الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
منه، لأن المتعين وجب عليه الدخول فيه وغير المتعين تعين بدخوله فيه فصار بمنزلة الفض المتعين وهذا مجمع عليه والحمد لله (1).
(5) آداب الصيام
الصوم ثلاث مراتب (الأولى) صوم العوام. ويحصل بالكف عن المفطرات بقطع النظر عن البعد عن المحرمات القولية والفعلية (روي) أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "رب صائم ليس له من صيامه لا الجوع"(الحديث) أخرجه ابن ماجه والنسائي بسند ضعيف وإن صححه السيوطي (2){164}
…
أي ليس لصومه قبل عند الله تعالى ولا ثواب له فيه، لارتكابه المحرم بالفطر على حرام وعدم حفظ جوارحه من الأيام وإن سقط فرض الصوم بكفه عن المفطرات.
…
(الثانية) صوم الخواص ويحصل (أ) بصيانة الجوارح السبع- وهي العين والأذن واللسان والبطن والفرج واليد والرجل- عن استرسالها في المخالفات (ب) وسكونها عن الحركات الرديئة ومنعها عن انتهاك المحارم المردية واستعمالها في شيء من الآثام المبعدة عن دار السلام. وهذا هو سر الصوم المشار إليه بقول الله تعالى: "يأيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون (3) "
(1) انظر ص 90 ج 3 مغنى ابن قدامة.
(2)
انظر ص 266 ج 1 - ابن ماجه (الغيبة والرفث للصائم).
(3)
سورة البقرة: آية 183.
ولذا قال الشاعر:
إذا ما المرء صام عن الخطايا
…
فكل شهوره شهر الصيام
فعلى الصائم مراعاة هذه الجوارح وكفها عن استرسالها فيما منعت منه فإن قصر في حفظها ربما أداه إلى دخول جهنم من سبعة أبوابها فإنه لا يستحق أحد جهنم إلا بعصيانه بجارحة من هذه الجوارح فمن رعاها في صيامه أمنه الله من انتقامه يوم ينظر المرء ما قدمت يداه.
(روي) أبو هريرة أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال: "ليس الصيام من الأكل والشرب إنما الصيام من اللغو والرفث"(الحديث) أخرجه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم وقال صحيح على شرط مسلم (1){165}
وقد تقدم تمام الكلام في هذا في بحث كف الصائم جوارحه عما لا يرضى ربه (2).
(الثالثة) صوم خواص الخواص. وهو صوم القلب عن الاهتمام بشيء لا يرضى الله وصيانته عن الالتفات إلى الأغيار وإهمال الفكر في الدنيا وأسبابها وزينتها وشهواتها وشغل النفس بذكر الله تعالى وطاعته في جميع الحالات، وليس من الدنيا الاشتغال بتحصيل الكفاف الذي يسد الجوعة ويستر العورة وعلى كل فيستحب للصائم أمور المذكور منها أحد عشر.
…
(1) يستحب تعجيل الفطر إذا دخل وقته بتحقق الغروب (لحديث) عاصم ابن عمر بن الخطاب عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا جاء الليل من هاهنا وذهب النهار من هاهنا وغابت الشمس فقد أفطر الصائم" أخرجه الدارمي والسبعة إلا النسائي وقال الترمذي حسن صحيح (3){166}
(1) تقدم رقم 59 ص 375 (كف الصائم جوارحه).
(2)
تقدم ص 372.
(3)
انظر ص 5 ج 10 - الفتح الرباني وص 141 ج 4 فتح الباري (متى يحل فطر الصائم) وص 209 ج 7 وص 94 ج 10 - المنهل العذب المورود. وص 37 ج 2 تحفة الأحوذي وص 7 ج 2 دارمي.
