المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

(وحديث) سعيد بن زيد أن النبي صلى الله عليه وسلم - الدين الخالص أو إرشاد الخلق إلى دين الحق - جـ ٨

[السبكي، محمود خطاب]

فهرس الكتاب

- ‌(10) محظورات القبر

- ‌(11) سؤال القبر وفتنته

- ‌(12) عذاب القبر ونعيمه وضغطته

- ‌(13) المشي بالنعلين بين القبور

- ‌(14) دفن أكثر من واحد في القبر

- ‌(15) نبش القبر

- ‌(16) نقل الميت

- ‌(17) إعداد القبر

- ‌(18) وضع الجريد على القبر

- ‌(الشهيد)

- ‌(أ) تعريفه:

- ‌(ب) تجهيز الشهيد:

- ‌(جـ) الشهيد غير المكلف:

- ‌(د) الشهيد غير الطاهر:

- ‌(هـ) كفن الشهيد:

- ‌(و) من لا يعتبر شهيدا:

- ‌يتصل بما يتعلق بالميت أربعة أصول:

- ‌(أ) التعزية

- ‌(ب) صنع الطعام لأهل الميت ومنهم

- ‌(جـ) زيارة القبور

- ‌(د) القرب تهدي إلى الميت

- ‌الزكاة

- ‌(أ) زكاة النعم

- ‌(ب) زكاة الأثمان

- ‌(جـ) زكاة العروض

- ‌(د) زكاة الزروع والثمار

- ‌(هـ) المعدن والركاز

- ‌الصيام

- ‌(1) فضل الصيام:

- ‌(2) وقت الصوم:

- ‌(3) شروط الصيام

- ‌(4) أقسام الصيام

- ‌(أ) صيام رمضان:

- ‌(ب) الصوم الفرض غير المعين

- ‌(جـ) الصوم المنهي عنه

- ‌(د) صوم التطوع

- ‌(5) آداب الصيام

- ‌(6) ما يباح للصائم

- ‌(7) ما يكره للصائم:

- ‌(8) ما لا يفسد الصوم

- ‌(9) ما يفسد الصوم

- ‌(10) الأعذار المبيحة للفطر

- ‌(11) بدع رمضان

- ‌(12) الموضوع في الصيام

- ‌(13) الاعتكاف

الفصل: (وحديث) سعيد بن زيد أن النبي صلى الله عليه وسلم

(وحديث) سعيد بن زيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من قتل دون ماله فهو شهيد. ومن قتل دون دمه فهو شهيد. ومن قتل دون دينه فهو شهيد. ومن قتل دون أهله فهو شهيد" أخرجه أحمد والأربعة وابن حبان وصححه الترمذي. وأخرج البخاري صدره من حديث ابن عمرو (1). {65}

ذكر في هذه الأحاديث ثلاثة عشر شهيدا. وقد أجتمع للحافظ ابن حجر من الطرق الجيدة أكثر من عشرين ليسوا في المرتبة سواء (2).

هذا، و‌

‌يتصل بما يتعلق بالميت أربعة أصول:

(أ) التعزية

هي من العزاء- بالفتح والمد- لغة: الصبر الحسن، وشرعا: تسلية المصاب وحثه على الصبر والرضا بالقدر، فإنه لابد للإنسان من أمر يمتثله ونهي يجتنبه وقدر يصبر عليه. وإليه الإشارة بقوله تعالى:

"إنه من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المسحنين"(3).

(1) حكم التعزية وفضلها:

هي مستحبة. وقد ورد في فصلها والحث عليها أحاديث (منها) حديث عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما من مؤمن يعزي أخاه بمصيبته إلا كساه الله عز وجل من حلل الكرامة يوم القيامة" أخرجه ابن ماجه والبيهقي. وفيه قيس أبو عمارة،

(1) انظر ص 75 ج 5 فتح الباري (من قاتل دون ماله) ورقم 8617 ص 195 ج 6 فيض القدير للمناوي. و (دون ماله) دون- في الأصل- ظرف مكان بمعنى أسفل أو تحت. استعملت هنا للسببية توسعا لأن الذي يقاتل على ماله كأنه يجعله خلفه أو تحته ثم يقاتل عليه.

