المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(د) صوم التطوع - الدين الخالص أو إرشاد الخلق إلى دين الحق - جـ ٨

[السبكي، محمود خطاب]

فهرس الكتاب

- ‌(10) محظورات القبر

- ‌(11) سؤال القبر وفتنته

- ‌(12) عذاب القبر ونعيمه وضغطته

- ‌(13) المشي بالنعلين بين القبور

- ‌(14) دفن أكثر من واحد في القبر

- ‌(15) نبش القبر

- ‌(16) نقل الميت

- ‌(17) إعداد القبر

- ‌(18) وضع الجريد على القبر

- ‌(الشهيد)

- ‌(أ) تعريفه:

- ‌(ب) تجهيز الشهيد:

- ‌(جـ) الشهيد غير المكلف:

- ‌(د) الشهيد غير الطاهر:

- ‌(هـ) كفن الشهيد:

- ‌(و) من لا يعتبر شهيدا:

- ‌يتصل بما يتعلق بالميت أربعة أصول:

- ‌(أ) التعزية

- ‌(ب) صنع الطعام لأهل الميت ومنهم

- ‌(جـ) زيارة القبور

- ‌(د) القرب تهدي إلى الميت

- ‌الزكاة

- ‌(أ) زكاة النعم

- ‌(ب) زكاة الأثمان

- ‌(جـ) زكاة العروض

- ‌(د) زكاة الزروع والثمار

- ‌(هـ) المعدن والركاز

- ‌الصيام

- ‌(1) فضل الصيام:

- ‌(2) وقت الصوم:

- ‌(3) شروط الصيام

- ‌(4) أقسام الصيام

- ‌(أ) صيام رمضان:

- ‌(ب) الصوم الفرض غير المعين

- ‌(جـ) الصوم المنهي عنه

- ‌(د) صوم التطوع

- ‌(5) آداب الصيام

- ‌(6) ما يباح للصائم

- ‌(7) ما يكره للصائم:

- ‌(8) ما لا يفسد الصوم

- ‌(9) ما يفسد الصوم

- ‌(10) الأعذار المبيحة للفطر

- ‌(11) بدع رمضان

- ‌(12) الموضوع في الصيام

- ‌(13) الاعتكاف

الفصل: ‌(د) صوم التطوع

في الصغير والأوسط من حديث طويل وفيه يونس ابن تميم ضعفه الذهبي (1). {99}

(وكان) ابن عمر إذا أراد أحد أن يصحبه في سفر اشترط عليه ألا يصحبنا على تغير خلال ولا ينازعنا الأدان ولا يصومنَّ إلا بإذننا. أخرجه الطبراني في الكبير بسند رجاله رجال الصحيح (2) والنهي فيما ذكر للتنزيه (وحكمته) دفع تحرج أهل المنزل بصومه لتقييد الوقت وإحسان الطعام للصائم بخلاف ما إذا كان مفطراً فيأكل معهم ويندفع عنهم الحرج ولأن من آداب الضيف أن يطيع المضيف. فإن خالفه فقد ترك الأدب (3).

(د) صوم التطوع

التطوع بالصوم له فضل عظيم وثواب جزيل به تضاعف الحسنات وترفع الدرجات وتكفر السيئات "إن الحسنات يذهبن السيئات" والكلام هنا في أربعة وعشرين فصلاً:

(1)

صوم ستة أيام من شوال- يستحب- عند الحنفيين والشافعي وأحمد ومحققي المالكية- صيام ستة أيام من شوال (لحديث) جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من صام رمضان وستاً من شوالٍ فكأنما صام السنة كلها" أخرجه احمد والبيهقي والطبراني في الأوسط والبزار، وفيه عمرو بن جابر ضعيف (4){100}

لكنه يتقوى بحديث أبي أيوب الأنصاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من صام رمضان ثم أتبعه ستاً من شوالٍ فكأنما صام الدهر" أخرجه

(1) انظر ص 201 ج 3 مجمع الزوائد (من نزل بقول فأراد الصوم).

(2)

انظر ص 201 ج 3 مجمع الزوائد (من نزل بقول فأراد الصوم).

(3)

انظر ص 67 ج 2 تحفة الأحوذي.

(4)

انظر ص 220 ج 10 - الفتح الرباني (صوم ستة من شوال) وص 292 ج 4 بيهقي وص 183 ج 3 مجمع الزوائد.

ص: 402

أحمد ومسلم والبيهقي والدارمي والأربعة إلا النسائي، وقال الترمذي: حسن صحيح وفيه سعد بن سعيد تكلم فيه بعضهم من قبل حفظه (1){101}

(والمعنى) أن من واظب على صيام رمضان وستة أيام من شوال في كل سنة فكأنما صام طول حياته. أما من صام رمضان وستاً من شوال سنة واحدة فكأنما صام سنة واحدة لأن الحسنة بعشر أمثالها ورمضان بعشرة أشهر والستة الأيام بشهرين (والسر) في مشروعية صومها أنها تجبر ما وقع في رمضان من خلل. والأفضل عند الحنفيين والشافعي صومها متوالية عقب يوم الفطر لظاهر قوله "ثم أتبعه بست من شوال" فإن فرقها أو أخرها عن أول شوال فقد حصل أصل السنة (وقال) أحمد: يستوي التتابع وعدمه في الفصل (وعن) مالك أنه يكره صوم هذه الأيام حذراً من اعتقاد وجوبها (قال) يحيي: سمعت مالكاً يقول في صيام ستة أيام بعد الفطر من رمضان: إنه لم ير أحداً من أهل العلم والفقه يصومها، ولم يبلغني ذلك عن أحد من السلف وأن أهل العلم يكرهون ذلك ويخافون بدعته وأن يلحق برمضان ما ليس منه أهل الجهالة والجفاء (2) فمالك رضي الله عنه إنما كره صيامها لذلك. فأما من صامها رغبة لما جاء فيها فلا كراهة. ويحتمل أنه إنما كره وصل صومها بيوم الفطر. فلو صامها في أثناء الشهر فلا كراهة وهو ظاهر قوله: صيام ستة أيام بعد الفطر من رمضان (3)

ومنه تعلم أنه لا وجه

(1) انظر ص 221 ج 10 - الفتح الرباني وص 56 ج 8 نووي وص 292 ج 4 بيهقي وص 21 ج 2 دارمي وص 190 ج 10 - المنهل العذب المورود وص 269 ج 1 - ابن ماجه وص 56 ج 2 تحفة الأحوذي (ولا يضر) التكلم في سعد من قبل حفظه فقد تابعه أخواه عبد ربه يحيي وصفوان بن سليم وغيرهم وقد روي الحديث من عدة طرق مرفوعاً ولا يشك في صحته.

(2)

انظر ص 126 ج 2 زرقاني الموطأ.

(3)

انظر ص 127 منه (وما نسب) للنعمان وأبي يوسف من أنه يكره صوم هذه الأيام محمول على من يصوم يوم الفطر وخمسة أيام بعده. فأما إذا أفطر يوم العيد ثم صام بعده ستة أيام فليس بمكروه بل هو مستحب وسنة (انظر ص 78 ج 2 بدائع الصنائع) ..

ص: 403

للقول بكراهة صوم ستة أيام من شوال خشية اعتقاد وجوبها (وقول) مالك: لم أر أحداً يصومها (ليس) بحجة على الكراهة لأن السنة ثبتت في ذلك بلا معارض وكونه لم ير لا يضر (وقولهم) إنه قد يخفي ذلك فيعتقد وجوبه (مردود) بأنه لا يخفى ذلك على أحد، ويلزم على قوله أنه يكره صوم يوم عرفة وعاشوراء وسائر الصوم المندوب إليه خشية اعتقاد الوجوب وهذا لا يقوله أحد (1).

(2) صوم شوال والأربعاء والخميس والجمعة: يستحب صوم شوال بعد يوم الفطر وصوم الأربعاء واليومين بعده من كل شهر (لقول) عكرمة بن خالد: حد ثني عريف من عرقاء قريش، حدثني أبي أنه سمع من فلق في رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "من صام رمضان وشوالاً والأربعاء والخميس والجمعة دخل الجنة" أخرجه أحمد وفيه من لم يسم وبقية رجاله ثقات (2){102}

(وقال) مسلم القرشي: سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن صيام الدهر فقال "إن لأهلك عليك حقاً، صم رمضان والذي يليه وكل أربعاء وخميس فإذا أنت قد صمت الدهر" أخرجه أبو داود والترمذي وزاد: فإذا أنت قد صمت الدهر وأفطرت. وقال حديث غريب (3){103}

وقد جاء في هذا أحاديث ضعيفة يقوي بعضها بعضاً.

(1) انظر ص 379 ج 6 مجموع النووي.

(2)

انظر ص 223 ج 10 - الفتح الرباني (صيام شوال والأربعاء والخميس والجمعة)(والعريف) القائم بأمر جماعة يدبر أمرهم كرئيس البلد (والفلق) بسكون اللام. الشق، يعني أنه سمع الحديث من شق فم النبي صلى الله عليه وسلم.

(3)

انظر ص 189 ج 10 - المنهل العذب المورود (صوم شعبان) وص 55 ج 2 تحفة الأحوذي (صوم الأربعاء والخميس) والضمير المستتر في (والذي يليه) عائد على رمضان والبارز على شوال أي صم رمضان وصم الشهر الذي يقع بعده وهو شوال. أخرجه الشيخان.

ص: 404

(3)

الصوم في الأشهر الحرم: الحرم بضمتين جمع حرام وصفت بذلك لحرمتها وحرمة القتال فيها في الجاهلية وصدر الإسلام. وهي أربعة ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب قال الله تعالى "إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً في كتاب الله يوم خلق السموات والأرض منها أربعة حرم"(1). (وعن) أبي بكرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض، السنة اثنا عشر شهراً منها أربعة حرم: ثلاث متواليات ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب مضر الذي بين جمادي وشعبان (2). {104}

وقد جاء في الترغيب في الصوم فيها أحاديث (منها) حديث مجيبة الباهلية عن أبيها أو عمها أنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم انطلق فأتاه بعد سنة وقد تغيرت حاله وهيئته فقال يا رسول الله أما تعرفني؟ قال ومن أنت؟ قال أنا الباهلي الذي جئتك عام الأول. قال فما غيرك وقد كنت حسن الهيئة؟ قال ما أكلت طعاماً إلا بليل منذ فارقتك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لم عذبت نفسك؟ ثم قال صم شهر الصبر ويوماً من كل شهر. قال: زدني فإن بي قوة قال صم يومين قال زدني قال: صم ثلاثة أيام قال زدني قال صم من الحرم واترك صم من الحرم واترك، صم من الحرم واترك، وقال بأصابعه الثلاثة فضمها ثم أرسلها" أخرجه أحمد وابن ماجه والبيهقي وأبو داود بسند جيد وهذا لفظه (3){105}

(1) التوبة: 26 (عند الله) أي في حكمه وتقديره (في كتاب الله) يعني اللوح المحفوظ.

