المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(د) القرب تهدي إلى الميت - الدين الخالص أو إرشاد الخلق إلى دين الحق - جـ ٨

[السبكي، محمود خطاب]

فهرس الكتاب

- ‌(10) محظورات القبر

- ‌(11) سؤال القبر وفتنته

- ‌(12) عذاب القبر ونعيمه وضغطته

- ‌(13) المشي بالنعلين بين القبور

- ‌(14) دفن أكثر من واحد في القبر

- ‌(15) نبش القبر

- ‌(16) نقل الميت

- ‌(17) إعداد القبر

- ‌(18) وضع الجريد على القبر

- ‌(الشهيد)

- ‌(أ) تعريفه:

- ‌(ب) تجهيز الشهيد:

- ‌(جـ) الشهيد غير المكلف:

- ‌(د) الشهيد غير الطاهر:

- ‌(هـ) كفن الشهيد:

- ‌(و) من لا يعتبر شهيدا:

- ‌يتصل بما يتعلق بالميت أربعة أصول:

- ‌(أ) التعزية

- ‌(ب) صنع الطعام لأهل الميت ومنهم

- ‌(جـ) زيارة القبور

- ‌(د) القرب تهدي إلى الميت

- ‌الزكاة

- ‌(أ) زكاة النعم

- ‌(ب) زكاة الأثمان

- ‌(جـ) زكاة العروض

- ‌(د) زكاة الزروع والثمار

- ‌(هـ) المعدن والركاز

- ‌الصيام

- ‌(1) فضل الصيام:

- ‌(2) وقت الصوم:

- ‌(3) شروط الصيام

- ‌(4) أقسام الصيام

- ‌(أ) صيام رمضان:

- ‌(ب) الصوم الفرض غير المعين

- ‌(جـ) الصوم المنهي عنه

- ‌(د) صوم التطوع

- ‌(5) آداب الصيام

- ‌(6) ما يباح للصائم

- ‌(7) ما يكره للصائم:

- ‌(8) ما لا يفسد الصوم

- ‌(9) ما يفسد الصوم

- ‌(10) الأعذار المبيحة للفطر

- ‌(11) بدع رمضان

- ‌(12) الموضوع في الصيام

- ‌(13) الاعتكاف

الفصل: ‌(د) القرب تهدي إلى الميت

(د) القرب تهدي إلى الميت

الميت ينتفع بما يهدي إليه من الطاعات وأنواع البر، كالصدقة والدعاء والصلاة والصيام وغيرها، قال تعالى:"والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان"(1).

(وعن) ابن عباس رضي الله عنهما أن سعد بن عبادة توفيت أمه وهو غائب عنها، فقال: يا رسول الله إن أمي توفيت وأنا غائب عنها، فهل ينفعها إن تصدقت بشيء عنها؟ قال: نعم. قال: فإني أشهدك أن حائطي المخرف صدقة عليها. أخرجه أحمد والبخاري والثلاثة (2). {96}

(وعن) أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم: إن أبي مات وترك مالا ولم يوص فهل يكفر عنه أن أتصدق عنه؟ فقال: نعم. أخرجه أحمد ومسلم والنسائي وابن ماجه (3). {97}

(1) سورة الحشر: آية 10.

(2)

انظر ص 97 ج 8 - الفتح الرباني (وصول ثواب القرب المهداة إلى الموتى) وص 253 ج 5 فتح الباري (الإشهاد في الوقف والصدقة- الوصايا) وص 130 ج 2 مجتبي (فضل الصدقة عن الميت- الوصايا) وص 78 ج 3 عون المعبود (من مات عن غيير وصية يتصدق عنه) و (أم سعد) هي عمرة بنت مسعود بن قيس أسلمت وبايعت النبي صلى الله عليه وسلم. وماتت سنة خمس من الهجرة وابنها غائب مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة دومة الجندل. فلما رجعوا صلى النبي صلى الله عليه وسلم على قبرها. و (الحائط) البتسان. و (المخرف) كمنبر عطف بيان له: أي المثمر. وفي رواية البخاري: المخراف، كمفتاح، وهو المكان المثمر.

