المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

شهري. ورمضان شهر أمتي. ذكره ابن الجوزي في الموضوعات بطرق - الدين الخالص أو إرشاد الخلق إلى دين الحق - جـ ٨

[السبكي، محمود خطاب]

فهرس الكتاب

- ‌(10) محظورات القبر

- ‌(11) سؤال القبر وفتنته

- ‌(12) عذاب القبر ونعيمه وضغطته

- ‌(13) المشي بالنعلين بين القبور

- ‌(14) دفن أكثر من واحد في القبر

- ‌(15) نبش القبر

- ‌(16) نقل الميت

- ‌(17) إعداد القبر

- ‌(18) وضع الجريد على القبر

- ‌(الشهيد)

- ‌(أ) تعريفه:

- ‌(ب) تجهيز الشهيد:

- ‌(جـ) الشهيد غير المكلف:

- ‌(د) الشهيد غير الطاهر:

- ‌(هـ) كفن الشهيد:

- ‌(و) من لا يعتبر شهيدا:

- ‌يتصل بما يتعلق بالميت أربعة أصول:

- ‌(أ) التعزية

- ‌(ب) صنع الطعام لأهل الميت ومنهم

- ‌(جـ) زيارة القبور

- ‌(د) القرب تهدي إلى الميت

- ‌الزكاة

- ‌(أ) زكاة النعم

- ‌(ب) زكاة الأثمان

- ‌(جـ) زكاة العروض

- ‌(د) زكاة الزروع والثمار

- ‌(هـ) المعدن والركاز

- ‌الصيام

- ‌(1) فضل الصيام:

- ‌(2) وقت الصوم:

- ‌(3) شروط الصيام

- ‌(4) أقسام الصيام

- ‌(أ) صيام رمضان:

- ‌(ب) الصوم الفرض غير المعين

- ‌(جـ) الصوم المنهي عنه

- ‌(د) صوم التطوع

- ‌(5) آداب الصيام

- ‌(6) ما يباح للصائم

- ‌(7) ما يكره للصائم:

- ‌(8) ما لا يفسد الصوم

- ‌(9) ما يفسد الصوم

- ‌(10) الأعذار المبيحة للفطر

- ‌(11) بدع رمضان

- ‌(12) الموضوع في الصيام

- ‌(13) الاعتكاف

الفصل: شهري. ورمضان شهر أمتي. ذكره ابن الجوزي في الموضوعات بطرق

شهري. ورمضان شهر أمتي. ذكره ابن الجوزي في الموضوعات بطرق (1). (وقال) المناوي: لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في فضل رجب إلا خير: كان إذا دخل رجب قال: اللهم بارك لنا في وجب (2) ولم يثبت غيره بل عامة الأحاديث المأثورة فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم كذب (3).

(13) الاعتكاف

ذكر بعد الصوم لأنه شرط في الاعتكاف الواجب اتفاقاً وكذا في غيره على الأصح كما يأتي، ولأن الاعتكاف مؤكد في العشر الأواخر من رمضان (وهو) في اللغة اللبث والحبس على الشيء خيراً كان أم شراً (قال) الله تعالى:"عن الذين كفروا ويصدون عن سبيل الله والمسجد الحرام الذي جعلناه للناس سواء العاكف فيه والباد"(4).

أي الملازم المسجد الحرام والطارئ عليه (وقال) تعالى: "وجاوزنا ببني إسرائيل البحر فأتوا على قوم يعكفون على أصنام لهم (5) " أي يلازمون عبادتها وفي الشرع المكث في مسجد جماعة- وهو ماله إمام ومؤذن ولو لم تصل فيه الخمس- مع النية. فاللبث ركن والنية شرط. وهو مشروع بالكتاب والسنة وإجماع الأمة (قال) الله تعالى: "ولا تباشرهن وأنتم عاكفون في المساجد (6) "

(1) انظر ص 423 ج 1 كشف الخفاء.

(2)

أخرجه ابن أحمد والبيهقي وابن ماجه عن أنس مرفوعاً اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا رمضان (انظر ص 186 ج 1 كشف الخفاء).

(3)

انظر ص 18 ج 4 فيض القدير.

(4)

سورة الحج: آية 25.

(5)

سورة الأعراف: آية 138.

(6)

سورة البقرة: آية 187.

ص: 530

فالاختصاص بالمساجد وترك الوطء المباح، دليل على أن الاعتكاف قربة (وعن) أبي هريرة رضي الله عنه "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف في كل رمضان عشرة أيام فلما كان العام الذي قبض فيه اعتكف عشرين يوماً" أخرجه البخاري وأبو داود والدارمي والبيهقي وابن ماجه (1){245} (وسببه) النذر إن كان واجباً والنشاط الداعي إلى طلب الثواب إن كان تطوعاً.

(وحكمه) مشروعية الاعتكاف الترغيب في جميع القلوب على الله تعالى بالخلوة مع خلو المعدة والإقبال على طاعة الله تعالى والتنعم بذكره والإعراض عما سواه (وهو) مرغب فيه شرعاً لا سيما في العشر الأواخر من رمضان (روي) أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم: "كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى قبضه الله عز وجل" أخرجه احمد والترمذي وقال: حسن صحيح (2){246}

(وقالت) عائشة رضي الله عنها: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتكف في العشر الأواخر ويقول: "التمسوها في العشر الأواخر" يعني ليلة القدر. أخرجه أحمد بسند جيد (3){247}

(هذا) والمعتكف ينبغي أن يكون قلبه معلقاً بالمسجد وأن يكون مرابطاً فيه فإن الملائكة تجالسه. فإن غاب بحثوا عنه وإن مرض عادوه ولا يحرم من دعائهم واستغفارهم له وهو في ضيافة الله وإكرامه يلحظه بعنايته ويكلؤه برعايته (روي) أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

(1) انظر ص 201 ج 4 فتح الباري (الاعتكاف في العشر الأوسط من رمضان) وص 239 ج 10 المنهل العذب المورود. وص 27 ج 2 دارمي وص 314 ج 4 بيهقي وص 276 ج 1 ابن ماجه.

(2)

انظر ص 244 ج 10 - الفتح الرباني. وص 68 ج 2 تحفى الأحوذي (الاعتكاف).

(3)

انظر ص 244 ج 10 الفتح الرباني (فضل الاعتكاف).

ص: 531

إن للمساجد أوتاداً، الملائكة جلساؤهم إن غابوا يفتقدوهم وإن مرضوا عادوهم. وإن كانوا في حاجة أعانوهم" أخرجه أحمد وفيه ابن لهيعة. وأخرجه الحاكم من حديث عبد الله بن سلام. وقال: صحيح على شرطهما (1){248}

(وقال) أبو الدرداء رضي الله عنه: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "المسجد بيت كل تقي وتكفل الله لمن كان المسجد بيته بالرحمة والجواز على الصراط إلى رضوان الله إلى الجنة" أخرجه الطبراني في الكبير والأوسط والبزار وقال: إسناده حسن ورجاله رجال الصحيح (2){249}

ثم الكلام ينحصر في عشرة فروع:

(1)

حكم الاعتكاف: اتفق العلماء على مشروعية الاعتكاف واختلفوا في صفته (فقال) الحنفيون: هو ثلاثة أقسام (الأول) سنة مؤكدة في العشر الأواخر من رمضان لما تقدم (ولحديث) عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف في العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله تعالى ويقول: "تحروا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان" ثم اعتكف أزواجه من بعده اخرجه البيهقي والسبعة إلا ابن ماجه (3). {250}

فالمواظبة عليه مع عدم الإنكار على من لم يفعله دليل أنه سنة (الثاني) واجب وهو ما لزم بالنذر المطلق كقوله: لله على أن اعتكف كذا. أو المعلق كقوله إن شفا الله فلاناً لاعتكفن كذا (وأصله) حديث

(1) انظر ص 242 منه.

(2)

انظر ص 22 ج 2 مجمع الزوائد (لزوم المساجد) و (الروح) بفتح الراء الراحة.

(3)

انظر ص 314 ج 4 بيهقي. وص 261 ج 10 - الفتح الرباني (اعتكاف النساء) وص 193 و 194 ج 4 فتح الباري. وص 68 ج 8 نووي. وص 229 ج 10 - المنهل العذب المورود. وص 68 ج 2 تحفة الأحوذي.

