المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(جـ) زيارة القبور - الدين الخالص أو إرشاد الخلق إلى دين الحق - جـ ٨

[السبكي، محمود خطاب]

فهرس الكتاب

- ‌(10) محظورات القبر

- ‌(11) سؤال القبر وفتنته

- ‌(12) عذاب القبر ونعيمه وضغطته

- ‌(13) المشي بالنعلين بين القبور

- ‌(14) دفن أكثر من واحد في القبر

- ‌(15) نبش القبر

- ‌(16) نقل الميت

- ‌(17) إعداد القبر

- ‌(18) وضع الجريد على القبر

- ‌(الشهيد)

- ‌(أ) تعريفه:

- ‌(ب) تجهيز الشهيد:

- ‌(جـ) الشهيد غير المكلف:

- ‌(د) الشهيد غير الطاهر:

- ‌(هـ) كفن الشهيد:

- ‌(و) من لا يعتبر شهيدا:

- ‌يتصل بما يتعلق بالميت أربعة أصول:

- ‌(أ) التعزية

- ‌(ب) صنع الطعام لأهل الميت ومنهم

- ‌(جـ) زيارة القبور

- ‌(د) القرب تهدي إلى الميت

- ‌الزكاة

- ‌(أ) زكاة النعم

- ‌(ب) زكاة الأثمان

- ‌(جـ) زكاة العروض

- ‌(د) زكاة الزروع والثمار

- ‌(هـ) المعدن والركاز

- ‌الصيام

- ‌(1) فضل الصيام:

- ‌(2) وقت الصوم:

- ‌(3) شروط الصيام

- ‌(4) أقسام الصيام

- ‌(أ) صيام رمضان:

- ‌(ب) الصوم الفرض غير المعين

- ‌(جـ) الصوم المنهي عنه

- ‌(د) صوم التطوع

- ‌(5) آداب الصيام

- ‌(6) ما يباح للصائم

- ‌(7) ما يكره للصائم:

- ‌(8) ما لا يفسد الصوم

- ‌(9) ما يفسد الصوم

- ‌(10) الأعذار المبيحة للفطر

- ‌(11) بدع رمضان

- ‌(12) الموضوع في الصيام

- ‌(13) الاعتكاف

الفصل: ‌(جـ) زيارة القبور

في بيوت الأموات والاجتماع فيها للحكايات وتضييع الأوقات في المنهيات مع المباهاة والمفاخرات، ولا يتفكرون فيمن دفنوه في التراب تحت الأقدام ووضعوه في بيت الظلام والهوام، ولا في وحشته وضمته وهول السؤال، ولا فيما انتهى إليه الحال من الروح والريحان والنعيم، أو الضرب بمقامع الحديد والاشتعال بنار الجحيم، ولو نزل عليهم كتاب بانتهاء الموت وأنهم مخلدون بعده لقلنا إنما يفعلونه فرحا بذلك، ولكن الهوى أعماهم وأصمهم. وإن سئلوا عن ذلك أجابوا باتباع العادة والمباهاة ومحمدة الناس. فهل في ذلك خيرا؟ كلا بل هو شر وخسران وضير (1).

(جـ) زيارة القبور

يستحب زيارة القبور للرجال من غير وطء للقبر، ولا استعانة بأهلها، ولا سؤالهم شيئا ولا مس القبر ولا تقبيله ولا الطواف به، فإنه من عادة أهل الكتاب، ولم يعهد في الإسلام إلا للحجر الأسود والكعبة. ويقصد بزيارتها وجه الله تعالى وإصلاح القلب ونفع الميت بالدعاء له وما يتلى عنده، لأن زيارتها تحدث في القلب خشية وتذكرا للموت.

(وقد ورد) في هذا أحاديث: (منها) حديث عبد الله بن بريدة بن الخصيب الأسلمى عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزورها فإنها تذكركم الآخرة". وفي رواية: "فإن في زيارتها تذكرة" أخرجه أحمد ومسلم والأربعة وابن حبان والحاكم والبيهقي (2). {81}

(1) انظر ص 272 ج 8 - المنهل العذب المورود.

(2)

انظر ص 158 ج 8 - التفح الرباني (استحبابها للرجال دون النساء) وص 46 ج 7 نووي. وص 101 ج 9 - المنهل العذب المورود (زيارة القبور) وص 285 ج 1 مجتبي وص 156 ج 2 تحفة الأحوذي (الرخصة في زيارة القبور) وص 245 ج 1 - ابن ماجه. وص 76 ج 4 بيهقي.