(3)

انظر ص 100 ج 8 - الفتح الرباني. وص 83 ج 11 نووي (وصول ثواب الصدقات إلى الميت) وص 129 ج 2 مجتبي (فضل الصدقة على الميت) وص 83 ج 2 ابن ماجة (من مات ولم يوص هل يتصدق عنه؟ ) و (يكفر) من التكفير للسيئة يحتمل أن المتوفي لم يؤد زكاة وجبت عليه، فسأل ابنه النبي صلى الله عليه وسلم أنه إن أداها هل يكفر عنه هذا الذنب. ويحتمل أنه ترك الوصية مع كثرة ماله، وعد هذا سيئة لما فيه من الحرمان من الثواب.

ص: 92

(وقال) أنس رضي الله عنه: يا رسول الله إنا نتصدق عن مواتانا ونجح عنهم وندعو لهم، فهل يصل ذلك إليك؟ فقال: نعم، إنه ليصل إليهم ويفرحون به كما يفرح أحدكم بالطبق إذا أهدى إليه. أخرجه أبو حفص العكبري (1). {98}

وعن سعد بن عبادة رضي الله عنه أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: إن أمي ماتت وعليها نذر أفيجزئ عنها أن أعتق عنها؟ قال: أعتق عن أمك. أخرجه مالك وأحمد والبخاري والنسائي (2). {99}

وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من مات وعليه صيام صام عنه وليه. أخرجه أحمد والشيخان (3). {100}

(وروي) أن رجلا سأل النبي صلى اغلله عليه وسلم فقال: كان لي أبوان أبرهما حال حياتهما فكيف لي ببرهما بعد موتهما؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: إن من البر بعد الموت أن تصلي لهما مع صلاتك وتصوم لها مع صيامك. أخرجه الدارقطني (4). {101}

(وعن) أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا

(1) انظر ص 309 ج 1 فتح القدير لابن الهمام.

(2)

انظر ص 99 ج 8 - الفتح الرباني (وصول ثواب القرب إلى الموتى) وص 252 ج 5 فتح الباري (ما يستحب لمن توفى فجأة أن يتصدقوا عنه وقضاء النذور عن الميت) وص 130 ج 2 مجتبي (فضل الصدقة عن الميت)(أفاد) هذا الحديث أن أم سعد ماتت وعليها نذر فوفاه عنها ابنها. وفي الحديث رقم 96 ص 92 أته تصدق عنها بحائطه المخرف (ويجمع) بينهما بأنه فعل ذلك كله. فلله دره من بار بأمه.

(3)

انظر ص 135 ج 10 - الفتح الرباني (قضاء الصوم عن الميت) وص 138 ج 4 فتح الباري (من مات وعليه صوم) وص 23 ج 8 نووي.

(4)

انظر ص 308 ج 2 فتح القدير لابن الهمام.

ص: 93

مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له. أخرجه السبعة إلا البخاري (1). {102}

(والأحاديث) في هذا كثيرة وكلها تدل على أن الميت ينتفع بعمل الحي من دعاء وصلاة وصدقة وصيام وحج، وغير ذلك من أنواع البر، من غير أن ينقص من أجر العامل شيء. وبه قال جمهور أهل السنة منهم الحنفيون وأحمد.

وقد أمر الله تعالى بالدعاء للوالدين بقوله:

"وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا"(2).

وأخبر باستغفار الملائكة للمؤمنين، قال تعالى:

"والملائكة يسبحون بحمد ربهم ويستغفرون لمن في الأرض"(3).

وقال: "الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم"(4).