المعنى أنه متى تحقق الصائم الغروب فليفطر. فهو خير بمعنى الأمر. أو فقد دخل وقت إفطاره. ولا منافاة بينهما لأن دخول وقت الإفطار لا ينافي الأمر به على وجه الندب أو الإباحة (وعن) سهل بن سعد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر" أخرجه الشيخان وابن ماجه والدارمي والترمذي وقال: حسن صحيح (1){167}
وهو الذي اختاره أهل العلم: استحبوا تعجيل الفطر. وبه يقول الشافعي وأحمد وإسحق والمعنى: لا يزال أمر أمتي منتظماً وهم بخير ما داموا محافظين على هذه السنة وإذا خالفوها كان ذلك علامة على فساد يقعون فيه (وعن) أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يزال الدين ظاهراً ما عجل الناس الفطر، لأن اليهود والنصارى يؤخرون" أخرجه أحمد وابن مجه والنسائي وأبو داود وهذا لفظه والحاكم وصححه (2){168}
والمعنى: لا يزال الدين الإسلامي ظاهراً ما عجل الناس فطرهم في الصيام امتثالاً للسنة: فهم بخير ما حافظوا عليها. فهذه الأحاديث تدل على طلب تعجيل الفطر بعد تحقق الغروب (والحكمة) فيه أنه أرفق بالصائم وأقوى له على العبادة. قال الشافعي في الأم: تعجيل الفطر مستحب ولا يكره تأخيره إلا لمن تعمد ذلك ورأى الفضل فيه (3).
…
(2) ويستحب كون الفطر قبل صلاة المغرب، ليطمئن قلبه في الصلاة
(1) انظر ص 142 ج 4 فتح الباري (تعجيل الإفطار) وص 207 ج 7 - ابن نووي وص 267 ج 1 - ابن ماجه وص 7 ج 2 دارمي وص 38 ج 2 تحفة الأحوذي.
(2)
انظر ص 6 ج 10 - الفتح الرباني (تعجيل الفطر) وص 267 ج 1 - ابن ماجه وص 76 ج 10 المنهل العذب المورود. وص 431 ج 1 مستدرك.
(3)
انظر ص 360 ج 2 مجموع النووي.
وينقطع عن الشواغل والتطلع للمفطر. وأن يكون على رطبات وتراً. فإن لم يحدث فتمرات وتراً فإن لم يجد حساً حسوات من ماء (لقول) أنس بن مالك رضي الله عنه: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفطر على رطبات قل أني صلي فإن لم تكن حساً حسوات من ماء" أخرجه أبو داود والحاكم والدارقطني وقال: إسناده صحيح والترمذي وقال: حسن غريب (1){169}
دل الحديث على استحباب فطر الصائم على واحد مما ذكر مرتباً. فإن بدأ بالماء مع وجود التمر أو بالتمر مع وجود الرطب، فاتته السنة (فما) قيل إن الترتيب لكمال السنة، لا لأصلها غير مسلم (وعن) أنس:"أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يصلي المغرب حتى يفطروا ولو على شربة من ماء" أخرجه البيهقي والحاكم (2){170}
…
في الحديثين استحباب تعجيل الفطر قبل صلاة المغرب "وأما" ما روي حميد بن عبد الرحمن أن عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان كان يصليان المغرب حين ينظران إلى الليل الأسود قبل أن يفطرا ثم يفطران بعد الصلاة. أخرجه مالك في الموطأ (3).
…
"فهو" لبيان جواز تأخير الفطر عن الصلاة، لئلا يظن وجوب التعجيل (وقال) الزرقاني: كانا يسرعان بصلاة المغرب، لأنه مشروع اتفاقاً وليس
(1) انظر ص 79 ج 10 - المنهل العذب المورود (ما يفطر عليه) وص 432 ج 1 مستدرك. وص 240 - الدارقطني وص 37 ج 2 تحفة الأحوذي. و (رطبات) جمع رطبة- بضم فسكون- وهو تمر النخل إذا نضج قبل أن يكون تمراً. وأقل الجمع ثلاث وهو الأكمل. و (حسوات) - بضم الخاء وفتح السين أو سكونها- جمع حسوة - بضم فسكون- أي شرب ثلاث مرات.
(2)
انظر ص 239 ج 4 بيهقي (ما يفطر عليه) وص 432 ج 1 مستدرك.
