الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
غير الفم فأشبه القيء والرواية الثانية لا يفطر لأنه معتاد في الفم غير واصل من خارج فأشبه الريق (فإن) سال فمه دماً أو خرج إليه قلس أو قيء فابتلعه أفطر وإن كان يسيراً لأن الفم في حكم الظاهر والأصل حصول الفطر بكل واصل منه لكنه عفى عن الريق لعدم إمكان التحرز منه فما هداه يبقى على الأصل وإن ألقاه من فيه وبقي فمه نجساً أو تنجس فمه بشيء من خارج فابتلع ريقه فإن كان معه جزء من المنجس أفطر بذلك الجزء وإلا فلا (1).
(7) ما يكره للصائم:
هو أمور المذكور هنا خمسة عشر:
(1)
يكره له تحريماً ذوق شيء مفطر من غذاء أو دواء بلا عذر لما فيه من تعريض الصوم للفساد ولو كان نفلاً لغير عذر. ولا بأس به مع العذر كسوء خلق الزوج فحينئذ لا يكره لامرأته ذوق المرق بلسانها (وعليه) يحمل قول ابن عباس: لا بأس أن يتطاعم الصائم للشيء يعني المرقة ونحوها. أخرجه البيهقي (2).
ومثل المرأة في ذلك الطاهي (الطباخ) وكذا يجوز لمن أراد شراء مأكول أو مشروب أن يذوقه إذا خشي أن يغبن فيه ولا يوافقه. وإذا ذاقه وجب عليه أن يمجه لئلا يصل إلى حلقه منه شيء. ومن أصبح بين أسنانه طعام فإن كان يسيراً لا يمكنه لفظه فابتلعه لا يفطر به لأنه لا يمكن التحرز منه فأشبه الريق، وهذا مجمع عليه (وإن كان) كثيراً يمكن لفظه فإن لفظه فلا شيء عليه وإن
(1) انظر ص 40 - 43 ج 3 - مغنى ابن قدامة.
(2)
انظر ص 261 ج 4 بيهقي.
ابتلعه عامداً فسد صومه عند الجمهور (وقال) الحنفيون: لا يفطر إن كان ما بين الأسنان دون الحمصة لأنه لابد أن يبقى بين أسنانه شيء مما يأكله فلا يمكن التحرز منه فأشبه ما يجري به الريق (وللجمهور) أنه بلع طعاماً يمكنه لفظه باختياره ذاكراً لصومه فأفطر به كما لو ابتدأ الأكل. ويخالف ما يجري به الريق فإنه لا يمكن لفظه (1).
(2)
ويكره للصائم مضغ العلك بكسر فسكون (اللبان) إن لم يتحلل منه شيء لما في ذلك من الاتهام لأن من رآه يظن فطره (ولقول) أم حبيبة زوج النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يمضغ العلك الصائم" أخرجه البيهقي (2)(وقال) علي رضي الله عنه: إباك وما يسبق إلى القلوب إنكاره وإن كان عندك اعتذاره. وفي غير الصوم يستحب مضغ العلك للنساء ويكره للرجال على المختار إلا في خلوة لعذر كتسهيل ربح وتقليل بخر بفمه لحاجة.
(3)
ويكره للصائم المبالغة في المضمضة والاستنشاق احتياطاً للعبادة فإنه يخشى وصول شيء من الماء إلى الحلق (لحديث) لقيط بن صبرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "فإذا استنشقت فأبلغ إلا أن تكون صائماً" أخرجه أحمد والأربعة وقال الترمذي حسن صحيح. وقد كره أهل العلم السعوط للصائم ورأوا أن ذلك يفطر وفي الحديث ما يقوي قولهم (3). {200}
(1) انظر ص 46 ج 3 مغنى ابن قدامة.
(2)
انظر ص 269 ج 4 بيهقي (وقال) الكمال ابن الهمام وعنه عليه الصلاة والسلام: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يقفن مواقف التهم (انظر ص 75 ج 2 فتح القدير).
(3)
انظر ص 35 ج 2 الفتح الرباني. وص 84 ج 2 - المنهل العذب المورود. وص 26 ج 1 مجتبي و 67 ج 2 تحفة الأحوذي (كراهية مبالغة الاستنشاق للصائم) وص 82 ج 1 - ابن ماجه و (السعوط) بضم السين الدواء يوضع في الأنف. وبفتحها مصدر لغة.
