المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(ب) زكاة الأثمان - الدين الخالص أو إرشاد الخلق إلى دين الحق - جـ ٨

[السبكي، محمود خطاب]

فهرس الكتاب

- ‌(10) محظورات القبر

- ‌(11) سؤال القبر وفتنته

- ‌(12) عذاب القبر ونعيمه وضغطته

- ‌(13) المشي بالنعلين بين القبور

- ‌(14) دفن أكثر من واحد في القبر

- ‌(15) نبش القبر

- ‌(16) نقل الميت

- ‌(17) إعداد القبر

- ‌(18) وضع الجريد على القبر

- ‌(الشهيد)

- ‌(أ) تعريفه:

- ‌(ب) تجهيز الشهيد:

- ‌(جـ) الشهيد غير المكلف:

- ‌(د) الشهيد غير الطاهر:

- ‌(هـ) كفن الشهيد:

- ‌(و) من لا يعتبر شهيدا:

- ‌يتصل بما يتعلق بالميت أربعة أصول:

- ‌(أ) التعزية

- ‌(ب) صنع الطعام لأهل الميت ومنهم

- ‌(جـ) زيارة القبور

- ‌(د) القرب تهدي إلى الميت

- ‌الزكاة

- ‌(أ) زكاة النعم

- ‌(ب) زكاة الأثمان

- ‌(جـ) زكاة العروض

- ‌(د) زكاة الزروع والثمار

- ‌(هـ) المعدن والركاز

- ‌الصيام

- ‌(1) فضل الصيام:

- ‌(2) وقت الصوم:

- ‌(3) شروط الصيام

- ‌(4) أقسام الصيام

- ‌(أ) صيام رمضان:

- ‌(ب) الصوم الفرض غير المعين

- ‌(جـ) الصوم المنهي عنه

- ‌(د) صوم التطوع

- ‌(5) آداب الصيام

- ‌(6) ما يباح للصائم

- ‌(7) ما يكره للصائم:

- ‌(8) ما لا يفسد الصوم

- ‌(9) ما يفسد الصوم

- ‌(10) الأعذار المبيحة للفطر

- ‌(11) بدع رمضان

- ‌(12) الموضوع في الصيام

- ‌(13) الاعتكاف

الفصل: ‌(ب) زكاة الأثمان

(ب) زكاة الأثمان

الأثمان: هي الفضة والذهب. والكلام ينحصر في اثنى عشر فرعا:

(1) زكاة الفضة:

الفضة أسم لمعدن رزين. والزكاة فيها فرض- بالكتاب والسنة وإجماع الأمة- مضروبة وغير مضروبة إذا بلغت نصابا حال عليه الحول فاضلا عن الحوائج الأصلية والدين الذي له مطالب من العباد. ونصابها مائتا درهم ولو غير خالصة- عند الحنفيين ومالك- وفيها ربع العشر (خمسة دراهم) بالإجماع (روى) عاصم بن ضمرة عن علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "قد عفوت عن الخيل والرقيق فهاتوا صدقة الرقة من كل أربعين درهما درهم، وليس في تسعين ومائة شيء فإذا بلغت مائتين ففيها خمسة دراهم" أخرجه الأربعة. وقال الترمذي: سألت البخاري عن هذا الحديث فقال: صحيح (1). {74}

(وقال) الترمذي: والعمل على هذا عند أهل العلم ليس فيما دون خمسة أواق صدقة، والأوقية أربعون درهما وخمس أواق مائتا درهم (2).

(2) مقدار الأوقية والدرهم:

المراد بالأوقية أوقية الحجاز. فالأواقي الخمس مائتا درهم بدرهم الوزن المتعارف. وفي الأحاديث المذكورة دليل على أن الأوقية والدرهم كانا معلومين لمن خاطبهم النبي صلى الله عليه وسلم وإلا لبينهما لهم ولم يكلهم إلى مجهول (3).

(1) تقدم رقم 54 ص 157 (ما لا زكاة فيه).

(2)

انظر ص 6 ج 2 تحفة الأحوذي.

(3)

ومنه يتبين بطلان قول من زعم أن الدراهم كانت مجهولة إلى زمن عبد الملك بن مروان وأنه جمعها برأي العلماء وجعل كل عشرة وزن سبعة مثاقيل. هذا والدرهم ستة دوانق وست عشرة حبة خرنوب. فالدانق حبتان وثلثا حبة. والدرهم المعتبر في الزكاة وغيرها هو درهم الوزن المتعارف الآن (قال) ابن منظور: وزنة المثقال المتعامل به الآن درهم وثلاثة أسباع درهم وهو بالنسبة إلى رطل مصري عشر عشر رطل (انظر ص 91 ج 13 لسان العرب، أي أن المثقال جزء من مائة من الرطل المصري. فالرطل المصري مائة مثقال، لكن الواقع أنه مائة مثقال وأربعة أخماس مثقال. وإذا ضربت في درهم وثلاثة أسباع درهم (مقدار المثقال بالدرهم) ينتج 144 أربع وأربعون ومائة درهم، وهو قدر الرطل المصري بالدرهم.