ص: 78

(نهاهم) النبي صلى الله عليه وسلم عن زيارة القبور أولا لقرب عهدهم بالجاهلية فربما تكلموا بما اعتيد حينئذ من فحش القول. فلما انتشر الإسلام واطمأنوا به وعرفت أحكامه واشتهرت تعاليمه أمرهم النبي صلى الله عليه السلم بالزيارة مع مرعاة الآداب الشرعية، كما في حديث أبي سعيد الخدري: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها ولا تقولوا هجرا" أخرجه الشافعي وأحمد، وأخرجه الحاكم بلفظ: نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فإن فيها عبرة. وقال: حديث صحيح على شرط مسلم (1). {82}

والأمر في الحديثين للندب عند الجمهور للتعليل بعده (وقال) ابن حزم: إنه للوجوب (وعن) أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من زار قبري أبويه أو أحدهما في كل جمعة غفر له وكتب برا" أخرجه البيهقي والطبراني في الأوسط والصغير، وفي سنده عبد الكريم أبو أمية وهو ضعيف (2). {83}

(وعن) أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم زار قبر أمه فبكى وأبكى من حوله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"استأذنت ربي أن أستغفر لها فلم يؤذن لي واستأذنته أن أزور قبرها فأذن لي، فزوروا القبور فإنها تذكر الموت" أخرجه أحمد ومسلم والبيهقي والحاكم وصححه والأربعة إلا الترمذي (3). . {84}

(1) انظر ص 158 ج 8 - الفتح الرباني "والهجر" بضم فسكون" القول السوء.

(2)

انظر ص 59 ج 3 مجمع الزوائد (زيارة القبور).

(3)

انظر ص 159 ج 8 - التفح الرباني. وص 46 ج 7 نووي. وص 93 ج 9 - المنهل العذب المورود (زيارة القبور) وص 286 ج 1 مجتبي (زيارة قبر المشرك) وص 245 ج 1 - ابن ماجه (زيارة قبور المشركين) وما كان للنسائي وابن ماجه ذكر الحديث تحت هذه الترجمة وكأنهما أخذاها من المنع من الاستغفار أو من مجرد أنه الظاهر على مقتضى وجود أم النبي صلى الله عليه وسلم قبل البعثة لا من قوله: بكى وأبكى، إذ لا يلزم من البكاء عند الحضور في ذلك المحل العذاب أو الكفر بل يمكن تحققه مع النجاة والإسلام، هذا (والحق) نجاة والدي النبي صلى الله عليه وسلم لثلاثة مسالك: =

ص: 79

ولهذه الأحاديث قالت الأئمة الأربعة والجمهور: يسن للرجال زيارة القبور على الوجه المشروع حملا للأمر على الندب. (وقال) ابن حزم: زيارة

= (أ) أنهما ما بلغهما الدعوة ولا عذاب على من لم تبلغه الدعوة لقوله تعالى: "وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا" الإسراء: آية 15 - فلعل من سلك هذا المسلك يقول في تأويل الحديث: إن الاستغفار فرع تصور الذنب وذلك إنما يكون من المكلف. ومن لم تبلغه الدعوة (ب) غير مكلف فلا حاجة إلى الاستغفار له، فيمكن أن يقال: لا يشرع الاستغفار إلا لأهل الدعوة لا لغيرهم وإن كانوا ناجين.

وأما من يقول: إنهما أحييا للنبي صلى الله عليه وسلم فآمنا به فيحمل الحديث على أنه كان قبل الإحياء.

(جـ) وأما من يقول إن الله تعالى يوفقهما للخير والامتثال عند الامتحان يوم القيامة فيقول: لا داعي للاستغفار لهما قطعا. فاتضح وجه الحديث على جميع المسالك (انظر ص 286 ج 1 السندي على المجتبي).

هذا: وأم النبي صلى الله عليه وسلم هي آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة. توفيت وهو ابن ست سنين بالأبواء فهي من أهل الفترة.

(وقد) اتفق العلماء على أن من مات قبل البعثة ولم تبلغه الدعوة يموت ناجيا. وإنما بكى النبي صلى الله عليه وسلم لتذكر الآخرة وعدم إدراك أمه أيامه. هذا وقد ورد أدلة كثيرة صريحة في أن آباءه صلى الله عليه وسلم ناجحون (منها) حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: بعثت من خير قرون بني آدم قرنا فقرنا حتى كنت من القرن الذي كنت منه. أخرجه البخاري (أنظر ص 370 ج 6 فتح الباري- صفة النبي صلى الله عليه وسلم والمراد بالقرن السيد وآباء الرجل.

و(حديث) واثلة بن الأسقع أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله اصطفى من ولد إبراهيم وإسماعيل واصطفى من ولد إسماعيل بني كنانة واصطفى من بين كنانة قريشا واصطفى من قريش بني هاشم واصطفاني من بني هاشم. أخرجه مسلم والترمذي وقال حديث حسن صحيح وهذا لفظه (انظر ص 36 ج 15 نووي مسلم- فضل نسب النبي صلى الله عليه وسلم وص 292 ج 4 تحفة الأحوذى (فضل النبي صلى الله عليه وسلم ومن المعلوم أن الخيرية والاصطفاء من الله تعالى والأفضلية عنده لا تكون مع الشرك (انظر ص 416 ج 2 - الحاوي للفتاوي للسيوطي).

