الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومما تقدم يعلم أن الصحيح القول بعدم وجوب الزكاة في العسل. (قال) أبو الطيب صديق بن حسن: ولم يكن من العادة النبوية أخذ الزكاة من الخيل والرقيق والبغال والحمير والبقول والبطيخ والخيار والعسل والفواكه التي لا تدخل المكيال ولا تصلح للادخار إلا الرطب والعنب، فإنه كان يأخذ الزكاة منها لا يفرق بين الرطب واليابس (1).
(هـ) المعدن والركاز
المعدن- بفتح فسكون فكسر- مأخوذ من العدن، وهو الإقامة، ومنه قوله تعالى:"جنات عدن" وعرفا- عند الحنفيين والمالكية والحنبلية- هو ما خلقه الله تعالى في الأرض من ذهب أو فضة أو نحا أو رصاص أو مغرة أو كبريت أو نحوها، كالبلور والعقيق والزرنيخ والنفط (زيت البترول).
(والكنز) مأخوذ من كنز المال إذا جمعه. وعرفا- عند الحنفيين- اسم لمال دفنه بنو آدم في الجاهلية أو الإسلام.
(والركاز) لغة مأخوذ من الركز بمعنى الإثبات. وشرعا- عندهم- اسم لمال ركزه الخالق أو المخلوق في الأرض.
(والركاز) - عند مالك وأحمد- ما يوجد في الأرض أو على وجهها من دفائن الجاهلية ذهبا أو فضة أو غيرهما.
(وقالت) الشافعية: المعدن ما يستخرج من مكان خلقه الله فيه من الذهب والفضة فقط (والركاز) دفين الجاهلية، فهو خاص بالكنز عند مالك والشافعي وأحمد.
(قال) مالك رضي الله عنه: الأمر الذي سمعت أهل العلم يقولون: إن الركاز إنما هو دفن يوجد من دفن الجاهلية ما لم يطلب بمال ولم يتكلف فيه
(1) انضر ص 129 - الروضة الندية (زكاة النبات).
نفقة ولا كبير عمل ولا مؤونة. فأما ما طلب بمال وتكلف فيه كبير عمل فأصيب مرة وأخطئ مرة فليس بركاز. وذكره البيهقي (1).
(وقال) الحنفيون: الركاز يعم الكنز والمعدن (لحديث) أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الركاز الذهب الذي ينبت في الأرض" أخرجه أبو يعلي والبيهقي. (وروى) من طريق آخر عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "في الركاز الخمس. قيل: وما الركاز يا رسول الله؟ قال: الذهب والفضة الذي خلقه الله في الأرض يوم خلقت" أخرجه البيهقي وقال: تفرد به عبد الله بن سعيد المقبري ضعيف جدا جرحه أحمد ويحيى بن معين وجماعة (2). {114}
فهذا يدل على أن الركاز هو المعدن.
ثم الكلام هنا ينحصر في سبعة فروع:
(1)
المستخج من المعدن: هو ثلاثة أقسام:
(أ) مائع كالقار (الزفت) والنفط (زيت البترول) والملح المائي.
(ب) جامد لا ينطبع بالنار كالجص والنورة، والجواهر كالياقوت والفيروزج والزمرد، وهذان لا زكاة فيهما عند الثلاثة لعدم ما يدل على وجوب الزكاة فيهما.
(وقال) أحمد: فيهما الزكاة لعموم قوله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض"(3)، ولأنه معدن من غير جنس الأرض فتتعلق به الزكاة كالأثمان، فيجب في قيمته ربع العشر إذا بلغ نصابا في الحال (4).
(1) انظر 47 ج 2 زرقاني الموطأ (زكاة الركاز) وص 155 ج 4 بيهقي (ودفن) - بكسر فسكون- أي مدفون.
(2)
انظر ص 78 ج 3 مجمع الزوائد (الركاز والمعادن) و 152 ج 4 بيهقي (المعدن ركاز فيه الخم).
(3)
سورة البقرة: آية 267.
(4)
انظر ص 580 ج 2 شرح المقنع.
(جـ) جامد ينطبع ويذوب بالنار كالذهب والفضة والحديد والنحاس والرصاص، وفيه الخمس عند الحنفيين إذا استخرج من أرض خراج أو عشر أو صحراء لقوله تعالى:"واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسة"(1) ولا شك في صدق الغنيمة على هذا المال فإنه كان في أيدي الكفرة، وقد أوجف عليه المسلمون فكان غنيمة (ولحديث) أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"البئر جرحها جبار، والمعدن جرحه جبار، والعجماء جرحها جبار، وفي الركاز الخمس" أخرجه السبعة، وهذا لفظ مسلم (2). . {115}
…
والزكاة يعم المعدن والكنز كما قلنا فكان إيجاب الخمس فيه إيجابا فيهما. ولا يتوهم عدم إرادة المعدن بسبب عطف الركاز عليه بعد إفادة أنه جبار، أي هدر لا شيء فيه وإلا لتناقض فإنه الحكم المعلق بالمعدن ليس هو المعلق به في
(1) سورة الأنفال: الآية 41.
(2)
انظر ص 25 ج 9 - الفتح الرباني (الركاز والمعدن) وص 234 ج 3 فتح الباري (فر الركاز الخمس) وص 226 ج 11 نووي وص 322 ج 4 عون المعبود (العجماء والمعدن والبئر جبار- الديات) وص 345 ج 1 مجتبي (المعدن) وص 16 ج 2 تحفة الأحوذي (العجماء جرحها جبار) وص 77 ج 2 - ابن ماجه (الجبار) و (العجماء) بالمد: كل حيوان سوى الآدمي. وقال أبو داود: العجماء المنفلتة التي لا يكون معها أحد بالنهار لا بالليل (والجبار) بضم ففتح مخففا: الهد، يعني أن ما أتلفته البهيمة هدر. هذا محمول على ما أتلفته نهارا أو ليلا بلا تفريط من مالكها أو أتلفت شيئا وليس معها أحد. أما إذا كان معها سائق أو قائد أو راكب فأتلفت شيئا فعلى من معها الضمان وإذا أتلفت آدميا وجبت ديته على عاقلة من معها والكفارة في ماله عند الشافعي (وقال) مالك والليث: لا ضمان فيما أصابته بيدها أو رجلها.
…
(وقال) الحنفيون لا ضمان فيما نفحت برجلها دون يدها لإمكان التحفظ من اليد دون الرجل وإذا كانت معروفة بالإفساد ولم يكن معها أحد وأتلفت شيئا بالنهار ضمنه مالكها لأن عليه ربطها حينئذ وإن انفلتت ليلا أو نهارا فأتلفت شيئا فلا ضمان عند الحنفيين.
…
(وقال) مالك: يضمن صاحبها ما أتلفته (وقالت) الشافعية: إن فرط في حفظها ضمن وإلا فلا وكذلك المعدن والبئر إذا هلك الأجير فيهما فدمه هدر لا يطالب به. والمراد بالعجماء: الدابة المنفلتة ليس معها قائد ولا سائق. وبالبئر: ما يحفره الإنسان في ملكه فيتردى فيها إنسان فيكون هدرا.
ضمن الركاز ليختلف بالسلب والإيجاب، إذ المراد به إهلاكه الأجير الحافز له أو هلاكه به غير مضمون، لا أنه لا شيء فيه نفسه وإلا لم يجب شيء أصلا وهو خلاف المتفق عليه (1).
(وقال) أحمد: تجب الزكاة في كل أنواع المعدن إن بلغ نصابا بنفسه أو قيمته بلا اشتراط حول لعموم قوله تعالى: (ومما أخرجنا لكم من الأرض) ولقول الشافعي رضي الله عنه: أنبأ مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن غير واحد من علمائهم: أن النبي صلى الله عليه وسلم قطع لبلال بن الحارث المزني معادن القبلية. ومن ناحية الفرع فتلك المعادن لا يؤخذ منها إلا الزكاة إلى اليوم. أخرجه مالك والبيهقي والشافعي وقال: ليس هذا مما يثبت هل الحديث ولو أثبتوه لم تكن فيه رواية عن النبي صلى الله عليه وسلم وإلا إقطاعه. فأما الزكاة في المعادن دون الخمس فليست مروية عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه (2). (وإنما) لم يعتبر له الحول لحوله دفعة واحدة فأشبه الزروع والثمار، ولأن النماء يتكامل فيه بالوجود والأخذ فهو كالزرع. إذا ثبت هذا فإنه يشترط إخراج النصاب دفعة واحدة أو دفعات لا يترك العمل بينهن ترك إهمال، فإن أخرج دون النصاب ثم ترك العمل مهملا له ثم أخرج دون النصاب فلا زكاة فيهما، وإن بلغ مجموعهما نصابا لفوات الشرط، وإن بلغ أحدهما نصابا دون الآخر، ركي النصاب وحده، ويجب فيما زاد على النصاب بحسابه كالأثمان والخارج من الأرض. فأما ترك العمل ليلا وللاستراحة أو لعذر من مرض أو لإصلاح الأداة أو إباق خادم ونحوه، فلا يقطع حكم العمل وإن كان مشتغلا بالعمل فخررج بين المعدنين تراب لا شيء فيه (3).
(1) أنظر ص 537 و 538 ج 2 فتح القدير (المعدن والركاز).
(2)
انظر ص 152 ج 4 بيهقي (زكاة المعدن ومن قال المعدن ليس بركاز) و (القبلية) بفتحتين فكر نسبة إلى قبل (بفتحتين) وهو ناحية من ساحل البحر بينها وبين المدينة خمسة أيام وقيل هي من ناحية الفرع (بضمتين) وهو موضع بين نحلة والمدينة (انظر ص 226 ج 3 نهاية).
(3)
انظر ص 528 ج 2 شرح المقنع
(وقال) مالك والشافعي: تجب الزكاة في معدن الذهب والفضة فقط إذا بلغ نصابا. وإن لم يحل عليه الحول (لحديث) عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده (ابن عمرو) أن النبي صلى الله عليه ولم قال: "لا زكاة في حجر" أخرجه ابن عدى في الكامل والبيهقي (1). {116}
ورواه من طريقين آخرين موقوفا ومرفوعا وقال: رواة هذا الحديث النبى صلى الله عليه وسلم أن يذكر له حكما آخر ، ذكره بالاسم الآخر وهو الركاز. ولفظ الحديث في صحيح كما تقدم: والبئر جبار ، وفي الركاز الخمس ، فلو قال: وفيه الخمس لحصل الالتباس بأحتمال عود الضمير إلى البئر (2).
…
(ويؤيده) ما روى عن على رضى الله عنه أنه جعل المعدن ركازا وأوجب فيه الخمس. أخرجه حميد بن زنجويه النسائي (3).
(2)
مكان المعدن: هو ثلاثة اقسام:
…
(الأول) ما يجده المسلم أو الذمى في داره أو ملكه. ولا شئ فيه عند النعمان وأحمد إلا إذا حال عليه الحول وهو نصاب ففيه الزكاة. (وقال) أبو يوسف ومحمد: يجب الخمس في الحال. (وقال) مالك والشافعي: تجب فيه الزكاة في الحال.
…
(الثانى) ما يجده فلاوة أو جبل أو موات ففيه الخمس وباقيه للواجد.
…
(الثالث) ما يستخرج من البحر ، فلا همس ولا زكاة فيه عند النعمان
(1) انظر ص 146 ج 4 بيهقى (مالا زكاة فيه من الجواهر غي الذهب والفضة).
(2)
أنظر ص 152 ج 4 - الجوهر النفى.
(3)
أنظر ص 103 ج 9 عمدة القارى (في الكاز الخمس) وقال الطحاوى في احكام القرآن: وقد كان الزهري-وهو راوى حديث الركاز -يذهب إلى وجوب الخمس في المعادن (روى) يونس عن الزهرى: في الركاز المعدن واللؤلؤ يخرج من البحر والعنبر من ذلك الخمس
(أنظر ص 154 ج 4 - الجوهر النقى).
ومحمد مالك ، وهو المشهور عن أحمد (لقول) أبن عباس رضى الله عنهما:
" ليس في العنبر زكاة انما هو شئ دسرة البحر " أخرجه البيهقي وعلقه البخاري (1). (وقال) جابر: " ليس في العنبر زكاة وانما هو غنبمة لمن أخذه " أخرجه ابن أبى شيبه (2). (وقال) الشافعي: تجب الزكاة في الذهب والفضة فقط.
(3)
مكان الركاز: هو ثلاثة أقسام:
…
(الأول) أن يجده مسلم أو ذمي ولو غير مكلف في موات أو ارض - لا يعلم مالكها - ولو على وجهها أو في طريق غير مسلوك ، ففيه الخمس اتفاقا (لقول) ابن عمرو رضى الله عنهما: سئل النبى صلى الله عليه وسلم عن اللقطة فقال: " ما كان في طريق مأتي ولا في قرية عامرة ففيه وفي الكاز الخمس " أخرجه النسائي (3). {117}
(الثاني) أن يجده في ملكه المنتقل إليه ولم يعلم انه دفين المسلمين فهو له عند أنى يوسف وهو الأصح عن أحمد ، لان الركاز لا يملك بملك الأرض لانه
(1) أنظر ص 146 ج 4 بيهق (ما لا زكاة فيه مما أخذ من البحر). وص 96 ج 9 عمدة القارئ (والعنبر) بفتح فسكون: نوع من الطيب
(ودسره) أى دفعه ورمى به إلى الساحل " وأما " ماروى طاوس أن ابن عباس سئل عن العنبر: أفيه زكاة؟ فقال: أن كان فيه شئ ففيه الخمس " فقد " أخرجه البيهق وقال: فابن عباس علق القول فيه في هذة الرواية وقطع بأن لا زكاة فيه في الروايه الأولى. فالقطع أولى (أنظر ص 146 ج 4 بيهقى).
(2)
انظر ص 97 ج 9 عمدة القارى (ما يتخرج من البحر).
(3)
أنظر ص 345 ج 1 مجبي (المعدن) و (مأتى) كمرمي اسى مسلوك و (عرفها) أمر من التعريف وهو اعلام الناس باللقطة (والا فلك) أي أن لم يظهر مالكها فهيا لك. وهذا إذا كان فقيرا. أما الغنى فلا يملكها بلى يعطيها للفقراء.
مودع فيها وانما يملك بالظهور عليه وواجده قد ظهر عليه فاستحق أنا يملكه ، إلا أن ادعى المالك الذى انتقل عنه الملك انه له فالقول قوله، لان يده كانت عليه يبعا لملكه ، وأن لم يدعه فهو لواجده (وقال) النعمان ومحمد: هو الأول مالك للأرض أو لورثته أن عرف والا وضع في بيت المال.
…
(وقال) الشافعى: هو للمالك قبل أن اعترف به ، والا فهو لمن قبله كذلك إلى أول مالك ، وهو رواية عن أحمد. وان انتقلت الأرض بالميراث حكم بأنه ميراث ، فأن اتفقت الورثه على أنه لم يكن لمورثهم فهو لأول مالك ، فان لم يعرف فهو مال ضائع يوضع في بيت المال ، وان اختلفت الورثه فأدعى بعضهم أنه لمورثهم وأنكر البعض ، فكم من أنكر في نصيبه حكم المالك الذى لم يعترف به وحكم المدعى حكم المالك المعترف (1).
…
(الثالث) أن يجده في ملك مسلم أو ذمي فهو لصاحب الملك عند النعمان ومحمد بن الحسن وهو رواية عن أحمد ، وعنه أنه لواجده واستحسنه أبو يوسف ، لان الكنز لا يملك بملك الأرض على ما تقدم إلا أن ادعاه المالك فالقول له ، لأن عليه تبعا للملك وان لم يدعه فهو لواجده.
…
(وقال) الشافعي: هو لمالك الدار أن اعترف به والا فهو لأول مالك. وان استأجر حفارا ليحفر له طلبا للكنز فوجده فهو للمستأجر لأنه استأجره لذلك ، وان استأجره لأمر غير طلب الكنز فهوا لواجده ، وقيل لمالك الأرض (2).
(4)
ما يجب في الركاز:
الركاز إذا كان دفين الجاهلية بأن كان عليه صورة صم أو صليب أو كان ضرب الجاهلية ففيه الخمس اتفاقا ، سواء أكان ذهبا أم فضه أم رصاصا أم زئبقا ، أم كان من غير جنس الأرض أم لا ينطبع وأربعة أخماسه
(1) أنظر ص 588 إلى 590 ج 2 شرح المقنع.
(2)
أنظر ص 590 منه.
لأقدم مالك للأرض - عند النعمان ومحمد بن الحسن ومالك والشافعي - أن عرف المالك ووجد الركاز في دار أو أرض مملوكتين له وأن كان ميتا فلورثته أن عرفوا وإلا يوضع في بيت المال (وقال) أبو يوسف وأحمد: أربعة أخماس الركاز للواجد ما لم يدعه مالك الأرض ، فان ادعى أنه ملكه فالقول قوله اتفاقا (1). (ودليل) ذلك فول ابن عباس رضى الله عنهما:" قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الركاز الخمس " أخرجه أحمد وابن أبى شيبة بسند جيد (2). {118}
…
(وعن) ابن عمرو أن النبى صلى الله عليه وسلم قال - في كنز وجده رجل في خربة جاهليه -: أن وجدته في قريه مسكونة أو سبيل مؤتاة فعرفه وان وجدته في خربة جاهلية أو في قرية غير مسكونة ففيه وفي الركاز الخمس. أخرجه البيهقى بسند حسن (3). {119}
ولا طلاق هذه الأحاديث قال الحنفيون: يجب الخما في الركاز قل أو كثر ولا يعتبر فيه نصاب
(وقال) الأئمة الثلاثة: يعتبر فيه النصاب (لحديث) أبى سعيد الخدرى أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: " لا صدقة فيما دون خمس اوراق من الورق " أخرجه السبعة (4). {120}
…
(وأجاب) الحنفيون بأن الظاهر من الصدقة الزكاة فلا تتناول الخمس لأنة لا يسمى زكاة إلا مجازا.
(1) أنظر ص 207 ج 1 - الدرر المنيفة شرح الدرة اللطيفة للمرحوم الشيخ أمين خطاب.
(2)
أنظر ص 75 ج 9 - الفتح الربانى (الركاز والمعدن).
(3)
أنظر ص 155 ج 4 بيهقى (زكاة الركاز).
(4)
أنظر ص 281 ج 1 - ابن ماجه (ما تجب فيه الذكااة من الاموال) وتقدم بيان باقى المراجع ص 139 رقم 34 (زكاة النعم).
(5)
من عليه الخمس؟ :
يجب الخمس على من وجد الركاز من مسلم وذمى مكلفا وغير مكلف عند الجمهور. فعلى الذمى - يجد الركاز - الخمس. وغير المكلف يخرج عنه وليه عند الحنفيين ومالك وأحمد والثوري وغيرهم (لعموم) قول النبى صلى الله عليه وسلم: " وفى الركاز الخمس"(1) ، فأنة يدل بعمومه على وجوب الخمس في كل الركاز ،
وبمفهومة على أن باقيه لواجدة كائنا من كان. وحكى عنه الصبى والمرأة أنهما لايملكان الركاز (2).
(6)
مصرف الخمس:
…
مصرفه مصرف خمس الغنيمة عند الحنفيين ومالك وهو الاصح عن أحمد لقوله تعالى:
((واعلموا أنما غنمتم من شئ فأن لله خمسه)) (3) ، ولا شك في صدق الغنيمة على هذا المال ، فانه كان مع مكانة في ايدى الكفرة وقد اوجف عليه المسلمين فكان غنيمة. (وقال) الشافعي: مصرفه مصرف الزكاة. وروى عن أحمد (لحديث) عبد الله بن بشر الحثعمي عن جل من قومه قال: سقطت على جرة من دير قديم بالكوفة فيها أربعة آلاف درهم، فذهبت بها إلى علىا رضى الله عنه فقال: اقسمها خمسة اقسام، فقسمتها، فأخذ منها على رضى الله عنه خمسا واعطانى أربعة اخماس، فلما ادبرت دعانى فقال: في جيرانك فقراء ومساكين؟ قلت: نعم. قال: خذها فاقسمها بينهم. أخرجه البيهقى (4).
(ويجوز) لواجد الركاز أن يتولى تفرقة الخمس بنفسه عند الحنفيين
(1) هذا عجز الحديث رقم 115 ص 231 (المستخرج من المعدن).
(2)
أنظر ص 587 ج 2 شرح المقنع.
(3)
سورة الانفال: آيه 41.
(4)
أنظر ص 156 و 157 ج 4 بيهقي (ماروى عن على في الركاز).
وابن المنذر لأثر على هذا وهو رواية عن أحمد ولأنة فئ مجاز رده أو بعضه على واجده كخراج الأرض (1).
(7)
ضم المعادن:
أن وجد في المعدن أجناس من الذهب أو الفضة ضم بعضها إلى بعض لأنها من جنس واحد، وان كان فيه أحد النقدين وجنس آخر ضم أحدهما إلى الآخر كما تضم العروض إلى الأثمان، وان استخرج نصابا من معدنيين وجبت الزكاة فيه كالزرع في مكانيين (2). وان وجد في المعدن الذهب والفضة فهل يضمان؟ فيه خلاف تقدم بيانه في بحث ضم النقدين (3).
زكاة الرءوسي
…
وهى صدفة الفطر، ويقال لها زكاة الفطر أضيفت إلى الفطر لكونها تجب بالفطر من رمضان (روى) عبد الله بن عم أن النبي صلى الله علية وسلم ((فرض زكاة الفطر من رمضان على كل نفس من المسلمين حر أو عبد، أو رجل أو امرأة، صغير أو كبير، صاعا من تمر أو صاعا من شعير)) أخرجه مالك والنسائى ومسلم وهذا لفظه (4).
…
هذا، والصدقة عطية يقصد بها وجه الله تعالى وثوابه. وزكاة الفطر شرعا مال يعطى لمن يستحق الزكاة على وجه مخصوص يأتى بيانه أن شاء الله تعالى. ثم الكلام هنا ينحصر في بعة عشر فرعا:
(1) أنظر ص 587 ج 2 شرح المقنع.
(2)
أنظر ص 583 ج 2 منه.
(3)
تقدم ص 178.
(4)
أنظر ص 79 ج 2 زرقانى الموطا. وص 346 ج 1 مجتبى (فرض زكاة رمشان على المسلمين) وص 61 ج 7 نووى (زكاة الفطر) هذا وتسميه أول يوم من شوال يوم الفطر تسميه اسلاميه.
(1)
حكم زكاة الفطر:
هى واجبه عند الحنفيين لأنها ثبتت بدليل ظنى وان ورد في الحديث بلفظ: فرض، لأن معناه قدر. والراجح إنها واجبه على الفور يوم عيد الفطر (1)، لأنها إنما شرعت لغناء الفقير عن السؤال يوم الفطر. وفي التأخير تفويت لهذا الغرض السامي فوجوبها مقيد لا مطلق. (وقال) مالك والشافعي وأحمد والجمهور: زكاة الفطر فرض (لحديث) نافع عن ابن عمر ((أن النبى صلى الله عليه وسلم أمر بزكاة الفطر صاعا من تمر أو صاعا من شعير (قال)(ابن عمر: فجعل الناس عدله مدين من حنطة)) أخرجه الشيخان وابن ماجه (2). {122}
…
وأصل الأمر الوجوب. والواجب والفرض عندهم بمعنى، وهو ما طلب فعله طلبا جازما بدليل قطعى أو ظني. (وقال) أشهب المالكي وابن اللبان الشافعي وبعض الظاهرية: زكاة الفطر سنه، وتأولوا (فرض) بمعنى قدر (ورد) بورود الأمر بها والأمر للوجوب.
(2)
دليلها:
زكاة الفطر مشروعة بالكتاب والسنة وإجماع الأمة، قال الله تعالى:(قد أفلح من تزكي)(3). (روى) نافع عن ابن عمر انه كان يقول: نزلت هذه الآية في زكاة رمضان. أخرجه البيهقى (4).
(1) واختار علاء الدين الكاانى أن وجوب زكاة الفطر على التراخى قال: أختلف اصحابنا في زكاة الفطر فقال بعضهم: تجب وجوبا مضيقا في يوم الفطر (وقال) بعضهم: تجب وجوبا موسعا في الممر كالزكاة والنذور وهذا هو الصحيح لأن الأمر بأدائها مطلق عن الوقت فلا يتضيق إلا في آخر الممر (أنظر ص 69 ج 2 بدائع الصنائع).
(2)
أنظر ص 239 ج 3 فتح الباري (صدقه الفطر صاعا من تمر) وص 60 ج 7 نووى (زكاة الفطر) وص 287 ج 1 - ابن ماجة.
(3)
سورة الاعلي: آيه 14.
(4)
أنظر من 159 ج 4 بيهقى (زكاة الفطر).
(وقال) أبو سعيد الخدري رضي الله عنه: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "قد أفلح من تزكى * وذكر اسم ربه فلي" ثم يقسم الفطرة قبل أن يغدو إلى المصلى يوم الفطر. أخرجه ابن مردويه والبيهقي (1). (وقال) ابن عمر: إنما نزلت هذه الآية في إخراج صدقة الفطر قبل صلاة العيد "قد أفلح من تزكى * وذكر اسم ربه فصلى" أخرجه ابن مردوديه والبيهقي (2).