ص: 171

(3)

نصاب الفضة بالدرهم والعملة:

الدرهم لغة: اسم لما ضرب من الفضة على شكل مخصوص. وشاعاً: قدر مخصوص يزن ستة عشر قيراطاً ولو غير مضروب وهو الدرهم المتعارف، وهو يزن 3.12 جرام. والريال المصري يزن 9 دراهم أو 28 جراماً أو 144 قيراطاً وعياره (الخالص فيه من الفضة 4/ 5). والريال المجيدي= 1/ 4 17 قرشا ويزن 13/ 16 7 دراهم أو 3/ 8 24 جراما أو 125 قيراطا وفيه من غير الفضة 7/ 8 18 قيراطا وعياره 85.5/ 100. والشلن= 7/ 8 4 قرشا ويزن 1.81 درهم أو 5.65 جرامات أو 96 ر 28 قيراطا وفيه من غير الفضة نحو 1/ 10 وزنه. والفرنك= 3.8575 قرشا ويزن 1.6 درهما أو 5 جرام وفيه من غير الفضة نحو 1/ 5 وزنه. (وعلى) ما قاله الحنفيون ومالك- من أن المغشوش يعتبر كالخالص إن راج رواجه- يكون نصاب الفضة مائتي درهم أو 624 جرام أو 3200 قيراط أو 3/ 9 22 ريالا مصريا أو 25.6 ريالا مجيديا أو 110.5 شلنا أو 124.8 فرنك. (وعلى) ما ذهب إليه الشافعية والحنبلية- من أنه لا زكاة في المغشوش حتى يبلغ خالصه نصابا- يكون نصاب الفضة 7/ 9 27 ريالا مصريا أو 30.15 ريالا مجيديا أو 122.8 شلن أو 156 فرنك (1).

(1) وذلك بقسمة النصاب (مائتي درهم) على خالص الفضة في الريال المصري (7.2 دراهم) وقسمة النصاب بالقيراط على خالصها في المجيدي (106 قيراط وثمن قيراط) وقسمته على خالصها في الشلن (26.064 قيراطا) وقسمة النصاب بالجرام على خالصها في الفرنك (4 جراما).

ص: 172

هذا على التحقيق من أنه لا تفاوت بين الدرهم الشرعي والعرفي، وهو المختار عند محققي الحنفيين، وأما على ما قاله غيرهم من أن الدرهم الشرعي خمسون حبة وخمسا حبة من متوسط الشعير فينبغي تحويل الدراهم الشرعية إلى دراهم عرفية بضرب عدد الدراهم (200 × 50.4) حبة وهو مقدار الدرهم الشرعي وقسمة الحاصل على مقدار الدرهم العرفي (64 حبة) ينتج (157.5) درهم عرفي (1).

(فعلى) ما قاله المالكية- من أن المغشوش كالخالص- يكون نصاب الفضة 200 درهم شرعي أو 157.5 درهم عرفي أو 491.4 جرام أو 2520 قيراط (2) أو 17.5 ريالا مصريا أو 20.16 ريالا مجيديا أو 86.97 شلنا أو 98.28 فرنكا (3). (وعلى) مذهب الشافعية والحنبلية- من عدم اعتبار الغش واعتبار الخالص من الفضة- يكون نصابها بالعملة 21.87 ريالا مصريا أو 96.63 شلنا أو 122.85 فرنكا (4).

(4) زكاة الذهب:

الذهب معدن أصفر رزين والزكاة فيه فرض بالكتاب والسنة وإجماع الأمة- إذا بلغ نصابا حال عليه الحول فاضلا عن الحوائج الأصلية والدين الذي له مطالب من العباد - ونصابه عشرون مثقالا وفيها ربع العشر بالإجماع (الحديث) علي كرم الله وجهه أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم

(1) ومنه تعلم أن ما ذكره العلامة الدردير في الشرح الصغير من أن نصاب الفضة بالدرهم العرفي (158 درهم وخمسة أثمان) غير محرر حتى على القول بأن الدرهم (57.6 شعيرة) فإن نصاب الفضة عليه بالدرهم العرفي (180 درهم) بضرب (57.6 شعيرة في 200 درهم) وقسمة الحاصل على (64 حبة).

(2)

وذلك بضرب النصاب (157.7 درهم) في جرام الدرهم وفي قيراطه.

(3)

وذلك بقسمة النصاب (157.5 درهم) على وزن الريال والشلن والفرنك.

(4)

وذلك بقسمة النصاب (157.5 درهم) على خالص الفضة في الريال المصري (7.2 دراهم) ويقال في الباقي نحو ما تقدم.

ص: 173

قال: "فإذا كانت لك مائتا درهم وحال عليه الحول ففيها خمسة دراهم وليس عليك شيء- يعني في الذهب- حتى يكون لك عشرون دينارا، فإذا كانت لك عشرون دينارا وحال عليها الحول ففيها مصف دينار فما زاد فبحساب ذلك"(الحديث) أخرجه أبو داود والبيهقي وصححه البخاري وحسنه الحافظ وفيه الحارث الأعور مختلف فيه (1). {75}

(وعن) ابن عمر وعائشة رضي الله عنهم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأخذ من كل عشرين دينارا فصاعدا نصف دينار ومن الأربعين دينارا: دينارا. أخرجه ابن ماجه والدارقطني وفيه إبراهيم بن إسماعيل ضعيف (2). {76}

(5) المثقال والعملة الذهبية:

المثقال لغة: كل ما يوزن به قليلا أو كثيرا، وشرعا: قدر مخصوص يزن 6/ 7 22 قيراطا ولو غير مضروب، وهذا التقدير هو المفتي به والمختار عند الحنفيين فالمثقال درهم وثلاثة أسباع درهم ووزنه بالجرام 4.44 والجنيه المصري يزن بالدرهم 2.72 وبالجرام 8.5 وبالقيراط 42.6 وثمنه غش والجنيه المجيدي= 87.75 قرشا ويزن بالدرهم 1/ 3 2 وبالجرام 1/ 5 7 وبالقيراط 27 وبه 2.5 قيراط غش والجنيه الإنجليزي= 97.5 قرشا ويزن بالدرهم 2.56 وبالجرام 7.988 وبالقيراط 40.96 وغشه 1/ 12 من وزنه. والجنيه الفرنسي (الونتو)77.15 قرشا ويزن بالدرهم 2.06 وبالجرام 6.452 وبالقيراط 32.96 وغشه عشر وزنه.

(6) نصاب الذهب بالدينار والعملة:

الدينار هو المثقال، ونصاب الذهب عشرون مثقالا ووزنها 4/ 7 28 درهما

(1) تقدم رقم 26 ص 100 (الحول).