فلو بالغ في المضمضة أو الاستنشاق أو لم يبالغ ووصل إلى جوفه شيء من الماء خطأ (قال) الحنفيون ومالك والمزني: يفسد صومه وعليه القضاء وهو قول للشافعي وأحمد فيما إذا بالغ (وقال) أحمد والشافعي: لا يفسد صومه كالناسي إذا لم يبالغ قولاً واحداً عند أحمد ورواية عن الشافعي (وقال) الخطابي: فيه من الفقه أن وصول الماء إلى الدماغ يفطر الصائم إذا كان يفعله. وعلى قياس ذلك كل ما وصل إلى جوفه يفعله من حقنة وغيرها سواء كان ذلك في موضع الطعام والغذاء أو في غيره من حشو جوفه (1).
(فأما) المضمضة لغير الطهارة فإن كانت لحاجة كغسل فمه عند الحاجة إليه فحكمه حكم المضمضة للطهارة. وإن كان عابثاً أو تمضمض من أجل العطش كره. وسئل أحمد عن الصائم يعطش فيتمضمض ثم يمجه قال: يرش على صدره أحب إلى. فإن فعل فوصل الماء إلى حلقه أو ترك الماء في فيه عابثاً أو للتبرد فالحكم فيه كالحكم في الزائد على الثلاث لأنه مكروه. وإن دخل الماء في مسامعه من الغسل المشروع من غير إسراف ولا قصد فلا شيء عليه كما لو دخل إلى حلقه من المضمضة في الوضوء وإن غاص في الماء أو أسرف أو كان عابثاً فحكمه حكم الداخل إلى الحلق من المبالغة في المضمضة والاستنشاق والزائد على الثلاث (2).
(4 و 5) ويكره - عند الحنفيين - للصائم القبلة الفاحشة وهي مص شفتيها وكذا المباشرة الفاحشة وهي أن يتعانقا متجردين متماسى الفرجين فتكره مطلقاً وإن أمن الإنزال والجماع لأن شأنه تعريض الصوم للفساد. وكذا يكره غير الفاحش منهما إن لم يأمن ما ذكر ولا يكرهان إن أمن ذلك (لحديث) أبي هريرة رضي الله عنه "أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن
(1) انظر ص 108 ج 2 معالم السنن.
(2)
انظر ص 44 و 45 ج 3 مغنى ابن قدامة.
المباشرة للصائم فرخص له وأتاه آخر فسأله فنهاه فإذا الذي رخص له شيخ والذي نهاه شاب" أخرجه أبو داود والبيهقي بسند جيد (1){201}
والمراد من المباشرة ما عدا الجماع فتشمل القبلة والمس باليد واتصال الجسم بالجسم (وقال) ابن عمرو رضي الله عنهما: "كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فجاء شاب فقال يا رسول الله أقبل وأنا صائم؟ قال: لا. فجاء شيخ فقال أقبل وأنا صائم؟ قال: نعم فنظر بعضنا إلى بعض. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "قد علمت لم نظر بعضكم إلى بعض. إن الشيخ يملك نفسه" أخرجه أحمد والطبراني في الكبير. وفيه ابن لهيعة وحديثه حسن وفيه كلام (2){202}
(بين) النبي صلى الله عليه وسلم أن القبلة والمباشرة لا يكرهان لذاتهما بل إذا أفضتا إلى الإنزال (وعن) عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يقبل بعض أزواجه وهو صائم ويباشر وهو صائم وكان أملككم لإربه" أخرجه السبعة إلا النسائي (3){203}
(دلت) هذه الأحاديث على أنه يجوز للصائم الذي يملك نفسه ويأمن الفتنة أن يقبل ولا يفسد صومه. وأما من لا يأمن الفتنة فيكره له التقبيل
(1) انظر ص 115 ج 10 - المنهل العذب المورود (كراهيته للشاب) وص 231 ج 4 بيهقي.
(2)
انظر ص 51 ج 10 - الفتح الرباني (القبلة للصائم) وص 166 ج 3 مجمع الزوائد.
(3)
انظر ص 54 ج 10 - الفتح الرباني وص 106 ج 4 فتح الباري (المباشرة للصائم) وص 217 ج 7 نووي وص 265 ج 1 - ابن ماجه وص 48 ج 2 تحفة الأحوذي وص 109 ج 10 - المنهل العذب المورود (والأرب) بفتحات الحاجة والشهوة ويروي بكسر فسكون ويطلق على الذكر خاصة أي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أقدر على وطره وشهوته يأمن مع المباشرة الإصابة في الفرج.