(وعن) ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم فرض زكاة الفطر من رمضان صاعا من تمر أو صاعا من شعير على كل حر أو عبد، صغير أو كبير، ذكر أو أنثى من المسلمين. أخرجه السبعة (3). {123}
(وقال) البيهقي: أجمع أهل العلم على وجوب زكاة الفطر، وإن اختلفوا في تميتها فرضا فلا يجوز تركها (4). (وفرضت) في شعبان من السنة الثانية من الهجرة.
(1) انظر ص 415 ج 5 تفسير الشوكاني.
(2)
انظر ص 415 ج 5 تفسير الشوكاني.
(3)
انظر ص 134 ج 9 - الفتح الرباني (زكاة الفطر) وص 237 ج 3 فتح الباري (صدقة الفطر على العبد وغيره) وص 58 ج 7 نووي (زكاة الفطر) وص 222 ج 9 - المنهل العذب (كم يؤدي من الفطر) وص 346 ج 1 مجتبي (فرض زكاة رمضان على المسلمين .. ) وص 28 ج 2 تحفة الأحوذي. وص 287 ج 1 - ابن ماجه (صدقة الفطر).
(4)
(فلا يجوز تركها) يرد على من زعم أن وجوبها نسخ بزكاة المال (لقول) أبي عمار: سألت قيس بن سعد عن صدقة الفطر فقال: أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم بصدقة الفطر قبل أن تنزل الزكاة ثم نزلت فلم ننه عنها ولم نؤمر بها ونحن نفعله. أخرجه أحمد والنسائي والبيهقي (انظر ص 136 ج 9 الفتح الرباني- زكاة الفطر- وص 347 ج 1 مجتبي- فرض صدقة الفطر قبل نزول الزكاة- وص 159 ج 4 بيهقي- زكاة الفطر فريضة) وقال: وهذا لا يدل على سقوط فرضها لأن نزول فرض لا يوجب سقوط آخر. وأيضا فإن في إسناده راويا مجهولا وعلى تقدير الصحة فلا دليل فيه على النسخ لاحتمال الاكتفاء بالأمر الأول (انظر ص 236 ج 3 فتح الباري- صدقة الفطر).
(3)
سببها:
سبب وجوب زكاة الفطر رأس يمونه ويلي عليه.
(4)
حكمتها:
حكمة مشروعيتها أنها تطهير للائم مما وقع منه من اللغو والرفثي ولتكون عونا للفقراء على كفايتهم يوم العيد (روى) عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمة للمساكين، من أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات. أخرجه أبو داود وابن ماجه والدارقطني وقال: ليس في رجاله مجروح، والحاكم وقال: صحيح على شرط البخاري (1). {124}
والغرض من الحديث بيان أن إخراج زكاة الفطر قبل صلاة العيد أفضل وهو مجمع عليه.
(5)
شروطها:
تجب زكاة الفطر بشروط ثلاثة:
(الأول) الإسلام: فلا تفترض على كافر إجماعا (لقول) النبي صلى الله عليه وسلم في حديثي ابن عمر "من المسلمين"(2)، ولأنها قربة وطهرة وهو ليس من أهلهما (قال) ابن المنذر: أجمع أهل العلم أن لا صدقة على الذمي في عبده المسلم لأنه كافر وهي زكاة فلا تجب عليه كزكاة المال.
(1) انظر ص 218 ج 9 - المنهل العذب (زكاة الفطر) وص 287 ج 1 - ابن ماجه (صدقة الفطر) وص 219 - الدارقطني. وص 409 ج 1 مستدرك (واللغو) ما لا فائدة فيه من قول أو فعل كالهزل واللعب والتعمق في الشهوات (والرفث) الفحش من القول. وكانت الفطرة كذلك لأن الحنات تذهب السيئات (وفي حديث) أبي ذر ومعاذ مرفوعا: واتبع السيئة الحسنة تمحها. أخرجه أحمد والترمذي والبيهقي، (أنظر رقم 115 ص 120 ج 1 فيض القدير).
(2)
انظر رقم 121 ص 238 و 123 ص 240.
(وعن) أحمد وبعض الشافعية: أنه يجب على الكافر إخراج صدقة الفطر عن عبده المسلم لأن العبد من أهل الطهرة فوجب أن تؤدي عنه زكاة الفطر، كما لو كان سيده مسلما (1). (أما المرتد) فلا تجب عليه عند الحنفيين، ولو ارتد بعد لزومها تسقط عنه. وعند غيرهم تفصيل يعلم مما تقدم في بحث الإسلام من شروط افتراض الزكاة (2). (وهل) على المسلم أن يزكى عن عبده الكافر؟ (قال) الجمهور: لا تجب لظاهر الحديث.
(وقال) الحنفيون والثورى: يجب على سيده المسلم أن يزكى عنه، لعموم حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بصدقة الفطر عن الصغير والكبير والحر والعبد من تمونون. أخرجه الدارقطني وقال: الصواب أنه موقوف، والبيهقي وقال: إسناده غير قوي لأن فيه القاسم بن عبد الله وليس بالقوى (3). {125}
(وعن) أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ليس في العبد صدقة إلا صدقة الفطر" أخرجه أحمد ومسلم والدارقطني (4). {126}
والعبد يعم المسلم وغيره، ولأن الوجوب على السيد والشرط إسلامه. (ورد) بأن عموم العبد في الحديثين يخصصه قول النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم "من المسلمين" في حديثي ابن عمر (فهو) صريح في أن العبد لابد أن يكون مسلما وإن كان المؤدى عنه سيده (فالراجح) ما ذهب إليه الجمهور من أن العبد الكافر لا يجب على سيده المسلم أن يزكى عن مملوكه الكافر "لا يصلح" للاحتجاج به (5).
(1) انظر ص 647 ج 2 مغنى ابن قدامة.
(2)
تقدم ص 118.
(3)
انظر ص 220 - الدارقطني. وص 161 ج 4 بيهقي (إخراج زكاة الفطر).
(4)
تقدم رقم 53 ص 157 (ما لا زكاة فيه).
(5)
(لا يصلح للاحتجاج به) منه:
…
(أ) حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه ولم قال: "دقة الفطر عن كل صغير وكبير ذكر وأنثى يهودي أو نصراني"(الحديث) أخرجه الدارقطني وفيه سلام الطويل متروك الحديث ولم يسنده غيره (وقال) الذهبي: خبر واه (وقال) ابن الجوزى: زيادة اليهودي والنصراني فيه موضوعية. تفرد بها سلام الطويل.
…
(ب) ما روى عن ابن عمر أنه كان يخرج صدقة الفطر عن كل ح وعبد صغير وكبير ذكر وأنثى كافر ومسلم حتى إن كان ليخرج عن مكاتبيه من غلمانه. أخرجه الدارقطني وفيه عثمان الوقاي متروك (انظر ص 224 - الدارقطني).
(الثاني) الحرية: فلا فطرة على رقيق إجماعا لأنه لا يملك، ولو ملك لا يتحقق منه التمليك.
(الثالث) اليسار عند الحنفيين: ويتحقق بملك نصاب من أنصبة الزكاة فاضل عن حوائجه الأصلية كمسكنه ومركبه وأثاث منزله، فلا فطرة على فقير لا يملك هذا النصاب (لحديث) أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"لا صدقة إلا عن ظهر غني واليد العليا خير من اليد السفلى وابدأ بمن تعول" أخرجه أحمد وعلق البخاري صدره (1). {127}
ولفظ (ظهر) زائد، ولا غنى مع الحاجة والمشغول بها كالعدم (وقال) مالك والشافعي وأحمد والجمهور: لا يشتط في وجوبها اليسار، فتجب على من يجد ما يؤديه زيادة عن قوته وقوت من يمونه يوم العيد وليلته (لحديث) عبد الله بن ثعلبة بن أبي صغير عن أبيه أن النبي صلى الله وسلم قال:"أدوا صاعا من قمح أو بر عن كل اثنين، صغير أو كبير، ذكر أو أنثى، حر أو مملوك، غنى أو فقير، أما غنيكم الله، وأما فقيركم فيرد الله عليه أكثر مما يعطي" أخرجه أحمد والبيهقي والدارقطني وأبو داود، وفيه النعمان بن راشد متكلم فيه (2). {128}
(1) انظر ص 103 ج 9 - الفتح الرباني (اليد العليا والسفلى) وتقدم رقم 27 ص 131 (زكاة المدين).
(2)
انظر ص 143 ج 9 - الفتح الرباني (من روى نصف صاع من قمح) و 163 ج 4 بيهقي (وجوبها على الغنى والفقير إذا قدر) وص 223 الدارقطني. و 235 ج 9 - المنهل العذب (من روى نصف صاع من قمح).
(وأجاب) الحنفيون بأن الحديث ضعيف بالنعمان بن راشد، فقد ضعفه غير واحد، وأيضا فإن أكثر الروايات ليس فيها ذكر الفقير فكانت هذه رواية شاذة فلا تقبل (وأجاب) الجمهور عن حديث "لا صدقة إلا عن ظهر غني" بأن المشهور فيه ما روى أبو هريرة مرفوعا:"خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى" أخرجه البخاري وأبو داود والنسائي (1). {129}
وهو لا ينافى طلبها من الفقير (ولعل) الظاهر قول الجمهور: إنها واجبه على الفقير الذي يجد ما يؤديها منه زائدا عن قوته وقوت من يمونه يوم العيد وليلته. (قال) الخطابي: وفي حديث عبد الله بن ثعلبة أنها تلزم الفقير إذا وجد ما يؤديه، ألا تراه يقول: وأما فقيركم فيرد الله عليه أكثر مما أعطاه، فقد أوجب عليه أن يؤديها عن نفسه مع إجازته له أن يأخذ صدقة غيره (2).
(وأما) التكليف فليس شرطا في وجوب الفطرة عند الأئمة الثلاثة، والنعمان وأبي يوسف، فتجب في مال الصبي والمجنون الغنيين يخرجها الولي منه وإلا أخرجها الولي عنهما من ماله (وقال) محمد وزفر: لا فطرة عليهما، فلو أدى الأب أو الوصي من مالهما لا يضمن عند الجمهور، ويضمن عند محمد وزفر، لأنها عبادة والعبادة لا تجب على غير المكلف.
(وقال) الجمهور: إنها ليست بعبادة محضة بل فيها معنى المؤنة فأشبهت زكاة الحرث (وكذا) صوم رمضان ليس شرطا لوجوب الفطرة، فمن أفطر لكبر أو مرض أو سفر يلزمه صدقة الفطر، لأن الأمر بأدائها مطلق عن هذا الشرط ولأنها تجب على غير المكلف بالصوم (3).
(1) انظر ص 190 ج 3 فتح الباري (لا صدقة إلا عن ظهر غنى) وص 327 ج 9 - المنهل العذب المورود (الرجل يخرج من ماله) وص 350 ج 1 مجتبي (الصدقة عن ظهر غنى).
(2)
انظر ص 52 ج 2 معالم السنن (كم يؤدي في صدقة الفطر).
(3)
انظر ص 70 ج 2 بدائع الصنائع.
(6 و 7) ركنها وثمرتها:
ركن صدقة الفطر تمليكها لمستحقها فلا تتأدى بالإباحة كالإطعام، وثمرتها سقوط الواجب في الدنيا ونيل الثواب في العقبى.
(8 و 9) من تجب عليه وعنه:
تجب على المسلم الحر الموسر أو ما يجد ما يؤديه زيادة عن قوته وقت من يمونه يوم العيد وليلته على ما تقدم بيانه. وتجب عن نفسه وعمن تلزمه نفقته ويلي أمره بسبب من ثلاثة:
(أ) القرابة: كطفله الفقير الذي عليه نفقته (لقول) عبد الله بن ثعلبة: خطب النبي صلى الله عليه وسلم الناس قبل الفطر بيوم أو يومين فقال: "أدوا صاعا من بر أو قمح بين اثنين أو صاعا من تمر أو شعير عن كل حر أو عبد صغير أو كبير" أخرجه عبد الرزاق وأحمد وأبو داود والدارقطني بسند صحيح قوي، غير أن عبد الله بن ثعلبة مختلف في صحبته (1). {130}
ولأن نفقتهم واجبة على الأب وولايته عليهم تامة (وهل) يخرج الجد عن ابن ابنه الفقير الصغير حال عدم الأب أو كونه فقيرا؟ (ذكر) محمد ابن الحسن أنه لا يخرج لأن ولاية الجد قاصرة لأنها لا تثبت إلا عند عدم الأب فأشبهت ولاية الوصي (وعن) النعمان أنه يخرج عنه (وبه) قال مالك والشافعي وأحمد؛ لأن الجد قائم مقام الأب عند عدمه فكانت ولايته كولاية الأب (أما) الأولاد الذكور الكبار العقلاء فلا يجب على الأب أن يخرج عنهم عند الحنفيين ومالك وإن كانوا في عياله فقراء عاجزين عن الكسب، لأن أحد شطري السبب وهو الولاية منعدم فيهم. وإن أخرج عنهم بلا إذنهم جاز.
(وقال) الشافعي وأحمد: على الأب فطرة أولاده الكبار إن كان ينفق
(1) انظر ص 407 ج 2 نصب الراية. وص 143 ج 9 - الفتح الرباني (من روى نصف صاع من قمح) وص 239 ج 9 - المنهل العذب المورود. وص 224 - الدارقطني.
عليهم لعجزهم عن الكسب، أو لاشتغالهم بطلب العلم، لعموم حديث ابن عمر "أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بصدقة الفطر عن الصغير والكبير والحر والعبد ممن تمونونه" أخرجه البيهقي والدارقطني وقال: رفعه القاسم بن عبد الله وهو ليس بالقوى. والصواب وقفه (1). {131}
…
(وقال) الأولون: الحديث محمول على جواز الأداء عنهم لا على الوجوب. ويخرج الأب عن الأنثى ما لم تتزوج. فلو زوجت الصغير وسلمت للزوج فلا فطرة لها على أبيها. ولا يلزم الرجل فطرة والديه وإن كانا فقيرين عند الحنفيين لعدم الولاية. وقال الأئمة الثلاثة: عليه فطرتهما كنفقتهما.
(ب) الزوجية: فيجب على الرجل فطرة زوجته المدخول بها زوجة أبيه الذي عليه نفقته ولو غنية أو مطلقة رجعيا أو دعى للدخول بها- عند الأئمة الثلاثة والليث- لأن النكاح سبب تجب به النفقة فوجبت به الفطرة، ولعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عمر:"ممن تمونون".
…
(وقال) الحنفيون والثورى: لا يجب عليه فطرة الزوجة لأن ولايته عليها قاصرة على حقوق الزوجية، فإن كانت غنية فعليها فطرتها في مالها.
…
(جـ) ملك من يمونه ويلي عليه: فيخرج الفطرة عن عبده للخدمة ولو مدبرا أو أم ولد أو مأذونا له في التجارة، لعموم حديث ابن عمر رضي الله عنهما السابق (وأما) زوجة العبد ففطرتها عند الحنفيين على نفسها إن كانت حرة موسرة وإلا فلا. (والمعتمد) عند مالك أن لا فطرة لها على زوجها (وقيل) يخرج عنها ولو حرة لوجوب نفقتها عليه (2). (وقال) الشافعي: فطرتها على سيد زوجها وهو قياس مذهب أحمد. وذكر أصحابه أن فطرتها على نفسها إن كانت حرة وعلى سيدها إن كانت أمة (3).
(فائدة) الخادم الحر ولاية مخدومه عليه قاصرة، فلا تلزمه فطرته عند
(1) تقدم رقم 125 ص 242.
(2)
انظر ص 612 ج 1 - الفجر المنير.
(3)
انظر ص 651 ج 2 شرح المقنع.
الحنفيين وعليه فطرة نفسه إن كان غنيا (وقال) غيرهم: إن التزم المخدوم نفقة الخادم لزمه فطرته وإلا فلا.
(10)
وقت وجوب زكاة الفطر:
تجب بطلوع فجر يوم الفطر- عند الحنفيين والليث وهو رواية ابن القاسم عن مالك- لأنها قربة تتعلق بيوم الفطر فلا تتقدم عليه كالأضحية.
(وقال) الشافعي وأحمد والثوري: تجب بغروب شمس آخر يوم من رمضان وهو رواية أشهب عن مالك، لأنها تضاف إلى الفطر فتجب به (ولما) في حديثي ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم فرض زكاة الفطر من رمضان (1) والفطر من رمضان لا يكون إلا بغروب شمس آخر رمضان، ولأن الفطرة شرعت طهرة للصائم كما في حديث ابن عباس (2) فأفاد أن وقت الوجوب بعد غروب شمس آخر يوم من رمضان.
(وثمرة) الخلاف تظهر فيمن ولد أو أسلم أو استغنى عند طلوع فجر يوم الفطر وبعد غروب شمس آخر يوم من رمضان: تلزم فطرته عند الحنفيين، ولا تلزم عند غيرهم. وإن حصل ما ذكر بعد الفجر فلا زكاة اتفاقا. ومن مات أو ارتد أو أعسر قبل طلوع الفجر لزمت فطرته عند الشافعي ومن وافقه. ولا تلزم عند الحنفيين.
(11)
وقت أدائها:
وقت أداء زكاة الفطر جميع العمر عند الأربعة والجمهور ولا تسقط بالتأخير عن يوم الفطر، لأن الأمر بأدائها مطلق عن الوقت فتؤدي في أي وقت، وإنما يتعين بالأداء أو بآخر العمر وفي أي وقت أدى كان مؤديا لا قاضيا كما في سائر الواجبات الموسعة. غير أن المستحب أن يخرجها قبل الخروج إلى المصلى، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك (3) ويأمر به
(1) تقدم رقم 121 ص 238، 123 ص 240.
(2)
تقدم رقم 124 ص 241 (حكمتها).
(3)
انظر ص 84 ج 2 بدائع الصنائع.
(روى) نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأمر بإخراج الزكاة قبل الغدو لصلاة يوم الفطر. أخرجه الترمذي. وقال: حسن صحيح (1). {132}
(وعن) ابن عمر "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بزكاة الفطر أن تؤدي قبل خروج الناس إلى الصلاة" أخرجه السبعة إلا ابن ماجه (2). {133}
وباستحباب ذلك قال الأئمة الأربعة والجمهور واستدلوا بهذه الأحاديث على كراهة تأخير إخراج صدقة الفطر عن صلاة العيد (وقال) ابن حزم بحزمته (وظاهر) قوله في حديث ابن عباس: من أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات (3)(أن) من أداها بعد صلاة العيد لا تعتبر زكاة بل صدقة من الصدقات، وأمر القبول فيها موقوف على مشيئة الله تعالى (والجمهور) على أنها مجزئة إلى آخر يوم الفطر وتأخيرها عنه بلا عذر حرام عند الأئمة الأربعة والجمهور، لأن زكاة واجبة لإغناء الفقير في هذا اليوم، فكان في تأخيرها إثم، ولا تسقط بالتأخير (خلافا) للحسن بن زياد الحنفي وداود الظاهري حيث قالا بسقوطها لأنها قربة تختص بيوم العيد فتسقط بمضيه، كالأضحية تسقط بمضي أيام النحر (ورد) بأن الأضحية غير معقولة المعنى فلا تكون قربة إلا في وقتها، أما الزكاة فإنها قربة مالية معقولة المعنى فلا تسقط إلا بالأداء.
(وعن) ابن سيرين والنخعي الرخصة في تأخيرها عن يوم العيد. قيل لأحمد: فإن أخرج الزكاة ولم يعطها، قال: نعم إذا أعدها القوم واتباع السنة أولى (4)(ويجوز تقديمها) ولو قبل رمضان ولعدة سنين على الصحيح
(1) انظر ص 29 ج 2 تحفة الأحوذي (تقديمها قبل الصلاة)(والغدو) المشي أول النهار.
(2)
انظر ص 150 ج 9 - الفتح الرباني (وقت إخراجها) وص 241 ج 3 فتح الباري (الصدقة قبل العيد) وص 63 ج 7 نووي (زكاة الفطر) وص 220 ج 9 - المنهل العذب المورود (متى تؤدي) وص 348 ج 1 مجتبي (الوقت الذي يستحب أن تؤدى فيه صدقة الفطر).
(3)
تقدم رقم 124 ص 241 (حكمتها).
(4)
انظر ص 666 ج 2 مغنى ابن قدامة.
عند الحنفيين لتحقيق سبب الوجوب وهو راس يمونه ويلي عليه فصار كإخراج الزكاة بعد وجود النصاب. وعند الشافعي يجوز تعجيلها بعد دخول رمضان لا قبله لأنها صدقة الفطر ولا فطر قبل الشروع في الصوم.
(وقال) بعض الحنبلية: يجوز تعجيلها في النصف الأخير من رمضان (وقال) مالك والكرخي: يجوز تقديمها يوما أو يومين قبل العيد وهو مشهور مذهب أحمد (لقول) ابن عمر رضي الله عنهما: "أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بزكاة الفطر أن تؤدي قبل خروج الناس إلى الصلاة. قال نافع: وكان ابن عمر يؤديها قبل ذلك باليوم واليومين" أخرجه أبو داود والدارقطني (1). {134}
(وقال) البخاري: وكان ابن عمر يعطيها الذين يقبلونها وكانوا يعطون قبل الفطر بيوم أو يومين (2) وهذا مما لا يخفى على النبي صلى الله عليه وسلم بل لابد من كونه بإذن سابق فإن الإسقاط قبل الوجوب مما لا يعقل، فلم يكونوا يقدمون عليه إلا بسمع (3)(والدليل) ظاهر فيما ذهب إليه مالك وأحمد، لأن المقصود من زكاة الفطر إغناء الفقير يوم العيد وتعجيلها اليوم واليومين لا يخل بالمقصود منها، فإن الظاهر أنها تبقى أو بعضها إلى يوم العيد فيستغني بها عن السؤال فيه. والله ولي التوفيق.
(12)
الواجب في زكاة الفطر وقدره:
يجب فيها نصف صاع من بر أو صاع من تمر أو شعير أو زبيب عند الحنفيين (لحديث) عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث مناديا في فجاج مكة: ألا إن صدقة الفطر واجبة على كل مسلم ذكر أو أنثى حر
(1) انظر ص 220 ج 9 - المنهل العذب المورود (متى تؤدى) وص 224 - الدارقطني.
(2)
انظر ص 242 ج 3 فتح الباري (صدقة الفطر على الحر والمملوك).
(3)
انظر ص 42 ج 2 فتح القدير (مقدار الواجب ووقته).
أو عبد صغير أو كبير مدان من قمح أو صاع سواه من طعام" أخرجه الدارقطني والترمذي وقال: حسن غريب (1). {135}
(وقال) ابن عمر: "كان الناس يخرجون صدقة الفطر على عهد النبي صلى الله عليه وسلم صاعا من شعير أو تمر أو سلت أو زبيب. فلما كان عمر وكثرت الحنطة جعل عمر نصف صاع حنطة مكان صاع من تلك الأشياء" أخرجه أبو داود والدارقطني (2)(وقالت) أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما: "كنا نؤدي زكاة الفطر على عهد النبي صلى الله عليه وسلم مدين من قمح بالمد الذي تقتاتون به" أخرجه أحمد والطبراني. وفي سنده ابن لهيعة متكلم فيه ورواه الطبراني في الأوسط بسند رجاله رجال الصحيح (3). {136}
(ولهذه) الأحاديث قال الحنفيون وزيد بن علي: يجزئ فيها نصف صاع من بر وصاع من غيره (وعن) النعمان أنه يكفي من الزبيب نصف صاع (لكنه) مردود بهذه الأحاديث ونحوها الدالة على الزبيب لا يكفي منه إلا صاع. ولذا اختاره أبو يوسف ومحمد، وعليه الفتوى عند الحنفيين، وقالوا: تؤدي من القمح ودقيقه وسويقه والشعير ودقيقه وسويقه والسلت كذلك والتمر والزبيب. ولا تكفي الفطرة من غير هذه الأصناف إلا بالقيمة.
(وقال) مالك والشافعي: يجب في صدقة الفطر صاع من غالب قوت البلد في السنة. ورجح الحطاب المالكي اعتبار غالب القوت في رمضان. واستظهر الأمير غالب القوت يوم الوجوب (وقال) أحمد: يجب في الفطرة
(1) انظر ص 220 - الدارقطني وص 28 ج 2 تحفة الأحوذى (صدقة الفطر) وفي سند الحديث سالم بن نوح وثقه أبو زرعة وابن حبان، وقال في التنقيح: هو صدوق روى له مسلم في صحيحه وقال النسائي: ليس بالقوى.
(2)
انظر ص 227 ج 9 - المنهل العذب المورود (كم يؤدي في صدقة الفطر) وص 222 - الدارقطني وفي سند الحديث عبد العزيز بن أبي داود وثقه يحيى القطان وابن معين وأبو حاتم والحاكم وغيرهم. وهم أعرف ممن ضعفه. وقد أخرج له البخاري استشهادا (والسلت) بضم فسكون نوع من الشعير ليس له قشر كأنه الحنطة، وقيل هو حب بين الحنطة والشعير.
(3)
انظر ص 144 ج 9 - الفتح الرباني (من روى نصف صاع من قمح) وص 81 ج 3 مجمع الزوائد (صدقة الفطر).