(2)

انظر ص 281 ج 1 - ابن ماجه (زكاة الورق والذهب) وص 199 دارقطني.

ص: 174

أو 1/ 7 89 جراما أو 1/ 7 457 قيراطا (1) وتساوي 10.5 جنيهات مصرية أو 6/ 7 12 جنيها مجيديا أو 9/ 56 11 جنيها إنجليزيا أو 13.87 جنيها فرنسيا (2). هذا على التحقيق من أن المثقال 3/ 7 1 درهم. وأما على ما قاله بعض الفقهاء أن المثقال الشرعي 72 حبة فينبغي تحويل المثاقيل الشرعية إلى مثاقيل عرفية بضرب عدد المثاقيل الشرعية (20) في مقدار المثقال (72 حبة) وقسمة الحاصل على مقدار المثقال العرفي (91 حبة) ينتج 15.824 مثقالا عرفيا.

(فعلى) ما قاله المالكية- من أن المغشوش كالخالص- يكون نصاب الذهب (20) عشرين مثقالا شرعيا أو 15.824 مثقالا عرفيا أو 22.6 درهما أو 70.512 جراما أو 361.6 قيراطا (3) ويساوي بالجنيه المصري 8.3 وبالجنيه المجيدي 9.773 وبالإنجليزي 8.828 وبالفرنسي 10.97 (4).

(وعلى) ما قاله الشافعية والحنبلية- من أنه لا زكاة في المغشوش حتى يبلغ خالصه نصابا- يكون نصاب الذهب بالجنيه المصري 9.478 وبالمجيدي 10.48 وبالإنجليزي 9.6 وبالفرنسي 12.18 (5).

(7) هل في زكاة النقد عفو:

اختلف العلماء في هذا فذهب مالك والشافعي وأحمد وأبو يوسف ومحمد والثوري وغيرهم إلى أنه لا عفو في النقدين. فما زاد على النصاب يزكي بحسابه

(1) وذلك بضرب (20 مثقالا) في (درهم وثلاثة أسباع درهم) ثم ضرب الحاصل في جرام الدرهم وفي قيراطه.

(2)

وذلك بقسمة النصاب (28 درهما وأربعة أسباع درهم) على وزنه كل جنيه.

(3)

وذلك بضرب النصاب (15.824 مثقالا) في (درهم وثلاثة أسباع درهم) ثم ضرب الحاصل في جرام الدرهم وقيراطه.

(4)

وذلك بقسمة النصاب بالمثقال العرفي أو الدرهم أو أجزائه على وزن كل جنيه.

(5)

وذلك بقسمة النصاب (361.6 قيراط) على خالص الذهب في كل جنيه.

ص: 175

قل أو كثر (لما) في حديث عاصم بن ضمرة والحارث الأعور عن علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال: هاتوا ربع العشور من كل أربعين درهما درهم وليس عليكم شيء حتى تتم مائتي درهم فإذا كانت مائتي درهم ففيها خمسة دراهم فما زاد فعلى حساب ذلك. أخرجه أبو داود والدارقطني والبيهقي وابن أبي شيبة. قال ابن القطان: إسناده صحيح وكلهم ثقات من طريق عاصم (1). {77}

(وعن) نافع أن ابن عمر رضي الله عنهما قال: في كل مائتي درهم خمسة دراهم فما زاد فبحساب ذلك. أخرجه عبد الرزاق وابن أبي شيبة بسند صحيح (2). {78}

(وذلك) لأن الزكاة وجبت شكرا لنعمة المال. واشتراط النصاب في الابتداء لتحقق الغنى ولا معنى لاشتراطه بعد ذلك فيما لا ضرر في تجزئته كالدراهم والدنانير (وقال) النعمان وسعيد بن المسيب: لا شيء في الزائد على النصاب حتى يبلغ خمسه وهو أربعون درهما في الفضة- ففيها درهم- وأربعة مثاقيل في الذهب، ففيها قيراطان وسبعا قيراط (3).

(واستدلوا): (أ) بما في كتاب عمرو بن حزم من قول النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم: "وفي كل خمس أوراق من الورق خمسة دراهم وما زاد ففي كل أربعين درهما درهم" أخرجه النسائي وابن حبان والحاكم وصححاه والبيهقي (4). {79}

(1) تقدم رقم 37 ص 140 (زكاة النعم).

(2)

انظر ص 7 ج 3 - ابن أبي شيبة. وص 366 ج 2 نصب الراية.

(3)

وذلك بضرب قيمة المثقال بالقيراط 22 وستة أسباع قيراط في 4 ينتج 91 قيراطا وثلاثة أسباع قيراط ربع عشره قيراطان وسبعا قيراط.

(4)

انظر ص 395 و 396 ج 1 مستدرك. وص 367 ج 2 نصب الراية. وص 89 ج 4 بيهقي (فرض الصدقة).

ص: 176

(وأجاب) الجمهور بأن في سنده سليمان بن داود الخولاني (قال) ابن حزم ساقط مطروح (1)، وعلى فرض صحته فهو بمفهومه يفيد نفي الزكاة عما دون خمس النصاب. وحديث علي رضي الله عنه يفيد بمنطوقه وجوب الزكاة فيما دون الخمس. وكذلك حديث: في الرقة ربع العشر. وإذا تعارض منطوق ومفهوم رجح المنطوق.

(ب) وبقول الحسن البصري: كتب عمر رضي الله عنه إلى أبي موسى الأشعري: فما زاد على المائتين ففي كل أربعين درهما درهم. أخرجه ابن أبي شيبة (2).

(وأجاب) الجمهور بأن المراد أن ما زاد من الأربعينيات فيه درهم فلا ينافى أن الأقل منها يكون بحسابه جمعا بين الأدلة (ومنه) تعلم أن الراجح قول الجمهور لقوة أدلته. (ومما) ينبني على هذا الخلاف ما لو كان له خمسة دراهم ومائتان ومضى عليها عامان، فعند الجمهور عليه 1/ 8 5 دراهم زكاة العام الأول فبقى في العام الثاني مائتان إلا ثمن درهم ولا زكاة فيه. وعند النعمان عليه عشرة دراهم زكاة العامين لأنه لا زكاة عنده في الخمسة دراهم.

