الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(الكمبيالات والسندات) فإن المعاملة بها لا يمكن تخريجها على قاعدة من قواعد الشرع لعدم إمكان صرف قيمتها فورا ولعدم قيامها مقام النقدين في التعامل، فإن تعامل بها أحد فحكمها حكم المقبوض بالعقود الفاسدة على الأصح. ومتى تلف ثمن الأوراق في يد بائعها يكون مثله أو قيمته باقيا على ملك مشتريها، فإن كانت من أسهم شركات تجارية ففيها زكاة التجارة، وإن كانت أسهم شركات غير تجارية كشركة الترام والمياه فلا زكاة إلا فيما قبض منها من المال وحال عليه الحول. وكذا سندات الديون التي يشتريها شخ من غيره، فمتى اعتبرها مملوكة له أي أنه مستحق للدين المكتوب في الورقة، وجبت عليه زكاة ما يقبضه من المدين على ما مر بيانه. والله تعالى الهادي إلى سواء السبيل.
(جـ) زكاة العروض
…
العروض جمع عرض- فتح فسكون- وهو لغة: اسم لما سوى النقدين، والمراد به هنا ما عدا النقود والسوائم التي لم ينو فيها التجارة. ثم الكلام هنا في ثلاثة فروع:
…
(1) حكم زكاة العروض:
…
هي مشروعة عند الجمهور (لقول) جعفر بن سعد حدثني خبيب بن سليمان عن أبيه عن سمرة بن جندب قال: "أما بعد فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأمرنا أن نخرج الصدقة من الذي نعد للبيع" أخرجه أبو داود
والبيهقي. قال ابن عبد البر: إسناده حسن (1). {85}
(1) انظر ص 132 ج 9 - المنهل العذب المورود (العروض إذا كانت للتجارة) و 146 ج 4 بيهقي (زكاة التجارة) وجعفر وخبيب وأبوه ذكرهم ابن حبان في الثقات "فقول" ابن حزم: إنهم مجهولون وتبعه ابن القطان "غير مسلم" أنظر ص 214 هامش الدارقطني.
(ومعنى) الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأمر بإخراج الزكاة من المال الذي يعد للتجارة. وهذا إذا كان نصابا وحال عليه الحول (وظاهره) يعم كل ما يتجر فيه، سواء أكان في عينه زكاة كالنعم أم لا، كالعقار والخيل والبغال والحمير (وعن) ابن جريج عن عمران بن أبي أنس عن مالك بن أوس عن أبي ذر رضي الله عنهم أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال:"في الإبل صدقتها وفي الغنم صدقتها وفي البقر صدقتها وفي البز صدقته" أخرجه الدارقطني والبيهقي (1). {86}
…
(والبز) - بفتح الباء وبالزاي- متاع البيت من الثياب ونحوها، ومن الناس من صحفه بضم الباء وبالراء المهملة وهو غلط (2) (قال) ابن المنذر: أجمع عامة أهل العلم على وجوب زكاة التجارة في قيمتها- إذا بلغت نصابا لا في عينها- وحال عليها الحول. (فقال) غير المالكية: تجب بمضي كل حول، وكذا عند المالكية إذا كان التاجر مديرا وهو من يبيع كيفما اتفق ولا ينتظر ارتفاع السعر كأرباب الحوانيت. أما المحتكر وهو من لا يبيع في الحال بل ينتظر ارتفاع الأسعار فإن يزكيها إذا باعها عن عام واحد ولو مكثت عنده أعواما. وحجتهم ما نقله مالك من عمل أهل المدينة.
(هذا) وقد ورد في زكاة التجارة آثار (منها) ما روى أبو عمرو بن حماس عن أبيه قال: كنت أبيع الأدم والجعاف، فمرر بي عمر بن الخطاب فقال: أد صدقة مالك. فقلت: يا أمير المؤمنين إنما هو الأدم. قال:
(1) انظر ص 203 - الدارقطني. وص 147 ج 4 بيهقي (زكاة التجارة) قال الترمذي في كتاب العلل: سألت البخاري فقال: ابن جريج لم يسمع من عمران بن أبي أنس هو يقول: حدثت (بالبناء للمفعول) عن عمران (وقال) ابن القطان: ابن جريج مدلس لم يقل حدثنا عمران، فالحديث
منقطع.
(2)
انظر ص 377 ج 2 نصب الراية.
قومه ثم أخرج صدقته. أخرجه أحمد والشافعي وعبد الرزاق والدارقطني والبيهقي (1)(وعن) نافع أن ابن عمر قال: ليس في العروض زكاة إلا ما كان للتجارة. أخرجه الشافعي وأحمد والبيهقي (2).