(وقد) روى عن أبويه صلى الله عليه وسلم ما هو صريح في توحيدهما واعترافهما بدين سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام وبعثة النبي صلى الله عليه وسلم.

(روى) الزهري عن أم سماعة بنت أبي رهم عن أمها قالت: شهدت آمنة أم النبي صلى الله عليه وسلم في علتها التي ماتت بها ومحمد - غلام يقع (مرتفع) له خمس سنين- عند رأسها فنظرت إلى وجهه ثم قالت: =

ص: 80

القبور واجبة ولو مرة في العمر للأمر على الوجوب. ثم الكلام هنا ينحصر في أربعة مباحث:

= بارك فيك الله من غلام

يا بن الذي من حومة الحمام (الموت)

نجا بعون الملك العلام

فودى غداة الضرب بالسهام

بمائة من إبل سوام

إن صح ما أبصرت في المنام

فأنت مبعوث لدى الأنام

تبعث في الحل وفي الحرام

تبعث بالتحقيق والإسلام

دين أبيك البر إبراهيم

فالله أنهاك عن الأصنام

أن لا تواليها مع الأقوام

ثم قالت: كل حي ميت وكل جديد بال وكل كبير يفني وأنا ميتة وذكرى باق. وقد تركت خيرا وولدت طهرا. ثم ماتت فكنا نسمع نوح الجن عليها، فحفظنا من ذلك:

نبكي الفتاة البرة الأمينة

ذات الجمال العفة الرزينة

زوجة عبد الله والقرينة

أم نبي الله ذي السكينة

وصاحب المنبر بالمدينة

صارت لدى حفرتها رهينة

أخرجه أبو نعيم في دلائل النبوة بسند ضعيف (أنظر ص 429 ج 2 - الحاوي). فهذا صريح في أنها موحدة إذ ذكرت دين إبراهيم وبعث أبنها عليهما الصلاة والسلام ونهيها له عن الأصنام وموالاتها (وقد نقل) عن أبيه عبد الله ما يدل على توحيده وإيمانه وخوفه من الله وإيمانه بالشرائع القديمة. من ذلك قوله حين عرضت امرأة نفسها عليه:

أما الحرام فالمهات دونه

والحل لا حل فأستبينه

يحمي الكريم عرضه ودينه

فكيف بالأمر الذي تبغينه

هذا مع ما كان عليه من كمال العفة، فقد افتتن به النساء ولم ينلن منه شيئا (وأما) حديث أنس أن رجلا قال: يا رسول الله أين أبي؟ قال: في النار. فلما قفى دعاه فقال: إن أبي وأباك في النار. أخرجه مسلم (أنظر ص 79 ج 3 نووي - من مات على الكفر فهو في النار)"فهو" من رواية حماد بن سلمة عن ثابت، وقد خالفه معمر بن راشد عن ثابت فلم يذكر: إن أبي وأباك في النار، وإنما قال: إذا مررت بقبر كافر فبشره بالنار. ولا دلالة في هذا على أن والده صلى الله عليه وسلم في النار. وحديث معمر أصح فإنه أثبت من حماد لأن حمادا تكلم في حفظه وفي أحاديثه مناكير. ولذا لم يخرج له البخاري شيئا ولا خرج له مسلم في الأصول إلا من روايته عن ثابت، وأما معمر فلم يتكلم في حفظه ولا استنكر شيء من حديثه واتفق الشيخان على التخريج له =

ص: 81

(1)

كيفية الزيارة:

يسن أن يخرج الزائر متواضعا مراقبا الله تعالى، معتبرا بمن تقدمه من الموتى، قاصدا وجه الله تعالى، ونفع الميت بالسلام عليه والدعاء له. فإذا وصل

= فكان حديثه أثبت. ويقويه حديث الزهري عن عامر بن سعد عن أبيه سعد بن أبي وقاص أن أعرابيا قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أين أبي؟ قال: في النار. قال: فأين أبوك؟ قال: حيثما مررت بقبر كافر فبشره بالنار. أخرجه البزار والطبراني والبيهقي بسند على شرط الشيخين (أنظر ص 434 ج 2 - الحاوي للفتاوي).