(فائدة) المعتمد في فرضية الزكاة وأدائها في الأثمان الوزن لا القيمة عند الجمهور لأنه الوارد عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (وهذا) عند الحنفيين إذا أدى من الجنس، أما لو أدى من خلافه فالمعتبر القيمة عندهم.

(8) زكاة المخلوط والمغشوش:

.. إذا سبك أحد النقدين بغيره فما غلبت فضته أو ذهبه فكالخالص منهما عند الحنفيين وكذا ما استوى فيه النقد وغيره احتياطا ومراعاة لحال الفقراء.

(1)(مطروح) رد بقول البيهقي: وحديث سليمان بن داود مجود الإسناد. وقد أثنى على سليمان هذا أبو زرعة وأبو حاتم وعثمان بن سعيد وغيرهم، ورأوا هذا الحديث موصول الإسناد حسنا (أنظر ص 90 ج 4 بيهقي).

(2)

انظر ص 368 ج 2 نصب الراية.

ص: 177

وإن سبك الذهب والفضة فإن كان الذهب غالبا فالكل في حكم الذهب الخالص وكذا إذا استويا لأنه أعز وأغلى قيمة، وإن كانت الفضة غالبة وبلغت نصابا ففيه زكاتها، وإن بلغ الذهب نصابا ففيه زكاته. وما غلب غشه ولم يكن ثمنا رائجا تعتبر قيمته لا وزنه، فإن بلغت نصابا من أقل نقد تفرض فيه الزكاة زكاه إن نوى فيه التجارة عند الحنفيين وإلا فلا.

(وقالت) المالكية: تجب الزكاة في المغشوش وناقص الوزن إن راج كل رواج الكامل في المعاملات. فإن لم ترج أصلا أو راجت دون رواج الكاملة حسب الخالص في المغشوش فإن بلغ نصابا زكى وإلا فلا، واعتبر كمال الناقص بزيادة ما يكمله، فلو كانت المائتا درهم لنقها تروج رواج مائة وتسعين لم تجب الزكاة فيها إلا بزيادة ما يكملها، وبهذا قال أحمد في الناقصة. (وقال) الشافعي وأحمد: لا زكاة في المغشوشة حتى يبلغ الخالص منها نصابا. (وقال) بعض الشافعية: إذا كان الغش يماثل أجرة الضرب والتخليص تسومح فيه. وعليه عمل الناس، لا فرق في ذلك بين الذهب والفضة.

(9) ضم النقدين:

قد اختلف العلماء في أنه هل يضم أحمد النقدين إلى الآخر؟ (فقال) الحنفيون ومالك وجماعة: يضم كل إلى الآخر. وروى عن أحمد: فإذا بلغ النصاب زكى. (وقال) الشافعي وداود: لا يضم. وروى عن أحمد: فلو ملك مائتي درهم إلا درهما وعشرين مثقالا إلا نصفا فلا زكاة في واحد منهما عند الشافعي ويزكي عند غيره.

(واختلف) القائلون بالضم في كيفيته (فقال) النعمان: يضم الذهب إلى الفضة بالقيمة. فإذا كان له مائة درهم وذهب قيمته مائة درهم وجبت الزكاة. (وقال) مالك وأبو يوسف وأحمد: يضم أحدهما إلى الآخر بالإجزاء. فإذا كان معه مائة درهم وعشرة دنانير أو خمسون درهما وخمسة عشر دينارا ضم

ص: 178

أحدهما إلى الآخر. ولو كان له مائة درهم وخمسة دنانير قيمتها مائة درهم فلا ضم (1). هذا واختلاف الرواية عن أحمد فيما إذا لم يكن مع النقدين عروض تجارة وإلا لزم الضم رواية واحدة، لأن العرض يضم إلى كل واحد منهما، فيجب ضمهما إليه.

(وسبب) اختلافهم: هل كل واحد من النقدين تجب فيه الزكاة لعينه أو لسبب يعمهما وهو كونهما رؤوس الأموال وقيم المتلفات؟ فمن رأى أن الزكاة في كل لعينه قال: هما جنسان لا يضم أحدهما إلى الآخر كما في البقر والغنم. ومن رأى أن المعتبر فيهما هو الأمر الجامع بينهما أوجب ضم بعضهما إلى بعض (2). (والمختار) القول بعدم الضم وهو الذي يشهد له الدليل.

(10) زكاة الحلي:

الحلي- بفتح فسكون- ما تتزين به المرأة من مصوغ المعدن وغيره، والجمع حلي بضم فكسر فشد- كفلس وفلوس- وتفترض الزكاة في تبر الذهب والفضة وهو ما ليس مضروبا وفي آنيتهما، والحلي غير المباح بالإجماع. وكذا تفترض في الحلي المباح عند الحنفيين ومجاهد والزهري وغيرهم (لحديث) ابن عمرو أن امرأة أتت النبي صلى الله عليه وسلم ومعها ابنة لها وفي يد ابنتها مسكتان غليظتان من ذهب، فقال لها: " أتعطين زكاة هذا؟ قالت: لا. قال: أيسرك أن يسورك الله تعالى بهما يوم القيامة سوارين من نار؟ فخلعتهما فألقتهما إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقالت: هما لله ولرسوله: أخرجه أبو داود والنسائي بسند قوي فيه حسين بن ذكوان ثقة، وصححه الحاكم (3). {80}

ومنه تعلم أن قول الترمذي- لا يصح في هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء- غير صحيح.

(1) انظر ص 18 ج 6 مجموع النووي.

(2)

انظر ص 235 ج 1 بداية المجتهد (ضم الذهب إلى الفضة في الزكاة).