ص: 532

ابن عمر رضي الله عنهما أن عمر نذر في الجاهلية أن يعتكف ليلة في المسجد الحرام. فسأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال "أوف بنذرك" أخرجه الستة والدارقطني (وقال) الترمذي: حسن صحيح (1){251}

وقد ذهب بعض أهل العلم إلى هذا قالوا: إذا أسلم الرجل وعليه نذر طاعة فليف به وقال بعضهم: لاعتكاف إلا بصوم. وقال آخرون: ليس على المعتكف صوم إلا أن يوجب على نفسه صوماً واحتجوا بحديث عمر وهو قول أحمد وإسحاق (2)(الثالث) مستحب وهو ما يكون في غير وقت السنة والواجب (لحديث) عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من اعتكف إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه" أخرجه الديلمي في مسند الفردوس وفيه من لا يعرف (3). {252}

(ومشهور) مذهب مالك رضي الله عنه أن الاعتكاف مندوب وقيل سنة في رمضان لمواظبة النبي صلى الله عليه وسلم فيه. مندوب في غيره (وقالت) الشافعية والحنبلية: الاعتكاف سنة إن لم ينذر وإلا كان واجباً.

(2)

زمن الاعتكاف: مشهور مذهب مالك أن أفله يوم وليلة. وقيل ثلاثة أيام وقيل عشرة (وقال) الحنفيون: أقل النفل منه لحظة غير مقدرة بزمان فيحصل بمجرد

(1) انظر ص 195 ج 4 فتح الباري (الاعتكاف ليلاً) وص 124 ج 11 نووي وص 240 ج 3 عون المعبود (من نذر في الجاهلية) وص 144 ج 2 مجتبي. وص 372 ج 2 تحفة الأحوذي (وفاء النذر) وص 277 ج 1 ابن ماجه. وص 246 الدارقطني (وليلة) وفي رواية يوماً. ولا معارضة لأن اليوم يطلق على مطلق الزمن ليلاً أو نهاراً. أو أن النذر كان ليوم وليلة ولكني يكتفي بذكر أحدهما عن الآخر. فرواية يوم أي بليلته. ورواية ليلة أي مع يومها.

(2)

انظر ص 373 ج 2 تحفة الأحوذي.

(3)

انظر رقم 8480 ص 74 ج 6 فيض القدير.

ص: 533

المكث مع النية ولو ماراً بالمسجد ليلاً أو نهاراً وأقل الواجب يوم لاشتراط الصوم فيه على ما يأتي (وقالت) الشافعية: أقله لحظة وهو مشهور مذهب أحمد. والمستحب أن لا ينقص عن يوم خروجاً من خلاف من أوجبه. فينبغي لكل جالس في المسجد لانتظار أو لعمل أخروي أو دنيوي أن ينوي الاعتكاف فيثاب عليه ما لم يخرج من المسجد فإذا خرج ثم دخل جدد النية وليس للاعتكاف ذكر مخصوص ولا فعل آخر سوى اللبث في المسجد بنية الاعتكاف (1) ولا حدّ لأكثره عند الثلاثة (وقال) مالك: أكثره شهر (قال) عبد الحافظ: وأقل الاعتكاف المندوب عشرة وأكثره ما زاد عن شهر وما نقص عن عشرة لأنه عليه الصلاة والسلام لم ينقص عنها هذا هو الراجح وقيل العشرة أكثر المندوب فيكره ما زاد عليها وفي كراهة ما دونها قولان (2). هذا ومن نذر اعتكاف يومين فأكثر ناوياً الليل والنهار أو لم ينو شيئاً أو نوى الليالي فقط لزمه اعتكاف الأيام بلياليها السابقة مع التتابع وإن لم يلتزمه وكذا إذا نذر اعتكافها بأيامها المتأخرة عند الحنفيين لأن ذكر الأيام أو الليالي بلفظ الجمع يتناول ما بإزائها من الليالي والأيام لقوله تعالى: "قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزاً"(3) وقوله: "ءايتك ألا تكلم الناس ثلاث ليال سويا"(4) والخطاب لسيدنا زكريا. والقصة واحدة ولو نوى بالأيام النهار خاصة، تصح نيته لأنه نوى حقيقة

(1) انظر ص 67 ج 8 نووي مسلم.

(2)

انظر ص 665 ج 1 - الفجر المنير.

(3)

سورة آل عمران: آية 41.

(4)

سورة مريم: آية 10.

ص: 534

كلامه فلا يلزمه اعتكاف الليالي. ولو نذر اعتكاف ليلة لا يلزمه شيء، لعدم الصوم. وعن أبي يوسف يلزمه اعتكافها بيومها (لحديث) عمر السابق (1)

(وقال) النووي: إذا نذر اعتكاف يوم لم يلزمه معه ليلة إلا أن ينويها فإذا نواها لزمها اعتكافها مع اليوم، لأن اليوم قد يطلق ويراد به اليوم بليلته. ولو نذر اعتكاف شهر دخلت الأيام والليالي اتفاقاً. لأن الشهر اسم لما بين الهلالين. ولو نذر اعتكاف يومين لزمه يومان اتفاقا وكذا ليلتان عند الحنفيين وروي عن أحمد (وقال) مالك والشافعي: لا تلزمانه لأن اليومين تثنية يوم وليس في اليوم ليلة فكذا في اليومين. وهل تلزمه ليلة؟ الراجح عند مالك والشافعي وأحمد أنه إن نوي التتابع أو صرح به لزمته الليلة وإلا فلا (2).

(3)

شروط الاعتكاف: يشترط لصحته سبعة شروط (الأول والثاني) الإسلام والتمييز فلا يصح من كافر ولا غير مميز لأنهما ليسا أهلاً للعبادة. أما الصبي المميز فيصح اعتكافه (الثالث) النية وهي شرط عند مالك والشافعي فلا يصح بدونها (الرابع) الطهارة من الحدث الأكبر فلا يصح ابتداء من حائض ولا نفساء عند مالك والشافعي وأحمد لأن مكثهما في المسجد معصية (وقال) الحنفيون: الخلو من الحيض والنفاس شرط لصحة الاعتكاف المنذور دون المسنون في ظاهر الرواية وكذا لا يصح من جنب عند الشافعي واحمد (وقال) الحنفيون ومالك: الخلو من الجنابة شرط لحل الاعتكاف لا لصحته فلو اعتكف الجنب صح اعتكافه مع الحرمة ولو طرأ الحيض أو النفاس أو الردة أو الجنابة في أثناء الاعتكاف لزمهم الخروج من المسجد

(1) تقدم رقم 251 ص 419 ..

(2)

انظر ص 496 و 497 ج 6 مجموع النووي.

ص: 535

وبطل الاعتكاف (1) ويصح الاعتكاف المرأة ولو متزوجة والعبد كما يصح صيامهما لكن يحرم عليهما الاعتكاف بغير إذن الزوج والسيد ولو خالفا صح مع الحرمة (2)(الخامس) الكف عن شهوة الفرج في الاعتكاف الواجب مع الذكر والعلم بالتحريم عند الشافعي. ولا يشترط الذكر والعلم عند الثلاثة. فيحرم على المعتكف أمور المذكور منها- مع ما يفسد الاعتكاف- اثنا عشر:

(1)

الوطء ولو ليلاً خارج المسجد لقوله تعالى: "ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد"(3) ويفسد اعتكافه بالوطء وإن لم ينزل ولو ناسياً عند الحنفيين ومالك وأحمد، لأن الليل محل للاعتكاف وحالة المعتكف مذكرة كحالة الصلاة فلا يعذر بالنسيان (وقال) الشافعي: لا يفسد اعتكافه بالوطء ناسياً كالصوم. ولا كفارة في وطء المعتكف في غير رمضان عند الثلاثة وهو المشهور عن أحمد.

(2)

ويحرم عليه مقدمات الوطء كاللمس والقبلة بشهوة، لأنها مؤدية إليه. ويفسد اعتكافه بالإنزال عن مباشرة في غير الفرج كاللمس والقبلة والتبطين والنفخيذ، لأن ما ذكر مع الإنزال في معنى الجماع. وإن أنزل بتفكر أو نظر لا يفسد اعتكافه عند الحنفيين وأحمد وهو قول للشافعي وعنه يفسد وهو مذهب مالك. وكذا إن باشر بشهوة ولم ينزل فهو حرام إجماعاً ولا يفسد اعتكافه عند الحنفيين وأحمد. وروي عن الشافعي لأنها مباشرة لا تفسد صوماً ولا حجا فلا تفسد الاعتكاف كالمباشرة بغير شهوة

(1)(وبطل الاعتكاف) هذا بالنسبة للحيض والنفاس والردة مجمع عليه. وبالنسبة للجنب عند الشافعي وأحمد. أما عند الحنفيين ومالك فاعتكاف الجنب صحيح مع الحرمة.

(2)

انظر ص 476 ج 6 مجموع النووي.

(3)

سورة البقرة: آية 187.

ص: 536

(وقال) مالك: يفسد اعتكافه وهو رواية عن الشافعي، لأنها مباشرة محرمة فتفسده كما لو أنزل.

(3)

ويفسد اعتكافه بالردة إجماعاً لقوله تعالى: "لئن أشركت ليحبطن عملك"(1) وبالردة صار ليس من أهل الطاعة، وإن عاد للإسلام لا يلزمه قضاؤه عند الحنفيين وملك والشافعي، لأن الإسلام يجب ما قبله (وقال) أحمد: يلزمه القضاء تغليظاً عليه.