صاع من البر والشعير ودقيقهما وسويقهما والتمر والزبيب يخير في الإخراج من أيها إن وجدت، وإلا أخرج من المقتات من حب أو تمر وهو قول للشافعي ويخرج الأقط في رواية عن أحد (لقول) أبي سعيد الخدري رضي الله عنه:"كنا إذا كان فينا النبي صلى الله عليه وسلم نخرج زكاة الفطر عن كل صغير وكبير حر ومملوك صاعا من طعام أو صاعا من أقط أو صاعا من شعير أو صاعا من تمر أو صاعا من زبيب فلم نزل نخرجه حتى قدم معاوية حاجا أو معتمرا فكلم الناس على المنبر فكان فيما كلم به الناس أن قال: إني أرى أن مدين من سمراء الشام تعدل صاعا من تمر، فأخذ الناس بذلك. قال أبو سعيد: فأما أنا فلا أزال أخرجه أبدا ما عشت" أخرجه السبعة وقال الترمذي: حسن صحيح (1). {137}
والعمل على هذا عند بعض أهل العلم يرون مكن كل شيء صاعا. وهو قول الشافعي وإسحاق. وقال بعض أهل العلم: من كل شيء صاع إلا البر فإنه يجزئ نصف صاع، وهو قول سفيان الثوري وابن المبارك وأهل الكوفة و (السمراء) القمح.
والحديث يدل:
(أ) على جواز إخراج الأقط في الفطرة. وبه قال مالك وروى عن أحمد (وقال) الحنفيون: لا يجزئ إلا باعتبار القيمة (وقال) الشافعي: لا أحب أن يخرج الأقط فإن أخرج صاعا منه لم يتبين لي أن عليه الإعادة.
(1) انظر ص 138 ج 9 - الفتح الرباني (مقدارها وأصنافها) وص 239 ج 3 فتح الباري (صاع من زبيب) وص 62 ج 7 نووي (زكاة الفطر) وص 229 ج 9 المنهل العذب المورود (كم يؤدي في صدقة الفطر) وص 347 ج 1 مجتبي (الزبيب) وص 27 ج 2 تحفة الأحوذى وص 288 ج 1 - ابن ماجه (صدقة الفطر) و (الطعام) في الأصل يشمل كل ما يقتات به من الحنطة والتمر والشعير وغيرها (وقوله) في رواية لأحمد وغيره: فلماجاء معاوية وجاءت السمراء قال: إني أرى معدا من هذا يعدل مدين (دليل) على أن الحنطة لم تكن لهم قوتا قبل هذا فكيف يتوهم أنهم أخرجوا ما لم يكن موجودا؟ (والأقط) - بفتح الهمزة وكسر القاف وقد تسكن مع فتح الهمزة وكسرها-: لبن مجفف غير منزوع الزبد.
(ب) على أنه يكفي في الفطرة نصف صاع من بر، وهو قول الحنفيين وقد صح عن الخلفاء الراشدين وغيرهم (روى) أبو قلابة عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه أخرج زكاة الفطر مدين من حنطة وأن رجلا أدى إليه صاعا بين اثنين. أخرجه عبد الرزاق والدارقطني والطحاوي (1).
(وقال) عمر لنافع: إنما زكاتك على سيدك أن يؤدي عنك عند كل فطر صاعا من تمر أو شعير أو نصف صاع بر. أخرجه الطحاوي (2)(وقال) عثمان رضي الله عنه في خطبته: أدوا زكاة الفطر مدين من حنطة. أخرجه الطحاوي (3).
(وقال) علي رضي الله عنه: على من جرت عليه نفقتك نصف صاع من بر أو صاع من شعير أو تمر. أخرجه عبد الرزاق والدارقطني (4)(وقال) ابن الزبير: زكاة الفطر مدان من قمح أو صاع عن تمر أو شعير. أخرجه عبد الرزاق وابن أبي شيبة (5).
الدقيق والسويق: يجوز إخراجهما في الفطرة عند الحنفيين وأحمد (لقول) أبي سعيد الخدري: لم نخرج على عهد النبي صلى الله عليه وسلم إلا صاعا من تمر أو صاعا من شعير أو صاعا من زبيب أو صاعا من دقيق أو صاعا من أقط أو صاعا من سلت. أخرجه النسائي (6). {138}
(وروى) محمد بن سيرين عن ابن عباس قال: أمرنا أن نعطي صدقة رمضان عن الصغير والكبير والحر والمملوك صاعا من طعام، ومن أدى برا قبل منه، ومن أدى شعيرا قبل منه، ومن أدى زبيبا قبل منه، ومن أدى سلتا قبل منه، وأحسبه قال: ومن أدى دقيقا قبل منه، ومن أدى سويقا قبل منه
(1) انظر ص 225 - الدارقطني. وص 321 ج 1 شرح معاني الآثار. وص 426 ج 2 نصب الراية.
(2)
انظر ص 321 ج 1 شرح معاني الآثار. وص 426 و 427 ج 2 نصب الراية.
(3)
انظر ص 321 ج 1 شرح معاني الآثار. وص 426 و 427 ج 2 نصب الراية.
(4)
انظر ص 225 - الدارقطني. وص 427 ج 4 نصب الراية.
(5)
انظر ص 427 منه.
(6)
انظر ص 347 ج 1 مجتبي (الدقيق).
أخرجه البيهقي وقال: هذا مرسل. محمد بن سيرين لم يسمع من ابن عباس شيئا (1). {139}
(هذا) والواجب عند الحنفيين نصف صاع من دقيق القمح وسويقه وصاع من دقيق الشعير وسويقه (وقال) أحمد: الواجب صاع من كل (وقالت) المالكية والشافعية والجمهور: لا يجوز إخراج الدقيق والسويق، لأنهما لم يذكرا في الأحاديث الصحيحة.
(13)
قدر الصاع:
الصاع قدحان بالكيل المصري أو أربعة أمداد، والمد حفنة بكفي الرجل المعتدل الكفين. وهو رطل وثلث بالعراقي عند مالك والشافعي وأحمد وفقهاء الحجاز وأبي يوسف. فيكون الصاع خمس أرطال وثلثا (وقال) النعمان ومحمد وفقهاء العراق: المد رطلان فيكون الصاع ثمانية أرطال. والرطل العراقي عند الحنفيين والرافعي 130 درهم بالدرهم المتعارف، وعند الحنبلية 128 درهم وأربعة أسباع درهم، ورجحه النووي. وعند المالكية 128 درهم (والحق) أن الخلاف في وزن الصاع لفظي وبيانه:
(أ) أن من قال: إنه خمسة أرطال وثلث رطل عراقي اعتبره من التمر والشعير (لقول) أبي داود: سمعت أحمد بن حنبل يقول: الفرق ستة عشر رطلا وسمعته يقول: صاغ ابن أبي ذئب خمسة أرطال وثلث. قال: فمن قال ثمانية أرطال؟ قال ليس ذلك بمحفوظ. ذكره البيهقي (2).
(وقال) الحسين بن الوليد القرشي: قدم علينا أبو يوسف رحمة الله من الحج فقال: إني أريد أن أفتح عليكم بابا من العلم همني تفحصت عنه فقدمت المدينة فسألت عن الصاع فقالوا: صاعنا هذا صاع رسول الله صلى الله عليه وسلم. قلت: ما حجتكم في ذلك؟ قالوا: نأتيك بالحجة غدا. فلما أصبحت
(1) انظر ص 168 و 169 ج 4 بيهقي (من قال يخرج من الحنطة نصف صاع).
(2)
انظر ص 170 ج 4 بيهقي (صاع النبي صلى الله عليه وسلم كان خمسة أرطال وثلث).
أتاني نحو من خمسين شيخا من أبناء المهاجرين والأنصار مع كل رجل منهم الصاع تحت ردائه كل رجل منهم يخبر عن أبيه أو عن أهل بيته أن هذا صاع النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم، فنظرت فإذا هي سواء فعايرته، فإذا هو خمسة أرطال وثلث بنقصان يسير فرأيت أمرا قويا فتركت قول أبي حنيفة رضي الله عنه في الصاع وأخذت بقول أهل المدينة. ذكره البيهقي (1).
(ب) ومن قال: الصاع ثمانية أرطال اعتبره من الماء (لما روي) عبد الكريم عن أنس بن مالك قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ بالمد رطلين ويغتسل بالصاع ثمانية أرطال" أخرجه الدارقطني والبيهقي بسند ضعيف (2). {140}
(وقال) والصحيح عن أنس بن مالك: كان النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ بالمد ويغتسل بالصاع إلى خمس أمداد. ثم أخبرت أسماء بنت أبي بكر أنهم كانوا يخرجون زكاة الفطر بالصاع الذي كانوا يقتاتون به. فدل ذلك على مخالفة صاع الزكاة والقوت صاع الغسل (3)(ومنه) يعلم أنه لا خلاف في وزن مد وصاع الفطرة. والاشتباه إنما جاء لعدم بيان المكيل بهما وهو يختلف خفة ورزانة (4).
(1) انظر ص 171 ج 4 بيهقي.
(2)
انظر ص 226 - الدارقطني. وص 171 ج 4 بيهقي.
(3)
انظر ص 172 منه.
(4)
وذلك أن الماء أثقل من العدس وهو أثقل من الحلبة والفول. وهما أثقل من البر والحمص وهما أثقل من الذرة الشامي وهي أثقل من الذرة الطبيعي وهي أثقل من التمر والشعير. فإن الصاع منهما يزن 693 وثلث درهم وهي خمسة أرطال وثلث بالعراقي. والصاع من الماء العذب الصافي أو المعين 1040 درهم وهي ثمانية أرطال بالعراقي. وقد وزن القدح المصري فوجد أنه يسع من القمح 470 درهم ومن الذرة الشامي 454 ونصف درهم ومن الشعير 370 ونصف درهم، أي أنه يسع مدين وثمن مد تقريبا إذا وضع الحب بلا زلزلة ولا دك ولا تقبيب باليد. فزيادة ثمن المد تقابل ما في الحب من الطين والتراب. فالقدح بحالته يساوي نصف الصاع "وأما" ما في كتب المالكية من أن الصاع بالكيل المصري قدح وثلث قدح "ففيه" شيء من التسامح حتى لو تمشينا على ما اشهر عنهم من أن الدرهم الشرعي أقل في الوزن من الدرهم العرفي. فإن الصاع على ما قالوا يسع من متوسط الشعير 682 درهما شرعيا بضرب خمسة أرطال وثلث في مقدار الرطل عندهم وهو 128 درهم وهي بالدرهم العرفي 537 درهم تقريبا بضرب دراهم الصاع وهي 682 في مقدار الدرهم الشرعي وهو 50.4 حبة من الشعير وقسمة الحاصل على مقدار الدرهم العرفي وهو 64 حبة ينتج 537 درهم عرفي تقريبا. وتقدم أن القدح المصري يسع من الشعير 370 درهم ونصف درهم فإذا قسم مقدار الصاع على مقدار القدح كان الخارج 1 .. 45 أي قدح ونصف تقريبا "وما اشتهر" في كتب الحنفيين من أن الصاع قد حان وثلثا قدح "فمبني" على أن الصاع ثمانية أرطال بالعراقي وأن الخلاف في وزنه حقيقي وقد علمت أنه لفظي وأنه لا خلاف في أن صاع الفطرة خمسة أرطال وثلث بالعراقي (انظر تمامه ص 223 ج 9 - المنهل العذب المورود).
(14)
إخراج القيمة:
يجوز عند الحنفيين إخراج قيمة الواجب في زكاة الفطر، لما تقدم في بحث دفع القيمة في الزكاة (1) وروى عن أبي يوسف أنه قال: الدقيق أحب إلي من الحنطة والدرهم أحب إلي من الدقيق والحنطة لأن ذلك أقرب إلى دفع حاجة الفقير ولأن المطلوب إناء الفقير في هذا اليوم، والإغناء يحصل بالقيمة بل هو بها أتم وأوفر. ولا يجوز أداء المنصوص عليه بعضه عن بعض باعتبار القيمة "فكما" لا يجوز إخراج الحنطة عن الحنطة باعتبار القيمة- بأن يؤدي نصف صاع من حنطة جيدة عن صاع من حنطة وسط لا يجوز أن يؤدي نصف صاع من تمر- تبلغ قيمته نصف صاع من البر- بل يقع عن التمر، وعليه تكميل الباقي، لأن القيمة لا تعتبر في المنصوص عليه (2).
(وقال) الأئمة الثلاثة: لا يجزئ دفع القيمة (قال) أبو داود: قيل لأحمد، أعطى دراهم في صدقة؟ قال: أخاف أن لا يجزئه. خلاف سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم (وظاهر) مذهب أحمد أنه لا يجزئ إخراج القيمة في شيء من الزكوات (وروى) عنه جواز دفع القيمة فيما عدا الفطرة (قال) أبو داود: سئل أحمد عن رجل باع ثمرة نخله قال: عشرة على الذي باعه. قيل له: فيخرج ثمرا أو ثمنه؟ قال: إن شاء أخرج ثمرا وإن شاء أخرج من الثمن (3)(هذا) والأفضل عند الحنفيين إخراج زكاة الفطر مما هو أعلى قيمة
(1) تقدم ص 222، 223، 224.
(2)
انظر ص 72 ج 2 بدائع الصنائع.
(3)
انظر ص 661 ج 2 مغنى ابن قادمة.
(وقال) مالك وأحمد: الأفضل إخراج التمر (وقال) الشافعي: البر أفضل. ولعله كان أعلى في وقته ومكانه، لأن المستحب أن يخرج أغلاها ثمنا وأنفسها صنفا (واختار) مالك وأحمد إخراج التمر اقتداء بالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأصحابه.
(قال) ابن عمر: "فرض النبي صلى الله عليه وسلم صدقة الفطر على الذكر والأنثى والحر والمملوك صاعا من تمر أو صاعا من شعير فعدل الناس به نصف صاع من بر فكان ابن عمر يعطي التمر فأعوز أهل المدينة التمر فأعطى الشعير" أخرجه أحمد والبخاري وأبو داود (1).
والحكمة في هذا أن التمر فيه قوة وحلاوة، وهو أقرب تناولا وأقل كلفة. والأفضل بعد التمر البر، وقيل الزبيب لأنه أقرب تناولا وأقل كلفة (ورد) بأن البر أنفع في الاقتيات وأبلغ في دفع حاجة الفقير.؟
(قال) أبو مجلز: قلت لابن عمر: قد أوسع الله والبر أفضل من التمر أفلا نعطي البر؟ قال: لا أعطي إلا كما كان يعطي أصحابي. أخرجه جعفر الفرياني (2). ويستنبط منه أنهم كانوا يخرجون من أعلى الأصناف التي يقتات بها، فإن التمر أعلى من غيره وقتئذ.
(15)
مكان أدائها:
تؤدي زكاة الفطر في مكان المؤدى عنه- عند النعمان وأبي يوسف ومالك والشافعي- فيؤدي الموسر زكاة الفطر عن نفسه حيث هو وعمن يمونه ويلي عليه حيث هم، لأنها أحد نوعي الزكاة، وزكاة المال تؤدي حيث المال، فكذا زكاة الرأس تؤدي في مكان الرأس. والعبرة بقوت موضع المخرج عنه
(1) انظر ص 139 ج 9 - الفتح الرباني (مقدارها وأصنافها)(وص 242 ج 3 فتح الباري 0 صدقة الفطر على الحر والمملوك) وص 228 ج 9 - المنهل العذب (كم يؤدي في صدقة الفطر)(فعدل) بفتحات، أي سوى الناس نصف الصاع من بر بصاع من غيره لما رأوا من الاستواء في المنفعة والقيمة. والمراد بالناس أهل المدينة والشام (فأعوز) أي أعجزهم الحصول على التمر.
(2)
انظر ص 242 ج 3 فتح الباري (الشرح).
فإن أخرج عن أهله من الصنف الذي يأكلونه وإن أخرجوا عنه أخرجوا من الصنف الذي يأكله (1) ولو عجلها بمحل ثم سافر لآخر فوجبت عليه فيه أجزأت (وقال) محمد بن الحسن المعتبر مكان المؤدى فيخرج عن نفسه وعمن يلي عليه في مكانه لأنها تتعلق بذمة المؤدى لا بماله فيعتبر مكانه.
(16)
سقوطها:
تسقط زكاة الفطر عند الحنفيين بالردة وبموت من وجبت عليه بلا وصية (وقال) مالك تسقط بالموت بلا وصية لا بالردة (وقال) الشافعي وأحمد: لا تسقط بهما على ما تقدم بيانه في بحثي شروط افتراض الزكاة وقضائها (2) فإن مات من وجبت عليه الفطرة قبل أدائها بلا وصية سقطت عنه عند الحنفيين ومالك، وإن أوصى بها تخرج من ثلث ماله كسائر الوصايا.
(وقال) الشافعي وأحمد: تخرج من تركته وإن لم يوص. فإن كان عليه دين وله مال يفي بالفطرة والدين قضيا جميعا. وإن لم يف بهما قسم بينهما بالحصص. وإن كان عليه زكاة مال وصدقة فطر ودين، فزكاة الفطر والمال كالشيء الواحد لاتحاد مصر فهما فتقسم التركة بينهما وبين الدين، لأن حق الله تعالى وحق الآدمي إذا تعلقا بمحل واحد تساويا في الاستيفاء (ولو مات) من يمونه بعد وجوب الفطر تسقط عند الحنفيين ومالك (وقال) الشافعي وأحمد: لا تسقط لأنها دين ثبت في ذمته بسبب من يمونه فلا تسقط بموته (3).
(17)
مصرفها:
تصرف زكاة الفطر عند مالك لحر مسلم فقير أو مسكين دون باقي الأصناف وجاز دفعها لأقاربه الذين لا تلزمه نفقتهم. وللزوجة دفعها لزوجها الفقير بخلاف العكس (4)(وقال) غير مالك: تصرف لمن تصرف له الزكاة،
(1) انظر ص 616 ج 1 - الفجر المنير.
(2)
تقدم صفحة 118 (شروط الافتراض) وص 136 (قضاء الزكاة).
(3)
انظر ص 698 ج 2 مغنى ابن قدامة.
(4)
انظر ص 136 ج 1 - الفجر المنير.
لأنها صدقة فتدخل في عموم آية: "إنما الصدقات للفقراء والمساكين" ولا يجوز دفعها إلى من لا يجوز دفع زكاة المال إليه، ولا يجوز دفعها إلى ذمي- عند مالك وأبي يوسف والشافعي وأحمد- لأنها زكاة، فلا يجوز دفعها إلى غير المسلمين كزكاة المال (1).
(وقال) النعمان ومحمد: يجوز دفعها لذمي لا لحربي، لقوله تعالى:"لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين * إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون"(2).
(14)
مصرف الزكاة
تصرف إلى الأصناف المذكورة في آية: (إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله" (3).
قال ابن قدامة: ولا نعلم خلافا بين أهل العلم في أنه لا يجوز دفع الزكاة إلى غير هذه الأصناف إلا ما روى عن أنس والحسن أنهما قالا: ما أعطيت في الجسور والطرق فهي صدقة ماضية. والصحيح الأول، لأن الله تعالى قال:"إنما الصدقات للفقراء" وإنما للحصر تثبت المذكور وتنفي ما عداه (4)، والمذكور في الآية ثمانية أصناف:
(1) انظر ص 690 ج 2 مغنى ابن قدامة.
(2)
سورة الممتحنة: آية 8 و 9.
(3)
سورة التوبة: آية 60.
(4)
انظر ص 689 ج 2 شرح المقنع.
(1 و 2) الفقير والمسكين:
الفقير عند الحنفيين من له شيء دون النصاب أو قدر نصاب غير نام أو مشغول بالحاجة الأصلية- كمسكن وملبس ومركب- فيصبح الدفع إليه ولو كان صحيحا مكتسبا أو يملك نصبا كثيرة غير نامية إذا كانت مستغرقة بالحاجة الأصلية، ولذا يصح دفعها لعالم له كتب تساوي نصبا كثيرة لكنه محتاج إليها للدراسة والمراجعة، وكذا آلات المحترفين والصناع والزراع والمجاهدين.
(وقال) مالك: الفقير من لا يملك قوت عامة (والمسكين) عند الحنفيين ومالك من لا شيء له، ولذا يحل له السؤال لقوته أو ما يواري جسده، بخلاف الفقير؛ فلا يحل له ولا لقادر على الكسب ولا من يملك خمسين درهما السؤال (لحديث) ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"من سأل الناس وله ما يغنيه جاء يوم القيامة ومسألته في وجهه خموش أو خدوش أو كدوح" فقيل: يا رسول الله وما يغنيه؟ قال: "خمسون درهما أو قيمتها من الذهب" أخرجه أحمد والأربعة وحسنه الترمذي وفيه حكيم بن جبير. تكلم فيه شعبة وغيره (1). {142}
(وقالت) الشافعية: الفقير من لا مال له ولا كسب أو له مال أو كسب لا يكفيه ولا يحصل به نصف كفايته ومن تلزم نفقته العمر الغالب - وهو ستون سنة - بحيث لو وزع ما عنده من المال على غالب العمر لم يبلغ نصف كفايته. ولو كان يملك نصاباً أو أكثر فعليه زكاته وله أن يأخذ زكاة غيره (والمسكين) من له مال أو كسب يقع موقعاً من كفايته ولا يكفيه: بأن يحتاج في اليوم إلى عشرة دراهم مثلاً وعنده كسب أو مال يبلغ خمسة فأكثر.
(1) انظر ص 90 ج 9 - الفتح الرباني (النهي عن السؤال) وص 248 ج 9 - المنهل العذب المورود (من يعطي من الصدقة) وص 363 ج 1 مجتبي (حد الغني) وص 289 ج 1 - ابن ماجه (من سأل عن ظهر غني) وص 19 ج 2 تحفة الأحوذى (من تحل له الزكاة)(وخموش) بالضم مصدر خمكش بفتحات بمعنى خدش. ويحتمل أن يكون خموش جمع خمش كفلس (والكدوح) بمعنى الخموش، ويحتمل أن يكون الكدوح مصدرا سمي به الأثر وأن يكون جمع كدح.
(وقالت) الحنبلية: الفقير من لا مال له ولا كسب يحصل به نصف كفايته كمن يكفيه عشرة ولا يحصل إلا على ثلاثة ولا له خمسون درهما أو قيمتها من الذهب (والمسكين) من يجد معظم كفايته أو نصفها، مثل من يكفيه عشرة فيحصل على خمسة فما زاد.
هذا ما ذكره الفقهاء في معنى الفقير والمسكين. ويكفي أن نعلم أن الفقير من ليس بغنى. وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم حد الغنى- في حديث ابن مسعود- بخمسين درهما أو قيمتها من الذهب. فمن لم يملك هذا المقدار ولا قيمته فاضلا عن حوائجه الأصلية وحوائج من يمون فهو فقير تحل له الزكاة. ومن ملك هذا المقدار أو قيمته فاضلا عما ذكر فهو غنى لا تحل له الزكاة.
(وبهذا) قال سفيان الثوري وابن المبارك وأحمد بن حنبل (وقال) غيرهم ما تقدم وقالوا: ليس في الحديث بيان أن من ملك خمسين درهما لا تحل له الصدقة إنما فيه أن كره له المسألة فقط، لأن المسألة لا تحل إلا مع الضرورة ولا ضرورة لمن يجد قوته وما يستر عورته.
(قال) أبو الطيب صديق بن حسن: والحق أن الفقير والمسكين متحدان يصح إصلاق كل واحد من الاسمين على من لم يجد فوق ما تدعو الضرورة إليه خمسين درهما. وليس في قوله تعالى (أما السفينة فكانت لمساكين) ما ينافى هذا لأن ملكهم لها لا يخرجهم عن صدق اسم الفقر والمسكنة عليهم لما عرف من أن آلات ما تقوم به المعيشة مستثناة، والسفينة للملاح كدابة السفر لمن يعيش بالمكاراة والضرب في الأرض (1).
(3)
العامل على الزكاة:
وهو من صبه الإمام لجمع الصدقات. ويدخل فيه الساعي والكاتب والقاسم والحاشر- وهو الذي يجمع أرباب الأموال للساعي- والحافظ لها.
(1) انظر ص 134 - الروضة الندية (مصارف الزكاة).
فيعطي كل بقدر عمله ولو غنيا لا هاشميا (لحديث) عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة: لعامل عليها أو رجل اشتراها بماله أو غارم أو غاز في سبيل الله أو مسكين تصدق عليه منها فأهدى منها لغني" أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه والحاكم وقال: صحيح على شرط الشيخين (1). {143}
ولأنه فرغ نفسه لعمل من أعمال المسلمين فيستحق الأجر كالغزاة والقضاة. ولذا جوزوا لطالب العلم أن يأخذ من الزكاة ولو كان غنيا إذا فرغ نفسه لإفادة العلم واستفادته ولم يكن له مرتب في مال الدولة.
(هذا) ويشترط في العامل أن يكون حرا ذكرا مكلفا مسلما، لأن السعاية ولاية والولاة يشترط فيهم ذلك، ولأن الكافر ليس بأمين. ويشترط كونه غير هاشمي، لأن الهاشمي من أهل البيت، وقد منعهم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من أخذ الزكاة ولو عمالا.