(3)

انظر ص 134 ج 9 - المنهل العذب المورود (زكاة الحلي) وص 343 ج 1 مجتبي (والمسكة) بفتحات: الأسورة.

ص: 179

(وقالت) عائشة رضي الله عنها: "دخل على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فرأى في يدي فتخات من ورق فقال: ما هذا يا عائشة؟ فقلت: صنعتهن أتزين لك يا رسول الله. قال: أتؤدين زكاتهن؟ قلت: لا. قال: هو حسبك من النار" أخرجه أبو داود والدارقطني والحاكم وقال: صحيح على شرط الشيخين وفيه محمد بن عمرو بن عطاء ثقة (1). {81}

(وعن أسماء) بنت يزيد قالت: دخلت أنا وخالتي على النبي صلى الله عليه وسلم وعلينا أسورة من ذهب، فقال لنا: أتعطيان زكاته؟ فقلنا: لا. قال: أما تخافان أن يسور كما الله أسورة من نار؟ أديار زكاته" أخرجه أحمد بسند حسن (2). {82}

(وقال) مالك والشافعي وأحمد: لا زكاة في الحلي المباح (لما روي) عافية بن أيوب عن ليث بن سعد عن أبي الزبير عن جابر مرفوعا: ليس في الحلي زكاة. أخرجه الدارقطني وابن الجوزي في التحقيق من عدة طرق فيها مقال (3). [83]

(قال) البيهقي في المعرفة: وما يروي ليس في الحلي زكاة فباطل لا أصل له إنما يروي عن جابر من قوله. وعافية مجهول.

(وعن) عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه "أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم كانت تلي بنات أخيها يتامى في حجرها لهن الحلي فلا تخرج من حليهن الزكاة" أخرجه مالك والبيهقي (4).

(1) انظر ص 137 ج 9 - المنهل العذب المورود (زكاة الحلي) وص 205 الدارقطني. وص 389 ج 1 مستدرك (والفتخة) بفتح فسكون أو فتح: خاتم كبير أو حلقة من فضة كالخاتم (وحسبك من النار) يعني لو لم تعذبي في النار إلا من أجل هذا لكفاك. وهو وعيد شديد لمن لم يؤد زكاة الحلي.

(2)

انظر ص 21 ج 9 - الفتح الرباني (زكاة الحلي).

(3)

انظر ص 205 الدارقطني. وص 374 ج 2 نصب الراية.

(4)

انظر ص 48 ج 2 زرقاني الموطأ (ما لا زكاة فيه من الحلي) وص 138 ج 4 بيهقي (لا زكاة في الحلي) والمراد أخوها لأبيها محمد بن أبي بكر.

ص: 180

(وعن) نافع أن ابن عمر كان يحلي بناته وجواريه الذهب ثم لا يخرج من حليهن الزكاة. أخرجه مالك (1).

(وعن) أسماء بنت أبي بكر أنها كانت تحلي بناتها الذهب ولا تزكيه نحوا من خمسين ألفا. أخرجه الدارقطني (2).

(وهذه) آثار تدل على عدم وجوب الزكاة في الحلي. ولكن بعد ثبوت الحديث وحته لا حجة في الآثار (وروى) البيهقي عن ابن عمر وسعيد بن المسيب أن زكاة الحلي عاريته (3). (وأظهر) الأقوال وأقواها دليلا القول بوجوب الزكاة في الحلي (قال) الخطابي: الظاهر من الكتاب يشهد لمن أوجبها والأثر يؤيده. ومن أسقطها ذهب إلى النظر ومعه طرف من الأثر والاحتياط أداؤها (4).

(وأجاب) القائلون بعدم وجوب الزكاة في الحلي المباح:

(أ) بأن الحلي كان في أول الإسلام محرما على النساء كما نقله البيهقي وغيره.

(ب) بأنه صلى الله عليه وسلم لم يحكم على الحلي مطلقا بالوجوب إنما حكم على فرد خاص منه وهو قوله (هذه) لأنه كان فيه سرف بدليل قوله في الحديث (غليظتان) وهم يقولون بحرمة ما فيه سرف ووجوب الزكاة فيه (5).

(فوائد):

(الأولى) ما ذكر من الخلاف في وجوب الزكاة في الحلي إنما هو في حلي الذهب والفضة. وأما حلي غيرهما كاللؤلؤ والمرجان والزبرجد والماس ونحوها فلا زكاة فيه اتفاقا إلا إذا اتخذ للتجارة ففيه الزكاة.

(1) انظر ص 48 ج 2 زرقاني الموطإ.

(2)

انظر ص 206 - الدارقطني. و (نحوا من خمسين

.) أي أن حلي البنات كان نحوا من خمسين أل درهم مثلا.

(3)

انظر ص 140 ج 4 بيهقي.

(4)

انظر ص 17 ج 2 معالم السنن.

(5)

انظر ص 99 ج 1 كفاية الأخيار.

ص: 181

(الثانية) لا فرق في الحلي المباح بين أن يكون مملوكا لامرأة تلبسه أو تعيره أو لرجل يحلي به أهله أو يعيره أو يعده لذلك لأنه مصروف عن جهة النماء إلى استعمال مباح فأشبه حلي المرأة، فإن اتخذ حليا فرارا من الزكاة لم تسقط عنه لأنها إنما سقطت عما أعد للاستعمال لصرفه عن جهة النماء ففيها عداه يبقى على الأصل.

(الثالثة) إن انكر الحلي كسرا لا يمنع اللبس فهو كالصحيح إلا أن ينوي ترك لبسه، وإن كان كسرا يمنع الاستعمال ففيه الزكاة لأنه صار كالنقرة (1) وإن نوت المرأة بحلي اللبس التجارة، انعقد عليه حول الزكاة من حين نوت لأن الوجوب هو الأصل فانصرف إليه بمجرد النية كما لو نوى بمال التجارة القنية انصرف إليه بغير استعمال (2)، وكذلك ما يباح للرجال من الحلي كخاتم الفضة وقبيعة السيف وحلية المنطقة وأنف الذهب، وكل ما أبيح للرجل حكمه حكم حلي المرأة لأنه مصروف عن جهة النماء فأشبه حليها (3).