(4)

ويفسد بالسكر الحرام ولو ليلاً عند مالك والشافعي وأحمد (وقال) الحنفيون لا يبطل الاعتكاف بالسكر ليلاً.

(5)

ويفسد الاعتكاف- ولو تطوعاً عند مالك والحسن بن زياد- بالأكل أو الشرب عمداً نهاراً (وقال) الشافعي وأحمد: إنما يفسد بما ذكر الاعتكاف المنذور لا المسنون وهو ظاهر الرواية عن الحنفيين (2).

(6 و 7) ويفسد الاعتكاف بالجنون والإغماء المنافيين للصوم عند الحنفيين ومالك والشافعي ولكنه لا يبتدئ الاعتكاف بعد زوالهما بل يبني على ما تقدم منه ويقضي الأيام التي حصلا فيها إن كان الصوم واجباً في الاعتكاف (وقال) احمد: يبطل الاعتكاف بالجنون لا بالإغماء.

(8 و 9) ويفسد بالحيض والنفاس ولو قلت مدة الاعتكاف عند الحنفيين مالك واحمد. وبعد زوال المانع تبني على ما تقدم منه لأنها معذورة (وقالت) الشافعية: إنما يفسد الاعتكاف بهما إذا كانت مدة الاعتكاف المنذورة تخلو غالباً عنهما بأن كانت خمسة عشر يوماً فأقل في الحيض وتسعة

(1) سورة الزمر: آية 65.

(2)

والأصل في هذه أن ما منع لأجل الاعتكاف كالجماع والخروج من المعتكف يستوي فيه السهو والليل وغيرهما وما منع لأجل الصوم كالأكل لا يستوي فيه العمد والنهار وغيرهما.

ص: 537

أشهر فأقل في النفاس في النفاس. أما إذا كانت مدة الاعتكاف لا تخلو غالباً عنهما بأن كانت تزيد على ما ذكر فلا يفسد بهما.

(10)

ويفسد بارتكاب كبيرة لا تبطل الصوم كالغيبة وترك الجمعة عمداً ثلاث مرات متوالية على قول مشهور عند المالكية. والآخر لا يفسد. وهو مذهب الأئمة الثلاثة.

(11)

ويفسد عند أحمد بنية الخروج من الاعتكاف وإن لم يخرج خلافاً للأئمة الثلاثة.

(12)

ويفسد بالخروج من المعتكف لغير حاجة طبيعية أو ضرورية أو شرعية على ما يأتي بيانه إن شاء الله تعالى في بحث خروج المعتكف.

(الشرط) السادس أن يكون اعتكاف الرجل في مسجد تقدم فيه الجماعة عند الحنفيين وأحمد (لقول) ابن عباس رضي الله عنهما: إن أبغض الأمور إلى الله تعالى البدع وإن من البدع الاعتكاف في المساجد التي في الدور، أخرجه البيهقي (1) (وقال) علي رضي الله عنه: لا اعتكاف إلا في مسجد جماعةٍ. أخرجه عبد الرازق وابن أبي شيبة (2)(روي) ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان. قال نافع: "وقد أراني عبد الله المكان الذي يعتكف فيه رسول الله من المسجد" أخرجه مسلم وابن ماجه وأبو داود وهذا لفظه (3){253}

(1) انظر ص 316 ج 4 بيهقي.

(2)

انظر ص 491 ج 1 نصب الراية.

(3)

انظر ص 66 ج 8 نووي. وص 277 ج 1 - ابن ماجه. وص 235 ج 10 المنهل العذب المورود (أين يكون الاعتكاف؟ ).

ص: 538

ولم يثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتكف في غير المسجد (وقال) مالك: يصح الاعتكاف في كل مسجد ولا يشترط أن يكون جامعاً إلا لمن تجب عليه الجمعة زمن اعتكافه "ابتداء" كمن نذر اعتكاف ثمانية أيام فأكثر "أو انتهاء" كمن نذر أربعة أولها السبت فمرض بعد يومين وصح يوم الخميس فيلزمه الاعتكاف في الجامع بمكان تصح فيه الجمعة اختياراً. ولا يصح في رحبته وطرقه المتصلة لأنها لا تجوز الجمعة فيها إلا لضرورة الضيق. وإن اعتكف من تلزمه الجمعة في غير الجامع وقد نذر أو نوى أياماً تدركه فيها الجمعة خرج لها وجوباً وبطل اعتكافه ويقضيه. فإن لم يخرج إثم وصح اعتكافه إلا أن يترك الجمعة ثلاث مرات متوالية فيجري على الخلاف في الكبائر هل تبطل الاعتكاف؟ فتركها مرة بلا عذر صغيرة خلافاً لأصبغ، وتركها ثلاثاً كبيرة (1) (قالت) الشافعية: لا اعتكاف إلا في المسجد والأفضل أن يكون في المسجد الجامع ولا يعتكف في غيره إذا كان اعتكافه بتخلله جمعة. أما المرأة فلها أن تعتكف في المسجد وإن لم تقم فيه الجماعة وليس لها أن تعتكف في بيتها عند مالك والشافعي وأحمد (وقال) الحنفيون: لها الاعتكاف في مسجد بينهما وهو افضل لأن صلاتها فيه أفضل. بل يتعين العمل به في هذا العصر الذي عمت فيه الفتن وانتشر الفساد وخلع في برقع الحياة وإذا اعتكف في المسجد استحب لها أن تستر بشيء لأن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم لما أردن الاعتكاف أمرن بأخبيتهن فضربن في المسجد ولأن المسجد يحضره الرجال.

وخير لهم وللنساء أن لا يرونهن ولا يرينهم ولا بأس أن يستتر الرجل أيضاً فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بخبائه فضرب ولأنه أستر له وأخفى لعمله (قال) أبو سعيد الخدري: اعتكف النبي صلى الله عليه وسلم فسمعهم

(1) انظر ص 661 ج 1 الفجر المنير.

ص: 539

يجهرون بالقراءة وهو في قبلة له فكشف الستور وقال: "ألا إن كلكم مناج ربه فلا يؤذين بعضكم بعضاً، ولا يرفعن بعضكم على بعض بالقراءة أو قال في الصلاة" أخرجه أحمد والنسائي وصححه النووي (1){254}

(فائدة) سطح المسجد كالمسجد في الاعتكاف وغيره اتفاقاً (وكذا) رحبته منه عند الحنفيين والشافعي ورواية عن أحمد وعنه أنها ليست منه فليس للمعتكف الخروج إليها، وهو قول مالك (والمنارة) التي في الرحبة يجوز للمؤذن وغيره صعودها ولا يبطل الاعتكاف بصعودها (ولها) أربع أحوال (إحداها) أن تكون مبنية داخل المسجد فيستحب الأذان فيها لأنه طاعة (الثانية) أن تكون في رحبته فالحكم فيها كذلك، لأن الرحبة من المسجد ولو اعتكف فيها صح اعتكافه على ما تقدم (الثالثة) أن تكون خارج المسجد ورحبته إلا أنها متصلة به ولها باب إليه فله أن يؤذن فيها لأنها متصلة به (الرابعة) أن تكون خارج المسجد غير متصلة به ففيها خلاف (2). (السابع) يشترط لصحة الاعتكاف مطلقاً الصوم عند مالك وروي عن أحمد. وهو شرط في صحة على أن اعتكف الواجب دون غيره في ظاهر الرواية عند الحنفيين حتى لو قال الله عليّ أن اعتكف يوماً بلا صوم لزمه الاعتكاف والصوم (وعن) الحسن بن زياد أن الصوم شرط للاعتكاف مطلقاً. ورجحه الكمال بن الهمام (لقول) عائشة رضي الله عنها: "السنة على المعتكف ألا يعود مريضاً ولا يشهد جنازة ولا يمس امرأة ولا يباشرها ولا يخرج لحاجة إلا لما

(1) انظر ص 202 ج 1 الفتح الرباني (والمناجي) المحدث وسمي المصلي مناجياً ربه لأنه يخاطبه بقوله: إياك نعبد وإياك نستعين والله تعالى يعلم السر وأخفى فلا داعي للجهر المشوش.

(2)

انظر ص 507 ج 6 مجموع النووي.