(هذا) ولو فرض اتفاق الرواة على اللفظ الأول كان معارضا بما تقدم من الأدلة. والحديث الصحيح إذا عارضه أدلة أخرى هي أرجح منه وجب تأويله وتقديم تلك الأدلة عليه (أنظر ص 436 ج 2 حاوي) وعليه فلو صحت رواية حماد بن سلمة "فالمراد" بقوله صلى الله عليه وسلم: إن أبي "أبو طالب" على حد قوله تعالى: "وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر" فقد كان عمه على المشهور. أو يراد بالنار نار الاختبار التي يؤمر بدخولها أهل الفترة ومن لم تبلغهم الدعوة. فمن دخلها كانت عليه بردا وسلاما، ومن أبى خلد في نار الجحيم.

(روى) الأسود بن سريع أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أربعة يحتجون يوم القيامة: رجل أصم لا يسمع شيئا ورجل أحمق ورجل هرم ورجل مات في فترة. فأما الأصم فيقول: رب لقد جاء الإسلام وما أسمع شيئا. وأما الأحمق فيقول: رب لقد جاء الإسلام والصبيان يحذفوني بالبعر. وأما الهرم فيقول: رب لقد جاء الإسلام وما أعقل شيئا. وأما الذي مات في الفترة فيقول: رب ما أتاني لك رسول. فيأخذ مواثيقهم ليطيعنه فيرسل إليهم أن ادخلوا النار فمن دخلها كانت عليه بردا وسلاما ومن لم يدخلها يسحب إليها. أخرجه أحمد وإسحاق بن راهويه والبيهقي في كتاب الاعتقاد وصححه. (أنظر ص 404 و 405 ج 2 حاوي).

هذا وليس لنا أن نقول إن أبوي النبي صلى الله عليه وسلم في النار لقوله تعالى: "إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذابا مهينا" سورة الأحزاب: آية 57 (وقد) سئل أبو بكر بن العربي عن رجل قال: إن أبا النبي صلى الله عليه وسلم في النار، فأجاب بأن من قال ذلك فهو ملعون للآية. قال: ولا أذى أعظم من أن يقال عن أبيه صلى الله عليه وسلم إنه في النار (وتمامه بص 95 وما بعدها ج 9 - المنهل العذب المورود) وفيه بعد كلام: إذا =

ص: 82

القبر قام مسلما داعيا مستقبل القبلة على المشهور عند الحنفيين بلا تمسح بالقبر ولا طواف حوله ولا دعاء صاحبه. (وقبل) يستقبل وجه الميت، وهو قول الشافعي. وكذا الكلام في زيارة النبي صلى الله عليه وسلم.

(قال) أبو الليث: لا يعرف وضع اليد على القبر سنة ولا مستحبا بل هو بدعة منكرة من عادة أهل الكتاب (1). ويستحب للزائر أن يدنو من قبر المزور بقدر ما كان يدنو من صاحبه لو كان حيا وزاره. وهو بالخيار إن شاء زار قائما وإن شاء قعد كما يزور الرجل أخاه في الحياة. ولا يستلم القبر بيده ولا يقبله.

(قال) أبو الحسن محمد الزعفراني: واستلام القبور وتقبيلها كما يفعله العوام من المبتدعات المنكرة يجب تجنبه وينهى فاعله، فمن قصد السلام على ميت

= علمت هذا تعلم أن آباه النبي صلى الله عليه وسلم ناجون إما لأنهم كانوا على ملة إبراهيم عليه الصلاة والسلام، وإما لأنهم من أهل الفترة الذين لم يبدلوا، فإن أهل الفترة ثلاثة أقسام:

(أ) من عرف الله ببصيرته وعقله فوحده بعبادته.

(ب) من لم يشرك ولم يوحد ولا دخل في شريعة نبي من الأنبياء ولا أبتكر لنفسه شريعة ولا اخترع دينا، بل بقى مدة عمره على غفلته. وهذان القسمان غير معذبين.

(جـ) من غير وبدل وأشرك وشرع لنفسه وحرم وحلل. وهذا معذب. وعليه يحمل ما ورد من الأحاديث الدالة على تعذيب بعض أهل الفترة (كحديث) أبي هريرة مرفوعا: رأيت عمرو بن عامر الخزاعي يجر قصبه (بضم فسكون أي أمعاءه) في النار. وكان أول من سيب السوائب. أخرجه الشيخان (أنظر ص 197 ج 8 فتح الباري - ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة) وص 189 ج 17 نووي (جهنم) والسوائب جمع سائبة وهي الدابة كانوا يسيبونها لآلهتهم فلا يحمل عليها شيء (والبحيرة) التي يحبس درها للأصنام فلا يحلبها أحد من الناس. وتمامه بص 99 ج 9 - المنهل العذب المورود.

(1)

انظر ص 408 شرح منية المصلي.

ص: 83

سلم عليه من قبل وجهه. وإذا أراد الدعاء تحول عن موضعه واستقبل القبلة (1).