(الرابعة) يعتبر الناب في الحلي الذي تجب فيه الزكاة بالوزن. فلو ملك حليا قيمته مائتا درهم ووزنه دون المائتين لم يكن عليه زكاة. وإن بلغ مائتين وزنا ففيه الزكاة وإن نقص في القيمة (لحديث) ليس فيما دون خمس أواق من الورق صدقة (4) اللهم إلا أن يكون الحلي للتجارة فيقوم. فإذا بلغت قيمته بالذهب أو الفضة نصابا ففيه الزكاة لأنها متعلقة بالقيمة. وهو مخير بين إخراج ربع عشر حلية مشاعة أو دفع ما يساوي ربع عشرها من جنسها. ولو أراد كسرها ودفع ربع عشرها لم يكن له ذلك لأنه ينقص قيمتها. وإذا كان وزن الحلي عشرين مثقالا وقيمته ثلاثون فعليه نصف مثقال لا تزيد قيمته شيئا لأن نصاب الأثمان تتعلق الزكاة بوزنه لا بصفته كالدراهم المضروبة. وإن أراد

(1) انظر ص 6.7 ج 2 شرح المقنع.

(2)

انظر ص 6.8 ج 2 مغنى.

(3)

(قبيعة السيف) ما على مقبضه من فضة أو ذهب (أنظر ص 6.7 ج 2 شرح المقنع).

(4)

هذا بعض حديث تقدم مرجعه ص 139 رقم 34.

ص: 182

إخراج الفضة عن حلي الذهب أو الذهب عن الفضة، أخرج على الوجهين في إخراج أحد النقدين عن الآخر (1).

(الخامسة) إن كان في الحلي جوهر ولآليء مرصعة فالزمكاة في الحلي من الذهب والفضة دون الجواهر لأنها لا زكاة فيها عند أحد من أهل العلم. فإن كان الحلي للتجارة قومه بما فيه من الجواهر، لأن الجواهر لو كانت مفردة وهي للتجارة لقومت وزكيت فكذلك إذا كانت في حلي التجارة.

(السادسة) إذا اتخذت المرأة حليا ليس لها اتخاذه، كما إذا اتخذت حلية الرجال كحلية السيف والمنطقة فهو محرم وعليها الزكاة، كما لو اتخذ الرجل حلي المرأة (2).

(11) زكاة الدين:

للعلماء في هذا تفصيل (قال) أبو حنيفة: الدين ثلاثة أقسام:

(أ) قوى: وهو ما يكون بدل مال لو بقى في يده وجبت زكاته كثمن سائمة وبدل القرض والتجارة إذا كان على معترف به ولو مفلسا فإذا تم نصابا بنفسه أو بما عند الدائن وحال عليه الحول ولو قبل قبضه وجبت زكاة ما يقبض منه إذا كان أربعين درهما، فكلما قبض هذا المقدار لزمه أن يخرج عنه درهما ولا شيء فيما زاد حتى يبلغ أربعين، فإن قبض أول دفعة ثلاثين مثلا أو قبض في الأول أربعين، ثم قبض أقل منها، فإنه لا تجب عليه الزكاة في كل حال إلا في أربعين كاملة، لأن الزكاة لا تجب في الكسور من الأربعين. فلو كان له دين عند غيره ثلاثمائة درهم حال عليه ثلاث سنين فقبض منها مائتين فعليه خمسة للسنة الأولى وأربعة لكل من الثانية والثالثة عن مائة وستين ولا شيء عليه في الزائد لأنه دون الأربعين (3). . ويعتبر هنا حولان، الحول من وقت مل النصاب لا من وقت القبض، فيجب أداء الزكاة بمجرد القبض.

(1) انظر ص 608 ج 2 مغنى.

(2)

انظر ص 609 ج 2 مغنى.

(3)

وذلك لأنه لما أخرج عن السنة الأولى خمسة بقى 195 درهم منها 40 في 4= 160 يخرج عنها 4 للسنة الثانية فيبقى 191 درهم منها أيضا 160 يخرج عنها 4 للسنة الثالثة ولا شيء في الزائد عن 160 لأنه لم يبلغ 40.

ص: 183

(ب) دين متوسط: وهو ما كان بدل مال لو بقى في يده لا تجب فيه زكاة كثمن دار السكنى وثيابه المحتاج إليها وطعامه وشرابه ودوابه المعلوفة والعاملة ونحوها من كل ما لا تجب فيه الزكاة وليس للتجارة. وهذا لا زكاة فيه حتى يقبض منه نصابا ويحول عليه الحول من وقت القبض على الأصح (وقيل) يعتبر حوله بحول الأصل، فإذا كان الدين خمسمائة درهم وقبض منها مائتين وحال عليها الحول بعد القبض لزمه خمسة دراهم ولا زكاة عليه فيما دون ذلك إلا إذا كان عنده ما يضم المقبوض من الدين إليه.

(جـ) دين ضعيف: وهو ما لم يكن بدل مال كالمهر والوصية وبدل الخلع، ولا تجب فيه الزكاة ما لم يقبض نصابا ويحول عليه الحول بعد القبض إلا إذا كان عنده نصاب سوى مال الدين فإنه إذا قبض من الدين شيئا ضمه إلى النصاب وزكاه بحوله.

