الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ربي وربك الله" أخرجه أحمد والدارمي والترمذي وحسنه والحاكم وابن حبان وزاد: والتوفيق لما تحب وترضى (1){23}
(وما روي) قتادة أنه بلغه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى الهلال قال: "هلال خير ورشد، هلال خير ورشد، هلال خير ورشد، آمنت بالذي خلقك ثلاث مرات. ثم يقول: الحمد لله الذي ذهب بشهر كذا وجاء بشهر كذا" أخرجه أبو داود وقال: ليس عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الباب حديث مسند صحيح (2){24}
(هذا) ما ورد "أما ما يفعله" بعض العوام من رفع الأيدي عند رؤية الهلال قائلين: (هل هلالك، جل جلالك، شهر رمضان علينا وعليك) ونحو ذلك، ثم يمسحون وجوههم "فبدعة" منكرة من عمل الجاهلية لم تفعل في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ولا السلف الصالح
(ومن البدع) ما يفعله بعض العوام وأرباب الطرق، من الطواف ليلة رؤية رمضان- في العواصم وبعض القرى- بالرايات رافعين أصواتهم بالأذكار والصلوات مع اللغط والتشويش والزمر والطبل وزغاريد النساء واختلاط الرجال بهن وبالأحداث واستعمال آلات اللهو وغير ذلك فإنه لم يكن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه ولا السلف الصالح رضي الله عنهم.
(3) شروط الصيام
هي نوعان: ما يعم الصيام كله، وهو شرط الأداء، وما يخص البعض، وهو شرط الوجوب.
(1) انظر ص 4 ج 2 - دارمي، وص 245 ج 4 - تحفة الاحوذي.
(2)
انظر ص 48 ج 4 - عون المعبود.
(أ) شروط الأداء: هي ثلاثة أنواع: (1) ما يرجع إلى رفث الصوم، وتقدم بيانه (1). (2) شرط جواز الأداء، وهو الإسلام فلا يجوز صوم الكافر إجماعاً وفي كونه شرط وجوب خلاف يأتي بيانه.
(3)
شروط صحة الأداء، وهي ثلاثة:(الأول) الخلو عما ينافي الصوم من مفسد بطروه عليه ومن حيض ونفاس (وهو) شرط صحة عند الحنفيين والشافعي وأحمد وشرط صحة ووجوب عند مالك. فيجب الصوم على الحائض والنفساء إن رأت علامة الطهر ولو مع الفجر فتنوي حينئذ ويصح صومها، وإن شكت بعد الفجر هل طهرت قبله أم بعده؟ أمسكت بقية يومها وجوباً ولا كفارة إن لم تمسك وقضت ذلك اليوم المشكوك فيه (2)(والبلوغ) ليس من شروط الصحة لصحة صوم الصبي العاقل.
(الثاني) التمييز، وهو شرط صحة عند الشافعي، فلا يصح صوم غير مميز كمجنون وإن قل جفونه ومغمىً عليه وسكران إذا لم يفيقا لحظة من النهار، أما إذا أفاق كل منهما ولو لحظة من النهار فإنه يصح صومه ولا يضر النوم جميع النهار، لأن النائم مميز حكماً لسرعة انتباهه إذا نبه. (ويلزم) المغمى عليه القضاء اتفاقاً لأن مدقه لا تطول غالباً ولا يزول به التكليف كالنوم. أما المجنون فلا يلزمه قضاء ما مضى في جنونه ولو كان غير مطبق لأنه يطول غالباً ويزول به التكليف.
(وقال) مالك وأحمد: العقل شرط صحة ووجوب فلا يصح صوم المجنون ولا المغمى عليه ولا يجب عليهما. ومن زال عقله بجنون أو إغماء كل
(1) انظر ص 222.
(2)
انظر ص 634 ج 1 - الفجر المنير.
اليوم أو جله ولو سلم أوله أو دون جله ولم يسلم عند طلوع الفجر، قضى الصوم وجوباً بأمر جديد، فلا ينافي أن العقل شرط وجوب وصحة معاً. أما من جن أو أغمى عليه نصف اليوم فأقل وسلم مما ذكر وقت طلوع الفجر، فلا قضاء عليه وإن لم ينو بالفعل حيث تقدمت له النية تلك الليلة ولو باندراجها في نية الشهر. والسكر ولو بحلال كالإغماء على الراجح ولا قضاء على النائم ولو نام كل الشهر إن بيت النية أولاً (1).