…
(وقالت) الظاهرية: لا زكاة في مال التجارة (لحديث) أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: "ليس على المسلم صدقة في عبده ولا في فرسه" أخرجه السبعة (3). {87}
…
(وأجاب) الجمهور بأن المراد به ليس في الخيل السائمة صدقة ولا في الرقيق إذا كانوا للخدمة. أما إذا كانوا للتجارة ففي أثمانها الزكاة إذا حال عليها الحول كما تقدم عن الترمذي (وأجاب) الظاهرية عن حديث سمة بأنه
ضعيف كما تقدم، وكذا حديث أبي ذرة فقد ضعف الحافظ جميع طرقه.
…
(قال) ابن رشد: والسبب في اختلافهم، اختلافهم في وجوب الزكاة بالقياس، واختلافهم في تصحيح حديث سمرة. أما القياس الذي اعتمده الجمهور فهو أن العروض المتخذة للتجارة مال مقود به التنمية فأشبه الأجناس الثلاثة التي فيها الزكاة باتفاق، أعني الحرث والماشية والذهب والفضة (وزعم) الطحاوي أن زكاة العروض ثابتة عن عمر وابنه ولا مخالف لهما من الصحابة. وبعضهم يرى أن مثل هذا إجماع من الصحابة وفيه ضعف (4).
(وقال) في شرح الدرر البهية: ولا زكاة في غير الذهب والفضة من الجواهر كالدر والياقوت والزمرد والماس واللؤلؤ والمرجان وأموال التجارة
(1) انظر رقم 3054 ص 302 ج 3 كنز العمال. وص 39 ج 2 - الأم. وص 213 الدارقطني. وص 147 ج 4 بيهقي (والأدم) بفتحتين أو ضمتين: جمع أديم وهو الجلد المدبوغ (والجعاف) الخفاف.
(2)
انظر ص 39 ج 2 - الأم. وص 147 ج 4 بيهقي (زكاة التجارة) وص 378 ج 2 نصب الراية.
(3)
تقدم رقم 52 ص 157 (ما لا زكاة فيه).
(4)
انظر ص 233 ج 1 بداية المجتهد (ما تجب فيه الزكاة).
لعدم قيام دليل يدل على ذلك، وقد كانت التجارة في عصره صلى الله عليه وسلم قائمة في أنواع مما يتجر به، ولم ينقل عنه ما يفيد ذلك (وأما) حديث سمرة بن جندب (فقال) ابن حجر في التلخيص: إن في إسناده جهالة (وأما) حديث أبي ذر (فقد) ضعف الحافظ في الفتح جميع طرقه. وقال في واحدة منها: هذا الإسناد لا بأس به. ولا يخفاك أن مثل هذا لا تقوم به الحجة لا سيما في التكاليف التي تعم بها البلوي.
…
(وقد) نقل ابن المنذر الإجماع على زكاة التجارة، وهذا النقل ليس بصحيح، فقد خالف في ذلك الظاهرية وهم فرقة من فرق الإسلام (إذا تقرر) هذا علمت أنه لا دليل على وجوب زكاة التجارة. والبراءة الأصلية مستصحبة حتى يقوم دليل ينقل عنها (1).
…
(2) شروط صيرورة العرض للتجارة.
…
ولا يصير العرض للتجارة إلا بشرطين:
(أ) أن يملكه بفعله كالبيع والنكاح والخلع وقبول الوصية والهبة واكتساب المباحات، لأن ما لا يثبت له حكم الزكاة بدخوله في ملكه لا يثبت بمجرد النية كالصوم. ولا فرق بين أن يملكه بعوض أو بغير عوض لأنه ملكه بفعله فأشبه الموروث.
(ب) أن ينوي عند تملكه أنه للتجارة فإن لم ينو لم يصر للتجارة وإن نواه بعد ذلك، وإن ملكه بإرث وقصد أنه للتجارة لم يصر لها لأن الأصل القنية والتجارة عارض فلا يصار إليها بمجرد النية كما لو نوى الحاضر السفر لم يثبت له حكم السفر بدون فعل (وعن أحمد) رواية أخرى أن العرض يصير للتجارة بمجرد النية (لقول) سمرة: أمرنا النبي صلى الله عليه ولم أن نخرج الصدقة مما نعد للبيع. فعلى هذا لا يعتبر أن يملكه بفعله ولا أن يكون في مقابلة عوض بل متى نوى به التجارة صار للتجارة (2).
(1) انظر 125 و 126 - الروضة الندية (زكاة الذهب والفضة).