(فهذه) الأدلة تفيد القطع بحصول الانتفاع بعمل الغير، ولا ينافيه قوله تعالى:"وأن ليس للإنسان إلا ما سعي"(5)، لأن المؤمن إذا عمل عملا

(1) انظر ص 85 ج 11 نووي (ما يلحق الإنسان من الثواب بعد وفاته) وص 129 ج 2 مجتبي (فضل الصدقة عن الميت) ص 77 ج 3 عون المعبود (الصدقة عن الميت- الوصايا) وص 298 ج 2 تحفة الأحوذى (الوقف- الأحكام) ومعنى الحديث أن عمل الميت ينقطع بموته فلا ثواب له بعد إلا في هذه الأشياء الثلاثة لكونه كان سببها، فإن الولد من كسبه وكذا العلم الذي خلفه من تعليم أو تصنيف وكذا الصدقة الجارية.

(2)

سورة الإسراء: آية 24.

(3)

سورة الشورى: آية 5.

(4)

سورة غافر: آية 7

(5)

صورة النجم: آية 39 (ودعوى) نسخها غير مسلمة لأنها من الأخبار، والنسخ لا يجري في الخبر (وجعل) اللام في "للإنسان" بمعنى على (بعيد) من ظاهر الآية وسياقها لأنها عظة لمن تولى وأعطى قليلا وأكدى (أي أمسك عن العطاء) نزلت في الوليد بن المغيرة سمع قراءة النبي صلى الله عليه وسلم وجلس إليه فوعظه فرغب في الإسلام وطمع فيه النبي صلى الله عليه وسلم ثم إنه عاتبه رجل من المشركين فقال: أتترك ملة آبائك؟ أرجع إلى دينك وأنا أتحمل عنك كل شيء تخافه في الآخرة، لكن على أن تعطيني كذا من المال، فوافقه الوليد على ذلك ورجع عما هم به من الإسلام وضل ضلالا بعيدا وأعطى بعض المال للرجل ثم أمسك عنه وشح (قال) الشوكاني في تفسيره: ولم يصب من قال إن هذه الآية منسوخة بمثل هذه الأمور فإن الخاص لا ينسخ العام بل يخصصه؛ فكل ما قام الدليل على أن الإنسان ينتفع به وهو من غير سعيه كان مخصصا لما في هذه الآية من العموم (أنظر ص 111 ج 5 فتح القدير).

ص: 94

خيريا وقصد به أخاه المؤمن وصل إليه ثوابه بسبب إيمانه، فكأنه من عمله (وقيل) إن الآية مخصوصة بغير ما دلت عليه الأدلة السابقة من أن الإنسان ينتفع بعمل غيره من دعاء وصلاة وصدقة وقراءة قرآ.

(وعن) عكرمة أن الآية خاصة بقوم موسى وإبراهيم عليهما الصلاة والسلام. أماهذه الأمة فالواحد منها ينتفع بعمل غيره لما تقدم. (وقيل) المراد بالإنسان في الآية الكافر، أي ليس له من الخير في الدنيا إلا ما عمل هو فيثاب عليه بالتوسعة في رزقه والعافية في بدنه وليس له في الآخرة شيء.

هذا. وأعلم أن العبادة مالية وبدنية، فالمالية كالصدقة، نبه الشارع بوصول ثوابها على وصول ثواب سائر الأعمال المالية. أما أداء الدين فبالإجماع ولو كان من أجنبي بلا إذن. ونبه بوصول ثوابت الصوم وهو من العبادة البدنية على وصول ثواب العبادات البدنية. ونبه بوصول ثواب الحج المركب من عبادتين مالية وبدنية على وصول ثواب المركب منهما (ومشهور) مذهب مالك والشافعي أن ثواب العبادة البدنية لا يصل كالصلاة والصيام وقراءة القرآن أخذا بعموم قوله تعالى:"وأن ليس للإنسان إلا ما سعى" وقد علمت أن الآية لا تنافى انتفاع الميت بعمل غيره من قراءة وغيرها.

ص: 95

ولذا قال الحنفيون وأحمد: إنه ينتفع بعمل غيره إذا أدى بخشوع وخضوع ووقار ولم تكن القراءة بأجر وكانت على الوجه المشروع.