ص: 540

لابد منه ولا اعتكاف إلا بصوم ولا اعتكاف إلا في مسجد جامع" أخرجه البيهقي وأبو داود (1){255}

(وعن) ابن عمر أن عمر رضي الله عنه جعل عليه أن يعتكف في الجاهلية ليلة أو يوماً عند الكعبة، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال:"اعتكف وصم" أخرجه أبو داود والبيهقي. وفيه عبد الله بن بديل، ضعفه الدارقطني، واثنى عليه غيره. قال ابن معين وأبو حفص في الثقات: مكي صالح وذكره ابن حبان في الثقات (2){256}

وزيادة الثقة مقبولة، وقد روي لزوم الصوم للمعتكف عن ابن عباس وعائشة وغيرهما. (روي) الحكم عن مقسم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: من اعتكف فعليه الصوم. (وروي) عطاء عن عائشة قالت: من اعتكف فعليه الصوم (3). (وعن) عطاء عن ابن عباس وابن عمر أنهما قالا: المعتكف يصوم أخرجه البيهقي (4). (وعن) القاسم بن محمد ونافع مولى ابن عمر قالا: لا اعتكاف إلا بصيام، لقوله تعالى:"ثم أتموا الصيام إلى الليل ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد" فذكر تعالى الاعتكاف مع الصيام. أخرجه مالك في الموطأ وقال: والأمر على ذلك عندنا أنه لا اعتكاف إلا بصيام (5).

(وقال) الشافعي: الصوم ليس شرطاً لصحة الاعتكاف بل يصح اعتكاف لحظة لأنه يصح اعتكاف لحظة واحدة على ما تقدم وهو مشهور

(1) انظر ص 321 ج 4 بيهقي، وص 246 ج 10 المنهل العذب المورود.، (المعتكف يعود المريض).

(2)

انظر ص 252 ج 10 - المنهل العذب المورود. وص 316 ج 4 بيهقي (المعتكف يصوم).

(3)

انظر ص 488 ج 2 نصب الراية.

(4)

انظر ص 318 ج 4 بيهقي.

(5)

انظر ص 130 ج 2 زرقاني الموطأ (ما لا يجوز الاعتكاف إلا به).

ص: 541

مذهب أحمد (لحديث) ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ليس على المعتكف صيام إلا أن يجعله على نفسه" أخرجه البيهقي وقال تفرد به عبد الله بن محمد بن نصر وأخرجه الحاكم وصححه وتصحيحه غير مسلم لأنه لم يرفعه غير عبد الله بن محمد وهو مجهول الحال (1). {257}

وعليه فالراجح القول باشتراط الصوم في الاعتكاف ولو تطوعاً (قال) ابن القيم: ولم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه اعتكف مفطراً قط، بل قالت عائشة رضي الله عنها: لا اعتكاف إلا بصوم ولم يذكر الله سبحانه وتعالى الاعتكاف إلا مع الصوم فالقول الراجح في الدليل الذي عليه جمهور السلف أن الصوم شرط في الاعتكاف (2).

(هذا) والخلاف في لزوم صوم المعتكف المتطوع وعمده مبني على الخلاف في أن اعتكاف التطوع مقدر بيوم أولاً على ما تقدم فمن قال إنه مقدر وهم الجمهور اشترط الصوم ومن قال: إنه غير مقدر لم يشترطه (قال) ابن قدامة: إذا قلنا إن الصوم شرط لم يصح اعتكاف ليلة مفردة ولا بعض يوم ولا ليلة وبعض يوم لأن الصوم المشترط لا يصح في أقل من يوم ويحتمل أن يصح في بعض اليوم إذا صام اليوم كله لأن الصوم المشروط وجد في زمن الاعتكاف ولا يعتبر وجود المشروط في زمن الشرط كله (3)

(4)

وقت الدخول في المعتكف: من نوى اعتكاف يوم وليلة أو أكثر يدخل معتكفة قبل غروب الشمس عند الجمهور والأئمة الأربعة (لحديث) أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن

(1) انظر ص 318 ج 4 بيهقي وص 439 ج 1 مستدرك.

(2)

انظر ص 171 ج 1 زاد المعاد (هديه صلى الله عليه وسلم في الاعتكاف).

(3)

انظر ص 122 ج 3 مغنى ابن قدامة.

ص: 542

النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف في العشر الأوسط من رمضان فاعتكف عاماً حتى إذا كان ليلة إحدى وعشرين- وهي الليلة التي يخرج من صبيحتها من اعتكافه - قال: من كان اعتكف معي فليعتكف العشر الأواخر" أخرجه البخاري (1){258}

وجه الدلالة أن العشر بدون هاء اسم لعدد الليالي وأول الليالي العشر ليلة إحدى وعشرين (وقال) الأوزاعي والثوري والليث بن سعد: يدخل معتكفه بعد صلاة الصبح (لحديث) عمرة عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يعتكف صلى الفجر ثم دخل معتكفه. وإنه أراد مرة أن يعتكف في العشر الأواخر من رمضان فأمر ببنائه فضرب" (الحديث) أخرجه أحمد ومسلم وابن ماجه وأبو داود (2){259}

(وأجاب) الأولون عنه بأن النبي صلى الله عليه وسلم دخل المسجد أول الليل معتكفاً ولكنه لم يدخل المكان الذي أعدة للاعتكاف إلا بعد صلاة الصبح.

(5)

ما يستحب للمعتكف: يستحب له الاشتغال بالصلاة وتلاوة القرآن وذكر الله تعالى ونحو ذلك من الطاعات المحضة. والذكر يشمل التسبيح والتهليل والتحميد والكبير والاستغفار والحوقلة والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم الدعاء والتفكر في آيات الله تعالى. والطواف بالكعبة ودخولها في معنى الصلاة وكذا يستحب له

(1) انظر ص 114 ج 4 فتح الباري (الاعتكاف في العشر الأواخر).

(2)

انظر ص 246 ج 10 - الفتح الرباني (وقت الدخول في المعتكف). وص 68 ج 8 نووي. وص 276 ج 1 ابن ماجه وص 231 ج 10 - المنهل العذب المورود (فأمر ببنائه فضرب) أي أمر بخيمته التي فيها فنضبت.

ص: 543

عند الحنفيين والشافعية استذكار الحديث ودراسة العلم وسير الأنبياء والصالحين وكتابة أحكام الدين وغير ذلك من القرب وهو رواية عن أحمد (وقالت) المالكية: يكره اشتغاله بقربة غير ذكر الله تعالى والصلاة والتلاوة وهو رواية عن أحمد وإنما كره الاشتغال بالعلم- غير العيني- غير أنه أفضل من صلاة النافلة، لأن المقصود من الاعتكاف صفاء القلب ورياضة النفس وهو إنما يحصل غالباً بالذكر والصلاة لا بالاشتغال بالعلم. وكذا يكره عند مالك كتابة قرآن إن كثر ولا بأس باليسير وإن كان تركه أولى وكذا يكره صلاته على جنازة وإن وضعت بقربه أو كانت لجار أو صالح، لكونها مظنة الاشتغال مع الناس. وكذا يكره مشي لأذان على منار أو سطح أو غيرهما، لأنه كالخروج من المسجد. فإن أذن في موضعه أو بقربه جاز. وكذا يكره المشي للإقامة ولعيادة مريض بالمسجد إلا أن يكون قريباً منه فلا بأس أن يسلم عليه ولا يقوم ليعزي أو يهني (1)(وندب) مكث في المسجد ليلة العيد لمعتكف عشر رمضان الأواخر ليمضي من معتكفه إلى المصلي لو صل عبادة، وكذا لو اعتكف أقل من العشر وكان آخر اعتكافه آخر يوم من رمضان فيندب له المكث ليلة العيد فإن كانت ليلة العيد أثناء اعتكافه فهل يجب عليه المكث أولاً؟ لأنه لا يصوم صبيحة تلك الليلة. والراجح الأول.

لكن إن خرج ليلة العيد أو يومه إثم ولا يبطل اعتكافه مراعاة للمقابل (وندب) مكثه بآخر المسجد ليبعد عمن يشغله بالحديث (وندب) الاعتكاف برمضان لكونه سيد الشهور (وندب) أن يكون بالعشر الأخير منه لمصادفة ليلة القدر الغالب وجودها في رمضان أو في العشر الأخير منه (2).

(1) انظر ص 667 ج 1 - الفجر المنير.

(2)

انظر ص 669 ج 1 منه.

ص: 544

(6)

ما يباح للمعتكف: يباح له أمور المذكور هنا ثمانية:

(أ) استخدام زوجته في غسل رأسه وتسريح شعره وإخراج بعض بدنه من المسجد لهذا الغرض (لقول) عائشة رضي الله عنها: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجاور في المسجد فيصغي إليّ رأسه فأرجله وأنا حائض" أخرجه أحمد وفي رواية: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتكف فيخرج إليّ رأسه من المسجد فأغسله وأنا حائض (1). {260}

(ب) ويجوز للمعتكف التنظف والغسل والحلق والتزين إلحاقاً بالترجل ولا يكره له إلا ما يكره في المسجد (قال) الخطابي: في حديث عائشة أن ترجيل الشعر مباح للمعتكف وفي معناه حلق الرأس وتقليم الأظفار وتنظيف الأبدان من الشعث والدرن (2) وللرجل أن يتطيب ويلبس الرفيع من الثياب وليس ذلك بمستحب (قال) أحمد: لا يعجبني أن يتطيب لأن الاعتكاف عبادة تختص مكاناً ترك الطيب فيها مشروعاً كالحج وليس ذلك بمحرم لأنه لا يحرم اللباس ولا النكاح فأشبه الصوم (3).