(2) ما يقوله الزائر:

يستحب للزائر التسليم على أهل القبور والدعاء لهم بالعافية والرحمة والمغفرة وإذا كان بالوارد فما أحسنه (ومنه) ما في حديث سليمان بن بريدة عن أبيه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلمهم إذا خرجوا إلى المقابر أن يقول قائلهم: "السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، أنتم فرطنا ونحن لك تبع، ونسأل الله لنا ولكم العافية". أخرجه أحمد ومسلم والنسائي وابن ماجه والبيهقي (2). {85}

(وحديث) ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بقبور المدينة فأقبل عليهم بوجهه فقال: "السلام عليكم يا أهل القبور، يغفر الله لنا ولكم، أنتم سلفنا ونحن بالأثر" أخرجه الترمذي وحسنه (3). {86}

(وحديث) عائشة رضي الله عنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم كلما كان ليتها- يخرج من آخر الليل إلى البقيع فيقول: "السلام عليكم دار قوم مؤمنين وأتاكم ما توعدون غدا مؤجلون وإنا إن شاء الله بكم

(1) انظر ص 310 ج 5 مجموع النووي.

(2)

انظر ص 172 ج 8 - الفتح الرباني (ما يقال عند زيارة القبور) وص 45 ج 7 نووي. وص 278 ج 1 مجتبي (الأمر بالاستغفار للمؤمنين) وص 242 ج 1 - ابن ماجه (ما يقال إذا دخل المقابر) وص 79 ج 3 بيهقي. وعطف (المسلمين) على المؤمنين لاختلاف اللفظ لا لاختلاف المعنى، لأن المؤمن المنافق لا يجوز السلام عليه والترحم عليه. وذكر المشيئة للتبرك لا للتعليق لتحقق الموت. ويحتل أن التعليق بالنسبة للموت على الإيمان. و (الفرط بفتحتين: السابق.

(3)

انظر ص 156 ج 2 تحفة الأحوذي (ما يقول الرجل إذا دخل المقابر).

ص: 84

لاحقون، اللهم أغفر لأهل بقيع الغرقد" أخرجه مسلم (1). {87}

(وحديث) عائشة رضي الله عنها قالت: فقدت النبي صلى الله عليه وسلم فإذا هو بالبقيع فقال: السلام عليكم دار قوم مؤمنين، أنتم لنا فرط وإنا بكم لاحقون، اللهم لا تحرمنا أجرهم ولا تفتنا بعدهم. أخرجه ابن ماجه (2). {88}

(وقال) أنس: "مر رجل بالمقابر فقال: اللهم رب الأرواح الفانية والعظام النخرة التي خرجت من الدنيا وهي بك مؤمنة أدخل عليها روحا منك وسلاما منا، فاستغفر له من مات من لدن آدم" أخرجه ابن النجار (3).

دلت هذه الأحاديث:

(أ) على أن السلام على الموتى كالسلام على الأحياء يقدم فيه المبتدأ على الخبر وأنه يكون بأل أو التنوين، ويجوز في السلام على الموتى: عليكم السلام، بتقديم الخبر على المبتدأ (لقول) أبي جرى الهجيمي: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: "عليك السلام يا رسول الله. فقال: لا تقل عليك السلام، فإن عليك السلام تحية الموتى" أخرجه الثلاثة. وقال الترمذي: حسن صحيح (4). {89}

يعني أن هذه الصيغة تختص بالموتى. وأما السلام عليكم فمشترك (5).

(1) انظر ص 40 ج 7 نووي (ما يقال عند دخول القبور) و (البقيع) بالباء الموحدة: مدفن أهل المدينة. و (الغرقد) بفتح فسكون: شجر له شوك، سمي بقيع الغرقد لغرقد كان فيه.

(2)

انظر ص 241 ج 1 - ابن ماجه (ما يقال إذا دخل المقابر).

(3)

انظر رقم 2297 ص 126 ج 8 كنز العمال.

(4)

انظر ص 520 ج 4 عون المعبود (كراهية أن يقول عليك السلام) و (جرى) مصغر وكذا (الهجيمي).

(5)

"وما قاله" بعضهم من لزوم تقديم المبتدأ على الخبر في السلام على الأحياء والأموات وأن حديث أبي جرى إنما هو إخبار عن عادة أهل الجاهلية من تقديم الخبر على المبتدأ في تحية الموتى "بعيد" لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فإن عليك السلام تحية الموتى. فعلم أنه يقال في السلام على الأموات: السلام عليكم. وعليكم السلام.

ص: 85

(ب) وأنه يطلب الدعاء للأموات بما تقدم في الأحاديث، وليحذر مما اعتاده بعض الجاهلين من التمسح بالقبر وتقبيله والطواف حوله ودعاء صاحبه وطلب ما يحتاجه منه فإن ذلك من عادة المشركين (وعن) ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله"(الحديث) أخرجه أحمد والترمذي والحاكم (1). {90}

وقد يفضي ذلك إلى ما كانت عليه الأمم السابقة من عبادة الأوثان، وفي المنع من ذلك بالكلية قطع لهذه الذريعة المؤدية إلى فساد العقيدة.

