الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عنده خمس من الإبل مضى عليها ثلاثة أعوام، فعند الجمهور يلزمه لكل حول شاة. وعلى قول الشافعي لا يلزمه إلا شاة واحدة، لأنها نقصت بوجوب الزكاة فيها في الحول الأول عن خمسة كاملة (وأجاب) الجمهور بأن الواجب هنا من غير جنس النصاب فلم ينقص به النصاب كما لو أداه بخلاف غيره من المال فإن الزكاة تتعلق بعينه فتنقصه. فمن ملك خمسا وعشرين من الإبل حال عليها أحوال، فعليه للحول الأول بنت مخاض، وعليه لكل حول بعده أربع شياه وإن بلغت قيمة الشياه الواجبة أكثر من الإبل (1).
(د) زكاة الزروع والثمار
الزروع جمع زرع وهو ما استنبت بالبذر لقصد استغلال الأرض من الأقوات وغيرها (والثمار) جمع ثمر- بفتحتين- وهو ما يؤكل من أحمال الأشجار والنجوم- وهي ما لا ساق لها من النبات- كالبطيخ والقثاء.
والكلام هنا ينحصر في اثنا عشر فرعا:
(1)
حكم زكاة الزرع:
هي فرض بالكتاب والسنة وإجماع الأمة. قال الله تعالى: "وآتوا حقه يوم حصاده"(2). والحق هو العشر أو نصفه. وقال: "يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض"(3). أضاف المخرج إلى المخاطبين فدل على أن للفقراء فيه حقا كما أن للأغنياء حقا.
وقد علم من السنة أن حق الفقير العشر أو نصفه (وعن) جابر رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله ولم قال: "فيما سقت السماء
(1) انظر ص 465 ج 2 شرح المقنع.
(2)
سورة الأنعام، آية 141.
(3)
سورة البقرة، آية 267.
والأنهار والعيون العشر وفيما سقى بالسانية نف العشر" أخرجه أحمد ومسلم وأبو داود والنائي (1). {91}
والأحاديث في هذا كثيرة، وعلى هذا أجمعت الأمة.
(2)
سببها:
سبب زكاة الزرع الأرض النامية بالخارج حقيقة فلو تمكن من الزرع ولم يزرع فلا زكاة عليه، ولو أصاب الزرع آفة لا يلزمه شيء.
(3)
شروط افتراضها:
هي شروط أهلية ومحلية:
(أ) فشروط الأهلية ثلاثة:
(الأول) الإسلام عند غير المالكية على ما تقدم بيانه في بحث شروط الزكاة وهو شرط ابتداء هذا الحق فلا يبتدأ إلا على مسلم لأن فيه معنى العبادة والكافر ليس من أهل وجوبها ابتداء. وكذا لا يجوز أن يتحول إليه عند النعمان ويجوز عند أبي يوسف ومحمد. فلو اشترى الذمي أرض عشر من مسلم فعليه الخراج عند النعمان لأن العشر فيه معنى العبادة والكفار ليس أهلا لوجوبها. وإذا تعذر إيجاب العشر عليه فلا سبيل إلى أن ينتفع الذمي بأرضه في دار الإسلام من غير حق يضرب عليه فضربنا عليها الخراج الذي فيه معنى الصغار كما لو جعل داره بستانا وتصير خراجية بمجرد شرائها. وفي رواية لا تصير خراجية ما لم يوضع عليها الخراج ولا يؤخذ إلا إذا مضت- من وقت الشراء- مدة يمكنه أن يزرع فيها، سواء زرع أو لم يزرع (وقال) أبو يوسف: عليه عشران لأنه لما وجب عليه العشر وهو كافر، ضوعف. ويوضع موضع الخراج (وقال) محمد: عليه عشر واحد لأن الأصل أن كل
(1) أنظر 3 ج 9 - الفتح الرباني (زكاة الزروع والثمار) وص 54 ج 7 نووي (ما فيه العشر أو نصف العشر) وص 202 ج 9 - المنهل العذب المورود (صدقة الزرع) و 344 ج 1 مجتبي (ما يوجب العشر) و (السانية) الناضح من الإبل والبقر يستقي عليه.
أرض ابتدئت بضرب حق عليها أن لا يتبدل الحق بتبدل المالك كالخراج. ويوضع عنده موضع الصدقة لأن الواجب لما لم يتغير قده لا تتغير صفته. ولو اشترى مسلم من ذمي أرضا خراجية فعلية الخراج ولا تنقلب عشرية لأن الأصل أن مئونة الأرض لا تتغير بتبدل المالك إلا لضرورة (1).
(الثاني) الملك التام للخارج- لا للأرض- للزوم العشر في الخارج من الأرض الموقوفة، ولعموم قوله تعالى:"يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض". وقوله تعالى: "وآتوا حقه يوم حصاده". (وحديث) ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "فيما سقت السماء والأنهار والعيون أو كان عثريا العشر، وفيما سقى بالنضح نصف العشر" أخرجه البخاري والأربعة (2). {92}
(والعثري) - بفتحتين- ما يشرب بعروقه من غير سقي وهو المعروف بالبعلي. ففي رواية النسائي وابي داود وابن ماجه: أو كان بعلا. والمراد بالنضح سقي الزرع بآلة مطلقا. والمعنى في ذلك أن العشر يجب في الخارج لا في الأرض فكان ملك الأرض وعدمه سواء وعليه فلو استأجر شخص أرضا وزرعها فعليه زكاة الخارج- إن بلغ نصابا- عند الثلاثة وأبي يوسف ومحمد والجمهور (وقال) النعمان: الزكاة على صاحب الأرض لأن الخارج له حكما فإنه يأخذ بدله الأجرة فكأنه زرع بنفسه (ورد) بأن حقه في الأجر لا في الخارج والزكاة تجب في الخارج (3).
(1) انظر 55 ج 2 بدائع الصنائع.
(2)
انظر ص 213 ج فتح الباري (العشر فيما يسق من ماء السماء) وص 198 ج 9 - المنهل العذب المورود (دقة الزرع) وص 344 ج 1 مجتبي (ما يوجب العشر) وص 14 ج 2 تحفة الأحوذي (الصدقة فيما يسقي بالأنهار وغيرها) وص 286 ج 1 - ابن ماجه (صدقة الزوع والثمار) و (النضح) بفتح فسكون في الأصل: حمل البعير الماء لسقي الزرع. و (الناضح) البعير يحمل الماء للسقي.
(3)
انظر ص 56 ج 2 بدائع الصنائع.
(وقال) ابن رشد: والسبب في اختلافهم هل العشر حق الأرض أو حق الزرع؟ فلما كان عندهم أنه حق لأحد الأمرين اختلفوا في أيهما أولى أن ينسب إلى موضع الاتفاق وهو كون الزرع والأرض لمالك واحد (فذهب) الجمهور إلى أنه ما تجب فيه الزكاة وهو الحب (وذهب) أبو حنيفة إلى أنه ما هو أصل الوجوب وهو الأرض (1).
(الثالث) العلم بالفرضية لمن أسلم بدار الحرب- عند الحنفيين- على ما تقدم في شروط افتراض الزكاة (وأما) التكليف والحرية فليسا من شروط الفرضية هنا فيلزم العشر أو نصفه في الخارج من أرض الصبي والمجنون لعموم الأحاديث السابقة.
(ب) شروط المحلية ثلاثة:
(الأول) أن تكون الأرض عشرية، فلا عشر في الخارج من أرض الخراج- عند الحنفيين- لأن العشر والخراج لا يجتمعان في أرض واحدة (وقال) الثلاثة: يجتمعان فيجب العشر في الخارج من أرض الخراج كأرض مصر والعراق لأنهما حقان مختلفان ذاتا ومحلا وسببا. فإن الخارج يجب في الذمة والعشر يجب في الخارج وسبب وجوب الخراج الأرض النامية وسبب وجوب العشر الخارج حتى لا يجب بدونه. وهذا هو الحق ولذا اختاره المحققون من الحنفيين كالكمال ابن الهمام (قال) بعد قول صاحب الهداية- ولأن أحدا من أئمة العدل والجور لم يجمع بينهما- قد منع بنقل ابن المنذر الجمع في الأخذ عن عمر بن عبد العزيز. وقد نقل ابن المبارك الجمع بينهما مذهبا لجماعة آخرين فلم يتم (يعني دعوى أن أحدا من الأئمة لم يجمع بينهما) وعدم الأخذ من بعض الأئمة يجوز لكونه فوض الدفع إلى المالك فلم يتعين قول صحابي بعدم الجمع ليحتج به من يحتج بقول الصحابي. على أن فعل عمر ابن عبد العزيز يقتضي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لا يقول بمنع الجمع
(1) انظر ص 227 ج 2 بداية المجتهد (الأرض المستأجرة).