(2)

انظر ص 225 ج 8 فتح الباري (إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً) وص 167 ج 11 نووي (تغليظ تحريم الدماء والأعراض والأموال) و (رجب مضر) الخ فإن ذلك لأن ربيعة كانت تحرم بالحج في رمضان وتسميه رجباً، من رجبت الرجل حرمته، فبين النبي صلى الله عليه وسلم أنه رجب مضر لا رجب ربيعة.

(3)

انظر ص 194 ج 10 - الفتح الرباني (الصوم في رجب والأشهر الحرم) وص 272 ج 1 - ابن ماجه وص 291 ج 4 بيهقي وص 180 ج 10 - المنهل العذب المورود و (مجيبة) بضم فكسر (وشهر الصبر) شهر رمضان. والصبر في الأصل الحبس سمي الصيام صبراً لما فيه من حبس النفس عن تعاطي المفطر ولا يضر جهالة أبي مجيبة أو عمها لأن الصحابة كلهم عدول.

ص: 405

(صم من الحرم) أي إذا أردت الزيادة عن ثلاثة أيام من كل شهر فصم من الأشهر الحرم غير أنك لا توالي الصيام فيها أكثر من ثلاثة أيام ثم أفطر مثلها وهكذا كما أشار النبي صلى الله عليه وسلم بضم أصابعه الثلاثة إلى أنه يصوم منها ثلاثة أيام وأشار بإرسالها إلى أنه يفطر ثلاثة أيام مع صيام رمضان وصيام ثلاثة أيام من كل شهر غير الأشهر الحرم.

(4)

صوم تسع ذي الحجة: يستحب لغير الحاج صيام تسعة أيام من أول ذي الحجة (لحديث) هنيدة بن خالد عن امرأته عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم تسع ذي الحجة ويوم عاشوراء وثلاثة أيام من كل شهر أو اثنين من الشهر والخميس" أخرجه أحمد وأبو داود والبيهقي بسند جيد وقال تعني ويوماً آخر (1){106}

دل على استحباب صوم هذه الأيام ولا يعارضه (قول) عائشة رضي الله عنها: "ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صائماً العشر قط" أخرجه أحمد ومسلم والأربعة والبيهقي وفي رواية لمسلم: لم يصم العشر (2){107}

(لأن) عائشة رضي الله عنها أخبرت بأنها لم تره صائماً، ولا يلزم من نفي

(1) انظر ص 234 ج 10 - الفتح الرباني (صوم تسع ذي الحجة) وص 195 ج 10 المنهل العذب المورود وص 284 ج 4 بهيقي و (بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم هي أم سلمة فقد رواه النسائي عن هنيدة عن أمه عن أم سلمة). و (تعني) يعني بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم و (يوماً آخر) لتكون ثلاثة أيام.

(2)

انظر ص 237 ج 10 - الفتح الرباني وص 71 ج 8 نووي وص 198 ج 10 المنهل العذب الموورد (فطر العشر) والمراد بالعشر في الحديث تسع ذي الحجة، وص 271 ج 1 - ابن ماجه وص 58 ج 2 تحفة الأحوذي وص 285 ج 4 بيهقي.

ص: 406

رؤيتها عدم صيامه في الواقع. وقد ثبت أنه كان يصوم تسع ذي الحجة والمثبت مقدم على النافي (ويحتمل) أنها أرادت أنه لم يصمها لعارض مرض أو سفر أو غيره (وعن) أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما من أيام أحب إلى الله أن يتعبد له فيها من عشر ذي الحجة يعدل صيام كل يوم منها صيام سنة، وقيام كل ليلة منها بقيام ليلة القدر" أخرجه ابن ماجه والترمذي وقال: حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث مسعود بن واصل عن النهاس وفيهما مقال فالحديث ضعيف (1){108}

(5) صوم يوم عرفة: هو اليوم التاسع من ذي الحجة. ويتأكد صومه بغير عرفة (لحديث) أبي قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "صوم يوم عرفة يكفر سنتين ماضية ومستقبلة وصوم عاشوراء يكفر سنة ماضية" أخرجه أحمد والنسائي وابن ماجه والبيهقي من عدة طرق (2){109}

قال الترمذي: قد استحب أهل العلم صيام يوم عرفة إلا بعرفة. ومعنى الحديث أن صيام يوم عرفة يكفر ذنوب السنة الماضية ويحول بين صائمه وبين الذنب في السنة الآتية: والمكفر الذنوب الصغائر عند الجمهور لأن الكبار لا يكفرها إلا التوبة أو عفو الله، فإن لم يكن له صغائر خفف عنه من الكبائر إن كانت وإلا رفعت درجاته.

(1) انظر ص 271 ج 1 - ابن ماجه (صيام العشر) وص 58 ج 2 تحفة الأحوذي (العمل في أيام العشر) و (ما) بمعنى ليس (ومن أيام) من زائدة وأيام اسم و (احب إلى الله) بالنصب خبر ما (وأن يتعبد) متعلق بأحب بحذف الجار أي ليس أيام أحب إلى الله لأن يتعبد له فيها من عشر ذي الحجة.

(2)

انظر ص 234 ج 10 الفتح الرباني (صوم يوم عرفة لغير الحاج) وص 271 ج 1 - ابن ماجه وص 283 ج 4 بيهقي.

ص: 407

(وعن) سهل بن سعد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من صام يوم عرفة غفر له سنتين متتابعتين" أخرجه الطبراني في الكبير وأبو يعلي بسند رجاله رجال الصحيح (1){110}

وحكمة تكفير صومه سنتين وجوه (منها) أنه من شهر حرام توسط بين شهري حرام من عامين فناسب أن يكفر العامين ولا كذلك عاشوراء (ومنها) اختصاص صوم يوم عرفة بالأمة المحمدية بخلاف يوم عاشوراء فإن اليهود كانت تصومه. هذا وصومه سنة لغير الحاج أما الحاج فيكره له صومه عند الجمهور (قال) عكرمة: سألت أبا هريرة عن صوم يوم عرفة بعرفات فقال: "نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن صوم عرفة بعرفات" أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه والحاكم والبيهقي وصححه ابن خزيمة (2){111}

أي نهى النبي صلى الله عليه وسلم الحاج عن صيام يوم عرفة لأنه يضعفه عن الدعاء والذكر وسائر الأعمال المطلوبة منه في هذا اليوم، ولأنه يوم عيد لأهل عرفة لاجتماعهم فيه، (ولظاهر) النهي قال يحيي بن سعيد: يحرم على الحاج صوم يوم عرفة. وحمل الجمهور النهي عن صومه على الكراهة بالنسبة لمن يضعفه الصيام عن الدعاء والابتهال في ذلك المقام. فأما من وجد قوة لا يخاف معها ضعفاً فصوم ذلك اليوم أفضل له (وقال) أحمد: إن قدر على ان يصوم صام وإن أفطر فذلك يوم يحتاج فيه إلى قوة (3).

(وقال) جماعة: يستحب صوم يوم عرفة ولو للحاج إلا من يضعفه الصوم عن الوقوف بعرفات ويكون مخلاً له في الدعوات محتجين بعموم الأحاديث المرغبة في صيامه (وأجاب) الجمهور بأنها محمولة على من لم يكن بعرفة

(1) انظر ص 189 ج 3 مجمع الزوائد (صيام يوم عرفة).

(2)

انظر ص 235 ج 10 - الفتح الرباني وص 198 ج 10 - المنهل العذب المورود (صوم عرفة بعرفة) وص 271 ج 1 - ابن ماجه وص 284 ج 4 بيهقي.

(3)

انظر ص 131 ج 2 معالم السنن.

ص: 408

جمعاً بين الأحاديث، ولذا قالوا: يستحب إفطاره لمن بعرفة حتى قال عطاء: من أفطره ليتقوى به على الذكر كان له مثل أجر الصائم (1).

(تنبيه) علم: من حديث أبي هريرة النهي عن صوم يوم عرفة بعرفة، ومن حديث أبي قتادة استحباب صومه مطلقاً "ومن حديث" عقبة بن عامر مرفوعاً "يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق عيدنا لأهل الإسلام وهي أيام أكل وشرب" أخرجه احمد والثلاثة والحاكم وقال صحيح على شرط مسلم والبيهقي والدارمي وقال الترمذي: حسن صحيح (2){112}

"كراهة" صوم يوم عرفة مطلقاً (ويجاب) عنه بأن كونه عيداً لا ينافي الصوم أو أنه مختص بأهل عرفة. والظاهر أن قوله صلى الله عليه وسلم: وهي أيام أكل وشرب. راجع إلى يوم النحر وأيام التشريق. (هذا) ويجمع بين الأحاديث بأن صوم يوم عرفة مستحب لغير الحاج مكروه للحاج بعرفة إن كان الصوم يضعفه.

(6) الطاعة في عشر ذي الحجة: هذه الأيام من المواسم الشرعية ذات النفحات الإلهية: للطاعة فيها فضل عظيم يضاعف فيها ثواب العمل الصالح. حث الشارع على الاجتهاد في أنواع العبادة فيها من صوم وصلاة وتكبير واستغفار وذكر وغيرها.

(وقد) ورد في هذا أحاديث (منها) حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما من أيام اعظم عند الله ولا أحب إليه من العمل فيهن من هذه الأيام العشر، فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد" أخرجه أحمد

(1) انظر ص 171 ج 4 فتح الباري (الشرح).

(2)

انظر ص 143 ج 10 - الفتح الرباني (صوم أيام التشريق) وص 167 ج 10 المنهل العذب المورود وص 63 ج 2 تحفة الأحوذي وص 434 ج 1 مستدرك وص 298 ج 4 بيهقي وص 23 ج 2 دارمي (صيام يوم عرفة).

ص: 409

والبيهقي في الشعب وأخرجه الطبراني في الكبير من حديث ابن عباس بسند جيد (1){113}

أي أكثروا فيهن من قول لا إله إلا الله والله أكبر والحمد لله (وقال) ابن عباس ويذكروا اسم الله في أيام معلومات. أيام العشر والأيام المعدودات أيام التشريق. وكان ابن عمر وأبو هريرة يخرجان إلى السوق في أيام العشر يكبران ويكبر الناس بتكبيرهما. ذكره البخاري (2).

وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله عز وجل من هذه الأيام يعني أيام العشر. قالوا يا رسول الله: ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله ثم لم يرجع من ذلك بشيء" أخرجه أحمد والبخاري وأبو داود وابن ماجه والبيهقي والترمذي وقال حديث حسن غريب صحيح (3){114}

والمعنى أن العمل الصالح في الأيام المذكورة يعطي الإنسان عليه أجراً عظيماً لا يعطاه عليه لو عمله في غيرها جهاداً كان أو غيره. فالعمل فيها أفضل من العمل في غيرها وتظهر فائدة الأفضلية فيمن نذر الصيام أو علق عملاً من

(1) انظر ص 168 ج 6 - الفتح الرباني (الحث على الذكر والطاعة في أيام العشر) و (ما من أيام

) أي ليس أيام العمل الصالح أعظم عند الله وأحب إليه من العمل في أيام عشر ذي الحجة فأيام اسم ما ومن زائدة وأعظم خبر لمبتدأ محذوف.

(2)

انظر ص 312 ج 2 فتح الباري (فضل العمل في أيام التشريق).

(3)

انظر ص 166 ج 6 - الفتح الرباني وص 313 ج 2 فتح الباري وص 196 ج 10 المنهل العذب المورود (صوم العشر) وص 271 ج 1 - ابن ماجه وص 284 ج 4 بيهقي وص 58 ج 2 تحفة الأحوذي (العمل في أيام العشر) و (ما من أيام

) أي ليس أيام يكون العمل الصالح فيها أحب إلى الله من العمل في أيام عشر ذي الحجة ولعل وجه استبعادهم- كون الجهاد في هذه الأيام احب منه في غيرها- أن الجهاد في هذه الأيام يخل بالحج فينبغي أن يكون في غيرها أحب منها فيها وقوله صلى الله عليه وسلم إلا رجل أي جهاد رجل. بيان لفخامة جهاده وتعظيم له بأنه قد بلغ مبلغاً لا يكاد يتفاوت بشرف الزمان وعدمه.

ص: 410

الأعمال بأفضل الأيام. فلو أفرد يوماً منها تعين يوم عرفة؛ لأنه أفضل الأيام العشر المذكور على الصحيح، فإن أراد أفضل أيام الأسبوع تعين يوم الجمعة جمعاً بين هذه الأحاديث وحديث أبي هريرة أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال:"خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة"(الحديث) أخرجه مالك وأحمد ومسلم والثلاثة (1){115}

(قال) الداودي: لم يرد النبي صلى الله عليه وسلم أن هذه الأيام خير من يوم الجمعة، لأنه قد يكون فيها يوم الجمعة فيلزم تفضيل الشيء على نفسه (ورد) بأن المراد أن كل يوم من أيام العشر أفضل من غيره من أيام السنة سواء أكان يوم الجمعة أم لا. ويوم الجمعة فيها أفضل من يوم الجمعة من غيرها لاجتماع الفضيلتين فيه. (2)

(7) صوم المحرم: يستحب صوم شهر الله المحرم (لحديث) أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أفضل الصيام بعد شهر رمضان شهر الله المحرم" أخرجه أحمد ومسلم والأربعة والبيهقي والدارمي (3){116}

وظاهره أن المراد صيام المحرم بتمامه. (ويؤيده) حديث النعمان بن سعد أن رجلاً قال لعلي رضي الله عنه يأمير المؤمنين. أي شهر تأمرني أن أصوم بعد رمضان؟ فقالت ما سمعت أحداً سأل عن هذا بعد رجل سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:

(1) انظر ص 5 ج 6 الفتح الرباني وص 41 ج 6 نووي (فضل يوم الجمعة) وص 180 ج 6 المنهل العذب المورود وص 203 ج 1 مجتبي وص 354 ج 1 تحفة الأحوذي (الحديث) تقدم تاماً مبيناً بص 133 ج 4 الدين الخالص (الجمعة).

(2)

انظر ص 314 ج 2 فتح الباري (الشرح).

(3)

انظر ص 173 ج 10 - الفتح الرباني وص 54 ج 8 نووي (فضل صوم المحرم) وص 1783 ج 10 - المنهل العذب المورود وص 53 ج 2 تحفة الاحوذي وص 273 ج 1 - ابن ماجه (صيام شهر المحرم) وص 291 ج 4 بيهقي. وص 21 ج 2 دارمي. وأضيف المحرم إلى الله للتعظيم.

ص: 411

يا رسول الله أي شهر تأمرني أن أصوم بعد رمضان؟ فقال صلى الله عليه وسلم: إن كنت صائماً شهراً بعد رمضان فصم المحرم فإنه شهر الله، وفيه يوم تاب فيه على قوم ويتوب فيه على قوم" أخرجه ابن احمد في زوائد المسند والدارمي والترمذي وقال حديث حسن غريب (1){117}

دلت هذه الأحاديث على فضل شهر الله المحرم لإضافته إلى الله تعالى، وعلى أن صيامه أفضل من صيام سائر الشهور بعد رمضان، لأن فيه تاب الله على قوم ويتوب على قوم آخرين.

(8) صوم عاشوراء: عاشوراء بالمد وقد يقصر معدول عن عاشر للمبالغة والتعظيم وهو في الأصل صفة لليلة العاشرة ثم صار علماً على اليوم العاشر من المحرم عند الجمهور (لحديث) عائشة رضي الله عنها: "إن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بصيام عاشوراء يوم العاشر" أخرجه البزار بسند رجاله رجال الصحيح (2){118}

وعاشوراء يوم معظم في الجاهلية والإسلام (قال) ابن عباس: "لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وجد اليهود يصومون عاشوراء فسئلوا عن ذلك فقالوا: هو اليوم الذي أظهر الله فيه موسى على فرعون ونحن نصومه تعظيماً له. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم نحن أولى بموسى منكم فصامه وأمر بصيامه" أخرجه الدارمي والسبعة إلا الترمذي (3){119}

(1) انظر ص 173 ج 10 - الفتح الرباني وص 21 ج 2 دارمي وص 53 ج 2 تحفة الأحوذي (صوم المحرم) و (تاب فيه على قوم) هم بنو إسرائيل وأنجاهم فيه من فرعون واغرقه والله اعلم بمن يتوب عليه فيه (ولا يقال) إذا كان صوم المحرم أفضل الصيام بعد رمضان فلم لم يكثر النبي صلى الله عليه وسلم الصيام فيه؟ (لأنا نقول) لعله صلى الله عليه وسلم لم يعلم فضل صوم المحرم إلا في آخر حياته أو أنه كان يعرض له فيه أعذار تمنع من صومه كسفر أو مرض.

(2)

انظر ص 189 ج 3 مجمع الزوائد (الصوم قبل عاشوراء وبعده).

(3)

انظر ص 22 ج 2 دارمي وص 178 ج 10 - الفتح الرباني (فضل يوم عاشوراء) وص 176 ج 4 فتح الباري وص 9 ج 8 نووي وص 204 ج 10 - المنهل العذب المورود وص 271 ج 1 - ابن ماجه و (نحن أولى

) أي نحن أحق منكم بمتابعة موسى عليه الصلاة والسلام.

ص: 412

قدم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم المدينة في ربيع الأول فأقام بها إلى عاشوراء من السنة الثانية فوجد اليهود يصومونه فصامه وأمر بصيامه لا تقليداً لهم بل لوحي نزل عليه، أو لأنهم اخبروا أن موسى كان يصومه فصامه شكراً لله على نجاة موسى من عدوه.

وكانت قريش تصومه عملاً بما علموا من شريعة إبراهيم وإسماعيل وموسى عليهم الصلاة والسلام وكانوا يعظمونه بكسوة الكعبة فيه وكان النبي صلى الله عليه وسلم يصومه قبل البعثة موافقة لهم وبعد البعثة وقبل الهجرة بوحي لأنه فعل خير. ولما هاجر إلى المدينة صامه وأمر الناس بصيامه استئلافاً لليهود. وكان صلى الله عليه وسلم في بدء الهجرة يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم ينه عنه (وكان) اليهود يعظمونه بالصوم وغيره كما قال أبو موسى الأشعري: "كان أهل خيبر يصومون عاشوراء يتخذونه عيداً ويلبسون نساءهم فيه حليهم وشارتهم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: فصوموه أنتم" أخرجه مسلم (1){120}

وللأمر بصيامه قال الحنفيون ومالك وبعض الشافعية: إن صيام يوم عاشوراء كان فرضاً ثم نسخ بفرض رمضان وصار صومه سنه وروي عن أحمد (ويؤيده) ما تقدم أن أسلم أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "صمتم يومكم هذا؟ قالوا لا. قال: فأتموا بقية يومكم واقضوه" أخرجه أبو داود، قال يعني يوم عاشوراء (2){121}

يعني أمسكوا عن المفطر بقية اليوم واقضوه بعد وهذا يدل على أن صيامه كان واجباً.

(والمشهور) عند الشافعية وأحمد: أن صوم عاشوراء سنة من حين شرع

(1) انظر ص 10 ج 8 نووي (صوم يوم عاشوراء) و (الحلي) بفتح فسكون جمعه حلي بضم الحاء وكسرها وكسر اللام وشد الياء و (الشارة) بالشين المعجمة بلا همز- الهيئة الحسنة والجمال أي يلبسونهن اللباس الحسن الجميل.

(2)

تقدم رقم 323 ص 351 (من صار أهلاً للصوم).

ص: 413

ولم يجب قط على هذه الأمة لكنه كان مؤكداً. ولما فرض رمضان صار مستحباً مستدلين (أ) بحديث بن معاوية بن أبي سفيان قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "هذا يوم عاشوراء ولم يكتب الله عليكم صيامه وأنا صائم فمن شاء فليصم، ومن شاء فليفطر" أخرجه مالك وأحمد والشيخان (1){122}

(ورد) بان معاوية أسلم عام الفتح سنة ثمان من الهجرة، فإن كان سمع هذا بعد إسلامه فإنما سمعه سنة تسع أو عشر وذلك بعد نسخه برمضان فمعنى لم يكتب لم يفرض بعد إيجاب رمضان جمعاً بينه وبين الأدلة الصريحة في وجوبها. وإن كان سمعه قبل إسلامه فالمراد لم يكتبه عليكم على الدوام كصيام رمضان (ب) وبحديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"يوم عاشوراء يوم كان يصومه أهل الجاهلية. فمن أحب أن يصومه فليصمه. ومن كره فليدعه" أخرجه أحمد ومسلم والبيهقي (2). {123}

(وأجيب) بان تخيير النبي صلى الله عليه وسلم بين صومه وعدمه لا يدل على أنه لم يكن واجباً ثم نسخ وجوبه (قال) الحافظ في الفتح: ويؤخذ من مجموع الأحاديث أنه كان واجباً لثبوت الأمر بصومه. ثم تأكد الأمر بذلك، ثم زيادة التأكيد بالغداء العام ثم زيادته بأمر من أكل بالإمساك ويقول ابن مسعود: لما فرض رمضان ترك عاشوراء (3) مع العلم بأنه ما ترك استحبابه بل هو باق. فدل على أن المتروك وجوبه. وأما قول بعضهم: المتروك تأكد

(1) تقدم رقم 38 ص 358 (مبدأ فرض الصيام)

(2)

انظر ص 185 ج 10 - الفتح الرباني. وص 6 ج 8 نووي (صوم يوم عاشوراء) وص 290 ج 4 بيهقي.