(وقال) الحنفيون: ليس العقل ولا الإفاقة شرطاً لصحة الصوم لأن من نوى الصوم ليلاً ثم جن أو أغمى عليه نهاراً يصح صومه في ذلك اليوم، وإنما لم يصح فيما بعده لعدم تصور النية منهما، ومن جن كل رمضان بأن زال عقله قبل غروب شمس آخر شعبان واستمر حتى تم رمضان لا يقضي، لأنه لما طال جنونه باستيعاب الشهر سقط به القضاء دفعاً للحرج وإن أفاق لحظة منه ولو آخر النهار قضى ما مضى لتحقق سبب الوجوب وهو شهود بعض الشهر ولا حرج في القضاء حيث لم يستوعب الجنون الشهر كله. ولا فرق في ذلك بين الجنون الأصلي والطارئ في ظاهر الرواية. واختاره الكمال ابن الهمام.
واختار الحلواني أن من أفاق في وقت غير صالح لإنشاء النية بأن أفاق بعد الزوال أو ليلاً لا قضاء عليه وصححه غير واحد فهما فولان مصححان. والمعتمد الأول، لأنه ظاهر الرواية، ومن أغمى عليه أياماً ولو كل الشهر قضاها إلا يوماً حدث فيه أو في ليلته الإغماء ولم يفطره، فلا يقضيه لتحقق الصوم فيه إذ الظاهر أنه نوى الصوم حملاً لحال المسلم على الصلاح، والفرق بين الإغماء والجنون أن الإغماء لا يطول عادة فلا يسقط به القضاء.
(الثالث) النية وهي لغة: العزم، وشرعاً الإرادة المقارنة للفعل المسبوقة بعلم النوى. وصحت غير المقارنة في الصوم للضرورة. والشرط علمه بقلبه
(1) انظر ص 634 ج 1 - الفجر المنير.
أي صوم يصوم. ولا عبرة باللسان وإن خالف القلب ويقوم مقامها التسحر. ولو قال: نويت صوم غد إن شاء الله تعالى صح استحساناً لأن النية أمر قلبي والمشيئة إنما تبطل العمل اللفظي. ثم الكلام فيها في ثلاثة مواضع: صفتها، وكيفيتها، ووقتها.
(فصفتها) أنها ركن عند الشافعية وشرط لصحة كل صوم عند الثلاثة، لقوله تعالى:"وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين"(1)، فإن الإخلاص هو النية، لأنه من أعمال القلب (وعن) عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى" أخرجه الشيخان (2). {25}
أي صحتها بالنية. وقد أجمع العلماء على أنها فرض في الصوم وغيره من مقاصد العبادات. والعبادة عمل يأتيه العبد باختياره خالصاً لله تعالى بأمره. والاختيار والإخلاص لا يتحققان بدون النية.
(كيفيتها) يكفي عند الحنفنيين نية طلق الصوم في صوم النفل وفي الصوم المعين وقته كرمضان والمنذور المعين لقوله تعالى: "فمن شهد منكم الشهر فليصمه" وهذا قد شهد الشهر وصامه فيخرج عن العهدة (ولو) نوى في رمضان النفل أو واجباً آخر، وقع عن رمضان (ولو نوى) في المنذور المعين وقته النفل، وقع عن المنذور. ولو نوى فيه واجباً آخر وقع عما نوى بخلاف رمضان. ووجه الفرق أن شهر رمضان معين بتعيين الله تعالى فيظهر تعيينه في حق كل صوم آخر وأن التعيين في المنذور بتعيين العبد فيظهر تعيينه بالنسبة
(1) سورة البينة: آية 5.
(2)
تقدم رقم 29 ص 133 (شروط صحة الزكاة).