(2)

انظر ص 29 ج 6 فتح الباري (الشهادة سبع سوى القتلى).

(3)

سورة يوسف: آية 90.

ص: 63

ذكره ابن حبان في الثقات، ووثقه الذهبي. وقال البخاري: فيه نظر. وباقي رجاله ثقات (1). {66}

(وعن) الأسود عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من عزى مصابا فله مثل أجره" أخرجه ابن ماجه والبيهقي والترمذي وقال: غريب لا نعرفه إلا من حديث علي بن عاصم. وروى بعضهم عن محمد بن سوقة بهذا الإسناد مثله موقوفا (2). {67}

(وروى) معاوية بن قرة عن أبيه قال: "كان نبي الله صلى الله عليه وسلم إذا جلس يجلس إليه نفر من أصحابه وفيهم رجل له ابن صغير يأتيه من خلف ظهره فيقعده بين يديه فهلك فامتنع الرجل أن يحضر الحلقة لذكر ابنه فحزن عليه، ففقده النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "مالي لا أرى فلانا؟ " قالوا: يا رسول الله بنيه الذي رأيته هلك، فلقيه النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن بنيه، فأخبره أنه هلك فعزاه عليه، ثم قال: "يا فلان أيما كان أحب إليك: أن تمتع به عمرك، أو لا تأتي غدا إلى باب من أبواب الجنة إلا وجدته قد سبقك إليه يفتحه لك؟ " قال: يا نبي الله بل يسبقني إلى باب الجنة فيفتحها لي لهو أحب إلي. قال: "فذاك لك" أخرجه النسائي والبيهقي (3). {68}

(1) انظر ص 250 ج 1 - ابن ماجه (ثواب من عزى مصابا) وص 59 ج 4 بيهقي و (من حلل) أي من الحلل المعدة لأهل الكرامة.

(2)

انظر ص 250 ج 1 - ابن ماجه. وص 59 ج 4 بيهقي. وص 163 ج 2 تحفة الأحوذي. وقول الترمذي (غريب) غير مسلم فقد رواه وكيع عن إسرائيل عن محمد بن سوقة عن إبراهيم عن الأسود عن ابن مسعود مرفوعا وذكر المزي في أطرافه أن الثوري رواه عن ابن سوقة مثله (فهذان) تابعا ابن عاصم فروياه عن ابن سوقة مرفوعا (انظر ص 59 ج 4 - الجوهر النقي)(وقال) الزركشي في تخريج الرافعي- بعد ما ساق له عدة طرق- هذا كله يرد على ابن الجوزي حيث ذكر الحديث في الموضوعات (وقال العلائي: له طرق لا طعن فيها وليس واهيا فضلا عن كونه موضوعا.

(3)

أنظر ص 296 ج 1 مجتبي (التعزية) وص 59 ج 4 بيهقي (تعزية أهل الميت).

ص: 64

وتقدم في حديث عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ما أخرجك من بيتك يا فاطمة؟ قالت: أتيت أهل هذا البيت فرحمت إليهم ميتهم وعزيتهم"(الحديث) أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي والبيهقي (1). {69}

فيه دليل على جواز خروج المرأة محتشمة متسترة لتعزي جيرانها (ولهذا) قال الأئمة الأربعة والجمهور: يستحب تعزية جميع أقارب الميت- بعد الدفن وقبله- إلا شابه يفتتن بها، لا نعلم في هذا خلافا إلا أن الثوري قال: لا تستحب التعزية بعد الدفن لأنه خاتمة أمره.

(ورد): (أ) بعموم أحاديث التعزية.

(ب) أن المقصود بها تسلية أهل المصيبة وقضاء حقوقهم، والحاجة إليها بعد الدفن كالحاجة إليها قبله.

(ويستحب) تعزية جميع أهل المصيبة الكبار والصغار والرجال والنساء إلا أن تكون المرأة شابة فلا يعزيها إلا محارمها. وتعزية الصلحاء والضعفاء عن احتمال المصيبة والصبيان أكد (2).

(2) حكمتها:

شرعت التعزية لما فيها من التعاطف والتحاب والتعاون على البر والتقوى والحمل على الصبر والرضا بالقدر والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والحث على الرجوع إلى الله تعالى ليحصل الأجر. والمشروع منها مرة واحدة لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "التعزية مرة واحدة"(3).