لأنه كان متبعا له مقتفيا لآثاره ثم المصنف (يعني احب الهداية) منع تعدد السبب وجعل السبب فيهما معا الأرض.
ولا مانع أن يتعلق بالسبب الواحد- وهو الأرض هنا- وظيفتان مع أن العمومات تقتضيه مثل قوله صلى الله عليه ولم: "ما سقت السماء ففيه العشر" فإنه يقتضي أن يؤخذ مع الخراج إن كان (1).
(قال) ابن رشد: وسبب اختلافهم كما قلنا: هل الزكاة حق الأرض أو حق الحب؟ فإن قلنا إنه حق الأرض لم يجتمع فيها حقان وهما العشر والخراج، وإن قلنا الزكاة حق الحب كان الخراج حق الأرض والزكاة حق الحب. وإنما يجيء هذا الخلاف في أرض الخراج لأنها ملك ناقص. ولذا اختلف العلماء في جواز بيعها. وأما إذا انتقلت أرض العشر إلى الذمي يزرعها فإن الجمهور على أنه ليس فيها شيء (وقال) النعمان: إذا اشترى الذمي أرض عشر تحولت أرض خراج. فكأنه رأى أن العشر هو حق أرض المسلمين والخراج هو حق أرض الذميين. لكن كان يجب على هذا الأصل إذا انتقلت أرض الخراج إلى المسلمين أن تعود أرض عشر، كما أن عنده إذا انتقلت أرض العشر إلى الذمي عادت أرض خراج (2).
(الثاني) - من شروط المحلية- وجود الخارج. فلو لم تخرج الأرض شيئا لا يجب العشر لأنه جزء من الخارج وإيجاب جزء منه- ولا خارج- محال.
الزروع التي تجب فيها الزكاة.
(الثالث) كون الخارج من الأرض- عند النعمان وزفر- مما يقصد
(1) انظر 366 ج 4 فتح القدير (العشر والخراج)"وأما" ما احتج به بعض الحنفيين من حديث يرويه يحيى بن عنبسة بسنده إلى ابن مسعود مرفوعا: لا يجتمع على مسلم خراج وعشر "فقد" أخرجه ابن عدى في الكامل والبيهقي في السن وقال: هذا حديث باطل وصله ورفعه. ويحيى بن عنبة منهم بالوضع (انظر ص 132 ج 4 بيهقي) وقال ابن عدى: يحيى بن عنبسة منكر الحديث. وإنما رواه أبو حنيفة عن حماد عن إبراهيم ووصله يحيى وهو يروى الموضوعات عن الثقات. (انظر ص 442 ج 3 نصب الراية).
(2)
انظر ص 228 ج 1 بداية المجتهد (الأرض المستأجرة).
بزراعته استغلال الأرض عادة. فلا عشر
عندهما في نحو حطب وحشيش وتبن وبذر بطيخ وقصب فارسي (البوص) لأنه لا يقصد بهذه الأشياء استغلال الأرض ونماؤها عادة، لأن الأرض لا تنمو بها بل تفسد، بخلاف قصب السكر. وأما لو اتخذ الأرض مشجرة أو مقصبة أو منبتا للحشيش، فإن الزكاة تجب في الخارج منها لأنه غلة وافرة قصد به استغلال الأرض ولعموم الآيات والأحاديث السابقة (وقال) أبو يوسف ومحمد: يشترط أن يكون الخارج نصابا مما يبقى سنة بلا علاج كثير، سواء أكان مكيلا كالتمر والحبوب أم غير مكيل كالقطن والسكر؟ فإن كان مما يكال فلابد أن يبلغ خمسة أو سق (لحديث) أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"ليس فيما دون خمسة أو ساق من تمر ولا حب صدقة" أخرجه أحمد ومسلم والنسائي والبيهقي (1). {93}
والوسق- بفتح فسكون- ستون صاعا والصاع قدحان بالكيل المصري. فالنصاب: خم وسبعون كيلة، أي ستة أرادب وربع أردب (وإن كان) الخارج مما لا يكال فعند أبي يوسف لا تجب فيه زكاة إلا إن بلغ قيمة نصاب من أدنى ما يكال، فلا تجب الزكاة في القطن ونحوه إلا إذا بلغت قيمته خمسة أوسق من الشعير ونحوه.
(وقال) محمد: يلزم أن يبلغ خمسة أمثال من أعلى ما يقدر به نوعه. ففي نحو القطن لا تجب فيه الزكاة إلا إن بلغ خمسة قناطير، لأن التقدير بالوسق فيما يوسق كان باعتبار أنه أعلى ما يقدر به نوعه. وعليه فلا زكاة عند أبي يوسف ومحمد فيما لا يبقى سنة كالفواكه والخضراوات كالفجل والجرجير والثوم والبصل والقثاء والخيار والبطيخ والقرع والباذنجان واللوبيا الخضراء (لحديث) موسى بن طلحة عن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"ليس في الخضراوات زكاة" أخرجه الدارقطني وفيه مروان السنجاري ضعيف (2). {94}
(1) انظر ص 5 ج 9 - الفتح الرباني (زكاة الزرع والثمار) وص 52 ج 7 نووي (الزكاة) وص 343 ج 1 مجتبي (زكاة التمر) وص 128 ج 4 بيهقي (صدقة الزرع).
(2)
انظر 201 - الدارقطني.
(قال) الترمذي: ليس يصح في هذا الباب عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء، وإنما يروي هذا عن موسى بن طلحة عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم مرسلا. والعمل على هذا عند أهل العلم أنه ليس في الخضراوات صدقة (1). وذلك لأن الأحاديث فيها وإن كانت ضعيفة فقد رويت من عدة طرق يقوي بعضها بعضا.
(وقال) مالك: يشترط في الخارج أن يكون نصابا مما يبقى وييبس ويستنبته بنو الإنسان، سواء أكان مقتاتا كالقمح والشعير والسلت والعلس والذرة والدخن والأرز والجلبان والبسيلة (أو غير مقتات) كالحمص والفول واللوبيا والعدس والترمس والزيتون والسمسم والقرطم وحب الفجل الأحمر (ولا زكاة) في التين والرمان والتفاح وسائر الفواكه ولا في بذر كتان وقطن وسلجم ولا في جوز ولوز وحب الفجل الأبيض والعصفر، والتوابل وهي الفلفل والكزبرة والأنسيون. والشمار والكمون والحبة السوداء، ولا في الخضراوات وحب الرشاد. والنصاب عند مالك خمسة أوسق. والوسق ستون صاعا، والصاع قدح وثلث. فالنصاب عنده خمسون كيلة.
(وقال) الشافعي: يشترط في الخارج أن يكون نصابا مما يقتات ويدخ ويستنبته الآدميون كالقمح والشعير والسلت- وهو نوع من الشعير لا قشر له- والدخن والعد والذرة والأرز والحمص واللوبيا اليابسة والجلبان والفول. فلا زكاة فيما لا يقتات كالخضراوات وحب الرشاد والكمون وبذر القطن والكتان والتمس والسمسم والزيتون وبذر الفجل والقرطم.
(وقال) أحمد: يشترط في الخارج أن يكون نصابا مما يكال ويبقى وييبس ويستنبته الآدميون سواء أكان مقتاتا كالقمح والشعير والذرة والأرز والدخن، أم غير مقتات كالفول والعدس والكسبرة والكمون والكراوية والترمس
(1) انظر ص 12 ج 2 تحفة الأحوذي (زكاة الخضراوات) والمراد من أهل العلم الأكثر (فقد) علمت أن النعمان يوجب في الخضراوات الزكاة.
والسمسم والحلبة وسائر الحبوب؟ وتجب أيضا فيما جمع هذه الأوصاف من الثمار اليابسة كالتمر والزبيب والمشمش والتبين واللوز والبندق والفستق. فلا زكاة في الفواكة كالخوخ والكمثرى والتفاح ولا في الخضراوات (هذا) والنصاب عند الشافعي وأحمد خمس وسبعون كيلة كما تقدم عن أبي يوسف ومحمد.
(وقال) الحسن البصري والثوري والشعبي: لا تجب الزكاة إلا في القمح والشعير والزبيب والذرة والتمر (لحديث)(أبي موسى الأشعري ومعاذ أن النبي صلى الله عليه وسلم بعثهما إلى اليمن فأمرهما أن يعلما الناس أمر دينهم وقال: "لا تأخذا الصدقة إلا من هذه الأربعة: الشعير والحنطقة والزبيب والتمر) أخرجه الحاكم والدارقطني والطبراني في الكبير بسند رجاله رجال الصحيح والبيهقي (1). {95}
(وقال) موسسى بن طلحة: عندنا كتاب معاذ برضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه إنما أخذ الصدقة من الحنطة والشعير والزبيب والتمر. أخرجه أحمد والدارقطني والبيهقي والحاكم وقال: هذا حديث قد احتج بجميع رواته. وموسى بن طلحة تابعي كبير لم ينكر أنه يدرك أيام معاذ (2). {96}
(ورد) بأن صاحب الاستذكار ذكر أنه لم يلق معاذا ولا أدركه.