والمباشرة (وبهذا) قال الحنفيون وقال الشافعي: يكره ما ذكر إن لم يحرك الشهوة وإلا حرم. ومشهور مذهب مالك كراهة التقبيل ونحوه مطلقاً إذا علمت السلامة وإن لم تعلم فهو حرام. وروي ابن مذهب عن مالك الإباحة في النفل دون الفرض (قال) عبد الحافظ: وكره مقدمة جماع كقبلة وفكر ونظر إن أمن على نفسه من خروج مني أو مذي وإن لم يأمن ذلك بأن تحقق خروج أحدهما أو ظنه أو شك فيه حرم عليه كل من المقدمة والفكر، لا إن توهم عدم السلامة فلا حرمة وكفر مع القضاء إن أمني حال الحرمة لا حال الكراهة فلا يكفر وإنما يقضي فقط كما إذا أمذي مطلقاً حال حرمة أو كراهة (1)(وحاصل) مذهب أحمد أن المقبل إذا كان ذا شهوة مفرطة- بحيث يغلب على ظنه أنه إذا قبل أنزل- لم تحل له القبلة لأنها مفسدة لصومه فحرمت كالأكل وإن كان ذا شهوة خفيفة- بحيث لا يغلب على ظنه ذلك- كره له التقبيل لأنه يعرض صومه للفطر ولا يأمن عليه الفساد وإن كان شيخاً هرماً لا تحرك القبلة شهوته ففي رواية لا تكره له لما تقدم مما يدل على إباحتها للشيخ وفي رواية يكره له القبلة لأنه لا يأمن من حدوث الشهوة، ولأن الصوم عبادة تمنع الوطء فاستوى في القبلة فيه من تحرك شهوته وغيره. وأما اللمس بغير شهوة فليس بمكروه بحال (2).
(هذا) وللمقبل والمباشر ثلاث أحوال: (أ) ألا ينزل فلا يفسد صومه اتفاقاً لحديث عائشة (3)(وحديث) جابر بن عبد الله أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: "هششت فقبلت وأنا صائم فقلت: يا رسول الله صنعت اليوم أمراً عظيماً فقبلت وأنا صائم
(1) انظر ص 630 ج 1 الفجر المنير.
(2)
انظر ص 48 ج 3 مغنى ابن قدامة.
(3)
هو ما تقدم رقم 203.
قال: أرأيت لو مضمضت من الماء وأنت صائم؟ قلت: لا بأس به فقال: فمه" أخرجه أحمد وأبو داود والطحاوي والحاكم وقال: صحيح على شرط الشيخين (1){204}
(فمه) يعني فما الفرق بين المضمضة والقبلة فإن كلا لا يفطر الصائم.
(ب) أن يمني فيفطر اتفاقاً، لإشارة الحديثين، ولأنه إنزال بمباشرة فأشبه الإزال بالاستمتاع بغير الفرج وعليه القضاء فقط عند الحنفيين والشافعي وأحمد وكذا الكفارة عند مالك وإسحاق.
(جـ) أن يمذي فيفطر وعليه القضاء عند مالك وأحمد (وقال) الحنفيون والشافعي: لا يفطر لأن المذي خارج لا يوجب الغسل فأشبه البول ووجه الأول أنه خارج بشهوة عن مباشرة فأفسد الصوم كالمني فليس كالبول. واللمس بشهوة كالقبلة فيما ذكر.
(6 و 7) ويكره للصائم تكرار النظر بشهوة إلى امرأته وإدامة الفكر في الجماع ولا بأس بذلك عند عدم الشهوة عند الحنفيين والشافعي وأحمد (وعنه) أنه لا يكره بحال لأن إفضاءه إلى الإنزال المفطر بعيد جداً بخلاف القبلة (2).
(وقال) مالك: النظر والفكر كالقبلة فإن أمن على نفسه من الإنزال كرها وإن لم يأمن حرماً (هذا) ولمكرر النظر ثلاثة أحوال: (أ) ألا ينزل فلا يفسد صومه اتفاقاً.
(1) انظر ص 52 ج 10 - الفتح الرباني (الرخصة في القبلة والمباشرة للصائم) وص 113 ج 10 - المنهل العذب المورود. وص 431 ج 1 مستدرك و (هش) من بابي ضرب وتعب أي ارتاح ونشط و (مه) ما استفهامية حذفت ألفها وعوض عنها هاء السكت. وفي رواية أحمد (ففيم 9 أي ففيم تسأل؟
(2)
انظر ص 49 ج 3 مغنى ابن قدامة.