(3)
انظر ص 89 ج 2 زرقاني الموطأ.
من تأخير الفطر المكروه، لأنه إنما يكره تأخيره إلى اشتباك النجوم على وجه المبادرة لكن روي ابن أبي شيبة وغيره عن أنس قال: ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يصلي حتى يفطر ولو على شربة من ماء (1).
…
(وعن) سليمان بن عامر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا كان أحدكم صائماً فليفطر على التمر، فإن لم يجد التمر فعلى الماء. فإن الماء طهور. أخرجه أحمد والدارمي والحاكم وقال صحيح على شرط البخاري والأربعة إلا النسائي وقال الترمذي: حسن صحيح (2){171}
…
الأمر فيه للندب. والتمر اسم جنس يصدق بالواحدة فيتحقق الطلب يأكل ثمرة. وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفطر على ثلاث تمرات وهو الأكمل.
(دلت) هذه الأحاديث على استحباب الفطر على رطب أو تمر إن وجد فإن لم يوجد فعلى الماء لا فرق في ذلك بين مكي وغيره (وقول) من قال السنة بمكة تقديم ماء زمزم على التمر أو خلطه به (مردود) بأنه خلاف الاتباع، وبأنه صلى الله عليه وسلم صام عام بالفتح أياماً كثيرة ولم ينقل عنه أنه خالف عادته التي هي تقديم التمر على الماء. ولو كان لنقل.
…
(هذا) والحكمة في طلب الإفطار على التمر ونحوه أنه حلو والحلو يقوي البصر الذي يضعف بالصوم (فمن خواص) التمر أنه إذا وصل المعدة إن كان خالية حصل به الغذاء وإلا ساعد على هضم ما بها من بقايا الطعام (وقول) الأطباء: إنه يضعف البصر (محمول) على كثيره المضر دون
(1) انظر ص 89 ج 2 زرقاني الموطأ.
(2)
انظر ص 7 ج 10 - الفتح الرباني. وص 7 ج 2 دارمي. وص 431، 432 ج 1 مستدرك. وص 78 ج 10 - المنهل العذب المورود (ما يفطر عليه) وص 36 ج 2 تحفة الأحوذي. وص 267 ج 1 - ابن ماجه.
قليله فإنه يقويه. وإذا كانت العلة كونه حلواً والحلو له ذلك التأثير فيلحق به الحلويات كلها وهذا من كمال شفقة النبي صلى الله عليه وسلم على أمته ونصحهم فإن إعطاء الطبيعة الشيء الحلو مع خلو المعدة أدعى إلى قبوله وانتفاع القوي به لا سيما القوة الباصرة فإنها تقوى به (وأما) الماء فإن الكبد يحصل لها بالصوم نوع يبس فإن رطبت بالماء كمل انتفاعها بالغذاء بعده (ولهذا) كان الأولى بالظمآن الجائع أن يبدأ قبل الأكل بشرب قليل من الماء ثم يأكل بعده هذا مع ما في التمر والماء من الخاصية التي لها تأثير في صلاح القلب لا يعلمها إلا أطباء القلوب (1).
(3)
كيف يفطر الصائم؟ - إذا لم يكن الطعام حاضراً تناول الصائم شيئاً مما تقدم ثم صلى المغرب وبعده يتناول حاجته من الطعام وإن كان الطعام حاضراً تناول شيئاً مما تقدم ثم أخذ حاجته من الطعام (لحديث) أنس أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال: "إذا قدم العشاء فابدءوا به قبل صلاة المغرب ولا تعجلوا عن عشائكم" أخرجه الشيخان (2){172}
…
(وعن) عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا وضع العشاء وأقيمت الصلاة فابدءوا بالعشاء" أخرجه أحمد والشيخان (3){173}
(حملت) الظاهرية الأمر على الوجوب. وحمله الجمهور على الندب.
(1) انظر ص 16 ج 1 زاد العاد.