(ورجح) بعضهم هذا القول لهذه الأدلة وإن كان في بعضها ضعف ولا يصح جعلها من باب التنصيص على بعض أفراد العام لما في بعضها من الحر تارة والنفي عما عدا هذه الأشياء تارة أخرى.
(1) انظر ص 401 ج 1 مستدرك (أخذ الصدقة من الحنطة والشعير) و 201 الدارقطني. وص 75 ج 3 مجمع الزوائد (زكاة الحبوب) وص 125 ج 4 بيهقي (لا تؤخذ صدقة شيء من الشجر غير النخل والعنب).
(2)
انظر ص 7 ج 9 - الفتح الرباني (زكاة الزرع والثمار) وص 201 - الدارقطني وص 128 ج 4 بيهقي (الصدقة فيما يزرعه الآدميون) وص 401 ج 1 مستدرك.
(4)
وقت وجوب زكاة الزرع:
تجب في الحبوب باشتدادها وفي الثمر يبدو صلاحه- عند مالك والشافعي وأحمد- فالوجوب:
(أ) في زكاة الزرع بإفراك الحب واستغنائه عن السقي وإن بقى في الأرض لتمام طيبه لا باليبس كما قيل، وإلا لم يحسب ما أخذه فريكا أخضر وليس كذلك بل يحسب ويقدر جفافه.
(ب) وفي زكاة الثمر بطيبه وطيب كل نوع معلوم فيه. فطيب البلح بإحمراره أو إصفراره وجريان الحلاوة فيه، وطيب العنب بظهور الحلاوة فيه (وعليه) فلا شيء على وارث مما ورثه قبل الإفراك والطيب إلا أ، يكون نصابا أو أقل ويكون عنده زرع يضم إليه ويزكيه. فإن بلغت حصة بعضهم نصابا دون البعض وجبت على الأول دون الثاني. أما ما ورثه بعد الطيب والإفراد فتجب زكاته وإن كان أقل من نصاب حيث كان المجموع نصابا لتعلق الزكاة بالموروث قبل الموت فيزكى حينئذ على ملك الميت.
(والزكاة) في الزرع واجبة على ممن باعه بعد الإفراك والطيب، وإن افتقر البائع تؤخذ الزكاة من عين المبيع إن وجد عند المشتري ويرجع على البائع بثمنها. وإن لم يوجد المبيع لا تؤخذ الزكاة من المشتري بل من البائع عند يساره، وإن أهلك الزرع المشتري زكاه ورجع بما دفعه على البائع، وإن أهلكه أجنبي فزكاته على البائع ويرجع على الأجنبي بمثل ما أخرجه، وإن هلك بآفة سماوية فلا زكاة فيه على أحد لأنه جائحة على الفقراء (1).
هذا، وبدو الصلاح في بعضه ولو قل وجبت الزكاة. وكذا اشتداد بعض الحب كاشتداد كله (2). (وقال) النعمان: تجب الزكاة بخروج الزرع وظهور الثمر لقوله تعالى:
(1) انظر ص 553 ج 1 - الفجر المنير.
(2)
انظر ص 465 ج 5 مجموع النووي.
"يأيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض"(1). أمر الله تعالى بالإنفاق مما أخرجه من الأرض، فدل على أن الوجوب متعلق بالخروج (وقال) أبو يوسف: تجب الزكاة بالإدراك لقوله تعالى: "وأتوا حقه يوم حصاده". ويوم حصاده هو يوم إدراكه فكان هو وقت الوجوب. (وقال) محمد بن الحسن: تجب الزكاة بالتنقية في الحبوب والجذاذ في الثمر لأنه حينئذ يتناهى عظم الحب والثمر.
(وفائدة) هذا الاختلاف على قول النعمان لا تظهر إلا في الاستهلاك فما كان منه بعد الوجوب يضمن عشره وما كان قبله لا يضمن. وأما عند أبي يوسف ومحمد فتظهر ثمرة الخلاف في الاستهلاك والهلاك في حق تكميل النصاب وما هلك قبله لا يعتبر. وبيانه أنه إذا أتلف إنسان الزرع أو الثمر قبل الإدراك أخذ صاحب المال من المتلف ضمان المتلف وأدى عشره، وإن أتلف البعض دون البعض أدى قدر عشر المتلف من ضمانه، وإن أتلفه احبه أو أكله كلا أو بعضا يضمن عشره ويكون دينا في ذمته عند النعمان لأن الإتلاف حصل بعد الوجوب فكان الحق مضمونا. وأما عندهما فلا يضمن عشر المتلف لأن الإتلاف حصل قبل الوجوب، ولو بعد الوجوب ويكون عليه عشر الباقي قل أو كثر عند النعمان، لأنه لا يشترط النصاب. وكذا عندهما إن بقى نصاب، وإن هلك بعد الإدراك والتنقية والجذاذ أو بعد الإدراك قبل التنقية والجذاذ سقط الواجب اتفاقا، وإن هلك بعضه سقط بقدره وبقى عشر الباقي ولو قل عند النعمان، وعندهما يكمل نصاب الباقي بالهالك (2).
(1) سورة البقرة، الآية، رقم 267.
(2)
انظر ص 63 ج 2 بدائع الصنائع.
(5)
قدر الواجب في زكاة الزرع:
يفترض في الزرع والثمر عشر الخارج إن سقى بلا آلة بل بماء المطر أو النهر أو العين، ونصف العشر مما سقى بآلة بخارية أو طمبور أو ساقية أو بماء مشتري. لما في ذلك من زيادة المؤونة. (ودليله) ما تقدم في حديث جابر وابن عمر (1).
(وقول) معاذ: "أمرني النبي صلى الله عليه وسلم أن آخذ مما سقت السماء العشر ومما سقى بالدوالي نصف العشر" أخرجه النسائي (2). {97}
(وعن) موسى بن طلحة عن معاذ بن جبل رضي الله عنه أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال: "فيما سقت السماء والبعل والسيل العشر، وفيما سقى بالنضح نصف العشر، وإنما يكون ذلك في التمر والحنطة والحبوب، فأما القثاء والبطيخ والرمان والقصب فقد عفا عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم" أخرجه البيهقي والحاكم وقال: صحيح الإسناد (3). {98}
وهذا متفق عليه، وإن سقى الزرع بآلة تارة وبلا آلة تارة، فإن كان ذلك متساويا لزم ثلاثة أرباع العشر عند الجمهور، وهو قول للحنفيين. والمشهور عنهم وجوب نصف العشر وهو الظاهر، وإن كان أحدهما أكثر من الآخر فعند الحنفيين وأحمد العبرة بالأكثر، وهو قول مشهور عن مالك وقول للشافعي. والآخر يؤخذ من كل بحسابه.
(1) حديث جابر تقدم رقم 91 ص 199 وابن عمر رقم 92 ص 20 (زكاة الزروع والثمار).
(2)
تقدم رقم 23 ص 124 (هل على العبد زكاة)؟
(3)
انظر ص 129 ج 4 بيهقي (الصدقة فيما يزرعه الآدميون) وص 401 ج 1 متدرك (الصدقة من الحنطة والشعير) (وإنما يكون ذلك
…
إلخ) مدرج من الراوي في الحديث و (القصب) بالصاد عند الحاكم. وبالضاد عند البيهقي- بفتح فسكون- وهو كل نبت اقتضب فأكل طريا. وقيل هو نوع من الفاكهة يقطع فينبت خلافه.
(وجعل) النبي صلى الله عليه وسلم زكاة ما خفت مئونته العشر توسعة على الفقراء وما ثقلت مئونة سقيه نصف العشر رفقا بأرباب الأموال.
هذا، ولا يحتسب الزارع ما أنفق على الغلة من سقي أو عمارة أو أجر حافظ أو عمال أو نفقة البقر أو تكاليف الزرع بل يؤخذ المفروض من كل الخارج، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أوجب الحق على التفاوت بتفاوت المؤن، ولو رفعت المؤن لارتفع التفاوت. والله تعالى ولي التوفيق.
(6)
سقوط الزكاة:
تسقط زكاة المواشي والأثمان والعروض والخارج من الأرض بواحد من ثلاثة:
(أ) هلاك المال بعد الوجوب بأن حال عليه الحول أو حان حصاده ففرط في الأداء حتى هلك المال بلا استهلاك، فإن هلك كله سقط الواجب كله، وإن هلك بعضه سقطت حصته، لأن الزكاة متعلقة بعين المال لقوله تعالى:"خذ من أموالهم صدقة"(1) وقوله تعالى: "وفي أموالهم حق معلوم"(2)، وبالهلاك قد فات محل الزكاة فتسقط عند الحنفيين ومالك، ويصرف الهالك إلى الكل عند محمد وزفر وهو المعتمد عند المالكية، وحكى عن الشافعي، وإلى العفو أولا ثم إلى ناب يليه، وهكذا عند النعمان وهو مشهور مذهب مالك، والأصح عند الشافعي.