لصوم التطوع دون الواجبات التي هي حق الله تعالى في هذه الأوقات فبقيت محلاً لها، فإذا نواها صح
(وهذا) في حق المقيم. أما المسافر فإن صام رمضان بمطلق النية وقع صومه عن رمضان وإن صام فيه ناوياً واجباً آخر وقع عما نوى عند النعمان وعند الصاحبين يقع عن رمضان وكذا إن صام ناوياً التطوع عندهما وعن النعمان روايتان الأصح أنه يقع عن التطوع (1)
(وهذا) وصوم القضاء والكفارات والنذور المطلقة لا يجوز إلا بتعيين النية حتى لو صام ناوياً مطلق الصوم لا يقع عما عليه ولو نوى بصومه قضاء رمضان والتطوع كان عن القضاه عند أبي يوسف لأن نية التعيين في التطوع لغو فلغت وبقي أصل النية فصار كأنه نوى قضاء رمضان
(وقال) محمد: يكون عن التطوع، لأنه عين الوقت لجهتين مختلفتين فسقطتا وبقي أصل النية وهو نية الصوم فيكون عن التطوع (وإن) نوى قضاء رمضان وكفارة الظهار يكون عن القضاء استحساناً عند أبي يوسف، لأنه خلف عن صوم رمضان وخلف الشيء يقوم مقامه. وصوم رمضان أقوى حتى تندفع به نية أي صوم آخر .. والقياس أن يقع عن التطوع وهو قول محمد، لأن جهتي التعيين تعارضتا فسقطتا فبقي نية مطلق الصوم فيكون تطوعاً (2)
(وقال) مالك والشافعي وأحمد: يجب تعيين النية في كل صوم واجب بأن يعزم أنه يصوم غداً من رمضان أو من قضائه أو من كفارته أو عن نذر. ويجوز عندهم صوم النفل بنية مطلقة وعن أحمد أنه لا يجب تعيين النية لرمضان (فلو) نوى في رمضان الصوم مطلقاً أو نوى نفلاً وقع عن رمضان وصح صومه (ولو) نوى ليلة الشك: إن كان غداً من رمضان فأنا صائم فرضاً
(1) انظر ص 84 ج 2 بدائع الصنائع.
(2)
انظر ص 85 منه ..
وإلا فهو نفل، لم يجزئه على الرواية الأولى، لأنه لم يعين الصوم عن رمضان جزماً ويجزيه على الأخرى، لأنه قد نوى الصوم. ولو كان عليه صوم من سنة خمس فنوى أن يصوم عن سنة ست أو نوى الصوم عن يوم الأحد وكان الإثنين أو ظن أن غداً الأحد فنواه وكان الإثنين، صح صومه لأن نية الصوم لم تحتل وإنما اخطأ في الوقت. وإذا عين النية عن صوم رمضان أو قضائه أو كفارة أو نذر لم يحتج أن ينوي كونه فرضاً. وقال ابن حامد يجب ذلك (1).
وقت النية:
وقتها عند مالك والليث: الليل في كل صوم ولو نفلاً (وقال) الشافعي وأحمد: وقتها الليل في الفرض والليل وأول النهار في النفل (وقال) الحنفيون: وقتها الليل في صوم ليس له وقت معين كقضاه رمضان وصوم الكفارات والنذر المطلق. أما الصوم المعين زمنه كأداء رمضان والنذر المعين فوقتها فيه من أول الليل إلى ما قبل الزوال. وكذا صوم النفل والمكروه (فيلزم) تبييت نية الصوم بإيقاعها في جزء من الليل بلا فرق بين صوم الفرض والنفل عند مالك، لعموم حديث سالم بن عبد الله عن أبيه عن حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"من لم يجمع الصيام قبل الفجر فلا صيام له" أخرجه أحمد والأربعة والدارقطني وابن خزيمة وابن حبان وصححاه مرفوعاً (وقال) الترمذي: حديث حفصة لا نعرفه مرفوعاً إلا من هذا الوجه وقد روي عن نافع عن ابن عمر قوله وهو أصح (2){26}
فقوله: فلا صيام له نكرة. في سياق النفي تعم الفرض والنفل. والحديث وإن اختلف في رفعه ووقفه فهو صالح للاحتجاج به، لأن له شاهداً يقويه
(1) انظر ص 18 ج 3 مغنى ابن قدامة.
(2)
انظر ص 275 ج 9 - الفتح الرباني (وجوب النية في الصوم ليلاً). وص 215 ج 10 - المنهل العذب المورود وص 32 ج 1 مجتبي. وص 48 ج 2 تحفة الأحوذي (لا صيام لمن لم يعزم من الليل) وص 267 ج 1 - ابن ماجه وص 234 الدارقطني (ويجمع) بضم فسكون فكسر من أجمع إجماعاً. أي عزم النية وأحكمها.
(روت) عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "من لم يبيت الصيام قبل طلوع الفجر فلا صيام له" أخرجه الدارقطني والبيهقي. وفيه عبد الله بن عباد ضعيف (1){27}
(وقال) الشافعي وأحمد: يجب تبييت النية في الفرض دون التطوع.