(3)

(ويقول ابن مسعود) يشير إلى ما قال علقمة: دخل الأشعث بن قيس على ابن مسعود وهو يأكل يوم عاشوراء فقال: يأبا عبد الرحمن إن اليوم يوم عاشوراء فقال: قد كان يصام قبل أن ينزل رمضان، فلما نزل رمضان ترك فإن كنت مفطراً فأطعم أخرجه مسلم (انظر ص 8 ج 8 نووي - صوم يوم عاشوراء).

ص: 414

استحبابه والباقي مطلق استحبابه فهو ضعيف بل تأكد استحبابه باقي لاستمرار اهتمام النبي صلى الله عليه وسلم يصومه حتى في عام وفاته صلى الله عليه وسلم حيث يقول: "لئن عشت لأصومن التاسع والعاشر" ولترغيبه في صومه وأنه يكفر سنة وأي تأكيد أبلغ من هذا؟ (1)

(9) الصوم قبل يوم عاشوراء وبعده: يستحب صوم التاسع من المحرم أو الحادي عشر أو هما مع عاشوراء (قال) ابن عباس رضي الله عنهما: "حين صام النبي صلى الله عليه وسلم يوم عاشوراء وأمرنا بصيامه قالوا. يا رسول الله إنه يوم تعظمه اليهود والنصارى. فقال صلى الله عليه وسلم: "فإذا كان العام المقبل إن إن شاء الله صمنا اليوم التاسع" فلم يأت العام المقبل حتى توفى النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم" أخرجه مسلم وأبو داود والبيهقي (2){124}

وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لئن بنيت إلى قابل لأصومن اليوم التاسع" أخرجه أحمد ومسلم والبيهقي (3){125}

يحتمل أن المعنى: إن عشت لأصومن التاسع بدل العاشر. والصحيح أن المعنى: إن عشت لأصومن التاسع والعاشر (ويؤيده) حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "صوموا يوم

عاشوراء وخالفوا فيه اليهود. وصوموا قبله يوماً أو بعده يوماً" أخرجه احمد والبزار والبيهقي بسند جيد (4){126}

(1) انظر ص 176 ج 4 فتح الباتري (الشرح)

(2)

انظر ص 12 ج 8 نووي وص 205 ج 10 - المنهل العذب المورود (ما روي أن عاشوراء اليوم التاسع) وص 287 ج 4 بيهقي.

(3)

انظر ص 189 ج 10 - الفتح الرباني وص 12 ج 8 نووي وص 287 ج 2 بيهقي.

(4)

انظر ص 189 ج 10* الفتح الرباني وص 188 ج 3 مجمع الزوائد (الصوم قبل يوم عاشوراء وبعده) وص 287 ج 4 بيهقي وقد ذكر العلماء في حكمة استحباب صوم تاسوعاء أوجهاً: (أ) أن المراد منه مخالفة اليهود في الاقتصار على صوم العاشر (ب) أن المراد به وصل يوم عاشوراء بصوم للنهي عن إفراده بالصوم كما نهى عن إفراد الجمعة بالصوم (ج) الاحتياط في صوم العاشر خشية نقص الهلال ووقوع غلط فيكون التاسع في العدد هو العاشر في نفس الأمر انظر ص 383 ج 6 مجموع النووي.

ص: 415

أي صوموا معه يوماً آخر أو يومين مخالفة لليهود لأنهم يصومون عاشوراء فقط.

(10)

التوسعة في يوم عاشوراء: يوم عاشوراء موسم شرعي يستحب صيامه وإحياؤه بالطاعة والتوسعة على الأهل والأقارب والفقراء بلا تكلف ولا التزام (وقد) ورد في هذا أحاديث اجودها حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من وسع على نفسه وأهله يوم عاشوراء وسع الله عليه سائر سنته" أخرجه ابن عبد البر في الاستذكار والبيهقي في الشعب على شرط مسلم وهذا أصح طرقه (1){127}

(11) بدع عاشوراء: قد أحدث الناس في هذا اليوم العظيم بدعاً منكرة وارتكبوا فهي أعمالاً مستقبحة (منها) صلاة أربعين ركعة بين الظهر والعصر على كيفية مخصوصة تقدم بيانها في الصلوات غير المشروعة وأنها موضوعة (2)(ومنها) ما قيل عن أبي هريرة رضي الله عنه: من صلى فيه أربع ركعات يقرأ في كل ركعة الحمد لله مرة وقل هو الله أحد إحدى وخمسين مرة غفر الله له ذنوب خمسين عاماً.

(1) انظر ص 284 ج 2 كشف الخفاء. وفيه: قال السخاوي في المقاصد: رواه الطبراني والبيهقي عن ابن مسعود وعن أبي سعيد. ورواه البيهقي عن جابر وأبي هريرة. وقال إن أسانيده كلها ضعيفة ولكن إذا ضم بعضها إلى بعض استفاد قوة، بل قال العراقي في أماليه: لحديث أبي هريرة طرق صحح بعضها الحافظ بن ناصر الدين وتعقب ذكر ابن الجوزي له في الموضوعات وأورده ابن حبان في الثقات فالحديث حسن على رأيه.

(2)

تقدم ص 161 ج 6 الدين الخالص.

ص: 416

وهذا لم يثبت (ومنها) الاغتسال والاكتحال فيه وما قيل في الترغيب فيهما فيه لم يثبت (من ذلك) ما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعاً: من اكتحل بالإثمد يوم عاشوراء لم ترمد عينه أبداً. رواه الحاكم والبيهقي في شعبة والديلمي وقال الحاكم منكر. وقال في المقاصد: بل موضوع. وقال في اللاليء حديث منكر والاكتحال في هذا اليوم لا يصح فيه أثر فهو بدعة ابتدعها قتلة الحسين "رضي الله عنه" وقبحهم (قال) ابن رجب في الطائف المعارف: كل ما روي في فضل الاكتحال والاختصاب والاغتسال يوم عاشوراء موضوع لم يصح (1)(ومنها) ما قبل عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً: من اغتسل وتطهر في يوم عاشوراء لم يمرض في سنته إلا مرض الموت. وضعه أيضاً قتلة الحسين (ومن البدع المذمومة) البخور الذي يسير به بعض العاطلين في الأزقة والحارات بمصر وغيرها في شهر المحرم ويسمونه بخور العشر وهو ملح ونحوه يصبغونه ألواناً ويرقى حاملوه الأطفال بكلمات ساقطة يقولونها بمحضر أمهاتهم يزعمون أن هذه الرقية وقاية لهم من العين وكل مكروه إلى السنة القابلة وتدخره النساء جميع العام ويزعمون أن المسحور إذا تبخر به بريء من السحر، وأنه ينفع من النظرة وهو من خرافاتهن (ومن البدع) أيضاً طبخ الحبوب في يوم عاشوراء زاعمين أن لذلك مزية في هذا اليوم وأن له أجراً عزيماً لمن يفعله ويطعم الفقراء والمساكين.

وهذا أمر يحتاج إلى توقيف من المشرع صلى الله عليه وسلم ولم يثبت فهو بدعة وضلالة (ومنها) الشحذ على الأطفال في هذا اليوم باسم زكاة العشر رجاء أن يعيشوا وبعض أرباب الأموال يزعم ان ذلك يكفي عن زكاة ماله وهو وهم وجهل (ومنها) طواف البنات في شوارع مصر بأطباق الحلوى منادين بقولهن (ياسي على لوز) فهذا ضلال وعار وشنار تأباه المروءة والغيرة فإنهن

(1) انظر ص 234 ج 2 كشف الخفاء.

ص: 417

يخرجن متبرجات متهتكات خليعات كالعاهرات يداعبهن الكهول والشبان وفي هذا من الفتنة والفساد ما تئن له الفضيلة.

(وما قيل) من أنه يطلب في هذا اليوم بعد الاغتسال زيارة العالم وعيادة المريض ومسح رأس اليتيم وتقليم الأظفار وقراءة سورة الإخلاص ألف مرة وصلة الرحم (ليس له أصل) يدل على زيادة فضل لهذه الأمور في خصوص هذا اليوم بل هذه الخصال كلها مطلوبة شرعاً في أي وقت كان. أما تخصيصها بهذا اليوم فهو بدعة (قال) ابن الحاج: يوم عاشوراء موسم شرعي والتوسعة فيه على الأهل واليتامى والمساكين والصدقة مندوب إليها بلا تكلف وأن لا يصير ذلك سنة يسنن بها لابد من فعلها. فإن وصل إلى هذا الحد كره سيما إذا كان الفاعل ممن يقتدي به ولم يكن السلف يعتادون فيه طعاماً مخصوصاً بل كان بعضهم يترك التوسعة فيه قصداً للتنبيه على أنها غير واجبة. أما ما يفهمه الناس اليوم من أن عاشوراء يختص بذبح الدجاج وغيره وطبخ الحبوب وغيرها، فلم يكن السلف يفعلون ذلك في هذه المواسم ولا يعرفون تعظيمها إلا بكثرة العبادة والصدقة والخير لا بالتوسعة في المأكول (ومن) البدع المحدثة فيه تخصصه بزيارة القبور للرجال والنساء (ومنها) استعمال الحناء للنساء في هذا اليوم بزعم أنه من حق عاشوراء وتمامه فيه (1)(ومن) المختلق ما قيل إن آدم تاب الله عليه يوم عاشوراء، وإبراهيم نجاه من النار، وأيوب عافاه الله يومه، ويونس أخرجه الله من بطن الحوت يومه، ويعقوب اجتمع بيوسف يومه عليهم الصلاة والسلام.

(12) صوم يوم الاثنين والخميس: يستحب صومهما (لقول) عائشة رضي الله عنها: "كان النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يتحرى صيام الاثنين والخميس" أخرجه احمد

(1) ص 289 ج 2 المدخل (يوم عاشوراء).

ص: 418

والنسائي وابن ماجه وابن حبان وصححه والترمذي وقال: حسن صحيح (1){128}

(وعن) أبي هريرة رضي الله عنه "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أكثر ما يصوم الاثنين والخميس فقيل له، فقال: إن الأعمال تعرض كل اثنين وخميس فيغفر الله لكل مسلم أو لكل مؤمن إلا المتهاجرين فيقول: أخرهما" أخرجه أحمد وابن ماجه بسند صحيح (2){129}

(13) صوم ثلاثة أيام من كل شهر: يستحب صيام ثلاثة أيام من كل شهر فإنه كصيام السنة (لحديث) أبي ذر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من صام ثلاثة أيام من كل شهر فقد صام الدهر كله" أخرجه احمد وابن حبان وابن خزيمة، وكذا النسائي وابن ماجه والترمذي وزادوا: فأنزل الله تصديق ذلك في كتابه:

(1) انظر ص 228 ج 10 - الفتح الرباني (صيام الاثنين والخميس). وص 322 ج 1 مجتبي (صوم النبي صلى الله عليه وسلم. وص 272 ج 1 ابن ماجه. وص 55 ج 2 تحفة الاحوذي.