(3) وقتها:

يدخل وقت التعزية من الموت إلى ثلاثة أيام بعد الدفن عند الحنفيين ومالك وأحمد وجمهور الشافعية، وأولها أفضل. وهي بعد الدفن أفضل منها قبله، لأن أهل الميت مشغولون قبل الدفن بتجهيزه ولأن وحشتهم بعد الدفن

(1) تقدم تاما رقم 616 ص 341 ج 7 - الدين الخالص (اتباع النساء الجنائز).

(2)

انظر ص 409 ج 5 مغنى أبن قدامة، وص 305 ج 5 مجموع النووي.

(3)

انظر ص 145 ج 4 نيل الأوطار (تعزية المصاب).

ص: 65

لفراقه أكثر. وهذا إذا لم ير منهم جزع شديد وإلا قدمت لتسكينهم وتسليتهم وتكره تنزيها بعد الثلاثة لأن المقصود منها تسكين قلب المصاب، والغالب سكونه بعد الثلاثة فلا يجدد له الحزن إلا أن يكون المعزى أو المعزى غائبا فلا بأس بالتعزية بعد الثلاث. والحاضر الذي لم يعلم الموت كالغائب. والظاهر امتدادها بعد القدوم والعلم ثلاثة أيام (وقال) بعض الشافعية: لا حد لوقتها. وقيل: إنه يعزي قبل الدفن وبعده في رجوعه إلى منزله، ولا يعزي بعد وصوله المنزل (1).

(4) لفظ التعزية:

تحصل التعزية بأي لفظ يتسلى به المصاب ويحمله على الصبر، والأفضل كونها بالوارد (ومنه) ما في حديث معاذ بن جبل أنه مات ابن له فكتب إليه النبي صلى الله عليه وسلم يعزيه: بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله إلى معاذ بن جبل. سلام عليك فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو (أما بعد) فأعظم الله لك الأجر وألهمك الصبر ورزقنا وإياك الشكر، فإن أنفسنا وأموالنا وأهلنا من مواهب الله الهنيئة وعواريه المستودعة متع بها إلى أجل معدود ويقبضها لوقت معلوم، ثم افترض علينا الشكر إذا أعطى والصبر إذا أبتلى، وكان ابنك من مواهب الله الهنيئة وعواريه المستودعة متعك الله به في غبطة وسرور وقبضه منك بأجر كثير: الصلاة والرحمة والهدى إن احتسبته، فأصبر ولا يحبط جزعك أجرك فتندم، وأعلم أن الجزع لا يرد ميتا ولا يدفع حزنا وما هو نازل فكأن قد والسلام" أخرجه الحاكم وقال: غريب حسن وابن مردويه والطبراني في الكبير والأوسط وفيه مجاشع بن عمرو ضعيف (2). {70}

(1) انظر ص 306 ج 5 مجموع النووي.

(2)

انظر ص 3 ج 3 مجمع الزوائد (التعزية) ورقم 2260 ص 122 ج 8 كنز العمال وذكر عدة روايات ثم قال كل هذه الروايات ضعيفة لا تثبت فإن وفاة ابن معاذ بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بسنتين وإنما كتب إليه بعض الصحابة فتوهم الراوي فنسبها إلى النبي صلى الله عليه وسلم و (الغبطة) بكسر فسكون: النعمة والخير وحسن الحال (فكأن قد) أي فكأن قد وقع ما هو نازل أو حصل فلا فائدة في الجزع.

ص: 66

(وقول) أسامة بن زيد: أرسلت إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بعض بناته أن صبيا لها- ابنا أو بنتا- قد أحتضر فاشهدنا، فأرسل إليها يقرأ السلام ويقول:"إن لله ما أخذ وما أعطى وكل شيء عنده إلى أجل مسمى فلتصبر ولتحتسب" أخرجه السبعة إلا الترمذي (1). {71}

(وعن) جعفر بن محمد عن أبيه عن علي رضي الله عنه قال: لما توفى النبي صلى الله عليه وسلم وجاءت التعزية سمعوا قائلا يقول: "إن في الله عزاء من كل مصيبة وخلفا من كل هالك ودركا من كل فائت، فبالله فثقوا وإياه فارجوا، فإن المصاب من حرم الثواب" أخرجه البيهقي وقال: وقد روى معناه من وجه آخر عن جابر، ومن وجه عن أنس، وفي أسانيده ضعيف (2). {72}