(قال) ابن القيم: أفضل ما يهدي إلى الميت العتق والصدقة والاستغفار والدعاء له والحج عنه. وأما قراءة القرآن وإهداؤها له تطوعا بغير أجر فيصل إليه ثوابها كما يصل ثواب الصوم والحج (1). ولذا اختار المحققون من أصحاب مالك والشافعي أن ثواب القراءة يصل إلى الميت إذا جعلت من قبيل الدعاء بأن يقول: اللهم أجعل لفلان مثل ثواب ما قرأت.

(قال) النووي: أجمع العلماء على أن الدعاء للأموات ينفعهم ويصل ثوابه إليهم، لقوله تعالى:"والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان"(2). وغيرها من الآيات والأحاديث، كقول النبي صلى الله عليه وسلم:"اللهم أغفر لأهل بقيع الغرقد". وقوله صلى الله عليه وسلم: "اللهم اغفر لحينا وميتنا".

(واختلف) العلماء في وصول ثواب قراءة القرآن. فالمشهور من مذهب الشافعي أنه لا يصل. وذهب أحمد بن حنبل وجماعة من أصحاب الشافعي إلى أنه يصل، فالاختيار أن يقول القارئ بعد فراغه: اللهم أوصل مثل ثواب ما قرأته إلى فلان (3)(أما القراءة) بأجر ولو بشرط فلا يصل ثوابها، والآخذ والمعطي آثمان به عند الحنفيين وأحمد (لحديث) عبد الرحمن بن شبل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "اقرءوا القرآن واعملوا به، ولا تجفوا عنه ولا تغلوا

(1) انظر ص 227 كتاب الروح. ويؤيده تصريح الإمام الشافعي رضي الله عنه بقوله: إذا صح الحديث فهو مذهبي واضربوا بقولي عرض الحائط. وقوله: إذا قلت قولا فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم خلاف ما قلت فاتركوا قولي واعملوا بقول النبي صلى الله عليه وسلم. فانظر كيف اعتبر الحديث الصحيح مذهبه وأنه راجع عن أقواله إذا خالفت الحديث.

(2)

سورة الحشر: آية 10.

(3)

أنظر ص 204 ج 4 شرح الأذكار (ما ينفع الميت من قول غيره).

ص: 96

فيه ولا تأكلوا به ولا تستكثروا به" أخرجه أحمد وأبو يعلى والبزار والطبراني والبيهقي في الشعب بسند قوي رجاله ثقات (1). {103}

فقد حضر النبي صلى الله عليه وسلم على القراء أن يتعوضوا بالقرآن شيئا من عرض الدنيا ولأن القراءة عبادة وأجرها من الله تعالى (وقالت) المالكية والشافعية: يجوز أخذ الأجر على القرآن لإطلاق حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " أحق ما أخذتم عليه أجرا كتاب الله " ذكره البخاري معلقا (2). {104}

وحمله الألون على خصوص ما ورد فيه من الرقي جمعا بين الأحاديث. وعلى الجملة فإن الصدقة على الميت والدعاء له يصل ثوابهما إليه باتفاق أهل السنة. أما القراءة والعبادة البدنية ففيهما خلاف والراجح وصول ثوابهما إليه. والخلاف في القراءة إن لم تخرج مخرج الدعاء وإلا وصل ثوابها اتفاقا. والواصل في الحج إلى الميت ثواب العمل عند الجمهور. وقال بعض الحنفيين: بل ثواب الإنفاق.

وقال أحمد بن حنبل: الميت يصل إليه كل شيء من الخير للنصوص الواردة فيه، ولأن المسلمين يجتمعون في كل مصر ويقرءون ويهدون لموتاهم من غير نكير فكان إجماعا (3).

(1) انظر رقم 1338 ص 64 ج 2 فيض القدير للمناوي (ولا تجفوا عنه) أي لا تبتعدوا عن تلاوته (ولا تغلوا فيه) أي لا تتجاوزوا حدوده من حيث اللفظ أو المعنى بأن تتأولوه بباطل، . أو المراد: لا تبذلوا جهدكم في قراءته من غير تفكر، ففي الحديث:"لا تفقه في قراءة القرآن في أقل من ثلاث" أخرجه أحمد عن قتادة (ولا تستكثروا به) أي لا تجعلوه سببا للإكثار من الدنيا فلا تأخذوا على قراءته أجرا من حطام الدنيا.

