الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(ب) صنع الطعام لأهل الميت ومنهم
(أولا) يستحب- عند الأئمة الأربعة وغيرهم- لأقارب أهل الميت وجيرانهم تهيئة طعام لهم- إن لم يرتكبوا منكرا- فقد أتاهم من الحزن ما يشغلهم عن تهيئة الطعام لأنفسهم، فتقديمه لهم نوع من البر بالقريب والجار والعطف عليه. وفيه أعظم تسلية لأهل الميت وعظيم الأجر لفاعليه.
وقد ورد في هذا أحاديث (منها) حديث عبد الله بن جعفر رضي الله عنه قال: لما جاء نعى جعفر حين قتل قال النبي صلى الله عليه وسلم: "اصنعوا لآل جعفر طعاما فقد أتاهم ما يشغلهم" أخرجه أحمد والشافعي والأربعة إلا النسائي وحسنه الترمذي وصححه ابن السكن والحاكم وفي سنده خالد بن سارة وثقه أحمد والترمذي وابن معين والنسائي وغيرهم (1).
(1) انظر رقم 1091 ص 533 ج 1 فيض القدير. وص 287 ج 8 - المنهل العذب المورود. وص 134 ج 2 تحفة الأحوذي (الطعام يصنع لأهل الميت) وص 252 ج 1 - ابن ماجه (قتل) جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه في جمادى الأول سنة ثمان من الهجرة بمؤتة (يضم فسكون) قرية بالشام قرب دمشق وقد تقدم بيان حاصل غزوة مؤتة بهامش ص 91 ج 4 - الدين الخالص (السفر يوم الجمعة) وقد ورد فيها أحاديث:
…
(منها) حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: أمر النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة مؤتة زيد بن حارثة رضي الله عنه وقال: "إن قتل زيد فجعفر، وإن قتل جعفر فعبد الله بن رواحة. قال ابن عمر: فكنت معهم في تلك الغزوة، فالتمسنا جعفرا رضي الله عنه، فوجدناه في القتلى ووجدنا ما في جسده بضعا وتسعين من طعنة ورمية" أخرجه البخاري (انظر ص 360 ج 7 فتح الباري- غزوة مؤتة).
…
(وحديث) أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أخذ الراية زيد فأصيب ثم جعفر فأصيب ثم أخذها عبد الله بن رواحة فأصيب، وإن عيني النبي صلى الله عليه وسلم لتذرفان =
(وحديث) عروة عن عائشة رضي الله عنها أنها كانت إذا مات الميت من أهلها فاجتمع النساء ثم تفرقن إلا أهلها وخاصتها أمرت ببرمة من تلبينة فطبخت ثم صنع ثريد فصبت التلبينة عليها، ثم قالت: كلن منها فإني سمعت
= (بكسر الراء، أي يسيل دمعها) ثم أخذها خالد بن الوليد من غير إمرة (بكسر فسكون، أي من غير تولية من النبي صلى الله عليه وسلم ففتح الله تعالى له" أخرجه البخاري والنسائي (أنظر ص 75 ج 3 فتح الباري- الرجل ينعي الميت).
…
(ويذكر) أن أبا بكر رضي الله عنه لما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن أصيب فلان ففلان" قال: حسبك يا رسول الله، فلو لم يقلها وتتابع القول لأصيبوا عن آخرهم (انظر ص 393 ج 1 بهجة المحافل).
…
(وحديث) عوف بن مالك الأشجعي قال: خرجت مع زيد بن حارثة في غزوة مؤتة، ورافقني مددي (أي رجل من المدد الذين جاءوا يمدون جيش مؤتة) من أهل اليمن ليس معه غير سيفه، فنحر رجل من المسلمين جزورا، فسأله المددى طائفة من جلده، فأعطاه إياه، فاتخذه كهيئة الدرق، ومضينا فلقينا جموع الروم وفيهم رجل على فرس له أشقر، عليه سرج مذهب وسلاح مذهب، فجعل الرومي يفرى بالمسلمين (يعني يفتك بهم، وهو كناية عن شدة نكايته بهم) فقعد له المدى خلف صخرة، فمر به الرومي فعرقب فرسه فخر وعلاه فقتله وحاز فرسه وسلاحه. فلما فتح الله على المسلمين بعث إليه خالد بن الوليد فأخذ منه بعض السلب (بفتحتين وهو ما مع المقتول من فرس وسلاح) قال عوف: فأتيته فقلت: يا خالد، أما علمت أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بالسلب للقاتل؟ قال: بلى ولكني استكثرته. قلت: لتردنه إليه أو لأعرفنكها، أي لأجازيك بها حتى تعرف صنيعك هذا عند النبي صلى الله عليه وسلم، فأبى أن يرد عليه (قال) عوف فاجتمعنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فقصصت عليه قصة المددى وما فعل خالد، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"يا خالد ما حملك على ما صنعت؟ قال: استكثرته. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا خالد رد عليه ما أخذت منه. قال عوف: فقلت له دونك يا خالد (أي خذها كأنه وفاء له بما وعده) ألم أف لك؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: وما ذاك؟ فأخبرته، فغضب النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا خالد لا ترد عليه، هل أنتم تاركون لي أمرائي؟ لكم صفوة أمرهم وعليهم كدره". أخرجه مسلم وأبو داود وهذا لفظه (انظر ص 64 ج 12 نووي وص 23 ج 3 عون العبود (الإمام يمنع القاتل السلب إن رأي).
النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "التلبينه مجمة لفؤاد المريض تذهب ببعض الحزن" أخرجه أحمد والشيخان (1){79}
والمطلوب صنع طعام يشبع أهل الميت يومهم وليتهم، فإن الغالب أن الحزن الشاغل عن تناول الطعام لا يستمر أكثر من يوم. ويسن الإلحاح عليهم في الأكل لئلا يضعفوا بتركه استحياء أو لفرط الجزع. ولو كان النساء ينحن لم يجز صنع طعام لهن لأنه إعانة على المعصية.
(ثانيا) ويكره تحريما- اتفاقا- جمع الناس على طعام يصنعه أهل الميت إن لم تدع إلى ذلك ضرورة كمعز مسافر سفرا طويلا (لقول) جرير بن عبد الله البجلي: كنا نعد الاجتماع إلى أهل الميت وصنعة الطعام بعد دفنه من النياحة. أخرجه أحمد وابن ماجه بسند صحيح (2). {80}
(1) انظر ص 94 ج 8 - الفتح الرباني (صنع طعام لأهل البيت). وص 439 ج 9 فتح الباري (التلبينة- الأطعمة) وص 202 ج 14 نووي (والبرمة) بضم فسكون: القدر من الحجارة. وتقدم ببيان باقي غريب الحديث بص 47 ج 7 - الدين الخالص هامش رقم 110.
(2)
انظر ص 94 ج 8 - الفتح الرباني (صنع طعام لأهل الميت وكراهته منهم لاجتماع الناس عليه) وص 252 ج 1 - ابن ماجه (النهي عن الاجتماع لأهل الميت وصنعة الطعام)"وأما" حديث عاصم بن كليب عن أبيه عن رجل من الأنصار قال: خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في جنازة فرأيته وهو على القبر يوصي الحافر: أوسع من قبل رجليه، أوسع من قبل رأسه. فلما رجع استقبله داعي امرأة فجاء وجئ بالطعام فوضع يده ثم وضع القوم فأكلوا فنظر آباؤنا النبي صلى الله عليه وسلم يلوك لقمة في فيه ثم قال: أجد لحم شاة أخذت بغير إذن أهلها. فأرسلت المرأة تقول: يا رسول الله إني أرسلت إلى النقيع (بالنون- موضع على نحو عشرين ميلا من المدينة يباع فيه الغنم- وأخطأ من قال البقيع بالباء) يشتري لي شاة فلم أجد فأرسلت إلى جار لي قد اشترى شاة أن أرسل إلى بثمنها فلم يوجد فأرسلت إلى امرأته فأرسلت إليها؛ فقال عليه الصلاة والسلام: أطعميه الأساري. أخرجه أحمد وأبو داود بسند صحيح وهذا لفظ أبي داود (أنظر ص 293 ج 5 مسند أحمد. وص 248 ج 3 عون المعبود- أجتناب الشبهات- البيوع)"فلا يعارض" حديث جرير لأنه ليس فيه أن الداعية امرأة المتوفي ففي الحديث استقبله داعي امرأة. وفي رواية أحمد: فقالت: يا رسول الله، إنه كان في نفسي أن أجمعك ومن معك على طعام. وعلى فرض أنها امرأة المتوفى فهي واقعة حال لا عموم لها. وحديث جرير عام.
(وقول) الصحابي: كنا نعد كذا من بمنزلة رواية إجماع الصحابة رضي الله عنهم وله حكم الرفع. (والمعنى) أنهم كانوا يعدون الاجتماع عند أهل الميت بعد دفنه وأكل الطعام عندهم نوعا من النياحة الممنوعة شرعا لما في ذلك من التثقيل عليهم وشغلهم مع ما هم فيه من الاضطراب بموت أحدهم ولما فيه من مخالفة السنة، لأن الأهل والجيران مأمورون بأن يصنعوا لأهل الميت الطعام، وفي صنعهم هم عكس الموضوع ومخالفة المشروع. وعلى هذا اتفق العلماء.
(قال) في شرح منية المصلى: ويكره اتخاذ الطعام في اليوم الأول والثالث وبعد الأسبوع، ونقل الطعام إلى القبر في المواسم واتخاذ الدعة لقراءة القرآن، وجمع الصلحاء والقراء للختم أو لقراءة سورة الأنعام أو الإخلاص. والحاصل أن اتخاذ الطعام عند قراءة القرآن لأجل الأكل يكره، وإن اتخذ طعاما للفقراء كان حسنا (1). وهذه الأفعال كلها للسمعة والرياء فيحترز عنها لأنهم لا يريدون بها وجه الله تعالى (2)، وهذا إذا لم يكن في الورقة صغار أو غائب ولم يحصل منكر. أما إذا كان كذلك فحرام باتفاق.
(قال) ابن عابدين: إذا كان في الورثة صغار أو غائب أو ما يرتكب من المنكرات كإيقاد الشموع والقناديل ودق الطبول والغناء بالأصوات الحسان واجتماع النساء والمردان، وأخذ الأجرة على الذكر وقراءة القرآن وغير ذلك، فلا شك في حرمة تقديم الطعام من أهل الميت، وما ذكر من المنكرات وبطلان الوصية به (4).
(وقال) بعض المالكية: وأما الاجتماع على طعام بيت الميت فبدعة مكروهة إن لم يكن في الورثة صغير وإلا فهو حرام. ومن الضلال الفظيع والمنكر الشنيع والحماقة غير الهينة تعليق الثريات (النجف) وإدارة القهوات
(1) أنظر ص 609 شرح منية المصلى.
(2)
(3 و 4) انظر ص 664 ج 1 رد المختار.