(2)
انظر ص 110 ج 2 فتح الباري (إذا حضر الطعام وأقيمت الصلاة) وص 45 ج 5 نووي (ولا تعجلوا عن عشائكم) دل على أنه يأكل حاجته من الطعام كاملاً وهو الصواب. وأما ما تأوله بعضهم على أيه يأكل لقماً يكسر بها شدة الجوع فليس بصحيح يرده صريح الحديث (انظر ص 46 ج 5 نووي).
(3)
انظر ص 94 ج 4 - الفتح الرباني (كراهة الصلاة بحضرة الطعام) وص 109 ج 2 فتح الباري وص 45 ج 5 نووي.
فتكره الصلاة بحضرة الطعام الذي يريد أكله لما فيه من اشتغال القلب به وذهاب كمال الخشوع. وهذا إذا صلى حينئذ وفي الوقت سعة فإذا ضاق بحيث لو أكل خرج وقت الصلاة، صلى على حاله محافظة على حرمة لوقت ولا يجوز تأخير الصلاة عن وقتها (وقال) بعض الشافعية: لا يصلي بحاله بل يأكل وإن خرج الوقت، لأن مقصود الصلاة الخشوع فلا يفوته. والصواب الأول (1) (ولظاهر) الحديثين قال أحمد وإسحاق: يقدم العشاء على الصلاة وإن لم يكن محتاجا إليه أو خفيفاً ولم يخش فساده لما فيه من شغل القلب وذهاب كمال الخشوع (وقال) الحنفيون والشافعي: إنما يبدأ بالعشاء إذا كانت نفسه شديدة التوقان إليه وإلا ترك الطعام وصلى (وعن) مالك: يبدأ بالصلاة إلا أن يكون طعاماً خفيفاً (قال) حميد: كنا عند أنس رضي اله عنه فأذن بالمغرب فقال: أبدءوا بالعشاء. وكان عشاؤه خفيفاً. أخرجه الدارقطني (وقد) ظن قوم أن هذا من باب تقديم حظ العبد على حق الحق عز وجل وليس كذلك. وإنما هو صيانة لحق الحق ليدخل العبادة بقلب غير مشغول (ولا يعارض) هذا حديث جابر مرفوعاً "لا تؤخر الصلاة لطعام ولا لغيره" أخرجه أبو داود وفيه (أ) معلي بن منصور كذبه أحمد. (ب) ومحمد بن ميمون منكر الحديث لا يحل الاحتجاج به (2){174}
…
لأنه ضعيف كما ترى فلا يعارض الصحيح. وإن سلمنا صحته فمعناه: لا تؤخر الصلاة عن وقتها. وإذا كان الوقت باقياً يبدأ العشاء.
(1) انظر ص 46 ج 5 نووي.
(2)
انظر ص 403 ج 3 عون المعبود (إذا حضرت الصلاة والعشاء).
(4)
ويستحب للصائم الدعاء عند فطره فإنه مجاب (روي) ابن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن للصائم عند فطره لدعوة ما ترد"، وكان عبد الله ابن عمرو يقول إذا أفطر: اللهم إني أسألك برحمتك التي وسعت كل شيء أن تغفر لي. أخرجه ابن ماجه بسند صحيح (1){175}
…
(وقال) ابن عمر: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أفطر قال "دهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله تعالى" أخرجه أبو داود والبيهقي والحاكم وقال صحيح على شرط الشيخين. والدارقطني وقال: تفرد به الحسين ابن واقد وإسناده حسن (2){176}
ذكر المشيئة للتبرك أو للتعليق فإن ثبوت الأجر لغير النبي صلى الله عليه وسلم مفوض لمشيئة الله تعالى فلا يدري قبل الله صومه أم رده؟ (وعن) معاذ ابن زهرة أنه بلغه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أفطر قال: اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت" أخرجه أبو داود والبيهقي وهو مرسل لأن معاذ بن زهرة ليس له صحبة (3){177}
(وقال) ابن عباس رضي الله عنهما: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا
(1) انظر ص 274 ج 1 - ابن ماجه (الصائم لا ترد دعوته) قال الترمذي في النوادر خصت أمة محمد صلى الله عليه وسلم من بين الأمم في شأن الدعاء. قال تعالى (وقال ربكم ادعوني أستجب لكم)(سورة الإسراء: آية 60) وإنما كان ذلك للأنبياء، فأعطيت هذه الأمة ما أعطيت الأنبياء فلما دخل التخليط في أمورهم من أجل الشهوات التي استولت على قلوبهم وحجبها شرع الصوم لأنه يمنع النفس عن الشهوات فإذا ترك شهوته ولم يتعلق بها قلبه صفاً وصارت دعوته بقلب فارغ قد زايلته ظلمة الشهوات وتولته الأنوار. فإن كان ما سأل في المقدر به عجل وإن لم يكن كان مدخراً له في الآخرة (انظر ص 274 ج 1 سندي ابن ماجه).