ولا يجوز للمرأة المعتكفة في المسجد التطيب لأنه داعية إلى تعلق قلوب الرجال بها في المسجد (4)(جـ) ويباح عند الجمهور للمعتكف وغيره الوضوء في المسجد إلا أن

(1) انظر ص 251 ج 10 - الفتح الرباني (ما يجوز فعله للمعتكف) و (يجاور) أي يعتكف (فأرجله) بشد الجيم أي أسرحه.

(2)

انظر ص 140 ج 2 معالم السنن.

(3)

انظر ص 151 ج 4 مغنى ابن قدامة.

(4)

انظر ص 668 ج 1 - الفجر المنير.

ص: 545

يقذره أو يتأذى به الناس فإنه يكره (وعن) مالك أنه مكروه تنزيهاً للمسجد (وقال) الحنفيون يكره التوضؤ فيه إلا في موضع أعدّ لذلك (وعن) أحمد روايتان (إحداهما) لا يكره لقول أبي العالية حدثني من كان يخدم النبي صلى الله عليه وسلم قال: "توضأ النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد وضوءاً خفيفاً" أخرجه أحمد والبيهقي (1){261}

(والأخرى) يكره لأنه يبل من المسجد مكاناً يمنع المصلين من الصلاة فيه ولا يسلم من أن يبصق في المسجد أو يتمخط وإن خرج من المسجد للوضوء وكان تجديداً بطل اعتكافه لأنه خروج لما له منه بد وإن كان وضوءاً من حدث لم يبطل لأن الحاجة داعية إليه (2).

(د) ويباح للمعتكف عقد النكاح ومراجعة امرأته في المسجد اتفاقاً، لأن الاعتكاف عبادة لا تحرم الطيب فلم يحرم النكاح كالصوم ولأن النكاح طاعة وحضوره قربة ومدته لا تتطاول فيتشاغل به عن الاعتكاف فلم يكره فيه كتشميت العاطس ورد السلام (3).

(هـ) ويباح للمعتكف عقد البيع والشراء المحتاج إليه في المسجد بلا إحضار السلع فإنه مكروه تحريماً، لما فيه من شغل المسجد وجعله كالدكان وكذا يكره له تحريماً- عند الحنفيين وأحمد وعلى الصحيح عند الشافعي- عقد البيع والشراء لغير الحاجة الأصلية كالتجارة، لأنه منقطع إلى طاعة الله تعالى فلا يشتغل بأمور الدنيا (روي) عمرو بن شعيب عن أبيه عن ابن عمرو قال: "نهى النبي

(1) انظر ص 372 ص 4 بيهقي (من توضأ في المسجد).

(2)

انظر ص 151 ج 3 مغنى ابن قدامة.

(3)

انظر ص 151 ج 3 مغنى ابن قدامة.

ص: 546

صلى الله عليه وسلم عن الشراء والبيع في المسجد" (الحديث) أخرجه أحمد والأربعة وحسنه الترمذي (1). {262}

(وعن) الشافعي أنه يجوز للمعتكف أن يبيع ويشتري ولا يكثر منه فإن أكثر كره (وقال) مالك: يكره للمعتكف البيع والشراء في المسجد. ولو كان محتاجاً لشراء قوته خرج لشرائه (رأى) عمران القصير رجلاً يبيع في المسجد فقال يا هذا إن هذا سوق الآخرة. فإن أردت البيع فاخرج إلى سوق الدنيا. وإذا منع من البيع والشراء في غير حال الاعتكاف ففيه أولى (فأما) الصنعة فلا يجوز منها ما يكتسب به لأنه بمنزلة التجارة بالبيع والشراء ويجوز ما يحتاج إليه من ذلك إذا كان يسيراً مثل أن ينشق قميصه فيخيطه أو ينحل شيء يحتاج إلى ربط فيربطه لأن هذا يسير تدعو الحاجة إليه فجرى مجرى ليس قميصه وعمامته وخلعهما (2).

(و) ويباح للمعتكف الأكل والشرب في المسجد اتفاقاً على وجه لا يؤدي إلى تقذير المسجد أو تضييقه على مصل (وقالت) المالكية: يكره أكل المعتكف بفناء المسجد أو رحبته فإن أكل خارجاً عما ذكر بطل اعتكافه، لأنه مشى في غير عمل الاعتكاف والمطلوب أن يأكل فيه على حدة أو في المنارة ويغلق عليه (3)(ويجوز) للمعتكف وغيره أن يضع المائدة في المسجد ويغسل يده بحيث لا يتأذى بغسالته أحد وغن غسلها في الطست فهو أفضل ويستحب للآكل

(1) انظر ص 64 ج 3 - الفتح الرباني (ما تضان عنه المساجد) وص 232 ج 1 المنهل العذب المورود (التحلق يوم الجملة قبل الصلاة) وص 117 ج 1 مجتبي. وص 267 ج 1 تحفة الأحوذي. وص 131 ح 1 ابن ماجه.

(2)

انظر ص 148 ج 3 مغنى ابن قدامة.

(3)

انظر ص 666 ج 1 - الفجر المنير.

ص: 547

أن يضع سفرة ومحوها ليكون أنظف للمسجد وأصون (1) ولا يجوز أن مخرج لغسيل يده لأن له من ذلك أبداً.

(ز) ويباح للمعتكف الكلام للحاجة وتوديع زائره وزيارة امرأته له (لقول) صفيه: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم معتكفاً فأتيته أزوره ليلاً فحدثته ثم قمت فانقلبت فقام معي يقلني فمر رجلان من الأنصار فلما رأيا النبي صلى الله عليه وسلم أسرعا. فقال النبي صلى الله عليه وسلم على رسلكما إنها صفية بنت حيي. قالا: سبحان الله يا رسول الله فقال: "إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شراً أو قال شيئاً" أخرجه البيهقي والسبعة إلا الترمذي (2). {263}

(ح) ويجوز للمعتكف- عند غير المالكية- دخول بيته لحاجة الإنسان التي لابد منها كالبول والغائط وغسل الجنابة (وقالت المالكية: يكره دخوله محل أهله كزوجة- لئلا يطرأ عليه ما يفسد اعتكافه- ولو كان دخوله لحاجة من بول أو غائط فإن لم يكن به أهله لم يكره كما إذا كان أهله في علو المنزل ودخل هو أسفله والمراد محل أهله القريب من المسجد. أما البعيد فيبطل اعتكافه بدخوله إن أمكن غيره (3).

(1) انظر ص 534 ج 6 مجموع النووي.

(2)

انظر ص 321 ج 4 بيهقي. وص 253 ج 10 الفتح الرباني (ما يجوز للمعتكف فعله) وص 197 ج 4 فتح الباري (هل يخرج المعتكف لحوائجه إلى باب المسجد؟ ) وص 156 ج 14 نووي، وص 243 ج 1 - المنهل العذب المورود، وص 278 ج 1 - ابن ماجه (فانقلبت) أي أردت الرجوع إلى بيتي و (يقلني) - بفتح فسكون- أي يردني إلى منزلي. و (إن الشيطان يجري .. ) وفي رواية للبخاري: يبلغ. وقد قيل: هو على ظاهره وان الله تعالى أقدره على ذلك (وقيل) هو على سبيل الاستعارة من كثرة وسوسته وكأنه لا يفارقه كالدم فاشتركا في شدة الاتصال وعدم المفارقة (انظر ص 199 ج 4 فتح الباري.

(3)

انظر ص 666 ج 1 - الفجر المنير وفيه (فإن قيل) لم كره دخوله منزل أهله مع أنه يجوز مجيء زوجته إليه وأكلها معه وحديثها له؟ (يجاب) بأن المسجد وازع وزاجر لهما ولا وازع في المنزل.

ص: 548

(7)

خروج المعتكف: لا يخرج المعتكف من معتكفه ليلاً أو نهاراً إلا لو أحد من أمور ثمانية: (الأول) حاجة طبيعية كبول أو غائط وإزالة نجاسة واغتسال من جنابة باحتلام (الثاني) حاجة ضرورية كانهدام المسجد وإخراج ظالم له كرهاً وخوف على نفسه أو ماله من ظالم فلا يفسد اعتكافه بخروجه لذلك اتفاقاً (لقول) عائشة: "وإن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليدخل عليّ رأسه وهو في المسجد فأرجله، وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة الإنسان إلا إذا أراد الوضوء وهو معتكف" أخرجه أحمد (1){264}

(قال) ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن للمعتكف أن يخرج من معتكفه للغائط والبول لأن هذا مما لابد منه ولا يمكن فعله في المسجد وفي معناه الحاجة إلى المأكول والمشروب إذا لم يكن له من يأتيه به فله الخروج إليه وإن بغته القيء فله أن يخرج ليتقابأ خارج المسجد وكل ما لابد منه ولا يمكن فعله الخروج إليه ولا يفسدا اعتكافه ما لم يطل (2)(الثالث) حاجة شرعية كصلاة جمعة وعيد فيخرج في وقت يمكنه إدراك الجمعة مع الإمام ويصلي بعدها السنة أو ستاً ولو أتم اعتكافه في مسجد الجمعة صح مع الكراهة التنزيهية لمخالفته ما التزمه بلا ضرورة

(1) انظر ص 252 ج 10 الفتح الرباني (ما يجوز فعله للمعتكف) و (إلا إذا أراد الوضوء) إلا بمعنى أو والمعنى: وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة الإنسان من بول أو غائط أو غسل أو إذا أراد الوضوء لأن المساجد لم يكن بها حينئذ ماء للوضوء.