(2)

انظر ص 304 ج 4 فتح الباري (ما يعطي في الرقية).

(3)

انظر ص 424 ج 2 مغنى.

ص: 97

هذا، ولا يشترط في وصول الثواب الإهداء باللفظ بل يكفي نيته، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أطلق الفعل عن الغير كالصوم والحج والصدقة، ولم يقل لفاعل ذلك: قل اللهم هذا عن فلان بن فلان، والله تعالى يعلم نية العبد وقصده بعمله، فإن ذكره جاز وإن ترك ذكره واكتفى بالنية وصل الثواب. ولا يحتاج أن يقول: اللهم إني صائم غدا عن فلان بن فلان.

ولهذا اشترط من اشترط نية الفعل قبل الفعل ليكون واقعا بالقصد عن الميت. فأما إذا فعله لنفسه ثم نوى أن يجعل ثوابه للغير لم يصر للغير بمجرد النية، كما لو نوى أن يهب أن يتصدق لم يحصل ذلك بمجرد النية، ولا يلزم أيضا تعليق الإهداء بأن يقول: اللهم إن كنت قبلت هذا العمل وأثبتني عليه فاجعل ثوابه لفلان: بل لا فائدة في هذا الشرط فإن الله تعالى يعطي ثوابه للمهدي إليه وإن لم يشترطه (1).

واختلفوا أيضا في إهداء الثواب إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فمنهم من لم يستحبه ورآه بدعة فإن الصحابة لم يفعلوا ذلك، وأن النبي صلى الله عليه وسلم له أجر كل من عمل خيرا من أمته من غير أن ينقص من اجر العامل شيء، لأنه هو الذي دل أمته على كل خير وأرشدهم ودعاهم إليه، ومن دعا إلى هدى فله من الأجر مثل أجور من تبعه من غير أن ينقص من أجورهم شيء؛ فللنبي صلى الله عليه وسلم مثل أجر من اتبعه، أهداه إليه أم لم يهده (2).

ومن العلماء من استحبه لأن النبي صلى الله عليه وسلم أحق بذلك حيث أنقذنا من الضلالة، ففي ذلك نوع شكر وإسداء جميل له والكامل قابل لزيادة

(1) انظر ص 226 كتاب الروح.

(2)

انظر ص 22*9 منه (وقد) ذكر ابن حجر في الفتاوى الفقهية أن ابن تيمية زعم منع إهداء ثواب القراءة للنبي صلى الله عليه وسلم لأن جنابه الرفيع لا يتجرأ عليه إلا بما أذن فيه كالصلاة عليه وسؤال الوسيلة له (ورد) عليه السبكي بأن مثل هذا لا يحتاج لإذن خاص، فقد كان ابن عمر رضي الله عنهما يعتمر عنه صلى الله عليه وسلم بعد موته من غير وصية. وتمامه في رد المحتار ص 665 ج 1.

ص: 98

الكامل (وما استدل به) المانعون من أنه تحصيل حاصل لأن جميع أعمال أمته في ميزانه (يجاب عنه) بأنه لا مانع من ذلك، فإن الله تعالى أخبرنا بأنه صلي عليه، ثم أمرنا بالصلاة عليه. وكذا اختلف في إطلاق قول العامل: اللهم أجعل ذلك زيادة في شرف النبي صلى الله عليه وسلم، فمنعه الحافظ ابن حجر لأنه لم يرد له دليل.

(وأجاب) ابن حجر المكي في الفتاوى الحديثية بأن قوله تعالى: "وقل رب زدني علما" وحديث مسلم: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في دعائه: "واجعل الحياة زيادة لي في كل خير" دليل على أن مقامه صلى الله عليه وعلى آله وسلم وكماله يقبل الزيادة في العلم والثواب وسائر المراتب والدرجات (1).

(خاتمة) يكره تحريما عند النعمان ومالك قراءة القرآن عن القبر لأنه لم يصح فيها شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم، وليس من عمل السلف بل كان عملهم التصدق والدعاء لا القراءة.