(3) زيارة النساء:

يحرم على النساء زيارة القبور إن ارتكبن في زيارتها ما يغضب الواحد الغيور. وعليه تحمل الأحاديث الواردة في لعن زائرات القبور (ومنها) حديث ابن عباس قال: "لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم زائرات القبور"(الحديث) أخرجه أحمد والأربعة والبزار وابن حبان والحاكم وحسنه الترمذي (2). {91}

(وحديث) أبي هريرة رضي الله عنه: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن زوارات القبور" أخرجه أحمد وابن ماجه والترمذي وصححه وابن حبان (3). {92}

أي دعا عليهن بالطرد عن رحمة الله تعالى لما يقع منهن حال الزيارة من الجزع وشق الجيوب ولطم الخدود والتبرج (قال) القرطبي: هذا اللعن إنما هو للمكثرات من الزيارة لما تقتضيه الصيغة من المبالغة. ولعل السبب ما يفضي

(1) انظر الحديث التاسع عشر من الأربعين النووية.

(2)

تقدم رقم 13 ص 9.

(3)

انظر ص 161 ج 8 - الفتح الرباني (لعن زائرات القبور) وص 246 ج 1 - ابن ماجه (النهي عن زيارة النساء للقبور) وص 156 ج 2 تحفة الأحوذى (كراهية زيارة القبور للنساء). و (زوارات) بفتح الزاي: جمع زائرة، وقيل بضمها: جمع زوارة بمعنى زائرة.

ص: 86

إليه ذلك من تضييع حق الزوج وما ينشأ منهن من الصياح ونحوه (فقد) يقال إذا أمن جميع ذلك فلا مانع من الإذن، لأن تذكر الموت يحتاج إليه الرجال والنساء، فإذا كانت زيارتهن للاعتبار بلا تعديد ولا نوح فهي مكروهة تحريما عند بعض الحنفية والمالكية والشافعية لظاهر الأحاديث.

(وقال) بعض الحنفية وأكثر الشافعية والحنبلية: تكره زيارتهن تنزيها. والصارف للأحاديث عن التحريم قول أم عطية: " نهينا أن نتبع الجنائز ولم يعزم علينا " أخرجه أحمد والشيخان وأبو داود وابن ماجه والبيهقي (1). {93}

(وقال) فريق ثالث من الحنفيين: زيارتهن حينئذ جائزة. وهو قول لمالك ورواية عن أحمد (قالوا) إن منعهن من الزيارة كان قبل الترخيص، فلما رخص فيها عمت الرخصة الرجال والنساء. (ويؤيده) حديث عبد الله ابن أبي مليكة أن عائشة رضي الله عنها أقبلت ذات يوم من المقابر، فقلت لها: يا أم المؤمنين من أين أقبلت؟ قالت: من قبر أخي عبد الرحمن، فقلت لها: أليس كان نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن زيارة القبور؟ قال: نعم كان نهى عن زيارة القبور ثم أمر بزيارتها. أخرجه الحاكم، وقال الذهبي: صحيح، والبيهقي وقال: " تفرد به بسطام بن مسلم البصري (2). {94}

(وقالت) عائشة رضي الله عنها من حديث طويل: "فكيف أقول: تعني إذا زارت القبور- يا رسول الله؟ فقال قولي: السلام على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، يرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين، وإنا إن شاء الله بكم للاحقون" أخرجه أحمد ومسلم (3). {95}

(1) تقدم رقم 618 ص 441 ج 7 - الدين الخالص (اتباع النساء الجنائز).

(2)

انظر ص 376 ج 1 مستدرك. وص 78 ج 4 بيهقي (ما ورد في دخولهن في عموم قوله فزوروها).

(3)

انظر ص 173 - 175 ج 8 - الفتح الرباني (ما يقال عند زيارة القبور) وص 41 - 44 ج 7 نووي (ما يقال عند دخول القبور والدعاء لأهلها).

ص: 87

فتعليمها ما تقول إذن لها بالزيارة للقبور (ويجمع) بين الأدلة بأن الإذن في الزيارة لمن خرجت متسترة خاشعة متذكرة أمر الآخرة، معتبرة بما صار إليه أهل القبور، تاركة النياحة وضرب الخدود وشق الجيوب وسوء القول. وبأن المنع لمن فعلت شيئا مما ذكر كما يقع من كثير من نساء زماننا ولا سيما نساء مصر. ومعلوم أن أمن الفتنة في زماننا معدوم بل مستحيل عادة، إذ المرأة لو خرجت إلى زيارة القبور لا تسلم من ارتكاب الفجور وعبث الفساق وأهل الشرور. فيطلب طلبا أكيدا عدم خروج النساء لزيارة القبور لا ليلا ولا نهارا لا فرق في ذلك بين شابة وغيرها، إذ لكل ساقطة لا قطة ولا سيما ما هو فاش من غالب أهل الزمان من الفساد والإفساد. ومن القواعد المقررة أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح. ومن ثم ذهب شيخ الإسلام تقي الدين بن تيمية وغيرها إلى عدم جواز الزيارة للنساء. والله الهادي إلى سواء السبيل.