(روى) عبد المطلب بن ربيعة بن الحارث أنه هو والفضل أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم ليزوجهما ويستعملهما على الصدقة فيصيبان من ذلك، فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إن هذه الصدقة إنما هي أوساخ الناس وإنها لا تحل لمحمد ولا لآل محمد، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لمحمية الزبيدي: زوج الفضل، وقال لنوفل بن الحارث بن عبد المطلب: زوج عبد المطلب ابن ربيعة" الحديث أخرجه مسلم والنسائي وأحمد وهذا لفظه (2). {144}
ولا تشترط فيه الحرية عند الحنبلية (وقال) بعضهم: لا يشترط إسلامه ولا كونه من غير ذوي القربى. وهذا مردود بالحديث (هذا) ويعطي العامل عند الحنفيين كفايته وكفاية أعوانه بالوسط إلا إذا استغرقت كفايته ما جمعه فلا يعطي
(1) انظر ص 70 ج 9 - الفتح الرباني (الصدقة في سبيل الله) وص 271 ج 9 المنهل العذب المورود (من يجوز له أخذ الصدقة وهو غني) وص 290 ج 1 - ابن ماجه (من تحل له الصدقة) وص 47 ج 1 - مستدرك.
(2)
انظر ص 177 و 178 ج 7 نووي (تحريم الزكاة على الآل) وص 365 ج 9 مجتبى (استعمال الآل على الصدقة) وص 79 ج 9 - الفتح الرباني (تحريم الصدقة على بني هاشم).
أزيد من النصف (لحديث) المستورد بن شداد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من ولي لنا عملا وليس له منزل فليتخذ منزلا، أو ليست له زوجة فليتزوج، أو ليس له خادم فليتخذ خادما، أو ليست له دابة فليتخذ دابة، ومن أصاب شيئا سوى ذلك فهو غال" أخرجه أحمد، وكذا ابو داود يسند صالح وسكت عنه هو والمنذري (1). {145}
(قال) الخطابي: هذا يتأول على وجهين:
(أحدهما) أنه إنما أباح اكتساب الخادم والمسكن من عمالته التي هي أجر مثله وليس له أن يرتفق بشيء سواها.
(والوجه الثاني) أن للعامل السكنى والخدمة، فإن لم يكن له مسكن ولا خادم استؤجر له من يخدمه فيكفيه مهنة مثله ويكترى له مسكن يسكنه مدة مقامه في عمله (2).
(وقال) مالك: يعطي العامل بقدر عمله وإن استغرق ما جمعه.
(وقال) الشافعي: يعطي قدر أجر مثله.
(وعن) أحمد روايتان: يعطي العامل ثمن ما جمع أو يعطي بقدر عمله. فعلى هذه الرواية يخير الإمام بين أن يستأجر العامل إجارة صحيحة بأجر معلوم إما على عمل معلوم أو مدة معلومة، وبين أن يجعل له جعلا معلوما على عمله فإذا فعله استحق الجعل وإن شاء بعثه من غير تسمية ثم أعطاه (3).
(روى) عبد الله بن السعدي أنه قدم على عمر بن الخطاب رضي الله عنه من الشام فقال: ألم أخبر أنك تعمل على عمل من أعمال المسلمين فتعطي عليه عمالة فلا تقبلها؟ قال: أجل إن لي أفراسا وأعبدا وأنا بخير وأريد أن يكون عملي صدقة على المسلمين، فقال عمر: إني أردت الذي أردت، وكان النبي
(1) انظر ص 56 ج 9 - الفتح الرباني (العاملين عليها) وص 95 ج 3 عون المعبود (أرزاق العمال)(والغال) بشد اللام: الخائن.
(2)
انظر ص 7 ج 3 معالم السنن.
(3)
انظر ص 695 ج 2 شرح المقنع.
صلى الله عليه وسلم يعطيني المال فأقول: أعطه من هو افقر إليه مني، وإنه أعطاني مرة مالا فقلت له: أعطه من هو أحوج إليه مني. فقال: ما آتاك الله عز وجل من هذا المال من غير مسألة ولا إشراف فخذه فتموله أو تصدق به. ومالا، فلا تتبعه نفسك" أخرجه البخاري والنسائي وهذا لفظه (1). {146}
(4)
المؤلفة قلوبهم:
المؤلفة: جمع مؤلف من التأليف، أي الجمع، والمراد جمع القلوب. وهم ثلاثة أقسام:
(أ) كفار كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يعطيهم تأليفا لهم ليسلموا هم وقومهم. وهذا من الجهاد لأنه كما يكون بالسنان يكون بالإحسان.
(ب) وكافر كان يعطي لدفع شره.
(جـ) ومن أسلم على ضعف كان يعطي ليثبت إسلامه.
هذا وقد سقط نصيب المؤلف عند الحنفيين من الزكاة لإجماع الصحابة على ذلك في خلافة الصديق من آخر دفعة دفعها لهم النبي صلى الله عليه وسلم وظهر ذلك في خلافة الصديق رضي الله عنه لما جاءه عيينه بن حصن والأقرع ابن حابس والعباس بن مرداس وطلبوا من الصديق نصيبهم، فكتب لهم به وجاءوا على عمر وأعطوه الخط، فأبى ومزقه وقال: هذا شيء كان النبي صلى الله عليه وسلم يعطيكموه تأليفا لكم على الإسلام والآن قد اعز الله الإسلام وأغنى عنكم فإن ثبتم على الإسلام وإلا فبيننا وبينكم السيف "الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر"(2) فرجعوا إلى أبي بكر رضي الله عنه
(1) انظر ص 123 ج 13 فتح الباري (رزق الحاكم والعاملين عليها- الأحكام) وص 365 ج 1 مجتبي (من آتاه الله مالا من غير مسألة)، (وعمالة) - بضم العين وتخفيف اليم- ما يعطاه العامل نظير عمله. أما بفتحها فنفس العمل (ما آتاك الله) رواية البخاري: فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (خذه فتموله وتصدق به فما جاءك من هذا المال وأنت غير مشرف ولا سائل فخذه وإلا فلا تتبعه نفسك).
(2)
سورة الكهف: آية 59.
فقالوا: الخليفة أنت أم عمر؟ فقال: هو إن شاء. ووافقه ولم ينكر عليه أحد من الصحابة فكان إجماعا. فلولا اتفاقهم عليه وأن مفسدة مخالفته أكثر من المفسدة المتوقعة لمنعهم لبادروا لإنكاره (1).
(وقال) حبان بن أبي جبلة قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقد أتاه عيينه بن حصن: الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر. يعني ليس اليوم مؤلفة. أخرجه ابن جرير الطبري في تفسيره (2).
(وقالت) الشافعية: من أسلم على ضعف في ألفته بالمسلمين أو على ضعف في يقينه يعطي تأليفا له وتثبيتا لإسلامه (ويعطي) مسلم قوي الإيمان والألفة بالمسلمين لكن له شرف في قومه يتوقع بإعطائه إسلام غيره (ويعطي) مسلم- ذو شوكه يكفينا شر من يليه من الكفار أو مانعي الزكاة- إن رأى الإمام الحاجة لإعطائه بأن يكون إعطاؤه أهون على المسلمين من محاربة الكفار أو مانعي الزكاة. أما المؤلف الكافر وهو من يرجى إسلامه أو يخاف شره فلا يعطي من الزكاة اتفاقا ولا من غيرها على الأصح عندهم إلا لنازلة نزلت بالمسلمين، كأسر بعضهم وهجوم الكفار على بعض بلاد الإسلام ولا يردون الأسير ولا يندفعون عن بلاد الإسلام إلا ببذل مال لهم فيعطون من غير الزكاة حينئذ للضرورة ولا يعطون منها، لأن الله أعز الإسلام وأهله وأغنى عن التأليف. وأما إعطاء النبي صلى الله عليه وسلم مؤلفة الكفار من الغنائم فكان من خمس الخمس وهو ملك النبي صلى الله عليه وسلم يصرفه حيث شاء (3).
(وقال) مالك وأحمد: يعطي المؤلفة من الزكاة ولو كفارا لإطلاق قوله تعالى: "والمؤلفة قلوبهم"(ولحديث) أنس "أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يسأل شيئا عن الإسلام إلا أعطاه فأتاه رجل فسأله فأمر له بشاء كثير بين جبلين من شاء الصدقة فرجع إلى قومه فقال: يا قوم أسلموا فإن محمدا
(1) انظر ص 15 ج 2 فتح القدير لابن الهمام.
(2)
انظر ص 113 ج 10 تفسير الطبري.
(3)
انظر ص 289 روضة المحتاجين.
صلى الله عليه وعلى آله وسلم يعطي عطاء ما يخشى الفاقة" أخرجه أحمد ومسلم (1). {147}
(قالوا) وكان النبي صلى الله عليه وسلم يعطي المؤلفة كثيرا حتى مات. ولا يجوز ترك كتاب الله وسنة رسوله إلا بنسخ. والنسخ لا يثبت بالاحتمال، وليس في القرآن نسخ لذلك ولا في السنة. فكيف يترك الكتاب والسنة بمجرد الآراء والتحكم أو بقول صحابي أو غيره.
(قال) الزهري: لا أعلم شيئا نسخ حكم المؤلفة. على أن ما ذكروه من المعنى لا خلاف بينه وبين الكتاب والسنة. فإن الغنى عنهم لا يوجب رفع حكمهم وإنما يمنع عطيتهم حال الغنى عنهم، فمتى دعت الحاجة إلى إعطائهم أعطوا (2).
(فالظاهر) جواز إعطاء المؤلفة عند الحاجة إلى التأليف. فإذا كان قوم لا يطيعون الإمام إلا للدنيا ولا يقدر على إدخالهم تحت طاعته بالقسر والغلب فله أن يتألفهم ولا يكون لفشو الإسلام تأثير لأنه لم ينفع في خصوص هذه الواقعة (3).
(5)
الرقاب:
جمع رقبة والمراد بها المكاتب يعطى من الزكاة لتخليص رقبته من الرق (فعند) الحنفيين والثوري والليث بن سعد وأحمد: يعان مكاتب غير المزكى -ولو كان سيده غنيا لا هاشميا- من الزكاة في فك رقبته (وقال) الشافعي: يعان المكاتب كتابة صحيحة وإن كان قادرًا على الكسب وسيده كافرًا أو هاشميًا أو مطلبيًا (ويشترط) ألا يكون معه ما يفي بنجوم الكتابة.
(وقال) مالك وإسحق: المراد بالرقاب أن يشتري من الزكاة عبد مؤمن
(1) انظر ص 60 ج 9 - الفتح الرباني (المؤلف قلوبهم) وص 72 ج 15 نووي (سخاؤه صلى الله عليه وسلم و (الشاء) جمع شاة.
(2)
انظر ص 527 ج 2 مغنى ابن قدامة.
(3)
انظر ص 234 ج 4 نيل الأوطار (المؤلفة قلوبهم).
وإن كان معيبا عيبا فاحشا كالعرج والعور والعمي ويعتق ويكون ولاؤه للمسلمين لأن المال لهم (واختار) هذا البخاري وابن المنذر محتجين بأن الرقاب لو اختصت بالمكاتب لدخل في حكم الغارمين؛ لأنه مدين وبأن شراء الرقبة لتعتق أولى من إعانة المكاتب لأنه قد يعان، ولا يعتق، لأنه عبد ما بقى عليه درهم ولأن الشراء يتيسر في كل وقتع بخلاف الكتابة.
(وقال) أبو جعفر الطبري: والصواب عندي قول من قال: عني بالرقاب في هذا الموضع المكاتبون لإجماع الحجة على ذلك (1) وهو قول الجمهور. وقول مالك مخالف لظاهر الآية لأن المكاتب من الرقاب لأنه عبد واللفظ عام فيدخل في عمومه. إذا ثبت ذلك فإنه إنما يدفع إليه إذا لم يكن معه ما يقضي به كتابته ولا يدفع إلى من معه وفاء كتابته شيء لأنه مستغن عنه في وفاء الكتابة، فإن كان معه بعض الكتابة تمم له وفاء كتابته، وإن لم يكن معه شيء أعطى جميع ما يحتاج إليه لوفاء الكتابة ولا يعطي بحكم الفقر شيئا لأنه عبد. ويجوز إعطاء قبل حلول كتابته لئلا يحل النجم ولا شيئ معه فتفسخ الكتابة. ولا يدفع إلى مكاتب كافر شيء لأنه ليس من مصارف الزكاة. ويجوز أن يشتري بها أسيرا مسلما لأنه فك رقبة من الأسر فهو كفك رقبة للعبد من الرق ولأن فيه إعزازا للدين فهو كصرفه على المؤلف قلوبهم ولأنه يدفعه إلى الأسير في قك رقبته فأشبه ما يدفعه إلى الغارم لفك رقبته من الدين (2).
هذا واختلف في المكاتب الفاسق هل يعان؟ قال الجمهور: يعان وهو الظاهر.
(1) انظر ص 114 ج 10 جامع البيان.
(2)
انظر ص 698 ج 2 شرح المقنع (ويجوز أن يشتري بها أسيرا .. ) وهو الراحج عند المالكية (قال) الشيخ الإمام رحمه الله في حكمة البصير: أعلم أن في فك الأسير بالزكاة خلافا والراجع الإجزاء كما قاله ابن حبيب وابن عبد الحكم. وهو وجيه لأنه أولى من فك الرقاب التي بأيدينا (أنظر ص 907 ج 1).
(6)
الغارم:
أي المدين، وهو ثلاثة أقسام:
(أ) من استدان لإصلاح حاله أو لعمارة مسجد أو إكرام ضيف وعجز عن أداء دينه كان لا يملك نصابا فاضلا عن دينه ولو له دين على غيره لكن لا يقدر على أخذه فيعطي من الزكاة ما يفي بدينه (لقول) أبي سعيد الخدري رضي الله عنه "أصيب رجل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثمار ابتاعها فكثر دينه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تصدقوا عليه، فتصدق الناس عليه، فلم يبلغ ذلك وفاء دينه، فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: خذوا ما وجدتم وليس لكم إلا ذلك" أخرجه أحمد ومسلم (1). {148}
(فقد) دل على أن من أصيب في ماله فهو غارم يباح له أخذ الصدقة سواء أكانت تطوعا أم واجبة (ويشترط) عند الحنفيين- أن يكون استدان لمباح ولو صرفه بعد في معصية. أما إن تداين لمعصية وصرفه في مباح أو في معصية وتاب توبة صادقة فإنه يعطي، وإن لم يتب لم يعط. ويشترط احتياجه للمساعدة بأن حل الدين ولم يقدر على وفائه وغن كان ما عنده يفي بجميع الدين فلا يعطي من نصيب الغارمين وإن صار فقيرا يأخذ بوصف الفقر.
(وقال) مالك: يباع على المفلس دار سكناه فتباع في الدين ويسكن بالأجرة. وكتب طالب علم ينتفع بها كآلة الصناع، قيل: تباع في دين المفلس، والأصح لا تباع. هذا وخرج بدين الآدمي حقوق الله تعالى كالكفارة والزكاة والهدى فلا يعطي من الزكاة لوفاء ما ذكر (2).
(1) انظر ص 67 ج 9 - الفتح الرباني (الغارمين) وص 218 ج 10 نووي (وضع الحوائج- المساقاة) و (ليس لكم إلا ذلك) أي ليس لكم الآن إلا هذا، وليس لكم حبسه ما دام معسرا فليس فيه غبطال حق الغرماء فيما بقى.
(2)
انظر ص 598 ج 1 - الفجر المنير.
وإن كان الغارم من ذوي القربى فقال بعض العلماء: يجوز الدفع إليه لأن علة منعه من الأخذ منها لفقره صيانته عن أكلها لكونها أوساخ الناس وإذا أخذها للغرم صرفها إلى الغرماء فلا يناله دناءة وسخها (وقيل) لا يجوز لعموم النصوص في منعهم من أخذها وكونها لا تحل لهم ولأن دناءة أخذها تحصل سواء أكلها أم لم يأكلها (1).
(ب) غارم استدان لإصلاح بين متخاصمين في قتيل أو مال متلف وإن عرف القاتل والمتلف فاستدان ما سكن به الفتنة فيعطي ما يقضي به دينه إن حل الدين ولم يبق له بعده قدر نصاب عند الحنفيين (وعند) الأئمة الثلاثة يعطي ولو غنيا بشرط أن يستدين ولم يوف من ماله. أما لو لم يستدن بأن أعطى من ماله ابتداء أو استدان ووفي من ماله فلا يعطي.
(قال) قبيصة بن المخارق الهلالي رضي الله عنه: " تحملت حمالة فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فسألته فيها، فقال: أقم حتى تأتينا الصدقة فإما أن نحملها إوما أن نعينك فيها، وقال: إن المسألة لا تحل إلا لثلاثة: لرجل تحمل حمالة قوم فيسأل فيها حتى يؤديها ثم يمسك، ورجل أصابته جائحة أجاحت ماله فيسأل فيها حتى يصيب قواما من عيش أو سدادا من عيش ثم يمسك، ورجل أصابته فاقة فيسأل حتى يصيب قواما من عيش أو سدادا من عيش ثم يمسك، وما يوى ذلك من المسائل سحت يا قبيصة يأكله صاحبه سحتا" أخرجه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي (2). {149}
(1) انظر ص 700 ج 2 شرح المقنع.
(2)
انظر ص 65 ج 9 - الفتح الرباني (الغارمين) وص 133 ج 7 نووي (من تحل له المسألة) وص 275 ج 9 - المنهل العذب المورود (ما تجوز فيه المسألة) وص 360 ج 1 مجتبي (الصدقة لمن تحمل حمالة) و (الجائحة) ما يجتاح المال ويتلفه ظاهرا كالسيل والحريق (والقوام) بكسر القاف: ما تقوم به الحاجة ويستغنى به (والقوام) بفتح القاف: الاعتدال (والسداد) بكسر السين: ما تسد به الحاجة والخلل، وأما بالفتح فهو الإصابة في النطق والرأي (والفاقة) الفقر والحاجة (والسحت) بضم فسكون: الحرام، وسمي سحتا لأنه يسحت، أي يمحق.
(جـ) غارم لضمان فغن كان بإذن المضمون أعطى إن أعسر هو والأصيل وإن كان بغير إذنه أعطى إن أعسر وإن لم يعسر المضمون.
(هذا) والراجح أن الغارم يعطي من الزكاة مطلقا (قال) أبو الطيب صديق بن حسن: وأما الغارم فظاهر إطلاق الآية يشمل من عليه دين سواء أكان غنيا أو فقيرا مؤمنا أو فاسقا في طاعة أو معصية. أما عدم الفرق بين الغني والفقير، فلإطلاق الآية ولاستثناء الغارم من حديث: لا تحل الصدقة لغني. وأما عدم الفرق بين المؤمن والفاسق، فلإطلاق الآية لا سيما إذا استدان الفاسق في غير سرف ولا معصية فلا معنى لاشتراط الإيمان. وأما عدم الفرق بين الدين في طاعة أو معصية. فلإطلاق الآية. وإذا ورد ما يقتضي التقييد بما لزم في طاعة أو معصية، فلإطلاق الآية. وإذا ورد ما يقتضي التقييد بما لزم في طاعة فله حكمه. نعم إذا كانت الإعانة له تستلزم إغراءه على المعاصي ووقوعه فيما يحرم عليه، فلا ريب أنه ممنوع لأدلة أخرى. وأما إذا لومه الدين في السرف والمعصية ثم تاب وأقلع وطلب أن يعان من الزكاة على القضاء، فالظاهر عدم المنع (1).
(7)
سبيل الله:
المراد به- عند النعمان- جميع القرب. فيدخل فيه كل من سعى في طاعة الله وسبيل الخير إذا كان محتاجا (وقال) أبو يوسف: المراد منه فقراء الغزاة لأن سبيل الله إذا أطلق في عرف الشرع يراد به ذلك. (وقال) محمد: المراد به الحاج المنقطع (2). (روت) أم معقل الأسدية "أن زوجها جعل بكرا لها في سبيل الله وأنها أرادت العمرة، فسألت زوجها البكر، فأبى، فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له، فأمره أن يعطيها، وقال النبي صلي الله عليه وعلى آله وسلم: الحج والعمرة من سبيل الله، فأعطاها البكر"
(1) انظر ص 134 - الروضة الندية (مصارف الزكاة).
(2)
انظر ص 45 ج 2 بدائع الصنائع.
(الحديث) أخرجه أحمد وأبو داود والحاكم وقال: صحيح على شرط مسلم. (ورد) بأن فيه مجهول وإبراهيم ابن مهاجر متكلم فيه (1). {150}
…
(وقال) الأئمة الثلاثة: المراد بسبيل الله الغزاة المتطوعون بالجهاد أن لم يكن لهم شئ فى بيت المال فيعطون ولو أغنياء إعانة لهم على الغزو (لما) تقدم من قوله صلى الله عليه وسلم: لا تحل الصدقه لغنى إلا لخمسة، ومنهم: أو غاز فى سبيل (2). ولن الله تعالى جعل الفقراء والمساكين صنفين وعد بعضهما ستة أصناف لم يشترط فيهم الفقر، فيجوز لهم الأخذ مع الغنى الظاهر الآية (3).
…
(وأجاب) الحنفيون عن الحديث: لا تحل الصدقة لغنى إلا لغاز فى سبيل الله، بأنه محمول على من كان غنيا حال إقامته، فلا تحل له الصدقة، فإذا عزم على السفر للجهاد احتاج لعدة وسلاح لم يكن محتاجا لهم فى إقامته فيجوز أن يعطى من الصدقة وإن كان غنيا فى مصره.
(وحاصل) مذهب مالك رحمه الله ان المجاهد فى سبيل الله أى المتلبس به ان كان ممن يجب عليه لكونه حرا مسلما ذكرا مكلفا قادرا، يعطى من الزكاة ما ينفقه فى جهاده ولو غنيا أو هاشميا، ويدخل فيه المرابط ويشترى له منها آلة الجهاد كسيف ورمح. وقولهم: لا يعطى للمجاهد الهاشمى، محمول على ما ينفقه على نفسه. وأما الآلة فلا يتملكها لأنها تبقى للمجاهدين، وكالمجاهد جاسوس يرسل للاطلاع على أحوال العدو ويعلمنا بها فيعطى منها وان كان كافرا لأنه ساع فى مصالح المسلمين (4).
(1) انظر ص 69 ج 9 - الفتح الربانى (الصدقه فى سبيل الله) وص 151 ج 2 عون المعبود (العمره) وص 482 ج 1 مستدرك.
(2)
تقدم رقم 143 عن أبى سعيد ص 260 (العامل على الزكاة) ..
(3)
انظر ص 704 ج 2 شرح المقنع.
(4)
(فائدة) لا يصرف من الزكاة فى الحج عند الحنفيين ومالك والشافعي وهو الأصح عن =
(8)
ابن السبيل:
هو -عند الحنفيين- الغريب المنقطع عن ماله فيعطى من الزكاة ما يوصله لمقصده وإن كان غنيًا في وطنه، لأنه محتاج في الحال.
(وعن) أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تحل الصدقة لغني إلا لثلاثة: في سبيل الله وابن السبيل ورجل كان له جار فتصدق عليه فأهدى له" أخرجه أحمد وأبو داود وفيه عطية بن سعد العوفي ضعفه الثوري وابن عدى، وحسن له الترمذي أحاديث. {151}
= أحمد لأن سبيل الله عند الإطلاق إنما يتصرف إلى الجهاد، لان الزكاة انما تصرف الى المحتاج كالفقراء والمساكين وفى الرقاب والغارمين لقضاء ديونهم أو على من يحتاج إليه المسلمون كالعامل والغازي والمؤلف والغارم لإصلاح ذات البين، والحجد للفقير لا نفع للمسلمين فيه ولا حاجة بهم عليه ولا حاجة به أيضا، لأن الفقير لا فرض عليه فيسقطه، وتكليفه به مشقة قد خفف الله عنه إيجابها، وتوفير ما يعطي له لذوي الحاجة من المستحقين أو دفعه في مصالح المسلمين اولى (وعن) أحمد أن الفقير يعطي قدر ما يحج به الفرض أو يستعين به فيه، وهو قول إسحاق لما تقدم في حديث أم معقل: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر زوجها أن يعطيها بكرا- جعله في سبيل الله- لتعتمر عليه .. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: الحج والعمرة من سبيل الله (أنظر رقم 150 ص 269)، والأول أولى، وأما الحديث فلا يمتنع أن يكون الحج من سبيل الله، والمراد بالآية غيره لما ذكرنا، وإذا قلنا: يدفع في الحج من الزكاة فلا يعطي إلا بشرطين: (أحدهما) ألا يكون له ما يحج به سواها لقول النبي صلى الله عليه وسلم: لا تحل الصدقة إلا لخمسة ولم يذكر الحاج فيهم (أنظر رقم 143 ص 260) ولأنه يأخذ لحاجته فاعتبرت فيه الحاجة كمن يأخذ لفقره (ثانيهما) أن يأخذ لحجته الفرض لأنه يحتاج إلى إسقاط فرضه وإبراهء ذمته، أما التطوع فله عنه مندوحة. (وظاهر) كلام أحمد جوازه في الفرض والنقل لأن الكل من سبيل الله، ولأن الفقير لا فرض عليه، فالفرض منه كالتطوعن فعلى هذا يجوز أن يدفع ما يحج به حجة كاملة وما يعينه في حجه. ولا يجوز أن يحج من زكاة نفسه كما لا يجوز أن يغزو بها (أنظر ص 701 ج 2 شرح المقنع).
ويلحق به كل من تعذر عليه حصوله على ماله ولو في بلده. والأولى أن يتسلف إن قدر (وقالت) المالكية والحنبلية: ابن السبيل. الغريب المحتاج لما يوصله وكان تغربه في غير معصية بالسفر، ويلزمه أن يتسلف إن قدر فإن لم يجد مسلفا أعطى من الزكاة ولو غنيا ببلده، وإن وجد مسلفا أعطى إن كان فقيرا ببلده. أما من كان معه ما يوصله فلا يعطي منها كما لو كان تغربه في معصية.