(وقال) محمد بن الحسن والشافعي: تستحب القراءة عند القبر لما روى أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من دخل المقابر فقرأ سورة يس خفف الله عنهم يؤمئذ وكان له بعدد من فيها حسنات" ذكره القرطبي وابن قدامة (2). {105}

(وأجاب) الأولون بأن الحديث لا أصل له في كتب الحديث (وقال) في شرح اللباب: ويقرأ من القرآن ما تيسر له من الفاتحة وأول البقرة إلى قوله: "أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون" وآية الكرسي

(1) انظر ص 666 ج 1 - رد المختار.

(2)

انظر ص 3 ج 15 - الجامع لأحكام القرآن. وص 425 ج 2 مغنى ابن قدامة.

ص: 99

وآمن الرسول ويس وتبارك وسورة التكاثر والإخلاص ثنتي عشرة مرة أو إحدى عشرة مرة أو سبعا أو ثلاثا. ثم يقول: اللهم أو صل ثواب ما قرأناه إلى فلان أو إلى الأموات (1)(ورد) بأنه لا يوجد ما يؤيد هذا ولو من طريق ضعيف.

(وعن) على مرفوعا: من مر على المقابر وقرأ "قل هو الله أحد" إحدى عشرة مرة ثم وهب أجرها للأموات أعطى من الأجر بعدد الأموات. أخرجه الدارقطني (2). {106}

(ورد) بأن ابن الجوزي قال في التذكرة: هو مأخوذ من نسخة عبد الله ابن أحمد في الموضوعات (وقالت) الحنبلية وبعض المالكية: لا بأس بالقراءة عند القبر وجعل ثوابها للميت (روى) عن أحمد أنه قال: إذا دخلتم المقابر فاقرءوا آية الكرسي ثلاث مرات، وقل هو الله أحد، ثم قل: اللهم إن فضله لأهل المقابر (3). ولم يثبت ما يؤيده.

(وقال) علي بن موسى الحداد: كنت مع أحمد بن حنبل ومحمد بن قدامة في جنازة، فلما دفن الميت جلس رجل ضرير يقرأ عند القبر، فقال له أحمد: يا هذا إن القراءة عند القبر بدعة، فلما خرجنا من القبر قال محمد بن قدامة لأحمد: يا أبا عبد الله ما تقول في مبشر الحلبي؟ قال: ثقة. قال: كتبت عنه شيئا؟ قال: نعم. قال: أخبرني مبشر عن عبد الرحمن بن العلاء ابن اللجلاج عن أبيه أنه أوصى إذا دفن أن يقرأ عند رأسه بفاتحة البقرة وخاتمتها. وقال: سمعت ابن عمر يوصى بذلك. فقال له أحمد: فارجع وقل للرجل يقرأ. ذكره الخلال (4)(ورد) بأن هذا الحديث شاذ منكر رواه مبشر عن

(1) انظر ص 666 ج 1 رد المحتار.

(2)

انظر ص 309 ج 2 فتح القدير لابن الهمام.

(3)

انظر ص 424 ج 2 مغنى ابن قدامة.

(4)

انظر ص 14 كتاب الروح: وتقدم بلفظ آخر مرفوعا وموقوفا رقم 677 ص 367 ج 7 - الدين الخالص (الدعاء للميت عند الدفن).

ص: 100

عبد الرحمن اللجلاج، وهو ليس من رجال الصحيح ولا السنن الذين يعتد بهم ولا يعرف له في الصحيحين إلا حديث واحد عند الترمذي، وقد قالوا إنه مقبول، ولم يوثقه إلا ابن حبان، وتساهله في التعديل معروف، على أن مبشرا نفسه ضعفه بعضهم ولم يعتدوا بما رواه لأنه لم يتبين سببه فهو حديث لا يثبت، وعلى فرض ثبوته فهو من قول العلاء وابن عمر، ولعله اجتهاد منهما وهو موقوف لا حجة فيه. ولم يرد في هذا حديث صحيح ولا حسن ألبته.