وحملوا الأحاديث السابقة على الفرض دون النفل فلا يجب فيه التبييت (لحديث) عائشة رضي الله عنها "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأتيها فيقول: هل عندكم طعام؟ فإذا قلنا: لا قال إني صائم" أخرجه أحمد ومسلم والثلاثة. وهذا لفظ أبي داود (2){28}
(وقال) الحنفيون: يلزم تبيت نية الصوم من الليل ولو عند طلوع الفجر إن لم يتعلق بوقت معين كقضاء رمضان وصوم الكفارات والنذر المطلق. وحملوا على هذا حديث: من لم يجمع الصيام قبل الفجر فلا صيام له (3) أما ماله زمن معين كأداء رمضان والنذر المعين فيصح صومه بنية في الليل والنهار قبل الزوال. وكذا الصوم المسنون والمكروه، فلا يلزم فيما ذكر تبييت النية لقوله تعالى:(وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر، ثم أتموا الصيام إلى الليل (4)(أباح) الله تعالى الأكل والشرب إلى طلوع الفجر وأمر بالصيام بكلمة ثم التي للتراخي فأفاد أن النية تعتبر بعد الفجر قطعاً
(وعن) سلمة بن الأكوع رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أمر رجلاً من أسلم أن أذن في الناس أن من كان أكل فليصم بقية
(1) انظر ص 234 الدارقطني وص 203 ج 4 بيهقي (الدخول في الصوم بالنية).
(2)
انظر ص 277 ج 9 - الفتح الرباني. وص 34 ج 8 نووي (جواز صوم النافلة بنية من النهار) وص 320 ج 1 مجتبي. وص 275 ج 4 بيهقي. وص 217 ج 10 - المنهل العذب المورود وص 50 ج 2 تحفة الأحوذي (إفطار الصائم المتطوع).
(3)
تقدم رقم 26 ص 344.
(4)
سورة البقرة: آية 187.
يومه ومن لم يكن أكل فليصم. فإن اليوم يوم عاشوراء" أخرجه احمد والشيخان والنسائي والبيهقي (1){29}
كان صوم عاشوراء فرض حتى فرض رمضان فصار سنة كما سيأتي (2) ولو نوى صوم ما ذكر عند الزوال أو بعده، لا يصح لعدم مقارنة النية لأكثر النهار. (هذا) وقد علم أن الصوم في الليل كافية في كل صوم بالإجماع، لكن بشرط عدم الرجوع عنها. حتى لو نوي ليلا صوم غد ثم عزم ليلا على الفطر لم يصبح صائما، فلو أفطر لا شئ عليه في غير رمضان ولو مضى عليه لا يجزئه لا نتقاض النية بالرجوع. ولو نوي الصائم بالنهار الفطر لم يفطر.
والأفضل في كل صوم أن ينوي وقت طلوع الفجر إن أمكنه أو من الليل لأن النية عند طلوع الفجر تقارن أول جزء من العبادة حقيقة ومن الليل تقارنه تقديرا (3).
(وأجاب) من أجب تبييت النية في كل صوم:
(أ) عن الآية بأنها محتملة لأن تكون نية الصوم نهاراً وأن تكون ليلاً. والمعني: ثم أتموا الصيام الذي نويتموه ليلاً.
…
(ب) وعن حديث سلمة بأنه منسوخ بحديث: من لم يجمع الصيام قبل الفجر فلا صيام له، لتأخر هذا. ولو سُلّم عدم النسخ فالنية إنما صحت في نهار عاشوراء لأنه ما بلغهم فرضية صوم إلا نهاراً. والرجوع إلى الليل حينئذ متعذر. والنزاع فيما كان ممكنا فيختص جواز النية بالنهار بمن ظهر له
(1) انظر ص 179 ج 10 - الفتح الرباني (فضل يوم عاشوراء) وص 178 ج 4 - فتح الباري وص 13 ج 8 نووي وص 319 ج 1 مجتبي (إذا لم يجمع من الليل هل يصوم ذلك اليوم من التطوع؟ ) وص 288 ج 4 بيهقي (صوم عاشوراء كان واجباً ثم نسخ وجوبه).
(2)
يأتي في بحث (مبدأ فرض الصيام - وصوم يوم عاشوراء) إن شاء الله تعالى.
(3)
انظر ص 85 ج 2 بدائع الصناع.
وجوب الصيام عليه نهارًا، كالمجنون يفيق، والصبي يحتلم، والكافر يسلم، ومن ظهر له نهاراً أن اليوم من رمضان.