(وقال) أبو يوف: يصرف بعد العفو إلى الكل شائعا. فلو هلك خمسة عشر من أربعين من الإبل فأربعة من الهالك تصرف إلى العفو ثم أحد عشر إلى النصاب الذي يليه وهو ما بين خمس وعشرين وست وثلاثين عند النعمان ومن معه فيلزم بنت مخاض. وعند أبي يوسف يلزم 25/ 26 من بنت لبون. وعند محمد ومن معه يلزم خمسة أثمان بنت لبون. وهذا هو الأقوى لما تقدم
(1) سورة التوبة، آية رقم 103.
(2)
سورة المعارج، ىية رقم 24.
من أن الزكاة تتعلق بالنصاب والعفو على الأصح. وخرج بالهلاك ما لو استهلكه بعد الحول فلا تسقط الزكاة للتعدي. ولو منع السائمة العلف والماء حتى هلكت فهو استهلاك على الصحيح عند الحنفيين.
(وقال) الشافعي: إن هلك المال بتفريط بأن قصر في حفظه أو عرف المستحقين وأمكنه تسليمهم فأخر بلا عذر ضمن، لأنه متعد بذلك، وإن لم يفرط لم يضمن كالوكيل وناظر مال اليتيم إذا تلف في يده شيء بلا تفريط لا يضمن (1).
(والمشهور) عن أحمد أن الزكاة لا تسقط يتلف المال سواء فرط أو لم يفرط. وحكى عنه الميموني أنه إن تلف النصاب قبل التمكن من الأداء سقطت الزكاة وإن تلف بعده لم تسقط، لأنه مال وجب في الذمة فلم يسقط بتلف النصاب كالدين. فأما الثمرة فلا تجب زكاتها في الذمة حتى تحرز لأنها في حكم غير المقبوض. ولهذا لو تلفت كانت في ضمان البائع، وبه قال مالك، إلا في الماشية فإنه قال: لا شيء فيها حتى يجيء المصدق فإن هلكت قبل مجيئه فلا شيء عليه.
(والصحيح) أن الزكاة تسقط بتلف المال إذا لم يفرط في الأداء لأنها تجب على سبيل المواساة فلا تجب بعد تلك المال، والتفريط أن يمكنه إخراجها فلا يخرجها، فإن لم يتمكن من إخراجها فليس بمفرط، سواء أكان لعدم المستحق أو لبعد المال أو لكون المطلوب إخراجه لا يوجد في المال (2).
(ب) وتسقط الزكاة بالردة عند الحنفيين خلافا للأئمة الثلاثة على ما تقدم في شروط افتراض الزكاة حتى لو أسلم لا يجب عليه الأداء عند الحنفيين، ويجب عند الثلاثة لأنه قادر أداء ما وجب عليه بالعود إلى الإسلام. واستدل الحنفيون بحديث جبير بن مطعم أن النبي صلى الله عليه وسلم:"الإسلام يجب ما كان قبله" أخرجه الطبراني وابن سعد (3). {99}
(1) انظر ص 175 ج 6 مجموع النووي.
(2)
انظر ص 464 ج 2 شرح المقنع.
(3)
انظر رقم 3064 ص 179 ج 3 فيض القدير. ورقم 243 ص 17 ج 1 كنز العمال.
ولأن المرتد ليس من أهل العبادة.
(جـ) وتسقط الزكاة بموت من تلزمه بلا وصية عند الحنفيين ومالك. وقال الشافعي وأحمد: لا تسقط بالموت على ما تقدم في بحث قضاء الزكاة (1).
(7)
خرص البلح والعنب:
الخرص- بفتح فسكون مصدر خرص من بابي ضرب ونصر- لغة الحزر والتخمين. والمراد به هنا تقدي ما على النخل من الرطب تمرا وما على الكرم من العنب زبيبا بأن ينظر الخارص العارف فيقول: يخرج من هذا من التمر كذا ومن الزبيب كذا وكذا، فيحصى عليهم وينظر مبلغ العشر ممن ذلك، ثم يخلى بين المالك وبين الثمار يصنع ما أحب. وإذا أدركت الثمار أخذ منها العشر. وبهذا قال مالك والشافعي وأحمد (لقول) ابن جرير: أخبرت عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة أنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يبعث عبد الله بن رواحة إلى اليهود فيخرص عليهم النخل حين يطيب قبل أن يؤكل منه. أخرجه أبو داود وأحمد والداقطنى وزادا: ثم يخيرون يهود أيأخذونه بذلك الخرص أم يدفعونه إليهم بذلك؟ وإنما كان أمر النبي صلى الله عليه وسلم لكي يحصى الزكاة قبل أن تؤكل الثمرة وتفرق. وفي سنده راو لم يسم (2). {100}
(1) تقدم 136.
(2)
انظر ص 12 ج 9 - الفتح الرباني (خرص النخل والعنب) وص 214 ج 9 المنهل العذب المورود (متى يخرص التمر) وص 217 - الدارقطني. وقد رواه عبد الرزاق. والدارقطني بلا واسطة بين ابن جريج والزهري. وابن جريج مدلس فلعله ترك الواسطة تدليا. وذكر الدارقطني الاختلاف في الحديث فقال: رواه صالح بن أبي الأخضر عن الزهري عن ابن المسيب عن أبي هريرة وأرسله معمر ومالك وعقيل عن الزهرري عن سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم.
أعطى النبي صلى الله عليه وسلم اليهود نخل خيبر مساقاة ليعملوا فيها ويكون لهم نصف الثمار. ثم أمر ابن رواحة بخرصها ليظهر نصيب اليهود من نصيبه صلى الله عليه وسلم؛ وليعلم قدر الزكاة في نصيبه صلى الله عليه وسلم، وخيرهم بين "أخذ التمر" بهذا الخرص ودفع قيمة ما يخص النبي صلى الله عليه ولم "أو دفعه إليه" وأخذ قيمة ما يخصهم منه حتى لا يكون هناك ظلم. (وقد) دل الحديث على أن خرص البلح يكون عند بلوغ صلاحه وأنه يكفي فيه العدل العارف الواحد. وبه قالت المالكية والحنبلية وبعض الشافعية. وقال بعضهم: لابد من اثنين.
(وروى) سعيد بن المسيب عن عتاب بن أسيد قال: أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يخرص العنب كما يخرص النخل وتؤخذ زكاته زبيبا كما تؤخذ صدقة النخل تما. أخرجه أبو داود وبان ماجه وابن حبان والدارقطني والترمذي وقال: حسن غريب. وقد روى ابن جريج هذا الحديث عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة. وسألت البخاري عن هذا فقال: حديث ابن جريج غير محفوظ. وحديث سعيد بن المسيب عن عتاب أصح (1). {101}
وفي الحديث انقطاع (2)(وحكمة) الخرص أن الفقراء شركاء أرباب الأموال في الثمر، فلو منع رب المال
من الانتفاع بالثمر إلى صلاحه لأضره ذلك. ولو انبسطت يده في الثمر لأخل ذلك بحق الفقراء. ولما كانت الأمانة غير متحققة عند كل واحد من أرباب الأموال وعمالهم وضع الشارع هذا الضابط ليتأتى لرب المال الانتفاع به مع حفظ حق المساكين (وفي الحديث) دليل على أن الزكاة لا تخرج عقب الخرص وإنما تخرج إذا صار الرطب تمرا والعنب
(1) انظر ص 209 ج 9 - المنهل العذب المورود (خرص العنب) وص 286 ج 1 ابن ماجه (خرص النخل والعنب) وص 216 - الدارقطني. وص 17 ج 2 تحفة الأحوذى (الخرص) و (أسيد) بفتح فكسر.
(2)
(انقطاع) لأن سعيدا لم يدرك عتابا فإن سعيدا ولد سنة 15 هـ وعتابا مات سنة 13 هـ. قال النووي: هذا الحديث وإن كان مرسلا لكنه اعتضد بقول الأئمة.
زبيبا. وهذا فيما شأنه أن يجفف من العنب والرطب، أما ما لا يجفف منهما كعنب مصر ورطب شمالها، فتجب فيه الزكاة عند النعمان قل أو كثر كسائر الفواكه وتخرج من عينه أو قيمته (وقال) أبو يوسف ومحمد: لا زكاة فيه لعدم بقائه سنة علاج كثير.