(2)
انظر ص 80 ج 10 - المنهل العذب المورود (القول عند الفطر) وص 339 ج 4 بيهقي. وص 422 ج 1 مستدرك وص 240 الدارقطني.
(3)
انظر ص 81 ج 10 - المنهل العذب المورود. وص 229 ج 4 بيهقي.
أفطر قال: "اللهم لك صمنا وعلى رزقك أفطرنا فتقبل منا إنك أنت السميع العليم" أخرجه الطبراني في الكبير والدارقطني وفيه عبد الملك بن هارون وهو ضعيف (1){178}
…
(دلت) هذه الأحاديث على طلب دعاء الصائم بما ذكر فيها بعد الفطر شكراً لنعمة زوال المشقة عنه والحصول على الثواب العظيم والله تعال مجيب الدعاء.
…
(5) ويسن لمن أفطر عند غيره أن يدعو له بما في حديث مصعب بن ثابت عن عبد الله بن الزبير قال. أفطر رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عند سعد بن معاذ فقال: "أفطر عندكم الصائمون وأكل طعامكم الأبرار وصلت عليكم الملائكة" أخرجه ابن ماجه - ومصعب ضعيف (2){179}
…
أي جعلكم الله أهلاً لذلك دائماً. فهو دعاء بالتوفيق حتى يفطر الصائمون عندهم أو بشارة بما حصل لهم من الخير.
(6)
السحور: هو - بفتح السين- ما يتسحر به من طعام وشراب. وبالضم الأكل في السحر بنية الصوم وهو خاص بهذه الأمة (لحديث) عمرو بن العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحر" أخرجه أحمد ومسلم والثلاثة وقال الترمذي حسن صحيح (3){180} الفصل بمعنى الفاصل وأكله- بفتح فسكون- أي الفارق بين صيام أمة محمد صلى الله عليه وسلم وصيام الأمم السابقة هو السحور فإنه من خصائص هذه
(1) انظر ص 156 ج 3 مجمع الزوائد (ما يقول إذا أفطر).
(2)
انظر ص 273 ج 1 - ابن ماجه (ثواب من فطر صائماً).
(3)
انظر ص 16 و 17 ج 10 الفتح الرباني (فضل السحور) وص 207 ج 7 نووي. وص 65 ج 10 - المنهل العذب المورود. وص 304 ج 1 مجتبي. وص 40 ج 3 تحفة الأحوذي.
الأمة. أما الأمم السابقة فكان يحرم عليهم الطعام والشراب بالنوم كما كان لهذه الأمة في بدء الإسلام (وقد) جاء الأمر بالتسحر في حديث أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "تسحروا فإن في السحور بركة أخرجه الستة إلا أبا داود. وقال الترمذي: حسن صحيح. وأخرجه أحمد والنسائي من عدة طرق عن أبي هريرة (1){181}
…
وفي الحديث الحث على السحور والأمر فيه للندب، فقد أجمع العلماء على استحبابه، وأما البركة التي فيه فلأنه بقوى على الصيام وينشط له وتحصل بسببه الرغبة في الازدياد من الصيام لخفة المشقة فيه على التسحر (وقيل) لأنه يتضمن الاستيقاظ والذكر والدعاء في ذلك الوقت الشريف وقت تنزل الرحمة وقبول الدعاء والاستغفار. وربما توضأ صاحبه وصلى أو أدام الاستيقاظ للذكر والدعاء والصلاة أو التأهب لها حتى يطلع الفجر (2).