(2)

انظر ص 132 ج 3 مغنى ابن قدامة.

ص: 549

(وقالت) المالكية والشافعية: لا يعتكف في غير المسجد الجامع إذا كان اعتكافه المنذور يتخلله جمعة فإن اعتكف في غيره وخرج للجمعة ونحوها، بطل اعتكافه (الرابع والخامس) الحيض والنفاس: فإذا حاضت المعتكفة أو نفست، لزمها الخروج من المسجد إلى البيت - عند الأئمة الأربعة- أو إلى رحبة المسجد عند مالك. وهو رواية عن أحمد (لقول) عائشة: جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ووجوه بيوت أصحابه شارعة في المسجد فقال: وجهوا هذه البيوت عن المسجد فإني لا أحل المسجد لحائض ولا لجنب" أخرجه أبو داود والبخاري في التاريخ وصححه ابن خزيمة وحسنه ابن القطان (1). {265}

ويفسد اعتكافها كما تقدم وإن انقطع الحيض تعود إلى معتكفها.

(السادس) العدة: وإذا لزم المعتكفة عدة وفاة أو فراق لزمها الخروج لقضاء العدة في بيت الزوج عند الشافعي وأحمد (وقال) مالك: لا تخرج حتى يتم اعتكافها لأن الاعتكاف المنذور واجب والاعتداد في البيت واجب فقد تعارض واجبان فيقدم أسبقهما (2) وإذا خرجت للعدة هل يبطل اعتكافها؟ فيه طريقان: (أصحهما) لا يبطل حتى إذا نذرت متتابعاً أكملت العدة ثم عادت إلى المسجد وبنت على ما مضى وإذا لزمها الخروج للعدة فمكثت في الاعتكاف ولم تخرج عصت وأجزأها الاعتكاف (3).

(1) انظر ص 309 ج 3 - المنهل العذب المورود (الجنب يدخل المسجد) وتقدم رقم 563 ص 370 ج 1 - الدين الخالص طبعة ثانية و (شارعة) أي أبوابها مفتحة فيه (وحسنه) قال ابن سيد الناس: إن التحسين لأقل مراتبه لثقة رواته. فلا حجة لابن حزم في رده.

(2)

انظر ص 152 ج 3 مغنى ابن قدامة.

(3)

انظر ص 516 ج 6 مجموع النووي.

ص: 550

(السابع والثامن) العيادة وصلاة الجنازة- فيجوز للمعتكف إعتكافاً مستحباً الخروج من معتكفه لعيادة مريض وصلاة جنازة لأن كلاً مما ذكر تطوع. والأفضل عدم الخروج- إن لم يتعين عليه- للجنازة. وإن خرج لما لابد منه فسأل عن المريض في طريقة ولم يعرج عليه جاز ولم يبطل اعتكافه. فإن وقف بطل اعتكافه (قالت) عائشة رضي الله عنها: إن كنت لأدخل البيت للحاجة والمريض فيه فما أسأل عنه إلا وأنا مارة (الحديث) أخرجه مسلم وابن ماجه (1) ولا يفسد إعتكاف التطوع- في ظاهر الرواية عند الحنفيين- بالخروج بغير عذر كالخروج لعيادة المريض وتشييع الجنازة، بناء على أن اعتكاف التطوع غير مقدر فله أن يعتكف ساعة من نهار أو نصف يوم أو ما شاء من قليل أو كثير أو يخرج فيكون معتكفاً ما أقام تاركاً ما خرج. ويفسد بما ذكر عند مالك والحسن بن زياد والشافعي وأحمد بناء على أنه مقدر بيوم كالصوم (2)(أما) المعتكف اعتكافاً منذوراً أو مؤكداً فلا يخرج لعيادة مريض ولا لصلاة جنازة، لأنه لا ضرورة إلى الخروج لأن عيادة المريض من الفضائل وصلاة الجنازة فرض كفاية تسقط عنه بقيام الباقين بها فلا يجوز إبطال الاعتكاف لأجلها.

(ولما تقدم) عن عائشة قالت: السنة على المعتكف ألا يعود مريضاً ولا يشهد جنازة (3) يعني أنه لا يخرج من معتكفه قاصداً عيادة مريض أو صلاة جنازة.

(1) انظر ص 208 ج 3 نووي. وص 277 ج 1 ابن ماجه (المعتكف يعود المريض

).

(2)

انظر ص 115 ج 2 بدائع الصنائع.

(3)

تقدم رقم 255 ص 541 (شروط الاعتكاف)

ص: 551

(وبهذا) قالت الأئمة الثلاثة وهو الصحيح عن أحمد والمشهور عنه أنه لا يخرج لذلك إلا أن اشتراطه (وحاصل) مذهب المالكية أنه لا يجوز للمعتكف أن يخرج لعيادة المريض ولا لتشييع الجنازة ولا للصلاة عليها ولو تعينت فإن خرج بطل اعتكافه ولو مرض أحد أبويه أو هما خرج وبطل اعتكافه، لأن في عدم خروجه عقوقاً أما جنازتهما معاً فلا يخرج على مشهور المذهب وأما جنازة أحدهما فيخرج لئلا يكون عدم خروجه عقوقاً للحي منهما.

(فوائد)(أ) متى يخرج معتكف العشر الأواخر من رمضان؟ (قال) مالك وأحمد: يستحب له البقاء في المسجد حتى يخرج إلى صلاة العيد وإن خرج بعد غروب شمس آخر رمضان أجزأه (وقال) أبو حنيفة والشافعي: يخرج بعد غروب الشمس (قال) سحنون وابن الماجشون: إن رجع إلى بيته قبل صلاة العيد فسد اعتكافه. وسبب الاختلاف هل الليلة الباقية من حكم العشر أم لا؟ (1).

(ب) إذا أنذر اعتكافاً متتابعاً وشرط الخروج منه إن عرض عارض مثل مرض خفيف أو عيادة مريض أو شهود جنازة أو زيارة أو صلاة جمعة أو شرط الخروج لطلب علم أو لغرض آخر صح شرطه، وإذا قضى العمل الذي شرطه وخرج له لزمه العود والبناء على اعتكافه. فإن آخر العود بعد قضاء العمل بلا عذر بطل تتابعه ولزمه استئناف الاعتكاف ولو نذر اعتكافاً متتابعاً وقال في نذره إن عرض مانع قطعت الاعتكاف. فإذا عرض المانع الذي شرطه انقضى نذره وبرثت ذمته منه وجاز الخروج ولا رجوع عليه. ولو قال على أن اعتكف رمضان إلا أن أمرض أو أسافر فمرض أو سافر فلا شيء عليه ولا قضاء.

(1) انظر ص 222 ج 1 بداية المجتهد.

ص: 552

(جـ) إذا مات وعليه اعتكاف فهل يطعم عنه؟ (قال) مالك وأحمد: لا يطعم عنه وهو الصحيح عند الشافعي. وقال أبو حنيفة: يطعم عنه. وعن ابن عباس وعائشة وأبي ثور أنه يعتكف عنه.

(د) لو نذر أن يعتكف شهر رمضان من هذه السنة. فإن كان النذر في شوال لم ينعقد وإن كان قبله انعقد فإن لم يعتكف حتى فات رمضان، لزمه القضاء متتابعاً أو متفرقاً (1).

(8)

ما يكره للمعتكف: يكره له أربعة أمور: (أ) يكره له تحريماً الصمت بالكلية إن اعتقده قربة (لحديث) علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال: "لا يتم بعد احتلام ولا صمات يوم إلى الليل" أخرجه أبو داود بسند حسن (2). {266}

فإن سكت غير معتقد انه قربة فلا كراهة (لحديث) ابن عمرو رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من صمت نجا" أخرجه أحمد والترمذي بسند فيه ابن لهيعة. وأخرجه الطبراني بسند رجاله ثقات (3). {267}

والصمت عن الشر متعين على المعتكف وغيره (لحديث) أبي شريح الخزاعي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليحسن إلى جاره ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم

(1) انظر ص 537 - 542 ج 6 مجموع النووي.