(وقالت) المالكية: يتصدق من ثمنه إن بيع وإلا فمن قيمته يوم طيبه ولا يجزئ الإخراج من عينه (وعن) سهل بن أبي حثمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا خرصتم فجذوا ودعوا الثلث فإن لم تجذوا أو تدعوا فدعوا الربع. أخرجه أحمد والثلاثة وابن حبان والحاكم وصححه (1). {102}
وقال الترمذي: والعمل على حديث سهل عند أكثر أهل العلم في الخرص. وفي رواية النسائي والترمذي والحاكم: إذا خرصتم فخذوا بالخاء، أي إذا قدرتم الثمار أيها الخارصون فخذوا ثلثي زكاة ما قدرتم عند الجذاذ واتركوا الثلث أو الربع لرب المال ليتصدق به على أقاربه وجيرانه. ويحتمل أن يكون المعنى: ارتكوا ثلث الثمرة فلا يؤخذ عليه زكاة رأفة بأرباب الأموال. والمرجع في تقدير المتروك إلى الساعي، فإن رأى الأكلة كثيرا ترك الثلث، وإن كانوا قليلا ترك الربع.
(ولهذه) الأحاديث ونحوها قال مالك بوجوب الخرص في التمر والعنب سواء أكان شأنهما الجفاف أو لا كعنب مصر ولا يخص غيرهما في المشهور وفي إلحاق الزرع بهما عند عدم أمن أهله عليه قول مصحح. وقيل: يجعل عليهم حارس أمين. وهو قول صحيح (وإنما) خص التمر والعنب بالخرص على
(1) انظر ص 13 ج 9 - الفتح الرباني (خرص النخل والعنب) وص 211 ج 9 المنهل العذب الموررود (الخرص) وص 344 ج 1 مجتبي (كم يترك الخارص؟ ) وص 17 ج 2 تحفة الأحوذي (الخر) وص 402 ج 1 متدرك (فجذوا) أي إذا قدر الخارص الثمار وعرفتم حق الله فيها فاقطعوا منها ما شئتم، وهو أمر إباحة.
المشهور لأن الشأن الاحتياج إليهما بالأكل والبيع والإهداء دون غيرها، فلو تركا بلا تخريص لغبن الفقرراء فلزم الحرص ليعرف ما تجب فيه الزكاة وما لا تجب وقدر الواجب. ويشترط أن يكون الخرص عند بدو الصلاح وأن يحتاج للأكل منهما رطبين فيخرص كل نخلة على حدة لأنه أقرب للصواب ويسقط الخارص ما تنقصه للجفاف فإن كان الباقي على تقدير الجفاف نصابا زكاه وإلا فلا. وإن تعدد الخاررصون واختلفوا في القدر عمل بقول الأعرف وإن اتحد الزمن وإلا فالأول. وإن استووا في المعرفة يؤخذ من قول كل بنسبته لمجموع عددهم (1) ثم بعد الخرص إن أصابته جائحة قبل جذاذه سقط حق ما تلف فإن بقى بعد ما تجب فيه الزكاة زكاه وإلا فلا. وإن زادت الثمرة بعد جذاذها على خرص عدل عارف وجب الإخراج عن الزائد (2).
(وقالت) الشافعية والحنبلية: يسن خرص الرطب والعنب اللذين تجب فيهما الزكاة ولا مدخل للخرص في غيرهما لعدم التوقيف فيه ولعدم الإحاطة كالنخل والعنب. ويلزم خرص كل البستان، ولا يجوز الاختصار على رؤية بعضه وقياس الباقي به لأنها تتفاوت، فإن اختلف نوع التمر وجب خرص شجرة شجرة، وإن اتحد جاز خرصها واحدة واحدة وهو الأحوط وجاز أن يطوف بالجميع ثم يخرصه دفعة واحدة (3).
(ويدل) أيضا على طلب الخرص قول أبي حميد الساعدي: غزونا مع النبي صلى الله عليه وسلم غزوة تبوك فلما جاء وادي القرى إذا امرأة في حديقة لها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه: "أخروا وخرص رسول الله
(1) فلو خرص واحد البستان بمائة قنطار وآخر بثمانين وثالث بتسعين جمعت الأعداد وقسمت على ثلاثة فيكون الخارج وهو تسعون قنطارا المعول عليه.
(2)
انظر ص 555 ج 1 - الفجر المنير.
(3)
انظر ص 478 ج 5 - مجموع النووي.
صلى الله عليه وسلم عشرة أو سق فقال لها: أحصى ما يخرج منها" (الحديث) أخرجه البخاري (1). {103}
(وقال) الحنفيون والثورى: لا يجوز الخرص، لأنه ظن وتخمين (ولحديث) جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الخرص وقال:"أرأيتم إن هلك الثمر أيحب أحدكم أن يأكل مال أخيه بالباطل؟ " أخرجه الطحاوي وفي سنده ابن لهيعة متكلم فيه (2). {104}
(وأجابوا): (أ) عن حديث عائشة بأن في سنده مجهولا.
(ب) وعن حديث عتاب بأن فيه انقطاعا كما تقدم.
(جـ) وعن حديث سهل بن أبي حثمة بأن فيه عبد الرحمن بن مسعود. قال ابن القطان: لا يعف حاله. ولذا قال أبو بكر بن العربي: لا يصح حديث سهل بن أبي حثمة ولا في الخرص حديث صحيح إلا حديث البخاري ويليه حديث ابن رواحة، وهو حديث عائشة.
(د) وعن حديث أبي حميد الساعدي أن النبي صلى الله عليه وسلم أراد بالخرص معرفة مقدار ما في نخل تلك المرأة خاصة ليأخذ منها الزكاة وقت القطع على حسب ما يجب عليها، وأيضا فقد خر حديقتها وأمرها أن تحى وليس فيه أنه جعل زكاة الثمر في ذمتها وأمرها أن تترف في ثمرها كيف شاءت. وإنما كان يفعل ذلك تخويفا لئلا يخونوا وأن يعرفوا مقدار ما في النخل ليأخذوا الزكاة وقت القطع. هذا معنى الخرص. فأما أنه يلزم به حكم شرعي فلا (3).
(1) انظر ص 221 ج 3 فتح الباري (خر الثمر) و (تبوك) موضع بين المدينة ودمشق. وغزوتها كانت في رجب سنة تسع من الهجرة (أنظر بيانها بهامش ص 313 وما بعدها ج 6 - الدين الخالص) و (أحصى) أي احفظي عدد كيلها. وفي رواية: أحصيها حتى نرجع إليك إن شاء الله تعالى.
(2)
انظر ص 318 ج 1 - شرح معاني الآثار.
(3)
انظر ص 69 ج 9 - عمدة القارئ.
(وأجاب) الجمهور:
(أ) بأن هذه الأحاديث وإن كان في بعضها مقال فقد قويت بعمل الأمة بمقتضاها.
(ب) وأن العمل بالخرص بقى طوال حياة النبي صلى الله عليه وسلم وعمل به أبو بكر رضي الله عنهما (روى) سهل بن أبي حثمة أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعثه إلى خرص التمر وقال: "إذا أتيت أرضا فأخرصها ودع لهم قدر ما يأكلون" أخرجه الحاكم (1). (قال) الخطابي: أنكر أصحاب الرأي الخرص، وقال بعضهم: إنما كان ذلك الخرص تخويفا للأكرة لئلا يخونوا فأما أن يلزم به حكم فلا، وذلك أنه ظن وتخمين وفيه غرر، وإنما كان جوازه قبل تحريم الربا والقمار.
(قلت) العمل بالخرص ثابت وتحريم الربا والقمار والميسر متقدم وبقى الخرص يعمل به رسول الله صلى الله وسلم طول عمره، وعمل به أبو بكر وعمر. وعامة الصحابة على تجويزه والعمل به، لم يذكر عن أحد منهم فيه خلاف. فأما قولهم إنه ظن وتخمين فليس كذلك، بل هو اجتهاد في معرفة مقدار الثمار بالخرص الذي هو نوع من المقادير كما يعلم ذلك بالمكاييل والموازين (2). (ومنه) يعلم أن الراجح القول بمشروعية الخرص في البلح والعنب أخذا بظاهر الأحاديث.
(8)
ضم الحبوب والثمار:
أجمع العلماء على أن الصنف الواحد من الحبوب والثمر يجمع جديده إلى رديئة وتؤخذ الزكاة عن جميعه بحسب قدر كل واحد منهما، فإن كان الثمر أصنافا أخذ من وسطه. واختلفوا في ضم الحبوب المختلفة:
(1) انظر ص 403 ج 1 مستدرك.
(2)
انظر ص 44، ص 45 ج 2 معالم السنن (الخرص).