(وعن) جابر بن عبد الله رضي الله عنه عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من أراد أن يصوم فليتسحر بشيء" أخرجه أحمد وأبو يعلي والبزار والطبراني في الأوسط وفيه عبد الله بن محمد حديثه حسن وفيه كلام (3){182} والأحاديث في هذا كثيرة وفيما ذكرنا غناء وكفاية.
وقت السحور: يمتد وقت السحور إلى طلوع الفجر الصادق، وحينئذ يجب الإمساك عن
(1) انظر ص 99 ج 4 فتح الباري (بركة السحور) وص 206 ج 7 نووي. وص 303 ج 1 مجتبي: وص 40 ج 2 تحفة الأحوذي. وص 266 ج 1 - ابن ماجه وص 14 ج 10 - الفتح الرباني (فضل السحور).
(2)
انظر ص 206 ج 7 نووي مسلم.
(3)
انظر ص 16 ج 10 - الفتح الرباني وص 150 ج 3 مجمع الزوائد (ما جاء في السحور)
كل مفطر وهو المراد بقوله تعالى: "وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر (1) " والفجر فجران:
…
(1) الفجر الكاذب وهو الذي يبدو أولاً ساطعاً مستطيلاً من أعلى إلى أسفل.
…
(2) الفجر الصادق وهو الذي يبدو منتشراً في الأفق بعد الأول بزمن يسع السحور. وقد بينت السنة علامة كل منهما.
(روي) سمرة بن جندب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يمنعكم من سحوركم أذان بلال ولا الفجر المستطيل ولكن الفجر المستطير" أخرجه أحمد ومسلم والثلاثة والدارقطني وقال: إسناده صحيح وحسنه الترمذي (2){183}
…
المعنى لا يمنعكم من السحور أذان بلال فإنه يؤذن بلبل ولا يمنعكم البياض الذي يظهر في السماء شرقاً مستطيلاً كذنب الذئب فإنه هو الفجر الكاذب. وكلوا واشربوا حتى يظهر الفجر الصادق وهو المنتشر ضوءه في الأفق معترضاً في جانب السماء من جهة الشرق.
(وعن) ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن بلالاً يؤذن بليل لينبه نائمكم ويرجع قائمكم وليس الفجر أن يقول هكذا وأشار بكفه ولكن الفجر أن يقول هكذا وأشار بالسبابتين" أخرجه السبعة إلا الترمذي (3){184}
(1) سورة البقرة: آية 187.
(2)
انظر ص 24 ج 10 الفتح الرباني (وقت السحور) وص 205 ج 7 نووي (الدخول في الصوم بطلوع الفجر) وص 67 ج 10 المنهل العذب المورود. وص 305 ج 1 مجتبي. وص 39 ج 2 تحفة الأحوذي. وص 23 الدارقطني.
(3)
انظر ص 35 ج 3 الفتح الرباني (الأذان أول الوقت) وص 71 ج 2 فتح الباري (الأذان قبل الفجر) وص 203 ج 8 نووي (الدخول في الصوم بطلوع الفجر) وص 68 ج 10 - المنهل العذب المورود (وقت السحور) وص 305 ج 1 مجتبي (كيف الفجر) وص 266 ج 1 - ابن ماجه. (ويرجع) كيضرب يستعمل لازماً ومتعدياً. يقال رجع محمد ورجعته وهو هنا متعد. (قائمكم) بالنصب مفعول يرجع أي يرد قائمكم إلى حاجته قبل الفجر.
والغرض الإشارة إلى أن الفجر الكاذب الذي يخرج مستطيلاً. وأما الفجر الصادق فلا يتحقق حتى يظهر النور منتشراً في الأفق (وقد دل) ما ذكر أنه يباح الأكل والشرب ونحوهما ليلة الصيام إلى ظهور الفجر الصادق. وهو قول الجمهور والأئمة الأربعة. وبه قال عمر بن الخطاب وابن عباس وعلماء الأنصار.