(2)

انظر ص 81 ج 3 عون المعبود (متى ينقطع اليتم)(والصمات) بضم أوله السكوت.

(3)

انظر رقم 8819 ص 171 ج 6 فيض القدير.

ص: 553

ضيفه. ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليسكت" أخرجه أحمد ومسلم وابن ماجه (1). {268}

فإن نذر الصمت في اعتكافه أو غيره لم يلزمه الوفاء به إجماعاً لما تقدم أن أبا إسرائيل نذر أن يقوم ولا يقعد ولا يستظل ولا يتكلم ويصوم فقال النبي صلى الله عليه وسلم مره فليتكلم وليستظل وليقعد وليتم صومه (2).

(فائدة) لا يجوز لأحد أن يجعل القرآن بدلاً من الكلام لأنه استعمال له في غير ما هو له فأشبه استعمال المصحف في التوسد ونحوه وقد جاء لا تناظروا بكتاب الله، قيل معناه لا تتكلم به عند الشيء تراه كأن ترى رجلاً قد جاء في وقته فتقول: وجئت على قدر يا موسى أو نحوه (3).

(ب) يكره للمعتكف الكلام إلا بما فيه ثواب من قرآن وذكر وغيرهما من أنواع الطاعة. ويجتنب مالا يعنيه من الأقوال والأفعال ولا يكثر الكلام لأنه من كثر كلامه سقطة (روي) أبو بصرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من حسن إسلام المرء تركه مالا يعنيه أخرجه الترمذي وابن ماجه وحسنه النووي وصححه ابن عبد البر (4). {269}

ويجتنب الجدال والمراء والسباب والفحش. فإن ذلك مكروه في غير الاعتكاف ففيه أولى. ولا يبطل الاعتكاف بشيء من ذلك. ويستحب للمعتكف إذا سبه إنسان أن لا يجيبه كالصائم. فإن أجابه أو سب غيره أو جادله بغير حق، كره لم يبطل اعتكافه. ويبطل ثوابه أو ينقص (5).

(1) انظر ص 20 ج 2 نووي (إكرام الجار والضيف) وص 204 ج 2 - ابن ماجه.

(2)

تقدم رقم 206 ص 471 (ما يكره للصائم).

(3)

انظر ص 150 ج 3 مغنى ابن قدامة.

(4)

انظر رقم 8342 ص 12 ج 6 فيض القدير.

(5)

انظر ص 534 ج 6 مجموع النووي.

ص: 554

(جـ) يكره عند مالك اعتكافه وليس معه كفاية واشتغاله بغير الذكر والصلاة والتلاوة كما تقدم.

(د) يكره عنده إخراج القاضي للمعتكف لمقاضاته قبل تمام اعتكافه إن لم يكن فارا باعتكافه من دفع الحق ولم تطل مدة الاعتكاف بحيث تضر برب الحق وإلا وجب إخراجه في الحالة الأولى وبطل اعتكافه ولا كراهة في إخراجه في الثانية وإذا دعى المعتكف لتحمل شهادة إن كان اعتكافه تطوعاً ولم يتعين بالتحمل فالأولى-عند غير مالك- ألا يخرج وإن تعين عليه التحمل لزمه الخروج، لأن ذلك واجب. وإن كان اعتكافه واجباً لم يلزمه الإجابة سواء أكان متتابعاً أم لا، لأنه مشتغل بفرض فلا يلزمه قطعه. وهل يباح له الخروج؟ ينظر فإن لم يكن شرط التتابع جاز الخروج، لأنه لا يبطل بخروجه عبادته فإذا عاد بني وإن كان شرط التتابع لم يجز الخروج لأنه يبطل ما مضى من عبادته وإبطال العبادة الواجبة لا يجوز (1) (وقالت) المالكية: لا يخرج لأداء شهادة وإن تعينت عليه بل يذهب القاضي للمسجد أو تنقل عنه الشهادة لعدم تمكنه من الحضور كالمريض.

(9)

قضاء الاعتكاف: الاعتكاف مستحب وواجب (أ) فمن اعتاد اعتكاف أيام تطوعاً أو نواها ولم يدخل في الاعتكاف لعذر أو غيره يستحب له أن يقضيه اتفاقاً (لحديث) أبي بن كعب أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان فسافر سنة

(1) انظر ص 515 ج 6 مجموع النووي.

ص: 555

فلم يعتكف فلما كان في العالم المقبل اعتكف عشرين يوماً. أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه والبيهقي بسند جيد وصححه ابن حبان والحاكم (1). {270}

يعني أن النبي صلى الله عليه وسلم سافر سنة فلم يعتكف العشر في رمضان فاعتكف في العالم القابل عشرين يوماً عشرة قضاة عما فاته في العام السابق استحباباً وعشرة عن العام الحاضر ويحتمل أن الاعتكاف كان واجباً عليه صلى الله عليه وعلى آله وسلم نصوصه فقضاه على سبيل الوجوب.

(ومن) دخل في اعتكاف متطوعاً فله إتمامه وله الخروج منه متى شاء. وإن خرج يستحب له قضاؤه عند الشافعي وأحمد وهو ظاهر الرواية عن أبي حنيفة، لأن الاعتكاف لبث وإقامة فلا يتقدر بيوم كامل كالوقوف بعرفة وكل لبث فهو اعتكاف لا تتوقف صحته على تمام اليوم (وقال) مالك والحسن بن زياد يلزمه إتمامه فإن قطعه لأن الشروع في التطوع موجب للإتمام (2) عندهما صيانة للمؤدي عن البطلان كما في صوم التطوع وصلاة التطوع ومست الحاجة هنا إلى صيانة المؤدي لأن القدر المؤدي انعقد قربة فيحتاج إلى صيانته بالمضي فيه.

(قال) الترمذي: واختلف أهل العلم في المعتكف إذا قطع اعتكافه قبل أن يتمه على ما نوى. فقال مالك: إذا انقضى اعتكافه وجب عليه

(1) انظر ص 247 ج 10 الفتح الرباني. وص 230 ج 10 المنهل العذب المورود (الاعتكاف) وص 276 ج 1 - ابن ماجه. وص 314 ج 4 بيهقي.

(2)

(قوله الشروع في موجب الخ) مسلم لكن بقدر ما اتصل به الأداء ولما خرج فما أوجب إلا ذلك القدر، فلا يلزمه أكثر من ذلك (انظر ص 115 ج 2 بدائع الصنائع).

ص: 556

القضاء واحتجوا بالحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج من اعتكافه فاعتكف عشراً من شوال (1).

(وقال) الشافعي: إن لم يكن عليه نذر اعتكاف أو شيء أوجبه على نفسه وكان متطوعاً فخرج فليس عليه قضاه إلا أن يجب ذلك اختياراً منه قال الشافعي وكل عمل لك ألا تدخل فيه فإذا دخلت فيه وخرجت منه فليس عليك أن تقضي إلا الحج والعمرة (2) وهذا هو الحق. وقد انعقد الإجماع على أن الإنسان لو نوى الصدقة بمال مقدر فأخرج بعضه لم تلزمه الصدقة بباقيه وهو نظير الاعتكاف لأنه غير مقدر بالشرع.

(ب) يجب على من نذر اعتكافاً أو أفسده بخروج وغيره- مما تقدم في الشرط الخامس للاعتكاف (3) - أن يقضيه اتفاقاً إذا قدر على القضاء لأنه

(1) الحديث أخرجه السبعة إلا الترمذي وفي لفظ البخاري: فترك الاعتكاف ذلك الشهر ثم اعتكف عشراً من شوال انظر ص 195، 196 ج 4 فتح الباري (اعتكاف النساء) وليس فيه لفظ: خرج من اعتكافه عند واحد ممن خرجه فهو لا يدل على المدعي بل يدل على خلافه فإن النبي صلى الله عليه وسلم ترك اعتكافه ولو كان واجباً لما تركه وأزواجه تركن الاعتكاف بعد نيته وضرب أبنيتهن له ولم يوجد عذر يمنع وإنما فعله تطوعاً لأنه كان إذا عمل أثبته كما قضى السنة التي فاتته بعد الظهر وقبل الفجر فتركه له دليل على عدم الوجوب لتحريم ترك الواجب وقضاؤه لا يدل على الوجوب لأن قضاء السنة مشروع. (فإن قيل) إنما جاز تركه ولم يؤمر تاركه من النساء بقضائه لتركهن إياه، قبل الشروع. (قلنا) فقد سقط الاحتجاج لاتفاقنا على أنه لا يلزم قبل شروعه فيه فلم يكن القضاء دليلاً على الوجوب مع الاتفاق على انتفائه ولا يصح قياسه على الحج والعمرة لأن الوصول إليهما لا يحصل في الغالب إلا بمشقة شديدة واتفاق مال كثير ففي إبطالهما تضييع لماله وإبطال لأعماله الكثيرة وقد نهينا عن إضاعة المال وإبطال الأعمال. وليس في ترك الاعتكاف بعد الشروع فيه مال يضيع ولا عمل يبطل فإن ما مضى من اعتكافه لا يبطل بترك اعتكاف المستقبل (انظر ص 120 ج 3 مغنى ابن قدامة).