…
(ج) وعن حديث عائشة بأنه يحتمل أن النبي صلى الله عليه وسلم كان قد نوي الصوم وأراد الفطر لعذر (ويقوي) هذا قوله في رواية أحمد: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان بأتيها وهو صائم. ولو سلم عدم الاحتمال فإن غايته تخصيص صوم التطوع من عموم الحديث من لم يجمع الصيام قبل الفجر فلا صيام له.
(تنبيه) قد دلت أحاديث لزوم تبييت نية الصوم على أنها تجب لكل يوم وبه قال الحنفيون والشافعي والجمهور. وهو أصح الروايتين عن أحمد، لأن صوم كل يوم عبادة مستقلة (وقال) مالك وإِسحق: يكفي نية صوم لشهر أول ليلة من رمضان ولا يجب تجديدها لكل يوم بل يستحب، لقوله صلى الله عليه وسلم: وإنما لكل امرئ ما نوى. وهذا قد نوى جمع الشهر فكان له ما نوى (ورد) بإن معناه أن كل عبادة تحتاج إلى نية وصوم كل يوم من رمضان عبادة مستقلة فتحتاج إلى نية (ومنه) يعلم أن الراجح قول من قال بلزوم تبييت النية في كل يوم غير النقل. وقول من قال بلزومها في كل ليلة من رمضان وعلى قياس رمضان إذا نذر صوم شهر بعينه فيقال فيه مثل ما ذكر في رمضان (1).
…
(ب) شروط وعيوب الصوم: يشترط لوجوبه ستة شروط.
(1)
الإسلام. وهو شرط وجوب وصحة عند الحنفيين وأحمد، فلا يفترض الصوم على الكافر الأصلي وإن عوقب في الآخرة على ترك اعتقاد افتراضه لأنه غير مخاطب بفروع الشريعة على المرتد عند الحنفيين وهو الصحيح عند أحمد لأنه يصير كالكافر الأصلي، وكذا لا يصح منه لأن النية شرط لصحته وهي لا تصلح إلا من المسلم كما تقدم
(1) انظر ص 26 ج 2 مغنى ابن قدامة.
(وقال) الشافعي: الإسلام - ولو فيما مضى - شرط وجوب فلا وجوب فلا يجب الصوم على الكافر الأصلي وجوب مطالبة وإن كان يعاقب عليه في الآخرة عقاباً زائداً على عقاب الكفر ويجب على المرتد وجوب مطالبة بأن يقال له أسلم وصم. ويجب القضاء عليه إن عاد للإسلام. وهو رواية عن أحمد (هذا) ولا يجوز للمسلم إعانة الكافر على ما لا يحل عندنا كالأكل والشرب في نهار رمضان بضيافة أو غيرها لأنه إعانة على معصية (وقال) مالك الإسلام شرط صحة. فلا يصح صوم الكافر وإن كان واجباً عليه ويعاقب على تركه زيادة على عقاب الكفر، لأنه يرى أن الكافر مخاطب بفروع الشريعة وإن كانت لا تصح إلا بالإسلام. وإذا أسلم سقطت عنه ولو مرتداً لقوله تعالى "قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف (1) ".
…
(2) البلوغ: وهو شرط وجوب عند الأربعة. فلا يفترض الصيام على صبي لعدم تكليفه. لكن على ولي الصبي أن يأمره به إذا أطاقه ويضربه عليه إذا امتنع كالصلاة في الأصح عند الحنفيين والشافعي واحمد (لحديث) الربيع بنت معوذ قالت "أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم صبيحة عاشوراء إلى قرى الأنصار التي حول المدينة: من كان أصبح صائماً فليتم صومه. ومن كان أصبح مفطراً فليصم بقية يومه فكنا نصومه بعد ذلك ونصوم صبياننا الصغار"(الحديث) أخرجه الشيخان والبيهقي (2){30}
(وفي الحديث) تمرين الصبيان على الطاعات وتعويدهم العبادات ولكنهم ليسوا مكلفين (واختلف) في تحديد السن التي يؤمر الصبي عندها بالصيام (فعند) الحنفيين والشافعي يؤمر به لسبع ويضرب عليه لعشر إذا أطاقه
(1) سورة الأنفال: آية 39.
(2)
انظر ص 144 ج 4 فتح الباري (صوم الصبيان) وص 13 ج 8 نووي (صوم يوم عاشوراء) وص 288 ج 4 بيهقي.