(2)
انظر ص 623 ج 2 مغنى ابن قدامة.
(3)
كيف تزكي العروض؟ :
النصاب في العروض- عند القائلين بزكاتها- هو نصاب الأثمان فتقوم العروض في بلد التجارة بما هو أنفع للفقير احتياطا لحقوقهم، فإن بلغت قيمتها نصابا بأحد النقدين ونوى فيها التجارة وحال عليها الحول فارغة عن الدين والحوائج الأصلية لزم فيها بع العشر ويضم قيمة العروض إلى الذهب والفضة ويضم أحدهما إلى الآخر والعروض بعضها إلى بعض بالقيمة عند النعمان.
(وقال) مالك وأبو يوسف ومحمد وأحمد: الضم في النقدين بالأجزاء، ولا ضم عند الشافعي على ما تقدم بيانه (1). "فمن كان" عنده حمار للتجارة قيمته ثلاثة أرباع النصاب ويملك نقودا تكمل النصاب وحال على الكل حول، أو كان عنده بغل وشاة للتجارة قيمتهما تبلغ نصابا "لزم" الضم والزكاة اتفاقا. ولا يضر نقصان الناب في أثناء الحول إن كمل في طرفيه عند الحنفيين، لأن في اشتراط كماله في كل الحول حرجا، فاعتبر كماله في أول الحول للانعقاد وفي آخره للوجوب. ولكن لابد من بقاء شيء من المال في أثناء الحول ليضم المستفاد إليه لأن هلاك الكل مبطل لانعقد الحول.
(وقالت) الحنبلية: يشترط تمام الناب كل الحول، فلو ملك سلعة قيمتها دون النصاب فمضى نصف الحول وهي كذلك ثم زادت قيمتها دون النصاب فمضى نصف الحول وهي كذلك ثم زادت قيمة النماء بها أو تغيرت الأسعار فبلغت نصابا أو باعها بنصاب أو ملك في أثناء الحول عرضا آخر أو أثمانا تم بها النصاب، ابتدأ الحول من حينئذ فلا يحسب بما مضي. ولو ملك بالتجارة نصابا فنقص عن النصاب في أثناء الحول ثم زاد حتى بلغ نصابا استأنف الحول لكونه انقطع بنقصه في أثنائه (2).
(وقالت) المالكية: لا يشترط في المال المتجر فيه أن يكون نابا في أول الحول بل المدار على نهايته، فإن تم النصاب في آخر الحول زكي وإلا فلا
(1) تقدم ص 178 (ضم النقدين).
(2)
انظر ص 624 ج 2 مغنى ابن قدامة.
وهو الصحيح عند الشافعية لأنه يتعلق بالقيمة. وتقويم العرض في كل وقت يشق فاعتبر حال الوجوب وهو آخر الوقت. وعليه إذا اشترى عرضا للتجارة بشيء يسير انعقد الحول فإذا بلغ نصابا في آخر الحول وجبت الزكاة. ولو كان عرض التجارة دون النصاب فباعه بسلعة أخرى دون النصاب في أثناء الحول لا ينقطع الحول عندهم. وأما ابتداء الحول ففيه تفصيل:
(أ) إن ملك عرض التجارة بنصاب من النقد بأن اشتراه بعشرين مثقالا أو بمائتي درهم، ابتدأ الحول من حين ملك ذلك النقد وبنى حول التجارة عليه. هذا إذا اشتراه بعين النقد.
(ب) فإن اشترى في الذمة ودفعه في ثمنه انقطع حول النقد وابتدأ حول التجارة من حين الشراء.
(جـ) وإن كان النقد الذي اشترى به دون نصاب ينعقد الحول من حين الشراء عند مالك والشافعي ولا ينعقد عند غيرهما.
(د) وإن اشترى بغير نقد فإن كان الثمن مما لا زكاة في عينه كالثياب والحديد، فابتداء الحول من حين ملك عرض التجارة، ولو كانت قيمته دون النصاب عند مالك والشافعي.
(هـ) وإن كان الثمن مما تجب فيه الزكاة في عينه كالسائمة، فالصحيح أن حولها ينقطع ويبتدئ حول التجارة من حين ملك عرض التجارة ولا يبني لاختلاف الزكاة قدرا ووقتا بخلاف بناء التجارة على النقد (1).
هذا، ويتصل بما تقدم من أنواع الزكاة ثلاثة أمور:
(1)
زكاة المستفاد:
المستفاد قسمان:
(أ) مستفاد من نفس المال البالغ نصابا بنتاج أو ربح، وهذا يتبع الأصل في حوله وزكاته.