(2)

انظر ص 71 ج 2 تحفة الأحوذي.

(3)

تقدم ص 535 - 536.

ص: 557

إذا فسد التحق بالعدم فيحتاج إلى القضاء جبراً للفوات. ويقضى بالصوم لأنه فات مع الصوم فيقضيه معه. غير أن المنذور وإن كان اعتكاف شهر بعينه يقضي قدر ما فسد لا غير ولا يلزمه الاستقبال كالصوم المنذور في شهر بعينه إذا أفطر يوماً أنه يقضي ذلك اليوم ولا يلزمه الاستئناف كما في صوم رمضان وإذا كان اعتكاف شهر بغير عينه يلزمه الاستقبال لأنه يلزمه متتابعاً فيراعي فيه صفة التتابع وسواء فسد بصنعه بلا عذر كالحرج والجماع والأكل والشرب في النهار إلا الردة- عند الحنفيين ولا يسقط القضاء عند الثلاثة- أو فسد بصنعه لعذر كما إذا مرض فاحتاج إلى الخروج فخرج أو بغير صنعة رأساً كالحيض والجنون والإغماء الطويل، لأن القضاء يجب جبراً للفائت. والحاجة إلى الجبر متحققة في هذا كله، إلا أن سقوط القضاء في الردة- عند الحنفيين- عرف بالنص وهو قوله تعالى "قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف"(1) وقول النبي صلى الله عليه وسلم الإسلام يجب ما قبله (2).

(وإن نذر) اعتكاف شهر بعينه ففات بعضه، قضاه لا غير وإن فاته كله قضى الكل متتابعاً لأنه لما لم يعتكف حتى مضى الوقت صار الاعتكاف ديناً في ذمته فإن قدر على قضائه فلم يقضه أيس من حياته، يجب عليه أن يوصي بالفدية لكل يوم طعام مسكين لأجل الصوم لا لأجل الاعتكاف كما في قضاء رمضان. وإن قدر على البعض دون البعض فلم يعتكف فكذلك إن كان صحيحاً وقت النذر. فإن كان مريضاً وقته فذهب الوقت وهو مريض حتى مات فلا شيء عليه. وإذا نذر اعتكاف شهر بغير عينه فجميع العمر وقته وفي أي وقت أدّى كان مؤدياً لا قاضياً.

وإذا لم يؤد وأيس من حياته

(1) سورة الأنفال: آية 38.

(2)

تقدم رقم 99 ص 169 (سقوط الزكاة).

ص: 558

يجب عليه أن يوصي بالفدية كما في قضاء رمضان. فإن لم يوصي حتى مات سقط عنه في أحكام الدنيا عند الحنفيين ومالك حتى لا تؤخذ الفدية من تركته ولا تجب على الورثة إلا أن يتبرعوا بها (وقال) الشافعي وأحمد لا تسقط وتؤخذ من تركته وتعتبر من جميع المال (1).

(10)

إحياء العشر الأواخر من رمضان: يستحب فيها الاجتهاد في الطاعة وإحياؤها بالعبادة وحث الأهل والأولاد ولو صغاراً يقدرون على إحيائها (لقول) عليّ رضي الله عنه: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوقظ أهله في العشر الأواخر من رمضان وكل صغير وكبير يطيق الصلاة" أخرجه الترمذي باختصار. ورواه الطبراني في الأوسط وكذا أبو يعلي مختصراً بسند حسن. وقال الترمذي: حسن صحيح (2). {271}

وإنما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك ليصادف في هذه العشر ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر (وعن) عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم "كان إذا دخل العشر أحيا الليل وأيقظ أهله وشد المئزر" أخرجه احمد والشيخان والبيهقي وابن ماجه (3). {272}

(والمراد) بشد المئزر الاجتهاد في الطاعة زيادة على العادة (وقيل) هو كناية عن اعتزال النساء للاشتغال بالعبادة. والمراد بإحياء الليل استغراقة

(1) انظر ص 118 ج 2 بدائع الصنائع.

(2)

انظر ص 69 ج 2 تحفة الأحوذي. وص 174 ج 3 مجمع الزوائد (العشر الأواخر من رمضان).

(3)

انظر ص 246 ج 10 - الفتح الرباني وص 192 ج 4 فتح الباري (العمل في العشر الأواخر من رمضان) وص 70 ج 8 نووي. وص 313 ج 4 بيهقي. وص 276 ج 1 - ابن ماجه (والمئزر) - بكسر الميم والهمز - الإزار.

ص: 559

بالصلاة وغيرها والجد في الطاعة "وقول" بعضهم: يكره قيام الليل كله محمول على المداومة عليه. وأما قيام ليلة أو ليلتين إلى العشر فليس بمكروه، ولذا اتفقوا على استحباب إحياء ليلتي العيدين والعشر الأخير من رمضان. وفي أحاديث الباب الحث على الاهتمام بتجويد الخاتمة نسأل الله تعالى التوفيق والإكرام وحسن الختام. والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن اهتدى بهداه.

((تنبيه)) قد بينا أهم المراجع التي استعنا بها في تخريج أحاديث هذا الجزء ومراجع النصوص العلمية فانتظر بصفحتي 375، 376 من الجزء السابع من الدين الخالص.

وإلى هنا ما تم يسر الله تعالى من تنقيح وتحرير وتنسيق ما ترك السيد الوالد الشيخ محمود خطاب- عمه الله تعالى بالرحمة والإحسان- من أصول الدين الخالص والتعليق عليه مع ضبط الآيات والأحاديث وترقيمها وبيان المراجع أسأل الله ذا الكرم العميم أن يجعله خالصاً لوجهه الكريم. وأن ينقع به النفع العميم. إنه هو البر الرحيم. وقد استعنت بحول الله تعالى وقوته على إتمام قسم العبادات على النسق الذي سلكته في تنقيح الكتاب. فألفت (إرشاد الناسك. إلى أعمال المناسك) وتم طبعه وعم نفعه والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات. وأسأل الله تعالى أن يمن على من فضله بإتمام الكتاب على هذا النظام المستطاب وإكمال مقاصده على وجه يرضيه ويرضي به عن عبده الفقير إلى رعايته وإعانته وتوفيقه. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله وصحبه ومن اهتدى بهديه واقتفى بأثره، ،

11 شعبان 1970 هـ

أمين محمود خطاب

17 مايو 1951 م

من العلماء المدرسين بالجامعة الأزهرية.

ص: 560

نبذة مختصرة عن محقق هذا الكتاب

فضيلة الإمام الشيخ أمين محمود خطاب ثاني أنجال المؤلف، ولد بسبك الأحد مركز أشمون في سنة 1304 هـ/1884 م، والتحق بالأزهر فحضر على كبار شيوخه وحصل على العالمية في رجب سنة 1329 هـ/ يونية سنة 1916 م، فعين مدرساً بالمعاهد الدينية الأزهرية بالوجهين القبلي والبحري والقاهرة، ثم عين مدرساً بكلية الشريعة، ثم بكلية أصول الدين، وتتلمذ عليه عدد من الدعاة والوعاظ والعلماء.

وقد شارك في الدعوة إلى الكتاب والسنة، فكان وكيلاً للجمعية الشرعية في حياة والده، وبعد وفاته تولى إمامة أهل السنة. وعني بالبحث العلمي والتأليف فأذاع مؤلفات والده بنشرها وتحقيقها، ومنها: المنهل العذب المورود شرح سنن أبي داود فزاد فيه الأجزاء من الحادي عشر إلى الرابع عشر، وحقق كتاب الدين الخالص وأثمه بإصدار الجزء التاسع منه، وعزم على استكمال المعاملات، ولكنه توفي في سنة 1387 هـ /1968 م قبل أن يتمكن من إصدار باقي الكتاب. واقتصر على الأجزاء التسعة، فشرع فضلة نجله الورع الشيخ يوسف أمين خطاب إمام أهل السنة في إعادة طبع هذا الجزء الثامن، متمنياً أن يتم إصداره في حياته. وعندما استشعر دنو أجله ألقى على جماهير المصلين بالمسجد الكبير بالخيامية عقب صلاة الجمعة كلمة وصاهم فيها بالالتفاف حول الجمعية الشرعية وبذل غاية الجهد في سبيل إنجاح مقاصدها لتظل مؤسسة إسلامية تحمل مشعل الدعوة إلى كتاب الله وسنة رسوله الكريم. وطلب منهم متابعة طباعة هذا الجزء. ثم توفي بعد ثلاثة أيام يوم الاثنين 30 صفر 1396 هـ الموافق أول مارس 1976 م رحمه الله وطيب ثراه وجعل الجنة مثواه.

ص: 561