(4) بدع المقابر:

ومن البدع المذمومة ما التزموه في المقابر من العادات المقبوحة كاتخاذها أعيادا تشد إليها الرحال ويجتمع فيها النساء والرجال والأطفال ولا سيما في ليلتي العيدين وأول جمعة من رجب، وتذبح عندها الذبائح وتطبخ أنواع المآكل فيأكلون ويشربون ويبولون ويتغوطون ويلعبون ويصخبون ويقرأ لهم القرآن من يستأجرون لذلك من العميان ولهم أعمال من دون ذلك هم عليها عاكفون. وإذا كان ما يأتون من القراءة والذكر هنالك من البدع المنكرة وكان بعض المباحات يعد هناك من الأمور المكروهة أو المحرمة، فما القول في سائر أفعالهم الظاهرة والباطنة "ولو لم يرد" في حظر هذه الاجتماعات في المقابر إلا حديث ابن عباس مرفوعا: لعن الله زائرات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج. أخرجه أحمد والأربعة والحاكم وصححه (1). "لكفى" ولكن ذلك كله قد صار

(1) تقدم رقم 13 ص 9.

ص: 88

من قبيل شعائر الدين وآيات اليقين توقف له الأوقاف التي يسجلها ويحكم بصحتها قضاة جاهلون ويأكل منها أدعياء العلم الضالون المضلون. وقد كان بعض الصحابة وغيرهم من علماء السلف يتركون بعض السنن أحيانا حتى لا يظن العوام أنها مفروضة بالتزامها تأسيا بالرسول صلى الله عليه وسلم في ترك المواظبة على بعض الفضائل خشية أن تصير من الفرائض. فخلف من بعدهم خلف قصروا في الفرائض وتركوا السنن والشعائر وواظبوا على هذه البدع حتى إنهم ليتركون لأجلها الأعياد والجمع.

(ومن المنكر) ما يقع من بعض من لا خلاق لهم من اعتقادهم في قبور الصالحين والأولياء وبعض الأشجار والأولياء وبعض الأشجار والأبواب أنها تنفع أو تضر أو تقرب إلى الله تعالى أو تقضي الحوائج بمجرد التشفع بها إلى الله تعالى، يطوفون بها طواف الحجاج بيت الله الحرام ويخاطبون الميت بالكلمات المكفرة كقولهم: "أقصم ظهره يا سيد وخذ عمره وتصرف فيه يا إمام، ويهتفون بأسمائهم عند الشدائد. ولكل جهة رجل ينادونه، فأهل مصر يدعون الشافعي والبدوي والبيومي. وأهل العراق والهند والشام يدعون عبد القادر الجيلي. وأهل مكة والطائف يدعون ابن عباس. وينذرون لهم النذور، ويذبحون لهم الذبائح، ويوقدون لهم السرج، ويضعون الدراهم في صناديقهم.

ولا ريب أن هذا من أعمال الجاهلية ومخالف لدين الله تعالى ورسوله وما كان عليه سلفنا الصالح رضى الله تعالى عنهم، ولو عرف الناذر بطلان ذلك ما أخرج درهما، فإن الأموال عزيزة عند أهلها. قال تعالى:"ولا يسألكم أموالكم. إن يسألكموها فيحفكم تبخلوا ويخرج أضغانكم"(1).

فالواجب على كل عاقل تحذير من يفعل ذلك، لأنه إضاعة للمال، ولا ينفعه ما يخرجه، ولا يدفع عنه ضررا، بل فيه المخالفة والمحاربة لله تعالى ورسوله

(1) سورة القتال: آية 36 و 37 (فيحفكم) أي يجهدكم ويطلب منكم كل أموالكم (ويخرج أضغانكم) أي يظهر أحقادكم.

ص: 89

صلى الله عليه وسلم. ويجب رد المال إلى من أخرجه وقبضه حرام لأنه أكل مال الناذر بالباطل، وقد قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ} (1).