(2)

انظر ص 227 ج 10 - الفتح الرباني. وص 272 ج 1 - ابن ماجه. و (إلا المتهاجرين) من الهجر وهو ضد الوصل والمراد هنا العداوة والبغضاء وعند ابن ماجه إلا متهجرين أي متقاطعين لأمر لا يقتضي ذلك. وإلا فالتقاطع للدين ولتأديب الأهل جائز. وفي رواية لمسلم: إلا رجلاً كانت بينه وبين أخيه شحناء فيقال: انظروا هذين حتى يصطلحا. انظر هذين حتى يصطلحا. انظروا هذين حتى يصطلحا. كررها للتأكيد. وكأنه خطاب للملائكة. وقوله في حديث الباب: اخرهما كأنه خطاب لرئيس الملائكة أي لا تعرض عملهما حتى يصطلحا (ولفظ) الحديث عند مسلم: عن أبي هريرة مرفوعاً: تعرض الأعمال في كل يوم خميس واثنين فيغفر الله عز وجل في ذلك اليوم لكل امرئ لا يشرك بالله شيئاً إلا أمراً كانت بينه وبين أخيه شحناء فيقال اركوا (بهمزة وصل أي أخروا) هذين حتى يصطلحا. اركوا هذين حتى يصطلحا (انظر ص 122 ج 16 نووي- النهي عن الشحناء).

ص: 419

"من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها" اليوم بعشرة، وحسنه الترمذي (1){130}

(وعن) قرة بن إياس ان النبي صلى الله عليه وسلم قال: "صيام ثلاثة أيام من كل شهر صيام الدهر وإفطاره" أخرجه احمد والبزار والطبراني في الكبير بسند رجاله رجال الصحيح (2){131}

(وقال) أبو هريرة رضي الله عنه: "أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم بثلاث: صيام ثلاثة أيام من كل شهر، وركعتي الضحى، وأن أوتر قبل أن أنام" أخرجه البخاري والنسائي والبيهقي والترمذي (3){132}

(دلت) هذه الأحاديث على استحباب صيام ثلاثة أيام غير معينة من كل شهر. ويؤيده حديث معاذة عن عائشة أنها قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم ثلاثة أيام من كل شهر. قالت: فقلت من أيه كان يصوم؟ فقالت: لم يكن يبالي من أيه كان يصوم" أخرجه أحمد ومسلم وأبو داود وابن ماجه والبيهقي والترمذي وقال: حديث حسن صحيح (4){133}

(1) انظر ص 210 ج 10 - الفتح الرباني وص 327 ج 1 مجتبي وص 60 ج 2 تحفة الأحوذي (صوم ثلاثة من كل شهر). وص 268 ج 1 - ابن ماجه.

(2)

انظر ص 210 ج 10 - الفتح الرباني (صوم ثلاثة أيام غير معينة من كل شهر) وص 196 ج 3 مجمع الزوائد.

(3)

انظر ص 163 ج 4 - تفح الباري (صيام البيض). وص 327 ج 1 مجتبي (صوم ثلاثة أيام من كل شهر). وص 392 ج 4 - بيهقي. وص 59 ج 2 - تحفة الأحوذي.

(4)

انظر ص 212 ج 10 - الفتح الرباني. وص 48 ج 8 - نووي (صيام ثلاثة أيام). وص 213 و 214 ج 10 - المنهل العذب المورود (من قال لا يبالي من أي الشهر).

ص: 420

(14)

صوم أيام البيض: هي أيام الليالي المقمرة طول الليل (وقد) جاءت مفسرة في حديث قتادة بن ملحان قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا أن نصوم البيض ثلاث عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة وقال: هي كصوم الدهر" أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه والبيهقي (1){134}

(وقال) أبو ذر: "أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نصوم من الشهر ثلاثة أيام البيض: ثلاث عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة" أخرجه النسائي وصححه ابن حبان (2){135}

والأحاديث في هذا كثيرة وهي تدل على استحباب صوم أيام البيض وأنها الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر من الشهر. وبه قال الحنفيون وأحمد وجمهور الشافعية وابن حبيب المالكي (وقالت) المالكية: يستحب صوم ثلاثة أيام من كل شهر ويكره تخصيصها بالبيض، وأحاديث الباب حجة عليهم (قال) ابن رشد: إنما كره مالك تحرى صومها مع ما جاء فيها من الأثر مخافة أن يظن الجاهل وجوبها (3)، وقد روي أن مالكاً رحمه الله كان يصومها وحض الرشيد على صيامها.

(15) صيام ثلاثة أيام متفرقة: يستحب صيام ثلاثة أيام من كل شهر موزعة بين الاثنين والخميس وأحدهما مكرر، أو يصوم من كل عشرة أيام يوماً (لقول) حفصة:

(1) انظر ص 216 ج 10 - الفتح الرباني (صوم أيام البيض) وص 210 و 211 ج 10 المنهل العذب المورود (صوم الثلاث من كل شهر). وص 329 ج 1 مجتبي. وص 268 ج 1 -

(2)

انظر ص 328 و 329 ج 1 مجتبي (كيف يصوم ثلاثة أيام من كل شهر؟ )

(3)

انظر ص 216 ج 1 بداية المجتهد (الصيام المندوب إليه).

ص: 421

"كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم ثلاثة أيام من الشهر: الاثنين والخميس والاثنين من الجمعة الأخرى" اخرجه احمد وأبو داود والنسائي والبيهقي (1). {136}

(وقال) ابن عمر رضي الله عنهما: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يصوم ثلاثة أيام من كل شهر: الخميس من أول الشهر والاثنين الذي يليه والاثنين الذي يليه" أخرجه احمد بسند جيد. وكذا النسائي بلفظ: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصوم ثلاثة أيام من كل شهر: يوم الاثنين من أول الشهر والخميس الذي يليه ثم الخميس الذي يليه (2){137}

(وقالت) أم سلمة: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرني أن أصوم ثلاثة أيام من كل شهر أولها الاثنين والخميس والخميس" أخرجه أبو داود والبيهقي. وكذا النسائي بلفظ: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بصيام ثلاثة أيام: أول خميس والاثنين والاثنين (3){138}

هذه الرواية فيها انه صلى الله عليه وسلم أمر بتكرير يوم الاثنين، والتي قبلها فيها أنه أمر بتكرير الخميس. وقد سبق بفعله صلى الله عليه وسلم أنه كرر كلاً منهما. فدل المجموع على المطلوب إيقاع صيام الثلاثة في هذين اليومين إما بتكرار الخميس وإما بتكرار يوم الاثنين.

(1) انظر ص 218 ج 10 الفتح الرباني (صوم ثلاثة أيام معينة من كل شهر) وص 212 ج 10 - المنهل العذب المورود (من قال الاثنين والخميس) وص 322 ج 1 مجتبي (صوم النبي صلى الله عليه وسلم وص 294 ج 4 بيهقي.

(2)

(انظر ص 218 ج 10 الفتح الرباني وص 328 ج 1 مجتبي 0 كيف يصوم ثلاثة أيام من كل شهر).

(3)

انظر ص 213 ج 10 - المنهل العذب المورود (من قال الاثنين والخميس). وص 295 ج 4 بيهقي. وص 328 ج 1 مجتبي.

ص: 422

(وعن) أبي الدرداء أنه كان يصوم من كل شهر ثلاثة أيام اليوم الأول ويوم العاشر ويوم العشرين ويقول: هو صيام الدهر كل حسنة بعشر أمثالها.

(16) صيام ثلاثة أيام معينة: يستحب صيام ثلاثة أيام معينة من كل شهر من أوله، أو السبت والأحد والاثنين من أول الشهر، ثم الثلاثاء والأربعاء والخميس من أول الشهر الذي بعده، أو الاثنين من أوله ثم الخميس والجمعة، أو ثلاثة من آخره (لحديث) ابن مسعود رضي الله عنه:"أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يصوم ثلاثة أيام من غرة كل هلال وقاما يفطر يوم الجمعة" أخرجه أحمد والنسائي وابن ماجه والبيهقي والترمذي وقال: حسن غريب (1){139}

(وعن) سفيان عن منصور عن خيثمة عن عائشة رضي الله عنها قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم من الشهر السبت والأحد والاثنين، ومن الشهر الآخر الثلاثاء والأربعاء والخميس" أخرجه الترمذي وحسنه، وقال: وروي عبد الرحمن بن مهدي هذا الحديث عن سفيان ولم يرفعه (2){140}

قال الحافظ في الفتح وهو أشبه (3): وإنما فعل هذا النبي صلى الله عليه وسلم مراعاة للعدالة بين الأيام، وقد ذكر الجمعة في الحديث السابق، وإنما لم يصم النبي صلى الله عليه وسلم الستة متوالية كي لا يشق على الأمة الاقتداء به رحمة لهم وشفقة عليهم.

قال الروباني: صيام ثلاثة أيام من كل شهر مستحب، فإن اتفقت أيام البيض كان أحب (وقال) غير واحد من العلماء: إن استحباب صيام البيض

(1) تقدم رقم 80 ص 391 (صوم يوم الجمعة)

(2)

انظر ص 55 ج 2 تحفة الاحوذي (صوم الاثنين والخميس).

(3)

انظر ص 162 ج 4 - فتح الباري (صيام البيض).

ص: 423

غير استحباب صيام ثلاثة أيام من كل شهر (1) وهذا هو الأولى. وحمل المطلق من الأحاديث على المقيد منها لا حاجة إليه فإن الباب باب تطوع وهو واسع.

(17) صوم داود عليه السلام: وهو صوم يوم وإفطار يوم وهو احب الصوم وأفضله؛ لأنه أشق على النفس، فإنه لا يعتاد الصيام ولا الفطر، وفاعله يمكنه أن يؤدي حق نفسه وأهله وزائره أيام فطره بخلاف من يتابع الصوم فإنه لا يمكنه القيام بهذه الحقوق.

(قال) عبد الله بن عمرو: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أحب الصيام إلى الله صيام داود كان يصوم يوماً ويفطر يوماً، واحب الصلاة إلى الله صلاة داود كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه" أخرجه الدارمي والبيهقي والسبعة إلا الترمذي، وهذا لفظ البخاري (2){141}

(وعن) ابن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أفضل الصيام صيام داود عليه السلام، كان يصوم يوماً ويفطر يوماً" أخرجه البخاري والنسائي وهذا لفظه (3){142}

(والأحاديث) في هذا كثيرة وهي صريحة في أنه ليس في صيام التطوع أفضل من صيام يوم وفطر يوم، فهو أفضل من صيام يومين وإفطار يوم ومن صيام الدهر سوى الأيام المنهي عن صيامها.

