رقم 329 ص 190 منه (مصير الروح بعد خروجها).
وقد ورد في فضلهم أحاديث (منها) حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الشهداء على بارق- نهر بباب الجنة- في قبة خضراء يخرج عليهم رزقهم من الجنة بكرة وعشيا" أخرجه أحمد والطبراني في الكبير والأوسط بسند رجاله ثقات، والحاكم وقال: صحيح على شرط مسلم (1). {62}
(1) تقدم رقم 231 ص 191 ج 7 - الدين الخالص (مصير الروح بعد خروجها). و (بكرة وعشيا) أي تعرض أرزاقهم على أرواحهم فيصل إليهم الروح والفرح كما تعرض النار على آل فرعون غدوا وعشيا فيصل إليهم الوجع والحزن. وهو يدل على أن الأرواح جواهر قائمة بنفسها تبقى بعد الموت مدركة على ما تقدم. وتخصيص الشهداء بما ذكر لاختصاصهم بمزيد البهجة والكرامة. وهذا لا ينافى أن نميم القبر وعذابه كما يكون للروح يكون للجسد لأن للروح اتصالا به.
(2)
شهيد الدنيا فقط: وهو المقتول في حرب الكفار وقد خان في الغنيمة أو قاتل رياء أو قتل مدبرا فله حكم الشهادة في الدنيا فلا يغسل ويصلى عليه عند الحنفيين، ولا يصلي عليه عند غيرهم على ما تقدم، ولا ثواب له على الشهادة في الآخرة.
(3)
شهيد الآخرة فقط: بمعنى أن له ثوابا خاصا، وهو من مات في الطاعون والغريق والمبطون وغيرهم ممن ذكروا في أحاديث (منها) حديث جابر ابن عتيك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" الشهادة سبع سوى القتل في سبيل الله: المطعون شهيد، والغرق شهيد، وصاحب ذات الجنب شهيد، والمبطون شهيد، وصاحب الحريق شهيد، والذي يموت تحت الهدم شهيد، والمرأة تموت بجميع شهيدة" أخرجه مالك وأحمد وأربعة إلا الترمذي بسند صحيح (1). {63}
(وحديث) أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما تعدون الشهيد فيكم؟ قالوا: يا رسول الله، من قتل في سبيل الله فهو شهيد. قال: إن شهداء أمتي إذا لقليل. قالوا: فمن هم يا رسول الله؟ قال: من قتل في سبيل الله فهو شهيد، ومن مات في سبيل الله فهو شهيد، ومن مات في الطاعون فهو شهيد، ومن مات في البطن فهو شهيد، والغريق شهيد" أخرجه مسلم (2). {64}
(1) انظر ص 243 و 244 ج 8 - المنهل المورود (فضل من مات بالطاعون) وص 96 ج 2 - ابن ماجه (ما يرجى فيه من الشهادة) وص 67 ج 2 مجتبي (آخر الجهاد) و (المطعون) من مات بالطاعون. و (الغرق) بفتح فكسر، أي الغريق، ومحل كونه شهيدا ما لم يكن ألقى بنفسه في الماء. و (ذات الجنب) القروح تصيب الإنسان داخل جنبه وينشأ عنه حمى لازمة وسعال. وقد تقدم بيانها وطريق مداواتها بالقسط والزيت. انظر ص 40 ج 7 - الدين الخالص. و (المبطون) الذي يموت بمرض البطن كإسهال أو استسقاء. و (المرأة تموت بجمع) بتثليت الجيم والضم أشهر: هي التي ماتت وفي بطنها ولدها أو ماتت عند الولادة أو التي تموت بكرا. وجمع بمعنى مجموع، أي أنها ماتت مع شيء فيها غير منفصل عنها من حمل أو بكارة.
(2)
انظر ص 62 ج 3 نووي (بيان الشهداء). و (في سبيل الله) أي طاعته كصلاة وذكر وقراءة قرآن ودراسة علم.