(وعن) أبي بكر رضي الله عنه مرفوعا: "من زار قبر والديه أو أحدهما يوم الجمعة فقرأ عنده (يس) غفر له" أخرجه ابن عدى وضعفه السيوطي. وقال ابن عدى: هذا الحديث بهذا الإسناد باطل، لأن فيه عمرو بن زياد متهم بالوضع (1). {107}

ولذا حكم ابن الجوزي عليه بالوضع وتعقبه السيوطي بأن له شاهدا، وهو حديث:"من زار قبر أبويه أو أحدهما في كل جمعة مرة غفر الله له وكتب برا" أخرجه الحكيم الترمذي عن أبي هريرة (2). {108}

(وهذا) غير صواب لتصريح العلماء حتى السيوطي نفسه بأن الشواهد لا أثر لها في الحديث الموضوع بل في الضعيف (3).

(واختار) ابن القيم أنه لا بأس بالقراءة على القبر تطوعا (لقول) الحسن ابن الصباح: سألت الشافعي عن القراءة عند القبر فقال: لا بأس بها. وذكر الخلال عن الشعبي قال: كانت الأنصار إذا مات لهم الميت اختلفوا إلى قبره يقرءون عنده القرآن (4)(ورد) بأن هذا لا يثبت وعلى فرض ثبوته لا حجة فيه فقد قالوا: إن الصحابي إذا انفرد بقول أو عمل لا يعد قوله أو عمله حجة

(1) انظر رقم 8717 ص 141 ج 6 فيض القدير للمناوي.

(2)

انظر رقم 8718 ص 141 منه.

(3)

انظر ص 141 منه.

(4)

انضر ص 14 كتاب الروح.

ص: 101

ولا يتخذ قدوة فيه، فكيف بغيرهم إذا كان قوله مخالفا للنصوص الصريحة في الكتاب والسنة. (فإن قيل) إن النبي صلى الله عليه وسلم أرشد إلى الصوم والصدقة والحج دون القراءة (قيل) إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يبتدئهم بذلك بل أجاب كلا عن سؤاله، فهذا سأله عن الحج عن ميته فأذن له، وهذا سأله عن الصيام عنه فأذى له، وهذا سأله عن الصدقة فأذن له، ولم يمنعهم مما سوى ذلك. وأي فرق بين وصول ثواب الصوم الذي هو مجرد نية وإمساك، وبين وصول ثواب القراءة والذكر؟ "والقائل" إن أحدا من السلف لم يفعل ذلك "قال" ما لم علم له به فإن هذه شهادة على نفي ما لم يعلم. فما يدريه أن السلف كانوا يفعلون ذلك ولا يشهدون من حضرهم عليه بل يكفي إطلاع علام الغيوب على نياتهم ومقاصدهم لا سيما والتلفظ بنية الإهدار لا يشترط كما تقدم (1). (ورد) بأنه ما من نوع من أنواع البر المشروعة إلا وقد نقل عن الصحابة والسف الصالح فيه الكثير الطيب حتى الصدقات التي صرح القرآن بتفضيل إخفائها على إبدائها تكريما للفقراء وسترا عليهم ولما قد يعرض فيها من المن والأذى والرياء المبطلة لها.

وقراءة القرآن على القبر ليست كذلك حتى إن المراءاة بها مما لا يكاد يقع لأن من يقرأ لغيره لا يعد من العباد الممتازين على غيرهم فيكتمها خوف الرياء. فلو كانت القراءة عند القبر مشروعة لفعله السلف ولنقل إلينا منه الكثير، ولكنه لم يكن.

(فالراجح) الذي تشهد له الأدلة الثابتة أن قراءة القرآن عند القبر مكروهة لأنه لم يثبت فيها حديث مرفوع صحيح ولا حسن ولم ينقل عن أحد من الصحابة ولا التابعين. ولذا قال الإمام أحمد: القراءة عند القبر بدعة. وتقدم الجواب عما استند إليه القائلون بالاستحباب. والله الموفق للصواب.

(1) انظر ص 228 و 229 من كتاب الروح.

ص: 102