…
(7) ويسن تأخير السحور: إلى قبيل ظهور الفجر (لحديث) أبي ذر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تزال أمتي بخير ما عجلوا الفطر وأخروا السحور" أخرجه أحمد. وفيه سليمان بن أبي عثمان مجهول (1){185}
(وعن) أنس بن زيد بن ثابت رضي الله عنهم قال: "تسحرنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم قمنا إلى الصلاة قلت: كم كان قدر ما بينهما؟ قال: قدر ما يقرأ الرجل خمسين آية" أخرجه السبعة إلا أبا داود. وقال الترمذي: حسن صحيح (2){186}
…
وبه يقول كافة العلماء: استحبوا تأخير السحور فينبغي العمل على هذا. وأما ما يفعله الناس اليوم من تعجيل السحور فهو خلاف السنة (قال) ابن أبي جمرة: كان النبي صلى الله عليه وسلم ينظر ما هو الأرفق بأمته فيفعله، لأنه لو لم يتسحر لاتبعوه فيشق على بعضهم. ولو تسحر في جوف
(1) انظر ص 12 ج 10 - الفتح الرباني. وص 154 ج 3 مجمع الزوائد (تعجيل الفطر وتأخير السحور).
(2)
انظر ص 28 ج 10 - الفتح الرباني. وص 98 ج 4 فتح الباري (قدركم بين السحور وصلاة الفجر) وص 207 ج 7 نووي. وص 304 ج 1 مجتبي. وص 266 ج 1 ابن ماجه. وص 38 ج 2 تحفة الأحوذي (قلت كم كان) أي قال أنس لزيد: كم كان بين السحور والصلاة؟ قال: قدر قراءة خمسين آية أي متوسطة قدر سورة المرسلات.
الليل لشق أيضاً على بعضهم ممن يغلب عليه النوم وقد يفضي إلى ترك صلاة الصبح في وقتها أو يحتاج إلى المجاهدة بالسهر (1)
(والحكمة) في طلب تأخير السحور أن النهار يقبل وفي المعدة من الغذاء ما يتقوى به على الطاعة فلا يجهده الصوم ولا يقعده عن الطاعة.
(فائدة) الشك في طلوع الفجر لا يمنع الأكل وغيره لقوله تعالى "وكلوا واشربوا حتى يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر". (قال) رجل لابن عباس متى أدع السحور؟ فقال رجل: إذا شككت. فقال ابن عباس رضي الله عنهما: كل ما شككت حتى يتبين لك. أخرجه البيهقي (2) بسند صحيح (وقال) وروي في هذا عن أبي بكر الصديق وعمر وابن عمر رضي الله عنهم. قال النووي وقد اتفق أصحاب الشافعي على جواز الأكل للشاك في طلوع الفجر وأما قول الغزالي والمتولي: لا يجوز للشاك في طلوع الفجر أن يتسحر فلعلهما أرادا أنه ليس مباحاً مستوى الطرفين بل الأولى تركه فإن أرادا به تحريم الأكل على الشاك في طلوع الفجر فهو غلط مخالف القرآن ولابن عباس ولجماهير العلماء ولا نعرف أحداً قال بتحريمه إلا مالكاً فإنه حرمه وأوجب القضاء على من أكل شاكاً في الفجر (3).
…
(8) ويطلب من العاقل: - ولا سيما الصائم- ترك الإفراط في تناول الطعام. فليحترز الصائم من الشبع في الإفطار والسحور (روي) المقدام بن معد يكرب رضي الله عنه أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال: "ما ملأ آدمي وعاء شراً من بطن بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه فإن كان لا محالة فاعلاً فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه" أخرجه الترمذي (4){187}
(1) انظر ص 98 ج 4 فتح الباري (الشرح).
(2)
انظر ص 221 ج 4 بيهقي.
(3)
انظر ص 306 ج 6 مجموع النووي.
(4)
انظر ص 350 ج 2 تيسير الوصول (ذم كثرة الأكل).