(1) انظر ص 163 ج 4 - فتح الباري.

(2)

انظر ص 229 ج 10 - الفتح الرباني. وص 290 ج 6 فتح الباري (أحب الصلاة إلى الله تعالى صلاة داود) وص 46 ج 8 نووي (صوم يوم وإفطار يوم) وص 209 ج 10 - المنهل العذب المورود وص 221 ج 1 مجتبي (صوم نبي الله داود) و (أحب الصلاة إلى الله .. ) أي أفضل صلاة التطوع ليلاً صلاة داود.

(3)

انظر ص 76 ج 9 - فتح الباري ج 9 - فتح الباري (في كم يقرأ القرآن؟ ) وص 324 ج 1 مجتبي (صوم يوم وإفطار يوم).

ص: 424

(18)

صوم رجب: لم يثبت من طريق صحيح في صوم رجب نهي ولا ندب إلا: (أ) ما ورد في الترغيب في صوم الأشهر الحرم وهو منها. (ب) وما ورد في صوم الاثنين والخميس وثلاثة أيام من كل شهر وصوم أيام البيض وصوم داود، وتقدم كل هذا. (ج) وما ورد في مطلق التطوع (كحديث) أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال:"من صام يوماً في سبيل الله زحزح الله وجهه عن النار بذلك سبعين خريفاً" أخرجه احمد والنسائي وابن ماجه (1){143}

والمراد من سبيل الله الجهاد. وقيل: طاعة الله تعالى. والمراد من صام قاصداً وجه الله، والأول أقرب ولا يعارض ذلك أن الفطر في الجهاد أولى لأن الصيام يضعفه عن اللقاء لأن أفضل الصوم حينئذ محمول على من لم يخش ضعفاً، ولاسيما من اعتاده فمن لم يضعفه الصوم عن الجهاد، فالصوم في حقه أفضل ليجمع بين الفضيلتين (وقال) عثمان بن حكيم: سألت سعيد بن جبير عن صوم رجب كيف أترى؟ قال: حدثني ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصوم حتى نقول لا يفطر ويفطر حتى نقول لا يصوم" أخرجه أحمد ومسلم وأبو داود (2){144}

(1) انظر ص 163 ج 10 - الفتح الرباني (صوم التطوع في السفر) وص 313 ج 1 مجتبي (من صام يوماً في سبيل الله) وص 270 ج 1 - ابن ماجه وتقدم نحوه عن أبي سعيد رقم 4 ص 319 (فضل الصيام).

(2)

انظر ص 193 ج 10 - الفتح الرباني (الصوم في رجب) وص 38 نووي (صيام النبي صلى الله عليه وسلم في غير رمضان) وص 184 ج 10 - المنهل العذب المورود (صوم رجب).

ص: 425

والمعنى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا صام التطوع تابع الصيام حتى تظن أنه لا يفطر، وإذا أفطر تابع الإفطار حتى نظن أنه لا يصوم. وهذه كانت حالته صلى الله عليه وسلم في رجب وغيره، لكن الحديث يؤخذ منه أن هذه الحالة برجب فيفيد فضل الإكثار من الصوم فيه، والأولى إبقاء الحديث على عمومه وأن رجباً كغيره من الشهور. ويؤيده (حديث) سعيد بن جبير عن ابن عباس قال:"ما صام النبي صلى الله عليه وسلم شهراً كاملاً قط غير رمضان ويصوم حتى يقول القائل لا والله لا يفطر ويفطر حتى يقول القائل لا والله لا يصوم" أخرجه البخاري (1){145}

فالظاهر أن مراد سعيد بن جبير بهذا الاستدلال انه لا نهي عنه ولا ندب فيه لعينه بل له حكم باقي الشهور ولم يثب في صوم رجب نهي ولا ندب لعينه ولكن أصل الصوم مندوب إليه (2). "وأما حديث" ابن عباس: "أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم نهى عن صوم رجب" أخرجه ابن ماجه (3){146}

"فضعيف" لأن فيه داود بن عطاء متفق على ضعفه وزيد بن عبد الحميد متكلم فيه، وعلى تقدير صحته فهو محمول على صوم رجب كله وإفراده بالصوم. ولذا قال أحمد: يكره صوم جميعه منفرداً، فإن صام السنة كلها ما عدا يومي العيد وأيام التشريق فلا بأس بصيام جميعه (وقد) ورد في صيام رجب والعبادة فيه أحاديث منها الباطل ومنها الضعيف ذكر بعضها- للتنبيه وعدم الاغترار بها- في المنهل العذب المورود (4) (ولذا) حكى ابن السبكي عن محمد بن منصور السمعاني أنه قال: لم يرد في استحباب صوم رجب على الخصوص سنة ثابتة، والأحاديث التي تروي فيه

(1) انظر ص 155 ج 4 فتح الباري (صوم النبي صلى الله عليه وسلم وإفطاره).

(2)

انظر ص 38 ج 8 نووي مسلم.

(3)

انظر ص 173 ج 1 - ابن ماجه (صيام الأشهر الحرام).

(4)

انظر ص 186 ج 10 (صوم رجب).

ص: 426

(قال) حرشة بن الحر: رأيت عمر بن الخطاب يضرب أكف الرجال في صوم رجب حتى يضعوها في الطعام ويقول: رجب وما رجب؟ إنما رجب يعظمه أهل الجاهلية فلما جاء الإسلام ترك. أخرجه الطبراني في الأوسط وفيه الحسن بن جبلة. قال الهيثمي: لم أجد من ذكره، وبقية رجاله ثقات (1). (وقال) ابن حجر في تبيين العجب بما ورد في فصل رجب: لم يرد في فضله ولا في صيامه ولا في صيام شيء منه معين ولا في قيام ليلة مخصوصة منه حديث صحيح يصلح للحجة (وقال) أبو شامة: وقد رويت كراهة صومه عن جماعة من الصحابة منهم أبو بكر وعمر رضي الله عنهما.

وكان عمر يضرب بالدرة صوامه، ثم قال: وعن أبي بكر رضي الله عنه أنه دخل على أهله وقد أعدوا لرجب، فقال: ما هذا؟ فقالوا: لرجب نصومه، فقال: أجعلتم رجباً كرمضان قال الطرطوشي: يكره صيام رجب لأنه إذا خصه المسلمون بالصوم في كل عام حسب العوام- ومن لا معرفة له بالشريعة مع ظهور صيامه- أنه فرض كرمضان أو أنه سنة ثابتة خصه رسول الله صلى الله عليه وسلم صيامه- أنه فرض كرمضان أو انه سنة ثابتة خصه رسول الله صلى الله عليه وسلم كالسنن الراتبة أو أن الصوم فيه مخصوص بفضل ثواب على سائر الشهور جار مجرى صوم عاشوراء، فيكون من باب الفضائل لا من باب السنن والفرائض ولو كان من باب الفضائل لسنة النبي صلى الله عليه وسلم أو فعله مرة في العمر كما فعل في يوم عاشوراء ولما لم يفعل بطل كونه مخصوصاً بالفضيلة وليس هو فرضاً ولا سنة باتفاق فلم يبق لتخصيصه للصيام وجه، فكره صومه والدوام عليه حذراً من أن يلتحق بالفرائض والسنن الراتبة عند العوام، فإن احب امرؤ أن يصومه على وجه تؤمن فيه الذريعة وانتشار الأمر حتى لا يعد فرضاً أو سنة فلا بأس بذلك (2)

(1) انظر ص 191 ج 3 - مجمع الزوائد (صيام رجب) وأخرجه سعيد بن منصور بسند مجمع على عدالة رجاله.

(2)

انظر ص 42 و 43 - الباعث على إنكار البدع والحوادث (والدرة) - كسدرة- السوط.

ص: 427

(19)

بدع رجب: قد أحدث الناس في هذا الشهر الحرام أموراً شنيعة وبدعاً ذميمة (منها) زيارة النساء المقابر في الجمعة الأولى منه وغيرها مما يعد عنهم موسماً، وهي من البدع المقبوحة والعادة المستنكرة وأي بدعة أكبر قبحاً وأعظم وزراً من بدعة جمعت مفاسد عديدة وشروراً كثيرة من انتهاك الحرمات وابتذال الأعراض وإضاعة الأموال وإيذاء الموتى وتهتك النساء واختلاطهن بالرجال مع فساد الأخلاق وانتشار الفساد وإحياء عادة الجاهلية من الندب والنياحة وشق الجيوب ولطم الخدود وصبع الوجوه والأيدي بالسواد ولا يخشين الوعيد، فيما روى ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"ليس منا من شق الجيوب، ولطم الخدود، ودعا بدعوى الجاهلية" أخرجه السبعة إلا أبا داود، وقال الترمذي: حسن صحيح (1){147}

يحل الموسم بزعمهم- رجب أو غيره- فتصير النساء لا هم لهن إلا ما يعدونه للخروج إلى المقابر من ألوان الطعام وأنواع الفواكه وطاقات الأزهار. فالغني ينفق ذو سعة، والفقير يضيع ما تحتاج إليه عياله وقد يقترض لذلك بفوائد أو يرهن متاع بيته عند المرابين، ويكثر النزاع بين المرء وزوجه وقد يؤدي إلى الفراق أو دوام الخصام والشقاق، وإذا خرجن إلى المقابر رفعت الساء أصواتهن بالبكاء، وأظهرن الحزن والجزع، وتكلمن بكلمات كفرية فيها السخط على القدر والاعتراض على الله تعالى في حكمه وقضائه، وبعد قليل توضع الموائد فوق المقابر وعلى رؤوس الموتى، ومنها يأكلون كما تأكل الأنعام ناسين الموت وسكراته، وغافلين عن الموتى وما هم فيه من ظلمة ووحشة، فإذا أكلوا انتشروا في الصحراء يتزاورون كأنهم في منازل الأحياء لا في مقابر الأموات وأماكن الخشية والاعتبار. ذلك هو الضلال البعيد، كيف لا وهذا لا يرضى الرب ولا به ترحم الموتى، بل الأمر بالعكس،

(1) تقدم رقم 376 ص 211 ج 7 - الدين الخالص (النياحة والندب).