…
(وقالت) الشافعية: ابن السبيل هو منن ينشئ سفرا لغرض صحيح ولو للتنزه أو يكون مجتازا فيعطي ما يوصله لمقصده إن كان محتاجا غير عاص بسفره، فإن كان سفره لمعصية فلا يعطي. وكذا الهائم الذي سفره لغيره غرض صحيح.
ثم الكلام بعد ينحصر في سبعة فصول:
(1)
توزيع الزكاة على مستحقيها:
خص الله تعالى الصدقة بهؤلاء الأصناف فلا تصرف لغيرهم ويجوز دفعها على كلهم أو بعضهم عند الحنفيين ومالك وأحمد والجمهور، لأن الآية إنما سيقت لبيان أن الصدقة لا تخرج عن هذه الأصناف لا لإيجاب قسمها عليهم جميعا (روى) عطاء عن عمر:"إنما الصدقات للفقراء. قال: أيما صنف أعطيته من هذا أجزأك" أخرجه الطبري (1).
(وقال) أبو سعيد الخدري رضي الله عنه: "بعث على رضي الله عنه وهو باليمن إلى النبي صلى الله عليه وسلم بذهيبة في ترابها، فقسمها النبي صلى الله عليه وسلم بين الأقرع بن حابس وبين زيد الخيل وعيينة بن حصن وعلقمة
(1) انظر ص 115 ج 3 جامع البيان.
ابن علاثة، فغضبت قريش والأنصار وقالوا: تعطي صناديد أهل نجد؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إنما أتألفهم. ذكره علاء الدين الكاساني وقال: ولو كان كل صدقة مقسومة على الثمانين بطريق الاستحقاق لما دفع النبي صلى الله عليه وسلم الذهبية إلى المؤلفة دون غيرهم (1).
(وقال) الشافعي: يلزم تعميم الأصناف إن قسم الإمام، وكذا إن قسم المالك. وكانوا محصورين (لقول) زياد بن الحارث الصدائي: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فبايعته، فأتاه رجل فقال: أعطني من الصدقة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:"إن الله تعالى لم يرض بحكم نبي ولا غيره في الصدقات حتى حكم فيها هو فجزأها ثمانية أجزاء، فإن كنت من تلك الأجزاء أعطيتك حقك" أخرجه أبو داود والطحاوي، وفيه عبد الرحمن بن زياد الإفريقي تكلم فيه غير واحد (2). {152}
(وبهذا) قال الزهري وداود (والظاهر) ما ذهب إليه الأولون، وليس في الىية ما يدل على طلب تعميم الأصناف. وفي التعميم حرج ومشقة (والمراد) من حديث زياد بن الحارث بيان أن الآية تكفلت ببيان الأصناف الذين يجوز الدفع إليهم (ولذا) اختار بعض محققي الشافعية عدم وجوب التعميم.
(1) انظر ص 46 ج 2 بدائع الصنائع (ذهيبة) تصغير وأنثه لأن الذهب يؤنث.
(2)
انظر ص 255 ج 9 - المنهل العذب المورود (من يعطي الصدقة).
(قال) العلامة البيضاوي في تفسير الآية بعد أن ذكر قول الجمهور: واختاره بعض أصحابنا، وبه كان يفتي شيخي ووالدي رحمهما الله تعالى، على أن الآية لبيان أن الصدقة لا تخرج عنهم لا لإيجاب قسمها عليهم (وندب) إيثار المضطر على غيره بأن يزاد في عطائه منها بلا تحديد، فإن خيف هلاك أو شدة أذى وجب الإيثار ولا يندب تعميم الأصناف الثمانية عند مالك إلا أن يقصد الخروج من خلاف الشافعي (1).
(وقال) الحنفيون وأحمد: يستحب تفريقها على من أمكن من الأصناف وتعميمهم ويبدأ بإعطاء جابي الزكاة لأنه يأخذ أجر عمله فكان استحقاقه أولى. ولذا إذا عجزت الصدقة عن أجره تمم من بيت المال، ويعطي كل صنف قدر كفايته فإن فضلت عن كفايتهم نقل الفاضل إلى أقرب البلاد إليه، وإن نقصت أعطى الإمام كل إنسان منهم ما يرى (2)، وإذا تولى الرجل تفريق زكاته، فالأفضل له- عند غير مالك- دفعها إلى الأقارب غير الأصول والفروع، لما فيه من الصلة والصدقة (روى) سلمان بن عامر الضبي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"الصدقة على المسكين صدقة وعلى ذي الرحم اثنتان صلة وصدقة" أخرجه أحمد والنسائي والترمذي وحسنه والحاكم وقال: صحيح الإسناد (3). {153}
ويخص ذوي الحاجة لأنهم أحق، فإن استووا فيها فأولاهم أقربهم نسبا. (وقال) مالك: يكره تخصيص قريب لا تلزم المزكي نفقته. وأما إعطاؤه كغيره فلا كراهة فيه إن كان من أهلها، ولنائب رب المال أن يأخذ منها بالمعروف إن كان من أهلها (4).
(1) انظر ص 602 ج 1 - الفجر المنير.
(2)
انظر ص 708 ج 2 - شربحج المقنع.
(3)
انظر ص 191 ج 9 - الفتح الرباني (الصدقة على الزوج والأقارب) وص 261 ج 1 - مجتبي (الصدقة على الاقارب) وص 22 ج 2 - تحفة الأحوذي، وص 407 ج 1 - مستدرك.
(4)
انظر ص 603 ج 1 - الفجر الجديد.
(2)
شروط من تدفع له الزكاة:
يشترط في مصرف الزكاة سبعة شروط:
(أ) الإسلام (لقول) النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ لما بعثه إلى اليمن: "فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله تعالى افترض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم فترد في ففرائهم"(1)، والضمير للمسلمين فلا تدفع لكافر. نعم الكيال والحمال والحافظ ونحوهم يجوز كونهم كفارا عند الشافعي يعطون أجرهم من سهم العامل لأن ذلك أجرة لا زكاة، وكذا الجاسوس الكافر يعطي عند مالك والمؤلف الكافر يعطي عنده وعند أحمد (2)، وكذا إن كان عاملا في إحدى الروايتين عنه. ويجوز دفع الزكاة وغيرها للمسلم الفاسق إلا إن علم أنه يستعين بها على معصية فيحرم وإن أجزأ.
(ب) الحرية- وهي شرط في غير الرقاب، فلا تعطي- عند غير الحنفيين- لرقيق ولا لمن فيه شائبة رق لأن نفقته على سيده، فإن عجز السيد عنها باعه أو أعتقه فيكون من أهل الزكاة، وإذا كان العبد عاملا جاز إعطاؤه من الزكاة أجر عمله (وقال) الحنفيون: لا يشترط حرية المؤدى إليه، فيجوز دفع الزكاة لعبد سيده فقير، وتقع للسيد، وكذا يصح دفعها عند النعمان لعبد سيده غنى إذا كان مأذونا له في التجارة وكان مدينا بما يستغرق رقبته وكسبه؛ لأن السيد لا يملك حينئذ كسبه فهو كالمكاتب.
(وقال) أبو سف ومحمد: لا يجوز دفع الزكاة لعبد سيده غني، لأنه يملك كسبه عندهما (أما المكاتب) فيجوز- عند غير مالك- أن يدفع إليه غير سيده زكاته على ما تقدم بيانه في بحث الرقاب (3)، وكذا يجوز للسيد دفع
(1) هذا بعض الحديث رقم 5 ص 105 (دليلها).
(2)
انظر ص 600 ج 1 - الفجر المنير.
(3)
تقدم ص 211.
زكاته إلى مكاتبه عند ابى يوسف ومحمد وهو الصحيح عن احمد، لأنه صار معه فى المعاملة كالأجنبى، فهو كالدائن يدف زكاته الى مدينه. (وقال) النعمان: لا يدفع السيد زكاتة لمكاتبه لأن للسيد حقا فى كسبه فكأنه دفع لنفسه، وهو رواية عن احمد.
(ج) إلا يكون غنيا بمال: يشترط فى المصرف الاحتياج على ما تقدم فى بحث الفقير والمسكين فلا تدفع الزكاة إلا غنى بالإجماع (وهو) عند الحنفيين من يملك نصابا ولو غير تام - من النقود أو الماشيه أو العروض - فاضلا عن الدين والحوائج الأصلية (لحديث) سالم بن أبى الجعد عن أبى هريرة رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: " لا تحل الصدقة لغنى ولا ذى مرة سوى " أخرجه أحمد والنسائى وأبن ماجه والدار قطنى بسند رجاله ثقات، لكن قال أحمد: سالم لم يسمع من أبى هريرة. وأخرجه الحاكم عن ابى حازم عن أبى هريرة وقال: صحيح على شرط الشيخين وأقره الذهبى (1). {154}
…
(وقالت) المالكيه: الغنى من يملك أو يكتسب ما يكفيه - هو ومن تلزمه نفقته - عاما فيجوز دفعها لمن يملك أو يكتسب نصابا فأكثر لا يكفيه.
…
(وقالت) الشفاعية: الغنى من له مال أو كسب يكفيه ومن تلزمة نفقته العمر الغالب وهو ستون سنة على ما تقدم فى بحث الفقير والمسكين (2).
…
(قال) الشافعى رحمة الله: قد يكون الرجل غنيا بالدرهم مع الكسب ولا يغنيه الألف مع ضعفه فى نفسه وكثرة عياله (3).
(1) انظر ص 91 ج 9 - الفتح الربانى (من لاتحل له الصدقة) وص 363 ج 1 - مجتبى (اذا لم يكن له دراهم وكان له عدلها) وص 289 ج 1 - ابن ماجة (من سال عن ظهر غنى) وص 210 - الدار قطنى، وص 407 ج 1 - مستدرك، (والمرة) بكسر الميم: الشدة والقوة (والسوى) السليم الخلق التام الأعضاء.
(2)
تقدم ص 259
(3)
انظر ص 57 ج 2 - معالم السنن (من يعطى الصدقة وحد الغى) ..
(وعن) أحمد روايتان:
(الأولى) أن الغنى هو من يقدر على تحصيل ما يكفيه ومن تلزمه نفقته، فاذا لم يكن محتاجا حرمت عليه الزكاة وان يملك شيئا، وان كان محتاجا حلت له وان ملك نصابا من الأثمان وغيرها.
(الثانية) أن الغنى هو من يملك خمسين درهما أو قيمتها من ذهب، أو قدر على تحصيل ما يكفيه على الدوام من يكسب أو تجارة أو عقار أو نحوها. فلو ملك من العروض أو الحبوب أو السائمة أو العقار ما لا تحصل به الكفايه لم يكن غنيا وان ملك نصابا. وهذا هو الظاهر من مذهبه (لما) روى عن على وابن مسعود رضى الله عنهما انهما قالا: لاتحل له الصدقة لمن لهم خمسون درهما أو قيمتها من الذهب (1).
…
(واجاب) الأولون بأن هذا وما روى مثله مرفوعا لا يدل على حرمة أخذ الزكاة علة من ملك خمسين درهما أو قيمتها، انما يدل على حرمة السؤال على من ذكر. على ان الحديث ضعيف لا يحتج به كما تقدم (2).
…
(وقال) الحسن البصرى رضى الله عنه: الغنى من ملك اربعين درهما أو قيمتها (لقول) أبى سعيد الخدرى رضى الله عنه: سرحتى امى الى النبى صلى الله عليه وسلم أسأله، فأتيته فاستقبلنى، فقال: " من استغنى اغناه الله ومن استعف أعفه الله ومن استكفى كفاه الله ومن سال وله قيمه أو قية فقد ألحف.
فقلت: ناقى الياقوتة معى خير من اوقية، فرجعت ولم أسأله " أخرجه احمد والنسائى بسند رجاله ثقات (3). {155}
(1) انظر ص 523 ج 2 - مغى ابن قدامة.
(2)
تقدم رقم 142 ص 259 (الفقير والمسكين).
(3)
انظر ص 92 ج 9 - الفتح الربانى (نهى الغى عن السؤال) وص 363 ج 1 - مجتبى (من الملحف؟ )(وسر حتى) أى ارسلتى
(وألحف) أى تعدى فى السؤال والح فبه و (الياقوتة) اسم للناقة.
والاوقيه أربعون درهما. (واجاب) الأولون عن هذا الحديث بحمله على حرمة السؤال. بمعنى انة لا يحل سؤال الصدقة لمن له أوقية أو قدرها من الذهب.
أقسام الغنى: هو ثلاثة أقسام:
(1)
الغنى الموجب للزكاة، وهو أن يملك نصابا من المال النامى الفاضل عن حاجته الاصلية - عند الحنفين - وهو مانع من اخذ الزكاة (لقول) النبى صلى الله عليه وسلم لما بعثة الى اليمن:" ان الله افترض عليهم صدقة فى اموالهم تؤخذ من أغنبائهم وترد فى فقرائهم "(1).
…
قسم الناس قسمين: أغنياء وفقراء وجعل الأغنياء يؤخذ منهم والفقراء ترد عليهم، فمن لم يؤخذ منه يكون مردودا عليه (وقال) مالك والشافعي واحمد: قد يجوز لمن تجب عليه الزكاة أن يأخذ زكاة غيرة، فمن ملك نصاب زكاة - لا تتم به الكفايه - من غير الأثمان فله أن يأخذ من الزكاة.
…
(قال) الميمونى: ذاكرت أبا عبد الله - يعنى احمد - فقلت: قد تكون للرجل الإبل والغنم تجب فيها الزكاة وهو فقير وتكون له اربعون شاة وتكون له الضيعة لا تكفيه فيعطى الصدقة؟ قال: نعم وذلك لأنه لا يملك ما يغنيه ولايقد على كسب ما يكفيه فجاز له الاخذ من الزكاة كما لو كان ما يملك لا تجب فيه الزكاة (2).
(2)
الغنى المحرم لأخذ الصدقة والموجب لصدقة الفطر والأضحية - عند الحنفيين - وهو أن يملك مما لا تجب فيه الزكاة ما يفضل عن حاجته وتبلغ قيمة الفاضل مائتى درهم زيادة عما يحتاج اليه وليس للتجارة ولا من السوائم، فاذا كان كذلك حرم عليه أخذ الصدقة (وقال) مالك والشافعى وأحمد: لا يحل الأخذ من الزكاة لمن عنده ما يكفيه من مال أو كسب بلا زيادة
(1) هذا بعض الحديث رقم 5 ص 105 (دليلها).
(2)
انظر ص 525 ج 2 - مغى ابن قدامة.
(لقول) عبيد الله ابن عدى: " أخبرنى رجلان أنهما أتيا النبى صلى الله عليه وسلم فى حجة الوداع يسألانه الصدقة، فرفع فيهما النبى صلى الله عليه وسلم البصر وخفضه، فرآهما رجلين جلدين، فقال: ان شئتما أعطيتكما منها ولاحظ فيها لغنى ولا لقوى مكتسب " أخرجه أحمد والنسائى وأبو داود والدار قطنى بسند جيد (1). {156}
…
(وأجاب) الحنفيون بأن هذا محمول على حرمة السؤال لا على حرمة الأخذ من الزكاة، ولو كان حراما لم يعطهما النبى صلى الله عليه وسلم، ولكن قال ذلك للزجر عن السؤال والحمل على الكسب.
(3)
الغنى المحرم للسؤال: وهو يتحقق بالقدرة على الكسب أو بملك خمسين درهما أو قيمتها أو ما يستر جسده ويفى بقوت يومه (لحديث) سهل ابن الحنظلية أن البنى صلى الله عليه وسلم قال: " من سأل وعنده ما يغنيه فانما يستكثر من نار جهنم، قالوا: يا رسول الله وما يغنيه؟ قال: ما يغديه أو يعشيه " أخرجه أحمد وأبو داود مختصرا بسند رجاله رجال الصحيح (2). {157}
…
الغنى بغيره:
(د) يشترط فيمن تصرف له الزكاة أن لا يكون غنيا بغنى غيره وهو من تجب عليه فطرته عند الحنفيين ومن تلزمه نفقته عند غيرهم، فلا تدفع الى أولاد صغار أبوهم غنى وان لم يكونوا فى عيالهم لانهم أغنياء بغناه، أما الكبار الفقراء فتدفع لهم الزكاة لأنهم لا يعتبرون أغنياء بغنى أبيهم وان كانت نفقتهم
(1) انظر ص 93 ج 9 - الفتح الربانى (نهى الغى عن السؤال) وص 363 ج 1 - مجتبى (مسألة القوى المكتسب) وص 262 ج 9 - المنهل العذب المورود (من يعطى من الصدقة) و (رجلان) من الصحابة وجهالة الصحابة لا تضر. و (جلدين) بسكون اللام: اى قويين.
(2)
انظر ص 94 و 95 ج 9 - الفتح الربانى (نهى الغى عن السؤال) وص 253 ج 9 - المنهل العذب المورود (من تحل له الصدقة)(والحنظلية) اسم أم سهل، وأبوه الربيع بن عمرو.
عليه بان كان الوالد زمنا او اعمى، او طالب علم، او انثى لم تتزوج. وكزا يصح دفعها الى اصل الغنى وامرئته الفقيرين ولو فرض لها نفقه عند المعونان ومحمد، لانها لا تعد غنيه بغنى زوجها لانها لا تستحق عليه الا مقدار النفقه فلا تعد به غنيه.
(وعن) ابى يوسف: لا يجوز اعطاؤها من الزكاة اذا قضي لها بالنفقة لانها تصير دينا بالقضاء فتصير بها غنيه بغنى زوجها (وقال) الائمه الثلاثة: لا تدفع الزكاة لمن تزلم الغنى نفقته كرفعه ولو كبيرا واصله وامرائتة الفقراء، وهذا - بالنسبه للمرأة - اذا كان زوجها موسرا ينفق عليها وان لم ينفق عليها وتعزر ذلك، جاز الدفع اليها كما لو طعلت منفعة العقار (1).
عودة منفعة الزكاة على المزكى:
(هـ) يشترط عدم اتصال المنافع بين المزكى والمؤدى اليه لأن ذلك يمنع تمليك الفقير من كل وجه بل صرافا الى نفس المزكى من وجهه، وعليه:
(1)
لا تدفع الزكاة لأصل المزكى كأبويه واجداده وجداته ولو من قبل الأم وان علوا
(2)
ولا الى فرعيه وان سفله، لعدم قطع المنفعة عن المزكى بدفعه لمن ذكر. وهذا مجمع عليه.
(3)
ولا يدفع الرجل زكاته الى امرأته اجماعا.
(4)
ولا تدفع المرأة الزكاة الى زوجها ولو معتدة من طلاق بائن بينونة كبرى - عند النعمان وأحمد فى روايه - لعدم قطع المنفعه عنها بدفعها لزوجها.
(وقال) أبو يوسف ومحمد والشافعي وأحمد فى روايه واشهب المالكي: يجوز للمرأة دفع زكاتها الى زوجها الفقير (لحديث) أبي سعيد الخدرى رضى الله عنه أن زينب أمرأة ابن مسعود قالت: يا بني الله إنك أمرت اليوم بالصدقة
(1) انظر ص 526 ج 2 - مغنى ابن قدامه.
وكان عندي حلي لي فأردت أن أتصدق به، فزعم ابن مسعود أنه وولده أحق من تصدقت به عليهم. فقال النبي صلي الله تعالي وعلى آله وسلم:" صدق ابن مسعود، زوجك وولدك أحق من تصدقت به عليهم " أخرجه البخاري مختصرا (1). {158}
ولأنه لا يجب على المرأة نفقة الزوج فلا مانع من الدفع إليه كالأجنبي لأن الاصل جواز الدفع الى الزوج لدخوله فى الاصناف المستحقة للزكاة، وليس فى المنع نص ولا إجماع (2).
…
(وأجاب) الأولون عن حديث ابى معود بأنه محمول علي صدقة التطوع (لقول) البنى صلى الله عليه وسلم: " زوجك وولدك أحق من تصدقت به عليهم " والولد لا تدفع اليه الزكاة (ولحديث) رائطة امرأة ابن مسعود قالت: يا رسول الله، انى امرأة ذات صنعة أبيع منها وليس لي ولا لولدي ولا لزوجي نفقه غيرها وقد شغلوني عن الصدقة فما أستطيع أن أتصدق بشئ فهل لى من اجر فيما أنفقت؟ فقال لها النبى صلى الله وعليه وعلي آله وسلم:" أنفقي عليهم فان لك فى ذلك اجر ما انفقت عليهم " أخرجه أحمد والبيهقي (3). {159}
(1) انظر ص 209 ج 3 - فتح الباري (الزكاة على الاقارب) و (ولودك) لعله مجاز عن الربائب (لحديث) زينب امرأة ابن مسعود أنها قالت لبلال: سل النبى صلى الله عليه وسلم أيجزئ عني أن انفق على زوجى وايتام لي فى حجري؟ فسأله فقال: " نعم ولها اجر القرابه واجر الصداقة " أخرجه أحمد والشيخان والنسائي وابن ماجة وهذا لفظ البخاري مختصرا (أنظر ص 188 ج 9 - الفتح الرباني وص 210 و 211 ج 3 - فتح الباري الزكاة على الزوج والايتام. وص 86 ج 7 - نووي. وص 361 ج 1 - مجتبي - الصدقة على الاقارب. وص 289 ج 1 - ابن ماجة). .
(2)
انظر ص 714 ج 2 - شرح المقنع ..
(3)
نظر ص 189 و 190 ج 9 - الفتح الرباني (الدقة على الزوج والاقارب) وص 179 ج 4 - بيهقي (الأختيار فى صدقة التطوع) و (رائطة) هي زينب ف ى الحديث السابق، ولعلها كانت تتسمي باسمين.
(والراجع) عند المالكية أنه يكره للمرأة دفع الزكاة للزوج. وقيل: يمنع لعودها فى النفقة (1).
…
الهاشمي ومولاه:
…
(و) يشترط فيمن تصرف له الزكاة أن لا يكون من بنى هاشم ولا من مواليهم:
…
[ا] فلا تدفع الزكاة للنبى صلى الله عليه وسلم ولا لآله، وهم - عند الحنفيين - آل العباس بن عبد المطلب وآل على وجعفر وعقيل أبناء أبي طالب وآل حارث بن عبد المطلب (وخص) هؤلاء بالمنع لجواز الدفع الى غيرهم من بني هاشم وهم بنو أبي لهب لأنهم آذوا النبي صلى الله عليه وسلم فأستحقوا الاهانه بجواز دفع أوساخ الناس اليهم بخلاف هؤلاء فانهم آووا ونصروه فاستحقوا الكرامة بتنزيههم عن أوساخ الناس وهي الصدقة.
(وقال) مالك وأحمد: آل النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم بنو هاشم مطلقا حتى من اسلم من بنى لهب (2)(لعموم) قول النبى صلى الله عليه وسلم فى حديث عبد المطلب بن ربيعه -: " ان الصدقه لا تنبغى لآل محمد انما هيا اوساخ الناس "(3). وقد اسلم عتبه ومعتب ابنا أبى لهب عام الفتح وشهد حنينا والطائف، وقد أعقبا.
…
(وقال) الشافعي وجماعة: آل النبى صلى الله عليه وسلم: بنو هاشم وبنو المطلب، لآن النبى صلى الله عليه وسلم أعطاهم من سهم ذوى القربى ولم يعط غيرهم من قبائل قريش، فكان ذال يدل ما حرموة من الزكاة.
(1) انظر ص 603 ج 1 - الفجر المنير.
(2)
والمراد ببنوة هاشم كل من لهاشم عليه ولادة ذكرا أو أنثى ولو بواسطة غير انى فلا يدخل فى بنى هاشم ولد بناته (أنظر من 600 ج 1 - الفجر المنير).
(3)
هو بعض الحديث رقم 144 ص 261 (العامل على الزكاة).
(قال) جبير بن مطعم: لما كان يوم خبير وض \ع النبى صلى الله عليه وسلم سهم ذوى القربي فى بني هاشم وبني المطلب، وترك بني نوفل وبني عيد شمس، فأتيت أنا وعثمان بن عفان رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلنا: يا سرول الله هؤلاء بنوا هاشم لا ننكر فضلهم للموضع الذى وضعك الله به منهم، فما بال اخواننا بنى المطلب أعطيتهم وتركتنا وقرابتنا واحدة؟ فقال النبى صلى الله عليه وسلم:" انا وبنى المطلب لا نفترق فى جاهليه والا اسلام وانما نحن وهم شئ واحد وشبك بين اصابعه " أخرجه احمد وابو داود النسائى (1). {160}
(وأجاب) الاولون بان بنى المطلب انماب اعطوا من خمس الخمس لنصرتهم وموالاتهم بنى هاشم الا لمجرد القرابه، فان بنى عبد شمس وبنى نوفل ليسوا دونهم فى القرابة ولم يعطوا من الخمس الخمس. والنصرة لا تقضى منع الزكاة فتعطى للمستحق من بنى المطلب بدخولهم فى عموم من يستحقهم وانما منع منها بنو هاشم لما فى حديث عبد المطلب بن ربيعه من قول النبى صلى الله عليه وسلم: ان هذة الصدقة انما هيا اوساخ الناس وانها لا تحل لمحمد ولا لآل محمد (2)." ولحديث ابى هريرة رضى الله عنة ان الحسن ابن على رضى الله عنهما اخذ تمرة من تمر الصدقة فجعلها فى فيه، فقال النبى صلى الله عليه وسلم: كخ كخ أرم بها، اما علمت" لا نأكل الصدقة او ان لا تحل لنا الصدقة؟ " أخرجه احمد والشيخان (3). {161}
(1) أنظر ص 81 ج 4 مسند أحمد وص 106 ج 3 عون المعبود (مواضع قسم الخمس - الخراج) وص 178 ج 2 مجتبى (قسم الفيئ)(وشبك) أشار النبى صلى الله عليه وسلم بالتشبيك الى نصرتهم اياه حينما حوصروا فى شعب ابى طالب لما تعاهدت قريش على مقاطعه بنى هاشم فى البيع والشراء والنكاح وغيرها فانجاز بنو هاشم وبنو المطلب الى الشعب واستمروا محصورين فيه نحو ثلاث سنين الا أبا لهب فلم يكن معهم.