(وقال) أبو يوسف ومحمد: الديون كلها سواء تجب زكاة ما يقبض منها ولو قليلا (1). (وقالت) المالكية: من ملك مالا ميراثا أو هبة أو صدقة أو داقا أو بدل خلع أو ثمن عرض مقتنى، كأن باع متاعا أو عقارا ولم يتسلمه بل بقى دينا له عند واضع اليد فهذا الدين لا تجب فيه الزكاة إلا بعد قبضه ومضى حول عليه من وقت القبض، فلو ورث رجل مالا وعين له القاضي حارسا قبل قبضه واستمر دينا له عدم أعوام فلا يطالب بزكاته في كل هذه الأعوام ولو أخره فرارا من الزكاة، فإذا قبضه ومضى عليه حول من يوم القبض وجبت زكاة هذا الحول.

(ومن) كان بيده مال وأقرضه لغيره وبقى عند الغير أعواما فتجب عليه زكاة عام واحد إلا إذا أخره قصدا فرارا من الزكاة فتجب عليه زكاته عن كل

(1) انظر ص 349 ج 1 فتح الملك المنان بشرح منحة الرحمن (زكاة الدين).

ص: 184

عام قصد تأخير قبضه فيه. ويعتبر عام زكاة هذا المال من يوم الملك أو من يوم تزكيته إن كان زكاه قبل إقراضه. فإذا ملك شخ مالا ومكث معه ستة أشهر ثم أقرضه فمكث عند المقتض ستة أشهر أخرى وجبت فيه الزكاة عن هذا الحول لأنه يحتسب من يوم الملك. أما إذا بقى بيده سنة ثم زكاه وأقرضه لغيره فإن الحول يحسب من يوم تزكيته وتجب الزكاة في هذا الدين بشروط أربعة:

(الأولى) أن يكون أصله عينا (ذهبا أو فضة) أو عرض تجارة لمحتكر (1) كما لو باع ثيابا للتجارة بعشرين جنيها مؤجلة إلى عام أو أكثر. أما إذا كان أصل الدين عرضا للقنية ولم ينو به التجارة، كما لو باع دارا يسكنها بأربعمائة جنيه مؤجل عاما أو أكثر، فلا تجدب عليه زكاة ثمنها إلا إذا قبض منه نصابا فأكثر ومضى على المقبوض عام من يوم قبضه زكى المقبوض لا غير، ولو كان اصل الدين عرض تجارة لتاجر مدير (2) زكي الدين كل عام بضمه إلى قيم العروض التي عنده وإلى ثمن ما باعه من ذهب أو فضة.

(الثاني) أن يقبض شيئا من الدين وإلا فلا زكاة عليه إلا في دين تجارة المدير.

(الثالث) أن يكون المقبوض ذهبا أو فضة، فإن قبض، فإن قبض عروضا كثياب وحبوب فلا زكاة عليه إلا إذا باع هذه العروض ومضي حول من يوم قبض العروض فيزكي الثمن إذا كان تاجرا محتكرا. أما المدير فيزكي قيمة العروض كل عام ولو لم يبعها، وإن لم يكن تاجرا أصلا بأن قبض عروضا للقنية ثم باعها لحاجة فتجب عليه زكاتها إذا مضى عليه حول من يوم قبض ثمنها.

(الرابع) أن يكون المقبوض نابا على الأقل ولو قبضه في عدة مرات أو يكون عنده ما يكمل النصاب من ذهب أو فضة حال عليهما الحول أو كانا

(1) المحتكر: هو من لا يبيع بالسعر الحاضر وإنما يحبس السلع رجاء ارتفاع الائتمان.

(2)

المدير: من يبيع ويشتري بالثمن الحاضر.

ص: 185

من المعادن، لأن المعادن لا يشترط في زكاة المستخرج منها حلول الحول، فلو قبض من دينه نابا زكاه دفعة واحدة ثم يزكى المقبوض بعد ذلك قل أو كثر إلا أن مبدأ الحول في المستقبل مختلف، فحول الناب المقبوض أولا من يوم قبضه وحول الدفع المقبوضة بعد من يوم قبض كل منها. أما إذا كان المقبوض أولا أقل من نصاب ولم يكن عنده ما يكمل الناب فلا يزكى إلا إذا تم المقبوض نصابا بدفعة أخرى. ويعتبر حول المجموع من يوم التمام ثم ما يقبضه بعد التمام يزكيه قل أو كثر، ويعتبر حوله في المستقبل من يوم قبضه.

(وقالت) الشافعية: تجب زكاة الدين إذا كان ثابتا دراهم أو دنانير أو عروض تجارة ولو مؤجلا. ولا يجب على الدائن إخراجها إلا إذا تمكن من أخذ دينه، وحينئذ يخرجها عن الأعوام الماضية. وإذا تلف الدين قبل التمكن من أخذه سقطت زكاته. أما إذا كان ماشية أو مطعوما كالحبوب والتمر والفواكه فلا زكاة فيه.

(وقالت) الحنبلية: تجب زكاة الدين الثابت في ذمة المدين ولو مفلسا ولا يجب إخراجها إلا عند قبضه فيزكى ما قبضه عما مضي فورا إذا بلغ المقبوض نصابا بنفسه أو بضمه إلى ما عنده من المال، ولا زكاة في الديون التي لم تثبت في ذمة المدين. والله تعالى ولي التوفيق.

(12)

زكاة الأوراق المالية (البنكنوت):

ورقة البنك ورقة عملة قابلة لدفع قيمتها عينا لحاملها يتعامل بها كما يتعامل بالعملة المعدنية، فهي سندات دين على البنك يمكن الحصول على قيمتها فضة فورا وتقوم مقامها في المعاملة فتجب فيها الزكاة متى بلغت قيمتها نصابا، ووجدت سائر الشروط المعتبرة في زكاة النقدين عند الحنفيين ومالك. والتعامل بها ينطبق على قاعدة الحوالة بالمعاطاة من غير شرط إيجاب وقبول عند الثلاثة خلافا للشافعية حيث قالوا: لا تصح الحوالة بالمعاطاة لعدم وجود

ص: 186

الإيجاب والقبول بين المعطى والآخذ، ولذا قالوا هم والحنبلية: لا تجب الزكاة في الورق النقدي إلا إذا قبض مالكه قيمته ذهبا أو فضة ومضى على هذه القيمة حول كامل.