ص: 428

ولم يأت في كتاب الله ولا في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أول جمعة من رجب أو أي موسم جعل لزيارة القبور، ولم يثبت أن أحداً من الصحابة أو أئمة السلف كان يخرج هو ونساؤه في هذه المواسم لزيارة الموتى. وكذا حمل الأطعمة إلى المقابر لم يعرف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من السلف الصالح، بل هو مناف للعبرة والاتعاظ مبطل لثواب الصدقة لما فيه من الرياء، ولو تصدقوا في البيوت سراً على المحتاجين لكان أرجى للقبول، وأقرب إلى الوصول ولكفوا حملها وحمل أوزارها (وقال) ابن عباس:" لعن النبي صلى الله عليه وسلم زائرات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج " أخرجه احمد والأربعة وحسنه الترمذي (1). {148}

أي دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم على من ذكر بالطرد عن رحمة الله تعالى، أما الزائرات فلما يكون منهن حال الزيارة من التبرج والجزع ولطم الخدود والندب والنياحة والتسخط وعدم الرضا بالقضاء والقدر. وأما المتخذون عليها المساجد فلما يكون منهم من تعظيم القبور والتشبه بعباد الأوثان. وأما المتخذون عليها السرج فلما فيه من تضييع المال بلا منفعة والمبالغة في تعظيم القبور.

(ومن بدع رجب) صلوات غير مشروعة في أول ليلة من رجب وليلة الجمعة الأولى منه (صلاة الرغائب) وليلة النصف منه. وتقدم- في بحث الصلوات غير المشروعة- بيانها وأن ما ورد منها موضوع (2)(ومنها) ما قيل عن ابن عباس: من صلى ليلة سبع وعشرين من رجب اثنتى عشرة ركعة يقرأ في كل ركعة منها فاتحة الكتاب وسورة فإذا فرغ من صلاته قرأ فاتحة الكتاب سبع مرات وهو جالس ثم قال: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم أربع مرات ثم أصبح

(1) تقدم رقم 13 ص 9 (التحذير من إيقاد السرج على القبور).

(2)

انظر ص 163 ج 6 - الدين الخالص.

ص: 429

صائماً حط الله عنه ذنوب ستين سنة وهي الليلة التي بعث فيها محمد صلى الله عليه وسلم.

(قال) العجلوني: وكذلك صلاة عاشوراء وصلاة الرغائب موضوع بالاتفاق وكذلك صلاة ليالي رجب وليلة السابع والعشرين منه (1)(ومن الموضوع) ما قيل عن أبي هريرة رضي الله عنه: من صام السابع والعشرين من رجب كتب الله له صيام ستين شهراً. قال أبو الخطاب: وهذا حديث لا يصح (2).

(ومن الموضوع) ما روي حصين بن مخارق بسنده إلى الحسين رضي الله عنه مرفوعاً: من أحيا ليلة من رجب وصام يوماً أطعمه الله من ثمار الجنة وكساه من حلل الجنة وسقاه من الرحيق المختوم إلا من فعل ثلاثاً: من قتل نفساً، أو سمع مستغيثاً بليل أو نهار فلم يغثه، أو شكاً إليه أخوه حاجة فلم يفرج عنه. (قال) السيوطي: موضوع آفته حصين (3)(ومن البدع) الاجتماع في المساجد وزيادة الغور فيها وعلى المآذن واختلاط الرجال والنساء احتفالاً بالإسراء ليلة السابع والعشرين من رجب مع القراءة والذكر بالتحريف والتلحين في أسماء الله تعالى وغير ذلك من المنكرات والمفاسد على ما تقدم بيانه في بحث المواسم غير المشروعة (4).

(20) صوم شعبان (5): يستحب صومه كله أو جله (لحديث) أم سلمة رضي الله عنها أن النبي

(1) انظر ص 410 ج 2 كشف الخفاء.

(2)

انظر ص 64 الباعث على إنكار البدع والحوادث.

(3)

انظر ص 66 ج 2 اللآلئ المصنوعة.

(4)

انظر ص 143 ج 5 الدين الخالص.

(5)

"شعبان" من الشعب- بفتح فسكون - وهو الجمع والتفريق سمي بذلك لأنه تشعب فيه خير كثير.

ص: 430

صلى الله عليه وسلم لم يكن يصوم من السنة شهراً تاماً إلا شعبان يصله برمضان" أخرجه أبو داود والنسائي (1){149}

أي لم يكن يصوم تطوعاً شهراً كاملاً إلا شعبان فكان يصومه في بعض الأحيان. (وقالت) عائشة رضي الله عنها: "كان أحب الشهور إلى النبي صلى الله عليه وسلم أن يصومه شعبان ثم يصله برمضان" أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي والبيهقي والحاكم وقال: صحيح على شرط الشيخين (2){150}

أي كان صوم شعبان أحب إلى النبي صلى الله عليه وسلم من صوم غيره من بقية الشهور التي كان يتطوع فيها بالصيام، وكان يصل صيامه بصيام رمضان. ويحتمل أن المعنى: أنه كان يصوم في آخر شعبان حتى يقرب أن يصله برمضان.

(وقالت) عائشة رضي الله عنها: "ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم من شهر من السنة أكثر من صيامه في شعبان، كان يصومه كله" أخرجه أحمد والشيخان (3){151}

(1) انظر ص 55 ج 10 - المنهل العذب المورود (من يصل شعبان برمضان) وص 321 ج 1 مجتبي (صوم النبي صلى الله عليه وسلم.

(2)

انظر ص 200 ج 10 - الفتح الرباني (صيام النبي صلى الله عليه وسلم وص 188 ج 10 - المنهل العذب المورود (صوم شعبان) وص 321 ج 1 مجتبي. وص 292 ج 4 بيهقي. وص 434 ج 1 مستدرك. و (أحب) خبر كان وشعبان بالرفع اسمها على تقدير مضاف أي صوم شعبان أحب (وأن يصومه) - أن- أولت يصوم بمصدر هو دليل المضاف المقدر. وهذا لا ينافي حديث أبي هريرة مرفوعاً: لا تقدموا صوم رمضان بيوم ولا يومين (الحديث) تقدم رقم 69 ص 384 (يوم الشك) لأن النهي عن التقدم محمول على من لم يصم شعبان كله أو معظمه بل يصوم اليوم أو اليومين قبل رمضان احتياطاً.

(3)

انظر ص 200 ج 10 - الفتح الرباني (صيام النبي صلى الله عليه وسلم وص 153 ج 4 فتح الباري (صيام شعبان) وص 38 ج 8 نووي.

ص: 431

والمعنى: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم في شعبان وفي غيره من الشهور سوى رمضان، وكان صيامه في شعبان أكثر من صيامه فيما سواه. ويجمع بين هذه الأحاديث بأنه صلى الله عليه وسلم كان يصوم شعبان كله تارة ويصوم معظمه أخرى، لئلا يتوهم أنه واجب كرمضان (وقيل) المراد بقولها: كله-أنه كان يصوم من أوله تارة ومن آخره أخرى ومن أثنائه طوراً، فلا يخلي شيئاً منه من صيام ولا يخص بعضه بصيام دون بعض (1).

(وحكمه) إكثاره صلى الله عليه وسلم من صوم شعبان ما دل عليه حديث أسامة بن زيد رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله، لم أرك تصوم من شهر من الشهور ما تصوم من شعبان؟ قال:"ذاك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم" أخرجه أحمد والنسائي وابن خزيمة وصححه (2) وابن ماجه وابن حبان (3){153}

(21)

نصف شعبان:

صوم يوم نصف شعبان لعينه لم يرد به نص ثابت ولا أصل يعتمد بل يكره تخصيصه بالصوم (وأما) حديث ابن أبي سبرة عن إبراهيم بن محمد عن معاوية ابن عبد الله بن جعفر عن أبيه عن علي ابن أبي طالب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: "إذا كانت ليلة النصف من شعبان

(1) انظر ص 153 و 154 ج 4 فتح الباري.

(2)

انظر ص 203 ج 10 - الفتح الرباني (صيام النبي صلى الله عليه وسلم وص 322 ج 1 مجتبي (ويغفل الناس عنه .. ) ظاهره أنهم كانوا يصومون في رجب لأن ظاهر الغفلة عن شعبان أي عن تعظيمه بالصوم كما يعظمون رمضان ورجبا به. ولم ينههم النبي صلى الله عليه وسلم عن الصوم في رجب وهو يفيد جواز صيامه لا أنه سنة متبعة (فأحب أن يرفع عملي .... ) طلباً لزيادة رفع الدرجة. ولا ينافي هذا عرض الأعمال كل اثنين وخميس كما تقدم برقم 129 ص 419 (صوم الاثنين والخميس) لجواز رفع أعمال الأسبوع مفصلة في هذين اليومين ورفع أعمال العام مجملة في شعبان.

(3)

انظر ص 217 ج 1 - ابن ماجه (ما جاء في ليلة النصف من شعبان).

ص: 432

فقوموا ليلها وصوموا نهارها" (الحديث) أخرجه ابن ماجه وابن حبان. {153}

فهو ضعيف جداً قال الإمام البوصيري في الزوائد: إسناده ضعيف لضعف بن أبي سبرة واسمه أبو بكر بن عبد الله بن محمد قال فيه أحمد بن حنبل وابن معين: يضع الحديث (1) وقال النسائي متروك وقال الذهبي في الميزان: ضعفه البخاري وغيره وإبراهيم بن محمد ضعفه الجمهور (وما نسب) إلى علي رضي الله عنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة النصف من شعبان قام فصلى أربع عشرة ركعة ثم قال: فإن أصبح في ذلك اليوم صائماً كان له كصيام ستين سنة ماضية وصيام ستين سنة مستقبلة (قال) ابن الجوزي: موضوع وإسناده مظلم (2)(وكذا) يكره اتخاذه موسماً تصنع فيه الأطعمة والحلوى وتظهر فيه الزينة وتقدم أنه من المواسم المحدثة المبتدعة التي لا أصل لها: وما قيل من قسم الأرزاق فيها لم يثبت (وقد) ابتدع فيها صلاة تسمى صلاة الرغائب وصلاة البراءة (قال) أبو الخطاب ابن دحية: أحاديث صلاة البراءة موضوعة. ومن عمل بخبر صح أنه كذب فهو من خدم الشيطان. وتقدم الكلام وافياً في ذلك وفيما أحدث ليلة نصف شعبان في بدع المساجد (3) وفي الصلوات غير المشروعة (4) وأن المراد من ليلة مباركة في قوله تعالى: "إنا أنزلناه في ليلة مباركةٍ إنا كنا منذرين فيها يفرق كل أمر حكيم" عند الجمهور هي ليلة القدر لا ليلة نصف شعبان.

(ومن) البدع التي جرت إلى جملة من المحرمات وشاعت في غالب المساجد التي لم يقف ذو الشأن فيها عند الحدود الشرعية، اجتماع كثير من

(1) انظر ص 217 ج 1 - ابن ماجه (ما جاء في ليلة النصف من شعبان).

(2)

تقدم تاماً ص 243 ج 3 هامش الدين الخالص.