(2)
تقدم رقم 144 ص 261 (العامل على الزكاة).
(3)
انظر ص 75 ج 9 الفتح الرباني (تحريم الصدقة على بني هشام) وص 227 ج 3 فتح الباري (الصدقة للنبي صلى الله عليه وسلم وص 175 - ج 7 نووي (تحريم الزكاة على الرسول وآله)(وكخ) بفتح أو كسر فسكون الخاء مخففا ومثلا وبكسرها منونة وغير منونة: وهي كلمة لردع الصبي عن تناول ما لا ينبغي.
(فوجب) اختصاص بني هاشم بالمنع، ولا يصح قياس بني المطلب عليهم لأن بني هاشم أقرب إليه صلى الله عليه وسلم واشرف وهم آله (وهذا) في الصدقة الواجبة كالزكاة والكفارات وجزاء الصيد (متفق عليه) أما صدقة التطوع وغلة الوقوف، فالراجح عند الحنفيين أنها لا تدفع لهم إلا على وجه الهدية (لحديث) أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أتى بطعام سأل عنه، فإن قيل: هدية، أكل، وإن قيل: صدقة، لم يأكل وقال لأصحابه: كلوا" أخرجه أحمد والشيخان (1). {162}
…
(قال) الخطابي: وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقبل الهدية ولا يأخذ الصدقة لنفسه وآله، وكأن المعنى في ذلك أن الهدية إنما يراد بها ثواب الدنيا، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يقبلها ويثيب عليها فتزول المنة عنه والصدقة يراد بها ثواب الآخرة فلم يجز أن تكون يد أعلى من يده صلى الله عليه وسلم في أمر الآخرة (2).
…
(والمعتمد) عند مالك والشافعي وأحمد وبعض الحنفيين: أنه يجوز لآل النبي صلى الله عليه وسلم الأخذ من صدقة التطوع قياسا على الهبة والهدية والوقف ولأن المحرم عليهم إنما هو أوساخ الناس وهي الزكاة لا صدقة التطوع (والظاهر) القول بحرمة صدقة التطوع عليهم كالفرص لأن الدليل لم يفصل وهو الراجح عند الحنفيين.
…
(فائدة) إذا منعت الآل من حقهم في سهم ذوي القربى لم يعطوا من الزكاة عند الحنفيين وأحمد وهو الصحيح عند الشافعي، لعموم الأدلة المانعة، ولأن منعهم من الزكاة لشرفهم بقرابة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وهي
(1) انظر ص 76 ج 9 - الفتح الرباني (تحريم الصدقة على بني هاشم لا الهدية) وص 127 ج 5 فتح الباري (قبول الهدية) وص 184 ج 7 نووي (إباحة الهدية للنبي صلى الله عليه وسلم.
(2)
أنظر ص 71 ج 2 معالم السنن (الصدقة على بني هاشم).
باقية فيبقى المنع (وقال) مالك والأصطخري الشافعي والطحاوي: يجوز دفع الزكاة إليهم حينئذ بوصف الفقر.
[ب] ولا تدفع الزكاة لموالي آل النبي صلى الله عليه وسلم عند الحنفيين والشافعي وأحمد وابن الماجشون (لحديث) أبي رافع أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث رجلا من بني مخزوم على الصدقة فقال: أصحبني لعلك تصيب منها معي، فقلت: حتى أسأل النبي صلى الله عليه وسلم، فسألته، فقال:"مولي القوم من أنفسهم وإنا لا تحل لنا الصدقة" أخرجه أحمد والثلاثة والحاكم وصححه وقال الترمذي: حسن صحيح (1){163}
…
(وقال) مالك وبعض الشافعية: يجوز دفع الزكاة إلى موالي آل النبي صلى الله عليه وسلم لأنهم ليسوا بقرابة ولا حظ لهم في سهم ذوي القربى فلا يحرمون من الصدقة كسائر الناس، ولأن علة التحريم- وهي الشرف- مفقودة فيهم (والحديث) حجة عليهم ولا قيام للعلة العقلية مع الدليل الصحيح الصريح، فلا تحل لهم صدقة الفرض وكذا صدقة التطوع على الراجح عند الحنفيين. والمعتمد عند الشافعية أنه يجوز لموالي آل النبي صلى الله عليه وسلم الأخذ من صدقة التطوع كالهدية والوقف.
(ز) يشترط فيمن تصرف له الزكاة كونه أهلا للملك، فلا تدفع الزكاة فيما لا تمليك فيه كبناء مسجد أو قنطرة أو إصلاح الطرق أو تكفين ميت فقير أو قضاء دينه ولو بأمره قبل موته، ولو اشترى بالزكاة طعاما فأطعم الفقراء.
(1) انظر ص 80 ج 9 - الفتح الرباني (تحريم الصدقة على بني هاشم ومواليهم) وص 291 ج 9 - المنهل العذب المورود (الصدقة على بني هاشم) وص 366 ج 1 مجتبي (مولى القوم منهم) وص 21 ج 2 تحفة الأحوذى (كراهة الصدقة للنبي صلى الله عليه وسلم وآل بيته ومواليه) وص 404 ج 1 مستدرك.
ولم يدفع عين الطعام إليهم لا يجوز لعدم التمليك (1)،
ولو دفع زكاته إلى الإمام
(1) انظر ص 39 ج 3 بدائع الصنائع (وقد) سئل الشيخ محمد بخيث مفتي الديار المصرية سابقا رحمه الله بما نصه: ما قولكم فيمن يقول بجواز دفع الزكاة- من غير تمليكها للفقير- إلى وجوه البر وغلى ما يظن نفعه للمجتمع من المصالح، كتكفين الموتى وبناء الحصون وعمارة المساجد والمدارس والمستشفيات والمنتديات والاستخبارات الإسلامية ونحوها، فهل في جواز ذلك قول لأحد الأئمة ممن يؤخذ بقولهم وتظهر حجتهم؟ "وهل ما يذكره" الرازي في تفسيره عن القفال عن بعض الفقهاء أنهم أجازوا صرف الصدقات إلى جميع وجوه الخير من تكفين الموتى وبناء الحصون وعمارة للمساجد، لأن قوله "وفي سبيل الله" عام في الكل (أنظر ص 464 ج 4 التفسير الكبير للفخر الرازي- الصنف السابع)"مما يعول عليه" السادة الفقهاء. وهل هذا البعض في موضع الإمامة والقدوة والأخذ بقوله؟ وهلا تقضي ذلك إلى إبطال الحكمة في تشريع الزكاة؟ أفيدونا أدامكم الله مرجعا لحل المعضلات.
…
(فأجاب) رحمة الله بما ملخصه: اطلعنا على هذا السؤال ونقيد أن علماءنا صرحوا بأنه لابد من عطاء الزكاة من التمليك وأنها لا تصرف إلى بناء المساجد والقناطر والسقايات وإصلاح الطرقات والحج والجهاد وكفن ميت وكل ما لا تمليك فيه. وفسروا قوله "وفي سبيل الله" بفقراء الغزاة أو فقراء الحاج المنقطع بهم الطريق على ما بين في الأصل. وأبو يوسف رحمه الله يقول: الطاعات كلها في سبيل الله، ولكن عند إطلاق هذا اللفظ يكون المقصود منه الغزاة عند الناس ولا يصرف إلى الأغنياء من الغزاة عند خلافا للشافعي. وحكى أبو ثور عن أبي حنيفه أنه الغازي دون الحاجز وذكر ابن بطال أنه قال أبي حنيفة ومالك والشافعي. ولابد من التمليك أيضا عند الائمة الثلاثة.
…
(قال) في الأم: ويعطي سهم سبيل الله جل وعز من غزا من جيران الصدقة فقيرا كان أو غنيا ولا يعطي منه غيرهم إلا أن يحتاج إلى الدفع عنهم فيعطاه من دفع عنهم المشركين (أنظر ص 62 ج 2 الأم- بيان أهل الصدقات) وقال في المدونة: وقال مالك: يعطي من الزكاة ابن السبيل وإن كان غنيا في بلده إذا احتاج. وإنما مثل ذلك مثل الغازي في سبيل الله يعطي منها وإن كان غنيا. قلت: فالحاجد المنقطع به، فقال مالك: هو ابن السبيل يعطي من الزكاة، قلت: والحاج عند مالك ابن السبيل وإن كان غنيا؟ قال: نعم (انظر ص 257 ج 1 مدونة- إعطاء المكاتب =
أو عامل الصدقة، جاز لأنه نائب عن الفقير في القبض. وكذا لو دفع زكاة ماله إلى غير مكلف فقير وقبض له وليه أو صيه جاز، لأن الولي يملك قبض
= وابن السبيل من الزكاة) وقال مالك: لا يجزيه أن يعطي من زكاته في كفن ميت لأن الصدقة إنما هي للفقراء والمساكين ومن سمي الله، فليس للأموات ولا لبنيان المساجد (انظر ص 258 ج 1 مدونة- تكفين الميت من الزكاة).
…
((وقال) أبو بكر بن العربي في كتابه (الأحكام): قوله "وفي سبيل الله" قال مالك: سبل الله كثيرة، ولكني لا أعلم خلافا في أن المراد بسبيل الله ههنا الغزو، ويؤثر عن أحمد وإسحاق إنه الحج، يعني أن الحج من جملة السبل مع الغزو، لأنه طريق بر فيعطي منه باسم السبيل. وهذا يحل عقد الباب ويحرم قانون الشريعة وينثر سلك النظر وما جاء قط بإعطاء الزكاة في الحج أثر (انظر ص 396 ج 1 - أحكام القرآن- التاسعة عشر).
…
(وقال) الحافظ: وأما سبيل الله فالأكثر على أنه يختص بالغازي غنيا أو فقيرا، إلا أن أبا حنيفة خصه بالغازي المحتاج (وعن) أحمد وإسحق: الحج من سبيل الله. وقال ابن عمر: أما إن الحج من سبيل الله. أخرجه أبو عبيده بإسناد صحيح.
…
(وقال) ابن المنذر: إن ثبت حديث ابن عباس: حملنا النبي صلى الله عليه وسلم على إبل الصدقة للحج، قلت بذلك. وتعقب بأنه يحتمل أنهم كانوا فقراء وحملوا عليها خاصة ولم يتملكوها (انظر ص 213 ج 3 فتح الباري- قول الله تعالى:"وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله".
…
(وقال) في كشاف القناع: وهم أي أهل الزكاة الذين جعلهم الشرع محلا لدفعها إليهم ثمانية أصناف لا يجوز صرفها إلى غيرهم كبناء المساجد والقناطر وتكفين الموتى ووقف المصاحف وغير ذلك من جهات الخير (أنظر ص 486 ج 1 - ذكر أهل الزكاة).
…
"وأما" ما نقله الرازي عن بعض الفقهاء أنه أجاز صرف الصدقات إلى جميع وجوه الخير من تكفين الموتى وبناء الحصون وعمارة المساجد، لأن قوله "في سبيل الله" عام في الكل. أهـ. وجاري الفخر الرازي على ذلاك الخازن في تفسيره وصديق حسن خان في فتح البيان. "وما" نقله أبو بكر بن العرب عن محمد بن عبد الحكم من أنه يعطي من الصدقة في الكراع والساح وما يحتاج إليه من آلات الحرب وكف العدو عن الحوزة لأنه كله من سبيل الغزو ومنفعته (انظر ص 397 ج 1 - أحكام القرآن)"فذلك مردود" بما تقدم نقله عن الشافعي وما قاله أبو يوسف من أن =
الصقدقة عنه، وكذا الأجنبي الذي هو في عياله، لأنه كالولي في قبض الصدقة لكونه نفعا محضا، ألا ترى أنه يملك قبض الهبة له.
…
(وعن) أبي يوسف ومحمد: أن من عال يتيما فجعل يكسوه ويملكه الطعام وينوي به زكاة ماله يجوز، ثم إن كان اليتيم عاقلا يدفع إليه وإن لم يكن عاقلا يقبض عنه بطريق النيابة ثم يكسوه ويطعمه لأن قبض الولي كقبضه لو كان عاقلا، ولا يجوز قبض الأجنبي للفقير المكلف إلا بتوكيله لأنه لا ولاية له عليه فلابد له من امره كما في قبض الهبة (1).
…
(3) الخطأ في مصرف الزكاة:
…
لو دفع المزكي- بعد التحري- زكاته إلى من ظنه مصرفا فبان أنه غني أو هاشمي أو ذمي أو أصله أو فرعه، أجزأه ما دفعه من زكاته- عند النعمان ومحمد (لقول) معن بن يزيد رضي الله عنهما: كان أبي أخرج دنانير يتصدق بها فوضعها عند رجل في المسجد فجئت فأخذتها فأتيته بها، فقال: والله ما إياك أردت فخاصمته إلى النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقال: "لك ما نويت يا يزيد ولك ما أخذت يا معن" أخرجه أحمد والبخاري (2). {164}
= الطاعات في سبيل الله ولكن عند إطلاق هذا اللفظ المقصود منه الغزاة عند الناس. أهـ. أي عند العلماء فأقاد أن سبيل الله عام بحسب معنى اللفظ ولكن عرف في لسان الشارع بأن المراد منه خاص وهو ما تقدم فصار المعنى الخاص هو الحقيقة الشرعية وهي مقدمة على الحقيقة اللغوية لأن الحقيقة الشرعية هي المعنى المراد في إصطلاح تخاطب الشارع فلا يعدل عنه. وهذا كله إذا حمل قول بعض الفقهاء ومحمد بن عبد الحكم على ظاهره وأما إن جعل المراد منه ما قدمناه فلابد من التمليك ولا خلاف في عدم جواز صرفها لنفس تلك الخيرات، والله أعلم (12 ربيع الأول سنة 1348).
(1)
انظر ص 39 ج 2 بدائع الصنائع.
(2)
انظر ص 187 ج 3 فتح الباري (إذا تصدق على ابنه وهو لا يشعر).
فعموم لفظ- ما في قوله: لك ما نويت- يفيد المطلوب وإن كان يحتمل أن الصدقة كانت نفلا (ولحديث) أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "قال رجل: لأصدقن الليلة بصدقة، فخرج بصدقته فوضعها في يد سارق فأصبحوا يتحدثون: تصدق على سارق، فقال: اللهم لك الحمد لأتصدقن بصدقة، فخرج بصدقته فوضعها في يد زانية فأصبحوا يتحدثون: تصدق الليلة على زانية، فقال: اللهم لك الحمد على زانية لأتصدقن بصدقة، فخرج بصدقته فوضعها في يد غني فأصبحوا يتحدثون: تصدق على غني، فقال: اللهم لك الحمد على سارق وعلى زانية وعلى غني، فأتى فقيل له: أما صدقتك على سارق فلعله أن يستعف عن سرقته، وأما الزانية فلعلها أن تستعف عن زناها، وأما الغنى فلعله أن يعتبر فينفق مما أعطاه الله" أخرجه أحمد والشيخان والنسائي (1). {165}
(وقال) مالك وأبو يوسف والشافعي: لو دفع المزكى بعد التحري زكاته إلى من ظنه مصرفا فبان أنه غني أو هاشمي أو ذمي أو أصله أو فرعه لا يجزئه ما دفعه عن زكاته، لظهور الخطأ بيقين، وعليه الإعادة لأنه دفع
(1) انظر ص 35 ج 9 - الفتح الرباني (من دفع صدقته إلى من ظنه من أهلها
…
) وص 187 ج 3 فتح الباري (إذا تصدق على غني وهو لا يعلم) وص 110 ج 7 نووي (ثبوت أجر المتصدق) وص 348 ج 1 مجتبي (إذا أعطاه غنيا وهو لا يشعر) و (الرجل) المتصدق كان من بني إسرائيل كما في رواية لأحمد. و (تصدق) مبني للمجهول. وكذا (فأتى) وفي رواية الطبراني: فساءه ذلك فأتى في منامه أي أرى في المنام. وعند أحمد: فأتى فقيل له: أما صدقتك فقد قبلت. وفي الحديث دلالة على أن الصدقة كانت مختصة عندهم بأهل الحاجة من أهل الخير. وفيه أن نية المتصدق إذا كانت صالحة قبلت صدقته ولو لم تقع الموقع. واختلف الفقهاء في الأجزاء إذا كان ذلك في زكاة الفرض. ولا دلالة في الحديث على الإجزاء ولا على المنع. ولذا ترجم له البخاري فقال (باب إذا تصدق على غني وهو لا يعلم) ولم يجزم بالحكم وتمامه في فتح الباري (انظر ص 187 ج 3).
الواجب إلى غير مستحقه فلم يخرج من عهدته وأخطأ اجتهاده (وأجابوا) عن الحديث باحتمال أن الصدقة فيهما كانت نفلا.
…
(والمختار) عند أحمد أنه إذا أعطى الزكاة من يظنه فقيرا فبان غنيا أنه يجزئه لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال للرجل الذي ساله الصدقة: إن كنت من تلك الأجزاء أعطيتك حقك (1) ولو اعتبر حقيقة الغنى لما اكتفى بقوله (وأما) لو بان الآخذ عبدا أو كافرا أو هاشميا أو أصلا أو فرعا للمعطي لم يجزء عند أحمد رواية واحدة، لأنه ليس بمستحق ولا تخفي حاله غالبا فلم يجزء الدفع غليه كديون الآدمي. وفارق من بان غنيا بأن الفقر والغنى مما يعسر الإطلاع عليه ومعرفة حقيقته، فاكتفى بظهور الفقر ودعواه بخلاف غيره (2).
…
(4) من يطالب بأداء الزكاة:
مال الزكاة نوعان (ظاهر) وهو المواشي والزروع والمال الذي يمر به التاجر على العاشر (وباطن) وهو الذهب والفضة وأموال التجارة في مواضعها (أما الظاهر) فللإمام ونوابه من السعادة والعشار ولاية الأخذ والطلب (3) - عند الحنفيين ومالك- لقوله تعالى: "خذ من أموالهم صدقة"(4) نزلت في الزكاة وفيها أمر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بأخذ الزكاة، فللإمام المطالبة بهذا وأخذها، ولقوله تعالى:"إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها" فقد جعل للعاملين عليها حقا، فلو لم يكن للإمام أن يطالب أرباب الأموال بدفع الصدقات وكان أداؤها لأرباب الأموال لم يكن لذكر (العاملين) وجه، وكان
(1) تقدم رقم 152 ص 273 (توزيع الزكاة على ستحقيها).
(2)
انظر ص 528 ج 2 مغنى ابن قدامة.
(3)
(الساعي) من يسعى إلى القرى لأخذ صدقات المواشي في أماكنها (والعاشر) من يأخذ الصدقة من التاجر يمر عليه.
(4)
سورة التوبة: آية 103.
رسول الله صلى الله عليه وسلم يبعث المصدقين إلى أحياء العرب والبلدان لأخذ الصدقات من الملاك، وفعله الخلفاء من بعده.
…
(وقال) الصديق رضي الله عنه لما امتنعت العرب عن أداء الزكاة-: والله لو منعوني عقالا كانوا يؤدونه إلى النبي صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعه (1)(وكذا) المال الباطن إذا مر به التاجر على العاشر كان له أن يأخذ منه، لأنه لما سافر به وأخرجه من العمران صار ظاهرا والتحق بالسوائم، لأن الإمام إنما كان له المطالبة بزكاة المواشي في أماكنها لمكان الحماية، لأن المواشي في البراري لا تصير محفوظة إلا بحفظ السلطان وحمايته، وهذا المعنى موجود في مال يمر به التاجر على العاشر فكان كالسوائم، وعليه إجماع الصحابة رضي الله عنهم فإن عمر رضي الله عنه نصب العشار وقال لهم: خذوا من المسلم ربع العشر ومن الذمي نصف العشر ومن الحربي العشر، وكان ذلك بمحضر من الصحابة رضياللبه عنهم، ولم ينقل أنه أنكر عليه واحد منهم، فكان إجماعا.
(وروى) عن عمر بن عبد العزيز أنه كتب إلى عماله بذلك وقال أخبرني بهذا من سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
…
(وأما المال) الباطن الذي يكون في المصر فقد ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طالب بزكاته وأبو بكر وعمر طالبا وعثمان طالب زماناز ولما كثرت أموال الناس ورأى أن في تتبعها حرجا على الأمة وفي تفتيشها ضررا بارباب الأموال، فوض الأداء إلى أربابها.
…
(وقال) الشيخ أبو منصور الماتريدي: لم يبلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث في مطالبة المسلمين بزكاة الورق وأموال التجارة، ولكن الناس كانوا يعطون ذلك للمستحق، ومنهم كان يحمل إلى الأئمة فيقبلون منه ذلك ولا يسألون أحدا عن مبلغ ماله ولا يطالبونه بذلك (2).
(1) هذا بعض الحديث رقم 12 ص 112 (قتال مانع الزكاة).
(2)
انظر ص 35 ج 2 بدائع الصنائع.
(وقال) أحمد: يستحب للإنسان تفرقة زكاته بنفسه ويجوز دفعها إلى الساعي (وعنه) يستحب أن يدفع إليه العشر ويتولى تفريق الباقي (وقال) الشافعي: دفعها إلى الإمام العادل أفضل، وهو قول الشعبي والأوزاعي، لأن الإمام أعلم بمصارفها ودفعها إليه يبرئه ظاهرا وباطنا، ودفعها إلى الفقير لا يبرئه باطنا لاحتمال أن يكون غير مستحق لها (وكان) ابن عمر يدفع زكاته على من جاءه من سعاة ابن الزبير (وقال) سهيل بن أبي صالح: أتيت سعد بن أبي وقاص فقلت: عندي مال وأريد أن أخرج زكاته وهؤلاء القوم على ما ترى فما تأمرني؟ وقال: ادفعها إليهم، فأتيت بان عمر وأبا هريرة وأبا سعيد، فقال كل مثل ذلك (1).
(هذا) ويجوز دفع الزكاة إلى السلطان الجائر ويبرأ رب المال بذلك عند الجمهور (لقول) أنس بن مالك رضي الله عنه: "أتى رجل من بني تميم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: حسبي يا رسول الله إذا أديت الزكاة إلى رسولك فقد برئت منها إلى الله ورسوله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم إذا اديتها إلى رسولي فقد برئت منها فلك أجرها إثمها على من بدلها. أخرجه أحمد والطبراني في الكبير بسند رجاله رجال الصحيح (2). {166}
…
(قال) في المنتقى: احتج بعمومه من يرى أن الزكاة المعجلة إلى الأمام إذا هلكت عنده تهلك على حساب الفقراء دون الملاك (وقال) وائل الحضرمي: سأل سلمة بن يزيد الجعفي النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا نبي الله أرايت إن قامت علينا أمراء يسألونا حقهم، فقال:"اسمعوا واطيعوا فإنما عليهم ما حملوا وعليكم ما حملتم" أخرجه مسلم والترمذي (3). {167}
(1) أخرج هذه الآثار سعيد بن منصور وابن أبي شيبة (وعن) سعد بن أبي وقاص مرفوعا: ادفعوها إليهم ما صلوا الخمس. أخرجه الطبراني في الأوسط. وفيه هانئ بن المتوكل وهو ضعيف (انظر ص 80 ج 3 مجمع الزوائد)(دفع الصدقات إلى الأمراء).
(2)
انظر ص 36 ج 9 - الفتح الرباني (براءة رب المال بدفع الزكاة إلى المصدق). وتقدم الحديث بأتم من هذا رقم 17 ص 116 (فضل الزكاة).
(3)
انظر ص 136 ج 12 نووي (الأمر بالصبر عند ظلم الولاة).
(وعليه) فلو أخذ الأمراء الظلمة الصدقات والعشور والخراج ولا يضعونها مواضعها فهل تسقط عن أربابها؟ اختلف المشايخ فيه (ذكر) الفقيه أبو جعفر الهندواني أنه يسقط ذلك كله وإن كانوا لا يضعونها في أهل لأن حق الأخذ لهم فيسقط عنا بأخذهم والوبال عليهم. وهذا قول الشافعي وأحمد.
(وقال) أبو بكر الإسكاف: إن جميع ذلك لا يسقط ويعطي ثانيا، لأنهم لا يضعونها مواضعها ولو نوى صاحب المال أنه يدفع إليهم ذلك عن زكاة ماله (قيل) يجوز لأنهم فقراء في الحقيقة. ألا ترى أنهم لو أدوا ما عليهم من التبعات والمظالم صاروا فقراء. (وقيل) إن السلطان لو أخذ مالا من رجل بلا حق مصادرة فنوى صاحب المال وقت الدفع أن يكون ذلك عن زكاة ماله وعشر أرضه يجوز ذلك (1).