(فقالت) المالكية: تضم القطاني السبع بعضها إلى بعض، وهي العدس والحمص والبسلة والجلبان والترمس واللوبيا والفول. وروى عن أحمد (وكذا) يضم عند المالكية القمح والشعير والست لأنها جنس واحد في الزكاة. فإذا اجتمع منها خمسة أوسق زكاها وأخرج من كل بحسبه ويجرئ إخراج الأعلى منها أو المساوي لا الأدنى عن الأعلى. وكذا تضم أصناف التمر والزبيب بعضها لبعض، ولا يضم غير ما ذك من دخن وذرة وأرز وزيتون وحب فجل أحمر وسمسم وقرطم لأن كلا منها جنس على حدة. وإنما يضم صنف لآخر إن زرع أحدهما قبل وجوب زكاة الآخر بإفراكه وبقى من حب الأول إلى وجوبها في الثاني ما يكمل به مع الثاني نصاب كأن يبقى من الأول وسقان إلى وجوب زكاة الثاني وقد بلغ ثلاثة أوسق فيضم الأول وللثاني ويزكيان لأنهما كفائدتين جمعهما ملك وحول (1).
(وقال) الحنفيون والشافعي وأحمد في رواية: لا يضم شيء من الحبوب إلى غيره ولا من الثمار لعدم قيام الدليل على الضم (قال) ابن المنذر: وأجمعوا على أنه لا تضم الإبل إلى البقر ولا إلى الغنم ولا الثمر إلى الزبيب
فكذا لا ضم في غيرها؛ وليس للقائلين بضم الأجناس دليل صحيح صريح فيما قالوه (2).
(9)
زكاة الزيتون والرمان:
قال الله تعالى: "وهو الذي أنشأ جنات معروشات وغير معروشات والنخل والزرع مختلفا أكله والزيتون والرمان متشابها وغير متشابه كلوا من ثمره إذا أثمر وآتوا حقه يوم حصاده"(3).
(1) انظر ص 555 ج 1 - الفجر المنير.
(2)
انظر ص 511 ج 5 - مجموع النووي.
(3)
الأنعام، آية:141. و (أنشأ) أي خلق (جنات معروشات) أي بساتين وغيرها ممسوكات مرفوعات (وغير معروشات) أي غير مرفوعات (قال) أبن عباس: (معروشات) ما انبسط على الأرض مما يعرش مثل الكروم والزرع والبطيخ (وغير معروشات) ما قام على ساق مثل النخل وسائر الأشجار (مختلفا) في الخلق والطعم (أكله) طعمه وحبه (متشابها) =
(قال) أنس وابن عباس والنعمان وغيرهم: المراد بالحق هنا الزكاة المفروضة- العشر ونصف العشر- ورواه ابن وهب وابن القاسم عن مالك وبه قال بعض الشافعية. ولذا قال النعمان: تجب الزكاة في كل ما تنبت الأرض طعاما وغيره- بلا شرط نصاب- ومنه الزيتون والرمان. وإليه مال ابن العربي في أحكامه فقال: وأما أبو حنيفة فجعل الآية مرآته فأبصر الحق وعضد مذهبه وقواه (1).
(وقال) مالك: تجب الزكاة في الزيتون إن بلغ حبه نصابا وهو رواية عن
= ورقة وثمره حال مما قبله (وغير متشابه) طعمه ولو وريحه وجرمه (وءاتوا حقه) أي زكاته (وقيل) هو إطعام من حضر وترك ما قط من الزرع والثمر للفقراء (يوم حصاده) أي وقت تيسر الإخراج منه 8 فيما لا يتوقف على تصفية كالعنب والزيتون والنخل. وأما ما لا يحتاج إلى تصفية كالحبوب فالمعنى وءاتوا حقه الذي وجب يوم حصاده بعد الدرس والتذرية.
…
(هذا) وقد اختلف في الآية. أهي محكمة أم منسوخة أم محمولة على الندب؟ فذهب ابن عمر وعطاء ومجاهد والنعمان ومن وافقهم إلى أنها محكمة وأنه يجب على الزارع يوم الحصاد أن يعطي من حضر من المساكين حقهم من الزكاة. (وقال) الحسن والنخعي إنها منسوخة بالزكاة ويؤيده أن هذه الآية مكية وآية الزكاة مدنية نزلت في السنة الثانية من الهجرة وإليه ذهب الجمهور من السلف والخلف. وقال بعضهم: الآية محمولة على الندب لا على الوجوب.
…
(روى) حبان الأعرج عن جابر بن زيد في قوله تعالى: "وءاتوا حقه يوم حصاده" قال: الزكاة المفروضة. أخرجه البيهقي وقال: ويذكر نحو هذا عن سعيد بن المسيب وعن محمد بن الحنفية ومالك بن أنس (وذهب) جماعة من التابعين إلى أن المراد به بغير الزكاة المفروضة.
…
(روى) نافع عن ابن عم في قوله تعالى: "وءاتوا حقه يوم حصاده" قال: كانوا يعطون من اعتراهم شيئا سوى الصدقة (انظر ص 132 ج 4 بيهقي)(وروى) سالم عن سعيد بن جبير في قوله تعالى: "وءاتوا حقه يوم حصاده" قال: كان قبل الزكاة فلما نزلت الزكاة نسختها. قال فيعطي منه ضغثا (قبضة من السنبل وغيره) ويذكر عن السدى أنها مكية نسختها الزكاة (انظر ص 133 ج 4 بيهقي).
…
(وروى) جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر من كل جاد عشرة أو سق من التمر بقنو يعلق في المسجد للمساكين. أخجه أحمد وأبو داود بسند جيد (أنظر ص 305 ج 9 - المنهل العذب المورود) أي أمر النبي صلى الله عليه وسلم من كل نخل يقطع من ثمره عشرة أوسق بعذق يعلق في المسجد ليأكل منه المساكين. والأمر هنا للندب عند الجمهور.
(1)
انظر ص 101 ج 7 تفسير القرطبي.
أحمد. تخرج الزكاة من زيته- وإن قل- إن كان له زيت وأمكن معرفة قدر الزيت ولو بالتحري أو بإخبار موثوق به فلا يخرج حينئذ من حبه أو ثمنه أو قيمته. وإن لم يكن له زيت كالزيتون الأخضر أو كان ولم يكن معرفة قدره تخرج الزكاة من قيمته إن أكله أو أهداه ومن ثمنه إن باعه. وإن لم يكن ما ذكر من القيمة والثمن نصابا إذ العبرة بنصاب الحب فإن لم يكن الحب نصابا فلا زكاة فيه. وأما حب الفجل الأحمر والقرطم والسمسم فيجوز الإخراج من زيتها وحبها (1).
(والصحيح) عند الشافعية والحنبلية أنه لا زكاة في الزيتون، وبه قال أبو يوسف ومحمد لأنه لا يدخر يابسا فأشبه الخضراوات ولأنه لم يرد بالآية الزكاة لأنها مكية. والزكاة فرضت بالمدينة على أنها محمولة على ما يتأتى حصاده ونصابه خمسة أوسق (2) لكن تقدم أنه قيل: إن الزكاة فرضت بمكة إجمالا وبينت بالمدينة تفصيلا (3).
(وقال) ابن رشد: وسبب اختلافهم هل الزيتون قوت أو ليس بقوت؟ ومن هذا الباب اختلاف أصحاب مالك في إيجاب الزكاة في التين أو عدم إيجابها. وذهب بعضهم إلى أن الزكاة تجب في الثمار دون الخضر وهو قول ابن حبيب لقوله تعالى: "وهو الذي أنشأ جنات معروشات وغير معروشات" الآية. ومن فرق في الآية بين الثما والزيتون فلا وجه لقوله إلا وجه ضعيف (4)(وهو) بهذا يميل إلى ما قاله النعمان. واختار القرطبي قول الجمهور قال: إن الزكاة إنما تتعلق بالمقتات دون الخضراوات، وقد كان بالطائف الرمان والفرسك والأترج فما ثبت أن النبي صلى الله عليه ولم أخذ منها زكاة ولا أحدا من خلفائه. وهذا هو الصحيح في المسألة (5).
(1) انظر ص 546 ج 1 - الفجر المنير.
(2)
انظر ص 553 ج 9 - شرح المقنع.
(3)
تقدم ص 106 (وقت افتراض الزكاة).
(4)
انظر ص 233 ج 1 بداية المجتهد (ما تجب فيه الزكاة).
(5)
انظر ص 101 ج 7 تفسير القرطبي (والفرسك) بكر فسكون فكسر: الخوخ أو نوع منه.
(10)
إخراج الطيب:
ينبغي للمزكي أن يتحرى دفع الطيب الوسط من ماله في الزكاة ويتجنب دفع الردئ لقوله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه واعلموا أن الله غني حميد"(1).