(ورد) بأن هذا مناف لما تقتضيه حكمة التشريع وفيه ضياع لحق الفقير وهدم لأحد أركان الإسلام، وهو الزكاة التي شرعت طهرة للمال ولصاحبه ورأفة بالفقير وعطفا عليه وبه يكون التحابب والتآلف والتعاطف والتراحم المشار إليها في حديث:"ترى المؤمنين في تراحمهم وتوادهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى عضوا تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى" أخرجه أحمد والشيخان عن النعمان بن بشير، وهذا لفظ البخاري، ولفظ مسلم: مثل المؤمنين

الخ (1). {84}

وإنا نجد الآن الأوراق المالية مكدسة في البنوك والخزائن وتمكث على هذا السنين الطوال لا يرف منها إلا ما تدعو الحاجة الوقتية إلى صرفه، فلو قلنا بعدم الزكاة فيها لأنها ليت ذهبا ولا فضة لما وجبت الزكاة على أحد. وهذا غير معقول. والمعقول أن من ملك النصاب من الورق المالي وحال عليه حول كامل لزمه زكاته باعتبار زكاة الفضة لأن الذهب غير ميسور الآن. هذا ما ندين الله تعالى به وهو الحق الصريح بلا مرية، وقانا الله تعالى من رذيلة البخل "ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون"(2).

(1) انظر ص 338 ج 10 - فتح الباري (رحمة الناس- الأدب) و 140 ج 16 نووي مسلم (تراحم المؤمنين- البر).

(2)

قال المرحوم الشيخ محمد حسنين مخلوف في كتاله "التبيان في زكاة الأثمان": ورد إلينا بتاريخ 11 ربيع الأول سنة 1324 هـ ؤال صورته: إذا وجد عند شخص ورقة بنكنوت قيمتها مائة جنيه مثلا وحال عليها الحول هل تجب فيها الزكاة؟

(فأجبنا) بوجوب الزكاة فيها تخريجا على زكاة الدين عند السادة الشافعية، لأن المزكى في الحقيقة هو المال المضمون بها.

(وتفصيل) الجواب أن الأوراق المالية الجاري بها التعامل الآن معتبرة كسندات ديون =

ص: 187

أما أسهم الشركات كشركة المياه والترام والنور والغاز، وأوراق الديون

= على شخص معنوي، كما هو الظاهر من التعهد المرقوم عليها وصورته: أتعهد بأن أدفع لدى الطلب مبلغ كذا لحامل هذا السند. أصدر بمقتضى المروم العالي المؤرخ في 25 يونيو سنة 1898.

(وقد) سئل المرحوم الشيخ محمد بخيت بما صورته: السلام عليكم ورحمة الله (أما بعد) فنلتمس من فضيلتكم أن تفيدونا من الآتي:

(أولا) حكم الزكاة في ورق البنكنوت هل تجب فيه زكاة المال؟ وإذا كانت تجب فعلى سعر الذهب أو الفضة؟ وما وجه ذلك على المذاهب الأربعة؟ (ثانيا) حكم زكاة الجنيه الذهب الذي كان مقداره 100 قرش والآن مقداره 130 قرش (مائة وثلاثون) فأكثر مع أن النصاب اثنا عشر جنيها تقريبا. وعلى سعره الحالي يبلغ أقل من عشرة جنيهات.

(فأجاب) بقوله: الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده (أما بعد): فالجواب عن السؤال الأول أن هذه الأوراق التي نستعملها وتسمى بالبنكنوت هي في الحقيقة سندات لحامليها. والحكومة ضامنة لقيمتها كما هو مقتضى ما هو مكتوب على الورقة الواحدة (أتعهد بأن أدفع عند الطلب مبلغ كذا لحامل هذا السند) وليست هذه الأوراق بمثابة نقود، بل المعاملة بهذه الأوراق تتخرج على الحوالة بالمعاطاة من غير اشتراط صيغة الحوالة كالبيع. والذي تقرر في المذهب أن الدين تجب زكاته إذا بلغ نصابا وحال عليه الحول وكان قويا. ولا شك أن قيمة هذه الأوراق تعتبر من الدين القوى الذي هو في حكم العين المقبوضة لتمكنه من استبدالها في أي وقت شاء. كما أن المعاملة بالحوالة على وجه التعاطي جائزة باتفاق أئمة المذاهب الثلاثة: الحنفية والمالكية والحنابلة، وعند الشافعي على قول صحيح. والأصح عندهم: لا تجوز. وبناء على ذلك تجب الزكاة في هذه الأوراق متى بلغ مقدارها نصابا من الفضة أو الذهب باعتبار ربع العشر. ويجوز أن يدفع ربع العشر من عينها عن طريق الحوالة للفقير بما يأخذه. كما يجوز أن يخرج ربع العشر ذهبا أو فضة. والله أعلم.

(أما عن الثاني) فنفيد أن ناب الذهب في الزكاة هو عشرون مثقالا، والمثقال هو الدينار. والواجب في الإخراج متى حال عليه الحول هو ربع العشر والعبرة إنما هي باعتبار الوزن لا القيمة، وكل جنيه إنجليزي وزنه يساوي الجنيه الآخر، فهي كلها مساوية في الوزن، وحينئذ متى كان المال المزكى جنيهات إنجليزية (مائة جنيه مثلا) يخرج منها بع العشر وهو جنيهان ونف. وإن كان المال المزكى أوراقا فكذلك يخرج ربع عشر ما تشهد به. فإن كان عنده مائة ورقة (تشهد كل واحدة منها بمائة قرش صاغ) فالواجب عليه أن يخرج مائتين وخمسين قرشا وهو ربع العشر. والله أعلم. أنظر ص 45 من مجلة الإرشاد العدد الثامن من السنة الأولى 25 ذي الحجة سنة 1351 هـ.

ص: 188