(وقد) بلغ الشافعي أن عبد الرحمن بن مهدي ماتا له ابن، فجزع عليه عبد الرحمن جزعا شديدا، فبعث إليه الشافعي رحمه الله: يا أخي عز نفسك بما تعزي به غيرك، واستقبح من فعلك ما تستقبحه من فعل غيرك. واعلم أن أمض المصائب فقد سرور وحرمان أجر. فكيف إذا اجتمعا مع اكتساب

(1) انظر ص 89 ج 8 - الفتح الرباني (تعزية المصاب) وص 100 ج 3 فتح الباري (قول النبي صلى الله عليه وسلم: يعذب الميت ببعض بكاء أهله عليه) وص 224 ج 6 نووي (البكاء على الميت) وص 275 ج 8 - المنهل العذب المورود. وص 264 ج 1 مجتبي (الأمر بالاحتساب والصبر عند نزول المصيبة) وص 248 ج 1 - ابن ماجه (البكاء على الميت) و (إن لله ما أخذ) أي أن العالم كله ملك لله، فلم يأخذ ما هو لكن، بل أخذ ما هو له عندكم عارية.

وما المال والأهلون إلا ودائع ولا بد يوما أن ترد الودائع

(وما أعطى) أي له ما وهبه لكم وقدم الأخذ على الإعطاء وإن كان هذا سابقا لمناسبة المقام (فلتصبر) أي فلتتحمل مرارة فلقده بلا إظهار جزع (ولتحتسب) أي تدخر ثواب فقده والصبر عليه عند الله تعالى.

(2)

انظر ص 60 ج 4 بيهقي (ما يقول في التعزية من الترحم على الميت .. ). والحديث تقدم بأتم من هذا بهامش ص 16 ج 7 - الدين الخالص (الموت).

ص: 67

وزر؟ فتناول حظك يا أخي إذا قرب منك قبل أن تطلبه وقد نأى عنك، ألهمك الله عند المصائب صبرا وأحرز لنا ولك بالصبر أجرا. وكتب إليه:

إني معزيك لا أني على ثقة

من الخلود ولكن سنة الدين

فما المعز بباق بعد ميته

ولا المعزى ولو عاشا إلى حين

أخرجه البيهقي (1).

وكتب رجل إلى آخر يعزيه بابنه: (أما بعد) فإن الولد على والده ما عاش حزن وفتنة. فإذا قدمه فصلاة ورحمة، فلا تجزع على ما فاتك من حزنه وفتنته، ولا تضيع ما عوضك الله عز وجل من صلاته ورحمته (2).

(وقال) أبو الحسن المدائني: دخل عمر بن عبد العزيز على ابنه في مرضه، فقال: يا بني كيف تجدك؟ قال: أجدني في الحق. قال: يا بني لأن تكون في ميزاني أحب إلى من أن أكون في ميزانك. فقال: يا أبت لأن يكون ما تحب أحب إلي من أن يكون ما أحب (3).

(1) انظر ص 147 ج 4 - الفتوحات الربانية على الأذكار النووية. و (عز نفسك إلخ) أي صبرها على مضض المصائب بما تصبر به غيرك من التأمل فيما ورد من الوعد بالثواب وحسن المآب لمن صبر واحتسب. و (أمض) بفتح الميم وشد الضاد: أي أشد المصائب واوجعها (فتناول حظك إلخ) أي خذ نصيبك من الأجر بجميل الصبر وحفظ اللسان عما لا يرضى الرحمن (وقد نأى) أي بعد (عنك) الثواب لجزعك.

(2)

انظر ص 148 ج 4 أذكار. والولد (حزن) إن كان عاقا و (فتنتة) إن كان بارا. فإنه ربما يفتن بمحبته ويتقاعد عن الطاعات. قال تعالى: "إنما أموالكم وأولادكم فتنة والله عنده أجر عظيم" سورة التغابن: آية 15 (فإذا قدمه إلخ) بشد الدال، أي إذا مات الولد قبله وأحتسب أجره عند ربه فهو له صلاة ورحمة. قال تعالى:"أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة" سورة البقرة: آية 157.