(وقال) احمد يؤمر به لعشر
(وقالت) المالكية: لا يجب الصوم على الصبي ولو مراهقاً ولا يطلب من الولي أمره به لأن الصوم غير مشروع في حقه (وحديث) الربيع بنت معوذ (يرده) لأنه يبعد كل البعد ألا يطلع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم على ذلك.
…
(3) العقل: وهو شرط وجوب عند الحنفيين والشافعي. فلا يفترض الصوم عند الحنفيين على مجنون مطلقاً، لعدم تكليفه (ولحديث) علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"رفع القلم عن ثلاثة: عن المجنون المغلوب على عقله حتى يبرأ وعن النائم حتى يستيقظ وعن الصبي حتى يحتلم" أخرجه أحمد وأبو داود
والترمذي (1). {31}
(وقالت) الشافعية: لا يجب الصوم على المجنون إلا إن تعدى بتعاطي ما يزيل عقله من شرب أو غيره فيجب ويلزمه قضاؤه بعد الإفاقة. ومثله السكران على المعتمد. فإن تعدى بشرب المسكر وجب عليه الصوم ولزمه قضاؤه بعد الإفاقة، وإلا فلا يدب عليه. وأما المغمى عليه فيجب عليه قضاء الصوم وإن لم يعتمد بسبب الإغماء (وقال) مالك وأحمد: العقل شرط وجوب وصحة معاً. فلا يجب الصوم على مجنون ولا يصح منه على ما تقدم بيانه في شروط صحة الأداء (2).
(4)
يشترط لوجوب الصوم- عند الحنفيين- العلم بافتراضه لمن أسلم في دار الحرب بإخبار رجلين أو رجل وامرأتين أو واحد عدل عند النعمان (وقال) أبو يوسف ومحمد: لا تشترط في المخبر العدالة ولا البلوغ ولا الحرية فلو أسلم الحربي في دارهم ولم يعلم أن عليه صوم رمضان ثم علم لا يلزمه قضاء ما مضى، أما من أسلم في دار الإسلام فلا يشترط في حقه العلم
(1) تقدم رقم 19 ص 119 (الزكاة في غير المكلف).
(2)
تقدم ص 340.
بافتراضه فيلزمه قضاء ما لم يصمه بعد الإسلام، لأن الجاهل في دارنا لا يعذر بجهله في مثل هذا.
(5 و 6) الإقامة والقدرة على الصوم: وهما شرطان لوجوب الأداء: فلا يجب أداء صوم رمضان على مسافر ولا على عاجز عنه حسا- لكبر أو مرض- أو شرعاً- لحيض أو نفاس- وعلى من زال عذره القضاء، لقوله تعالى "فمن كان منكم مريضاً أو على سفرٍ فعدة من أيامٍ أخر (1) " (ولحديث) معاذة العدوية "أن امرأة سألت عائشة: ما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة؟ فقالت عائشة رضي الله عنها: كان يصيبنا ذلك على عهد النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة" أخرجه السبعة والبيهقي (2){32}
(فائدة) من صار أهلاً لوجوب الصوم بعد أن لم يكن واجباً عليه، لزمه إمساك بقية اليوم- احتراماً للوقت بقدر المستطاع عند الحنفيين وروي عن أحمد- ككافر أسلم أو صبي بلغ أو مجنون أفاق أو مسافر أقام أو مريض بريء وقد أفطر أو فات وقت النية. وأما لو زال المانع من الصوم قبل تناول مفطر وفوات وقت النية فيلزمه الصوم وإن نوى الفطر وكذا إذا طهرت حائض أو نفساء بعد الفجر أو معه، يلزمها الإمساك
(هذا) والكافر إذا أسلم والصبي إذا بلغ، لا يلزمهما قضاء اليوم الذي صارا فيه أهلاً للصيام، لعدم أهليتهما له أول اليوم أما غيرهما- إذا صار أهلاً للصوم وكان قد أفطر أو فات وقت النية- فيجب عليه قضاء اليوم الذي صار
(1) سورة البقرة: آية 184.
(2)
انظر ص 153 ج 2 - الفتح الرباني (موانع الحيض .. ) وص 288 ج 1 فتح الباري (لا تقضي الحائض الصلاة) وص 26 و 27 ج 4 نووي (قضاء الصوم على الحائض دون الصلاة) وص 42 و 43 ج 3 - المنهل العذب المورود وص 319 ج 1 مجتبي (وضع الصيام عن الحائض. وص 123 ج 1 تحفة الأحوذي. وص 112 ج 1 - ابن ماجه. وص 308 ج 1 بيهقي.