…
(5) شروط ولاية آخذ الزكاة:
…
يشترط لذلك شروط أربعة:
(أ) وجود الحماية من الإمام: حتى لو ظهر أهل البغي على مدينة من مدائن أهل العدل وغلبوا عليها فأخذوا صدقات السوائم والعشور والخراج، ثم ظهر عليهم إمام العدل، لا يأخذ منهم ثانيا، لأن حق الأخذ للإمام لأجل الحفظ والحماية ولم يوجد إلا أنهم يفتون فيما بينهم وبين ربهم أن يؤدوا الزكاة والعشر ثانيا وكذا الخراج عند بعضهم (وقيل) ليس عليهم الإعادة لأن الخراج يصرف على المقاتلة والبغاة يقاتلون العدو ويذبون عن حريم الإسلام. وأما إذا مر من لزمته الزكاة على البغاة فأخذوها منه، فللإمام أخذها ثانيا، لأن التفريط من قبل من مر عليهم، والذمي في هذا كالمسلم.
(1) انظر ص 26 ج 2 بدائع الصنائع.
(ب) وجوب الزكاة: فلا ولاية على من لم تجب عليه لأن المأخوذ زكاة وهي في عرف الشرع ما يجب إخراجه فلابد من تقدم الوجوب فتراعي شروطه وهي الملك المطلق وكمال النصاب وكونه معدا للنماء وحولان الحول وعدم الدين المطالب به من العباد وأهلية الوجوب وغير ذلك مما تقدم.
(جـ ود) ظهور المال وحضور المالك: فلو حضر ولم يظهر ماله لا يطالب بزكاته لأنه لم يظهر ماله لا يدخل تحت حماية السلطان، وكذا إذا ظهر المال ولم يحضر المالك ولا المأذون من جهته كالوكيل، لا يطالب بزكاته. فإذا جاء الساعي إلى صاحب المواشي يريد أخذ الصدقة فقال: ليست مالي أو لم يحل عليها الحول أو على دين يحيط بقيمتها، فالقول قوله بيمينه لأنه ينكر وجوب الزكاة. ولو قال: أديت إلى مصدق آخر فإن لم يكن في تلك السنة مصدق آخر لا يصدق لظهور كذبه بيقين. وإن كان مصدق آخر يصدق مع اليمين- وإن لم يثبت دعواه- في ظاهرة الرواية (ولو قال) أديت الزكاة إلى الفقراء لا يصدق وتؤخذ منه عند الحنفيين (وقال) الشافعي: لا تؤخذ لأن المصدق لا يأخذ الصدقة لنفسه بل ليوصلها على المستحق وقد أوصلها المالك بنفسه. وللحنفيين أن حق الأخذ للإمام، فهو بقوله: أديت بنفسي، أراد إبطال السلطان، فلا يملك ذلك (1).
(6)
مكان صرف الزكاة:
هو مكان المال المزكى، فلو كان المزكى في بلد والمال في بلد فهي المعتبرة، فينبغي صرف زكاة كل بلد إلى فقراء أهلها، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما بعث معاذا إلى اليمن قال: فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم وترد في فقرائهم (2).
(1) انظر ص 35 ج 2 بدائع الصنائع.
(2)
هذا بعض الحديث رقم 5 ص 104 (دليلها).
(واختلف) العلماء في نقلها (فقال) الحنفيون: يكره نقلها بعد تمام الحول من بلد إلى ىخر لهذا الحديث (ولما روى) إبراهيم بن عطاء عن أبيه قال: إن زيادا أو بعض الأمراء بعث عمران بن حصين على الصدقة، فلما رجع قال لعمران: أين المال؟ قال: وللمال أرسلتني؟ أخذناها من حيث كنا نأخذها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ووضعناها حيث كنا نضعها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم" أخرجه أبو داود وابن ماجه بسند رجاله رجال الصحيح إلا إبراهيم بن عطاء وهو صدوق (1). {168}
(سأل) الأمير عن المال زعما منه أن عمران كسائر العمال الذين يجمعون الأموال ويحملونها على الأمراء ليصرفوها في مصارفهم الخاصة، فأنكر عليه عمران وبين له أن الماثور عن النبي صلى الله عليه وسلم صرف الزكاة لمستحقيها في المكان الذي جمعت فيه.
(ولذا) قال الحنفيون: يكره نقلها إلا إلى قريب المزكي لما فيه من الصلة أو إلى شخص أحوج من أهل بلده أو أصلح أو أنفع للمسلمين أو من دار الحرب إلى دار الإسلام أو إلى طالب علم أو كانت معجلة قبل تمام الحول، فحينئذ لا يكره نقلها (لما روى) طاوس:"أن معاذا قال لأهل اليمن: إيتوني بعرض ثياب خميص أو لبيس في الصدقة مكان الشعير والذرة أهون عليكم وخير لأصحاب النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بالمدينة" أخرجه البخاري معلقا والبيهقي موصولا (2). {169}
(وكان) النبي صلى الله عليه وسلم يأخذ الصدقات من الأعراب خارج المدينة ويصرفها في فقراء المهاجرين والأنصار بالمدينة (هذا) ولم يقل الحنفيون
(1) انظر ص 246 ج 9 - المنهل العذب المورود (الزكاة تحمل من بلد إلى بلد) وص 285 ج 1 - ابن ماجه (عمال الصدقة).
(2)
تقدم رقم 106 ص 222 (دفع القيمة).
بحرمة نقلها لغير قريب أو أحوج، لأن آية:"إنما الصدقات للفقراء" وغيرها من النصوص مطلقة عن التقييد بمكان.
(وقال) مالك وأحمد: يجب صرفها في موضع الوجوب أو قربه إلى ما دون مسافة القصر، سواء وجد بموضع الوجوب مستحق أو لا، لأنه في حكم موضع الوجوب. ولا يجوز نقلها لمسافة القصر فأكثر إلا أن يكون المنقول إليهم أحوج فيندب نقل أكثرها لهم. وإن نقلت إلى مسافة القصر فأكثر إلى من هم أقل منهم في الاحتياج أجزأت مع الحرمة، وإن نقلت إلى مثلهم أجزأت مع الكراهة.
(قال) أبو داود: سمعت أحمد سئل عن الزكاة يبعث بها من بلد إلى بلد؟ قال: لا. قيل: وإن كان قرابته بها؟ قال: لا. (وقال) طاوس في كتاب معاذ بن جبل: من خرج من مخلاف إلى مخلاف فإن صدقته وعشرة ترد إلى مخلافه. أخرجه الأثرم في سننه (1).
وإن لم يوجد بمحل الوجوب أو قربه مستحق، نقلت وجوبا إلى محل فيه مستحق ولو بعد مسافة القصر (وقالت) الشافعية: يجب صرفها في بلد المال، فلو نقلت إلى بلد آخر مع وجود المستحقين ففيه أربعة أقوال الأصح أنه لا يجوز النقل ولا يجزئ ولو لأقل من مسافة القصر (2). ويجوز إن فقد المستحق في موضع الوجوب (لحديث) عمرو بن شعيب أن معاذ بن جبل لم يزل بالجند إذ بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى مات النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قدم على عمر فرده على ما كان عليه، فبعث إليه معاذ بثلث صدقة
(1) انظر ص 531 ج 2 مغنى ابن قدامة (والمخلاف) بكسر فسكون: العشيرة أو البلد.
(2)
(والقول الثاني) يجزئ النقل ويجوز مطلقا (الثالث) لا يجزئ ولا يجوز مطلقا (الرابع) يجزئ ويجوز النقل دون مسافة القصر ولا يجزئ ولا يجوز نقل الزكاة إليها وهذا إذا فرق رب المال زكاته، أما إذا فرقها الإمام أو الساعي فالأشبه جواز النقل مطلقا.
الناس، فأنكر ذلك عمر وقال: لم أبعثك جابيا ولا آخذ جزية، ولكن بعثتك لتأخذ من أغنياء الناس فترد على فقرائهم. فقال معاذ: ما بعث إليك بشيء وأنا أجد أحدا يأخذه منى. فلما كان العام الثاني بعث إليه بشطر الصدقة فتراجعا بمثل ذلك. فلما كان العام الثالث بعث إليه بها كلها، فراجعه عمر بمثل ما راجعه، فقال معاذ: ما وجدت أحدا يأخذ مني شيئا. أخرجه أبو عبيد في كتاب الأموال (1).
(وقال) أحمد: لا تخرج صدقة قوم عنهم من بلد إلى بلد إلا أن يكون فيها فضل عنهم، لأن الذي كان يجيء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر من الصدقة إنما كان عن فضل عنهم، وكذلك إذا كان ببادية ولم يجد من يدفعها غليه فرقها على فقراء أقرب البلاد إليه (2).
(وإذا) أخذ الساعي الصدقة فاحتاج إلي بيعها لمصلحة- من كلفه في نقلها أو مرضها أو نحوها- فله ذلك لما روى قيس بن أبي حازم أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم رأى في إبل الصدقة ناقة كوماء، فسأل عنها، فقال المصدق:"إني ارتجعتها بإبل فسكت" أخرجه أبو عبيد في الأموال (3). {170}
وقال: الرجعة أن يبيعها ويشتري بثمنها أو غيرها. فإن لم يكن حاجة على بيعها، فقال بعض الحنبلية: لا يجوز والبيع باطل وعليه الضمان.
(وقيل) يجوز لحديث قيس فإن النبي صلى الله عليه وسلم سكت حين أخبره المصدق بارتجاعها ولم يستفصل (4).
(1) انظر ص 532 ج 2 مغنى ابن قدامة (والجندل) بضم فسكون: بلد باليمن.
(2)
انظر ص 532 ج 2 مغنى ابن قدامة (والجندل) بضم فسكون: بلد باليمن.
(3)
انظر ص 533 منه (والكوماء) بفتح فسكون: الناقة العظيمة السنام.
(4)
انظر ص 533 ج 2 مغنى ابن قدامة.
(7)
ما يطلب من المزكى والآخذ:
هو ثلاثة أمور:
(أ) يسن للمزكي دفع الزكاة بيده اليمني متواضعا لله تعالى، معتقدا أن الفضل والنعمة من الله تعالى، وإنما أجرى الخير على يديه تفضلا منه وإحسانا داعيا بقوله: اللهم اجعلها مغنما ولا تجعلها مغرما (لحديث) سويد بن سعيد حدثنا الوليد بن مسلم عن البختري بن عبيد عن أبيه عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا أعطيتم الزكاة فلا تنسوا ثوابها أن تقولوا: اللهم اجعلها مغنما ولا تجعلها مغرما" أخرجه ابن ماجه وسويد فيه مقال، والوليد مدلس، والبختري متروك متفق على ضعفه (1). {171}
(ب) ويسن للأخذ أن يدعو للمزكي بنحو آخرك الله فيما أعطيت وجعله طهورا، وبارك لك فيما أبقيت (لحديث) وائل بن حجر أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث ساعيا فأتي رجلا فآتاه فصيلا مخلولا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"اللهم لا تبارك فيه ولا في إبله. فبلغ الرجل. فجاء بناقة حسنا، فقال: أتوب إلى الله وإلى نبيه صلى الله عليه وسلم. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اللهم بارك فيه وفي إبله" أخرجه النسائي (2). {172}
(وقال) عبد الله بن أبي أوفى: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتاه قوم بصدقة قال: اللهم صل عليهم، فأتاه أبي أبو أوفي بصدقته، فقال: الهم صل على آل أبي أوفى" أخرجه السبعة إلا الترمذي (3). {173}
(1) انظر ص 282 ج 1 - ابن ماجه (ما يقال عند إخراج الزكاة) و (أن تقولوا) بدل من ثواب، أي لا تنسوا هذا الدعاء الذي فيه طلب الثواب من الله تعالى.
(2)
انظر ص 240 ج 1 مجتبي (الجمع بين المفترق .. ) و (فصيلا مخلولا) أي مهزولا وهو الذي جعل في أنفه خلال لئلا يرضع أمه فهزل.
(3)
انظر ص 232 ج 3 فتح الباري (صلاة الإمام على صاحب الزكاة ودعاؤه له) وص 84 ج 7 نووي (الدعاء لمن أتى بصدقته) وص 191 ج 9 - المنهل العذب المورود (دعاء المصدق لأهل الصدقة) وص 241 ج 1 مجتبي (صلاة الإمام على صاحب الصدقة) - وص 282 ج 1 - ابن ماجه (ما يقال عند إخراج الزكاة) و (لفظ آل) زائد لأن الآل يطلق على ذات الشيء (وفي الحديث) دليل على جواز الدعاء بالصلاة على غير الأنبياء استقلالا وفي هذا خلاف (انظر ص 393 إرشاد الناسك. إلى أعمال المناسك- الصلاة على آل النبي صلى الله عليه وسلم.
(ولهذا) قال الأئمة الأربعة والجمهور: يسن دعاء آخذ الزكاة لرب المال. وأوجبه داود وبعض الشافعية لظاهر قوله تعالى: "وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم"(ورد) بأن هذا مختص بالنبي صلى الله عليه وسلم لكون صلاته سكنا لهم بخلاف صلاة غيره، ولو كان الدعاء واجبا لأمر به النبي صلى الله عليه وسلم السعادة.
(جـ) يندب ستر الزكاة عن أعين الناس، لأن عمل السر أفضل إلا أن يكون الغالب تركها فيستحب الإظهار للاقتداء به. وقيل: إن إظهارها أفضل، وكذا سائر الفرائض، لكن يحرم قصد المحمدة (وأما) صدقة التطوع فيستحب فيها الإسرار لخبر: ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه (1)(فعده) من السبعة الذين يظلهم الله تعالى في ظل عرشه.
(1) هذا بعض حديث (روى) أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل. وشاب نشأ في عبادة الله. ورجل قلبه معلق بالمساجد إذا خرج منه حتى يعود إليه. ورجلان تحابا في الله فاجتمعا على ذلك وافترقا عليه. ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه. ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله رب العالمين. ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه" أخرجه أحمد والشيخان والنسائي (أنظر رقم 4645 ص 88 ج 4 فيض القدير).
(وقال) ابن عباس في قوله تعالى: "إن تبدوا الصدقات فنعما هي"(1) الآية: جعل الله صدقة السر في التطوع تفضل علانيتها بسبعين ضعفا، وجعل صدقة الفريضة علانيتها أفضل من سرها بخمسة وعشرين ضعفا. وكذا في جميع الفرائض والنوافل. وعن عقبة بن عامر أن النبي عليه الصلاة والسلام قال:"الجاهر بالقرآن كالجاهر بالصدقة، والمسر بالقرىن كالمسر بالصدقة" أخرجه أحمد والثلاثة (2). {174}
(15)
صدقة التطوع
الصدقة عطية يراد بها الثواب من الله تعالى، وقد تقدم في فضلها والترغيب فيها أحاديث (فيسن) للإنسان التصدق بما ينتفع به ويثاب عليه ولو قليلا، قال الله تعالى:"فمن يعمل مثال ذرة خيرا يره"(3)(وعن) عدى بن حاتم أن النب صلى الله عليه وسلم قال: "من استطاع منكم أن يتقي النار فليتصدق ولو بشق تمرة، فمن لم يجد فبكلمة طيبة" أخرجه أحمد ومسلم (4). {175}
(وعن) عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال
(1) سورة البقرة: آية 271 (وما من نعما) في محل نصب تمييز، أي إن تظروا الصدقات فنعم شيئا إظهارها.
(2)
انظر ص 202 ج 9 - الفتح الرباني (صدقة السر) وص 357 ج 1 - مجتبي (السر بالصدقة) وص 263 ج 7 - المنهل العذب المورود (رفع الصوت بالقراءة في صلاة الليل).
(3)
سورة الزلزة: آية 7.
(4)
انظر ص 156 ج 9 - الفتح الرباني (الحث على الصدقة) وص 100، 101 ج 7 نووي (والكلمة الطيبة) هي التي فيها تطييب قلب السائل وطاعة الله تعالى بالتسبيح والتحميد ونحوهما لما هو وقاية من النار.
لها: "يا عئشة استتري من النار ولو بشق تمرة فإنها تسد من الجائع مسدها من الشبعان" أخرجه أحمد والبزار بسند حسن (1). {176}
(ومن) آثار الصدقة الاستظلال بها يوم القيامة وإكرام الله للمتصدق وتأمينه يوم الفزع الأكبر (روى) يزيد بن أبي حبيب أن أبا الخير مرثد بن عبد الله حدثه، عن عقبة بن عامر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"كل امرئ في ظل صدقته حتى يفصل بين الناس أو يحكم بين الناس. قال يزيد: وكان أبو الخير لا يخطئه يوم إلا تصدق فيه بشيء ولو كعكة أو بصلة أو كذا" أخرجه أحمد وابن خزيمة وابن حبان والحاكم وقال: صحيح على شرط مسلم (2). {177}
فتصدق أيها العاقل بفضل مالك يخلف الله عليك ويدعو لك الملك بالخلف ولا تمسك فيدعو عليك بالتلف فتكون من الهالكين وتندم ولا ينفعك الندم، قال الله تعالى:"وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين"(3).
(وعن) أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: "ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقا خلفا ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكا تلفا " أخرجه مسلم (4). {178}
وقال تعالى: "من ذا الذي يقرض الله فرضا حسنا فيضاعفه له
(1) انظر ص 159 ج 9 - الفتح الرباني، ص 105 ج 3 - مجمع الزوائد (الحث على الصدقة).
(2)
انظر ص 416 ج 1 - مستدرك، وتقدم الحديث بهامش ص 117 (فضل الزكاة)(وظل الصدقة) كناية عن إكرام الله للمتصدق في الموقف وتأمين خوفه (ويحتمل) أن يجسم الله الصدقة فيكون لها ظل يستظل به المتصدق من حر الشمس في الموقف (وفي الحديث) أن من لم يجد ما يتصدق به إلا الشيء القليل فليتصدق به فإن أجره عظيم ونفعه غميم، والعبرة بالإخلاص في العمل.
(3)
سورة سبأ: آية 39.
(4)
انظر ص 95 ج 7 - نووي (كل نوع من المعروف صدقة).
أضعافا كثيرة" (1). وقال تعالى: "وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله هو خيرا وأعظم أجرا" (2).
(وعن) أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "قال الله تعالى: "يا بن آدم أنفق أنفق عليك، وقال: يمين الله ملأي سحاء لا يغيضها شيء الليل والنهار" أخرجه مسلم (3). {179}
(وعن) أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "سبق درهم مائة ألف درهم. قالوا وكيف؟ قال: لرجل درهمان تصدق بأحدهما وانطلق رجل إلى عرض ماله فأخذ منه مائة ألف درهم فتصدق به" أخرجه النسائي وابن حبان والحاكم وصححه (4). {180}
(1) سورة البقرة: آية 245.
(2)
آخر سورة المزمل.
(3)
انظر ص 79 ج 7 - نووي (الحث على النفقة وتبشير المنفق بالخلف)، و (أنفق أنفق عليك) هو بمعنى "وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه" فيتضمن الحث على الإنفاق في وجوه الخير والتبشير بالخلف من فضل الله (وسحاء) بالمد، أي دائمة الصب والهطل بالعطاء، يقال: سح يسح سحا فهو ساح، والمؤنث سحاء كهطلاء، وفي رواية: يمين الله ملأي سحا بالتنوين على المصدر (واليمين) هنا كناية عن محل العطاء وصفها بالامتلاء لكثرة منافعها فجعلها كالعين التي لا يفيضها الاستقاء ولا ينقصها الامتياح (نزع الماء) وخص اليمين لأنها في الأكثر مظنة العطاء على طريق المجاز والاتساع (أنظر ص 149 ج 2 - نهاية) وقال الترمذي: روى عن مالك بن أنس وسفيان ابن عيينة وعبد الله بن المبارك أنهم قالوا في هذه الأحاديث: أمروها بلا كيف (بصيغة الأمر من الإمراء، أي أجروها على ظاهرها ولا تعرضوا لها بتأويل ولا تحريف بل فوضوا الكيف على الله سبحانه وتعالى وهكذا قول أهل العلم منن أهل السنة والجماعة (انظر ص 23 ج 2 - تحفة الأحوذي)(الليل والنهار) منصوبان على الظرفية.
(4)
انظر ص 350 ج 1 - مجتبي (جهد المقل) وص 416 ج 1 - مستدرك، و (عرض المال) بضم العين: جانبه.
(وظاهر) الحديث أن الأجر على قدر حال المعطي لا على قدر المال المعطى. فصاحب الدرهمين حيث أعطى نصف ماله في حال لا يعطي فيها إلا الأقوياء يكون أجره على قدر همته، بخلاف الغني فإنه ما أعطى نصف ماله ولا في حال يعطي فيها عادة (1).
والأدلة في هذا كثيرة- تقدم بعضها في فضل الزكاة (2)، وكلها تحث على الإنفاق في وجوه الخير وأنواع البر في هذه الدار لينتفع به في الجزاء. فعلى العاقل الراغب في الخير لنفسه أن يبادر بتقديم ما ينفعه في رمسه فيتصدق وهو صحيح محتاج قبل الفوات بهجوم الموت، قال الله تعالى:
"وأنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول رب لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق وأكن من الصالحين * ولن يؤخر الله نفسا إذا جاء أجلها والله خبير بما تعلمون"(3).
(1) انظر ص 350 ج 1 - سندي مجتبي.
(2)
تقدم ص 116.
(3)
المنافقون 10 و 11 (والمعنى) أن الله تعالى "بعد ان نهى" المؤمنين عن أن تشغلهم دنياهم عن طاعة مولاهم، لئلا يكونوا من الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة "أمرهم" بالإنفاق في سبييل الخير فقال "وأنفقوا" تصدقوا "مما رزقناكم" وقال ابن عباس: يريد الزكاة "من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول" سائلا الرجعة "رب لولا أخرتني" أمهلتني "إلى أجل قريب فأصدق" أي فأتصدق وأزكي مالي "وأكن من الصالحين" أي من المؤمنين، وقيل: المراد بالصلاح هنا الحج، فكل مفرط يندم عند الاحتضار ويسأل طول المدة ولو شيئا يسيرا ليستدرك ما فاته وهيهات كان ما كان واتى ما هو آت وكل بحسب تفريطه. أما الكفار فكما قال الله تعالى:"وأنذر الناس يوم يأتيهم العذاب فيقول الذين ظلموا ربنا أخرنا إلى أجل قريب 44 نجب دعوتك ونتبع الرسل أو لم تكونوا أقسمتم من قبل ما لكم من زوال 45" سورة إبراهيم (وقال) تعالى: "حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون 99 لعلى أعمل صالحا فيما تركت كلا إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ على يوم يبعثون 100" سورة المؤمنون (وبرزخ) أي حائل بينهم وبين الرجوع إلى الدنيا "والله خبير بما تعملون" أي عليم بمن يكون صادقا في قوله وسؤاله ومن لو ردوا لعادوا إلى شر مما كانوا عليه (قال) ابن عباس رضي الله عنهما: من كان له مال يبلغه حج بيت ربه أو يجب عليه فيه زكاة فلم يفعل يسأل ارجعة عند الموت، فقال رجل: يا بن عباس اتق الله فإنما يسأل الرجعة الكفار، فقال: سأتلو عليكم بذلك قرآنا: "يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون، وأنفقوا مما رزقناكم .... " إلخ السنرة أخرجه الترمذي وقال: حدثنا عبد بن حميدنا عبد الرزاق عن الثوري عن يحيى بن أبي حية عن الضحاك عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه. هكذا روى ابن عيينة وغير واحد هذا الحديث عن ابي جناب عن الضحاك عن ابن عباس من قوله ولم يرفعه، وهذا أصبح من رواية عبد الرزاق (وأبو جناب) اسمه يحيى بن أبي حية وليس بالقوى في الحديث (انظر ص 202 ج 4 - تحفة الأحوذي- سورة المنافقون).
ثم الكلام في ستة فروع:
(أ) التنافس في الخير:
لما علم الصحابة رضي الله عنهم فضل الصدقة وعظيم ثوابها وجزيل نفعها تسابقوا إليها وتنافسوا فيها. فكان أحدهم يتصدق بما يناسب حاله ويتفق وماله (روى) الحارث الأعور عن علي رضي الله عنه قال: جاء ثلاثة نفر إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال أحدهم: يا رسول الله كانت لي مائة دينار فتصدقت منها بعشرة دنانير، وقال الآخر: يا رسول الله كانت لي عشرة دنانير فتصدقت منها بدينار، وقال الآخر: كان لي دينار فتصدقت بعشرة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"كلكم في الأجر سواء، كلكم تصدق بعشر ماله" أخرجه أحمد والبزار. والحارث فيه كلام كثير (1). {181}
(وفي) الحديث تسلية للفقير وحثه على الصدقة كي لا يحرم من ثوابها.
(وقال) أبو السليل: وقف علينا رجل في مجلسنا بالبقيع فقال: حدثني أبي أو عمي أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبقيع وهو يقال: من يتصدق بصدقة أشهد له بها يوم القيامة، فحللت من عمامتي لوثا أو لوثين وأنا
(1) انظر ص 183 ج 9 - الفتح الرباني (من تصدق بعشر ماله) وص 111 ج 3 - مجمع الزوائد (أجر الصدقة).