(3)

انظر ص 150 ج 4 أذكار (وأجدني في الحق) أي الموت. فإن الحق يطلق على كل ثابت، سواء أكان عينا كالجنة أم لا كالموت.

ص: 68

(5)

جواب التعزية:

قال أحمد بن الحسين: سمعت أحمد بن حنبل وهو يعزي في عبثر ابن عمه وهو يقول: استجاب الله دعاك ورحمنا وإياك (1). ويقال في جواب التعزية: آجرك الله.

(6) تعزية الذمي:

يندب تعزيته كعيادته عند الحنفيين والشافعي والجمهور، ويستحب أن يدعو للميت المسلم. فإذا عزى مسلما بمسلم قال: أعظم الله أجرك وأحسن عزاءك وغفر لميتك. وإن عزى مسلما بكافر قال: أعظم الله أجرك وأحسن عزاءك. وإن عزى كافرا بمسلم قال: أحسن الله عزاءك وغفر لميتك. وإن عزى كافرا بكافر قال: أخلف الله عليك (2). (وتوقف) أحمد رحمه الله عن تعزية أهل الذمة وهي تخرج على عيادتهم. وفيها روايتها:

(أ) لا نعودهم فكذا لا نعزيهم (لحديث) أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تبدءوا اليهود ولا النصارى بالسم" أخرجه أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي (3). {73}

(ب) نعودهم (لحديث) أنس: أن غلاما من اليهود مرض، فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يعوده، فقعد عند رأسه فقال له: أسلم. فنظر إلى أبيه وهو عند رأسه، فقال له: أطع أبا القاسم، فأسلم. فقام النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقوم:"الحمد لله الذي أنقده بي من النار" أخرجه البخاري وأبو داود والنسائي (4). {74}

(1) انظر ص 410 ج 2 مغنى ابن قدامة.

(2)

انظر ص 305 ج 5 مجموع النووي "وقول" الشيرازي في المهذب في تعزية كافر بكافر: ولا نقص عددك لتكثر الجزية المأخوذة منهم "مشكل" لأنه دعاء ببقاء الكافر ودوام كفره فالمختار تركه (انظر ص 306 ج 5 مجموع النووي).

(3)

انظر ص 148 ج 14 نووي (النهي عن ابتداء أهل الكتاب بالسلام) وص 519 ج 4 عون المعبود (السلام على أهل الذمة).

(4)

انظر رقم 43 ص 16 ج 7 - الدين الخالص (عيادة الذمي).

ص: 69

فعلى هذا نعزيهم فنقول في تعزيتهم بمسلم: أحسن الله عزاءك وغفر لميتك. وعن كافر: أخلف الله عليك. وقيل: يقول: أعطاك الله مصيبتك أفضل ما أعطى أحدا من أهل دينك (1).

(7)

الجلوس للتعزية:

يكره- عند الشافعي وأحمد وجماعة من الحنفيين- لولى الميت الجلوس في مكان خاص يعزى فيه لأنه محدث وبدعة. (قال) كثير من متأخري الحنفيين: يكره الاجتماع عند صاحب البيت، ويكره له الجلوس في بيته حتى يأتي إليه من يعزى، بل إذا فرغ ورجع الناس من الدفن فليتفرقوا ويشتغل كل بأمره (2) لا فرق في ذلك بين الرجال والنساء. (وقال) الشافعي في الأم: أكره المأتم وهي الجماعة وإن لم يكن لهم بكاء فإن ذلك يجدد الحزن ويكلف المؤنة مع ما مضى فيه من الأثر (3)(وقال) متقدمو الحنفيين: لا بأس بالجلوس في غير المسجد ثلاثة أيام للتعزية بلا ارتكاب محظور من فرش البسط وتناول الدخان والقهوة وغيرها كعمل الأطعمة لأنها تتخذ عند السرور.