(1) انظر ص 55 و 56 ج 6 مجموع النووي.
(ب) مستفاد بنحو هبة أو إرث من جنس الناب في أثناء الحول، وهذا فيه خلاف.
(قال) الحنفيون: يضم المستفاد من جنس نصاب إليه ويكون تابعا له في الحول والزكاة، سواء أكانت الفائدة حاصلة بهبة أو ميراث أو شراء أو نتاج أو غير ذلك فتزكى الفائدة مع الأصل، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أوجب في خمس وعشرين إلى خمس ثلاثين من الإبل بنت مخاض فإذا زادت واحدة ففيها بنت لبون من غير فصل بين الزيادة في أول الحول أو في أثنائه، ولأن المستفاد يضم إلى جنسه في النصاب اتفاقا فوجب ضمه إليه في الحول والزكاة كالنتاج ولأنه إذا ضم إلى النصاب وهو سبب فضمه إلى الأصل في الحول الذي هو شرط أولي. فإنه لو كان عنده مائتا درهم مضى عليها نصف حول ثم وهب له مائة أخرى فإن الزكاة تجب في هذه المائة إذا تم حولها اتفاقا ولولا المائتان ما وجبت الزكاة في المائة فإذا ضمت إلى المائتين في الوجوب فكذلك في وقته ولأن إفراد المستفاد بالحول يقضي إلى تجزئة الواجب في الماشية وإلى اختلاف أوقات وجوب الزكاة وإلى وجوب القدر اليسير الذي لا يتمكن من إخراجه، ثم يتكرر ذلك في كل حول، وهذا حج مرفوع بقوله تعالى:"وما جعل عليكم في الدين من حرج"(1). وقد اعتبر الشارع دفع الحرج بإيجابه غير الجنس فيما دون خمس وعشرين من الإبل فجعل فيها الغنم.
(وقال) الشافعي وأحمد: يتبع المستفاد الأصل في الناب ويستقبل به حول جديد، سواء أكان الأصل نعما أم غيرها، فمن كان عنده ثلاثون من البقر ومضي عليها نصف حول ثم استفاد بغير نتاج عشرة فإذا تم حول الثلاثين لزم فيها تبيع وإذا تم حول الفائدة وجب فيها ربع مسنة أو ثلث تبيع، ومن كان عنده مائتا درهم مضى عليه تسعة أشهر ثم استفاد أخرى، زكى كلا
(1) جزء من آية 78 آخر سورة الحج وأولها: وجاهدوا في الله
…
عند تمام حوله. "ووافق" مالك أبا حنيفة في النعم "فقال" يضم المستفاد منها إلى جنسه إذا كان الأصل نابا ويزكى معه في حوله دفعا لتجزئة الواجب، ووافق الشافعي وأحمد في الذهب والفضة فقال: إن المستفاد منهما يضم إلى الأصل في النصاب لا في الحول، بل يستقبل به حول جديد.
(2)
تعجيل الزكاة:
يجوز لمن يملك نصابا أو أكثر تعجيل الزكاة لسنة أو أكثر- عند الحنفيين والشافعي وأحمد- بشرط أن يكون إخراجها بعد ملك الناب وأن لا ينقطع في أثناء الحول وأن يكمل في آخره (لحديث) ابن مسعود "أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم تعجل من العباس صدقة سنتين" أخرجه البزار والطبراني في الكبير والأوسط وفيه محمد بن ذكواني تكلم فيه وقد وثق (1). {88}
(وقال) أبو رافع: بعث النبي صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب ساعيا على الصدقة، فأتى العباس بن عبد المطلب، فأغلظ له العباس، فأتى عمر النبي صلى الله عليه وسلم فذكر له ذلك، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:"يا عمر أما علمت أن عم الرجل صنو أبيه؟ إن العباس كان أسلفنا صدقة العام عام أول" أخرجه الطبراني في الأوسط وفيه إسماعيل المكي تكلم فيه وقد وثق (1). {89}
لكن جواز التعجيل مخصوص بالمالك ولا يصح من الوي والولي.
(وقالت) المالكية: يجوز تقديم الزكاة شهرا مع الكراهة (وقال) سفيان الثوري وداود: لا يصح تعجيلها قبل تمام الحلول (لحديث) عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا زكاة في مال حتى يحول
(1)(1 و 2) انظر ص 79 ج 3 مجمع الزوائد (تعجيل الزكاة). و (الصنو) - بكسر فسكون - الشقيق أو المثل، يعني: أما علمت أنه عمى؟ فكيف تتهمه بما ينافى كماله فلعل له عذرا!