أريد أن أتصدق بهما فأدركني ما يدرك بني آدم، فعقدت على عمامتي، فجاء رجل ولم ار بالبقيع رجلا أشد سوادا أصفر منه ولا آدم يعير بناقة لم أر بالبقيع ناقة أحسن منها، فقال: يا رسول الله أصدقة؟ قال: نعم، قال: دونك هذه الناقة، فلمزه رجل فقال: هذا يتصدق بهذه؟ فوالله لهي خير منه، فسمعها رسول اله صلى الله عليه وسلم فقال: كذبت بل هو خير منك ومنها ثلاث مرار، ثم قال: ويل لأصحاب المئين من الغبل ثلاثا. قالوا: إلا من يا رسول الله؟ قال: إلا من قال بالمال هكذا وهكذا، وجمع بين كفيه عن يمينه وعن شمالهن ثم قال: قد أفلح المزهد المجهد ثلاثا، المزهد في العيش، المجهد في العبادة. أخرجه أحمد، وفي سنده من لم يسم (1). {182}
وقد دل الحديث (على) أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يشهد للمتصدق يوم الجزاء (وعلى) ذم من لم يتصدق بفضل ماله من الأغنياء وأن لهم الويل وهو شدة الهلاك وأليم العذاب (وعلى) مدح الزاهد في الدنيا، المجتهد في عبادة ربه جل شأنه، وأنه المفلح السعيد، جعلنا الله تعالى منهم.
(وقال) عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما أن نتصدق، فوافق ذلك مالا عندي، فقلت: اليوم أسبق أبا بكر
(1) انظر ص 184 ج 9 - الفتح الرباني، و (لوثا أو لوثين) أي لفة أو لفتين يريد التصدق بهما لتأثره بما سمع من النبي صلى الله عليه وسلم، و (ما يدرك بني آدم) أي من الحرص على المال والبخل والإنفاق، فعدل عن ذلك وعقد عمامته بعد أن هم بالتصدق بجزء منها (وأصفر منه) أي أسود فإن الأصفر يطلق على الأسود، ومنه قوله تعالى:"كأنه جماله صفر" أي جمال سود، و (أدم) أي أسود، عطف تفسير، و (يعير بناقة) أي يتصدق بها، و (صدقة) أي اتريد صدقة؟ (فلمزه) أي عابه، و (إلا من قال بالمال هكذا) أي فرقه على من عن يمينه وشماله من المحتاجين، و (المزهد) بضم فسكون فكسر: القليل الشيء (المجهد) من أجهد نفسه في العبادة.
إن سبقت يوما فجئت بنصف مالي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أبقيت لأهلك؟ فقلت: مثله، وأتى أبو بكر بكل ما عنده، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أبقيت لأهلك؟ فقال: أبقيت لهم الله ورسوله. قلت: لا أسابقك إلى شيء أبدا"أخرجه أبو داود والترمذي والحاكم وصححاه (1). {183}
(وفي الحديث) دليل على عدم كراهة التصدق بكل المال من صحيح البدن غير المدين الصبور الذي لا عيال له أو له عيال يصبرون، فإن فقد شيء من هذه كره. وهذا من حيث الجواز. أما من حيث الاستحباب فيستحب أن يكون ذلك من الثلث فقط جمعا بين قصة أبي بكر رضي الله عنه وحديث كعب ابن مالك قال: قلت: يا رسول الله إن من توبتي إلى الله أن أخرج من مالي كله على الله وإلى رسوله صدقة. قال: لا. قلت: فنصفه. قال: لا. قلت: فثلثه. قال: نعم. قلت: فإني سأمسك سهمي من خيبر" أخرجه أبو داود (2). {184}
ولهذا قال الجمهور: يستحب أن تكون الصدقة من الثلث فقط.
(وقال) مالك والأوزاعي: لا يجوز التصدق إلا بالثلث يرد على المعطي الزائد. ويرده قصة الصديق وعمر رضي الله عنهما.
(ب) صدقة الجسد:
إن الله تعالى كرم بني آدم وخصهم بمزايا لا تحصى وأنعم عليهم نعما لا تستقصى. فينبغي لكل منهم أن يشكر مولاه- على ما أولاه من فضل ورعاية- بالإكثار من ذكر الله تعالى وطاعته، قال تعالى:
(1) انظر ص 329 ج 9 - المنهل العذب المورود (الرجل يخرج من ماله)، وص 414 ج 1 - مستدرك، و (أبقيت لهم الله ورسوله) يعني أنه تصدق بكل ماله ولم يدخر لأهله شيئا ابتغاه مرضاة الله ورسوله.
(2)
انظر ص 240 ج 3 - عون المعبود (من نذر أن يتصدق بماله).
"فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون"(1).
(وعن) بريدة الأسلمي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "في الإنسان ستون وثلثمائة مفصل فعليه أن يتصدق عن كل مفصل منها صدقة، قالوا: فمن الذي يطيق ذلك يا رسول الله؟ قال: النخاعة في المسجد تدفنها، والشيء تنحيه عن الطريق، فإن لم تقدر فركعتا الضحى تجزئ عنك" أخرجه أحمد وابن حبان بسند جيد (2). {185}
والمعنى أنه يندب لكل مكلف أن يتصدق بعدد مفاصله شكرا لله بأن جعل له مفاصل يتمكن بها من القبض والبسط. وخصت بالذكر لما في التصرف بها من دقائق الصنع التي اختص بها الآدمي. ولما فهم الصحابة رضي الله عنهم أن الصدقة لا تكون إلا بالمال وهم لا يقدرون على التصدق عن كل مفصل بين لهم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن ثواب الصدقة ليس محصورا في المال فقال: النخاعة في المسجد تدفنها
…
الخ، أي يكتب لك بها ثواب المتصدق بالمال، وكذا تنحية الشيء المؤذي- كشوك أو حجر- عن الطريق تثاب عليها فإن لم يتيسر لك ذلك فصل ركعتين سنة الضحى تجزئك عن صدقة الجسد.
(وعن) أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كل سلامي من الناس عليه صدقة كل يوم تطلع فيه الشمس، قال: تعدل بين الاثنين صدقة، وتعين الرجل في دابته فتحمله عليها أو ترفع له عليها متاعه صدقة، والكلمة الطيبة صدقة، وكل خطوة مشيها إلى الصلاة صدقة، وتميط الاذى عن الطريق صدقة" أخرجه أحمد والشيخان، وهذا لفظ مسلم (3). {186}
(1) سورة البقرة: آية 152.
(2)
انظر ص 176 ج 9 - الفتح الرباني (صدقة الجسد).
(3)
انظر ص 177 ج 9 - الفتح الرباني وص 195 ج 5 فتح الباري (فضل الإصلاح بين الناس) وص 94 و 95 ج 7 نووي (كل نوع من المعروف صدقة) و (الخطوة) بفتح الخاء: المرة، وبضمها: ما بين القدمين.
والمعنى أن مما يثاب عليه ثواب الصدقة الإصلاح بين المتخاصمين بالعدل، ومعاونة الضعيف على ركوب دابته وفي رفع متاعه عليها، والكلمة التي يطيب ويطمئن لها قلب المخاطب، فطيب الكلام من جليل عمل البر، قال تعالى:
(ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم)(1). والدفع يكون بالقول كما يكون بالفعل، ووجه كون الكلمة الطيبة صدقة أن عطاء المال يفرح به قلب من يعطاه وكذلك الكلام الطيب فتشابها من هذه الجهة.
(وعن) أبي ذر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يصبح على كل سلامي من أحدكم صدقة وكل تسبيحة صدقة وتهليلة صدقة وتكبيرة صدقة وتحميده صدقة، وأمر بمعروف صدقة، ونهى عن المنكر صدقة، ويجزئ أحدكم من ذلك كله ركعتان يركعهما من الضحى. أخرجه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي والبيهقي (2). {187}
والمعنى أن ركعتي الضحى تكفي عن الصدقات المطلوبة عن مفاصل الإنسان لأنه بتأديتها تتحرك جميع هذه المفاصل فيكون كل مفصل أدى ما عليه من الصدقة، ولعل تخصيص ركعتي الضحى بذلك أنه وقت غفلة أكثر الناس عن الطاعة لاشتغالهم فيه بأعمالهم الدنيوية. فالمصلى في هذا الوقت يكون قد أدى شكر المنعم الذي أنعم عليه بخلقه في أحسن تقويم وحفظه عما يغيره ويؤذيه.
(1) سورة فصلت: آية 24.
(2)
انظر ص 22 ج 5 الفتح الرباني وص 233 ج 5 نووي وص 186 ج 7 المنهل العذب المورود (صلاة الضحى) والحديث تقدم ص 328 ج 5 الدين الخالص (والسلامي) بضم السين وفتح الميم في الاصل: عظام الأصابع ثم استعمل في سائر عظام الجسد ومفاصله (ويجزئ) بضم الياء: من اإجزاء، وبفتحها: من جزي يجزئ، أي يكفي عن صدقة الأعضاء ركعتا الضحى.
(وعن) عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إنه خلق كل إنسان من بني آدم على ستين وثلاثمائة مفصل، فمن كبر الله وحمد الله وهلل الله وسبح الله واستغفر الله وعزل حجرا عن طريق الناس أو شوكة أو عظما عن طريق الناس وأمر بمعروف أو نهى عن منكر عدد تلك الستين والثلاثمائة السلامي فإنه يمشي يومئذ وقد زحزح نفسه عن النار" أخرجه مسلم. وفي رواية: فإنه يمشي يومئذ وقد زحزح نفسه عن النار (1). {188}
(جـ) كل معروف صدقة:
المعروف: اسم جامع لأنواع البر والخير وكل ما عرف حسنه بالشرع والعقل. ومعنى كونه صدقة أن ثوابه كثواب من تصدق بالمال، فإن قارنته النية أجر صاحبها جزما وإلا ففيه احتمال. هذا والصدقة لا تختص بأهل اليسار بل كل واحد قادر على فعلها في أكثر الأوقات بلا مشقة.
والأحاديث الدالة على ذلك كثيرة تقدم بعضها.
(ومنها) حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال: "كل معروف صدقة ومن المعروف أن تلقي أخاك بوجه طلق وأن تفرغ من دلوك في إنائه" أخرجه أحمد والحاكم والترمذي وقال: حسن صحيح. وأخرج مسلم صدره عن حذيفة (2). {189}
(وعن) أبي موسى الاشعري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "على كل مسلم صدقة. قيل: أرأيت إن لم يجد؟ قال: يعمل بيديه فينفع نفسه ويتصدق. قيل: أرأيت إن لم يستطع أن يفعل؟ قال: يعين ذا الحاجة الملهوف. قيل: أرأيت إن لم يستطع؟ قال: يأمر بالمعروف أو الخير.
(1) انظر ص 92 و 93 ج 7 نووي (كل معروف صدقة).
(2)
انظر ص 174 ج 9 - الفتح الرباني (خصال تعد من الصدقة) وص 90 و 91 ج 7 - نووي، و (كل معروف صدقة) أي له حكمها في الثواب.
قيل: أرأيت إن لم يفعل؟ قال: يمسك عن الشر فإنه له صدقة" أخرجه أحمد والشيخان والنسائي (1). {190}
والمعنى أنه يطلب من كل مسلم رأى محتاجا عاجزا عن الكسب مشرفا على الهلاك أن يتصدق عليه وجوبا إحياء له وغلا كان التصدق مستحبا متاكدا (وقد) دل الحديث على أن الصدقة تكون بالمال وبغير المال. وهو إما فعل وهو الإعانة أو تعرك وهو الغمساك عن الشر وأن أعمال الخير إذا حسنت فيها النية تكون كالصدقة في الأجر ولا سيما في حق من لا يقدر على الصدقة. وعلى أن الصدقة في حق القادرة عليها أفضل من سائر الأعمال القاصرة على فاعليها، وفيه أن من أمسك عن الشر يكتب له ثواب المتصدق. يعني إذا نوى بالإمساك القربة بخلاف محض الترك. والإمساك إما أن يكون عن غيره، فكأنه تصدق على الغير بالسلامة منه أو عن نفسه بأن كان شره لا يتعدى نفسه فأمسك عنه، فيكون قد تصدق على نفسه بمعنها من الإثم.
(د) تصدق المرأة والولد والخادم من مال المالك:
يجوز للمرأة والولد والخادم التصدق من مال الزوج والوالد والسيد ولو بلا إذنه- بما اعتيد التصدق بمثله- وبإذنه ورضاه في الكثير من غير إسراف ولا فساد وهم شركاء في الأجر (لديث) أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما أنها قالت: يا نبي الله لي شيء إلا ما أدخل على الزبير فهل على جناح أن أرضخ مما يدخل على؟ فقال: "أرضخي ما استطعت ولا توعي
(1) انظر ص 175 ج 9 - الفتح الرباني، وص 197 ج 3 - فتح الباري (على كل مسلم صدقة) وص 94 ج 7 - نووي، وص 351 ج 1 - مجتبي (صدقة العبد) واعلم أنه لا ترتيب فيما تضمنه الحديث، إنما هو إيضاح لما يفعله عن عجز عن خصلة من الخصال المذكورة فإنه يمكنه خصلة أخرى فمن أمكنه أن يعمل فيتصدق وأن يغيث الملهوف وأن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويمسك عن الشر فيلفعل الجميع، وفي الحديث فضل التكسب لما فيه من الإعانة ونفع النفس والاستغناء عن السؤال.
فيوعى الله عليه" أخرجه أحمد والشيخان وأبو داود والنسائي ولفظهما: ولا توكي فيوكي الله عليك (1). {191}
أي ليس لي من المال إلا ما أدخله الزبير بيته أيجوز لي أن أتصدق منه؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: انفقي منه ولا تمسكي فيضيق الله عليك.
(والحديث) محمول على إعطاء ما جرى العرف بإعطائه من غير إسراف، وأمرها النبي صلى الله عليه وسلم بالإعطاء بلا توقف على إذن زوجها لعلمه صلى الله عليه وسلم بأن الزبير تطيب نفسه بما تتصدق به. ولم يقيد إنفاقها بعدم الغسراف لعلمه صلى الله عليه وسلم بأن السيدة أسماء رضي الله عنها ذات دين تحسن التصرف.
(وعن) عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا أنفقت المرأة من بيت زوجها غير مفسدة كان لها أجرها بما أنفقت ولزوجها أجره بما كسب، وللخازن مثل ذلك، لا ينقص بعضهم أجر بعض شيئا" أخرجه الستة وابن حبان (2){192}
(والحديث) محمول على ما إذا علمت المرأة والخادم رضا رب المال
(1) انظر ص 97 ج 9 - الفتح الرباني (صدقة المرأة من بيت زوجها بغير إذانه) وص 137 ج 5 - فتح الباري (هبة المرأة لغير زوجها) وص 119 د 7 - نووي (الحث على الإنفاق
…
)، وص 18 ج 10 - المنهل العذب المورود (الشح)، وص 355 ج 1 - مجتبي (الإحصاء في الصدقة) و (أرضخي) أي أعطى شيئا قليلا مما جرت العادة بإعطاء مثله (ولا توعي) أي لا تدخري المال في الوعاء فيمنعه الله عنك كما منعت ويقتر عليك كما قترت (ولا توكي) من الغيكاء وهو المنع، أي لا تمنعي ما في يدك فيمنع اللفه عنك بركة رزقه.
(2)
انظر ص 195 ج 3 - فتح الباري (أجر المرأة إذا تصدقت من بيت زوجها غير مفسدة) وص 111 ج 7 - نووي (أجر الخازن الأمين والمرأة إذا تصدقت من بيت زوجها) وص 336 ج 9 - المنهل العذب المورود (المرأة تصدق من بيت زوجها) وص 351 ج 1 - مجتبي (صدقة المرأة من بيت زوجها)، وص 26 ج 6 - تحفة الأحوذي (نفقة المرأة من بيت زوجها).
بالتصدق منه، أما إن عُلم رضاه أوُ شكَّ فيه فلا يجوز لغيره التصدق من ماله إلا بإذن صريح (وفرق) بعض العلماء بين الزوجة والخادم بأن الزوجة لها النظر في مال الزوج والتصرف في بيته فلها أن تتصدق بالمعتاد بلا إسراف (وأما) الخادم فليس له التصدق من مال سيده إلا بإذن صريح.
(وقال) أبو أُمامة الباهلي: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في خطبة عام حجة الوداع: "لا تنفق المرأة شيئاً من بيت زوجها إلا بإذن زوجها. قيل. يا رسول الله ولا الطعام؟ قال: ذاك من أفضل أموالنا" أخرجه الترمذي وحسنه (1). {193}
(وقال) عمير مولى آبى اللحم: كنت مملوكاً فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: أأتصدقَ من مالَ مواليَّ بشئ؟ قال: نعم والأجر بينكما نصفان" أخرجه مسلم (2). {194}
وهذا محمول على أنه استأذن في الصدقة بقدر يعلم رضا سيده به.
(ومعنى) والأجر بينكما نصفان، أى قسمان وإن كان أحدهما أكثر.
ويحتمل أن يكون الأجر سواء، لأن الأجر فضل الله يؤتيه من يشاء، والمختار الأول.
(ومعنى) هذه الأحاديث أن المشارك في الطاعة مشارك في الأجر، والمراد المشاركة في أصل الثواب وإن كان أحدهما أكثر. فإذا أعطى المالك لخازنه أو امرأته درهم مثلا يوصلها إلى فقير على باب الدار فأجر المالك أكثر، وإن أعطاه رمانة أون رغيفا ونحوهما ليعطيه إلى محتاج في مسافة بعيدة تزيد أجرة الذهاب إليها على الرمانة ونحوها فأجر الوكيل أكثر. وقد يكون عمله قدر الرغيف فيكون الأجر سواء.
(1) انظر 226 ج 2 - تحفة الأحوذي (نفقة المرأة من بيت زوجها).
(2)
انظر ص 114 ج 7 - نووي (أجر الخازن الأمين .. ) و (آبي اللحم) بهمزة ممدودة وباء مكسورة، قيل له ذلك لأنه كان لا يأكل اللحم، واسمه عبد الله أو خلف أو الحويرث، استشهد يوم حنين.
(واعلم) أنه لابد للعامل والزوجة والمملوك من إذن المالك في ذلك، فإن لم يكن إذن اصلا فلا أجر لهم، بل عليهمك وزر بتصرفهم في مال الغير بغير إذنه، والإذن صريح مفهوم من العرف والعادة كإعطاء السائل كسرة ونحوها مما جرت به العادة وعلم بالعرف رضا المالك وإذنه حاصل وإن لم يتكلم، فإن شاك في رضاه أو علم من حاله الشح بذلك أو شك فيه لم يجز للمرأة وغيرها التصدق من ماله إلا بصريح إذنه (1).
(هـ) التصدق على الصالحين:
الصالح المتقي الواقف عند الحدود القائم بحق العباد والمعبود- فهو الذي ترجى بركته وتستجاب دعوته- لذا يستحب للإنسان أن يخصه بصدقته إعانة له على طاعة الله تعالى (لحديث) أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تصاحب إلا مؤمنا ولا يأكل طعامك إلا تقي" أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي وابن حبان والحاكم وقال: صحيح وأقره الذهبي (2). {195}
المراد أن المطاعمة توجب الألفة وتؤدي إلى الخلطة، ومخالطة غير التقي تخل بالدين وتوقع في الشبه والمحظورات، فكأنه ينهي عن مخالطة الفجار، إذ لا تخلو عن فساد إما بمتابعة في فعل أو مسامحمة في إغضاء عن منكر فإن سلم من ذلك ولا يكاد فلا تخطئه فتنة الغير به، وليس المراد حرمان غير التقي من الإحسان، لأن المصطفى صلى الله تعالى عليه وسلم أطعم المشركين وأعطى المؤلفة المئين، بل المراد الإرشاد إلى الأكمل وألا يخالط غير التقي. فالمعنى لا تصاحب إلا مطيعا ولا تخالل إلا تقيا (3).
(1) انظر ص 111 - 113 ج 7 - نووي (أجر الخازن الأمين).
(2)
انظر رقم 9808 ص 404 ج 6 - فيض القدير.
(3)
انظر ص 405 ج 6 - فيض القدير.
(عن) عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: "من أخرج صدقة فلم يجد إلا بربريا فليردها" أخرجه أحمد وفي سنده ابن لهيعة ضعيف (1). {196}
والمراد بالبرابرة: المتوحشون الذين لا دين لهم ولا خشية عندهم. أما المسلمون منهم الصالحون فيعطون الصدقة (والحديث) يدل على كراهة إعطاء الصدقة لفاسق إذا علم أنه يستعين بها على ارتكاب مكروه، ويحرم إعطاؤه إذا علم أنه يستعين بها على ارتكاب محرمن أما إذا لم يعلم شيئا أو علم أنه يستعين بها على القوت فلا كراهة في إعطائه ولو كافرا ويثاب على ذلك، قال الله تعالى:(ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا)(2)، ومعلوم أن الاسير حربي، وتقدم في حديث- من تصدق على سارق وزانية وغني- أنه قيل له: أما صدقتك على سارق فلعله أن يستعف عن سرقته، وأما الزانية فلعلها تستعف عن زناها (3).
(و) الصدقة الجارية:
أي الباقي أجرها بعد موت المتسبب فيها ما دامت قائمة، وهي عشر خصال نظمها الحافظ السيوطي في قوله:
إذا مات ابن آدم ليس يجري عليه من خصال غير عشر
علوم بثها ودعاء نجل وغرس النخل والصدقات تجري
وراثة مصحف ورباط ثغر وحفر البئر أو إجراء نهر
(1) انظر ص 195 ج 9 - الفتح الرباني (إعطاء الصدقة للصالحين)(والبربري) بفتح فسكون ففتح نسبة إلى بربر- وهم جيل بالمغرب جمعه برابرة.
(2)
سورة الإنسان: آية 8.
(3)
تقدم رقم 165 ص 289 (الخطأ في مصرف الزكاة).
وبيت للغريب بناه يأوى
…
إليه أو بناء محل ذكر
وتعليم لقرآن كريم
…
فخذها من أحاديث بحصر
وهاك بعض ما ورد فيها:
(ورى) أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له" أخرجه أحمد ومسلم والثلاثة (1). {197}
المعنى أن الإنسان إذا مات انقطع ثواب عمله إلا من ثلاث خصال:
(أ) الصدقة الجارية، أي المتصلة، كوقف أو بناء مسجد أو مستشفى أو منزل للضيف، ونحو ذلك.
(ب) علم ينتفع به، كتعليم وتصنيف، وهذا أكثر ثوابا لطول بقائه على ممر الزمان.
(جـ) ولد يدعو له، لأنه السبب في وجوده، وكذا دعاء غير الولد ينفع الميت، والتقييد بالولد لحثه على الدعاء لأصله.
(وعن) أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أربع تجري عليهم أجورهم بعد الموت: رجل مات مرابطا في سبيل الله، ورجل علم علما فأجره يجري عليه ما عمل به، ورجل أجرى صدقة فأجرها يجري عليه ما جرت عليه، ورجل ترك ولدا صالحا يدعو له" أخرجه
(1) انظر ص 204 ج 9 - الفتح الرباني (الصدقة الجارية) وص 85 ج 11 نووي (ما يلحق الإنسان من الثواب بعد وفاته- الوصية) وص 77 ج 3 - عون المعبود (الصدقة عن الميت- الوصايا) وص 129 ج 2 - مجتبي (فضل الصدقة عن الميت- الوصية).
أحمد والطبراني، وفيه ابن لهيعة ورجل لم يسم، لكن حسنه الحافظ السيوطي لقوته بالحديث السابق (1). {198}
والمرابط من لازم محلا بين داري إسلام وكفر لحراسة المسلمين، فمن مات على هذا الحال يكتب له كل يوم بعد موته ثواب المرابط إلى يوم القيامة أو إلى أن يأمن المسلمون من جهة العدو بأخذ بلاده أو الصلح بينهم وبينه. وكان هذا الأجر العظيم للمرابط، لأنه مهدد في كل لحظة بالقتل ولا يصبر على هذا إلا قوي الإيمان.
(وعن) أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال: "إن الله تعالى ليرفع الدرجة للعبد الصالح في الجنة فيقول: يارب اني لي هذه؟ فيقول: باستغفار ولدك لك" أخرجه أحمد بسند رجاله رجال الصحيح (2). {199}
دل الحديث على أن دعاء الولد لوالديه ينفعهما بعد موتهما، فمن لم يدرك والديه وأراد برهما أو أدركهما وقصر في برهما فليكثر من الدعاء لهما بعد موتهما، فهو من أعظم أنواع البر بالوالدين، وللولد في ذلك أجر عظيم.
وقد دلت أحاديث الباب أيضا:
(أ) على فضل الزواج لرجاء ولد صالح.
(ب) وعلى مشروعية الوقف وعظيم نفعه في الدنيا والآخرة.
(جـ) وعلى فضل العلم والحث على التعلم والتصنيف والتعليم وأن يختار من العلوم الأنفع فالأنفع.
(د) وعلى أن الدعاء ينفع الميت وكذا الصدقة وقضاء الدين، والله تعالى ولي التوفيق والهادي إلى أقوم طريق
(1) أنظر ص 204 ج 9 - الفتح الرباني، وص 137 ج 3 - مجمع الزوائد (من يجري عليه أجره بعد موته) و (ما جرت عليه) أي مدة بقائها جارية.
(2)
انظر ص 205 ج 9 - الفتح الرباني (الصدقة الجارية).