(ونقل) الخطاب المالكي عن سند أنه يجوز الجلوس لها بلا مدة معينة. ومحل الخلاف في إباحة الجلوس وعدمها، إذا خلا المجلس من المنكرات وإلا امتنع اتفاقا، كما يقع من غالب أهل الزمان فإن مجالسهم للتعزية يرتكبون فيها مخالفات (منها) إتيانهم بأشخاص يقرءون القرآن بقصد إسماع الحاضرين في نظير أجر يأخذونه على قراءتهم. وغالب هذه المجالس في الأمصار تكون في الشوارع والطرقات، ويكثر إذ ذاك شرب الدخان واللغط ويحيى بعضهم بعضا بتحيات غير إسلامية نحو: نهارك سعيد، أو ليلتك سعيدة، أو البقية في حياتكم، أو لا يمشي أحد لكم في سوء، ونحو ذلك مما يشوش على القارئ.

(1) انظر من 410 ج 2 مغنى ابن قدامة.

(2)

انظر ص 664 ج 1 رد المختار على الدر المختار.

(3)

انظر ص 148 ج 1 - الأم.

ص: 70

وينضم إلى ذلك اشتغالهم بشرب نحو القهوة والشاي. ومن المعلوم أن هذه الأمور كلها منكرات مخالفة لما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه والسلف الصالح، مضادة للشريعة المطهرة، ولا سيما قراءة القرآن في الأماكن القذرة والطرق وحال شرب الدخان الذي تنفر منه الملائكة وكل من له طبع سليم من الآدميين. كيف يرتكب العاقل شيئا مما ذكر. وقد ورد في الفرقان والتوراة أنه يلزم المستمع كلام الله تعالى أن يكون في غاية الأدب والخشوع متدبرا ما يتلى عليه ليعمه الله بالرحمة والإحسان.

قال تعالى: "وإذا قرئ القرءان فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون"(1). وقال تعالى: "أفلا يتدبرون القرءان أم على قلوب أقفالها"(2).

(وقال) في التوراة: يا عبدي أما تستحي مني إذا يأتيك كتاب من بعض إخوانك وأنت في الطريق تمشي فتعدل عن الطريق وتقعد لأجله وتقرأه وتتدبره حرفا حرفا حتى لا يفوتك منه شيء. وهذا كتابي أنزلته إليك أنظره كم فصلت لك فيه من القول وكم كررت فيه عليك لتتأمل طوله وعرضه ثم أنت معرض عنه أو كنت أهون عليك من بعض إخوانك؟ يا عبدي يقصد إليك بعض إخوانك فتقبل عليه بكل وجهك وتصغي إلى حديثه بكل قلبك. فإن تكلم متكلم أو شغلك شاغل في حديثه، أومأت إليه أن كف. وهأنذا مقبل عليك ومحدث لك وأنت معرض بقلبك عني. أفجعلتني أهون عندك من بعض إخوانك (3)؟ (وأيضا) فإن شرب الدخان في ذاته حرام فضلا عن تعاطيه في مجلس القرآن.

(ووجه) حرمته أنه مضر بالصحة بإخبار منصفي الأطباء. ولا خلاف في تحريم تعاطي المضر. وقد صار ضرره محققا محسوسا مشاهدا بمن يتعاطاه في بصره وأسنانه وقلبه ورئتيه وأعصابه

كل ذلك فضلا عن إضاعة المال

(1) سورة الأعراف: آية 204.

(2)

سورة محمد: آية 24.

(3)

أنظر ص 269 ج 8 - المنهل العذب المورود.

ص: 71

فيما يغضب الكبير المتعال، وأن ذلك إسراف وتبذير حرمه الرب القدير وسوى بين فاعله والشياطين، قال تعالى:{إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفورا} (1).

ولو أنا شاهدنا رجلا يرمي درهما في البحر، لعددناه مجنونا، فكيف ومتعاطي الدخان قد رمى بماله وصحته في مكان سحيق. زد على ذلك إيذاءه لمن يتعاطاه سيما في مجامع الصلاة ونحوها. وهو مؤذ للملائكة الكرام البررة من أمرنا بإكرامهم.