المعنى أن الله تعالى يأمر عباده المؤمنين بالإنفاق من أطيب المال وأجوده وينهاهم عن التصدق بردئ المال ودنيئه فإن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيبا. ولذا قال: "ولا تيمموا الخبيث" أي لا تقصدوا المال الرديء فتخصوه بالإنفاق. ففي الآية الأمر بالتصدق بالطيب دون الردئ سواء الصدقة المفروضة والتطوع، وأنه ينبغي لرب المال أن يعطي الصدقة ولو تطوعا من أفضل ماله كسبا ونوعا، فإن ذلك أقرب إلى القبول وأجدر بالثواب العظيم،
(1) سورة البقرة آية: 267 "ولستم بآخذيه" أي لو أعطيتموه ما أخذتموه "إلا أن تغمضوا فيه" أي تتغاضوا في أخذه والله الغني عنه. فلا تجعلوا لله ما تكرهون" واعلموا أن الله غني حميد" أي وإن أمركم بالصدقات وبالطيب منها فهو غني عنها وما ذاك إلا أن يواسي الغنى الفقير كقوله تعالى: "لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم" وهو غني عن جميع خلقه وكلهم فقراء إليه وهو واسع الفضل لا ينفد ما لديه، فمن تصدق بصدقة من كسب طيب فليعلم أن الله غني واسع العطاء كيم جواد وسيجزيه بها ويضاعفها له أضعافا كثيرة وهو المحمود في جميع أفعاله وأقواله وشرعه وقدره لا إله غيره ولا رب سواه.
…
(روى) عن علي رضي الله عنه في قوله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم" قال: من الذهب والفضة "ومما أخرجنا لكم من الأرض" يعني من الحب والثمر وكل شيء فيه زكاة. أخرجه ابن جرير في تفسيره (انظر ص 54 ج 3) وقال البراء: كانت الأنصار يعطون في الزكاة الشيء الدون من الثمر فنزلت: "يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم" الآية. فالدون هو الخبيث. ولو كان لك على إنان شيء فأعطاك شيئا دونه فقد نقصك بعض حقك قبلته فهو الإغماص (انظر ص 136 ج 4 بيهقي- يحرم على صاحب المال أن يعطي الصدقة من شر ماله).
قال الله تعالى: "وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله هو خيرا وأعظم أجرا"(1).
(وعن) أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه ولم قال: "إن العبد إذا تصدق من طيب تقبلها الله منه وأخذها بيمينه ورباها كما يربى أحدكم مهره أو فصيله، وإن الرجل ليتصدق باللقمة فتربو في يد الله، أو قال: في كف الله، حتى تكون مثل الجبل، فتصدقوا" أخرجه أحمد وابن ماجه والترمذي وقال: حسن صحيح (2). {105}
(11)
دفع القيمة:
يجوز عند الحنفيين دفع القيمة في زكاة الماشية والزروع والنذر وصدقة الفطر والكفارات غير الإعتاق، فلو أدى ثلاث شياه سمان عن أربع وسط أو بعض بنت لبون عن بنت مخاض صح. وهذا في غير المثلى فلا تعتبر القيمة في نصاب مكيل أو موزون. ولو نذر التصدق بهذا الخبز مثلا فإنه يجوز التصدق بقيمته (لما روى) طاوس "أن معاذا قال لأهل اليمن: إيتوني بعرض ثياب خميص أو لبيس في الصدقة مكان الشعير والذرة أهون عليكم وخير لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة" أخرجه البخاري معلقا بصيغة الجزم الدال على صحته عنده (3). {106}
(1) آخر سورة المزمل.
(2)
انظر ص 44 ج 9 - الفتح الرباني (كراهة تيمم الخبيث ودفعه في الصدقة) وص 290 ج 1 - ابن ماجه (فضل الصدقة) وص 22 ج 2 تحفة الأحوذى. وتقدم الحديث بلفظ آخر رقم 15 ص 115 (فضل الصدقة).
(3)
انظر ص 200 ج 3 فتح الباري (العرض في الزكاة) والعرض- بفتح فسكون ما عدا النقدين وقد وصل الحديث البيهقي وابن أبي شيبة من طريق سفيان بن عيينة عن إبراهيم بن ميسرة عن طاوس. انظر ص 113 ج 4 بيهقي (من أجاز أخذ القيم في الزكوات)(والخميص) ثوب من خز، له علمان (وقول) النووي: إن المراد من هذا أخذ البدل عن الجزية لا عن الزكاة (يرده) تصريح معاذ بقوله: في الصدقة. وقوله: مكان الذرة والشعير. ولا مدخل لهما في الجزية (وقول) البيهقي: حديث طاوس عن معاذ إذا كان مرسلا فلا حجة فيه (يرده) أن المرسل حجة عند الحنفيين ومن يقول بقولهم (وقول) غيرهما: إن أثر معاذ فعل صحابي لا حجة فيه (يرده) أن معاذا كان أعلم الناس بالحلال والحرام. وقد بين له النبي صلى الله عليه ولم ما يصنع. فلا يعمل هذا إلا بتوقيف وإقرار من النبي صلى الله عليه وسلم.
(ولما) في كتاب الصديق رضي الله عنه من قول النبي صلى الله عليه وسلم: "فإذا بلغت خمسا وعشرين إلى خمس وثلاثين ففيها بنت مخاض أنثى، فإن لم تكن ابنة مخاض فابن لبون ذكر"(الحديث) وفيه: فمن بلغت عنده صدقة الجذعة وليس عنده جذعة وعنده حقة فإنها تقبل منه الحقة ويجعل معها شاتين إن استيسرتا له أو عشرين دررهما" (الحديث) أخرجه الجماعة إلا مسلما والترمذي، وهذا من رواية النائي (1). {107}
وهذا نص في جواز دفع القيمة لما تقدم عن الحنفيين أن تقدير الفضل بالعشرين درهما أو الشاتين لأنه كان قيمة التفاوت حينئذ وابن اللبون يعدل بنت المخاض إذ ذاك (وقال) أبي بن كعب: بعثني النبي صلى الله عليه ولم مصدقا، فمررت برجل فقال:"هذه ناقة فتية عظيمة"(الحديث) وفيه: "فقال له النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ذاك الذي عليك فإن تطوعت بخير آجرك الله فيه وقبلناه منك"(الحديث) أخرجه أحمد والحاكم وصححه. والبيهقي وأبو داود (2). {108}
أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن بعض الناقة تطوع وبعضها فرض مكان بنت مخاض وليس في فروض الصدقات بعض ناقة فثبت أنه صلى الله عليه وسلم
(1) تقدم رقم 42 ص 145 (ما يؤخذ في الزكاة عند عدم الن المطلوب).
(2)
تقدم تاما رقم 50 ص 155 (توقي كريم المال في الزكاة).
أخذها على وجه البدل (1)(هذا) وتعتبر القيمة في الوائم يوم الأداء عند الحنفيين وكذا في غيرها عند أبي يوسف ومحمد. وقال النعمان: تعتبر يوم الوجوب.
(وللمالكية) هنا أقوال: جواز القيمة مطلقا وعدم الجواز مطلقا، وجواز إخراج الذهب والفضة عن الحرث والماشية فقط مع الكراهة وعدم الجواز فيما عدا ذلك.
(وقالت) الشافعية: تجب الزكاة من عين المال المزكى، ولا تجزئ القيمة إلا عند عدم الجنس المطلوب (لحديث) عطاء بن يسار عن معاذ بن جبل أن النبي صلى الله علبيه وعلى آله ولم بعثه إلى اليمن فقال:"خذ الحب من الحب والشاة من الغنم، والبعير من الإبل، والبقرة من البقر" أخرجه أبو داود وابن ماجه والبيهقي والحاكم وقال: هذا إسناد صحيح على شرط الشيخين إن صح سماع عطاء عن معاذ فإني لا أتقنه (2). {109}
(وبهذا) قالت الحنبلية، إلا أن لهم في إخراج أحد النقدين عن الآخر قولين بالجواز والمنع.
(وأجاب) الحنفيون بأن قول النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ: خذ الحب من الحب، والشاة من الغنم إلى آخره. ونصه على بنت المخاض وغيرها، إنما هو لبيان ما هو أيسر على صاحب المال؛ فلا ينافي جواز دفع القيمة باختيار المالك.
(1) أنظر ص 114 ج 4 - الجوهر النقي.
(2)
انظر ص 203 ج 9 - المنهل العذب المورود (صدقة الزرع) و 285 ج 1 ابن ماجه (ما تجب فيه الزكاة) وص 112 ج 4 بيهقي (لا يؤدي من ماله إلا ما وجب عليه) وص 388 ج 1 مستدرك (فإني لا أتقنه) أتقن غيره أن عطاء لم يسمع من معاذ لأنه ولد بعد موته. قال البزار: لا نعلم أن عطاء مع من معاذ.
(12)
هل في العسل زكاة؟ :
لا زكاة فيما يخرج من الحيوان إلا العسل فقد اختلف فيه (قال) الحنفيون وأحمد وإسحق: يجب فيه العشر (لحديث) سليمان بن موسى عن أبي سيارة المتعى قال قلت: يا رسول الله إن لي نحلا. قال: أد العشر. قلت: يا رسول الله، أحمها لي. فحماها لي" أخرجه أحمد وابن ماجه والببيهقي وقال: هذا أصح ما روى في وجوب العشر في العسل، وهو حديث منقطع (1). {110}
(قال) الترمذي: سألت البخاري عن هذا، فقال: حديث مرسل، وسليمان بن موسى لم يدرك أحدا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. وليس في زكاة العسل شيء يصح (2).