وفيه تقرير للناذر على قبح اعتقاده وشنيع مخالفته فهو كحلوان الكاهن ومهر البغى (2) ولأنه تدليس من هؤلاء القوم وإيهام له أن الولي ينفعه ويضره. فأي تقرير لمنكر أشد من قبض النذر على الميت، وأي تدليس أعظم من هذا؟

(قال) الصنعاني بعد كلام في هذا الموضوع (فإن قلت) هذا أمر عم البلاد واجتمعت عليه سكان الأرض شرقا وغربا وشمالا وجنوبا، فلا بلدة ولا قرية إلا وفيها قبور ومشاهد وأحياء يعتقدون فيها ويعظمونها وينذرون لها ويهتفون بأسمائها ويحلفون بها ويطوفون بفناء القبور ويسرجونها ويلقون عليها الورد والرياحين ويلبسونها الثياب ويصنعون كل ما يقدرون عليه من العبادة لها وما في معناها من التعظيم والخشوع، بل هذه مساجد المسلمين غالبها لا يخلو عن قبر أو مشهد يقصده المصلون في أوقات الصلاة، يصنعون فيه ما ذكر أو بعضه، ولا يسع عقل عاقل أن منكرا يبلغ إلى ما ذكرت من الشناعة، ويسكت عليه علماء الإسلام.

(قلت) إن أردت الإنصاف وتركت متابعة الأسلاف وعرفت أن الحق ما قام عليه الدليل لا ما اتفق عليه العالم جيلا بعد جيل، فاعلم أن هذه الأمور التي ندندن حولها إنكارها ونسعى في هدم منارها صادرة عن العامة الذين إسلامهم تقليد الآباء بلا دليل: ينشأ الواحد منهم فيجد أهل بلدته يلقنونه في الطفولة أن يهتف باسم من يعتقدون فيه ويراهم ينذرون له ويعظمونه ويرحلون به إلى محل قبره ويلطخونه بترابه، ويطوفون به على قبره، فينشأ وقد قر في

(1) سورة النساء: أية 29 (الباطل) ما لم يبحه الشرع كالنذر لغير الله وكالغصب والقمار والرياء ونحو ذلك.

(2)

(حلوان الكاهن) ما يعطى من يدعي علم الغيب ويخبر الناس عما يقع لهم مستقبلا.

ص: 90

قلبه عظمة ما يعظمونه، فنشأ على هذا الصغير وشاخ عليه الكبير ولا يسمعون من أحد إنكارا عليهم، بل ترى من يتسم بالعلم ويدعي الفضل معظما لما يعظمونه، قابضا للنذور، آكلا ما ينحر على القبور، فيظن أن هذا دين الإسلام.

ولا يخفي على أحد يتأهل للنظر ويعرف بارقة من علم الكتاب والسنة والأثر أن سكوت العالم أو العالم على وقوع منكر ليس دليلا على جوازه، ولنضرب لك مثلا من ذلك: هذا حرم الله الذي هو أفضل بقاع الدنيا بالاتفاق أحدث فيه بعض الملوك هذه المقامات الأربعة التي فرقت عبادة العباد، واشتملت على ما لا يحصيه إلا الله تعالى من الفساد وصيرت المسلمين كالملل المختلفة في الدين. بدعة قرت بها عين إبليس اللعين وقد سكت الناس عليها ووفد علماء الأقطار إليها وشاهدوها وسكت منهم من سكت، أفهذا السكوت دليل على جوازها؟ هذا لا يقوله عاقل وكذلك سكوتهم على هذه الأشياء الصادرة من القبوريين (1).

وقال ابن القيم: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا زار القبور يزورها للدعاء لأهلها والترحم عليهم والاستغفار لهم، فأبى المشركون إلا دعاء الميت والأقسام على الله به وسؤاله الحوائج والاستعانة به والتوجه إليه بعكس هدية صلى الله عليه وسلم فإنه هدى توحيد وإحسان إلى الميت، وهدى هؤلاء شرك وإساءة إلى نفوسهم وإلى الميت، وهم ثلاثة أقسام: إما أن يدعوا للميت أو يدعوا به أو عنده، ويرون الدعاء عنده أولى من الدعاء في المساجد. ومن تأمل هدى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه تبين له الفرق بين الأمرين (2).

(1) انظر ص 29 وما بعدها من تطهير الاعتقاد عن أدران الإلحاد. وانظر تمامه بص 103 ج 9 - المنهل العذب المورود (ومراده) بالمقامات الأربعة: مصلى الحنفي شمال الكعبة ومصلى المالكي غربها ومصلى الحنبلي جنوبها ومصلى الشافعي في الجنوب الشرقي منها. كان يصلي في هذه المقامات أثمة أربعة في وقت واحد. وقد اتفقت الأئمة الأربعة والعلماء على منع تعدد الجماعة في المسجد في وقت واحد، ولكن الآن يصلي بالحرم المكي إمام واحد.

(2)

انظر ص 146 ج 1 زاد المعاد (هديه صلى الله عليه وسلم في زيارة القبور).

ص: 91