(3)

انظر ص 346 منه.

(4)

انظر ص 164 ج 6 منه.

ص: 433

الناس صغاراً وكباراً ذكوراً ونساء داخل المسجد بعد صلاة المغرب من ليلة النصف من شعبان ويقرأ عليهم إمام المسجد أو من يقوم مقامه الدعاء المعروف الذي لم يثبت عن أحد ممن يقتدي بهم (ومما يؤلم) القلب ويحزن الفؤاد أن الأئمة العلماء الرسميين يلقنون هذا الدعاء للعوام فيرددونه وراءهم بأصوات مرتفعة وقد ضاق المسجد بمن فيه، لأن العوام لا يتخلف منهم أحد في هذه الليلة إلا النادر، لاعتقادهم أن قراءة هذا الدعاء سبب في طول العمر وتوسيع الرزق والغني عن الناس مع ما فيه من مخالفة كتاب الله تعالى وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم كما تقدم والتخليط في قراءة سورة يس بعد الدعاء والتهويش الذي يعم القريب والبعيد ولاسيما من كان يتعبد داخل المسجد ومن المعلوم أن التشويش ولو على نائم خارج المسجد حرام بإجماع المسلمين فما الظن بوقوعه في مساجد الله تعالى والتشويش به على المتعبدين بدعاء ما أنزل الله به من سلطان فإنا لله وإنا إليه راجعون ومن المعلوم أن الدعاء في حد ذاته مشروع لكن بشرط أن يكون جارياً على الحدود الشرعية غير متعديها والله لا يحب المعتدين نسأله تعالى أن يوفقنا جميعاً لما يرضيه (1).

(22)

صوم الشتاء: الشتاء ليلة طويل ونهاره قصير. وهذه فرصة على العاقل اغتنامها لقيام الليل وصيام النهار. فلطول الليل يمكن أن تأخذ النفس حظها من النوم ثم يقوم للتهجد والأوراد بنشاط فيجتمع له فيه نومه وراحة بدنه وإدراك وظائف العبادات. ولقصر نهاره يتسنى له صيامه، لأنه لا حر فيه ولا عطش ولا تعب ولا ملل (روي) أبو سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الشتاء ربيع المؤمن، أخرجه احمد وأبو يعلي بسند حسن (2){154}

(1) انظر تمامه ص 348 ج 3 الدين الخالص.

(2)

انظر ص 200 ج 3 مجمع الزوائد (الشتاء ربيع المؤمن).

ص: 434

(وعن) عامر بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الصوم في الشتاء الغنيمة الباردة، أخرجه احمد والبيهقي والترمذي وقال حديث مرسل: عامر بن مسعود لم يدرك النبي صلى الله عليه وسلم (1){155}

لكن قال أحمد: أرى له صحبة. وعده ابن حبان وابن منده وابن عبد البر من الصحابة.

(وعن) ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مرحباً بالشتاء فيه تنزل الرحمة أما ليله فطويل للقائم وأما نهاره فقصير للصائم، أخرجه الديلمي (2){156}

(23) صوم الأعزب: الأعزب من لا زوج له فإذا لم يقدر على نفقات النكاح فليكثر من الصوم فإنه يكسر الشهوة، لحديث ابن مسعود قال: كنا مع النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم شباباً ليس لنا شيء فقال: "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج. ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء" أخرجه الشيخان (3){157}

ولا يقال إن الصوم يزيد في تهيج الحرارة، وهذا يثير الشهوة لأنا نقول: إنما يكون ذلك في مبدأ الأمر فإذا تمادى عليه واعتاده سكن ذلك والله ولي التوفيق.

(24) فطر الصائم المتطوع: يجوز للصائم المتطوع الفطر ولو بلا عذر (لحديث) عائشة رضي الله عنها

(1) انظر ص 206 ج 4 بيهقي وص 70 ج 2 تحفة الأحوذي (الصوم في الشتاء)، (والغنيمة الباردة) أي التي تحصل بلا مشقة أو الثابتة. يقال يرد لي على فلان كذا أي ثبت. او الطيبة. وكان الصوم في الشتاء غنيمة لحصوله بلا مشقة.

(2)

انظر ص 5 ج 2 كشف الخفاء.

(3)

تقدم رقم 36 ص 354 (صيام رمضان)

ص: 435

أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأتيها وهو صائم فقال: "أصبح عندكم شيء تطعمينيه؟ فنقول لا فيقول: إني صائم. ثم جاءها بعد ذلك فقالت: أهديت لنا هدية فقال ما هي؟ قالت حيس قال: قد أصبحت صائماً فأكل" أخرجه أحمد ومسلم وأبو داود والبيهقي والنسائي وهذا لفظه (1){158}

قال الترمذي: والعمل عليه عند بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم أن الصائم المتطوع إذا أفطر فلا قضاء عليه إلا أن يجب أن يقضيه. وهو قول سفيان الثوري وأحمد وإسحق والشافعي (2)(وعن) أم هانئ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عليها يوم الفتح فأتى بشراب فشرب ثم ناولني فقلت إني صائمة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن المتطوع أمير على نفسه فإن شئت فصومي وإن شئت فأفطري" أخرجه الدارقطني والبيهقي وأحمد وهذا لفظه والحاكم بلفظ: الصائم المتطوع أمير نفسه إن شاء صام وإن شاء أفطر: وقال صحيح الإسناد. وتلك الأخبار المعارضة لهذا لم يصح منها شيء (3){159}

(قال) ابن مسعود: إذا أصبحت وأنت تنوي الصيام فأنت بأحد النظرين: إن شئت صمت وإن شئت أفطرت. أخرجه البيهقي (4)(وقالت) عائشة: دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم فقال: أعندك شيء؟ قلت: لا. قال إذن أصوم. ودخل علي يوماً آخر

(1) انظر ص 277 ج 9 - الفتح الرباني (وجوب النية في الصوم) وص 34 ج 8 نووي (جواز فطر الصائم نفلاً) وص 217 و 218 ج 10 - المنهل العذب المورود وص 275 ج 4 بيهقي وص 320 ج 1 مجتبي (والحيس) - بفتح فسكون- طعام يتخذ من التمر والسمن واللبن منزوع الزبد أو الدقيق بدل اللبن.

(2)

انظر ص 49 ج 2 تحفة الأحوذي.

(3)

انظر ص 169 ج 10 - الفتح الرباني (صوم التطوع لا يلزم بالشروع) وص 235 الدارقطني وص 276 ج 4 بيهقي وص 439 ج 1 مستدرك.

(4)

انظر ص 277 ج 4 بيهقي (صيام التطوع).

ص: 436

فقال أعندك شيء؟ قلت نعم. قال: إذن أفطر وإن كنت فرضت الصوم" أخرجه البيهقي والدارقطني وقالا: هذا إسناد صحيح (1){160}

(ولهذه) الأحاديث قال الثوري والشافعي وأحمد ومحققو الحنفيين: من دخل في صوم التطوع يستحب له إتمامه. وإذا أفطر ولو بلا عذر فلا إثم عليه لكن يكره له الفطر بلا عذر، لعموم قوله تعالى "ولا تبطلوا أعمالكم (2) " وخروجاً من خلاف من أوجب الإتمام. وإذا أفطر بعذر فلا كراهة. وعلى كل فلا يجب القضاء بل يستحب.

(وقال) مالك والحسن البصري: لا يجوز للمتطوع الإفطار. وإذا أفطر بلا عذر لزمه القضاء. وهو ظاهر الرواية عن النعمان لقوله تعالى: "ثم أتموا الصيام إلى الليل (3) " وهو يعم الفرض والنفل.

(وإن) أفطر المتطوع لعذر كأن أمره أحد والديه أو شيخه بالفطر شفقة عليه وكطرو الحيض على المتطوعة، فلا إثم ولا قضاء عليه عند مالك والشافعي وأحمد ومحققي الحنفيين. وظاهر الرواية عندهم: لزوم القضاء (لقول) أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: "صنعت للنبي صلى الله عليه وسلم طعاماً فأتاني هو وأصحابه. فلما وضع قال رجل: أنا صائم. فقال له صلى الله عليه وسلم: دعاك أخوك وتكلف لك أفطر وصم يوماً مكانه" أخرجه أبو داود الطيالسي والدارقطني والبيهقي وفيه: وصم يوماً مكانه إن شئت (4){161}

(1) انظر ص 275 منه. وص 236 الدارقطني.

(2)

سورة محمد: آية 23.

(3)

سورة البقرة: آية 187.

(4)

انظر ص 293 طيالسي. وص 237 الدارقطني وص 279 ج 4 بيهقي (التخيير في القضاء إن كان صومه تطوعاً) وص 456 ج 2 نصب الراية.

ص: 437

(وقال) أبو هريرة: أهديت لعائشة وحفصة هدية وهما صائمتان فأكلتا منها فذكرتا ذلك للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال: "اقضيا يوما مكانه ولا تعودا" أخرجه الطبراني في الأوسط. وفيه محمد بن أبي سلمة المكي وقد ضعف بهذا الحديث (1){162}

(وأجاب) الأولون بأن الأمر بالقضاء في هذه الأحاديث للاستحباب لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي سعيد عند البيهقي: وصم يوماً مكانه إن شئت (وعن) أم هانئ أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم شرب شراباً فناولها لتشرب. فقالت: إني صائمة ولكني كرهت أن أرد سؤرك فقال: إن كان قضاء من رمضان فاقضي يوماً مكانه وإن كان تطوعاً فإن شئت فاقضي وإن شئت فلا تقضي" أخرجه أحمد والبيهقي. وفيه سماك بن حرب متكلم فيه. وهارون ابن بنت أم هانئ لا يعرف (2){163}

(ولذا) اختار الكمال بن الهمام وتاج الشريعة وغيرهما من الحنفيين أنه يباح الفطر للمتطوع ولو بلا عذر، لتضافر الأدلة الصحيحة عليه وأن المختار استحباب القضاء.

(هذا) وسائر النوافل من العبادات حكمها حكم الصيام في أنها لا تلزم بالشروع ولا يجب قضاؤها إذا أبطلها عند الجمهور إلا الحج والعمرة فإنهما يخالفان سائر العبادات في هذا لتأكيد إحرامهما ولا يخرج منهما بإفسادهما (وعن) أحمد في الصلاة ما يدل على أنها تلزم بالشروع. أما من شرع في فرض كقضاء رمضان أو نذر معين أو مطلق أو صيام كفارة فلا يجوز له الخروج

(1) انظر ص 202 ج 3 مجمع الزوائد (من يصبح صائماً ثم يفطر).

(2)

انظر ص 168 ج 10 الفتح الرباني (صوم التطوع لا يلزم بالشروع فيه) وص 278 ج 4 بيهقي (والسؤر) ما يقي من طعام الآكل أو شرابه.

ص: 438