(روى) جابر مرفوعا: "من أكل ثوما أو بصلا فليعتز لنا أو فليعتزل مسجدنا وليقعد في بيته" أخرجه الشيخان وأبو داود (2). {75}

ومعلوم أن رائحة الدخان إن لم تكن في النتن أقبح من البصل والثوم فهي لا تقل عنهما. (وقال) جابر: نهى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن أكل البصل والكراث، فغلبتنا الحاجة فأكلنا منها فقال:"من أكل من هذه الشجرة المنتنة فلا يقربن مسجدنا، فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه الإنس" أخرجه مسلم (3). [76]

(وعن) أنس أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: "من آذى مسلما فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله تعالى" أخرجه الطبراني في الأوسط بسند حسن (4). [77]

(1) سورة الإسراء: أية 27.

(2)

انظر ص 232 ج 2 فتح الباري (الثوم النئ والبصل والكراث) وص 49 ج 5 نووي (نهى من أكل ثوما أو بصلا أو كراثا أو نحوها عن حضور المسجد .. ) وص 360 ج 3 عون المعبود (أكل الثوم) وتقدم تمام الكلام في أدلة حرمة الدخان بهامش ص 310 ج 3 - الدين الخالص.

(3)

انظر ص 49 ج 5 نووي (نهى من أكل ثوما أو بصلا أو كراثا أو نحوها عن حضور المسجد).

(4)

انظر رقم 8269 ص 19 ج 6 فيض القدير للمناوي.

ص: 72

(8)

مأتم الأربعين والعام:

ومن البدع المستنكرة والعادات المستقبحة الاحتفال بذكرى الأربعين ومرور العام، لأنه لم يكن في عهد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولا عهد الصحابة والتابعين، ولم يكن معروفا حينئذ. وفيه مفاسد دينية ودنيوية يأباها العقل والنقل. والخير في اتباع من سلف، والشر في ابتداع من خلف (1)

(1)(وقد) ورد إلى فضيلة الأستاذ الكبير الشيخ حسنين مخلوف مفتي الديار المصرية سابقا سؤال بشأن مأتم الأربعين. فأجاب بما نصه: يحرص كثير من الناس على إقامة مأتم ليلة الأربعين لا يختلف عن مأتم يوم الوفاة فيعلنون عنه في الصحف ويقيمون له السرادقات ويحضرون القراء وينحرون الذبائح ويفد المعزون فيشكر منهم من حضر ويلام من تخلف ولم يعتذر ويقيم السيدات بجانب ذلك مأتما آخر في ضحوة النهار للنحيب والبكاء وتجديد الأسى والعزاء. ولا سند لشيء من ذلك في الشريعة الغراء، فلم يكن من هدى النبوة ولا من عمل الصحابة ولا من المأثور عن التابعين، بل لم يكن معروفا عند جمهور المسلمين بمصر بهذه الصورة الراهنة إلى عهد غير بعيد وإنما هو أمر استحدث أخيرا ابتداعا لا اتباعا، وفيه من المضار ما يوجب النهي عنه:

(أ) فيه التزام عمل- ممن يقتدي بهم وغيرهم- ظاهرة أنه قربة وبر، حتى استقر في أذهان العامة أنه من المشروع في الدين.

(ب) وفيه إضاعة الأموال في غير وجهها المشروع، في حين أن الميت كثيرا ما يكون عليه ديون أو حقوق لله تعالى أو للعباد لا تتسع موارده للوفاء بها مع تكاليف هذا المأتم، وقد يكون الورثة في أشد الحاجة إلى هذه الأموال. ومع هذا يقيمون مأتم الأربعين استحياء من الناس ودفعا للنقد، وكثيرا ما يكون في الورقة قصر يلحقهم الضرر بتبديد أموالهم في هذه البدعة.

(جـ) وفيه مع ذكر تكرير العزاء وهو غير مشروع لحديث "التعزية مرة".

(لهذا) وغيره من المفاسد الدينية والدنيوية أهبنا بالمسلمين:

(1)

أن يقلعوا عن هذه العادة الذميمة التي لا ينال الميت منها رحمة أو مشوبة، بل لا ينال الحي منها سوى المضرة إذا كان القصد مجرد التفاخر والسمعة أو دفع الملامة والمعرة.

(2)

وأن يعلموا أنه لا أصل لها في الدين. قال تعالى: "وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا" سورة الحشر: آية 7. (أنظر الفتوى المقيدة بسجلات إفتاء الديار المصرية رقم 377 بتاريخ 14 أغسطس سنة 1947).

ص: 73