(وعن) عمرو بن الحارث بسنده إلى ابن عمرو قال: جاء هلال أحد بنى متعان إلى النبي صلى الله عليه وسلم بعشور نحل له، وكان سأله أن يحمي واديا يقال له سلبة، فحمى له النبي صلى الله عليه وسلم ذلك الوادي، فلما ولى عمر بن الخطاب رضي الله عنه كتب سفيان بن وهب إلى عمر يسأله عن ذلك، فكتب عمر: إن أدى إليك ما كان يؤدي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من عشور نحله فأحم له سلبة وإلا فإنما هو ذباب غيث يأكله من يشاء" أخرجه أبو داود والنسائي والبيهقي وحسنه ابن عبد البر، وقال الحافظ: إسناده صحيح إلى عمرو (3). {111}
(1) انظر ص 17 ج 9 - الفتح الرباني (زكاة العسل) وص 187 ج 1 - ابن ماجه وص 126 ج 4 بيهقي (والمتعي) بضم ففتح (واحمها) أي أحفظ لي مرعاها حتى لا يرعاها الناس. و (منقطع) أي حذف منه غير الصحابي.
(2)
انظر 126 ج 4 بيهقي (ما ورد في العسل).
(3)
انظر 205 ج 9 - المنهل العذب المورود (زكاة العسل) وص 346 ج 1 مجتبي (زكاة النحل) و 126 ج 4 بيهقي. وص 223 ج 3 فتح الباري (العشرر فيما يسقى من ماء السماء) و (بنو متعان) بضم فسكون: قبيلة (وسلبة) بفتحات أو بفتح فسكون: وادلهم (ولي عمر) من باب ورث، أي تولى الخلافة، وبضم الواو فشد اللام مكسورة، أي جعل واليا (وسفيان بن وهب) هكذا هنا. وروى سفيان بن عبد الله وهو الصواب فإنه هو الذي كان عامل عمر على الطائف (والمراد بالذباب) النحل وأضيف إلى الغيث (المطر) لأنه يرعى ما ينبت به.
(وهذا) إذا أخذ العسل من أرض عشرية، وإن أخذ من أرض خراج فلا تجب فيه زكاة عند الحنفيين، لأنه قد وجب على مالكها الخراج بزرعها فلا يجب فيها حق آخر لأجلها. وأرض العشر لم يجب في ذمته حق عنها، فلذا وجبت الزكاة فيما يكون منها. وقد تقدم أن محققي الحنفيين يرون أنه لا مانع من الجمع بين الخراج وغيره. وسوى الإمام أحمد بين الأرضين في ذلك.
(هذا) وهل للعسل نصاب؟ فيه خلاف (فقال) النعمان: لا نصاب له فتجب الزكاة في قليله وكثيره لإطلاق الأحاديث (وقال) أبو يوسف: لا زكاة فيه حتى يبلغ عشر قرب كل قربة خمسون رطلا عراقيا (1)(لحديث) عبد الله بن عمرو أن بني شبابة كانوا يؤدون إلى النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عن نحل كان لهم العشر من كل عشر قرب قربة" أخرجه الطبراني وأخرج نحوه أبو داود والبيهقي (2). {112}
(وقال) محمد بن الحسن: لا زكاة في العسل حتى يبلغ خمسة أفراق كل فرق ستة وثلاثون رطلا عراقيا (وقال) أحمد والزهري: لا زكاة فيه حتى يبلغ
(1) الرطل العراقي ثلاثون ومائة درهم وتمامه يأتي في بحث قدر الصاع (من زكاة الفطر) إن شاء الله.
(2)
انظر ص 6 ج 2 فتح القدير. وص 207 و 208 ج 9 - المنهل العذب الموود (زكاة العسل) وص 128 ج 4 بيهقي (وبنو شبابة) بطن من قبيلة فهم.
عشرة أفراق (لما روى) عن عمر أن أناسا قالوا له: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قطع لنا واديا باليمن فيه خلايا من نحل وإنا نجد ناسا يسرقونها، فقال عمر: إن أديتم صدقتها من كل عشرة أفراق فرقا حميناها لكم" أخرجه الجوزجاني (1). قالوا: هذا تقدير من عمر رضي الله عنه، فيتعين المصير إليه. (ورد) بأنه لم يقم دليل على اعتبار النصاب في العسل. وغاية ما في حديث القرب أنه كان أداؤهم من كل عشر قرب قربة وهو فرع بلوغ عسلهم هذا المبلغ. أما النفي عما هو أقل من عشر قرب فلا دليل عليه (2) ويقال مثله في أثر الأفراق.
(وقال) مالك والشافعي والثورى: لا زكاة في العسل قل أو كثر. وروى عن ابن عمر وعلي والجمهور لأنه مائع خارج من حيوان فأشبه اللبن، (ولقول) عبد الله بن أبي بكر بن عمرو بن حزم: جاء كتاب من عمر بن عبد العزيز إلى أبي وهو بمعنى: أن لا تأخذ من العسل ولا من الخيل صدقة. أخرجه مالك والشافعي والبيهقي (3).
(وقال) يحيى بن آدم: حدثنا حسين بن زيد عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي رضي الله عنه قال: ليس في العسل زكاة. قال يحيى: وسئل حسن ابن صالح عن العسل فلم ير فيه شيئا، وذكر عن معاذ أنه لم يأخذ من العسل شيئا. أخرجه البيهقي (4).
(وأجابوا) عن الأحاديث السابقة:
(أ) بأنها ضعيفة لا تقوم بها حجة.
(ب) وبأن هلالا المتعانى تطوع بما دفعه.
(1) انظر ص 578 ج 2 مغنى ابن قدامة.
(2)
انظر ص 7 ج 2 فتح القدير.
(3)
انظر ص 72 ج 2 زرقاني الموطأ (صدقة الرقيق والخيل والعسل) وص 127 ج 4 بيهقي.
(4)
انظر ص 127 منه (ما ورد في العسل).
(روى) صالح بن دينار أن عمر بن عبد العزيز كتب إلى عثمان بن محمد ينهاه أن يأخذ من العسل صدقة إلا إن كان النبي صلى الله عليه وسلم أخذها، فجمع عثمان أهل العسل فشهدوا "أن هلال بن سعد جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم بعسل، فقال: ما هذا؟ فقال: هدية. فأكل النبي صلى الله عليه وسلم. ثم جاء مرة أخرى فقال: ما هذا؟ فقال: صدقة. فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بأخذها ورفعها ولم يذكر عند ذلك عشورا ولا نصف عشور إلا أنه أخذها" فكتب عثمان بن محمد بذلك إلى عمر بن عبد العزيز قال: فكنا نأخذ ما أعطونا من شئ ولا نسأل عشورا ولا شيئا فما أعطونا أخذنا. أخرجه عبد الرزاق في مصنفه (قال) الحافظ: لفن إسناد الأول أقوى إلا أنه محمول على أنه في مقابلة الحمى كما يدل عليه كتاب عمر بن الخطاب (1).
(وقال) ابن المنذر: ليس في وجوب الصدقة في العسل خبر يثبت ولا إجماع. فلا زكاة فيه، وهو قول الجمهور (2). (هذا) وسبب اختلافهم اختلافهم في تصحيح حديث ابن عمر أن النبي عليه الصلاة والسلام قال في العسل: في كل عشرة أزق زق. أخرجه التمذي وقال: في إسناده مقال ولا يصح في هذا الباب كبير شيء. والطبراني في الأوسط والبيهقي وقال: تفرد به صدقة بن عبد الله السمين وهو ضعيف (3). {113}
(1) انظر 223 ج 3 فتح الباري. وص 207 ج 9 - المنهل العذب المورود (الشرح) و (إسناد الأول) يعني حديث هلال رقم 111 ص 225.
(2)
انظر ص 223 ج 3 فتح الباري. وقال: وما نقله عن الجمهور مقابلة قول الترمذي - بعد أن أخرج حديث ابن عمر (رقم 113) - والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم. وأشار شيخنا إلى أن الذي نقله ابن المنذر أقوى.
(3)
انظر ص 8 ج 2 تحفة الأحوذي (زكاة العسل) وص 17 ج 3 مجمع الزوائد، ولفظه: في العسل العشر في كل ثني عشرة قربة وليس فيما دون ذلك شيء. و 126 ج 4 بيهقي (وأزق) - بفتح فضم فشد- جمع زق- بكسر فشد- وهو ظرف من جلد يجعل فيه السمن والعسل.