عليه الحول" أخرجه ابن ماجه مرفوعا والبيهقي مرفوعا وموقوفا، وفيه حارثة ابن محمد، قال البيهقي: لا يحتج بخبره (1). {90}
ونحوه من الأحاديث الدالة على تعليق وجوب الزكاة بالحول (وأجاب) الجمهور بأنها إنما تدل على اشتراط الحول في الوجوب، وهو محل اتفاق، والخلاف في جواز الإخراج قبل تمام الحول وقد دلت عليه أحاديث الباب.
(فائدة) إذا عجل زكاته ثم هلك النصاب أو بعضه قبل تمام الحول خرج المدفوع عن كونه زكاة لأن شرطها الحول ولم يوجد. وهل يرجع فيها على المدفوع إليه؟ فيه تفصيل:
(أ) إن كان الدافع المالك- وبين عند الدفع أنها زكاة معجلة وقال: إن عرض مانع من وجوبها استرجعتها- فله الرجوع اتفاقا. وإن اقتصر على قوله: هذه زكاة معجلة أو علم القابض ذلك، فالأصح جواز الرجوع (وقيل) لا رجوع لأن التمليك وجد فإذا لم يقع فرضا وقع نفلا كما لو قال: هذه صدقتي المعجلة فإن وقعت الموقع وإلا فهي نافلة ولا رجوع له- إذا لم تقع الموقع- اتفاقا.
(ب) إن دفعها الإمام أو الساعي وذكر أنها معجلة ولم يشترط الرجوع، فله ردها اتفاقا.
(جـ) إن دفع الإمام أو الساعي أو المالك ولم يقل: إنها معجلة ولا علمه القابض فالراجح جواز الرجوع مطلقا لأنه لم يقع الموقع (وقيل) لا رجوع مطلقا لتفريط الدافع (وقيل) إن دفع الإمام أو الساعي رجع وإن دفع المالك فلا رجوع، لأن الظاهر أن ذلك زكاة واجبة أو صدقة تطوع، وقد لزمت بالقبض فلا يملك الرجوع (ومتى) ثبت الرجوع، فإن كان المعجل تالفا ضمنه القابض إن كان حيا، وإن كان ميتا ضمنه ورثته في تركته، فإن كان
(1) تقدم رقم 24 ص 126 (الحول).
مثليا كالدراهم ضمنه بمثله، وإن كان متقوما ضمنه بقيمته يوم الدفع على الأصح (وإن كان) المعجل باقيا رجع فيه (1).
(3)
تأخير الزكاة:
إذا مضى حولان على ناب لم تؤد زكاته ففيه تفصيل:
(أ) إن قلنا: الزكاة واجبة في عين المال- وهو مذهب الحنفيين ومالك ورواية عن الشافعي وأحمد- فعليه زكاة واحدة، فإذا كان عنده أربعون شاة مضى عليها ثلاث سنين لم يؤد زكاتها، فعليه شاة واحدة، لأن الزكاة تعلقت في الحول الأول بشاة من النصاب فلم تجب فيه فيما بعده زكاة لنقصه عن النصاب. وإذا كان عنده مائتا درهم فلم يزكها حتى مضى عليها حولان يزكها سنين، دفع عنها في أول سنة ربع العشر خمسة وعشرين درهما ثم في كل سنة بحساب ما بقى. وهذا قول مالك والشافعي وأحمد وأبي يوسف ومحمد. ومن له أربعون من الغنم نتجت شاة في كل حول، وجب عليه في كل سنة شاة لأن النصاب كمل بالنتاج. فإن كان النتاج بعد وجوب الزكاة استؤنف الحول الثاني من وقت النتاج.
(ب) وإن قلنا: إن الزكاة تجب في الذمة- وهو رواية عن الشافعي وأحمد- وجب عليه لكل حول زكاة. فمن له أربعون شاة مشى عليها ثلاث سنين لم يؤد زكاتها، فعليه ثلاث شياه. ومن له دينار مضى عليها ثلاث سنين لم يؤد زكاتها، فعليه سبعة دنانير ونصف دينار، لأن الزكاة وجبت في ذمته فلم تؤثر في نقص النصاب.
وهذا الخلاف في غير الإبل التي تجب فيها الغنم. أما ما زكاته الغنم من الإبل، فإن عليه فيه لكل حول زكاة، لأن الفرض يجب من غيرها فلا يتعلق بعينها عند الجمهور. وعن الشافعي أن الزكاة تنقصه كسائر الأموال. فمن
(1) انظر ص 149 ج 6 مجموع النووي.