(ب) أن يمني فيفسد صومه عند احمد ومالك وعليه القضاء فقط عند أحمد وعند مالك عليه الكفارة أيضاً إن كان النظر محرماً (وقال) الحنفيون: لا يفطر مطلقاً ولأنه لا نص في الفطر بما ذكر ولا إجماع (وقالت) الشافعية: لا يفطر إلا أن اعتاد الإنزال بذلك فيفطر على المعتمد.
(جـ) أن يمذي فلا يفطر عند الحنفيين والشافعي وأحمد لأنه لا نص في الفطر به ولا يمكن قياسه على إنزال المني لمخالفته له في الأحكام فيبقى على الأصل. فأما إن نظر فصرف بصره لا يفسد صومه وإن أنزل عند الثلاثة (وقالت) المالكية إن أمذى بالفكر أو النظر فعليه القضاء. وإن أمنى بإدامتهما فعليه الكعارة إن كانت عادته الإنزال ولو في حين ما. فإن كانت عادته عدم الإنزال بإدامة النظر أو الفكر فخالف عادته وأمنى فلا كفارة على ما اختاره ابن عبد السلام وكذا لو أمنى بمجرد نظر أو فكر فلا كفارة عليه عند ابن القاسم (1).
وأما من فكر فأنزل فلا يفسد صومه عند الحنفيين والشافعي وهو الصحيح عن أحمد (لحديث) أبى هريرة أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال: "إن الله تعالى تجاوز لأمتي عما حدثت به أنفسهما ما لم تتكلم به أو تعمل به" أخرجه الستة (2){205}
(وقال) مالك يفسد صومه وروي عن أحمد، لأن الفكرة تستحضر فتدخل تحت الاختيار فقد مدح الله الذي يتفكرون في خلق السموات والأرض ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن التفكر في ذات الله تعالى ولو كانت الفكرة غير مقدور عليها لم يتعلق بها ذلك كالأحلام (3).
(8)
ويكره للصائم وغيره طول الصمت لما فيه من تفويت الغنم العظيم
(1) انظر ص 111 ج 10 المنهل العذب المورود (الشرح).
(2)
انظر رقم 1704 ص 218 ج 2 فيض القدير.
(3)
انظر ص 41 ج 2 شرح المقنع.
والثواب الجزيل المترتب على خير القول من إرشاد إلى طريق أو أمر بمعروف ونهى عن منكر أو نصح مسترشد أو بث علم لمن يحسنه أو تلاوة قرآن بحيث يستمع لما يتلوه إلى غير ذلك من أنواع الطاعة القولية ولما فيه من حصول الشهرة والرياء بهذا العمل (قال) ابن عباس: "بينا النبي صلى الله عليه وسلم يخطب إذ هو برجل قائم فسأل عنه فقالوا: أبو إسرائيل نذر أن يقوم ولا يقعد ولا يستظل ولا يتكلم ويصوم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: مره فليتكلم وليستظل وليقعد وليم صومه" أخرجه البخاري وأبو داود وابن ماجه (1){206}
(9 - 11) وكره للصائم إكثار نوم نهاراً لئلا يذهب مشقة الصوم وكره له شم روائح زكية كالمسك والعنبر والرند وكره مداوة أسنان نهاراً ولا شيء عليه إن سلم فإن ابتلع منه شيئاً غلبة قضى وإن تعمد كفر أيضاً إلا لضرورة في تأخير الدواء لليل كشدة تألم وإن لم يحدث منه مرض فلا تكره المداواة بل تجب إن خاف هلاكاً أو شديد أذى (2).
(12)
ويكره- عند مالك- للصائم أن غزل الكتان الذي له طعم وهو الذي يعطن في المبلات إذا لم يكن الغازل مضطراً للغزل وإلا فلا كراهة وعليه أن يمج ما تكون في فمه من الريق على كل حال. أما الكتان الذي لا طعم له وهو الذي يعطن في البحر فلا يكره غزله ولو من غير ضرورة.
(13)
ويكره- عند مالك- الحصاد للصائم لئلا يصل إلى حلقه شيء من
(1) انظر ص 471 ج 11 فتح الباري (النذر فيما لا يملك وفي معصية) وص 228 ج 3 عون المعبود (النذر في المعصية) وص 334 ج 1 - ابن ماجه.
(2)
انظر ص 630 ج 1 - الفجر المنير و (الرند) - بفتح الراء وسكون النون- شجر طيب الرائحة.