والصائم إذا شبع عند فطره فقد ارتكب ما يقتضي النقص من أجره. والشبع يورث القسوة ويوفر الجفوة ويثير النوم ويجلب الكسل عن الطاعة (روي) عن سيدنا عيسى عليه الصلاة والسلام أنه كان يقول للحواريين: لا تأكلوا كثيراً فتشربوا كثيراً فتقسوا قلوبكم (1).
(9)
ويستحب للصائم:
السواك أول النهار وآخره- عند الحنفيين ومالك والثوري ومحققي الشافعية- لما تقدم عن عامر بن ربيعة (2) والحديث وإن كان ضعيفاً - له شواهد تعضده (منها) حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: "من خير خصال الصائم السواك" أخرجه ابن ماجه والبيهقي والدارقطني. وفيه مجالد ضعفه قوم ووثقه آخرون (3){188}
(وقال) الترمذي: ولم ير الشافعي بالسواك بأساً أول النهار وآخره (4)(وقال) أحمد وإسحق: يكره السواك للصائم بعد الزوال وهو المشهور عند الشافعية مستدلين بحديث الخلوف (5) وتقدم انه لا يدل على الكراهة ولذا نقل عن الشافعي وجماعة من أصحابه عدم كراهة السواك للصائم بعد الزوال. قال النووي: وهذا النقل غريب وإن كان قوياً من حيث الدليل. وبه قال المزني وأكثر العلماء وهو المختار (6)
(1) انظر ص 91 مدارك المرام.
(2)
تقدم رقم 102 ص 173 ج 1 - الدين الخالص (السواك للصائم) الطبعة الثانية.
(3)
انظر ص 265 ج 1 - ابن ماجه (السواك للصائم) وص 272 ج 4 بيهقي (السواك الصائم) وص 248 الدارقطني.
(4)
انظر ص 47 ج 2 تحفة الأحوذي.
(5)
تقدم رقم 103 ص 173 ج 1 - الدين الخالص الطبعة الثانية.
(6)
انظر ص 276 ج 1 مجموع النووي (استياك الصائم بعد الزوال).
(قال) عبد الرحمن بن غنم: سألت معاذ بن جبل أاتسوك وأنا صائم؟ فقال: نعم. قلت: أي النهار أتسوك؟ قال: أي النهار شئت إن شئت غدوة وإن شئت عشية. قلت فإن الناس يكرهونه عشية قال: ولم؟ قلت: يقولون إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك" قال: سبحان الله لقد أمرك بالسواك حين أمرهم وهو يعلم أنه لابد أن يكون بفم الصائم خلوف وإن استاك. وما كان بالذي يأمرهم أن ينتنوا أفواههم عمداً. ما كان في ذلك من الخير شيء. بل هو شر" (لحديث) أخرجه الطبراني في الكبير. وفيه بكر بن خنيس وهو ضعيف وقد وثقه ابن معين في رواية (1){186}
هذا في استياك الصائم بسواك يابس وفي استياكه بالعود الرطب خلاف آخر.
(قال) مالك وإسحق والشعبي: يكره. وروي عن أحمد خشية أن يتحلل منه في الفم شيء، ولما فيه من طعم (ورد) بأن ما يتحلل منه كماء المضمضة فإذا طرحه لا يضره وكذا ما فيه من طعم ولذا قال الحنفيون والثوري والأوزاعي والشافعي. لا بأس بالاستياك بالرطب كاليابس. وروي عن أحمد (قال ابن سيربن) لا بأس بالسواك الرطب قيل: له طعم. قال: والماء له طعم وأنت تتمضمض به. ذكره البخاري (2) وقال زياد بن حدير: ما رأيت أحداً كان أدوم لسوك رطب- وهو صائم- من عمر بن الخطاب (3).
(1)(انظر ص 165 ج 3 مجمع الزوائد 0 السواك للصائم) و (الخلوف) - بضم الخاء وتفتح- تغير رائحة الفم من خلو المعدة.
(2)
انظر ص 110 ج 4 فتح الباري (اغتسال الصائم).
(3)
انظر ص 46 ج 3 مغنى ابن قدامة.